رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 22 - 3 - الأحد 9/2/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الثاني والعشرون
3
تم النشر الأحد
9/2/2025
أفسحت له المجال بخجل، وهي تعدل من حجابها غير المُهندَم بالمرة، قبل أن تقترب وترفع الهاتف.
ليسأل مدحت بهدوء بعد أن حياه: تشرب إيه يا ابني؟
ابتسم ياسر برزانة ، وهو يجيب: قهوة سادة.
أشار لها لتطلب له، وبالفعل فعلت، وجلست بهدوء بجانب والدها، بينما يتبادل تميم ياسر حديث هادئ قائلًا: تعبت نفسك، أنا كلها كام يوم وأخرج إن شاء الله.
ربت ياسر على يده، قائلًا بثقة: ده واجبي، اللي بينا مش مجرد شغل وبس. انت عارف غلاوتك عندي يا بشمهندس.
أومأ له بابتسامة، بينما تحرك تميم الصغير بين يديه بضيق، متطلعًا نحو ياسر بفضول، تحديدًا إلى ساعته الأنيقة.
أشار إليه بإصرار، ولم يفهم تميم ما يريد. ناظره ياسر بابتسامة، قبل أن يمد يده له، وبالفعل، أمسك به الصغير راغبًا في الذهاب إليه.
هزت آلاء رأسها برفض، وهي تردد بداخلها:
يلهوي يلهوي، هيفضحنا!
إلا أن تميم الصغير جلس باحترام وهدوء على ساق ياسر، الذي يهز قدمه برتابة وهو يحادث تميم، بينما الصغير لا يهتم إلا بالساعة، يتلمسها بانبهار شديد.
ابتسم له ياسر، وهو يخلعها بهدوء تام، يعطيها له.
زمت آلاء فمها، تكاد تصرخ: سيلقيها الحيوان الصغير في الأرض وستتحول لألف قطعة صغيرة!
لكن ذلك لم يحدث، بل كان فقط يستكشفها.
إلا أن ياسر وقف قائلًا بهدوء: أنا هستأذن.
قبَّل الصغير بحنان، ووضعه بين يدي تميم، الذي حاول أخذ الساعة من بين يدي الصغير الرافض.
ليقول ياسر برفض:
– خليها معاه لو سمحت.
وغادر سريعًا بهدوء كما أتى، بعد أن حياهم بهدوء، ولم ينسَ أن يحيي الصغير، الذي ظل يلوح له.
❈-❈-❈
بعد وقت طويل، قد تناولوا الطعام، أو بمعنى أدق المتبقي منه، وتحمد الله أن لوزة لم تقربه وكان لا يزال مغلقًا كما أتى، فقد كانت جائعة للغاية وهو أيضًا.
راضته، وقبل هو.
وأخيرًا، كان يجلس على أريكتهم المعتادة، يضمها إلى صدره بحنان، في مكانها المفضل، مكانهم الذي هجراه طويلًا، غافلين عنه وعن أهميته لعلاقتهما.
لكن، وبعد الكثير من الصراع والمشاكل، أخيرًا عاد ليضمها ويشعر بدفء قلبها، عاد ليحيا تلك السكينة التي طالما أحبها بينهما، وهو يشعر بحبها حتى وإن لم تنطق به.
تراه الأهم، ويراها كذلك.
تنهدت بسعادة، وهي تستند على صدره، تحيا هذا الدفء والهدوء، تنظر أمامها تراقب السماء بسعادة.
تجلس على ساقها لوزة الغافية بوداعة ورقة.
بعد أن صمت وهو يراها تنام على ساقها، لم يتحدث، لم يرد أن يفسد الأجواء، احترم رغبتها، وصمت، يضمها هو، وتضمه هي.
كانت صورة عادية للبعض، لكن لها كانت الصورة الأهم، حيث تضم السعادة بين يديها.
وفي تلك اللحظة، كان كل منهما يشعر بالكثير من الراحة، وكان هذا أكثر من كافٍ في تلك اللحظة.
❈-❈-❈
وقفت حور في المطبخ تتابع تحضير الطعام مع منير.
أطفأت الموقد، وحضرت العصير لكل منهم ما يريد.
ووقفت تتابع منير وهو يعد وعاء السلطة الكبير، وما إن انتهت من التأكد من الانتهاء من كل شيء، حتى تحركت بهدوء لتصعد إلى الغرفة حيث ينام حسام منذ أتى صباحًا.
احتضنها والصغيرة، ثم صعد لينام بتعب شديد، دون حتى أن يأكل أو أن يضع لقمة في فمه.
كان بحاجة للكثير من النوم والراحة، وهي أكثر من يدرك هذا.
فتحت الباب ببطء شديد، وهي تراقب نومه المرهق على الفراش، بجانبه شمس تندس بين أحضانه هي الأخرى.
ابتسمت بهدوء، وهي تتهادى مقتربة منه، حتى جلست على حافة الفراش، تراقب وجهه المرهق بشدة، قبل أن ترفع يدها تتحسس خصلاته، تطالع وجهه بشرود.
فتح عينيه بانزعاج، ليقابله وجهها المليح، تناظره دون أن تدرك استيقاظه حتى.
اشتاق لها، أَيُنكر؟
أبدًا، هي قطعة من قلبه، ابنته الأولى.
أمسك يدها، فانتفضت متفاجئة، مغمغمة عيناها بأسف وهي تراه يقرب يدها لفمه ليقلبها:آسفة، صحيتك.
ابتسم لها بخفوت متسائلًا: هي الساعة كام؟
أخبرته، ليتابع بإرهاق: ياااه، نمت كل ده؟ حاسس جسمي كله مكسر، حقيقي يعني.
شددت على يده بحنان، قائلة بعطف: يلا قوم، خد شاور والبس، وحصلني تحت. الأكل جاهز، إنت مكلتش حاجة من الصبح.
قربها منه، وقبل رأسها، قبل أن يتحرك ليدلف إلى الحمام بتعب، بعد أن أهدى دُبّته الصغيرة قبلة هي الأخرى.
ابتسمت حور في أثره، وهي تحمل الصغيرة، تدثرها بالغطاء الخاص بها، لتهبط بها للأسفل، حيث الغرفة القريبة منها، لتظل تحت عينيها إذا استيقظت في أي وقت.
وغادرت الغرفة، منتظرة أن يتبعها، ليتشاركا المائدة بعد الكثير من الأيام المرهقة.
❈-❈-❈
رتبت المائدة بمساعدة منير بعد أن أصرت على ملك أن تجلس وترتاح، أما يارا فلم ترها فعليًا اليوم، تقريبًا في غرفتها لم تخرج.
وصادف وضع الطعام دلوف مدحت، والاء تحمل تميم النائم، والتي قالت بهدوء:
ثواني بس، هحط تميم وأجي أساعدك.
أومت لها حور بهدوء وهي تكمل ما تفعل، وبعد عشر دقائق اجتمع الجميع، إلا يارا التي أخبرت آلاء بأنها متعبة وستنام، والصغار شمس وتميم النائمين في الغرفة.
مال مدحت على أمير الجالس بجانبه ينظر للهاتف:خدت مراتك للدكتور؟
نظر له أمير، يهز رأسه نافيًا، ليتابع مدحت بحدة:مراتك أمانة عندك، تهتم بيها، تاخد بالك منها، بدل ما تروح تشوف مالها، قاعد تاكل؟
تأفف أمير، قائلًا بلا مبالاة: ماشي يا بابا، حاضر، هاكل واطلع.
طالعَه مدحت بغير رضا أبدًا وهو يراقب بقية أبنائه.
أنس بجانبه ملك، يدللها ويطعمها بحنان.
حسام وحور، المهتمة بأدق تفاصيله، تضع له المياه، تضع له قطعة الدجاج التي يأكلها، تتابعه ويتابعها.
ولكن طالت نظراته عند آلاء، وهو يرى شرودها في إطعام الصغار، حيث توزع اهتمامها بين أولادها وأولاد يارا المتغيبة، تصب عليهم الاهتمام صبًا دون أي تفريق أبدًا.
تظن أنه لا يرى حزنها، تظنه لا يلاحظ اختفاء رامي الغريب، اختفاء لم يفهمه ولم يجد وقتًا له للأسف، لكنه يعلم أن هناك ما حدث.
لقد تأكد من حسام أن آلاء لم تأتِ إلا بعد أخذ إذن زوجها، فهو لا يسمح أبدًا بإهانة أحد أزواج بناته أو أحد زوجات أبنائه، كلهم واحد بالنسبة لهم، أبناؤه وبناته.
ومن يخطئ، يستحق العقاب.
❈-❈-❈
كانت تجلس في فراشها تتابع أحد الأعمال على الحاسوب بهدوء. لم ترغب في مشاركتهم الطعام، وتحججت بكونها متعبة، رغم أن آلاء اقترحت عليها أن تأخذها إلى المستشفى أو حتى أن تطلب لها الطبيب، لكنها رفضت بأدب، مفضلة النوم.
لكن... أي نوم؟
نعم، هي مرهقة ومتعبة، وفوق كل هذا لديها الكثير من الأعمال التي يجب أن تُنجز، ووجودها هنا لا يساعدها أبدًا. تميم أصبح بخير، ولا تدري لماذا هم هنا حتى الآن.
قاطع شرودها دلوف أمير إلى الغرفة، يناظرها بهدوء، قبل أن يجلس على الفراش بجانبها متسائلًا بهدوء: مالك؟ آلاء قالت لي إنكِ تعبانة.
أغلقت الحاسوب وهي تجيب بضيق: تعبانة شوية بس... أمير، إحنا هنروح إمتى؟ أنا تعبت من القعدة هنا، وتعبت من إني أقولك إني مش عايزة أقعد هنا.
ثم تابعت متُذكّره:ده مش عرض لازم نعمله. وجودك فعليًا مش فارق زي ما أنت فاكر. في المستشفى قاعد بتخلص شغل، وفي البيت قاعد بتخلص شغل. جينا ليه؟ عشان تثبت وجودك؟ بس مجرد إثبات!
ثم أردفت بقسوة: أنت غلطان يا أمير لو فاكر إن الكل مش شايف ده، الكل شايف وحاسس... حتى أونكل مدحت، بس تقريبًا محدش حابب يجرحك. فخلينا ننهي المهزلة دي ونرجع بلدنا وبيتنا. أنا ورايا شغل، وأنت كمان.
صمتت لحظة، ثم أكملت بتأكيد: أتحداك تنكر! بس مش هتقدر، لأنها الحقيقة... أنت مش حابب، مش عايز تفضل هنا. وطبعًا مش هننسى ولادنا اللي وراهم حاجات كتير جدًا هناك، وإحنا هنا كلنا متضررين... وأنت أولنا.
قالتها بيقين، ولأول مرة لم ينطق.
هي محقة... هو يريد المغادرة، واليوم قبل الغد.
ولم يدرك أبدًا أن صوت يارا كان أعلى من الطبيعي، فسمعه مدحت دون قصد وهو ذاهب لغرفته ليصلي. كان يعرف، لكن الآن... لا فرار من الحقيقة.
❈-❈-❈
كانت ما زالت جالسة في فراشها بعد أن أنهت الاتصال مع فريدة.
الوضع لا يبشر بالخير، لكنها تثق أن فريدة ستحاول. لكن، هل ستكون محاولاتها كافية؟
أفاقت من شرودها على صوت طرقات على الباب، تبعها دُخول والدها بعد أن أذنت له.
اقترب منها وجلس بجانبها، وظل صامتًا ينظر إليها، قبل أن يقول بابتسامة متأملًا ملامحها: شِبْهها أوي.
لم تكن تحتاج للكثير من الذكاء لتعلم من يقصد، فهي تشبه أمها، رحمها الله.
ابتسمت بشرود... رحلت باكرًا، وتركتها، ولولا حسناء لما كانت بخير أبدًا. لذا، فتحت فمها تهمس بخفوت: الله يرحمها.
تنهد جمال ينظر لها بحنان، قبل أن يمد يده يمسك يدها برِقَّة قائلًا: لحد إمتى يا سارة؟
أخفضت وجهها، إلا أنه لم يسمح لها، وهو يرفعه متابعًا بلين: لحد إمتى يا سارة؟
شدَّد على يدها أكثر، فانتقلت عيناها إلى عينيه، قبل أن تجيب بصدق: لحد ما أرتاح، يا بابا.
أنا يوم العزومة قعدت عشان خاطرك، عشان ما أحرجكش، وأنا كنت رافضة إني أتعرض للموقف ده. بس سكت عشانك، لأني مستحيل أحرجك أو أقلل من رأيك. بس أنا مش عايزة، يا بابا، صدقني مش عايزة، أنا مرتاحة كده.
كان يتابع حديثها بوجه جامد، رافضًا لكل حرف تنطق به، لذا ردد بصوت حنون عميق: مينفعش يا سارة.
إيه، هتعيشي العمر كله معايا؟!
إنتِ عارفة جالك كام عريس بيطلب إيدك؟ سواء عن طريقي، أو شافك وأُعجب بيكِ، وردك بيكون واحد: لا!
مبررات متقنعش طفل صغير! بترفضي حتى تقعدي معاهم، ولو قعدتِ، بتفضلي ساكتة!
لحد إمتى؟ لحد ما العمر يجري بيكِ، وتلاقي نفسك وحيدة، لا جواز ولا عيال؟!
إزاي بتفكري كده؟ وليه؟
عضَّت على شفتها باختناق. ماذا تخبره؟
أنها تحب أحدهم، دون أن تجد القدرة على نزعه من قلبها؟
والأدهى، أنه لا يدري أنها تحيا من الأساس!
كيف لها أن تقول هذا؟!
فتحت فمها محاولة الحديث، إلا أنه قاطعها قائلًا بحسم: أنا طبعًا مستحيل أجبرك على الجواز، ده شيء مرفوض، وإنتِ كده كويسة.
لكن، في نفس الوقت، مش هقعد أتفرج عليكِ وإنتِ بتضيعي عمرك سنة ورا سنة... وأسقف لكِ!
وتابع: في عريس اتقدم، وأنا شايفه مناسب تمامًا.
رغم إن رأيي، مقابل رأيك، مش مهم أبدًا، بس هفضل أحاول، لأني أب.
العريس، أنا كلمته، وحددت معاه معاد. جهِّزي نفسك.
كانت تناظره بعيون متسعة، رافضة، إلا أنه قال بحزم رغم لينه: المرة دي هتقعدي.
عايزة ترفضي، إنتِ حرة، وأنا كمان، ومش هبطل أبدًا أحاول أطمن عليكِ، مهما حصل.
ثم ترك يدها، متحركًا ليغادر الغرفة، تاركًا إياها لا تعرف ماذا تفعل...
❈-❈-❈
كان يتحرك في غرفته ذهابًا وإيابًا، الهاتف على أذنه، يكاد يصرخ بجنون في تلك التي ابتُليَت بها حياته.
أبعد الهاتف لوهلة عن أذنه، مستمعًا إلى صراخها بإرهاق حقيقي. لقد عاش أيامًا من أسوأ أيام حياته. ألم يكن يكفيه حزنه على صديقه؟ لا، طبعًا، فهي لا تتوقف أبدًا عن الطلبات.
والمصيبة الأكبر أنها لم تعرف بعد بأمر المال. لقد دفع كل ما يملك فعليًا في تكاليف علاج تميم، ولم يعد يملك أي شيء سوى راتبه، الذي تم القضاء على نصفه.
حاول تدبير المبلغ في الأيام السابقة، لكنه فشل. لم يكن مبلغًا هينًا، وهو مديون للكثير بالفعل. ولم تسمح له هي بالمزيد من الوقت، فبكل ساعة فعليًا تهاتفه، تخبره متى سيدفع هذا وهذا وهذا... والآن ملت، وتطلب منه أن يدفع غدًا، تصرخ وتوبخه على تأخير الترتيبات.
رفع عينه يطالع صورته في المرآة، مجهدًا، متعبًا، وحزينًا، قبل أن يهمس بتعب:أنا جاي بكرة يا داليا، محتاجين نتكلم.
صمتت قليلًا قبل أن تقول بتوجس:ليه؟ ده أنا بقالي كتير بتحايل عليك تيجي، وانت اللي بتهرب بحجة صاحبك!
ابتسم ابتسامة مريرة مجيبًا بسخرية: على أساس فارق معاكي صاحبي أو حزني عليه؟ في عز رعبي عليه كنتي بتتصلي تختاري ألوان حاجات في العفش!
ثم تابع بحزم: اقفلي يا داليا، لينا كلام بكرة. يلا سلام، عشان ورايا شغل.
وأغلق الهاتف سريعًا، دون أن يسمح لها بالمزيد.
ظل في مكانه، ينظر إلى صورته، شاعرًا أن الغد لن يمر مرور الكرام... أبدًا.
❈-❈-❈
عدَّلت من وضع الغطاء على جسد آسيا النائمة بعمق، قبل أن تميل عليها مقبِّلة إياها بحنان شديد.
وظلت تناظرها بضع دقائق، قبل أن تغادر الغرفة مغلقة الباب خلفها بكل هدوء.
كانت تسير في الممر متوجِّهةً إلى غرفتها بملامح شاردة ومتعبة، دلفت ورمت نفسها على مقعدها بجوار النافذة، ليتأرجح بها ذهابًا وإيابًا دون أن يتوقف... كعقلها المنشغل دائمًا بألف شيء، وأولها فريدة.
تلك التي لم تحادثها منذ مدة طويلة.
تشعر بالحزن... الكثير من الحزن.
لكنها لا تريد... لا تريد أبدًا هذا الشعور.
تكرهه...
شعورها بالحزن والحنان تجاه فريدة يُضعفها، وهي لا تحب الضعف، تمقته وبشدة.
انتفضت من مقعدها شاعرةً بالاستياء والجنون، وعقلها لا يتوقف.
فليتوقف... فليتوقف!
كفى... كفى!
تحركت تدور حول نفسها، لتقابلها صورتها في المرآة.
وقفت تطالعها بقوة، لكن لن تخدع نفسها.
أيُّ قوة؟
متى كانت هي قوية؟!
بل كانت دائمًا ضعيفة... حزينة... منكسرة.
كانت تريد ولا تحصل، تتمنى ولا يتحقق، تبكي ولا تجد من يضمها، تجوع ولا تأكل، تذاكر ليل نهار دون كلمة حب أو تشجيع واحدة.
كانت... وكانت... وكانت...
كانت كما أرادتها أمها، تحيا لأجلها، لتنفيذ مطالبها وأوامرها، دون جدال، دون نقاش، دون أي شيء.
تُؤمَر فتُطيع.
هكذا تربت.
تربت على كل تلك القسوة.
تربت حتى وصلت لما هي عليه الآن...
صفية، سيدة الطبقة المُخملية، التي يقف الجميع احترامًا وتقديرًا وخوفًا منها.
حتى إنها أصبحت أقوى من أمها بمراحل، كانت النسخة الأقوى.
لكن بداخلها كان الفراغ...
لا تجد تلك القوة، فقد كان ضعفًا خفيًّا خلف قناع الوهم، لا يراه أحد سواها.
لا تسمح أبدًا...
يستحيل أن تسمح!
هي تزوَّجت من اختارته أمها، قبلت به، أحبَّته كما أخبرتها، وسعت لسنوات طويلة تحاول إنجاب الوريث كما طلبت منها أمها.
لكنه لم يأتِ... لم يأتِ!
فظلت تحاول مرارًا وتكرارًا...
تحمل وتُجهض وتخسر...
طفلًا خلف الآخر، يغادر رحمها وقلبها المتعب، حتى حملت بفريدة.
لم تكن تريدها...
لم تعد لديها تلك المشاعر.
أرادت التخلُّص منها كي لا تظلمها، هي لا تريد... لا تريد!
لكن أمها رفضت، وأصرَّت بقوة، صرخت بها وعنفَّتها، أخبرتها أنها ستخسر كل شيء.
فرضخت وصمتت.
لكن حينما أتت آسيا للحياة، كانت كالشُّعلة التي أنارت ظلمتها، حملتها، ضمَّتها إلى صدرها، وبتلك اللحظة أودعتها كل الحب بقلبها.
وحينما حان دور فريدة...
وأتت... كان الوضع مختلفًا، كل شيء مختلف.
أحبتها... هي ابنتها، كيف لها ألا تحبها؟!
لكن... ألم تكن تحبها أمها؟
أحبتها، ولهذا أرادت أن تراها الأفضل، كما تمنت لفريدة.
حاولت مرارًا وتكرارًا أن تكون مختلفة، لكن لم تقدر.
لم تفهم أين الخلل؟
لماذا خرجت الأمور عن زمامها الصحيح؟
أيُّ خطأ ارتكبت؟!
قالتها بداخلها بجنون:
هي لا تفهم... هي لا تفهم!
قبل أن تمسك هاتفها، تُلقي به بقوة على المرآة، محطِّمة إياها بجنون!
وقفت بعدها تناظر صورتها المشوَّهة، تمس جسدها المرتجف بشدة، لا تدري ماذا يحدث معها.
لم تكن يومًا بهذا الضعف...
هي قوية!
هي ستجعل أمها فخورة بها!
هي ستسير على خطاها!
ستُرضيها!
ستُرضيها وتحبها!
تحبها... وتضمها!
ستهديها ضمة حنونة... ضمة لطالما حلمت بها!
خانتْها قدماها، لتسقط أرضًا، تضم ساقيها إلى صدرها، ودموعها تسقط وحدها.
هي ربت فريدة كما ربتها أمها، لتراها تنال نظرة الفخر... نظرة الحب...
نظرة... نظرة واحدة فقط!
لكنها لم تحدث...
بل غادرت الحياة، دون أن تُلقي عليها نظرة واحدة حتى...
ولا نظرة!
فكرت بها وهي تشعر بنفسها تبكي...
تبكي كطفلة صغيرة...
عادت للوراء سنوات طويلة...
طفلة ظُلمت... فظَلمت!
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية