رواية جديدة نجمة أركان الجزء الرابع من سلسلة فرعون مكتملة لريناد يوسف - الفصل 21 - السبت 31/5/2025
قراءة رواية نجمة أركان الجزء الرابع من رواية فرعون كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نجمة أركان
الجزء الرابع من رواية فرعون
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الواحد والعشرون
تم النشر يوم السبت
31/5/2025
نجمة اركان الفصل الواحد والعشرون.
- ايه ياقلب ابوكي مش ناويه تجيني زيارة، خلاص سامح وبنتك مريم واخدين كل عقلك ووقتك، طيب وأبوكي ملوش نصيب فيكي حتى وانتي عارفه إن بعد سفر اختك فريده وجواز اخوكي وسفره فمحافظة تانيه مبقاش ليا غيرك؟
ردت عليه وهي حاسة بتأنيب الضمير لأنها فعلًا مقصره فحقه:
-حقك عليا يابابا أنا فعلًا بنت عاقة وواطيه ومعنديش دم، بس والله مريم وجوازها شغلني وأخد كل وقتي وانت سيد العارفين، بس دلوقتي خلاص يابابا فضيتلك ومش هحلك.
رد عليها راضي بزعل:
-كلااام، كله كلام، ولا فضيتيلي ولا بتفضيلي، عمومًا انا بس حبيت اطمن عليكي، اصل سامح الراجل الاصيل بيتصل عليا كل يوم ويسال ويطمن، الهم والباقي على اللي مني وناسياني.
أميره:
-لأ والله مش ناسيه ولا حاجة انت في القلب والعقل ياحبيبي، وبعدين ماكله منك ومن نشوفية دماغك عماله اقولك تعالى اقعد معانا وسامح يتحايل عليك وانا اترجاك وانت مفيش فايده، قاعد ومتبت في الشقة عندك زي مايكون فيها كل أوكسجين الدنيا ولو خرجت منها مش هتعرف تتنفس.
راضي:
-طيب ما هو فعلًا كده بالظبط، لو خرجت من شقتي وبعدت عن ذكرياتي أموت، هنا عمري كله وانتي عارفه.. وبعدين ماحتى انتي مش عايزه تسيبي شقتك اللي فيها ذكرياتك مع سامح وماما مديحه الله يرحمها وتيجوا تعيشوا معايا، ولا انتي تتشطري على غيرك ونفسك لأ؟
ضحكت ومبقتش عارفه تقوله ايه فردت عليه بإختصار:
-بص حضرتك معاك حق فكل كلمة قولتها،فمش هجادلك، واخر كلام بكرة انا وسامح وحتى مريم وجوزها عندك من أول اليوم وهنقضيه كله معاك، هعملك كل الاكل اللي بتحبه واجيبه وانا جايه، وانت بقى ياحلو عليك الحلويات والتسالي والمشاريب.. يلا تدبيسه عنب اهي.
رد عليها راضي بفرحة:
-ياأحلى خبر في الدنيا، ولو عالمكسرات والتسالي مجيتيش في جمل ياستي دا انا باعت جايبلك ٢ كيلو جوز ولوز وفستق وعين جمل وكاجو دا غير اللب بانواعه من المحمصة اللي بتحبي حاجتها ومخليهملك لما تيجي تاخديهم، والمشاريب والحلويات كل اللي تطلبيه يجي برنة تليفون من تحت البيت.. ومتطبخيش وتتعبي انا هبعت على أكل جاهز، انا مش عايز جيتك ليا تكون تعب عليكي وتعملي مجهود يكرهك في الجيه، قولي بس تحبوا تاكلوا ايه وانا أوصي عليه من دلوقتي.
ردت عليه أميره بزعل:
-برضوا كده يابابا، تعب ايه ومجهود ايه اللي بتتكلم عليهم دول واكره الجيه عندك ازاي يعني عشان حبة أكل هعملهم؟
الظاهر إنك مش مصدق إن قلة جيتي ليك غصب عني أو بسبب ظروفي ومقتنع إني انا اللي مش حابه وبتلكك، طيب عشان اثبتلك حسن نوايايا هقعد عندك اسبوع بحاله فى شقتك وعلى قلبك وارازي فيك ياراضي، وحتى لو طردتني مش همشي ولازقالك.
ضحك راضي ورد عليها بفرحه اكبر:
-تبقي بنت ابوكي بصحيح لو عملتيها.
ضحكت هي كمان وردت عليه:
-ولو معملتهاش ابقى مش بنت ابويا يعني، أمال انا بنت مين على كده؟
-والله لو كنت ناسي افكرك.. بنت سامح يختي، اللي بعتي الدنيا كلها واشتريتيه،واللي بتقوليله يابابا دلوقتي، تك بو انتي وهو، انا اخلف واربي وأكبر وهو ياخد اللقب عالجاهز.
ضحكت أميره وردت عليه بخجل:
-بس يابابا بقى ايه الكلام ده، انت الخير والبركة طبعًا، وكلمة بابا دي مكان كلمة حبيبي وكده يعني، عديها ياراضي وانسى دي ماكانتش غلطة يوم ماناديته وقولتله بابا قدامك.
رد عليها راضي بغيظ:
-طيب هعديها، المهم قوليلي تحبوا تاكلوا ايه بكره أوصى عليه؟
أميره:
-قولت انا اللي هطبخ يعني انا اللي هطبخ، حسم الأمر ياراضي، ويلا سيبني أشوف هعمل ايه وأجهز ايه لبكره واكلم مريم وجوزها عشان اديهم خبر.
قفل راضي بعد مامكالمة مريم انعشت قلبه و اخيرًا هيحس بالونس اللي بقي محروم منه، حتى لو لفترة قصيره، المهم إن روتينه الممل وشعور الوحدة الدايم دا يتكسر.
اما أميره بعد ما خلصت المكالمة مع راضي، كانت أميرة حاسة براحة نفسية، وكأنها قدرت تعوض ولو جزء بسيط من تقصيرها في حق والدها. اليوم الجاي هيكون مختلف، فيه لمّة وونس وضحك، وكل حاجة كانت مفتقداها في الفترة الأخيرة.
فإبتدت تفتح في دواليب مطبخها وتشوف ايه عندها وإيه ناقصها عشان تخلي سامح يجيبهولها وهو راجع من الشغل،
واتصلت بمريم بنتها وبلغتها بإن جدها عازمها هي وجوزها بكره، ومريم وافقت بفرحه لأن جدها كان واحشها جدًا، وجوزها وافق فورًا لما شاف فرحتها، مع انهم لسه فى تاني أسبوع جواز والمفروض ميخرجوش دلوقتي في عزومات عند حد، أو دا رأيه الشخصى وهو اللي فارضه، لكن عند راضي جد مريم وكل القيود تتفك وإلا تنصب عليه لعنتها ويبدء النكد بدري.
أما سامح فبمجرد مابلغته أميره وقالتله عالطلبات الناقصة مستناش لما يخلص شغلة، ساب المستشفى وخرج جاب كل الطلبات وعليهم حاجات زيادة من عنده عارف إن عمه راضي بيحبها ورجع عشان يساعد أميره في التجهيز للعزومه بكل حب، عشان عمه راضي عنده مش مجرد حماه، لأ دا الأب اللي ربنا رزقه بيه بعد سنين اليتم. ولقى فيه الحنان اللي كان محروم منه.
واقف سامح في المطبخ وبص لأميره اللي بتطبخ وتجهز الاكل بحرفيه وشطارة فأبتسم وقرب منها وحضنها من كتافها وقالها بضحكة:
-فاكره اول مره دخلتي فيه المطبخ دا ياأميره طبختي ايه وحصل ايه؟
ابتسمت أميره وردت عليه وهي بتفتكر اليوم اللي عمرها ماهتقدر تنساه:
-يااه ياسامح ودا يوم يتنسي برضوا، طبخت ياسيدي صينية فراخ محروقة خلت ماما مديحه صوتت ولمت عليا العماره كلها.
سامح:
-يعني كنتي عايزاها تعمل ايه وهي شايفه الدخان خارج من المطبخ والاكل والع وانتي واقفه قدام الأكل وبتتفرجي؟
-ايوه منا كنت بفكر في طريقة اطفي بيها الحريقة، بس الحريقة مدتنيش فرصة للتفكير.
حضنها وهمسلها بحب:
-حقيقي كانت احلى ايام، مع ان وقتها اتنفيت للسطوح بسببك، بس كان احلى منفى وخصوصًا لما كنتي بتتسحبي وتجيني بالليل.
زقته أميره بعيد عنها وقالتله:
-أيوه كنت اتسحب واجيلك وانت سلمتني لأمك تسليم أهالي فاكر؟
هي قالت كده وسامح افتكر المنظر وضحك باعلي صوته، أما هي فوقفت إيديها عن الحركة، وسرحت بعيد... بعيد جدًا.
سامح لمح التغيير على ملامحها، وقبل ما يسألها، لقاها بتسيب المعلقة بهدوء وبتروح ناحية الشباك، بتفتحه وتاخد نفس عميق، وكأنها بتحاول تطرد فكرة مزعجة رجعت فجأة لعقلها.
وفي اللحظة دي، كان كل شيء بيتلاشى حواليها، وكل اللي شافته قدامها هو الماضي... الأيام اللي حاولت تنساها، لكنها دايمًا بترجع تطاردها في لحظات ضعفها.
"من بداية لما روحت مع أبوها وأخوها على الشقة الجديدة..."
واللي من اول مادخلتها حست فيها بغربة وبإن حيطانها بارده، غمضت عنيها واخدت نفس جامد، وكأن الأماكن المقفوله كلها بقت تخنقها، قرب منها راضي ابوها وقتها وبحنان قالها:
-أميره تعالي اختاري الأوضة اللي هحطلك فيها حاجتك ياحبيبتي وتبقى أوضتك، انا اختارتلك الأوضه اللي عالشارع العمومي عشان لما تزهقي تفتحي الشباك وتبصي منه.
سكتت شويه ولما حس انها مش معاه اتحرك عشان يمشي لكنها سألته بتوهان:
هو غريب عرف اني سبت المستشفى؟
راضي فهم انها تقصد سامح فرد عليها..
-ايوه ياحبيبتي كلمني في التليفون النهارده يسأل عليكي وانا قولتله اني بخلص أوراق الخروج من المستشفى.
-مقالش حاجة؟
-هيقول ايه يعني، دعالك ربنا يتمم شفاكي على خير، وقال إنه من وقت للتاني هيبقي يعدي علينا يطمن عليكي ويتابع حالتك.
سمعته ورجعت غرقت في سكوتها وصمتها وتبص من الشباك على الناس ومسمعتش ولا كلمة من أبوها اللي كان بيقولهالها وبعدها سابها وراح يدخل الحاجة في الأوضة.
انتبهت على ايد بتطبطب علي كتفها وبتقولها:
-أميره انا بكلمك يابنتي بقولك يلا عشان ناكل، اخوكي رجع من بره وجاب الأكل ورصه على السفرة، يلا ياحبيبتي احنا جعانين وانتي اكيد جوعتي.
اخدها راضي من ايدها وقعدها علي السفرة، ومن الواضح إن بقالها وقت كبير وهي واقفه في الشباك ومش حاسه بالوقت، لدرجة إن باباها فرش الاوضه ووضبها واخوها رجع وحط الاكل عالسفرة وكل دا محستش بيه!
بدأو ياكلوا وهي مسكت الملعقه وفضلت تلعب في طبقها من غير ماتاكل، وسرحت بخيالها ووصلت لنقطة بعيدة قوي، للنقطة اللي ابتدت من عندها كل حاجة، لليوم اللي نطقت فيه إسم غريب لما نادر أخوه وخطيبها وقتها قرب منها في الحفلة عشان يبوسها، اتمنت لو انها منطقتش إسمه، ولا سمحت لقلبها يدقله او يتعلق بيه، اتمنت لو مستكترتهوش على ليل وخططت ونفذت عشان تاخده منها، ليل اللي وثقت فيها وكانت واخداها اخت تحكيلها ادق تفاصيلها، وهي بدال ماتقدر دا وتساعدها تحافظ علي بيتها وجوزها غرقت في التفاصيل وعشقتها، واتمنت تعيشها بنفسها وفعلًا نجحت، لكن للأسف الحاجة المسروقة دايمًا مبيكونش ليها اي متعة، ولا ليها عمر، ولا بتكون ليك مهما حاولت تكدب علي نفسك وتقنعها انها خلاص بقت بتاعتك.
