-->

رواية بعد الاحتراق After Burn لغادة حازم - الفصل 26 - 1 - الاربعاء 2/4/2025

 

قراءة رواية بعد الاحتراق - After Burn كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




 

رواية بعد الاحتراق - After Burn 

 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة غادة حازم


الفصل السادس والعشرون

تم النشر يوم الاربعاء

2/4/2025


-1-



أنا مُـخدرة..

أنا عالم خاوٍ من الأشياء،

أنا كل الأشياء المحطمة التي لُصقت معًا مجددًا..

انا الهمسة التي لم تكن..

 

-طاهرة مافي-

❀❀❀

 

لم تعلم كم كان الوقت بالتحديد حين تسلل لها ذلك الشعور واضطربت مشاعرها أثناء نومها.. قبل أن تفتح عينيها كانت قد تنبهت حواسها دفعةً واحدة، وكأن ثمة خطرٍ حولها.. حلمٌ جميل بالخلفية لازال أثره يُخدر حواسها ويُغريها لتسترجع أجزاءه، فحاولت.. وليتها لم تفعل!!.. فثمة أجزاء بهذا الحلم كانت أكثر من حقيقية..

بل كان حقيقيًا بالكامل!!

 

لحظة صمت، قبل أن تصفعها تلك الحقيقة، لتفيق فريدة من ثُبوتيها.. وكأن أُلقيَّ بها من نعيم السماء السبعة لترتطم بعنف بقاعٍ سحيق!!.. فتحت عينيها على أقصى اتساعٍ لها بذعر، وأول ما رأته كان صدر أدهم العاري الذي تتوسده.. ولتوّها انتبهت أنها هي الأخرى عارية فزاد ذعرها فلحظة ليتحول لهلع!!

 

تسارعت ضربات قلبها بشكلٍ مؤلم وهي تتوخى الحذر، بينما تفك ذراعه عنها وتكافح كيلا تُصدر صوت وتوقظ الآخر.. خطفت أول شيء وقعت عينها عليها بالأرض لتستر جسدها وقد كان قميصه، وبخطوات غير متزنة يكاد يُغشى عليها من الذعر من وطأة المفاجئة تلمست طريقها لما بدى أنه الحمام.. ما إن أغلقت الباب عليها حتى توجهت للمغسلة تبلل وجهها أكثر من مرة علّها تستفيق من ذلك الحلم.. لقد كان حلم، أليس كذلك؟!.. لم يحدث شيء بينها وبين أدهم.. هي لم تسمح له بلمسها ووضع طرفه عليها من جديد.. كلا هذا لم يحدث!!

بلى حدث!!

وعندما رفعت رأسها للمرآة تأكد لها هذا بشفتيها المتورمتين وقضمات الملكية التي رصعت عنقها، صدرها، وأزالت القميص أكثر، لترى كل شبرًا من جسدًا يحمل بصمة لأدهم!!

سحقًا..

لم تتمالك نفسها ولطمت خدها بعنف في أنكار ومزيد المزيد من جرعات الهلع.. كيف حدث هذا؟!.. هل بسبب الدواء؟؟.. هل لأنها شربت كأسان غابت عن وعياها لهذه الدرجة؟!.. هي تتذكر أنها كانت واعية حتى طاولة المزادات، بعدها لم يسعفها عقلها في استجماع ما حدث.. فقط محض لقطات غير مترابطة عن تلك الليلة..

هي بحضنها وتلمسه بمحض ارادتها..

قبلاتهما بالمصعد..

تجريده لها من فستانها..

الشغف واللهفة التي كانت تقابل بها كل ما يفعله..

تقبيله ومصّه لكل ندبة جرح من ندبات جسدها وهو يعتذر ويعتذر..

حتى ذلك الوسم اللعين الذي يحمل اسمه بنهاية ظهرها لم يغفل عنه..

 

اللعنة!!

 

تقيأت بألم دفعات من مرارة معدتها وحينما انتهت كانت تغشى عينيها الدموع وسحابة من ألم الصداع المرير.. تلك ثالثة مرة ترغب عن حق في إنهاء حياتها!! لم تفهم ما بها؟!.. أعصابها بالكامل مُرتخية أكثر من اللازم وبالكاد تصلب طولها.. اعتصرت فكها بغلٍ وغضب من نفسها.. منه.. ومن العالم أجمع!!

فقط لمّا يحدث كل ذلك معها؟!

 

تلك اللحظة انتبهت لأول مرة لأصوات الضجيج بالخارج، وعندما دنت من الباب اتضح لها أنه فقط هسيس صوته في الخارج.. لم تتبين ما يجري ولكنها اغلقت الماء وقررت أن تخرج له لتصب عليه لعنتها.. لتُفاجئ به واقفًا عند النافذة ومن الواضح انه يُجري مكالمة.. لا يرتدي إلا سرواله بإهمال دون أن يغلقه، وكامل جسده يتشنج من فرط الانفعال والغضب!!

-        لا يهمني خسائرك اللعينة.. حالًا تكون قد سحبت كل النسخ من السوق!!.. افعلها ثانيةً واقسم لن تعيش لترى حتى ردة فعلي!!

 

ما إن لمح طيفها بجانب عينه حتى تحرك مغادرًا الغرفة، في خطواتٍ عاجلة ليكمل مكالمته بالخارج بعيدًا عنها، وكأنه لم يكن يتوقع أن تخرج عليه الآن!!.. ظلت محدقة فيه أثره وهو يختفي بينما كامل جسدها يتخشب في خوف لا إراديًا منها.. فقط صوته الغاضب ورؤيته في تلك الهالة المرعبة جعلت جسدها بالكامل متحفز.. في حركة خاطفة عادت عينها للمكان الذي كان واقفًا به، لتلمح جريدة ملقاة بإهمال وأجزاء ممزقة عنها.. لتقترب بترقب وتلتقط الجزء الممزق وتعيد تجميعه مع الجريدة لترى ما بها وسبب له نوبة الغضب العارمة تلك..

 

كان هناك خبر يحمل صورتها معه من حفل الأمس، ولكن الزاوية التي التُقطت منها الصورة قد جعلتها متصدرة في بؤرة العدسة، وكأن المصور يتقصد هذا..

وبالأسفل قد كتب الاتي:

"تستحق لقب أجمل وجه لهذا العام.

مَن هي فريدة الشاذلي زوجة رجل الأعمال أدهم الشاذلي؟"

 

صوت قوي لارتداد باب الغرفة جعلها تقفز مكانها فزعًا وهي ترى أدهم يقترب منها بعد أغلق الباب في خطواتٍ جامدة وبدى أنه لم يتخلص من تلك التعابير المرعبة.. بهدوءٍ شديد انتشل منها الجريدة دون أن ينطق بكلمة وألقاها بسلة القمامة.. ليقابلها بعدها بوجهٍ آخر وقد تبدلت ملامحه 180 درجة وهو يقول بنبرة عادية وكأن شيئًا لم يحدث:

-        صباح الخير، ديدا.. هل نمتي جيدًا؟؟

 

  لم تتجرأ فريدة حتى على ابتلاع ريقها وهي تطالع بعينها الانفصام البادي في شخصيته لتكتفي بإماءة خافته وهي تخفض رأسها عنه بعد أن اقترب منها بمسافة خطرة، ليُفسر أدهم تلك الحركة منها على أنها خجل، فلم يتمالك نفسه ليلتقم شفتيها في قبلة متملكة تطفئ وهج صدره، وليتأكد بها من أنها قد عادت مُلكًا له حقًا ولم يكن حلمًا ولى!!.. مَن كان يصدق أن فريدة الآن بين يديه وترتدي قميصه ولا شيء عداه؟!.. يستطيع بسهوله رؤية العلامات التي صنعها عليها ويستمتع بملمس جسدها القطني كيفما شاء.. فقط، رؤيتها كذلك يدفع من أجلها الكثير!!

 

لم تملك فريدة حرية الرفض أو القبول، فقد كانت تلك القبلة همجية لا تدع لها أي سيطرة وكأنه يفرغ فيها حمأته السابقة.. عندما ابتعد عنها كان يبتسم وكأنه امتلك الكون بالكامل ليبعد غرتها عن جبينها ويقبلها هنالك بعمق محتضًنًا إياها كاثمن شيء فالوجود.. ورغمًا عاد شعور الطمأنينة يتسرب إلى داخلها فسكنت متحسسه بوجنتها ذلك الوسم الذي يحمل اسمها على صدره..

 

-        بالتأكيد انتِ جائعة.. تعالي لقد طلبت الافطار..

تمتم بهدوء ليسحبها معه لغرفة خارجية، جلس على الطاولة واراد أن يُجلسه على قدميه ولكنها سبقته وجلست على الكرسي المجاور له ليلاحظ للمرة الأولى أنها على غير طبيعتها معه بالأمس وأنها صامت أكثر من اللازم وشيئًا في داخله يخبره أنها قد ندمت على ليلة الأمس لكن واللعنة هو قد سألها أكثر من مرة..

 

-        ما بكِ فريدة؟.. هل هناك شيئًا يؤلمك؟!

اضطرت أن تطالعه وهي تقول بارتباك واضح:

-        لا شيء .. فقط اشعر ببعض الصداع..

ارتاح قليلا قبل يقبل يدها التي تدلك بها جبينها قائلا برفق:

-        لا بأس عليكِ.. كُلِ الآن وسأعطيكِ أدويتكِ بعدها ربما تتحسنين بعدها..

 

أبعدت يدها وهي تتأمل الأكل على الطاولة بغير نفس وقد ألم معدتها ليزعجها مجددًا:

-        لا اريد.. اعطيني الدواء

-        لا مجال للرفض.. تعرفين القاعدة؛ لا طعام لا دواء!!

قالها وهو يصطنع الحزم قليلا بينما يقطع قطعة من (الكرواسون) المحشوة شوكولاتة ليضعها بفمها وكأنه يعامل طفلة.. مضغتها فريدة على مضض وشعور الغثيان بمعدتها يتصاعد لحلقها.. تكلم أدهم مجددًا:
-        إذا كنتِ متعبة لابأس بالجمعية اليوم..
الجمعية يا اللهي كانت قد نست أمرها تبا لذلك هي بالفعل لا طاقة لها اليوم لأي شيء ولكن ماذا تفعل هناك الكثير من الأشخاص المهمين اليوم الذي عليها الاجتماع بهم.. تبا لذلك!!
-        كلا سأذهب
 
ابتسم في وجهها وكأنه كان يعلم هذا ثم ناولها قضمه أخرى بينما يكمل:
-        جيد.. ريم كذلك ستلحقك إلى هناك.. فقط تحمليها قليلا فريدة أعرف انها مشاغبة ولكنها تحبك.. وهناك شيئًا آخر.. بالتأكيد تسألين نفسك لما حشرتها معك؟ ببساطة لأنك الوحيدة التي أأتمنها على ريم.. ريم مثلنا تأثرت بما حدث حتى بدأت تتقوقع على نفسها وهذا الشيء أخافني كثيرًا عليها.. لذلك كان لابد من دفعها لشيء يخرجها من تلك الشرنقة.. كلتاكما تحتاج هذا.. انتِ بالتأكيد تفهميني جيدًا دكتور فريدة!!
أغمضت عينها وهي تومئ له بوهن فهو لا يناديها بلقبها إلا حين يريد تذكيرها بوظيفتها كمعالج نفسي.. والتي تحتم عليها طوال الوقت أن تكون متفهمة للجميع ومراعية لحالتهم النفسية دومًا أما حالتها النفسية هي فسحقًا لها!!
 
انتبهت له وهو يمنحها كوب شفاف صغير فيه حبوب دواءها النفسية لتأخذه منه على الفور فقد كانت في أمس الحاجة لها.. وكما اعتادت فقد ظل متابعا إياها حتى تأكد منها ابتلعت الحبوب كاملةً.. وعلى ذكر الحبوب، تحمحم قبل أن يردف وهو يقرر أمرًا وليس يأخذ رأيها بينما يتأملها عن كثب مترقبًا لردة فعلها:
-        لقد حجزت لكِ موعد على السادسة اليوم مع طبيبة نسائية موثوقة.. أتمنى أن يكون مناسبًا لجدولك!!
 
في البداية لم تنتبه أنه يخاطبها كانت غارقة في غياهب أفكارها وما إن انتبهت لإطالته النظر لها حتى أومأت له بعدم تركيز ودرجة منعدمة من الاستيعاب لما يعنيه.. في لحظة بدى لها كل شيء غير هام الآن.. فثمة شيء يحدث داخلها غريب حقا، ومؤلم كذلك، يشتتها عما عداه.. كل ما يحدث هنا خاطئ..
 
رمقته مجددًا وهو يقبل رأسها ثم ربت برضا على شعرها يبعثر غرتها وكأنها جرو لديه بينما ينهض ليجيب على هاتفه الذي رن.. نعم هذه هي الحقيقة أنتِ لستِ إلا مجرد كلبة لديه يسوقك كيفما أراد ساحبًا إياكِ خلفه من طوق العبودية الذي يكبلك به.. أليس هذا ما غرزه بعقلك مرارًا في القلعة؟!.. هل ذكر أنه قد حجز لكِ مع طبيبة نسائية؟ دون أن يخبرك حتى؟!.. يريد أن يضاجعك بحرية دون خوف من أن تحملي بطفل وتزعجينه.. على الأغلب أنه قد نسى أن تمزيقه لكِ سابقًا جعلكِ شبه عقيمة.. إنه يكرر كل هذا مجددًا.. جحيمك معه تتكرر مجددًا..!!

❀❀❀
 
في الطريق، ظل محتفظًا بيدها في يده بينما مستمر في عمل مكالمات لا حصر استعدادًا لجلسته وحينما انتهى أخيرًا التفت لها بكامل جسده ليخبرها على عجالة:
-        انظري فريدة.. اليوم سأعلن أن المؤسسة خاصتك ستتولى تقديم الدعم الكامل لمناطق الاغاثات في غرب الولاية التي نجت من الاعاصير الماضية.. كامل المساعدات من بنية تحتية لتوفير ملاجئ مؤقته للمتضررين وكذلك الدعم الصحي للمصابين.. جهزي لي مع فريقك الميزانية الكاملة لهذا لتكون على مكتبي بعد أسبوع أقصاها، هل تفهميني؟؟
 
هنا تنبهت كامل حواسها واستشعرت المسؤولية فيما يقول لتومئ له على  الفور مع ذلك أعربت عن خوفها من تلك المسؤولية الكبيرة التي يلقيها على عاتقها وهي غير جاهزة البتة لذلك:
-        لكن أنا.. هل أنت واثق أني..
-        نعم واثق.. قبل أن تكملي الجملة فأنا أعرف أنكِ تستطيعين فعل هذا وأكثر .. أنتِ فقط لا تعرفين حدود امكانياتك!!
 
نظرت له تلك اللحظة، كان جليًا أنه يعني كل كلمة قالها.. لقد كان مؤمنًا بها أكثر من ذاتها.. نظرته كانت صادقة وتحمل معاني أكثر من هذا، كان مولعًا بها وذلك ما أربكها.. فقط كيف بحق خالق السماء أن تصدق أن تلك العينين قد ألحقت بها كل هذا الأذى؟!
 
لماذا يفعل بها هذا؟!
 
وبدى أنه قرأ ما تبادر لذهنها ليحتضن يدها ويقبلها بكل دفئ وحنان دون أن يفلت عينها ثم همهم لها:
-        لا تفكرين فريدة.. من فضلك لا تفكرين.. أعلم أنك نادمة على تلك الليلة ولكن كل ما أطلبه أن تمنحيني فرصة لأنسيكِ كل ما مضى.. لا تفكرين واستمعي لقلبك وجسدك يريد هذا!!
 
ابتلعت ريقها وهي تتأمل الطريقة التي يهمس بها لها كانت كالتنويم المغناطيسي أي امرأة هي لتقاومها؟!
 
أومأت له لينشرح صدره فهو حقًا لن يتحمل أن تبتعد عنه مرة أخرى، لا يعرف ماذا سيفعل ولكنه واثقًا من انه لم يكن ليسمح لها بأن تعود بعلاقتهما خطوة للخلف.. تبا لهذا لقد انتظرها لسنوات كي تصفح عنه ولم يعد بمقدوره الانتظار اكثر!!.. أغرق وجهها بالقُبل الصغيرة لتبتسم رغم عنها فقد كانت تلك الطريقة تلمس قلبها بقوة.. فلم يتحمل ليهجم على شفتيها في قبلة عميقة يبثها فيها كامل مشاعره المتقدة.. ابتعد عنها بعدها ليسند جبينه إلى جبينها بينما يتأمل أنفاسها التي تكافح لتنظيمها ليهمس لها وقد توقفت السيارة أمام مقر المؤسسة الخيرية:
-        سأكون هنا على السادسة.. اتصلي عليّ إذا احتاجتِ أي شيء وفي كل الاحوال (ماتيو) سيرافقك طوال الوقت للتأكد من سلامتك..
 
ابتلعت كل ما قاله تهز رأسها في طاعة وقد بات هذا كل ما تفعله هذه الأيام..
 
❀❀❀
 
المبنى الرئيسي لمؤسسة (نور) الخيرية
 
استقبالها الجميع بترحاب شديد وكأنها السيدة الأولى.. كانت الممرات مفروشة بالورود وكلما سلمت على موظف من موظفيها منحها باقة من الورود.. بدى لها كل هذا مبالغًا فيه أكثر من اللازم مع ذلك أحبته وقد بددت من ارتباكها قليلًا فالجميع كان ودودًا معها ولم تجد صعوبة في التعامل مع أحد عكس ما توقعت.. حتى السكرتيرة التي اختارها أدهم لها كانت عملية بشكل كبير فمنذ وصولها وقد شرعت تعرفها على وظيفة كل فرد في المؤسسة وطبيعة عمله وكل ما هنالك من أدق تفاصيل العمل حتى عاودها الصداع مجددًا من كثرة حديثها وأخبرتها بتهذيب أن تمنحها 10 دقائق في مكتبها قبل أن تعود وتستكمل الحديث وطلبت منها أن تعد لها كوبًا من القهوة..
 
فور أن دخلت مكتبها فوجئت ب ريم تجلس على المقعد خلف المكتب بكل ارتياحيه وفخامة وكأنه مكتبها الخاص.. امالت فريدة رأسها باستغراب من الوضع لتردف ريم بينما تتأرجح بالكرسي يميناً ويسارًا بنبرة كلها غنج:
-        ما رأيك أخبريني بصراحة؟؟.. لائقًا بي أليس كذلك؟؟
 
تنهدت فريدة بخفة وهي تحرك رأسها بعيدًا في عدم اهتمام.. هذا ما كان ينقصها تلك الحركات الطفولية.. لتسلم أمرها وتجلس على أحد المقاعد أمام المكتب فقد كان الصداع يفتك برأسها وإذا استمر الوضع هكذا معها طوال اليوم ربما تفقد الوعي من الألم..
 
-        ما بكِ فريدة؟ هل انزعتِ؟
-        ابدًا ريم..  
تمتمت فريدة لها بابتسامة مزيفة بينما تدلك بخفة جبينها.. الحقيقة أن كامل جسدها كان يوجعها رأسها، بطنها، حتى عضلاتها، كان بديهًا لها بعد ليلة أمس، فعلى ما يبدو أنه لم يدخر جهد لاستمتاع بجسدها لتكون تلك حالتها الآن.. شعرت بالمرض وأنها في حاجة ماسة للراحة والنوم فقط.. أن تأخذ حبتين من الفاليوم لتنام وتدع العالم يحترق خلفها!!.. وفجأة، صار ذلك كل ما تفكر به ويستولى على ذهنها..
 
خلال تلك اللحظة، ظلت ريم تنظر لها وتقييم الوضع كما أخبرها عادل.. فبما أن لم يحدث ما أراداه الليلة الماضية ولم يكتشف أدهم ما حدث، إذًا فستحاول مرة وأخرى.. فعادل كان لديه الحق، تلك الأدوية اللعينة التي تتناولها تبطئ من مفعول الكوكايين في دمها وكذلك امتصاصه عن طريق المعدة يهدر أغلبه.. لذلك، ستدرج لها الجرعة أكثر ومن ناحية أخرى تكون قد تأكدت أن أمرها قد انتهى!!
 
كانت تعلم جيدًا لما التعب باديًا عليها، تلك الآثار اللاحقة لتعاطي أول جرعة.. الجسد يحاول طردها ولكنها هنا لن تسمح بهذا.. تكلمت ريم مجددًا وهي تخفي ابتسامة خبيثة على شفتيها:
-        ماذا هناك؟؟.. هل أنتِ متعبة؟؟
 
كانت تسألها بحذر، فكما أخبرها عادل أم ن تتوخى الحذر وهي تتعامل معها، فهي تتعامل مع حية!!
 
تمتمت فريدة وهي لا تزال على وضعها:
-        لا عليكِ.. فقط بعض الصداع.. لقد طلبت من (ايما) أن تحضر لي قهوة سأشربها وأكون على ما يرام..
 
وجدتها ريم فرصتها لتنهض وهي تحضنها بود بينما تعبر تعاطفها:
-        آوه حبيبتي.. سأذهب لاستعجلها لكِ حالا.. لا تهتمي بأي شيء يخص العمل انا هنا وسأتولى كل شيء.. ارتاحي من أجلي..  
 
أجل.. هي هنا لأن هذه أموال أخيها.. ولن تدعه لتلك الحيّة حتى تبذره كيف تشاء وتتصدر في النهاية صورة الملاك أمام الجميع!!
 
لم تعقب فريدة فقد كانت في صراع مع ألمها وعندما فقدت السيطرة نهضت على عجالة للحمام لتتقيئي للمرة الثانية هذا اليوم، ولقطات من ممارستها مع أدهم الأمس تتساقط على رأسها بدون رحمة.. حتى استسلمت بتعب وفتحت حقيبتها لتخرج قرصًا آخر من الفاليوم وهي تخبر نفسها أنه لن يؤثر عليها.. فقد سيهدئها وهذا ما تحتاجه الآن قبل أن تنهار!!
 
مسحت وجهها أكثر من مرة كي تستعيد عافيتها وهي تخبر نفسها أن لا ينبغي لأحد أن يلاحظ تغيير عليها وأولهم كلب أدهم (ماتيو).. انه هنا واقفًا على بابها في مهمة واضحة ومراقبتها وليس سلامتها كما قال!!.. لذلك تبا للتعب الآن لو اكتشف أدهم ذلك سينتهي أمرها..!!
 
عندما خرجت، كانت ريم في انتظارها وهي تضع كوب القهوة على المكتب مردفه:
-        اشربي قهوتك.. وسأستقبل المستشارين بغرفة الاجتماعات، متى شعرتِ بتحسن انضمي إلينا..
 
لا تعرف فريدة لما شعرت بعدم الارتياح مع عبارتها تلك لتلحقها قبل أن تغادر المكتب قائلة:
-        لقد تحسنت ولا مانع من احتساء القهوة في الاجتماع..
 
تجاوزتها لتسبقها بينما لحقتها السكرتيرة (ايما) وهي تخبرها كامل تفاصيل الاجتماع وأنهم سيحددون اليوم المشارع القائمة هذه السنة واولويات الجمعية في الفترة الأولى..
 
جلست فريدة على المقعد الرئيسي بينما تفتح سترتها الكُحلية وقد كانت ترتدي بدلة رسمية، لترحب بالجميع في عجالة.. بينما جلست ريم في مقعد على يسارها وهي بالكاد تكمد غيظها فكانت تفكر في حديثها مع عادل وسؤاله لها عن لماذا جعل أدهم السلطة لفريدة وليست لها؟؟.. موقدًا بذلك براكين من الغل داخلها، إلى هذه الدرجة كانت تسيطر على أدهم؟!
 
مضت أكثر من خمسة ساعات عليها، لم تقطعهم حتى للطعام، وقد بدأت تستعيد نشاطها وأخيرًا قد اتقشع الصداع عن رأسها وشعر بالتحسن الفوري والهدوء الشديد ومزاجها بات رائقًا كذلك لتتحمل هذا الكم من المناقشات والمجادلات وهي تخرج من اجتماع للأخر مع العديد من الاشخاص وتتعرف فيه على كم هائل من المعلومات الادارية لتستطيع بالنهاية اتخاذ عدة قرارات منهية  آخر اجتماع بتوقعيها على العقود بعد ان اطمأنت أخيرًا أن كل شيء سيسير وقف ما أرادت..
 
فرغت الغرفة إلا منها ومن ريم والسكرتيرة.. لتلتفت لريم وتخبرها بنبرة رسمية أنها تريد منها العمل على التعديلات التي حددت في الموقع الرسمي للمؤسسة وأنها ستتولى هذا الجانب من اختصاصها من دعايا وإعلانات.. لتنهي هذا قائلة بنبرة تشجيعية:
-        همتك معنا أيتها البطلة.. عملنا بالكامل يعتمد على شغلك.. كلما كانت الحملات الترويجية مؤثرة كلما اكتسبنا متبرعين أكثر..
 
بذات الابتسامة الزجاجية قابلتها ريم وهي تقول متعمدة مخاطبتها باسمها مجرد قبل أن تنهض جامعة أوراقها:
-        لا تقلق، فريدة..
 
لم تلاحظ فريدة ذلك وهي تلمح رنين أدهم لها، لتكتشف أن الساعة اصبحت الثالثة بالفعل.. نادت على ريم قبل أن تجيبه:
-        ريم.. انتظري.. أدهم بالأسفل ينتظرنا لنتناول الطعام بالخارج معًا..
 
كانت كذبة منها.. فهي من أرادت حضورها لتعفيها من معاد الطبيبة والجلوس مع أدهم وحدها.. لكن الاخيرة رفضت محتفظة بذات الابتسامة الزجاجية متحججة بأن لديها مزيد من العمل على ما طلبته.. فلم تجد مفر من مواجهته وحدها

❀❀❀
 

الصفحة التالية