-->

رواية جديدة محسنين الغرام لنعمة حسن - الفصل 7 - الأحد 25/5/2025

  

  قراءة رواية محسنين الغرام كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر



رواية محسنين الغرام

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة نعمة حسن


الفصل السابع 

تم النشر الأحد 

25/5/2025




واثق الخطوة ، يمشي ملكًا، ظالم الحسن، شهيّ الكبرياء .

كان هذا حاله عندما دخل المطعم فجذب الأنظار نحوه دون عناء، يرفع رأسه بإباء لا ينحني، يتحكم في لغة جسده بحرفية عالية جعلتهم يقفون له احترامًا وإكبارًا..

مد يدهُ ـ بهدوء تدرب عليه كثيرًا ـ وصافحهم بلياقة، مُرحبًا بهم، ناطقًا بإنجليزية مُتقنة أضافت لحرفيته ، جلسوا والتأهب يعلو ملامح كل ٍ منهم وكان أول من نطق هو مستثمر أجنبي يوناني الأصل فقال بلغة أجنبية صاحبتها ابتسامة ودودة :
ـ كان من الجيد وجودك هنا ببلدي الأم سيد فريد، بمجرد أن أخبرتني بوجودك بأثينا لم أتردد وعقدتُ النية على المجيء إليك ومقابلتك .

فأجابه فريد بالإنجليزية مبتسمًا بكياسة :
ـ سررت بمعرفتك سيد " جيرالد " ، دعونا نتحدث بالعمل، ماذا لديكم ؟

ـ في الحقيقة ، نحتاج لمد جذورنا بعمل قوي وناجح يثبت جدارتنا لدى المستثمرين . أنت تعرف سيد فريد، نحن لا زلنا نعتبر شركة ناشئة ونحتاج لشريك ذائع الصيت ومؤثر في مجاله مثلك، اسمك بمثابة علامة جودة ستجذب إلينا المستثمرين من كل حدب وصوب فكما تعرف الاسم التجاري المميز يحفز الإقبال على المؤسسة بالكامل .

ابتسم فريد ابتسامة لائقة، واثقة، وقال بهدوء عكس إدراكه الحاد ودقة ملاحظته المخيفة:
ـ ماذا عن الوضع المالي والإداري ؟ 

هنا تولى ' آرون ' محامي ' جيرالد ' دفة الحديث وقال وهو يمد يده نحو فريد بملف مكتظ بالأوراق وهو يقول :
ـ تفضل سيد فريد، هذه دراسة شاملة للقوائم المالية الرئيسية لشركتنا ، بما فيها قائمة الميزانية العامة، والدخل، والتدفقات المالية .

أمسك فريد بالملف بين يديه يفحصه بهدوء وتمهل ساعده في استخلاص مؤشرات دقيقة جدا حول كفاءة أداء الشركة وربحيتها. قام بمسح الورق بنظرات ثاقبة متمرسة استطاع تقييم الوضع وتكوين صورة كاملة عنه . فتنهد وهو ينظر إلى المحامي آرون وقال:
ـ ربما أحتاج لمراجعة وتدقيق هذا الملف مرة أخرى، لا زلت أحتاج لجمع بعض البيانات ومن ثم تحديد نقاط القوة والضعف. هل يمكنني الاحتفاظ به ؟!

أومأ جيرالد مؤكدا وقال :
ـ بكل تأكيد ، نحن نثق بمهنيتك سيد فريد ونقدر ذكائك.. وهذا ما دعانا للمبادرة نحو تلك الشراكة، فكل هدفنا توسيع شبكة معارفنا وتعزيزها، ولن نحقق هذا سوى بالاستعانة باللورد مرسال. .

ضحك جيرالد فضحك فريد بدوره بوقار، ثم قال مؤيدا :
ـ أشكرك على ثقتك العالية سيد جيرالد، وأنا أثق بقدراتكم، ولكن علينا أن نتعاون لنظهرها في حلة جديدة معاصرة .

أومأ الآخر متفهمًا وقال متسائلا :
ـ ما رأيك في الاستثمار بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ؟! أرى أنه مضمون وسريع الربح.

هز فريد رأسه بتأكيد، ثم تساءل بنبرة مرحة :
ـ ألا ينبغي لشخص يوناني الأصل أن يكون على علم كافي بأكثر ما يميز بلده ؟! مثلا أنا كمصري الهوى والهوية أعلم أن سوق الأسهم والعقارات هو أكثر استثمار مربح في الوقت الحالي .. ماذا عنك ؟! 

أعجب جيرالد بثقته الواضحة وقال :
ـ أعلم أن السياحة هي الركيزة الأساسية للاقتصاد اليوناني .

أومأ فريد مؤكدا وأضاف:
ـ لذا من المفترض أن تستهدف المجال الأكثر انتشارا لتسهيل الوصول إلى المستثمرين ، هذه أولى أبجديات الاستثمار.

أومأ جيرالد مبتسمّا وقال :
ـ لحسن الحظ أننا سنتعاون مع شريك ذكي وواسع الحيلة مثلك لورد فريد .

ابتسم فريد وقال بتواضع زاد من جاذبيته:
ـ هذا من دواعي سروري سيد جيرالد .

رفع جيرالد كأس النبيذ خاصته وقال مبتسما بحماس :
ـ فلنشرب نخب اتفاقنا ، والنخب القادم سيكون نخب الاحتفال.

رفع آرون كأسه بدوره، فالتقط فريد كأس العصير الموضوع أمامه ورفعهُ تقديرًا للنخب، ولكنه لم يقرع كأسه بكأسيهما دلالة على رفضه لما يشربونه، وقال مبتسما :
ـ النخب القادم سيكون برعايتي، دعني أحطم خرافة أن النخب الخالي من الكحول نذير شؤم .

قهقه جيرالد عاليًا ثم رشف رشفة من كأسه وقال:
ـ لا مانع لدي لورد فريد ، أنا أحترم حريات ومعتقدات الآخرين وأقدرها كثيرا .. المهم هو المصلحة العامة لكلينا .

أومأ فريد مؤيدًا ما قاله، ثم رشف رشفة من كأس العصير وأسنده فوق الطاولة ونهض وقال:
ـ أعتذر منكما، علي الانصراف لأنني مرتبط بمسؤوليات أخرى .

نهض جيرالد وآرون وصافحاه، ثم نظر إلى آرون وقال:
ـ سأقوم بتدقيق الملف وأرسل لك بريدًا إلكترونيا على الفور.. عن إذنكما .

انصرف فريد على الفور ، وبمجرد أن استقل سيارته أخرج زجاجة الكحول وأمطر يديه به ثم زفر نفسًا يائسًا وأسند رأسه على مسند ظهر المقعد .

استمع إلى رنين هاتفه فأجاب على الفور قائلا :
ـ صباح الخير ، إيه الأخبار ؟

ـ صباح الخير فريد بيه، أنا مشيت ورا الآنسة نغم زي ما طلبت مني .

أرهف فريد السمع وأومأ بتريث وقال:
ـ وبعدين ؟

ـ هي دخلت مركز تجميل من حوالي ساعتين ولسه مخرجتش .

قطب الآخر جبينه بتعجب وقال:
ـ من ساعتين ؟! جايز خرجت وانت مخدتش بالك؟

ـ لأ يا فندم.. أنا واقف مكاني متحركتش .

ـ تمام خليك مستني ولما تخرج بلغني .

ـ اللي تؤمر بيه حضرتك ، مع السلامة .

أنهى فريد الاتصال وأخذ يفكر لدقيقتين ثم زفر بسخط . يشعر أن الأمور لن تكون على ما يرام طالما أنه بعيدا عنهم ، لا بد أن يعود في أقرب فرصة حتى يتسنى له تفقد أحوالهم بنفسه ، تحرك بسيارته عائدًا نحو المنزل. 

❈-❈-❈  


ترجل عمر من سيارته أمام الدار ، ونظر إلى تلك اللافتة الموضوعة على المدخل الرئيسي وقرأ ما عليها بفخر ' مؤسسة دار مرسال للأيتام ' .

حمل الحقائب التي تحوي الهدايا التي ابتاعها للأطفال كما طلب منه فريد، ثم دخل وهو ينظر حوله بإعجاب ، حيث أن المكان كان منظمًا ومرتبًا للغاية، مشبعًا بالألوان ومفعمًا بالحياة، يتسم بالهدوء بالرغم من حركة الصغار وركضهم .

وبينما هو يتفقد المكان بعين الإعجاب تفاجأ بلفيف من الأطفال يحيطونه ويتهافتون لنيل الهدايا التي يمسك بها.

ـ واحدة واحدة.. كله هياخد هدايا متقلقوش ..

قالها بصوت مرتفع وهو ينظر إليهم وتابع :
ـ بقولكم إيه .. اقفوا طابور يلا .

على الفور اصطف الأطفال وراء بعضهم ليضيف بسخرية مرحة:
ـ لأ .. لازم يكون في نظام ، الطويل ورا والقصير قدام يا حلو منك ليها .. اللي مش هيسمع الكلام مش هياخد هدية .

وبينما هو منشغلٌ بترتيبهم قطع تركيزه ظهور شابة حسناء بملامح هادئة ، ترتدي حجابًا أضاف لها من الحسن ما يكفي ، نظرت إليه ثم إليهم وقالت :
ـ مين حضرتك و موقفهم كده ليه ؟

رفع حاجبه باستنكار وقال:
ـ معقول مش عارفاني ؟!

فرفعت حاجبها بالمثل وقالت:
ـ أكيد لو عارفاك مش هسأل .

ـ أنا عمر مرسال .

ظهر التفاجؤ على ملامحها بوضوح وقالت:
ـ أخو فريد بيه ؟

ـ أيوة أخو فريد بيه.

أومأت وقالت بلطف: 
ـ أهلا بحضرتك .. أكيد دي أول مرة تزور الدار لأني أول مرة أشوفك.

أومأ وهو ينظر إليها نظرة تشي بالعبث الكامن في داخله وقال:
ـ للأسف أول مرة فعلا، لكن مش هتكون آخر مرة أكيد .

أومأت بابتسامة هادئة ثم قالت:
ـ طيب ممكن بعد اذنك تتفضل معانا على غرفة الفحص نعمل شوية فحوصات بسيطة ؟

قطب جبينه بتعجب سافر وتساءل:
ـ فحوصات ؟! هو أنا فين بالظبط ؟!

