رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 26 - 2 - الأحد 2/3/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل السادس والعشرون
2
تم النشر الأحد
2/3/2025
كان يجلس على فراشه بعد أن انتهى من أداء صلاته.
كان يظن أنه وبزواج أولاده ستنتهي مشاكلهم، لكن لم تكن سوى البداية.
غادر أمير، ودع حسام وملك صباحًا قبل مغادرتهم، وودعهم هم أيضًا وغادر.
يخشى عليه لن ينكر أبدًا، رغم سنه ومكانته الاجتماعية والعلمية، يظل أمير كطفل صغير يفعل ما لا يُحمد عواقبه.
لذا كان ولابد أن يتحدث معه قبل أن يغادر.
عودة لوقت سابق
كان يتحدث في الهاتف يتابع أعمال الشركة إلى حين عودته، ليقاطعه صوت طرقات الباب ودلوف أمير بعدها.
ابتسم له بهدوء وهو يغلق الهاتف، مراقبًا اقترابه قبل أن يقول بابتسامة: خلاص احنا ماشيين.
بادله مدحت الابتسامة مراقبًا ملامح ابنه المبتهجة للغاية قبل أن يقول: آه طبعًا الحماس واضح عليك والفرحة مش سيعاك.
وتابع بسخرية: إيه يا ابني كنا بنعذبك ولا إيه؟
ابتسم له أمير بحرج وهو يحك جبهته، لا يجد رد، وللحق أبيه محق.
يشعر بنفسه يُحلّق من السعادة، وأخيرًا سيعود لعمله، وأخيرًا.
قالها لنفسه يكاد يطير للمطار ليعود أسرع، إلا وأن لأبيه رأي آخر، وهو يجلس مشيرًا له على الفراش قائلًا بأمر: اقعد.
تأفف أمير بداخله يريد أن يخرج من الغرفة، فواضح أن القادم لن يعجبه أبدًا، وبالفعل جلس مضطرًا ناظرًا للأرض.
ليظل مدحت يطالعه دون أي رد فعل، حتى توجس أمير من هذا الصمت، ورفع رأسه لتقابله عيني والده المتفحصة والتي كانت تحاصره كأنها تحاول أن تستكشف دواخله.
وظلت النظرات الصامتة متبادلة بينهم حتى نطق مدحت أخيرًا قائلًا بتأكيد: أنا مش عاجبني وضعك يا أمير، مش عاجبني أبدًا.
انت يا ابني خلاص حياتك كلها بقت شغل ولا إيه؟
يا بابا..
قالها أميرًا بنزق، ليسكته مدحت بيده متابعًا بحزم: فوق لنفسك لبيتك ومراتك وعيالك، فوق عشان أنتم ماشيين انت ومراتك في الطريق الغلط، وكل اللي بقى فارق معاكم شغلكم وبس.
أنا مش هقدر أنصحها رغم إني بعتبرها زي ملك وآلاء، بس يمكن هي متتقبلش مني النصيحة، بس انت ابني وواجب عليا أنصحك وأفوقك، وأقولك فوق.. فوق لنفسك، الشغل والفلوس مش كل حاجة.
وتابع مشيرًا لنفسه: أنا أهو عندك، عملت بالفلوس إيه؟ أهي مرمية.
هتعيش قد إيه؟ سنة؟ اتنين؟ عشرة؟ عشرين؟ خمسين؟ لازم تعمل لوقت الفلوس مش هتكون كفاية.
خد بالك من عيالك، اهتم بيهم، واعملهم وقت، افصل من شغلك.
وهقولك تاني: فوق لنفسك، واعرف إن الشغل مش كل حاجة، ولو ضاع يتعوض، بس بيتك وأسرتك هم الخسارة الحقيقية، اللي لو خسرتها هيكون وجع ما بعده وجع.
كان أمير يستمع إليه بوجه جامد غاضب.
ليتنهد مدحت قائلًا بيأس: يا ابني أنا مش بقولك كده عشان أضايقك، أنا عايزك تفوق، وتعرف إن الحياة مش زفت شغل وبس، الشغل جزء من حياتنا مش حياتنا كلها، قسم وقتك جزء شغل، جزء لأهلك، جزء لنفسك، بس مش كله في اتجاه واحد.
أومأ له أمير بصمت، ليقبل يده بعدها قائلًا بهدوء: حاضر يا بابا.. حاضر.
وغادر الغرفة والبلد بأكملها.
عودة للوقت الحالي
ابتسم ساخرًا وهو يتذكر أنه من شدة انشغاله بالهاتف نسي حقيبة من الحقائب، ليحملها له منير بسرعة إلى المطار خلفهم.
وواضح وضوح الشمس أن حديثه ذهب مع الريح، وكم يتمنى أن يفيق قبل أن تأتي الرياح بما لا يشتهي أبدًا.
❈-❈-❈
طوال الطريق يضمها إلى صدره بصمت، متشبثًا بها وكأنه يستمد منها أمانًا قبل أن يمنحها إياه.
لم تخبره.. لأجله.. رضيت أن تحتضن ألم كهذا وحدها.
كم مرة بكت دون أن يضمها صدره أو يربت على قلبها المنهك.
زاد من ضمها، وما إن وصلوا حتى صعدا لغرفتهما سريعًا.
تريد هي بعض الخصوصية، بحاجة هي إليها.
وبالفعل، وما إن دلفوا الغرفة حتى طالعها قبل أن يقول بخفوت: مكنش ينفع تخبي.
رفعت وجهها لتقابلها عيناه المتألمة، قبل أن تقترب منه ترفع يدها تمس وجنته قبل أن تهمس بخفوت: عشان كده خبيت.. عشان الحزن اللي في عينك ده.. أشيله لوحدي ولا أخليك تحس بيه.
مقدرش.. وجعك بيوجعني أكثر من وجعي على نفسي يا أنس.. ازاي كنت أقول.. ازاي؟
قالتها وقد بدت كمن يكتم غصة متألمة ودموع تأبى أن تدعها تتحرر.
فلم يجد نفسه سوى وهو يضمها، يهديها الكثير من الأمان واطمئنان، كان هو أكثر حاجة إليه.
ولم تبخل هي، فظلت ليلتها تضمه بقوة، معلنة لنفسها وله أنها انتصرت في حرب دامت طويلة، حرب كان هو فارسها.
❈-❈-❈
بعد الكثير من الصمت، قررت أن تخاطر وتحادثه، وليحدث ما يحدث.
وبالفعل أعدت أكواب الشاي بأعواد النعناع، وشطائر الجبن بزيت الزيتون والزعتر، وانضمت له بعد أن شعرت به قادرًا على تقبل ما ستتفوه به.
جلست بجانبه تناظره بهدوء، قبل أن تقول وهي تراقبه بحذر وتردد، وهي تعض شفتاها بقلق من القادم: عمر كنت حابة أخد رأيك في حاجة.
رفع عينه نحوها قبل أن يبتسم قائلًا بهدوء وهو يشعر بترددها: قولي يا حبيبتي.
عمر.. أنا عايزة أشتغل.
قالتها بهدوء وعيناها تراقب وجهه وردة فعله، و بداخلها قلبها ينتفض من الخوف.
هي لا تريده أن يرفض، تريد موافقة، وستحصل عليها مهما حدث.
ليطالعها هو بيأس متنهدا بتعب، و بداخله يردد: ها قد عدنا لنفس الموضوع من جديد.
وقبل أن يفتح فمه متفوها بالرفض، كانت تضع يدها على فمه تمنعه، قائلة برفق: ممكن تسمعني؟
أنا مش فاهمة أبدًا، الطريقة دي غلط يا عمر.
إنت وعدتني نتكلم ونتناقش، يا أقنعك يا تقنعني.
أوفي بوعدك ليا.
أغمض عيناه بتعب، هو وعدها ولن يخلف وعوده من جديد.
وبالفعل ابتسمت هي براحة، قبل أن تهمس بخفوت راجي: أنا محتاجة أشتغل يا عمر.
وقبل ما تفهم إنه عشان الفلوس، أنا تعبت أوي أوي في الكلية، كنت ببذل كل طاقتي ومجهودي عشان أوصل للي أنا فيه.
كمان أنا طول اليوم بفضل قاعدة لوحدي، ومحتاجة أملأ وقتي وفراغي عشان أحس بالاستقرار أكتر.
صدقني.. أنا محتاجة الشغل ده.
يا عمر.. سيبني أحاول، والبيت مش هيتأثر أبدًا، وعد مني.
قالتها بتأكيد وهي تشدد على يده.
كان يناظرها بعين رافضة، قبل أن يقول بهدوء: يا فريدة.. الشغل مش زي ما انتي فاكرة، متعب ومرهق، وهتقابلي فيه أشكال وألوان، والحقيقة أنا مش حابب أبدًا تتعرضي لحاجة من اللي الواحد بيشوفها.
قالها مفكرًا في ما حدث مع روفيدا.
كان يناظرها بعيون خائفة حقًا، حتى أن وجهه كان قد بدأ في التعرق، فرفع يده يمسحه، إلا أنها سارعت قائلة بتأكيد: أنا شفت النهاردة إعلان طالب مهندسين، وشركة كبيرة وليها اسمها.
يعني لو ربنا أراد واتعينت فيها، أكيد مش هيكون فيها أي مشاكل طالما أنا في حالي وبعمل شغلي على أكمل وجه.
يبقى إيه اللي هيجيب مشاكل؟
سيبني أجرب يا عمر.
قالتها برجاء طفولي، وهي تجلس أمامه تناظره بعيون متسعة متحمسة، وهو يناظرها بتردد رافض.
ففي النهاية فريدة لم تتعامل مع العالم الخارجي، لا في منزل أهلها، ولا في منزله.
ويظل رعبه وخوفه يلوحون في الأفق أمام عينه.
كانت هي تراقب ملامح وجهه المفكرة، تكاد تقفز سعيدة ببدء تفكيره، ترى بداية اقتناعه.
لكن ويبدو.. ويبدو أن إقناعه كان أصعب مما تخيلت هي، فبعد ساعة كاملة من النقاش، يجاوره بعض الحدة والخوف والكثير من الأسئلة والتردد، انتهى أخيرًا بكلمة واحدة رسمت الابتسامة على ملامحها القلقة وهو يقول بهدوء متردد: خلاص.. موافق.
متردد؟ نعم.
خائف؟ نعم أيضًا.
لكن لن ينكر أنه لأجلها ولأجل وحدتها وافق، فهو لا يريد أن يراها تعيسة، هذا في المقام الأول، ولوضعهم الحالي في المقام الأخير.
ففي النهاية لا مشكلة من خوض التجربة، طالما في إطار الأمان.
صاحت بسعادة وهي تلقي بنفسها بين أحضانه، مهللة بسعادة وفرحة، انتفضت على أثرها لوزة النائمة، تناظرها بقرف وهي تصيح هي الأخرى، قبل أن تضمها فريدة بسعادة مقبلة إياها.
ورغم كل ما حدث اليوم، ترى فريدة أنها نهاية رائعة ليوم مليء بالمشاحنات.
وأسرعت تلتقط هاتفها تريه طلب الإعلان وتخبره التفاصيل، مقررة أن تذهب للمقابلة.
وبداخله هو.. خوف قد بدأ في النمو،
فالأميرة الصغيرة ستخرج للعالم الخارجي.
❈-❈-❈
يجلس على مكتبه يطالع الملفات أمامه دون أي انتباه،
ولا ذرة حتى.
بداخله الكثير من التشوش والتفكير،
الكثير من الغضب إن صح التعبير.
ما حدث لم يؤثر بقلبه،
بل مس الأهم بالنسبة إليه،
كرامته التي مستها روفيدا،
مستها بكل غباء.
محادثة عمر له كانت كعود الثقاب وقد ألقاه في كومة القش،
ليحترق ويحرقه.
لم يكن غِرًا ساذجًا ليعتمد على حديث أو دليل عمر وحده،
بل كان يحتاج للمزيد من التفاصيل.
وبالفعل خلال أيام من البحث من رجاله،
وصلته النتائج،
كانت كارثة.
يتذكر اتساع عيناه بصدمة وذهول مما يقرأه،
مفكرًا بغضب وجنون،
ما كل تلك المصائب!
مَن هو متزوج من رئيسة عصابات!
كيف كان غافلًا عن كل هذا؟
وكيف استطاعت أن تخدعه وتفعل هذا بتلك المهارة والدهاء؟
نعم كان منشغلًا،
لكن كيف فعلت كل هذا من خلف ظهره؟
ما كل هذا الظلم الذي فعلته؟
أطاح بكل ما على المكتب متذكرًا شعوره وقتها.
لم تكن المخطئة وحدها رغم كل شيء،
بل الخطأ أيضًا منه ومن تغافله بتلك الطريقة.
ضرب بيده على المكتب عدة مرات حتى ابيضت مفاصله من شدة الغضب.
لكنها كانت غبية،
ولم تعلم ما يحضره هو لها،
لأنها تستحق،
وبشدة.
طرقات على الباب أفاقته من شروده،
تبعها دخول مساعده الخاص بسرعة،
بملامح متوترة شاحبة للغاية،
كان هناك ما حدث.
وبالفعل،
كان يحاول التحدث وحينما لم يعرف،
أعطاه الهاتف بحذر،
ليأخذه منه بسرعة،
قبل أن تتسع عيناه مستقبلًا الصدمة الصاعقة،
وخبر انتحار روفيدا يظهر أمامه.
انتحرت.
قالها بهمْس خافت يحمل دهشة ثقيلة.
وكان الخبر زلزل بداخله شيء يرفض حتى أن يعترف به،
متسائلًا
أكانت ضعيفة لتلك الدرجة؟
استحقت أم لا؟
سؤال،
لا إجابة له عنده.
روفيدا،
صفحة سوداء بحياته،
وأحرقها هو،
دون لحظة تردد.
❈-❈-❈
يتسطح في مكانهم المعتاد يقلب في هاتفه بلا مبالاة،
وفريدة في المطبخ،
قبل أن تصله رسالة من أحد أصدقائه في المكتب.
كاد أن يتجاهلها للوهلة الأولى،
لكن اسم واحد جذب انتباهه بالكامل ،
فأسرع بفتحها،
وكانت الصدمة الكبرى بالنسبة له،
وهو يشاهد الخبر الاكثر انتشارا وجدلا
خبر أنتحار مديرتهم السابقة.
انتحار روفيدا.
ارتعش جسده بقوة،
شاعرًا به يتعرق دفعة واحدة وفجأة،
والسؤال المرعب يضرب رأسه بلا رحمة
هل كان السبب؟
هل بسبب كشفه لحقيقتها انتحرت؟
هل هو السبب ومن دفعها لتلك الخطوة؟
أكان ظالمًا
أم مجرد مظلوم دافع عن نفسه في حرب قذرة أبى حتى أن يلوث روحه بها؟
ووسط دوامة الأفكار،
أتت فريدة تبتسم له،
ليحاوطها سريعًا وبقوة،
بقوة أدهشتها هي،
لكنها لم تبخل عليه بالكثير من الحنان،
وبداخله هو،
كان يحتمي بها من أفكاره،
لكي لا يسقط في هذا البئر