-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 26 - 1 - الأحد 2/3/2025

  

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل السادس والعشرون

1

تم النشر الأحد

2/3/2025



هناك خطواتٌ نهايتها كانت واضحة منذ البداية،

لكننا أحيانًا نعمي أعيننا باختيارنا،

نُقنع أنفسنا أن البعض يستحق فرصة،

فنمنحها لهم،

فنمنحهم أنفسنا،

فنمنحهم أعمارنا.


ضحَّت كثيرًا،

تجاوزت،

ابتلعت الألم بصمت،

أعادت بناء نفسها كلما هدموها،

وقفت رغم كل شيء،

أعطت بلا حساب،

لكن ماذا تفعل بقلبٍ يسكنه من لا يستحقه؟

ماذا تفعل بروحٍ أنهكها الانتظار؟

وبخطواتٍ كانت تعرف نهايتها جيدًا… ومع ذلك أكملت؟


الفرصة مُنحت للشخص الخطأ،

والنهاية… كانت واضحة حتى قبل أن تبدأ.

الآن…

الصفحة أُغلقت،

والباب أُغلق،

والقلب… لم يعد يسع حتى للندم.

❈-❈-❈


تسمرت محلها تطالع هَمسَتُه الخافتة

وجهه الذي ينتقل بعدة مراحل

شحوب، صمت، جمود، وأخيرا توهج

كأنه يعايش الكثير من المشاعر المتناقضة في نفس اللحظة

قبل أن يتدارك نفسه

وابتسامتة تظهر وتتسع أكثر وأكثر

وهو يرفع الملابس مشيرا إليها

متطلعا لعينها بعيون تبرق

بريق يجمع بين سعاده وخوفٍ معًا

لكن ربما سعادته طغت على كل شيء

وهو يقف

يناظرها ويمسك يدها

محتضنًا إياها يرفعها عاليا، يدور بها بسعادة غامرة

وهو يهمس ويردد بخفوت: حامل

حامل

يا ريدا

أصابها دوار ليلاحظه هو

قبل أن يجلسها ويجلس بجانبها همسًا بفرحة: مش متخيلة فرحتي

كانت تهز رأسها تحاول الكلام

قبل أن تضع يديها على يده قائلة بأسف حقيقي وقد كست ملامحها الحزن: عمر

أنت فهمت غلط

أنا...

أخفضت عيناها لوهلة

لا تود أن تقابل عيناه المتفحصة لها

وتابعت بوجه شاحب: أنا مش حامل

تقابلت عيناهما

لتلاحق اتساع عيناه والصدمة البادية على وجهه

لتكمل وهي تمسك الملابس الصغيرة قائلة بحزن وأسف: دول مش بتوع بيبي

دول بتوع لوزة

قالتها مشيرة نحوها

وتابعت توضح له: عشان الجو سقعة

كان يناظرها بوجه متجهم وقد سقطت الابتسامة عن وجهه محاولا فهم ما تقوله

وقد توقف عقله عن العمل في تلك اللحظة

وبداخله الكثير من الصراعات

الكثير

بين يريد ويخاف ويخشى من تلك الخطوة

فقد تمنى لوهلة أن تنفجر ضاحكة مخبرة إياه أنها كانت تمزح مزاحًا سخيفًا

لكنها لم تفعل

فهي لم تكن مزحة

بل حقيقة واقعية وهي ليست بحامل

كانت تراقب ملامحه وتغير تعبيراته بعين متفحصة حزينة

لم تدرك لوهلة أن يَرى الملابس حتى

ولم تدرك أيضًا أنه قد يصل تفكيره لتلك النقطة

الحمل

شددت على يده أكثر قائلة بحنان رغم حزنها على حزنه: أنا جبتهم النهاردة لما كنت بره

عشان لوزة بقت منكمشة كده على نفسها

وتقريبًا سقعانة

وازدادت قربًا منه قائلة بهدوء، مراقبة وجهه وهي تمسك بيده: أنت زعلت يا عمر؟

أنا مكنش قصدي صدقني

أنا بس كنت هلبسهم للوزة

ومكنتش أعرف إنك هتفكر كده

أنا آسفة يا حبيبي

تنهد بصمت وضيق وربما راحة

مشاعره المشتتة لم تجعله قادرًا على إعطاء أي ردة فعل في تلك اللحظة

لا يعلم لماذا استراح رغم فرحته

بين فرحة بقطعة منه ومن حبيبته قد كانت لتزين حياتهم وتجعلها أكثر استقرارًا

وبين ضيق من أنه لم يكن سوى مجرد التباس خاطئ

وبين شعور آخر

شعور الراحة

كيف له أن يشعر بلمحة راحة بداخله

حتى وإن لم يردها

للصدق

حياته مشوشة في الوقت الحالي

ضغط من كل اتجاه

 منزله ومنزل عمته والمسؤوليات 

ومتطلبات سلمى التي لا تنتهي

والتي يخشى أن يرفض أحدهم فيصير ناكرًا للجميل

وفعلًا وللحق يخشى المزيد من الضغوط فيضطر مجبرًا على التقصير في جهة من الجهات

بكل يوم تزداد المسؤوليات فوق عاتقه دون قدرة له على التملص أبدًا

وفكرة طفل رغم رغبته الشديدة

وحبه في زوجته والحصول على طفل منها

تجعله يشعر بالخوف

لن ينكر، هو مؤمن إيمانًا شديدًا أن كل طفل يأتي برزقه

إلا أنه يظل يخشى من أن يحيا يركض بين هنا وهناك للحصول على قوت الحياة

متغافلًا عن الكثير والكثير

لذا

فربما

ربما من رحمة الله به أن فريدة ليست بحامل

لذا جذبها نحو أحضانه بصمت

ولم تدرِ هي ماذا تفعل أو ماذا تقول

وكلما فكرت أن تتكلم

كان يربت على يدها

كأنه يريد أن يحظى ببعض الهدوء

وإن كان يريد صمتها فقد صمتت


❈-❈-❈

انتهوا من تناول الطعام، والتوتر يسود الأجواء بفضل أمل، وهي تلقي كلماتها السامة المُبطنة في الهواء كل دقيقة والأخرى، غير مهتمة بنظرات زوجها المُوبخة ولا بأي أحد، كأنها لا تفعل شيئًا.


وملك تقابل كل هذا بصمت، هي قادرة على الرد، لكنها لن تفعل.

ليس ضعفًا منها، بل احترامًا لرجل يجلب لها حقها دون حتى أن تطلب، فكيف تُحرجه وهو لم يفعلها يومًا؟

لهذا أصرت على تمرير كل ما يحدث بابتسامة صغيرة، وهي تضم صغير سلسبيل، تصب كل اهتمامها عليه بحب وحنان ولا مبالاة زادت من حقد الأخرى.

تكاد تنفجر وهي لا تقدر على إغضابها.


كانت تراقبها وهي تساعدهم في نقل الأطباق للمطبخ بإصرار رغم رفض سلسبيل وأنس، لكنها أصرت مخبرة إياهم أنها بمنزلها.

وقفت أمل تنظر نحوها مفكرة، طالما لم تجلب تلك الطريقة نتيجة، فلديها الكثير.


وبالفعل، انتظرت حتى دلفت سلسبيل لابنها الباكي، وأنس وزوجها للصلاة، وقبل أن تخرج ملك من المطبخ، قطعت طريقها تناظرها بهدوء أرسل التوجس في قلب الأخرى، لكنها لم تُبدِ أي رد فعل حتى ترى القادم.


والقادم... لم تتوقعه، وهي تسمعها تسألها بهدوء: ابن ابني عامل إيه؟



أشرقت ملامح ملك فجأة، وهي تتحسس بطنها بحنان بالغ، قائلة بحمد ورضا: الحمد لله

والفضل لله... بخير... 


ربنا يحفظه وييجي بألف خير.



حرّكت أمل شفتاها قبل أن تناظرها قائلة بتأكيد: يا رب دايمًا... إحنا هنكره؟ مش كفاية اللي خسرناه؟ يا ريت تخلي بالك منه... مش عايزين يحصل زي المرة اللي فاتت.


وتابعت بتحذير: وبلاش إهمال... بسببك وبسبب إهمالك إحنا خسرنا ابننا.



كانت ملك تناظرها بعيون متسعة وقد امتلأت عينها بحزن لم يغادرها أبدًا حتي وإن مرت الأيام، قبل أن تضم جنينها متشبثة به، كأنها تطلب منه العون، قائلة بقوة وأنفاسها تعلو من شدة الغضب والحزن: اللي حصل كان قضاء وقدر... ونصيبي إن ابني يسبقني على الجنة.

لو سمحتي يا طنط... أنا مسمحلكيش.

إنتي مش هتتقهري على خسارة ابني قدّي... ومش من حقك أبدًا كل ما تشوفي وشي تقولي كلام يجرحني وتدوسي على جرحي بالطريقة دي.

ابني محدش اتوجع عليه قدّي... الخسارة كانت خسارتي.



وتابعت بقهر من ظلمها المستمر: اتقي الله...


واعرفي إنك بتظلِميني بكلامك... وإنتي بتتهمي أم إنها السبب في موت ابنها.

طول الوقت وإنتي بتلوميني على حاجة ماليش أي ذنب فيها... بأي حق؟



وتابعت بقهر وقد بدت نبرة صوتها في الارتفاع دون أن تنتبه، وعيناها قد غامت رؤيتهما بفعل دموعها: إنتي ظالمة... وأنا مش مسمحاكي.

عارفة ليه؟

لأن في الوقت اللي الكل جه يواسيني... إنتي جيتي دوستي على جرحي ودلقِتِي عليه ميّة نار... وإنتي بتتهميني إني السبب... وإني قتلت ابني.


إيه؟!



همسة خافتة مصدومة أتت من خلفهم، حيث كان أنس يقف خلفهم وقد استمع إلى كل شيء... كل شيء.


❈-❈-❈

انتهت الزيارة.

حمل هو الصغيرة شمس، وتبعته هي بصمت.

صمتٌ مربكٌ لها هي قبله.

بداخلها الكثير من المشاعر المتضاربة.

بكل دقيقة تنظر إليه.

كان يضم شمس الغافية بين يديه، ينظر من نافذة السيارة، دون أن يضمها هي الأخرى.

كان شاردًا صامتًا، وهي أيضًا، والأفكار في رأسها لا تتوقف أبدًا.

لا تدري إلى أين السبيل.

دمعت عيناها وهي تشعر برأسها على وشك الانفجار، قبل أن تبادر هي تلك المرة مقتربة لتنام على كتفه.

شعر بها تضع رأسها على كتفه، تطالبه بحقها، فلم يقدر سوى على ضمها إلى قلبه.

وبداخله الكثير من الأحاديث.

يتمنى أن تختاره، أن تسير في طريق غير هذا الذي تريده أمها.

خائف، بل مرتعب، فما أقسى الخذلان بين الأحبة.

وكم يدعو أن لا تخذله.

ودعت هي دعوة مماثلة بخوف شديد، وهي تكتم بداخلها دمعة متألمة، تخشى أن تخذله قبل نفسها.

❈-❈-❈

تسمرت أمل محلها، وهي توهم نفسها أنها لم تسمع صوت ابنها، لكن ملامح ملك والتي أكدت لها عكس ما تتمنى جعلتها غير قادرة على الحركة، وهي تدرك أخيرًا وقوف أنس خلفها، قبل أن تلتفت ببطء شديد، لتجد ابنها أنس بجانبه زوجها، الذي كان يناظرها بنظرات مستاءة موبخة، وسلسبيل بالخلف تناظر الوضع بوجه شاحب، تضم صغيرها وتبكي بعد ما استمعت لما قالته ملك.


كانت ملك تقف خلفها تبكي، ليس لأجل ما قالته فقط، بل لأجل أنس.


هي لم ترد هذا.

لم ترد أبدًا.

لهذا صمتت حتى حدث ما حدث.


لم تكن تعرف ماذا تفعل أو حتى ماذا تقول.

وقبل أن تنطق بحرف، سبقها أنس وهو يهمس بحيرة وألم: ليه؟ يعني ليه كل ده؟


كان والده يناظرها بيأس وتعب، خائف وللغاية من رد فعل ابنه والتي بدأ في الظهور فعليًا.

كم مرة تحدث معها؟


كم مرة نبهها لطريقتها مع ملك؟


لكنها كانت تسمع من أذن وتخرجه من الأخرى دون أي انتباه، أنها ستؤذي ابنهم قبل زوجته، وأنها في النهاية ابنة كبناتهم.


لكن عنادها وغبائهم هم من أوصلوهم لذلك الوضع،

 لذا حاول الحديث قائلًا بصوت حاول أن يكون هادئًا محاولًا تدارك الوضع: أمل.. إيه الكلام ده؟

إنتي بتتكلمي في قضاء وقدر.. استغفري ربنا.


إلا أنها صاحت برفض: هي السبب.. هي السبب في موت حفيدنا.. ما كانت كويسة وفجأة الولد مات.. يبقى هي السبب.


شهقت ملك ودموعها لا تتوقف أبدًا، لا تقدر حتى على النطق، عن الدفاع عن اتهام باطل،


لكن هو نطق .. نطق بوجه شاحب غير مصدق، وعيناه تتابع ملك شاعرا بكل ما يجول في قلبها المنهك، قائلًا بقهر ومشهد فراق صغيره يتكرر أمامه: بس كفاية.. حرام عليكي..

إنتي بتقولي إيه؟


إزاي أصلًا تقولي كده؟

الطفل اللي بتلومِيها على موته ده.. ابني أنا كمان.


قالها بصوت خافت به الكثير من المرارة والانكسار، ليتابع وهو يرفع يده يمسح دمعة انفلتت منه:ابني اللي اتوجعت وقلبي اتحرق واتكوى بنار فراقه واتكسر مليون حتة وأنا بحطه تحت التراب قبل حتى ما أقدر آخده في حضني.


ابننا الله يرحمه توفي، مش بسبب ملك ولا بسبب إهمالها ولا إهمال أي حد.


ابننا توفي عشان ده عمره.. عمره انتهى في اللحظة دي.


لا أنا ولا انتي ولا أي حد في الكون كان يقدر يمنع شيء بين إيد ربنا.

مفكرتيش قد إيه انتي بتقهري مراتي؟

وقد إيه جاية عليها؟


وانتي في كل مرة تشوفيها أو تكلميها تقولي لها قد إيه هي مهملة، قد إيه هي أم وحشة.

مفكرتيش إن ممكن بسبب كلامك لا قدر الله يحصلها حاجة وهي حامل في حفيدك.. ابن ابنك.


وتابع بجنون: طيب سيبك منها.. خرجيها من حساباتك.. أنا.. أنا مش ابنك؟


إزاي تعملي كده مع مراتي؟

الست اللي يخصها يخصني، كرامتها من كرامتي، وحزنها من حزني، وكل اللي بتتعرض ليه كأنه ليا.. يعني كأنك بتتهميني إني اللي موت ابني.


وتابع بمرارة متطلعًا نحو ملك الباكية ووجهها الشاحب وقلبها المتهالك يروي ما تشعر به في تلك اللحظة: لدرجة إنها خبت عليا كل ده.. خبت وجعها عني.. خبت عشان متجرحنيش وعشان ميحصلش اللي هيحصل دلوقتي.. ولأنها خبت.. انتي اتماديتي.. وكل مرة بتزيدي أكثر.. بتدوسي أكثر بكل قسوة.. ناسية إنها إنسانة ليها طاقة وقدرة على التحمل.. بشر في النهاية.


لأمتى كنتي هتفضلي كده؟


يعني لو مسمعتش النهاردة.. كنتي هتفضلي تكملي؟


مشكلتك يا ماما إنك مش قادرة تعاملي ملك زي بنتك، لأنك أكيد لو شايفاها كده مستحيل تقبلي تعملي اللي عملتيه.


طول الوقت تعليقات عليها.. على كل حاجة.. شايفاها غلط في غلط.. إيه؟ مبتعملش حاجة واحدة تعجبك؟


وصمت لثواني، خافضًا رأسه يتنفس بغضب، قبل أن يرفع رأسه متسائلًا بسخرية: تقبلي حما من حموات إخواتي يعمل كده معاهم؟


أكيد لا.. ومليون لا.. يبقى اللي متقبلوش على بناتك.. متقبلوش على بنات الناس.


ملك مراتي وانتي أمي.. كل واحدة فيكم ليها مكانة خاصة.

لا حبي لملك هيقلل محبتي وتقديري واحترامي ليكي، ولا حبي ليكي هيقلل منها كزوجة.

انتي ليكي مكانة وهي في مكانة تانية.

بس انتي مش قادرة تفهمي ده.. وإن الست دي من يوم ما اتجوزتني وهي حاسة إنها غريبة وسطنا.. إنها مش مقبولة.. مرفوضة.

وكان ذنبها الوحيد إنها قبلت ووافقت عليا.. بس كفاية.

قالها بصوت حاسم وصوت أكثر حدة، وصوت أنفاسه العالية يزداد علوًا، وتابع بحزم وعيناه تواجه عين أمل: أنا مش هسمح إن مراتي تحس الإحساس ده تاني.


وأمسك يد ملك التي كانت قد اقتربت منه في خضم ما يحدث خوفًا عليه من شدة الانفعال،


وقال بحزم: أنا ابنك.. وكلامك وجزمتك على راسي من فوق.. وهجيلك وقت ما تحبي ويكون متاح ليا، بس مراتي مش هتدخل مكان هي مش مرغوبة فيه.. لأنها غالية عندي أوي.. ليكي عندي أنا وعيالي.. لكن هي.. هي.. لا.

مراتي خط أحمر.


قالها وهو يسحب ملك مغادرًا المنزل، واضعًا نهاية خطتها أمه بيدها.


الصفحة التالية