ـ آسفة ، لكن دي أوامر فريد بيه، ممنوع حد يختلط بالأولاد قبل ما نفحصه ونتأكد إنه مش مصاب بأي عدوى ممكن تنتقل ليهم .

أخذ يقلب كفيه بتعجب وذهول وهو يتمتم :
ـ حتى هنا ؟! على العموم اتفضلي افحصيني أمري لله .

وأشار إلى الأطفال وقال صاحبا كلامه بغمزة :
ـ محدش يتحرك من مكانه ، الآنسة هتفحصني وجاي .

تقدمته وقادته نحو غرفة واسعة أشبه بمشفى متنقل، ثم طلبت منه الجلوس على سرير الفحص فقال :
ـ هو أي حد بيدخل الدار بتعملوا معاه كده ؟!

ـ أيوة ، والمفروض إن اللي بيحب يزور الدار بيتقدم بطلب الأول ، علشان كده استغربت لما شفتك اقتحمت المكان فجأة .

اقتربت منه وجلست على كرسي مجاور له، وأمسكت بذراعه بإحكام ومن ثم قامت بسحب عينة دم منه وأعطتها لمسؤولة الفحص ثم نظرت إليه وقالت:
ـ ربع ساعة ونتيجة التحليل تبان .. معلش هنعطلك .

ـ لا أبدا أنا أصلا فاضي مفيش ورايا حاجه ، قوليلي يا آنسة ....

نظرت إليه بهدوء وقالت :
ـ ميرال .

ابتسم لأنه حصل على اسمها بسهولة وقال:
ـ قوليلي يا آنسة ميرال ، لو الفحص أثبت إن في عدوى لاقدر الله بتتصرفوا ازاي.

كانت مطرقة برأسها تسجل بعض البيانات في دفتر أمامها، فأجابته بانشغال واقتضاب:
ـ أكيد مش هنسمح له يزور الأطفال أو يختلط بيهم ، احنا هنا بنحرص جدا على صحة أطفال الدار واننا نجنبهم الاختلاط بأي حد ممكن ينقل لهم أي عدوى أو مرض.

ابتسم وأومأ بتريث وقال:
ـ كويس جدا. ما هو فريد مرسال لما يكون مسؤول عن حد لازم يكون قد المسؤولية طبعا .

نظرت إليه وابتسمت وقالت بإيجاز :
ـ دي حقيقة .

ـ قوليلي يا آنسة ميرال انتي متجوزة ؟!

تساءل بطريقة فاجأتها وأثارت تعجبها، فنظرت إليه باستنكار وقالت:
ـ نعم ؟! 

ـ مش قصدي أتطفل عليكي يعني، بس اللي أعرفه إن المشرفات هنا مقيمين إقامة كاملة فأكيد مش متجوزة وسايبة حياتك وعايشة هنا يعني. ده اللي أقصده .

تفرست في وجهه لبرهة قصيرة منحتهُ خلالها كل إشارات الانزعاج والضجر، ثم قالت:
ـ لأ ، مش متجوزة .

ـ ولا مخطوبة ؟! 

رمقته بنظرة ملولة بدا من خلالها الضيق جليًا على ملامحها، ثم أومأت بابتسامة مزيفة من باب التزام اللباقة ـ لأنه فقط شقيق مالك الدار ـ وقالت:
ـ ولا مخطوبة .

أومأ مبتسما فباغتته مسؤولة الفحص قائلة :
ـ الفحص سليم ، تقدر تتفضل يا أستاذ عمر ..

نهض عمر وهو ينظر إلى ميرال التي تعمدت تجاهله وقال :
ـ ممكن تتفضلي معايا عشان نوزع الهدايا على الأطفال وبالمرة نتعرف على بعض ؟

ومض تعبير ينم عن الاستهجان الشديد على وجهها الجاد فتابع مصوبًا :
ـ أقصد أنا والأطفال يعني.

نهضت وهي تصفع سطح المكتب بكفيها بضيق وقالت مشيرة نحو الخارج :
ـ اتفضل .

خرجا سويًا وعادا إلى الأطفال الذين لا يزالون يقفون في صف ملتزمين بأوامر عمر الذي قال بنبرة منفتحة حماسية:
ـ برافو .. دلوقتي بقا أنا والآنسة ميرال هنقدم لكم الهدايا واللي يلاقي هديته مش عجباه يقول.. اتفقنا ؟

تولى هو أمر الذكور منهم في حين انشغلت ميرال بإعطاء كل فتاة منهن هديتها ، كان يرمقها من لحظة لأخرى، يرى ابتسامتها الفاتنة تظلل ثغرها وهي تتنقل بين الفتيات وتمنحهن ابتسامات صافية تطل على قلوبهن مباشرةً ـ وعلى قلبه أيضًا ـ وشعر لأول مرة بوجود كتلة من المشاعر الدافئة تتشكل داخله .

وعندما انتهوا من توزيع الهدايا وقفا على مقربة من بعضهما يطالعان الأطفال وهم يتفحصون هداياهم بفرح وحماس انتقل إليهما تلقائيا فقال بنبرة يتخللها بعض الفخر :
ـ متخيلتش انهم هيفرحوا بزيارتي أوي كده .

قالت وهي تنظر إليهم برضا وهدوء:
ـ هما مش فرحانين بزيارتك ، هم فرحانين بالهدايا .

نظر إليها وبث في نظراته الإحباط الذي صنعته بفضل كلماتها وردد بحنق مصطنع:
ـ انتِ صريحة زيادة عن اللزوم على فكرة .

انفلتت ضحكتها بشكل عفوي مما أثار ضحكاته كذلك وأخذ ينظر إليها، يتفحصها صامتًا، يبحث في تفاصيل وجهها بحذر .

فتاة رقيقة ذات ملامح وضّاءة، تحيط بها هالة عطرة من الحُسن، وحجابها يزيدها جمالا وجلالا ، يمنحها طابعا راقيا جدا لم يجده في أي أنثى رآها من قبل .

شعرت بنظراته تخترق حيزها فنظرت إليه بعفوية لتجده يتفرسها بصمت فأشاحت بنظراتها سريعا بحرج وقالت:
ـ أصل هم كانوا متعودين إن فريد بيه بيزورهم أول كل شهر ويجيبلهم هدايا ، وبيفضلوا منتظرين الزيارة دي من الشهر للتاني.

حول نظراته منها إلى الأطفال ثم قال مبتسما:
ـ إن شاء الله أجي أزورهم دايما وأجيب لهم هدايا كتير .

نظرت إليه وقالت بهدوء:
ـ ربنا يجعله في ميزان حسناتك إن شاء الله.

لمسته كلماتها الصادقة وتركت أثرًا بليغًا في نفسه، فابتسم بهدوء وأومأ، ثم قال :
ـ أنا مضطر امشي دلوقتي ، ممكن رقمك عشان لما أقرر أجي أكلمك أبلغك ؟

أجابته بهدوء واتزان :
ـ ثواني هجيبلك الكارت اللي فيه الأرقام الخاصة بالدار .

وانصرفت فزفر زفرة محبطة وهو يردد: 
ـ أرقام الدار ؟ طِلعت واعية ومبيتضحكش عليها .

عادت إليه ميرال مرة أخرى وناولته بطاقة دُوّن فيها كل الأرقام الخاصة بالدار ثم قالت :
ـ اتفضل ، شرفتنا يا أستاذ عمر .

ابتسم قائلا :
ـ الشرف ليا والله ، عن اذنك .

انصرف مغادرًا الدار ، ثم استقل سيارته وانطلق بها متجهًا نحو مقر شركة والدته ليفاجئ چيلان بزيارته .

***

في مكتب عاصم .

طرق رشيد الباب ثم دخل وهو يحمل بعض الأوراق بيده، ثم وضعها أمام عاصم وقال:
ـ جبتلك كل المعلومات اللي طلبتها عن موسى المالكي.

أخذ عاصم يمر بعينيه سريعا فوق ما دون على الورق، وتوقف أمام عنوان منزله وأخذ ينظر إليه بدقة، يسجله بعين ثاقبة داخل ذاكرة فوتوغرافية ، ثم وضع الملف بدرج المكتب ونظر إلى رشيد وقال: 
ـ الواطي ده بيستغل بنات الدار وبيتحرش بيهم، أنا واثق اننا لو قدرنا نتواصل مع بنات من جوة الدار وسألناهم هنلاقي فيهم حالات كتير تعرضت لتحرش ومضايقات منه ، ولو نجحنا نوثق شهاداتهم دي هنقدر بكل سهولة نقفل الدار دي ونرميه في السجن .

وتابع :
ـ الموضوع بسيط جدا لو قدرنا نجيب ميموري كاميرات المراقبة اللي هناك .. كل اللي محتاجينه اثبات صغير نقدر نتهمه بيه .

أومأ رشيد متفهمًا ثم قال بعد تفكير :
ـ وتفتكر حد بالدناءة دي هيكون مركب كاميرات مراقبة توثق قذاراته ؟! هو أكيد أذكى من كده .

فأجابه عاصم بثقة وهو يريح ظهره إلى ظهر المقعد:
ـ حد بالدناءة دي متستبعدش انه زارع كاميرات في عنابر البنات عشان يتلصص عليهم ، أنا عاوز أوصل لأي طرف خيط نقدر نوقعه بيه ، والمهمة دي مش صعبة أبدا لأننا بالفعل نعرف ناس من جوا الدار هيساعدونا

أومأ رشيد موافقا وقال:
ـ تمام ، سيبلي الموضوع ده وأنا هعمل اللي أقدر عليه .

ـ ربنا معاك .

غادر رشيد ، فنهض عاصم من مقعده والتقط أغراضه وغادر المكتب ومن ثم الشركة، ثم استقل سيارته وعاد إلى المنزل .

❈-❈-❈  


كانت نغم قد أنهت عملها للتو ومن ثم صعدت إلى مكتب مديرة الصالون .

طرقت الباب فأذنت لها عاليا بالدخول، فدلفت وهي تحاول إخفاء توترها ثم تقدمت من المكتب وهي تقول:
ـ كنت كلمتك امبارح بخصوص المبلغ اللي كنت عاوزة أستلفه من حضرتك.. 

أومأت عاليا بهدوء وقالت وهي تفتح خزنتها :
ـ محتاجة كام ؟! 

كانت تفرك يدها بتوتر وهي تقول:
ـ في حدود ٣٠ ألف علشان هدفع مقدم شقة .

أومأت عاليا وعلى الفور أخرجت المبلغ كاملا من خزنتها ثم وضعته على المكتب أمامها، ومن ثم أخرجت دفتر الشيكات الخاص بها وقامت بوضع قيمة خمسة آلاف جنيها في كل شيك منهم ونظرت إلى نغم قائلة :
ـ ال٣٠ ألف هيتسددوا على ست شهور .. خلي بالك أنا مش بعمل كده مع حد أبدا بس واضح إنك طيبه وغلبانه .

تنهدت نغم وهي تجاهد لإخفاء ضيقها وحاولت رسم ابتسامة على شفتيها وقالت:
ـ شكرا يا مدام عاليا ..

ـ كل شيك من دول بقيمة ٥٠٠٠ جنية ، يعني كل شهر هيتخصم من مرتبك اللي هو ٦٠٠٠ وبكده هيتبقالك ألف جنيه بس في الشهر .

شردت نغم قليلا ، وأخذت تفكر .. هل هذا المبلغ سيكفي ثمن مواصلاتها حتى ؟! ناهيك عن باقي النفقات ؟! وبينما هي تفكر باغتتها عاليا قائلةً :
ـ هتعرفي تعيشي بألف جنيه بس في الشهر ؟! 

نظرت إليها نغم بانهمام وقالت :
ـ هتتدبر إن شاء الله.

مطت الأخرى شفتيها ورددت ببساطة :
ـ as you like اتفضلي امضي على الشيكات ، وكل شهر بعد ما يتخصم المبلغ من راتبك هتاخدي الشيك .

اقتربت نغم وقامت بتوقيع الشيكات وهي تشعر بعدم الراحة، حدسها كان يخبرها أن ثمة خطأ ما ، ولكنها أنهت الأمر سريعًا وأخذت المبلغ ثم شكرتها وانصرفت .

غادرت الصالون وهي تشعر بالحماس الممزوج بالخوف والتوجس، لا تعرف نتيجة ذلك القرار ولكنها تظنه أفضل الحلول. 

وعلى الفور اتجهت لأقرب مكتب عقارات وهي ترجو الله أن تعثر على طلبها بدون تعقيدات .

دلفت بتردد وخطوات متباطئة فاستقبلها مدير المكتب مرحبًا وأشار لها بالجلوس ففعلت فقال:
ـ اتفضلي يا فندم أقدر أساعدك إزاي ؟!

ـ كنت عاوزة أأجر شقة .. 

ـ إيجار يومي ولا شهري ؟! 

ـ لأ شهري .

ـ تمام.. الشقة اللي محتاجاها مساحتها قد إيه ؟!

ـ أصغر حاجة ، أنا هعيش فيها لوحدي .

ـ تمام.. يعني اوضتين وريسبشن وحمام ومطبخ .. مظبوط كده ؟

ـ ولو في أصغر مفيش مشكلة ، يعني معنديش مانع لو أوضة ومطبخ وحمام.. أنا محتاجاها على قد النوم بس.

مط شفتيه بتفكير ثم قال:
ـ هو للأسف مفيش شقق أقل من اوضتين، بس ممكن تشوفي سكن مشترك هيكون أنسب وأوفر بالنسبة ليكي .

أفزعتها الكلمة وجعلت لسانها ينطق دون حتى أن تمرر الأمر على عقلها فقالت:
ـ لأ طبعا مش هينفع.

زم شفتيه وهز رأسه بأسف ثم قال:
ـ للأسف مفيش طريقة أساعدك بيها غير كده .

مسدت جبهتها بضيق وحيرة، ثم نظرت إليه قائلة:
ـ طيب ممكن أعرف إيجارات الشقق اللي عندك في حدود كام في الشهر ؟ 

ـ مقدم بيبدأ من ٥٠٠٠٠ وقسط شهري ٧٠٠٠ 

نظرت إليه بعينين متسعتين من هول الصدمة وقالت:
ـ ده بجد ؟!!

ـ أكيد بجد .. حضرتك بتسألي في رينچ كام ؟! 

احتلت خيبة الأمل عينيها ونظرت إليه بانهزام واضح وقالت:
ـ بصراحة أنا كنت عاملة حسابي على ٣٠ ألف بس .. وتخيلت إن المقدم في حدود ٣ أو ٤ 

ـ للأسف مفيش الكلام ده، شوفي المنطقة اللي انتي فيها حيوية ازاي ، وبتطل على مرافق وخدمات قد ايه ، والشقق متشطبة ومفروشة ازاي ! كل دي عوامل بتزيد من سعر المقدم والقسط.. لو عاوزة حاجة أقل أكيد هتلاقي بس مش هنا للأسف .

زفرت باستياء صريح، ثم نهضت ونظرت إليه وقالت :
ـ تمام.. شكرا أخدت من وقتك كتير .

ـ ولا يهمك أنا في الخدمة دايما .

أومأت بهدوء وتحركت خطوتين نحو الخارج، ثم تراجعت مجددا وسألته:
ـ طيب سؤال معلش، هو السكن المشترك ده بيكون إيجارُه قد إيه ؟! 

ـ على حسب كام فرد هيسكن معاكي ، المبلغ بيتقسم بالتساوي، بس للأسف حاليا الشقق كلها كومبليت فهتسيبيلي بياناتك وأول ما المجموعة الجديدة تكتمل هبلغك .

يبدو أن الأمر لن يتم ، كل شيء يبدو معقدًا جدًا ولا يسير وفق ما تتمنى ، زفرت بيأس تمكن منها ثم بدأت بتدوين اسمها ورقم هاتفها على ورقة أمامها ، ثم غادرت وهي تلعن حظها العثر الذي يلقي بها دومًا في المتاعب .

استقلت تاكسي أعادها إلى المنزل، ولم تكن تعلم أن هناك شابًا يرصد خطواتها ويبلغ فريد كل أخبارها وتحركاتها بدقة .

❈-❈-❈  


وصل عاصم إلى المنزل، دخل وهو يبحث بعينيه عن نسيم ليقع نظره على زينب التي خرجت للتو من المطبخ ، فقال :
ـ مساء الخير ..

نظرت إليه بهدوء حذر وقالت:
ـ مساء النور .. حضرتك تحب تتعشى ؟! أنا حضرت عشا .

ابتسم بهدوء قائلا:
ـ متشكر جدا أنا بعمل كل حاجه بنفسي ملوش داعي تتعبي نفسك، انتي هنا عشان نسيم وبس .

طمأنها حديثه وراقها قليلا فأومأت ثم قالت :
ـ طيب عن اذنك .

انسحبت ودخلت غرفتها التي خصصتها لها نسيم ، بينما تقدم عاصم نحو غرفة نسيم، طرق الباب عدة مرات ولكنه لم يجد جوابًا ، ففتح الباب بهدوء ظنًا منه أنه سيجدها نائمة ، ولكنه رآها مسطحةً فوق الفراش تحدق في السقف بصمت .

ـ نسـيم ؟ انتي كويسة ؟! 

قالها وهو يقتحم غرفتها، ثم وقف أمامها يتفرسها بقلق، فوجدها ترمش بهدوء ودمعاتها تنساب على جانبي خديها برفق.

تنهد بضيق شديد، ثم جلس بجوارها على حافة الفراش وقال:
ـ طيب أولا أنا آسف اني دخلت من غير ما تسمحيلي بس أنا فكرتك نايمة، وأنا مسافر وحبيت أشوفك قبل ما أمشي .

لم تحرك ساكنًا ولم تنزع نظراتها المتيبسة عن ذلك الشيء الوهمي الذي تحدق به، فسأل مباشرةً وقال:
ـ إيه اللي حصل ضايقك بالشكل ده ؟ احكيلي ؟! 

استجابت له أخيرًا، وحركت نظراتها نحوه وظلت تحدق به بصمت ، ونظراتها المنكسرة كانت تُفضي له بالكثير، تشكو إليه قهرها وحزنها ويأسها. تخبره عن مدى الوجع الكامن وراء تلك النظرات. 

بينما هو، مد يده والتقط كفها وأسنده فوق راحة يده اليسرى، وأخذ يمسح عليه باليد الأخرى بظهر كفه وهو ينظر إليها باهتمام جليّ ويقول:
ـ أكيد مش هتسيبيني أسافر وأنا قلقان عليكي كده !! اتكلمي وقوليلي مالك ؟! زينب قالت لك حاجة ضايقتك ؟! 

هزت رأسها برفض، وافترقت شفتيها فبرزت الكلمات بهدوء فقالت: 
ـ لأ . 

أرسلت لمسة يده على كفها رجفة سرت في كامل جسدها وتسللت إلى قلبها ببطء، وتفاقمت خطورة الوضع حين مد أنامله وأزال تلك العبرات أسفل عينيها بحنوٍ لم يجعلها على ما يرام أبدًا وقال:
ـ طيب مالك ؟! اتكلمي معايا وافتحيلي قلبك ، الحالة اللي انتي فيها دي سببها إيه ؟! 

أغمضت عينيها وهي تحاول كبح الدموع التي تتسابق على خديها بلا هوادة ، ورافقت قولها بتنهيدة :
ـ جتلي هنا .

قطب جبينه بتعجب وقال:
ـ هي مين ؟! 

اندفعت الدموع إلى عينيها، و فرت بغزارة وهي تحاول إيجاد وصفًا مناسبًا لها، ثم قالت :
ـ المخلوقة اللي المفروض انها أمي ، جت وطلبت مني أسامحها وأنسى كل اللي حصللي بسببها ..

صمتت ليتساءل بهدوء وبنبرة عميقة دافئة جعلت قلبها يطرق جدران صدرها :
ــ وبعدين ؟ قلتي لها إيه ؟

ـ قلت لها إني لا يمكن أسامحها وانها بالنسبالي ولا شيء.

زفر بأسى، وتردد كثيرا قبل أن يقول:
ـ طيب اهدي، طالما قلتي اللي في قلبك هتبقي أحسن .

أشاحت بعينيها بعيدا وظهرت مرارة الحسرة في نظراتها ونبرة صوتها وهي تقول:
ـ اللي في قلبي عمره ما يتحكي ، مهما قلت ومهما شرحت.. هيفضل جوايا جرح بيتجدد كل يوم بطريقة أبشع من اللي قبلها .

زفرة فرت من شفتيه بضيق، ثم نظر إليها ومنحها ابتسامة دافئة ثم قال:
ـ كل جرح مهما كان صعب مسيره يطيب صدقيني ، ومهما تخيلنا ان في جروح ملهاش علاج لكن الحقيقة غير كدة .. بناخد وقت نتعافى فيه .. مدة التعافي بتكون على قد الألم وعمق الجرح وقد إيه هو سايب أثر فينا ، لكن لكل شيء نهاية أكيد .

بدا أنها غير مقتنعة بما قال لأنها أشاحت بعينيها بعيدا عن مرمى نظراته.

تنهد مطولا وأخذ ينظر إليها بصمت، يتأملها بصبر ويده مازالت تمنحها شعورًا دافئًا لم تختبره من قبل، شعورًا جعل آلامها تسكن وتستكين .. فأغمضت عينيها المتعبتين من فرط بكاءٍ متواصل، وسمحت لقلبها بالخضوع لسُلطة مشاعر نادرة صفعت وجدانها بقوة .

ظل جالسًا أمامها على نفس وضعه، وكفيه العريضين يسعان كفها الرقيق بترحاب شديد ، وكلما حاول الابتعاد والخروج من الغرفة وجد شيئا يلح عليه بقوة للبقاء ها هنا .. بقُربها .

طائرته بعد ساعتين فقط .. ومن المفترض أن يستعد ويتجه نحو المطار بعد نصف ساعة على الأكثر ، ولكن شعوره بها.. وكيف أنها استكانت وهدأت بقربه ، ويدها الساكنة بين يديه بلا أدنى مقاومة ، أو رفض ، أو تذمر .. كل تلك مبررات لبقاءه بجوارها ضاربًا بكل العالم عرض الحائط ..

طالما أنها سمحت له بهذا القرب ، وأبقت على يدها بين يديه فلن يترك تلك اليد أبدا .. لن يفرط بها مهما حدث .

أنفاسها التي هدأت وانتظمت بعد اضطراب مُربك جعلته يحسم أمره ويرزح تحت وطأة حنانٍ طاغٍ يريد إغداقها به . فنهض واضطر آسفًا أن يترك يدها ، ثم خلع سترته ووضعها فوق المقعد بهدوء وبهدوء أشد استلقى جوارها .

كانت قد استسلمت لحاجتها للنوم وإخماد ضجيج عقلها، وبدأ النعاس يسحبها نحو هوةٍ من اللاوعي ، ولكن.. فجأة.. أحست بجسد صلب يتمدد جوارها ، ورائحة قبضت على قلبها تصل أنفها بقوة ، وأجبرتها على مغادرة اللاوعي فورًا لكي تتأكد أن ما يحدث حقيقيا وليس محض خيال !

أما هو .. أمسك بيدها مرة أخرى ورفعها لتستقر على صدره وهو لايزال ممسكا بها ، تماما فوق موضع قلبه .. وأغمض عينيه بدوره، وأخذ يتغنى بصوتٍ رجولي عميق هاديء :
ـ كل الجروح ليها دوا .. يا طير يا حايم في الهوا 
اطوي الجناح على الجراح .. اطوي الجناح على اللي راح
واضحك.. ويلا نطير سوا .

ارتسمت على شفتيها ابتسامة متألمة تزامنًا مع شلال من الدموع انهمر من عينيها ، وأغمضت عينيها مجددا باستسلام لذلك الأمان الذي عم روحها وأذاب كل ذلك الخوف الجليدي في قلبها وحطمه. 

هي الآن في أمان ، بجواره ، يدها بين يديه .. تثق به الثقة الكاملة التي تؤهلها لكي تسير خلفه مغمضة العينين وتتبعه حيث يذهب.

كل شكوكها الطاعنة قد تبددت ، وكل مخاوفها سُحقت ..

ذلك الرجل الأكثر من رائع لا يمكن أن يؤذيها أبدًا .

❈-❈-❈  


وصلت نغم للتو ، دخلت وهي تبحث عن خالتها وعندما لم تجدها اتجهت نحو غرفتها فورا ، فتحت الباب ودخلت فوجدتها تتمدد فوق سريرها مغمضةً عينيها .

تنهدت بضيق من نفسها، وشعرت بالندم ، احتقرت أنانيتها ولا مبالاتها.. كان عليها أن تنتظر عودتها لكي تصحبها إلى المشفى عنوة ، فمنذ أن أخبرها حسن بعودتها ورفضها الذهاب إلى المشفى وهي تؤنب ضميرها.

خلعت حقيبة ظهرها وقامت بوضعها داخل الخزانة ، ووقفت تفكر لقليل قبل أن تأخذ النقود التي اقترضتها من عليا وتقوم بإخفاءها بين ملابسها .

فهي لا تثق بحسن، تعلم أنه من الممكن أن يقتحم الغرفة في أي وقت ويقوم بتفتيشها واذا عثر على المال لن يتردد في أخذه .

ثم دخلت إلى الحمام وأغلقت الباب من الداخل بإحكام ، وأخذت حماما سريعا وخرجت .

شعرت بالجوع فتوجهت إلى المطبخ ، تعلم أن خالتها بالتأكيد قامت باعداد الغداء وتركت لها حصتها ولكن آمالها خابت حين لم تجد شيئا لتأكله ، وبالتالي كان الخيار الأمثل أن تتحامل على جوعها وتنام بدلا من أن تتكبد عناء تحضير الطعام بنفسها . 

عادت إلى الغرفة مجددا واستلقت سريعا فوق فراشها وهي تستعد للراحة بعد عناء يومٍ طويل ولكنها استقامت مجددا وأخذت تنظر إلى خالتها بحزن .

أخبرها حسن بحالتها عندما عادت في الصباح ، وأخبرها كذلك أنها قد زارت نسيم ومن الواضح أن الأمور لم تسر على ما يرام ، وشعرت بالأسى حيالها .. 

وشعرت بالضيق والغضب من نفسها لأنها قررت الابتعاد عنها دون حتى إخبارها، وها هي تبحث بجدية عن مكان للانتقال وربما تجده غدا أو بعد غد .. وحينها ستفقد ملاذها الآمن .

نهضت وتقدمت نحوها واستلقت بجوارها ، وأحاطت خصرها بذراعها كما كانت تفعل دوما.. وأغمضت عينيها وهي تحاول حبس دموعها كلما تذكرت أنها ستبتعد عن هذا الدفء وتفتقده في كل ليلة .

حاولت تصفية ذهنها والهروب من كل شيء بالنوم ، لكن ذلك الصقيع الذي غمر روحها منعها .. وبدأ يتسرب إلى جسدها .. ثم .. أيعقل أنه تسرب إلى جسد خالتها أيضًا !! 

تحسست ذراعها ، والآخر ، وجهها ، جسدها يضج بالبرودة .. فأخذت تدثرها بالغطاء جيدًا وهي تنظر إليها بقلق ، قلبها يخبرها أن هناك شيئًا غير مفهوم .. 

أحاطت وجهها بكفها وأخذت تمسح على وجنتها ورقبتها علها تبث فيهما الدفء من جديد ولكن.... لماذا لا تشعر بانعكاس أنفاسها على راحة يدها التي تحيط وجهها ؟! 

ابتلعت ريقها ببطء شديد وهي تنهض من جوارها وتشعل الضوء، وأخذت تنظر إليها بتركيز .. والآن فقط استوعبت أنها تستلقي على ظهرها وهذه ليست عادتها أبدا فهي دومًا تنام على جانبها الأيمن .

هزتها برفق وهي تناديها :
ـ خالتي .. 

وعادت تدلك وجهها بيديها وهي تتابع :
ـ خالتي انتي سامعاني ؟! انتي كويسة ؟! مالك متلجة كده ليه ؟! 

ابتلعت ريقها بخوف ، برعب ، وهزتها بقوة طفيفة وهي تناديها بصوت ضائع :
ـ خالتي انتي سامعاني ؟!! 

هزتها أكثر ، ونادتها بنبرة أقرب للانهيار :
ـ ردي عليا يا عيشة .. 

أيقنت بوجود خطر ما ، خطر رفضت تصديقه والاعتراف به بالرغم من أنه لا يحمل مجالا للشك أو الالتباس.

أسرعت تلتقط هاتفها ثم قامت بالاتصال بحسن فورا وبمجرد أن أجاب المكالمة صرخت به قائلة : 
ـ حسن.. هات دكتور وتعالى حالا.. خالتي جسمها كله تلج ومش بتتنفس شكلها دخلت في غيبوبة.

جلست بجوارها من جديد وأمسكت بيديها وأخذت تدلكهما محاولةً أن تمنحهما بعض الدفء ، والتقطت غطاءًا إضافيًا وقامت بوضعه فوقها لكي تتسرب الحرارة إلى جسدها المتصلب ، وأخذت تنتحب بحرقة وهي تتحدث إليها وتقول :
ـ انتي أكيد مش هتسيبيني مش كده ؟! أكيد شوية تعب وهتقومي منها زي كل مرة .. أكيد مش هتتخلي عني وانتي عارفة إني مليش حد من في الدنيا غيرك ! 

انفرج الباب ودخل حسن وبرفقته الطبيب ، فنهضت وأفسحت له مجالا للكشف عليها ، ووقفت بجواره تضم قبضتيها أمام صدرها وتنظر إلى خالتها تارة وإلى الطبيب تارة أخرى وقالت بهلع :
ـ هو انت مبتتكلمش ليه ؟! خالتي مالها ؟! 

ونظرت إلى حسن الذي يقف يطالع أمه بنظرة سُلبت منها كل معاني الحياة وقالت:
ـ المفروض ننقلها على المستشفى فورا يا حسن، احنا هنفضل واقفين نتفرج عليها ؟

تنهد الطبيب باستياء وهو ينظر إليها بنظرة العاجز ، ثم إلى حسن الذي يقف مشدوهًا ، ثم قال بنبرة تحمل بين طياتها الأسف :
ـ البقاء لله يا جماعة .. شدوا حيلكم .

توقف كل شيء.. دارت بهما الأرض وضاقت .. أظلم الكون كله من حولهما .. 

أتى الفراق بلا موعد ، بدون إنذار ، بدون وداع ، بدون فرصة للبوح عن حب كبير وأسف أكبر .. أتى الفراق وخط بيده سطر النهاية .

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة نعمة حسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة