-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل الأخير - 1 - الأربعاء 12/2/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الأخير

1

تم النشر يوم الأربعاء

12/2/2025



ها قد حان الوصال...


بعد ليالٍ من الشوق، وخطى أرهقها التردد بين الخوف والرجاء، انتهى المسير عند عتبة اللقاء. لم يكن اللقاء مجرد عناقٍ، بل امتزاج أرواح نضجت بالانتظار، وتيقنت أن الحب الذي يرويه الصبر والمواقف لا تذروه رياح الحياة.


العينان اللتان طالما بحثتا عن الأمان، وجدتا في بعضهما ميناءً لا تزعزعه العواصف. واليدان اللتان اعتادتا الفراغ، التحمتا بقوة، كأنهما تعاهدتا ألا تفترقا مجددًا.


اليوم، طوى القدر صفحته الأخيرة، لا على فراقٍ، بل على بدايةٍ طالما حلم بها القلبان.


فيا كل الطرق التي أنهكتنا، شكرًا لأنك قدتنا إلى هذا اللقاء. ويا كل الدموع التي سالت، ها نحن نمسحها بيد من أحببنا. فقد حان الوصال، وما عاد للضياع مكان بيننا.


#اهداء الجميلة سنا الفردوس 



❈-❈-❈


يا منجد على المرتبة، عروستنا حلوة مؤدبة

يا منجد على المرتبة، عروستنا حلوة مؤدبة


هو اللي جانا لوحده، محدش فينا راحله

هو اللي جانا لوحده، محدش فينا راحله


يا بت، اديله ساعته، ما خلاص بقيتي بتاعته... لولولوي

يا بت، اديله ساعته، ما خلاص بقيتي بتاعته... لولولويييي


تلك الأغاني التراثية القديمة، كانت تدندن بها رقية وتصفق بيدها للأطفال المتجمعين حولها كي يرددونها من خلفها، داخل منزل محروس، اندماجًا مع أجواء الاحتفال اليوم، وزفاف صفية على الطبيب هشام، في جو من البهجة التي لا تكف المرأة عن نشره في كل جلسة لها:


ياللا يا عيال، انت وهي


"أهو جالك يا بت"


"أهو جالك يا بت"


"ريح بالك يا بت"


"ريح بالك يا بت"


"اطبخيله الصبح بطة"


"واطبخيله العصر يا بطة"


"كتري يا بت الشطة"


"وأهو جالك يا بت"


"وأهو جالك يا بت"



هلل خالد ابنها الذي كان عائدًا من عمله بصحبة زوجته المحامية نوال، ليردد بمرح (هو الآخر) ويشاركهم التصفيق:


"وعند بيت أم فاروق، الشجرة طرحت برقوق... بغني أحسن منك أهو يا رقية."



صدحت أصوات الأطفال بالضحكات مقهقين لفعله، فخطا يحشر نفسه بينهم ليلتصق بوالدته التي تأففت متذمرة:


"يا ستير، جاي من شغلك عشان تتلزق فيا، ما تروح يا خويا، استحمي الأول بريحة عرقك دا."



ضحكت زوجته تشارك الأطفال مرحهم في متابعة مشاكسات الاثنان، وقد تعلّق أبناؤه برقبته مستمتعين بالأجواء:


"دا برضو كلام دا يا رقية، خليت العيال تضحك عليا ويفتكروني بطلع ريحة بجد، وأنا حتى عرق عادي مبعرقش، والاستاذة مراتي تشهد."


"طبعا، أشهد ونص كمان."

قالتها نوال بثقة تدعمه لتعقب رقية بعبس تدعيه:


"طبعا، عشان باطلة زيه يا محامية على ما تفرج، بقى دا مبيطلعش ريحة ده؟ دا أنا شميت ريحته أول ما دخل الشارع."



ضمها إليه وهو يقهقه بمحاولة مرحة عله يُسكتها:


"خلاص يا ست، فضحتينا، انتي مبتستريش أبداً."


"لا، ما بسترش."

تمتمت بها عند تقاومه، حتى وصل إليهم صوت محروس الذي عاد من الخارج بصحبة ابنة شقيقته:


"متجمعين عند النبي إن شاء الله، دا إيه الهنا دا كله، كل الحبايب متجمعين."



كادت أن تناكفه رقية كعادتها، ولكنها انتبهت لدلوف غادة أبنة شقيقته معه، لتتجاهله وتستقبلها فاتحة ذراعيها:


"غادة، من زمان محدش شافك يا مضروبة."

ركضت نحوها المذكورة لتلقي بنفسها عليها وتقبلها:


"وحشتيني، وحشتيني يا ست رقية، معلش بقى البيت والعيال وابوهم، دا أنا بالعافية بشوف أمي، هي فين صفية ولا البت زهرة؟ دي وحشاني أوي، بنت اللذينة."



جاءها الرد من سمية والدة العروس، والتي خرجت من المطبخ لترحب بها:


"في الكوافير يا حبيبتي، خرجوا من ساعة بس، ربنا يعدي ليلتها على خير بقى، ادعيلنا."


"داعية بقلب جامد والله، ربنا يتم فرحتها على خير، اللهم آمين."



❈-❈-❈


عاد من عمله اليوم يبحث بعيناه عنها، بعد غيابها ولأول مرة منذ توظيفها كمسؤولة ، عن مباشرتها اليومية، وقد أثبتت في تلك الفترة القصيرة مدى جدارتها ورجاحة أفكارها التي ساهمت بشكل ملحوظ في زيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة بخبرتها بحس الأنثى التي مارست عملها في مجال الملابس منذ سنوات؛ كان غافلًا عنها هو كرجل، حتى وهو صاحب مصنع وله خبرة كبيرة في هذا الشأن.


وجد الطفلان أمام الشاشة الكبيرة التي تُدار عليها اللعبة التي يمسكان بذراعيها ويمارسان التحدي بحماس.


"ابعد من سكتي يا آدم بدل ما أفرمك."


"تفرمي مين، دا أنا الزعيم يا بنتي، يعني أقدر أفرتكك دلوقتي بالقنابل اللي معايا."


"يا راجل، طب خد الصارخ دا على دماغك."


"اااه، كدة توقعيني في البحر يا عائشة."



صرخ في الأخيرة آدم، يستهجن فعلها، بعدما نفذت تهديدها تقضي على البطل الذي يلعب به، لتكسب الجولة، فترقص فرحًا بانتصارها غير عابئة بتذمره:


"يا معلم يا معلم، دي الجولة التانية أخلص عليك فيها يا آدم."


"بالغش، عشان بتغفليني."


"شطارة، اسمها شطارة يا حبيبي، مش تغفيل."



كاد أن يحتد النقاش لولا تدخله السريع للفصل بينهما:


"باااس، انت وهي، دا كله لعب، يعني تستمعوا مش تتحدوا بعض."



هدأ الطفلان بعد كلماته، ليهبط على وجنة كل منهما مقبلاً، لتهدئة الأجواء الحماسية بينهما قبل أن يسأل:


"بهجة، وطنط نجوان لسة مرجعوش من برا؟"


"وبتسأل ليه؟ عايزنا في حاجة مهمة؟"

كان هذا صوت نجوان التي انتبهوا إليها قادمة من مدخل المنزل، بابتسامتها الساحرة، وخلفها كانت بهجة التي طرقت برأسها خجلًا فور رؤيته.


"لا طبعا، مفيش حاجة مهمة، أنا بسأل بس عشان أطمن، هو انتوا راجعين من فين؟ أنا عديت على مقر الجمعية في قصر جدي، بس ملقتكوش."


"لا، ما هو إحنا مروحناش الجمعية، كان عندنا مشوار مهم."


"أيوة يعني، مشوار إيه؟"

ما زال مستمرًا في استفساره، وعيناه لا تترك تلك الصامتة، والتي زادت معالم الخجل تعلو تعابيرها لتضاعف من دهشته:


"أصلنا كنا عند الدكتور."


"دكتور إيه؟ هي بهجة عيانة؟"

صدرت منه سريعًا ليتجه نحوها بقلق يتفحصها بعينيه، وهي ما زالت على حالة السكون؛ ولكن زاد احمرار وجنتاها اللتان طفي بهما اللون الوردي والسخونة، حتى أردف حانقًا:


"في إيه؟ هو انتي تعبانة من إيه بالظبط؟"


"تعبانة في نونا، لازم نقولها صريحًا يعني."

قالتها نجوان بسهولة، لم يستوعبها في البداية جيدًا حتى كاد أن يواصل استفهامه، لولا استداركه فجأة لتلمع عيناه نحوها:


"الكلام ده بجد ولا هزار؟"

خرج صوتها أخيرًا في رد له:


"وهو الكلام ده فيه هزار برضو، صدق يا رياض، إن حلمك أخيرًا هيتحقق و..."



لم يتركها تكمل، وقد خطفها بين ذراعيه يعتصر عظامها بضمته؛ بلوعة المشاعر التي تأججت داخله، زوجته حامل بطفل منه، سيصبح أبًا لطفل صغير منها؛ هل تلك أمنية عزيزة تحققت أم هو حلم كان بعيد المنال؟ لا يدري.


"ما خلاص بقى الأولاد."

تمتمت بها نجوان بصوت خفيض تضع يدها على ساعده كي ينتبه لوجود الأطفال، فيترك حبيبته بصعوبة متجهًا نحوهما، وقد تحول الشجار الآن من لعبة الشاشة إلى لعبة أخرى:


"الله، يعني هيبقى معانا نونو جديد ونلعب بيه."


"تلعب بمين يا حبيبي؟ دا ابن اختي، يعني هيبقى لعبتي أنا، يعني أنا اللي هيشيله، ومش هخلي حد يقربله."


"يا سلام، ما هو ابن أخويا أنا كمان، يبقى ليا فيه، زي ما ليكي انتي فيه، بل أكتر؛ دا هيستمى بأسمه، يبقى حقي أنا فيه أكتر."



احتد النقاش مما أجبر نجوان على التدخل للفصل بينهما:


"باااس، لا انتي ولا هو، دا أول أحفادي يعني هيبقى ليه وضع خاص، دا غير إنه هيبقى تحت رعايتي، حتى باباه ومامته ملهومش دعوة بيه."



سمع رياض ليتدخل في الجدال هو الآخر:


"ننننعم، ملهومش دعوة ازاي يعني يا ست ماما؟"

مطت شفتيها تجيبه بسطوة:


"كدة من غير تبرير، انت تخلفوا وأنا استلم، دول أحفادي، يعني لازم كلهم يبقوا نسخة مني، نسخة من نجوان هانم، عندك اعتراض يا بهجة?"



نفت لها الأخيرة بتحريك رأسها، تجيبها بابتسامة:


"لا طبعا، وأنا أقدر."


"الله الله، يعني كمان بتتفقوا وأنا معاكم، وكأني هوا وسطيكم."


"لا يا حبيبي مش كأن، انت فعلا هوا قصادي، ياللا يا ولد اسحب مراتك على أؤضتها خليها تريح من المشوار."



تلقف الأخيرة منها بلهفة، أنسته النقاش من أوله، ليبادر بسحب يد زوجته مرددًا:


"عشان خاطر الغلبانة التعبانة، لكن النقاش منتهاش طبعا يا نجوان هانم."



لم تعلق نجوان، وتابعته يذهب بزوجته بسعادة تداعبها من الداخل؛ ما أجمله من شعور، سوف تكون جدة وابنها قد نال أخيرًا عيش حياة طبيعية والدفء الأسري الذي حُرم منه لسنوات.


❈-❈-❈

صعد بها إلى الطابق الثاني، محتفظًا بجُموده ورزانته، حتى إذا اختفيا عن الأنظار، فوجئت به يرفعها ويحملها بين ذراعيه، لتشهق مُجفلة في البداية، قبل أن تستعيد ثباتها، ليتحول رد فعلها إلى ضحكات مرددة أمام جِدّيته في الهَرولة بها مسرعًا بخطواته:


رياض، أنت عقلك راح منك يا حبيبي؟ رياض، يا مجنون، حاسب لا توقعني!



توقف فجأة ليدفع باب الغرفة بقدمه، ثم دلف بها حتى وضعها على الفراش، ليُجاورها في الجلوس، فيخرج صوته أخيرًا:


كان لازم أشيلك وألفّ بيكِ من ساعة ما سمعت الخبر، بس وجود ماما مع الولاد هو اللي منعني، وخلّاني فضّلت ماسك نفسي بصعوبة لحد ما نبقى لوحدنا.



ضحكت، تُعقِّب على قوله بمرح:


كل ده وكنت ماسك نفسك؟ دي طَنط نجوان قرصتك في دراعك عشان تاخد بالك ومتتهورش!


عملت خير، ذكية وحاسّة بيا، أنا لولاها فعلًا مكنتش وقفت اللي بعمله.


توقف إيه تاني؟ ما أنت حضنتني جامد ومتكسفتش من الولاد.



قالتها بخجل لا يخلو من مرح، فجاء رده بالفعل مرافقًا لقوله، يُكوّب وجهها بين كفّيه، فيلثم جبهتها كبداية، قبل أن يطوف على باقي بشرتها مرددًا:


يعني أعمل كده مثلًا، وكده، وكده، وكده...



تابع حتى وصل إلى ثَغرها مردفًا:


ودي بقى كنت هموت عليها.



انفرجت شفتيها بغرض التحدث، فالتقط هو الفرصة ليحوّل الأمر لصالحه، مُحطًّا بشفتيه على شفتيها، ليأسرها في قُبلة كانت هي الأطول، ثم مال بها، ليتسطّح جوارها على الفراش، وما زال يُحكم أسرها بين ذراعيه، مُريحًا رأسها على صدره، متمتمًا بكلمات الحمد، لخالق الكون الذي يفيض عليه بنعمه، ويريح قلبه بعد عذاب.


فردت ذراعها هي الأخرى حول خصره، تتنفس الأمان في غمرته، والسعادة المُكتملة، قائلة:


أنا بحبك أوي يا رياض.


الصفحة التالية