رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل الأخير - 2 - الأربعاء 12/2/2025
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الأخير
2
تم النشر يوم الأربعاء
12/2/2025
داخل صالون التجميل الخاص بالسيدات
كانت زهرة تدور بهاتفها لتلتقط العديد من الصور لشقيقتها صفية بعد أن انتهت من زينتها، وتبقى الآن فقد مجيء العريس؛ كان فمها لا يتوقف عن الإطراء بكلمات الغزل ربما تخفف عنها توتر الظاهر:
"قمر قمر يا حبيبتي، بسم الله ما شاء الله عليكي، اضحكي يا بت، خلي صف الأسنان الولي يظهر وينور الصورة كدة."
مطت شفتيها بابتسامة مضطربة لم تُعجب زهرة، حتى هتفت بها تطالبها:
"إيه الابتسامة السخيفة دي، ما تفردي وشك كويس يا بت."
ردت صفية بعصبية تنبع من توترها الشديد:
"اهي دي بقى اللي عندي، مش عاجباكي يا زهرة، متصوريش، أنا أساسًا مش عايزة صور ولا زفت."
"يا ستيير."
تمتمت بها زهرة باضطراب انتقل إليها؛ فبرغم كل المحاولات التي قامت بها معها لتهدئتها، إلا أن الفشل كان نصيبها؛ لا تدري ماذا تفعل لفك جمود شقيقتها وتجمدها.
فاقت من شرودها بقدوم صديقتها العزيزة كاميليا، تتحدث رافعة حاجبها باندهاش:
"إيه ده؟ هي دي عروستنا صفصف ولا أنا غلطت في العنوان."
استجابت بشبه ابتسامة أثارت ارتيابها، فتكفلت زهرة بالرد:
"ادخلي يا كاميليا، سيبك من العروسة المبوزة وتعالي لصاحبتك، هي اللي عايزاكي."
قطبت كاميليا تقترب من الاثنتين متسائلة:
"تبوز ليه؟ كف الله الشر في يوم زي ده، مالك يا صفصف، في حاجة مديقاكي؟"
حركت رأسها بنفي وإنكار:
"لأ طبعا، مفيش، ولا متعصبة ولا أي حاجة."
لم تقنع الإجابة كاميليا، فاتجهت بنظرتها نحو صديقتها التي وضحت لها:
"مش متعصبة خناق، هي متعصبة توتر."
"إيييه توتر!"
صدحت بها كاميليا لتواصل استهجانها:
"توتر إزاي يعني، هو إحنا قليلين؟ ولا إحنا قليلين، ما انتي زي القمر أهو والارتست مظبطاكي تمام، يبقى إيه اللي خليكي تقلقي بقى؟"
كادت أن تتحدث ردًا لها، ولكن زهرة سبقت لتهمس لها ببعض الكلمات التي جعلت الأخرى تشهق فاغرة، فاهاها، ثم تضحكان بصوت مكتوم، مما أثار التوجس بقلب صفية لتتهتف بهما:
"بتقوليلها إيه يا زهرة؟ شكلك بتقوليلها حاجة قبيحة، والمصحف أنا قلبي حاسس."
علا صوت الضحكات، حتي انتقل الحديث إليها بالهمس داخل أذنيها من الناحيتين، مرة بالتساؤلات ومرات بالمزاح الذي كان يستفزها معظم الأحيان؛ ولكن رويدًا رويد أصبحت تشاركهم الضحك على خجل، حتى استرخت ملامحها واندمجت، وحين جاء ميعاد دخول العريس: فغر فاهه هو الآخر بعدم تصديق، بمجرد أن وقعت عينيه عليها، مرددًا بمزاح بدد رهبتها:
"يا نهار أبيض، دي الأستاذة؟ ليكون أنا غلطت في العنوان، معقول دي الأستاذة الآنسة صفية."
ضحكت زهرة وكاميليا والعاملات لمزاحه، مما أثار غيظها؛ حتى إذا اقترب منها وكزته على ذراعه فتوجع متمتمًا:
"آه براحة يا أستاذة، كدة على طول، طب استني شوية مش قدام الناس."
زجرته بعيناها حتى يكف عن عبثه، ولا يزيد عليها أمام الخبيثات المرافقات لها وعاملات المحل؛ فتبسم بتفهم وأعطاها باقة ورد بلفتة رومانسية، تبسم لها ثغرها؛ فازدادت ملامحها فتنة، ليجذبها على حين غرة، خاطفًا قبلة من فوق جبينها أجفلتها؛ حتى كادت أن تبدى اعتراضها، ولكن لحقها من البداية، ليلف ذراعه حول ذراعها هامسًا كي يزيد من خجلها:
"دي حاجة بسيطة، تعبير عن محبتي؛ لسة التقيل ورا."
❈-❈-❈"
واقفًا بمدخل الغرفة، متكئًا على الساحرة. أنثى مكتملة بحق. مرت سنوات على زواجه بها، ولم يملّ أو يقلّ شغفه بها مرة، حتى عندما خانها ذات يوم. وحين واجهته بمعرفتها، توقف ولم يكرر خطأه من أجلها، فقد أصبحت تمثل له شيئًا ليس بالهين، لا يستطيع الاستغناء عنها، لا يستطيع تركها. هذه المرأة أجادت استخدام أسلحتها حتى تمكنت من ترويض رجل مثله.
هتفضل واقف تبصلي كده كتير؟
جاءت كلماتها تخاطبه عبر انعكاس صورته أمامها، فخطا نحوها حتى اقترب، ولفَّ ذراعيه حول خصرها من الخلف، ثم مال بوجهه ليطبع قبلة رقيقة على كتفها العاري، هامسًا بإعجاب.
طب أعمل إيه؟ ما أنا كنت داخل صدفة، لقيت لوحة ساحرة قدام عيني خطفت عقلي، وقدام جمالها ده مقدرتش أتحرك ولا أروح ولا أجي، تنحّت كده مكاني، يعني إنتِ السبب.
ضحكت بانتشاء، مستمتعة بوابل الغزل الذي يغمرها به دائمًا، ممتنة لتقديره. فهي لا تكف عن الاهتمام بكل تفصيلة في جسدها، من شعر رأسها حتى أصغر ظفر في قدمها، فقط لتظل في عينيه ولا يرى سواها. وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ ما... أو هكذا تظن. لكن هاجسًا يطلّ برأسها، يبدد فرحتها في كل مرة يغمرها بعشقه كما يحدث الآن، لتسأله فجأة عمّا يشغلها دائمًا:
كارم، أنا لو عجزت، هتفضل تحبني كده؟ أو بمعنى أصح، لو بقيت وحشة وحصل أي حاجة شوّهت شكلي – لا قدر الله – هتفضل تحبني كده؟ ولا هتشوف واحدة غيري؟
استوقفه حديثها الغريب، ففكّ ذراعيه عنها وأدارها نحوه ليواجهها وجهًا لوجه.
ليه بتقولي كده؟ ما إنتِ زي الفل و...
بس أنا سؤالي، لو مابقتش زي الفل... يا ترى هتسيبني يا كارم؟
بدا أنها مصرة بالفعل، تجبره على الإجابة عن سؤال لم يخطر له ببال أبدًا. هل كان ليختارها حقًا لو ذهب عنها جمالها؟!
لاحَت الحيرة على ملامحه، بينما كانت تستجديه بعينيها، لا تريد الكذب، بل تبحث عن الحقيقة في أمرٍ صعب كهذا! يا لعقل النساء!
زفر، رافعًا رأسه للسماء قبل أن يعود إليها سريعًا، يقرص وجنتها بين إصبعيه، قائلًا:
يا مجنونة، يا أمّ مخ طاقق! لو الموضوع متعلق بس بالجمال، كان إيه اللي هيجبرني أكمل معاكي إنتِ بس، وأتوب عن باقي الصنف من غير ما أخونك مع واحدة منهم؟
يعني إيه؟
يعني أنا مستغني بيكي عن الجميع، حتى لو بقيتِ عجوزة أو مشوّهة. يخرب بيت مخّك.
يعني إنت بتحبني لشخصي؟
أيوة زفت، عايزة إيه تاني؟
كطفلة صغيرة تلقت هديتها الغالية، ألقت بثقلها عليه، تحتضنه بلهفة، مرددة:
وأنا بموت فيك يا كارم، والله بموت فيك.
ضحك، يشدّد عليها بذراعيه هو الآخر مردداً:
والله مجنونة!
❈-❈-❈
دلف إلى المنزل بعد أن فتحه باستخدام النسخة التي يملكها من المفاتيح، ووضع أكياس الفاكهة والحلويات التي اشتراها على المنضدة التي تتوسط الردهة. جال بعينيه باحثًا عنها، ليخمن مكان تواجدها بناءً على مصدر الصوت القادم من الأغاني الشعبية التي يعرفها.
لم يجد صعوبة في البحث، فقد وجدها في غرفة الأطفال التي لم تأتِ بعد، جالسة على أحد التختين في شرود جعلها لم تنتبه لقدومه، إلا عندما أغلق السماعة التي كانت تصدح بالأغاني.
لتجفل، ناظرة إليه بجزع، ثم سرعان ما تلاشى ذلك الجزع بعد أن تأكدت من هويته، ليخرج صوتها بلوم وهي تخاطبه:
خضتني يا طلال، مش تعمل أي صوت ولا حركة وإنت داخل؟
ابتسم بسخرية وهو يتخذ طريقه إليها، ليجلس بجوارها على الفراش، مرددًا: ...
أي حركة ولا أي صوت ده اللي هتحسّي بيه وإنتِ معليّة الأغاني لآخر العمارة، وكماااان سرحانة؟ في إيه يا غالية؟ إيه اللي واخد عقلك؟
قال الأخيرة، وهو يدفع كتفها بكتفه بمناكفة، لكنها لم تتأثر بها، وجاء ردها بفتور.
وهي دي عايزة سؤال؟ طبعًا بفكر في المصيبة السودة اللي أبويا ورّطنا فيها، الديون اللي عليه من ورا هباب البرك اللي كان متجوزها، محدش عارف طريقة نسد بيها، خلصت على كل النقدية اللي كانت معانا، وبرضو الشيكات مش خلصانة، أنا مش فاهمة هي إزاي قدرت تمضيه؟
صدرت منه ضحكة عالية، خالية من المرح، وهو يعلق على قولها.
أو:
ودي محتاجة نباهة دي؟ أبوكي ريل أول ما رنّت عليه بالتليفون وقالتله "نتصالح"، كان مفكرها اشتاقت لحسنه وجماله، ميعرفش إنها كانت عاملاله فخّ، عشان تمضيه على الأوراق من غير ما يحس! يا مؤمنة، دي محطّتلُوش حاجة صفرا ولا منوّم زي ما بنسمع، ده سخسخ منها بمجرد ما ساقَت عليه الدلع وشغل النسوان إياه، إيده مضت من غير ما يعرف المكتوب في الورق، بذمتك ده حد يزعل عليه؟
انتابها الحرج الشديد من حديثه، فسارعت بالتبرير بنوع من التساؤل.
ده مهما كان برضو يبقى أبويا يا طلال، ده غير إن المصيبة تخص الكل مش هو بس؟ لكن إنت عرفت منين التفاصيل دي؟
أجابها وهو يضع قدمًا فوق الأخرى.
عرفت من أبويا طبعًا، ما هي دي حاجات ميقدرش يحكيها قصادكم إنتو عيلته، متزعليش مني بس أبوكي يستاهل كل اللي يجراله.
اعترضت بغضبٍ شديد، ظهر جليًا في نبرتها.
طب أهو اللي حصل بقى، هنعمل إيه في الورطة اللي اتورطناها معاه؟ لا هو ولا أي حد من إخواتي معاه نص الفلوس.
فاض به منها، ليهدر حاسمًا:
هما رجالة ويعرفوا يتصرفوا... مش إنتِ تسمعي الشكوى من أمك، وتيجي على العشية تنكّدي عيشتي؟ اصحي يا سامية، مش يبقى هما عايشين حياتهم وأنا أشيل الطين! أبوكي لو غلب خالص يبقى يبيع الوكالة.