مرت قدامها ذكرياتها مع احمد جوزها واللي حصلها معاه واللي عملته فيه، شافت جثته المتحلله اللي قعدت اسبوع معاها في الشقة، بصت لطبق الرز قدامها وفجأة حست حبات الرز بتتحرك، بالظبط زي الدود اللي كان بيتحرك في جثة أحمد، زاحت الطبق بعيد عنها بعنف خلى ابوها واخوها اتخضوا وسألوها حصل ايه، لكن الصمت كان جوابها، مسكت بس كباية الميه وشربت منها ورجعتها مكانها وغمضت وهي بتواجه ندمها على تصرف غلط وبعده إختيارات كلها غلط في غلط،
ومن ذكرى لذكري وموقف لموقف وصلت لمستشفى الأمراض النفسيه وللكام يوم اللي قبل حادثة الإغتصاب، لما كانت تحس حد بالليل بيدخل أوضتها في الضلمة، يقرب منها ويفضل يمشي ايده على جسمها وهي صاحيه وواعيه لكن جسمها متخدر ولسانها تقيل، ينام جنبها وتحس بأنفاسه وقربه منها لكن بيجي عند مرحلة معينه ويقوم ويسيبها، زي مايكون راسم لنفسه حدود لمتعته مبيتعداهاش، وتفضل هي بعده للصبح صاحيه خايفه، يطلع النهار والدنيا ترجع عاديه وكأن اللي حصل كله كان حلم ملوش اثر، خِدر جسمها يفك وكل الناس تكون طبيعيه، حاولت تحكي للدكتور حسام اللي بيحصل، لكن. من غير دليل هيقول انها بتتوهم أو مجنونه، وهي ذات نفسها مش متأكدة إذا كان اللي بيحصل دا حقيقة ولا وهم.
لغاية اليوم اللي دخل عليها بالليل فنفس الميعاد وقرب منها، لكن لمساته المرادي كانت مختلفه، اقسى وأجراء، والكارثه انها حست بتلت إيدين اتمدوا عليها فوقت واحد، وبقوا اربعه وخمسة وسته، غموها وربطوا عنيها وسدوا بوقها وابتدت تتعاد ليلتها الإولى مع أحمد جوزها بنفس العنف والسادية، بنفس القسوة، كانت ليلة بشعة وطويلة واتمنت فكل دقيقة انها تنتهي وينتهي معاها عذابها.
مقدرتش تتحمل واغمى عليها، ومفاقتش غير بين أيادي الدكاتره وهما بيسعفوها ويسالوا بعض مين اللي عمل فيها كده، الكل كان بيسأل ومفيش حد ابدًا عنده إجابه.
خوف اتملكها مطردهوش غير طيف غريب، اتخيلته معاها في الموقف دا وهو بياخدلها حقها من اللي عملوا فيها كده، عمرها ماشافته غير امان وسند حتى وهو كارهها ومش طايقها، لكن صورة ليل حالًا ظهرت قدامها وهي بتبصلها بعتب خلتها طردت طيف غريب فورًا، وإحتل مكانه طيف سامح، حست براحه غريبه فابتسمت واتبدلت ملامحها من الخوف للطمأنينه.
اما ابوها فكان مراقب تعابير وشها اللي بتتبدل من الحزن للخوف للرعب للقهر للراحة للإبتسامة وحاسس ان فيه حروب جواها بتخوضها لوحدها وللأسف كلهم مهزومه فيهم، وابتدا يدعي ربنا إنه يقويها ويساعدها، صحيح اللي هي فيه كبير وصعب بس ربنا أكبر.
قامت في النهاية وراحت علي الأوضة اللي فرشها باباها ودخلت سريرها ورفعت الغطى عليها عشان تستخبى من الذكريات المؤلمة،وكانهم واقفين حواليها والغطي هيحجبهم عن عقلها!
غمضت وراحت في النوم، وبمجرد مادا حصل إبتدت الكوابيس تطاردها، كل حاجة وحشه حصلتلها بتنعاد، كل خوفها اتحول لوحوش بتجري وراها وتحاول تنهش فيها وهي تهرب منهم بكل سرعتها، وأول ماتتعب من الجري وخلاص يقربوا منها وميفصلهمش عنها حاجة تقوم صارخة، صرختها المعتاده اللي فزعت ابوها واخوها وجريوا عليها، وراضي لما لقاها بتترعش اخدها فحضنه وفضل يهديها ويقرالها قرآن، وفين وفين لما ابتدت تهدا وقدرت ترجع تنام مره تانيه.
اخوها كان واقف يراقبها ويراقب حالتها وبعد ماخرجوا هو وابوه من اوضتها قال لأبوه:
-وبعدين يابابا أميره حالتها صعبه قوي وانا خايف عليها، لازملها علاج ورعاية ومراقبة وخصوصًا ان الدكتور حسام قال إنها ممكن تلجأ للانتحار فأي وقت!
رد عليه ابوه راضي بحزن:
- هنراقبها يبني أمال يعني هنسيبها، أنا هاخد أجازة من شغلي وافضل معاها لحد ماحالتها تتحسن شويه، ولو اضطريت انزل من البيت لأي سبب لازم انت تكون معاها، ماهو مسألة اني احطها فمستشفى تاني واسيبها دي مستحيله.
رد عليه ابنه برفض قاطع:
-لأ طبعًا مستشفيات ايه تاني كفايه اللي جرالنا من المستشفيات، اختي فريده جايه بعد اسبوع هي وبنتها وجوزها، جوزها هيفضل يومين يقضي مصلحة ويرجع وهي هتقعد معانا شهر، في الشهر دا بإذن الله هتكون اميره اتحسنت وبقت احسن من الأول.
راضي:
-طيب كويس محلوله اهي ومتسهلة بإذن الله.
عدي يوم والتاني وأميره حاسه بخنقه وديقه مش قادره توصفها، الذكريات بتموتها والاحتياج لحاجة مش عارفه هي ايه مدمرها، أبوها راضي بيحاول يعمل عشانها أي حاجة تفرحها، سواء اكل بتحبه يطلخهولها أو يشتريلها كتب، يقعد معاها ويتكلم، لكن كل دا ولا كان بيجيب نتيجة، لغاية ماجه اليوم التالت ورجع اخوها من مدرسته ومعاه دكتور سامح اللي قابله عند مدخل العمارة، واللي اول ماسمعت صوته ابتسمت بفرحة وخرجت من أوضتها وجريت ووقفت قدامه كانها كانت مستنياه ومستنيه جيته، وهو كمان ابتسم لما شاف شوقها ليه، لكن ابتسامته راحت لما نادتله وقالت:
-غريب اتأخرت ليه؟
رد عليها وهو بيدوس على كل حرف بيقوله:
-س ا م ح.. انا دكتور سامح ياأميره مش غريب، وياستي اتأخرت عشان اتنقلت فمستشفي تانيه وكنت بخلص أوراقي فحقك عليا عشان اتاخرت عليكي.
تعالي بقى قوليلي انتي مرتاحه هنا؟
رد عليه راضي:
-طيب يادكتور اتفضل اقعد، وانتي يااميره اقعدي يابنتي انتوا هتفضلوا واقفين كده!
خلص كلامه وشد اميره بنته من دراعها قعدها قصاد سامح في الصالون وقالهم:
-انا هروح اعملكم حاجة تشربوها، ولا نأجل المشروبات وناكل لقمة سوا يادكتور دا لو معندكش مانع يعني، انا عامل النهاردة مسقعه تستاهل بوقك، على فكره دي اكلت اميره المفضلة.
رد عليه سامح بخجل:
-لا لا ملوش داعي، انا نص ساعة وماشي حضرتك متتعبش نفسك ولا تعمل اي حاجة.
رد عليه راضي بإبتسامة:
-وهو فين التعب بس اللي هتعبه، وبعدين حتي لو تعبتلك تعبك راحة، حتي نرد جزء من تعبك مع اميره.
خلص كلامه وسابهم بسرعة وراح عالمطبخ لما شم ريحة حاجة هتتحرق.
بص سامح لأميره وسألها:
-هاه بقى مقولتيليش، مرتاحه هنا؟
بصت حواليها ومتكلمتش، بس بان على ملامحها الانزعاج وان المكان مش مريح بالنسبة ليها، فضل يسألها ويتكلم معاها شوية ويحكيلها عن امه واخته وفاء، وبلغها سلامهم، واتصل بيهم وفتح التليفون وخلاهم يتكلموا معاها، وبرغم انها مكانتش بترد عليهم إلا ان سامح كان بينقلهم تعبيرات وشها وإبتسامتها ويخليهم يتكلموا معاها اكتر، ولما خلصوا كلام وقفل التليفون وقف عشان يمشي فبصتله بحزن واتكلمت اخيرًا وسألته:
-رايح فين ياغريب خليك شويه.
اتنهد ورد عليها:
-سامح مروح ياأميره، كفايه كده النهارده، هبقى اجيلك مره تانيه.
اتحرك من قدامها وهي وقفت وابتدت تفرك اديها بتوتر، شافه راضي من المطبخ فخرجله جري وقاله:
-ايه يادكتور دانا خلاص جهزت كل حاجة وكنت هحط الاكل عالسفرة اهو.
سامح:
-معلش ياعمي انا اتأخرت ولازم ارجع، ماما واختي مستنيني عشان اتغدا معاهم.
كان هيرد عليه لكن سبقته اميره:
-كداب.. مامته واخته مقالوش كده دا هو اللي عايز يمشي من نفسه.
ابتسم راضي وسامح كمان ابتسم ورد عليها سامح:
-طيب ينفع الإحراج ده؟
راضي:
- احراج ايه بس يبني، انت مادام دخلت بيتنا بقيت واحد مننا، ولازم ناكل مع بعض عيش وملح عشان نوطد العلاقة مابينا، أصل العيش والملح يادكتور لو اتنين اتقاسموهم حاجة كبيره ورابط زيه زي الدم ميتنكرش ولا يتنسي.
قعد سامح بعد ما لقى نفسه محاصر بنظرات راضي وأميرة، وكأنه ملوش حِجة تانية للهروب. وبدأ راضي يحضر السفره هو وابنه وذوقيًا راح سامح يساعدهم ويجيب الاطباق معاهم،
السفرة كانت مليانة بأكل بسيط بس ريحته تفتح النفس. قعد سامح قدام طبقه وسرح لحظة، هو متعود ياكل من إيد أمه بس ومبياكلش فأي مكان غير بيتهم ، لكن االوضع هنا كان مختلف! حس كأنه قاعد وسط أهله بجد ومكانش فيه إختلاف في طعم الاكل، بالعكس دا راضي غير عنده مفاهيم كتيره من بعد مااكل من ايده، وأولهم إن الراجل ممكن يكون ابرع من الست في الطبيخ.
أما راضي فكان بيراقبه بنظرة كلها رضا، مبسوط إنه قاعد معاهم وبيشاركهم الأكل كأنه واحد منهم، وكمان مراقب أميره اللي كل شوية تبص لسامح بطرف عينها، والغريبه انها اكلت!
اكلت من غير مجهود أو مناهده!
وسامح صحيح كان ياكل بس عينه طول الوقت عليها بيراقب تصرفاتها، عشان لكل حركة بتعملها تفسير عنده في الطب النفسي، بس في المجمل شاف بوادر مبشرة، ومع ذلك مرضيش يجزم ان هيحصل من بعدها تقدم.. إلا بعد مايروح ويتصل براضي ويشوفها بعد مامشي رجعت لحالتها القديمه بعد مامشي ولا فضلت تصرفاتها طبيعية واتكلمت واكلت.
خلصوا الغدا وبعدها شربوا القهوة سوا مع شوية هزار وكلام خفيف، وسامح طول الوقت حاسس براحة غريبة، كأنه وسط ناسه، وسط عيلة حقيقية مش مجرد صحبة مؤقتة. راضي كان بيتكلم معاه بحنية الأب اللي اتحرم منها، وحب جدًا علاقته بإبنه واللي واضح انها ساهمت بشكل كبير في تكوين شخصيته السوية، واستغرب إن راضي هو نفسه ابو أميره اللي مشاكلها النفسية وعقد النقص اللي كانت جواها وصلتها للي هي فيه دا كله، إزاي بؤره وحده وبذرة وحده وري من طبع واحد ويطلع منها الإختلاف دا، واللي تنافي تمامًا مع كل مادرسه في الطب النفسي، وده أخد عقله لإحتمال إن الأم المتوفيه ليها يد في الموضوع، وإن الولد بقى بالنضج والعقل دا عشان هي مااتدخلتش فتربيته؛ لأن دايمًا كل إنسان بتبدأ مشاكله وتنتهي من عند الأم والأب.
خلص سامح قهوته وقام مشي وهو حاسس بإحساس دافي، اصل فيه ناس كده اول ماتقابلهم تحس انك تعرفهم من زمان.
رجع علي بيته وكان لامه واخته نصيب من الحكايات، وفضل يتكلم معاهم عن راضي وحنيته وعن اميره وفرحته بإنها بتتحسن في وجوده، وبرغم إن أمه كانت فرحانه علي فرحته ببداية نجاحه في علاج حالة من حالاته،
إلا انها حست بالخطر من طريقة كلامه عن اميره ولمعة عيونه لما بيجيب سيرتها اللي متشبهش لمعة عيون طبيب بيتكلم عن المريضة بتاعته ابدًا.
فردت عليه بعد ماسابته خلص كل كلامه:
- سامح هو مصير أميره إيه لو خفت واتعالجت؟
سامح:
-مش فاهم ياامي ازاي يعني مصيرها إيه؟
- يعني لو خفت هتتحاكم على الجريمة اللي عملتها وقتلها لجوزها؟
رد عليها بنفي:
_لأ طبعًا لأن الحكم صدر عليها خلاص بالبراءة وبإنها مش فحالة طبيعية وقتلها ليه كان دفاع عن النفس، لأنه الحق بيها اذى جسدي ونفسي وكان حابسها.
ردت عليه امه بحزم:
-بس اللي زي دي هتفضل في نظر المجتمع مجرمة حتي لو القانون براءها ياسامح خلي بالك، وحده قاتله ومجنونه ومغتصبه، هل هتقدر تعيش حياة طبيعية؟ ومين قليل العقل اللي هيتقبلها فحياته ويرضى انها تكون أم لأولاده بعد كل ده؟
رد عليها سامح بهدوء:
- عادي اي انسان عقله كبير ومش بيقف عند كلام الناس هيقبل بأميره، إنسان يدي لكل تصرفاتها العذر لما يعرف دوافعها، إنسان يحبها ويغفرلها كل اللي فات ويبدأ معاها من جديد.. الحب بيعمل المعجزات وانا بنفسي شفت حالات عجز الطب عن علاجها والحب لوحده قدر.
ردت عليه بضيق:
-ماأظنش إن فيه كتير من الإنسان ده، وحتي لو فيه مش هيكون هو لوحده صاحب القرار، اكيد هيكون له اهل هيعترضوا، زي ماانا كده وحده من الناس لايمكن أوافق إبني يتجوز وحده زي أميرة مهما حصل. إحنا آخرنا نشفق عليها، نتعاطف معاها، نعالجها، إنما ندخلها حياتنا بأي صفة تانيه لأ.
رد عليها حسام بإبتسامة:
-ايه ياأمي شايفك اتحمقتي قوي و اخدتي الموضوع على محمل الجد وكأني جاي افاتحك في جوازي من أميرة؟! إحنا بنتناقش على فكرة!
ردت عليه امه وهي بتحاول تمثل الهدوء:
معلش لو كنت انفعلت وانا بقول رأيي في الموضوع، بس انا حطيت نفسي مكان أي أم إبنها اللي بتتمناله أحسن وحده في الدنيا جاي يفاتحها بأنه يتجوز وحده زي أميرة، وبصراحة متقبلتش مجرد التخيل إن دا ممكن يحصل.
رد عليها بإبتسامة بعكس الشعور السيء اللي حسه بعد كلام أمه:
-لأ متتخيليش ولا تحطي نفسك مكان حد، دا محصلش ومظنش إنه هيحصل، أميرة مجرد حالة، ولوكل دكتور بيعالج حالة اتجوزها الدكاتره مش هتلاحق، كبري دماغك ياست الكل ولو كلامي عن اميرة واهتمامي بحالتها وصلك للحالة المزاجية دي ودايقك انا مش هتكلم عنها تاني قدامك.
ردت عليه امه برفض:
لأ مين قال إنى ادايقت، هو انا عشان انفعلت واتعصبت لرأيي ابقا كده ادايقت؟ دي مجرد مناقشة ياحبيبي.
رد عليها سامح وهو بيقوم عشان يدخل أوضته:
-حصل خير ياحبيبتي ومش عايزك تدايقي، انا داخل اريح شويه عشان ورايا شفت بالليل النهارده في المستشفى الجديدة، عايز اراقب وضعها دي كمان واشوف بيحصل ايه فيها بلاوي بالليل، أصلي اكتشفت إن الاماكن دي بالنهار بتكون مستشفيات وبالليل بتكون حاجة تانيه خالص.
وفاء:
-طيب ياأبيه انا عامله بسبوسة من اللي بتحبها وكنت مستنياها تبرد، تحب اجيبلك منها دلوقتي قبل ماتنام عشان انت مش بتاكل حلويات بالليل؟
- لأ خليها لما اصحى أصلى اكلت كتير عند عم راضي ومش قادر آكل حاجة تانيه دلوقتي.
خلص كلامه ودخل أوضته وقفل على نفسه الباب، وقعد علي سريره، بيفكر في كلام امه ومش شايف فيه غلط، لكن في نفس الوقت مش متقبله، أصل ازاي وحده الظروف اللي حواليها دفعتها لتصرفات مكانش ليها بديل وقتها المجتمع يحاسبها عليها بالقسوة دي، وحتى حادث اغتصابها بقي نقطة سوده فملفها بدال مايكون سبب ادعى للشفقة عليها!
مجتمع غريب بيصدر احكامه علي الناس بمنتهى القسوة، ولا بيشفع فيه لا علم ولا تطور، عايش بنفس المفاهيم والقناعات على مر الزمن، وكأنها بصمة وراثية بتتنقل من جيل لجيل فتكوين خلايا المخ.
مقدرش ينام زي ماكان مخطط، بس شغل نفسه بأنه مسك كتاب وابتدا يقرا فيه، وغير رأيه بخصوص بسبوسة وفاء اخته ونادي عليها وخلاها تجيبله منها، ولما جه ميعاد الشيفت بتاعه قام واستعد وخرج من البيت عالمستشفى،وهناك أول ماوصل اتصل على راضي وسأله عن حالة أميره، واللي كان خايف منه هو بالظبط اللي قالهوله راضي.
وهو إن اميره من بعد ماسامح روح على بيته ودخلت إوضتها مخرجتش، رجعت تاني لصمتها وتوهانها، وكأنها ربطت رجوعها من عالم التوهه بوجود سامح معاها، وبعد مايمشي بترجعله تاني.
فضلت اميره فاوضتها، حاولت تنام معرفتش، دخلها ابوها بكباية لبن وحاول إنه يشربهالها لكنها رفضت، اتصل علي فريده اختها وطلب منها انها تتكلم معاها شويه، بس للاسف كلام فريده معاها مغيرش من حالتها أي حاجة، فضلت ساكته تسمع ومتردش وسرحانه، خرج ابوها ودخل اخوها يقعد جنبها شويه، وأخد دوره في المحاوله إنه يقدر يخليها تنطق كلمة وتتجاوب معاه بس من غير فايده،
فسابها وخرج راح على أوضته يزاكر بعد مايأس من كتر المحاولات.
اما هي فنجحت اخيرًا انها تنام، بس بمجرد مانامت وهجمت عليها الكوابيس، ودخلت في صراعها المعتاد مع الفزع والخوف اللي الظاهر مش ناويين يفارقوها ابدًا، وكأن العذاب اتكتب عليها طول عمرها هي وصاحية وهي ونايمه.
أما في المستشفى عند حسام..
حسام:
- يادكتور يعني ايه حالة بقالكم سنتين موقفين علاجها وسايبينها كده؟!
-ياحسام الحالة دي فضلنا نعالج فيها ٥ سنين من غير فايده، وضعها ثابت والحالة مستقره لا بتسوء ولا بتتحسن.، جربنا معاها كل حاجة والنتيجة وحده.
سامح:
-متاكد إنكم جربتوا معاها كل حاجة بالطريقة الصحيحة؟
- والله يادكتور التقارير قدامك اهي وفيها كل حاجة بالتفصيل، العلاج والمدة والكيفيه والملاحظات عن الحالة وكل حاجة.
هز سامح دماغه للمدير بتفهم واخد الملف بتاع المريض وراح على مكتبه وابتدا يدرس الحالة، ومحسش بالوقت الا وقرآن الفجر إشتغل في الجوامع، فقام يتفقد حال المستشفي والمرضى قبل صلاة الفجر، وبعد مالف على العنابر رجع لمكتبه وابتدا يحضر الخطة العلاجية اللي هيمشيه عليها، وبمجرد ماصبح الصبح راح على اوضة المريض وابتدا معاه اول خطوه في العلاج.
عدوا ٣ ايام عليه وهو مشغول ليل نهار بيه، صب كل إهتمامه عليه لدرجة انه نسي كل حاجة حواليه كل تركيزه خلاه عالحالة دي، حتي أميره نسيها، مفتكرهاش غير وتليفونه بيرن برقم راضي واول مافتح ورد عليه لقاه بيصرخ بفزع:
-دكتور سامح الحقني أميره هربت من البيت
سامح:
-ايه هربت راحت فين؟
راضي:
-معرفش معرفش، ودورت عليها في كل مكان فص ملح وداب، الحقني ياسامح يبني انا مش عارف اتصرف، انا خايف تكون هربت عشان تعمل في نفسها حاجة.
سامح:
-انا جاي مسافة الطريق.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية