-->

قصة قصيرة جديدة كحك العيد لسمر ابراهيم - الأربعاء 7/5/2025

 

قراءة قصة كحك العيد كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قصة كحك العيد

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 

تم النشر يوم الأربعاء 

7/5/2025


في زاويةٍ من هذا العالم كانت البراءة تُزهِر، تمشي بين الأرواح كنسمة صبحٍ لا تعرف الحيلة، تتكئ على صدقها، وتحلمُ دونما خوف. لكن الطمع، ذاك الوحش الكامن في عيون البعض، ما ارتضى لها النقاء، وما ترك لها فرصة النمو.


جاءها الجشع متخفيًا في هيئة بشر، صافحها، ثم غرس خنجره في صدرها، فتهاوت البراءة على قارعة الأيام، تُصارع أنفاسها الأخيرة وسط ضحكات الطامعين.


كم من روحٍ طاهرة سقطت ضحيةَ أطماعٍ لا تشبع؟ وكم من حلمٍ وُئد في مهده لأن قلبًا ملوثًا أراد كل شيء؟!


إنها ليست نهاية البراءة، بل بداية سؤالٍ أبدي:

هل يُمكن للنقاء أن ينجو في عالمٍ يسكنه الجشع؟

❈-❈-❈


في أواخر ثمانينات القرن الماضي قرية صغيرة من قرى محافظة الغربية، أناس بسطاء الغالبية العظمة منهم متوسطي الحال إن لم يكونوا فقراء، يعمل معظم الرجال في الحقول، إما أن يكونوا يمتلكونها أو يعملون بالأجر، أما نساء القرية فمعظمهن ربات بيوت ومن تعمل منهن إما في الحقول أو في منازل أغنياء القرية الذين كانوا يعدوا على أصابع اليد الواحدة، عائلة أو اثنين على الأكثر تمتلك في يدها السلطة والمال ومعظم أراضي القرية، والباقي يعملون لديهم.


❈-❈-❈


- أني ماليش دعوة يما هاتي فلوس أني عايزة أعمل كحك العيد دا مفاضلش عليه إلا كام يوم وأني مجيبتش حاجة لسة أني مش أقل من أي واحدة في البلد كلهم عملوا وأني لسة.


عقبت عليها والدتها بامتعاض غير راضية عن طريقتها الفظة معها في الحديث وعدم مراعاتها لظروفها خاصة وهي الآن في كنف رجل هو المسؤول عنها:


- وأني أجيبلك منين بس يا بنتي ما انتي عارفة البير وغطاه وبعدين فين الشملول جوزك مبيجيبش ليه خزين للدار ولا هو جوزتها عشان تتاخر راحت وجابتهولي راخر.


استشاطت غضبًا من حديث والدتها وعقبت بصياح دون مراعاة بأن من تتحدث معها الآن هي والدتها:


- أني ماليش دعوة بالكلام ديه، دي أول عيد يجي عليا وأني متجوزة وانتي ملزومة تجيبيلي وبعدين حسين هيجيب منين؟ دا بيطلع من صباحية ربنا يا نضري ميرجعش إلا لما الشمس تغيب ويوميته يادوب على قد الأكل والشرب.


كسى الحزن ملامحها فهي تعلم ما تمر به ابنتها ولكن ما بيدها حيلة فلقد حذرتها كثيرًا من تلك الزيجة ولكنها أصرت أن تتزوج منه ولكنها ابنتها في النهاية وقلبها يؤلمها كلما تذكرت:


- على عيني يا بنتي انتي عارفة العين بصيرة واليد قصيرة أني لو عليا أجيبلك الحلو كله بس آدي الله وآدي حكمته وبعدين مش حسين ديه اللي انتي صممتي تتجوزيه دونًا عن شباب الكفر كله جاية تشتكي ليه دلوقتي؟ مني ساعتها ياما نصحتك وقولتلك ديه لسة صغار ومش حمل بيت وعيال قولتي يا هوه يا بلاش استحملي بقى ومتشتكيش.


قالت جملتها الأخيرة بامتعاض لتستمع إلى صوت ابنتها الساخط:


- انتي كل شوية هتقعدي تبكتيني ماخلاص يما اللي حصل حصل هعمل ايه يعني؟


لوت شفتيها وحدثتها بجدية:


- متعمليش يختي روحي اسرحيلك سرحتين في أي غيط وهاتي اللي انتي عايزاه ولا روحي ساعدي النسوان في غسيل الغلة والطحين والخبيز في دار الحاج عبد العظيم وهما هيدوكي اللي انتي عايزاه.


صمتت قليلًا وكأنها تفكر في حديث والدتها فعقبت بحيرة:


- طب والبت الصغيرة هعمل فيها إيه؟ ما انتي عارفة إنها لسة مكملتش كام شهر.


قالت ذلك وهي ترفع طفلتها الرضيعة أمام والدتها لتعقب أمها معطية لها الحل:


- ابقي سبيها معايا وأمري لله على ما تروحي وتيجي بس شهلي وروحي لحسن حد يسبقك ويروح يتفق معاهم قبلك.


نظرت إليها بابتسامة وكأن هناك فكرة قد لمعت في عقلها وعلقت بحماس:


- خلاص يما إذا كان كدا ماشي أني هروح دار الحاج عبد العظيم وأهو بالمرة أتفرج عالتمثيلية اللي بتيجى بعد الفطار في التلافزيون بتاعهم.


أنهت حديثها ووضعت طفلتها بين يدي والدتها وخرجت بسعادة تاركة الأخرى تنظر في أثرها بسخط متعجبة من حال ابنتها الذي لن يتغير.


❈-❈-❈


منزل كبير يمتلكه أحد كبار القرية تعمل جميع النساء به على قدم وساق فلقد اقترب موعد عودة الرجال من الحقل ليصدح صوت نسائي متحدثًا بحزم:


- همي يا بت انتي وهي المغرب قربت تأدن والأكل لسة مخلصش لو اجوازتكم جم ملقوش الأكل مرصوص عالطبلية هيطينوا عيشتكم.


عقبت عليها إحدى زوجات أبنائها بابتسامة:


- متخافيش يما على ما يجوا هتكون كل حاجة خلصت مفضلش إلا حاجات بسيطة.


عقبت حماتها بتمني:


- على الله يا بتي يلا روحي شوفي بتعملي إيه.


هرولت من أمامها لتنهي عملها سريعًا مع باقي سلفاتها وبعد القليل من الوقت كان الجميع يلتف حول طاولة الطعام الدائرية الصغيرة الرجال يجتمعون حول واحدة والنساء والأطفال حول أخرى منتظرين سماع صوت المؤذن ليبدأون بتناول الطعام فلاحظت سعاد أن طفلتها ليست موجودة مع باقي الأطفال فقامت تبحث عنها وهي تنادي باسمها ليرتسم على وجهها علامات الضجر وهي تراها تلعب في بهو المنزل غير مبالية بشيء فصاحت بها بقليل من الحدة:


- بت يا هبة تعالي هنا يا بت انتي، انتي بتعملي إيه؟


هرولت نحوها وهي تبتسم ابتسامتها البريئة التي تمتص بها غضبها:


- بلعب الأولى يما على ما المغرب يأدن.


أمسكتها من يدها وتحركت بها نحو طاولة الطعام:


- المغرب هيأدن حالا تعالي علشان تاكلي انتي أول سنة تصومي علشان متتعبيش.


ذهبت معها بطاعة ليتناول الجميع الطعام وسط جو يسوده الود والمحبة وما أن انتهوا من تناول الطعام حتى استمعوا إلى طرقات على الباب، ذهبت سعاد لترى من الذي جاء الآن لترتسم على وجهها ابتسامة هادئة فور رؤيتها من الطارق وتحدثت بترحاب:


- يا مرحب يا وهيبة اتفضلي.


بادلتها الابتسام وولجت بخجل:


- سالخير يا ست سعاد عاملة إيه؟ وكل سنة وانتي طيبة. 


عقبت بابتسامة ودودة:


- وانتي طيبة يا حبيبتي خير.


أجابت وهي تنظر أرضًا فاركة يديها بخجل:


- أني كنت جاية اسأل انتوا عايزين حد يساعدكم في شغل الدار وخبيز الكحك زي كل سنة؟ ولا مش عايزين؟


أومأت لها بإيجاب وهي تجيبها:


- إيوا عايزين أومال إيه انتي عارفة إن الشغل كتير.


رفعت رأسها وحدثتها برجاء:


- خلاص اعملي حسابي معاكم.


عقدت حاجبيها وهي تسألها بتعجب:


- انتي مش لسة والدة يا وهيبة من كام شهر وبنتك لسة صغار هتشتغلي إزاي؟


أجابتها مسرعة:


- ما تشيليش هم يا ست أني هسيبها مع أمي على ما أخلص شغل انتي عارفة الظروف واحنا في داخلة عيد والحال عالقد.


حركت رأسها لأعلى ولأسفل بتفهم وحدثتها بود:


- خلاص يا حبيبتي من عنيا حاضر تعالي من بكرا.


قالت ذلك ولاحظت تسليط نظرها نحو التلفاز الذي يجلس أمامه جميع من في المنزل ليشاهدون الحلقة الجديدة من مسلسلهم المفضل فابتسمت سعاد وحدثتها وهي تشير نحو الداخل:


- ادخلي يا وهيبة اسمعي التمثيلية معانا دي حلوة اوي.


تهللت أساريرها وهي تعقب بسعادة:


- بجد يا ست؟


اتسعت ابتسامتها وهي تجيبها بتأكيد:


- إيوة بجد ادخلي ادخلي ولو عايزة تيجي تشوفيها كل يوم ابقي تعالي.


هرولت نحو الداخل جالسة أرضًا وهي تشاهد الحلقة بسعادة بالغة وهي تردد بامتنان:


- ربنا يخليكي ليا يا ست سعاد يا أم قلب طيب يارب 


❈-❈-❈


بعد عدة أيام


- ما تيجي تلعب معايا يا أحمد


نظر إليها ببراءة وعقب بحنان أخوي:


- بس أني عايز أروح ألعب كورة في الشارع وانتي مينفعش تلعبي مع الصبيان لحسن مرات عمي تضربك.


حركت كتفيها لأعلى ولأسفل وهي تتحدث بلامبالاة:


- أني ماليش دعوة أني عايزة ألعب معاك تعالى العب معايا الأولى ولا السبع طوبات مش لازم كورة.


ابتسم لها بحب معقبًا على حديثها وهو يومئ لها بإيجاب:


- طب تعالي هلعب معاكي حبة صغيرة وبعدين اطلع ألعب مع العيال في الشارع ماشي.


ابتسمت باتساع وهي تمسك بيده ليتجها نحو بهو المنزل الذي اعتادا اللعب به وسط نظرات امهاتهما السعيدة لتتحدثتا لبعضهما البعض بابتسامة وإحداهما تميل على الأخرى:


- شوفتي البت بنتك يا بت يا سعاد بترسم عالواد من دلوقتي مبتلعبش إلا معاه.


قهقهت الأخرى وهي تعقب دون أن تحيد بنظرها عن طفلتها التي تلعب بمرح:


- وماله يا بدرية و احنا نطول يختي دا احمد ديه حبيب قلبي وابني البكري اللي مخلفتوش ربنا يجعلهم نصيب في بعض لما يكبروا.


- يارب


كان ذلك تعقيب بدرية قبل أن تستأنف حديثها بجدية:


- طب همي بينا ندخل نشوف اللي ورانا معادش وقت عالمغرب.


أومأت لها بإيجاب وهي تتحرك معها معقبة بسخط:


- على قولك يلا بينا لحسن الشغل فوق بعضه شوفتي البت وهيبة والمقلب اللي عملته فينا:


عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تعقب باستفهام:


- عملت إيه المزغودة دي؟


أجابتها وهي تلوي فمها بعدم رضا:


- البت يختي جت وقعدت تتحايل عليا تشتغل عندنا شغل داخلة العيد ولما وافقت قعدت تتمرقع ومش عايزة تعمل حاجة وكل شوية أقفشها قاعدة قدام التليفزيون لحد ما زهقت وكرشتها.


- مني قولتلك قبل كدا البت دي مش بتاعة شغل قولتيلي غلبانة الغلبان يختي يسعى على أكل عيشه إنما دي أكل ومرعى وقلة صنعة.


صدقت على حديثها معقبة:


- عندك حق بس أني قولت غلبانة وعايزة تاكل عيش واحنا في أيام مفترجة وكنت ناوية والنية لله أجيب هدوم العيد لبنتها واديها اللي فيه النصيب بس أهي قطعت برزقها.


- معلش كله عند الله واللي كنتي ناوي تديهولها اديهولها لله احنا في أيام مفترجة.


قالت ذلك وهي تربت على كتفها لتستجيب الأخرى فحركت رأسها بموافقة وهي تبتسم لها مقتنعة بحديثها فما نوت أن تفعله ابتغاء مرضات الله لا ينبغي أن تتراجع عنه. 


❈-❈-❈


باليوم التالي


تقف سعاد أمام المنزل تتلفت يمينا ويسارًا بقلق حتى رأت أحمد قادم من بعيد فنادت عليه بصوت مرتفع ليهرول نحوها وحدثها بلهاث:


- نعم يا مرات عمي.


- مشوفتش هبة يا احمد قالتلي إنها هتلعب قدام الدار وطلعت أناديها مش لاقياها.


كانت تحدثه وهي تتلفت حولها باحثة بيعينيها عن طفلتها الصغيرة ولكن ما سمعته منه جعل الدماء تتجمد بعروقها:


- شوفتها يا مرات عمي كانت ماشية مع واحدة في آخر الشارع ولما ناديت عليها مسمعتنيش جريت علشان أشوفها رايحة فين بس ملحقتهاش وجيت جري عشان أسألك انتي باعتاها مع حد ولا إيه.


ضربت بكفها على صدرها فور سماعها لحديثه وتحدثت بزعر وهي تتجه نحو الطريق الذي أشار إليه:


- مين الولية دي يا واد تعرفها تعالى وريني مشيوا منين.


أجابها وهو يهرول معها:


- معرفش مين أني شوفتها من ضهرها ولما جريت ملقتهومش فص ملح وداب.


بحثت عنها في كل مكان بلا فائدة ومع مرور الوقت وانتشار خبر فقدها اجتمع معظم أهل القرية وأخذوا يبحثون عنها وتعالت أصوات مكبرات الصوت في جميع مساجد القرية يرددون نفس الجملة:


- يا أهالي البلد عيلة صغيرة تايهة لابسة جلابية منقوشة عليها ورد صغير اللي يلاقيها يوديها دار الحاج عبد العظيم السخاوي.


كانت تستمع لصوت المكبرات وعقلها يرفض تصديق ذلك طفلتها الصغيرة فلذة كبدها التي لم تتجاوز عامها السادس بعد لا تجدها وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتها دموعها تغرق وجهها وهي تسأل عنها كل من تجده أمامها تهرول في كل مكان نبحث عنها دول كلل أو ملل ولكن دون فائدة كان الوقت يمر الساعة تلو الأخرى ولا جديد يذكر حل الظلام وبدأ أهل القرية يكثفون البحث أكثر حاملين بيدهم مصابيح الإنارة الزجاجية التي تعمل بالكيروسين والكحول فيما يعرف باللغة الدارجة باسم "الكلوب" والتي كانت منتشرة في ذلك الوقت.


يجوبون الشوارع وعلى رأسهم والدها وأعمامها ينادون باسمها بصوت مرتفع على أمل أن تجيبهم ولكن دون فائدة حتى أصابهم الإحباط وعاد كل إلى منزله قرب آذان الفجر على أن يستأنفوا البحث عنها في الصباح الباكر.


كان المنزل يعج بالنساء اللائي أتين لمواساة سعاد وباقي نساء المنزل في مصابهن لتتقدم وهيبة من سعاد بعينين ممتلئتين بالدموع وحدثتها بصوت مختنق بالبكاء وهي تربت على كتفها بمؤازرة:


- متعيطيش يا ست سعاد هتظهر بإذن المولى أني حاسة إن الرجالة هتهل علينا دلوقتي وهي معاهم هتروح فين يعني دي البلد كلها على بعضها كام شارع ومنفدين على بعض.


عقبت برجاء من بين بكائها:


- يارب يا وهيبة يارب يسمع منك ربنا.


- إن شاء الله يا ست، متأخذنيش هسيبكم أني دلوقتي وامشي الفجر قرب يدن وإن شاء الله من النجمة هتلاقيني عندك وتكون البشارة جت والبت رجعت بالسلامة.


أومأت لها معقبة بتفهم:


- يارب، يارب، ماشي يا حبيبتي روحي انتي معانا من ساعتها.


انصرفت بالفعل ومعها معظم النساء لتبدأ سعاد وصلة بكاء جديدة دون توقف ليشاركها البكاء جميع من بالمكان فكل الدلائل تقول بأن الطفلة ذهبت بلا رجعة.


❈-❈-❈


ومع ساعات الصباح الأولى بدأت خيوط الفجر في التسلل برفق من خلف الأفق، كأنها أنامل ضوءٍ تمتد لتزيح ستائر الليل الثقيلة، يتلاشى الظلام شيئًا فشيئًا كذكرى عابرة، تنساب أشعة الشمس الأولى، ذهبيةً دافئة، فتلامس أطراف الكون بخفة، تهمس للنجوم بالرحيل، وتبعث الحياة في الأرض النائمة، كأنها رسالة أمل، تخبرنا أن النور دائمًا ينتصر، وأن كل ليل مهما طال، لا بد أن يفسح الطريق لفجر جديد، ترى على سيأتي اليوم الجديد بأخبار سارة؟ أم أن للقدر رأي آخر.


خرجت من منزلها قبل شروق الشمس تتلمس طريقها بغية الذهاب لعملها مبكرًا حتى يتسنى لها قضاء أكبر وقت ممكن لتحصل على أجر مضاعف تستطيع أن تسد به جوع أطفالها الصغار فلقد اقترب العيد ولم تأتي لهم بشيء جديد بعد ولا تريد لهم أن يكونوا أقل من أحد.


طريق موحش خالي من المارة فمازال أهل القرية نائمون خاصة وأن الجميع كانوا يبحثون عن الطفلة الغائبة حتى بضع سويعات قليلة مضت.


كانت تسير بمحاذاة قناة مائية صغيرة تستخدم لري الأراضي الزراعية فيما تعرف باللغة الدارجة باسم "ترعة" ولكنها في مثل ذلك الوقت من العام يكون منسوب المياه بها منخفض فيستطيع المارة أن يرون قاعها بسهولة ليلفت نظرها جوال كبير كالذي يستعمل في تخزين الدقيق ملقى في وسط القناة وبتدقيق النظر وجدته مفتوحًا لتظهر منه قدم بشرية.


جحظت عينيها وتلجم لسانها لبضع ثواني قبل أن تنطلق صرخاتها لتملأ الأرجاء فسمعها جميع السكان المحيطين بالمكان، خرجوا من فورهم عند سماعهم لصوت ذلك الصراخ المرتفع وفور وصول الأهالي إليها وجدوها تشير بيدها نحو الجوال وهي تصرخ فأصاب الجميع حالة من الذهول فور تيقنهم ما الذي يوجد بداخله ليبادر أحدهم ونزل ليخرجه من المياه الضحلة ليعم الصمت فور رؤيتهم ما بداخله وتيقنهم من أنها جثة الفتاة الغائبة لتكون الجريمة الأولى من نوعها التي تحدث في هذه القرية المسالمة.


❈-❈-❈


صرخة مدوية خرجت منه ليستيقظ فزعًا وهو يتصبب عرقًا، هرولت والدته نحوه لتحتضنه بقلق وحدثته بحنان وهي تمسح على ظهره:


- مالك يا ضنايا بتصرخ ليه؟


دفن رأسه في أحضانها وكأنه يختبئ من شيء يخيفه وبدأ جسده يرتجف بقوة لتخرج الكلمات منه متقطعة:


- هـ هبة يـ يما هبة.


رفعت رأسه لتجعله ينظر إليها معقبة بلهفة:


- مالها هبة يا واد فيها ايه؟


ازداد بكائه فور تذكره ذلك الحلم المخيف الذي رآه الآن لتهدئه والدته محاولة حثه على الحديث عله يخبرها بشيء ذا فائدة تخبرهم بمكان ابنة أخو زوجها والتي كانت بمثابة طفلتها فهو الوحيد الذي رآها قبيل اختفائها ورأى من كانت تصحبها:


- اهدى يا حبيبي وبطل عياط وقولي مالها هبة بالراحة كدا.


ازدرد بخوف وبدأ يقص عليها ما رآه.


- شوفتها في الحلم في مكان ضلمة وعمالة تصرخ وتنادي عليا ولما قربت منها كان وشها ازرق وهدومها مبلولة وعليها طين، أول ما شافتني شاورتلي على مكان لما بصيت عليه لقيت الولية اللي كانت ماشية معاها مدياني ضهرها برضه وفجأة جت وخدتها وجريت جريت وراهم عشان أجيبها منها ملحقتهاش ضاعت مني تاني أني السبب لو كنت لحقتها الصبح مكانش زمانها راحت.


قال جملته الأخيرة وانهار في البكاء لتبكي والدته هي الأخرى وهي تحتضنه بشدة داعية المولى عز وجل أن تعود الطفلة سالمة ليعود الهدوء ويعم هذا المنزل مرة أخرى.


ما هي سوى لحظات حتى فزع الجميع على صوت طرقات عالية على باب المنزل ليهم الجميع ليروا من الطارق متأملين بسماع أخبار جيدة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وجد خالد أمامه شيخ الغفر يلهث ويخبره من بين أنفاسه المتقطعة:


- هِمْ بسرعة يا خالد يبني تعالى معايا لقينا بنتك.


لم يتمالك نفسه من فرط سعادته ليحدثه بابتسامة واسعة:


- بتتكلم جد يا شيخ الغفر لقيتوا البت؟ ياما انت كريم يارب لقيتها فين طيب؟


تغيرت تعابير وجهه الفرحة فور رؤيته له منكسًا رأسه لا ينطق بشيء ليشعر بقبضة تعتصر قلبه فاقترب منه متحدثًا بريبة:


- ساكت ليه يا شيخ الغفر هي البت جرالها حاجة؟


ما كاد ينهي حديثه حتى استمع إلى صراخ زوجته من خلفه والتي أقبلت وهي تبكي بانهيار:


- البت حصلها إيه يا خالد بتي مالها؟


أمسك بها محاولًا تهدئتها بالرغم من تيقنه من حدوث شيء سيء لطفلته:


- اهدي بس يا أم هبة البت كويسة إن شاء الله.


أنهى حديثه ووجه نظره تجاه شيخ الغفر ليسأله بنفاذ صبر:


- انطق يا حاج عبد الرحيم حصل إيه متحرقش أعصابنا.


رفع الرجل رأسه ببطء لتخرج الكلمات من فمه بصعوبة بالغة:


- البقية في حياتك يا خالد يبني.


وكأن الزمن توقّف عند تلك اللحظة. تجمّد كل شيء من حوله، لم يعد يرى الألوان، ولم يعد يسمع الأصوات، كان واقفًا في منتصف الضوضاء، فصوت صرخات النساء كان يملأ المكان لكن الصمت وحده هو ما احتل عالمه، العيون التي ترمقه لم تعد تعني شيئًا، والوجوه التي تتحرّك أمامه بدت وكأنها أشباح تسبح في فراغ بعيد.


كل شيء فقد وزنه، فقد معناه. لم يكن هناك سوى ذلك الخبر الذي تسلّل إلى عقله، استوطن قلبه، وأغلق عليه أبوابه. لم يعد هناك صوت سوى رجع الكلمات التي ارتطمت بجدران روحه، تكرّرت حتى أصبحت صدى بعيدًا لا ينتهي.


مشى بين الناس كأنه لا ينتمي إليهم، نظراته زائغة، عيناه ثابتتان على اللاشيء. تحرّك العالم من حوله، لكنه ظلّ عالقًا هناك، في تلك اللحظة، في ذلك الخبر، في ذلك الصمت الذي ابتلعه بالكامل.


لا يعلم كيف استطاع الوصول إلى حيث توجد جثة طفلته ليجدها ملقاة على الأرض مغطاة بملاءة وحولها العديد من أهل القرية الذين أفسحوا له الطريق فور رؤيتهم له.


يقدم قدم ويؤخر الأخرى وعينيه مسلطتين على تلك الملاءة يدعو يدخله ألا تكون طفلته ولكن كل أماله ذهبت ادراج الرياح فور إزاحتها عنها ورؤيته لوجهها الشاحب أزرق اللون لينهار ويفترش الأرض بجوارها وسط تعاطف جميع من حوله ليتقدم عمدة القرية نحوه مربتًا على كتفه محدثًا إياه بمؤازرة:


- وحد الله يا خالد يبني كله مقدر ومكتوب.


رفع رأسه لينظر إليه بعينين ممتلئتين بالدموع دون أن يستطع النطق وقبل أن ينبس العمدة ببنت شفه التفت الجميع على صوت صافرة سيارة الشرطة معلنة عن قدوم ضابط المركز للتحقيق فيما حدث.


❈-❈-❈


علامات الحزن تكتسي وجهه فور رؤيته جثة الطفلة والتي من الواضح بأنها قد عانت كثيرا قبيل وفاتها كما أنه يشفق على حال والدها الذي يفترش الأرض بجوار جثة طفلته لا يحرك ساكنًا وكأنه قد انفصل عن الواقع، ولكنه حاول التعامل مع الموقف بعملية فاتجه نحو العمدة متحدثًا وهو يدور بعينيه نحو جميع الواقفين:


- مين اللي اكتشف الجثة.


أشار نحو امرأة تقف بعيدًا، ترتجف خوفًا يحيط بها الغفر الخاصين به من كل جانب، نظر إليها الضابط بتفحص ثم اقترب منها بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها ليزداد خوفها وارتجاف جسدها حتى كادت أن تفقد الوعي ولكنه باغتها بأسئلته التي حاولت الإجابة عليها قدر استطاعتها:


- انتي اللي لقيتي الجثة:


اومأت له بموافقة دون أن تنطق فاستأنف أسئلته بعملية:


- كنتي رايحة فين بدري كدا؟ وشوفتي إيه بالظبط؟


حاولت التحدث ولكن خانتها كلماتها فلن تستطع النطق ليرتعد جسدها فور سماعها لصوته الغاضب:


- انطقي بدل ما أحبسك.


حاولت استجماع قوتها لتجيبه فخرج صوتها مرتعشًا:


- كـ كنت ر رايحة أسرح على أكل عيشي يا سعادة البيه ديه طريقي اللي بمشي منه كل يوم في نفس الميعاد.


عقب بثبات:


- كملي شوفتي إيه؟


انهمرت دموعها فور تذكرها ما رأت وأجابته بتلعثم:


- كنت معدية من قدام الترعة واليومين دول المية قليلة زي ما جنابك شايف بضرب بعيني لقيت شوال مرمي ومفتوح وظاهر منه رجول بني آدم اني شوفت المنظر صوت وأهل البلد اتلموا على صوتي ولما طلعوه عرفنا أنها هبة بنت خالد ابن الحاج عيد العظيم.


- يعني مشوفتيش حاجة كدا ولا كدا وانتي جاية؟ حد معدي من جنب الترعة؟ ولا حد بيرمي الشوال؟


نفت برأسها وأجابته بصدق:


- لا والله يا باشا مشوفتش أيتها حاجة اللي شوفته أني قولتلك عليه.


زفر بضيق وأمر رجاله باصطحابها نحو المركز للتحقيق معها مرة أخرى عله يصل لنتيجة.


استجوب جميع أفراد أسرتها والذين برغم انهيارهم إلا أنهم حاولوا مساعدته قدر استطاعتهم حتى يصلوا إلى الجاني فتقرير الطب الشرعي يقول أن الطفلة قتلت عن طريق الخنق بل وتركت مدة طويلة بعد قتلها حتى تيبس جسدها قبل وضعها في الجوال وهذا كان سبب رئيسي في اكتشافها سريعا.


الكثير من التحريات التي لم تسفر عن شيء فلا يوجد أثر للجاني فأسرة المجني عليها لا يتهمون أحد ولا يوجد عداوة بينهم وبين أحد آخر سواء بداخل القرية أم خارجها لم يكن هناك شيء سوى قول ابن عمها عندما قال بأنه رأى من اختطفتها من ظهرها ووصف له ما كانت ترديه بالتفصيل، وبالرغم من أنه بهذا يكون يبحث عن إبرة في كومة قش ولكنه لم يكن يملك خيار آخر سوى ذلك فلقد أقفلت في وجهه جميع الأبواب.


كات يأخذ الطفل والذي لم يتجاوز الثامنة من عمره يوميًا ليتجول به بين شوارع القرية عله يجد ضالته ويتعرف على المجرمة وإن كان ذلك يبدوا وكأنه درب من الجنون ولكنه لا يملك سواه.


❈-❈-❈


يركض خلفها مسرعًا بغية اللحاق بها ولكنه يفشل في ذلك فكلما اقترب من الإمساك بها يجدها تبتعد أكثر فأكثر فأخذ، يصيح باسمها:


- هبه، يا هبة تعالي روحتي فين؟


كانت تلوح له من بعيد وكأنها تريد منه أن يلحقها وهذا ما حدث بالفعل ليجدها تدخل أحد شوارع القرية لتختفي بداخل أحد المنازل القديمة فذهب خلفها وأخذ يطرق الباب أكثر من مرة ولكن دون فائدة وكأن المنزل فارغ خالي من السكان.


استيقظ فزعًا وهو يصرخ باسمها كعادته منذ اختفائها، العرق يتصبب منه ويلهث بشدة وكأنه كان في سباق للركض، يتلفت حوله بفزع يبحث عنها وكأنه لم يستفيق بالكامل بعد ولا يدرك بأنها لم تعد موجودة وعند استيعابه لذلك انهمرت الدموع من عينيه دون توقف نعم فلقد كانت بمثابة أخته الصغيرة يلوم نفسه كل دقيقة على فقدها مئات الفرضيات التي تدور بعقله الصغير دون توقف فلو لم يتركها ويذهب للعب بعيدًا عنها لكانت معه الآن، لو استطاع اللحاق بها في ذلك اليوم لما قتلت، لو ركض أسرع خلفها لما كانت اختفت دون رجعة، إحساس الذنب المسيطر عليه يقتله رغم صغر سنه.


أما بالنسبة لباقي العائلة فلقد سيطر الحزن على المنزل بأكمله ففي زوايا ذاك المكان الذي كان يومًا يضجّ بالفرح، حيث كانت الضحكات تُطرّز الجدران بألوان البهجة، حلّ الصمتُ الثقيل كضيفٍ غير مرغوب فيه. تبدّلت الأجواء، وارتدت الأرواح ثوب الكآبة، وكأن الحزن قد اتخذ من هذا المكان مسكنًا دائمًا بعد أن كان الفرح سيده.


أصبح الهواء مشبعًا بالآهات الخفية، والأركان التي شهدت الضحكات ولعب الصغار باتت شاهدةً على وجوهٍ شاحبة وعيونٍ مثقلة بالدموع. كأن الزمن أدار ظهره للمكان، فتركه يواجه وحدته، يُحصي الذكريات التي كانت تملؤه دفئًا، قبل أن تهاجر الفرحات إلى دروبٍ أخرى.


❈-❈-❈


يمسك بيد الضابط ليسير معه في شوارع القرية ينظر إلى ملابس النساء بتفحص عله يجد ضالته ولكنه توقف فجأة أمام أحد الشوارع الصغيرة متلفتًا حوله وكأنه يتذكر شيئًا ما وفي لحظة ترك يده وركض مسرعًا داخل الشارع ليهرول حسام من خلفه ليجده يقف لاهثًا أمام منزل قديم يشير نحو بابه الخشب بعينين ممتلئتان بالدموع متحدثًا بصوت مختنق بالبكاء:


- أختي هبة كانت هنا.


رغم تعجب الضابط لكنه قرر مجاراته وقام بالطرق على الباب عدة مرات حتى انفتح لتطل من خلفه امرأة شابة فصرخ أحمد فور رؤيته لها ولما ترتديه:


- هي دي اللي خدت أختي هي دي اللي خدتها.


فزعت المرأة فور رؤيتهم وتحدثت بذعر غير مدركة لما يخرج من فمها:


- أني معملتش حاجة ديه هو اللي خنقها أني ماليش دعوة.


هل ما حدث الآن حقيقة أم هو حلم من كثرة انشغاله بتلك القضية مستحيلة الحل فلقد كان يائسًا منذ عدة دقائق يفكر في إغلاق ملفها، فلا يوجد دليل واحد يدل على القاتل لتأتي الصدفة وتسوقه إليه دون سعي منه.


كان المستحيل جدارًا صلبًا، لا يُكسر ولا يُخترق، كحلم بعيد يلوّح من خلف الضباب. لكن الإرادة حين اشتعلت، تحوّل ذاك الجدار إلى باب، والمستحيل صار مُمكنًا، كنجمةٍ ظنوا أنها لن تسقط، فإذا بها تضيء الطريق.


تم القبض عليها هي وزوجها لينتشر الخبر في أنحاء القرية "وهيبة ابنة الحاجة زينب قد قتلت هبة حفيدة الحاج عبد العظيم" وفور وصول الخبر لأسرة الطفلة صعق الجميع فور سماعهم إياه خاصة سعاد فكيف استطاعت فعل ذلك؟ ولماذا؟ فلقد اعتادوا العطف عليها وإعطائها ما تحتاجه لقد كانت هي وزوجها يبحثون عنها معهم كيف استطاعت ذلك؟ الكثير من الأسئلة التي لا توجد لها إجابة سوى أنها ينطبق عليها مقولة "اتق شر من أحسنت إليه".


❈-❈-❈


يقفان أمام الضابط الموكل بالقضية مقيدي الأيدي يرتجفان من الخوف خاصة من نظراته الحادة والعدائية التي يرمقهما بها، شرع في استجوابهما لمعرفة ما حدث فبدأ بها سائلًا إياها بحدة:


- قتلتيها ليه؟


نفت برأسها وهي تردد بدموع تشبه دموع التمسيح إلى حدٍ كبير:


- مقتلتهاش يا بيه والله ما قتلتها ديه هو اللي قتلها.


فزع زوجها فور سماعها لكلماته فحدجها بصدمة جاحظ العيين ثم حول نظره نحو حسام وحرك رأسه يمينًا ويسارًا بسرعة شديدة وتحدث محاولًا نفي ما قالته:


- متصدقهاش يا بيه أني ماليش دعوة بكل ديه أني جيت من برا لقيتها خانقاها وساعتها معرفتش أعمل إيه خوفت أبلغ عنها عشان خاطر بتي الصغيرة فسكت غصب عني.


ازداد عضبه من حديثه فضرب بيده على سطح المكتب وصاح بغضب:


يعني خوفت على بنتك ومخوفتش من اللي حصل لعيلة صغيرة ممكن بنتك تكون مكانها في يوم من الأيام.


أنهى حديثه ونظر إليها مضيقًا عيناه وحدثها بصوت يشبه فحيح الأفاعي:


- هتقولي اللي حصل بالتفصيل ولا أوريكي الوش التاني وصدقيني مش هتحبي تشوفيه فأحسنلك تعترفي باللي حصل من غير لف ولا دوران.


ازدردت بخوف وبدأت بسرد ما حدث بتردد ولكنها لا تملك خيارًا آخر غير ذلك:


- أني هقول على كل حاجة حصلت يا بيه، أني كنت محتاجة فلوس عشان أجيب كحك العيد وهدوم لبنتي الصغيرة، روحت اشتغلت في بيتهم بس هما كرشوني بعد يومين وساعتها الدنيا اتقفلت في وشي وفي يوم كنت راحة اتحايل عليهم يرجعوني الشغل تاني لقيت البت واقفة بتلعب قدام الباب كنا ساعة عصاري ومفيش حد في الشارع الشيطان لعب في دماغي قولت آخدها آخد منها الحلق واسيبها تاني مكانش في نافوخي حاجة تانية ساعتها روحتلها وقولتلها تيجي معايا أديها حاجة تديها لأمها وعشان البت كانت عارفاني جت معايا بس واحنا ماشيين سمعت حد بينده عليها خدتها ومديت في مشيتي علشان ميحصلناش ولما وصلت الدار قلعتها الحلق ومشيتها قولتلها روحي لأمك بس هي بعد ما طلعت عالباب قالتلي أني هقول لأمي وأبويا إنك قلعتيني الحلق يا وهيبة ساعتها خوفت تقولهم واتفضح في البلد كلها ناديت عليها تاني وقولتلها انتي صدقتي يا بت يا هبة دا أني بضحك معاكي تعالي خدي الحلق أهه ومديت إيدي بالحلق صدقتني ودخلت وساعتها قفلت الباب ودخلتها الأوضة وقلعت الأشرب اللي كنت متعصبة بيه ولفيته حوالين رقبتها وخنقتها وكتمت نفسها بواحظ تاني وكتفت إيدها ورجلها ورميتها تحت السرير على ما تخلص ساعتها حسين جه من الشغل ولما عرف اتخض بس كان اللي حصل حصل سيبنا الدار ومشينا روحنا عند الجيران نتفرج عالتلفزيون ولما البلد انشاعت إنها تايهة روحنا ندور عليها معاهم عشان محدش يشك فينا ولما رجعنا آخر الليل حطيناها في شوار وحسين خده عشان يرميه.


كادت أن تكمل ولكنه أشار إليها بيده أن تصمت ليوجه حديثه لزوجها بوجه تتضح عليه علامات الغضب:


- كمل انت حصل إيه لما خدت الشوال؟


ازدرد بخوف وهو يجيبه بتوتر:


- لما خدت الشوال مكونتش عارف أروح بيه فين لقيت بيت ليه فرندة قدامي قولت أرميه فيها وأهي التهمة تلبس اللي ساكنين في الشقة خصوصا إنهم سكان مش من أهل البلد بس بعد ما عديت لقيت فيه صوت ونور الأوضة والع خوفت يفتحوا ويشوفوني واتفضح نطيت تاني ومشيت بالشوال لحد ما وصلت للترعة رميتها ومشيت والدنيا كانت ضلمة مكونتش اعرف إن مفيش مية في الترعة وإن الجتة هتبان علطول.


كان الغضب يتأجج بداخله كلما استمع لتفاصيل جريمتيهما فكيف يمكن لهما أن يفعلا ذلك بهذه السهولة هل قالت بأنها ذهبت لتشاهد التلفاز وتركتها تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ ليقسم بداخله بأنه لولا وظيفته لكان أرداهما الآن دون أن يرف له جفن ولكن عليه احترام القانون.


❈-❈-❈


قاما بتمثيل الجريمة في حضور وكيل النائب العام وأهل القرية الذين تم منعهم عنهما بصعوبة شديدة خاصة عائلة الطفلة الذين كانوا عازمين على قتلهما لولا حرص رجال الأمن على منع ذلك وبعد المحاكمة تم الحكم عليها بالسجن المؤبد لمدة خمسة وعشرون عاما إما زوجها فحكم عليه بخمسة عشر عامًا وتربت ابنتها مع والدتها فعاشت منبوذة من الجميع ولم يجرؤ أحد على السكن في المنزل الذي حدثت به الجريمة فظل مهجورًا إلى الآن يخشاه أطفال القرية لتظل قصتها لسنوات طويلة مادة خصبة للأمهات لتخويف أطفالهم بها فإن لم يطيعوهم ستأخذهم وهيبة وتقتلهم كما قتلت هبة لا تخرج من المنزل وقت العصاري فوهيبة تقف أمام الباب تختطف الأطفال الصغار، احتسي اللبن حتى لا تأتي وهيبة وتأخذك وغيرها من الحكايات التي كانت تؤتي ثمارها بنجاح فكان وهيبة هي الفزاعة التي تخيف بها الأمهات أطفالهم فيفعلون ما يأمرونهم به دون قيد أو شرط خائفين من عودة وهيبة مرة أخرى.


تمت

إلى حين نشر عمل جديد للكاتبة سمر إبراهيم من رواية تعويذة العشق الأبدي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة