رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 6 - الثلاثاء 13/5/2025
قراءة روايةساحر الليل كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ساحر الليل
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة بسمة بدران
الفصل السادس
تم النشر يوم الثلاثاء
13/5/2025
فارس أحلامي
"إنت مين؟ وإزاي وصلت هنا؟"
ولجت والدتها إلى الغرفة ودنت من فـ راشها تهزها بخفة:– "لمار! لمار! يلا يا حبيبتي اصحي."
دهشت حينما لم تجد منها ردًا فهزتها مرة أخرى:– "لمار، يلا يا بنتي، قومي هتتأخري على شغلك!"
فتحت عيناها ببطء ومن ثم غمغمت بصوت خافت:– "صباح الخير يا ماما."
منحتها ابتسامة عذبة:– "صباح الجمال يا حبيبتي يلا نفطر سوا، أنا مستنياكي تحت."
أومأت لها موافقة وتركتها ودلفت للخارج.
تنهدت لمار بحالمية ومن ثم هبت واقفة وهي تشعر بسعادة. ولجت إلى المرحاض تنعم بحمام بارد
دقائق قليلة وانتهت من ارتداء ثوبها المخصص للعمل، وهو بدلة نسائية باللون الأسود أسفلها قميص أبيض وحذاء أسود ذو كعب مرتفع.
مشطت شعرها ورشت عطرها الناعم ثم دلفت للخارج وهي تدندن بسعادة.
قبـ لت وجنة والدتها وشرعت في تناول الفطور برفقتها وهما تتبادلان أطراف الحديث.
❈-❈-❈
وعلى الجانب الآخر، عند فارس، لم يتغير الحال كثيرًا، بل فعل مثل لمار وأكثر من حيث الاهتمام بمظهره الخارجي.
وبعد أن انتهى من ارتداء ثيابه، قرر الذهاب إلى العمل كي لا يتأخر ويغضب منه المدير كعادته. لكن قبل أن ينحني لينتعل الحذاء، استمع إلى صوت رنين هاتفه.
ابتسم باتساع عندما أبصر أنه رقم دولي، وعلى الفور استنتج هوية المتصل فسحب الشاشة مجيبًا بلهفة:– "فهد! ياااه، وحشتني اوي!"
ليرد الآخر:– "وأنت كمان يا فارس، وحشتني جدًا."
قاطعه بلهفة:– "هترجع إمتى بقى؟ أنا زهقت من القعدة لوحدي، حاسس بوحدة فظيعة بالله عليك، ارجع بقى."
أخبره فهد بجدية أنه سيحاول أن ينهي بعض الأعمال ثم يعود ويستقر معه في مصر.
أغلق الهاتف معه بعد أن طلب منه أن لا يتأخر وبعدها انطلق إلى عمله يمني نفسه برؤية حبيبة القلب والوجدان.
فهد أمين، الأخ الأصغر لفارس، يعمل مهندس بترول في الخليج كما تمنى مذ كان صغيرًا. سافر منذ أكثر من خمس سنوات هو شاب في التاسعة والعشرين من عمره طويل القامة، بشرته بيضاء، عيناه زرقاوان، وشعره بني ناعم. طموح وذكي يحب الحياة، ويفعل كل شيء كي يحصل على ما يريد.
يفضل السفر للخارج لجمع المال كي يبدأ مشروعًا خاصًا به.
❈-❈-❈
بينما في منزل يارا.
وضعت يدها على مقبض الباب الرئيسي للمنزل، لكنها قبل أن تفتح الباب، استمعت إلى صوت أخيها الغاضب:– "اقفي مكانك!"
زفرت بنفاد صبر، فيبدو أن محاضرتها اليومية ستبدأ الآن. التفتت إليه، عاقدة ساعديها أمام صـ درها:– "يلا، ابدأ يا حازم."
مرر عينيه فوق ملابسها، هامسًا باشمئزاز:– "روحي غيري هدومك حالًا."
فاض الكيل منها ومن تحكماته، فهتفت بعند:– "لأ، مش هغيرها يا حازم، وسيبني فحالي."
تطاير الغضب من مقلتيه، هادرًا بعنف:– "مش هتروحي أي مكان لحد ما تغيري الهدوم المقرفة دي! دي شبه لبس البنات اللي بيسهروا في الكباريهات!
إزاي تنزلي الشغل وانتي لابسة كده؟ البنطلون ضيق جدا والقميص مبين جـ سمك كله! روحي غيّري، وإلا..."
قاطعه صوت والدتهما الحازم:– "وإلا إيه يا حازم؟ هتمد إيدك عليها مثلًا؟"
أخفض رأسه أرضًا، هامسًا باحترام:– "لو سمحتي يا ماما، ما تدخليش بينا انتي دايمًا بتنصفيها عليا إزاي تسمحي لها تلبس..."
قاطعته بصرامة:– "يا حازم، قلتلك اكتر من مرة أختك مش صغيرة خليها تعمل اللي هي عايزاه."
– "إنتي غلطانة يا ماما أنا راجل البيت، وهتحاسب على كل حاجة بتحصل هنا وبعدين أنا مش راضي إنك لحد دلوقتي مش لابسة الحجاب."
ثم أضاف بإحراج وغضب:– "اعذريني، بس إنتي كبرتي و..."
قاطعته صـ ارخة بضراوة:– "أول ما أحس إني مستعدة للحجاب، هلبسه مش محتاجة نصيحة منك ولا من غيرك، وسيب أختك فحالها!"
تشبث برأيه مردفًا بعند:– "لأ. قلت لأ. هتروحي تلبسي لبس واسع، غير كده مش هتخرجي. ده آخر كلامي."
تنهدت والدتهما بامتعاض، ثم تحدثت بمهادنة:– "يا يارا، روحي غيّري هدومك عشان خاطري أنا بس."
انصاعت لطلب والدتها، وهي تشعر بالغضب في داخلها من أخيها الذي يزداد يومًا بعد يوم تعنتًا وتعسفًا.
زفر حازم بارتياح، ثم دلف للخارج وهو يغمغم بكلمات غير مسموعة، تاركًا والدته تضرب كفًا بالآخر وتدعو لهما بصلاح الحال.
❈-❈-❈
أطلقت شهقة عالية، وقد اتسعت عيناها بدهشة حين أبصرت ابنتها لا تزال تغط في نومٍ عميق، كأن لا شيء يُقلقها في هذا العالم. اقتربت منها بخطوات غاضبة، وصـ رخت بصوت يحمل في طياته نفاد الصبر:– "لسه نايمة يا أروى؟! قومي بقى، آدم مستنيكي من بدري مش كده يا بنتي!"
تحركت أروى تحت الغطاء كأنها تحاول التمسك بلحظات هروبها الأخيرة من الواقع ثم فجأة ألقت الغطاء عنها بعنـ ف، كأنها تلقي بثقل الأيام من فوق جـ سدها، وهتفت بصوت مختنق بالغضب والانكسار:– "مش هروح معاه في أي حتة يا ماما الراجل ده مش هيتغير أبدًا، دايمًا همـ جي، ومريض نفسي بيخليني أكره اليوم اللي بشوفه فيه!"
نظرت إليها السيدة غادة نظرة طويلة، ثم ارتسمت على شفـ تيها ابتسامة خبيثة خفيفة، وقالت بنبرة هادئة ولكن تحمل الكثير من الدهاء:– "ماشي يا ستي، هقوله إنك تعبانة وساعتها هيضطر ياخدك للدكتور بنفسه ويمكن يقعد جنبك طول اليوم في البيت إنتي عارفة إنه بيخاف عليكي أوي وبيحبك بطريقته."
شهقت أروى وكأنها تلقت صـ فعة على وجهها. ارتفع جـ سدها فجأة عن السرير، كأن أفعى لدغتها في قلبها، فقد أدركت تمامًا أن والدتها على حق آدم سيتشبث بفرصة كهذه ليكون قربها، لتطول لحظات وجوده بجانبها، وهي ليست مستعدة لاحتمال ذلك اليوم.
هرولت إلى المرحاض كأنها تهرب من فكرة خبيثة بدأت تتسلل إلى رأسها. تفضل أن تذهب معه في رحلة قصيرة تستغرق نصف ساعة، على أن تبقى حبيسة وجوده بجوارها طوال النهار.
وقفت السيدة غادة تتابعها وهي تبتسم ابتسامة رضا وذكاء. استطاعت بدهائها أن توجه دفّة الموقف كما تشاء، دون صدامات عنــ يفة.
مر الوقت ببطء، لكن بعد أكثر من نصف ساعة، كانت أروى تقف أمام آدم، تتنفس ببطء وهي تحاول أن تتماسك تنتظر منه كعادته ذلك "التقييم الصامت" الذي اعتادت عليه، لكنه هذه المرة لم يكن ناقدًا كما اعتادت بل كان مختلفًا.
رغمًا عنه، تركت ملامحها أثرًا فيه، فجمالها الهادئ الذي يحمل في داخله ثورة، بات يأسره يومًا بعد يوم. تأملها طويلًا، ليس بفضول أو انتقاد، بل بنظرات رجلٍ عاجز عن إخفاء إعجابه.
شعرت بنظراته تحرق وجنتيها، فتنحنحت بصوت خشن محاولة قطع ذلك التيار الخفي بينهما، فانتبه من شروده بسرعة، واحمرّ وجهه خجلًا وهو يهمس متوترًا:– "يلا اتأخرنا."
رمقته بنظرة جانبية تحمل من الغضب قدر ما تحمل من الحيرة، ثم سـ ـبته في سرها، قبل أن تسير خلفه بخطوات سريعة متوترة، وكأن الأرض تُطوى تحت قدميها من فرط الغليان بداخلها.
أما هو فكان يسير بجانبها بصمتٍ ثقيل، يشعر أن كل خطوة بينهما الآن تُعيده إلى البداية من جديد. يعلم أنه فقد الكثير، لكنه لا يزال يحاول… يحاول أن يجد المفتاح لقلبها، ويبدأ معها صفحة لا تُمـ زق بسهولة.
❈-❈-❈
وفي شركة الخطيب، وتحديدًا في مكتب لمار، شعرت بالقلق لأن يارا لم تأتِ إليها وتشاكسها كعادتها اليومية لذا، عليها أن تذهب لترى ما بها، فلربما لم تأتِ لأنها مريضة مثلًا.
غمغمت بسخرية:"يارا؟ وتعية دي نكتة! المرض هو اللي بيخاف منها، مش العكس واحدة زي يارا، مش ممكن تعية
وها هي ذي تجلس فوق الكرسي المقابل لمكتبها، ترمقها بدهشة، فكما توقعت... يارا بها شيء كبير، تلتزم الصمت، وهذا من رابع المستحيلات!
فسألتها باهتمام: "مالك يا يارا؟ ليه ما جيتيش عندي النهاردة زي كل يوم؟"
دمعت عيناها وأجابتها ببكاء: "أنا تعبت يا لمار... أخويا حازم..."
لم تستطع إكمال جملتها، وانخرطت في بكاء مرير، جعل لمار تنهض من مكانها بسرعة وتركض لتعانـ قها بكل قوة، هامسة بكلمات مهدئة وهي تمسد على خصلات شعرها وظهرها صعودًا وهبوطًا.
وبعد وقت ليس بالقصير، ابتعدت يارا عن حضـ نها، ومسحت دموعها بأطراف أصابعها، هامسة بامتنان: "بجد شكراً يا لمار كنت محتاجة الحـ ضن ده اوي."
ابتسمت لمار بعذوبة، متسائلة: "حسيتي إنك أحسن شوية؟"
أومأت يارا موافقة، فجلست مرة أخرى فوق المقعد وقالت: "طب احكيلي، إيه اللي حصل؟"
زفرت يارا بقوة، ثم راحت تقصّ عليها ما حدث بينها وبين أخيها منذ قليل، والأخرى تستمع لها بإنصات شديد، وملامحها تتغير، تارة للحزن وتارة للغضب.
❈-❈-❈
أجرت ملك مكالمة مع السيد مراد حامد كي تتحدث معه عن المحتوى الذي ستقدمه غدًا في البرنامج وتستشيره. أما هو، فقد شعر بسعادة لسماع صوتها قال باهتمام: "عاملة إيه دلوقتي؟ بقيتي أحسن؟"
أجابته مؤكدة: "أيوه، أنا بخير يا مراد آسفة لو كنت ضايقتك..."
قاطعها بقوة: "ما تقوليش كده كلّميني في أي وقت تحبيه."
ابتسمت له بعذوبة، وكأنه يراها، وقالت بجدية: "إيه رأيك نأجّل موضوع تجارة الأعضـ اء ونخلي الحلقة عادية أسمع الناس وأتكلم معاهم لسه ما خلصتش جمع الأدلة كلها."
أيدها فورًا، مبررًا بأن الناس تحب الاستماع إليها وأخذ رأيها في أمور كثيرة، كما أنه يساندها في أي قرار تتخذه، فهو يعلم أنها امرأة ذكية، جذابة، تعشق عملها جدًا، وترى أنه رسالة خلقها الله لتؤديها في الحياة، والحقيقة أنها تؤديه على أكمل وجه.
أغلق معها بعد أن وعدها بأنه سيأتي مبكرًا قليلًا ويجلس معها قبل بث الحلقة.
❈-❈-❈
وبعد انتهاء الدوام، قررت لمار أن تتناول وجبة الغداء برفقة يارا كي تخفف عنها حزنها، وأيضًا لتقصّ عليها حلمها بالأمس.
وبعد أن انتهت لمار من الحديث، نظرت إلى يارا فوجدتها شاردة، هائمة، تنظر إلى الأعلى.
نادت عليها بقوة: "إنتي فين؟ سرحانة في إيه؟"
أجابتها بنعومة: "أنا معاكي بس فين نلاقي الشاب الوسيم ده؟ وبعدين مين ده أساسًا؟"
كسى الحزن ملامح لمار، وهمست: "للأسف، كلّ ما بصحى من النوم، مش بفتكر ملامح وشّه والمصيبة إنّي اتعلقت بيه يا يارا وبقيت بنام بدري عشان أشوفه."
ضحكت يارا تحاول تخفف عنها وقالت بمزاح: "طب في الحلم الجاي، عايزاكي تجيبيني معاك بس أرجوكي، أرجوكي، عايزة أشوف وشّه! أنا أصلاً مجنونة طبيعي، مش ناقصة أتجن أكتر كارثة دي والله!"
ضحكت لمار وشاركتها يارا الضحك، وقضيا وقتهما بين المزاح والضحك، وحديث لمار عن ذلك المجهول الذي لا ينتهي.
❈-❈-❈
حلّ الليل بهدوءه الغامض، والكون كأنّه يتآمر لخلق لحظة خاصة بين عاشقين فرقتهما الأسرار وجمعهما الحنين. في زاوية صغيرة من المنزل، كان فارس يحرص على أدق التفاصيل في لقائه الليلي، كأنه يتحضر لطقس مقدّس لا يحتمل الإهمال. رتّب المكان بدقة، كل شيء في موقعه، كل لمسة تُنذر بشوقٍ مقيم. أضاء شمعة صغيرة تُلقي بظلالٍ خافتة على الجدران، وكأنها تحاكي دفء قلبه المشتعل.
دخل المطبخ بخفة، كمن يهرب من صخبه الداخلي، وأعدّ كوبًا من عصير المانجو، كوب العصير هو الذي بات يرتبط بذكرياته معها. كل رشفة منه تُذكره بصوتها وهي تضحك، بطريقة نطقها لاسمه، وحتى همساتها في نهاية كل لقاء.
حمل الكوب وتوجه إلى الكرسي الهزّاز، مكانه المقدّس، جلس ببطء، وأسند رأسه للوراء، يحدّق في السماء بسكينة عاشقٍ وجد ضالته في الحلم، لا في الواقع. ابتسم، وترك لأنفاسه العنان تتراقص بين الذكرى والخيال. كل مرة يتذكر ملامحها، تشعر معدته وكأنها امتلأت بفراشات صغيرة لا تهدأ، حبها كان مختلفًا طاغيًا، غير مبرر ومنذ أن كانت طفلة، كانت تشدّه بشيء لا يُفسر. لم يسأل نفسه لماذا هي؟ فقط أدرك أنها هي... وانتهى.
وفجأة، تجمّد جـ سده في مكانه شعر بأنفاس دافئة تلامس عنقه بلطف قفز قلبه رعبًا، لكن سرعان ما انقلب الخوف إلى سكينة عندما تسللت رائحتها إلى أنفه، عطرها، تلك الرائحة التي لا تُخطئها روحه. تنفّس بعمق، كأنّه يتنفسها هي.
نهض سريعًا، لكنه تعمد أن يترك بينهما مسافة... يتذكر جيدًا ما حذّره منه الساحر، تلك المسافة ليست مجرد خطوة، بل حماية لهما من لعـ نة قد تنقلب عليهما.
ابتسم، ابتسامة نابعة من قلبٍ كان ينتظر هذا اللقاء، وقال بنبرة يكسوها الحنين:"إزيك يا حبيبتي؟ عاملة إيه؟ انتي كويسة؟"
نظرت إليه بعينيها الواسعتين، وفي صوتها لمسة موسيقى:"أيوه، أنا كويسة... وإنت؟ وحشتك زي ما أنت وحشتني؟"
تنهد بحرارة، صوته خرج مبحوحًا من شدّة ما يشعر به:"انتي بتوحشيني وإنتي معايا يا لمار فاهمة قصدي؟"
أومأت برأسها، لكن شيء ما تغير في ملامحها تلاشت الابتسامة، وظهر على وجهها تعبير غريب مزيج من الحيرة والخوف والدهشة.
قطب حاجبيه وسأل بقلق:"مالك؟ أنا قلت حاجة ضايقتك؟"
هزت رأسها نفيًا، لكن صمتها كان يصـ رخ بشيء أعمق.
اقترب منها خطوة، وقال بصوت منخفض:" ليه ابتسامتك الحلوة اختفت فجأة؟"
همست بهدوء، لكن كلماتها نزلت عليه كصـ فعة:"بسببك..."
ارتبك، لكنه لم يقاطعها.
تابعت، وعيناها لا تبتعدان عن عينيه:"لسه مش عارفة انت مين يا."
تجمد في مكانه تلك الكلمات لم تكن عادية، لم تكن ضمن سيناريو أحلامه.
اقتربت منه بخطى مترددة، حتى صارت المسافة بينهما لا تكاد تُذكر، وهمست بصوتٍ مشحون بالتصميم:"أنا عايزة أعرف إنت مين ومش هتروح من هنا غير لما أشوفك، بعيني."
ردّ عليها بجدية غير معهودة:"بجد لسه مش عرفاني يا لمار؟"
جحظت عيناها، تراجعت خطوة لا إرادية، كأنها خافت مما قد تسمعه.
لكنه ثبت عينيه في عينيها، وقال بجدية، وكأنه يعترف بحقيقة كتمها لدهور:"بصيلي كويس ماتشيليش عني عنيكي."
نفذت ما طلبه، وكأنّها مسحورة، تنقّب كما لو كانت تقرأ كتابًا نسيته منذ زمن بعيد راحت تتأمل ملامحه كل خط، كل تفصيلة، كل نظرة كانت هناك رعشة في أنفاسها، وفجأة، اتسعت عيناها بذهول. شهقت، ثم همست وكأنها لا تصدّق:"فارس! إنت... إنت فارس إزاي؟!"
لم يمهلها لتكمل، قبل أن ينبثق صوت الطرقات المفاجئة على باب غرفتها مزّقت اللحظة، بعثرتها كأنها لم تكن.
شهقت وهي تفيق من غفلتها، ونظرت حولها، تحاول استيعاب ما حدث أفلتت أنفاسها بشبه لعـ نة، وجلست على السرير ونبضات قلبها تتلاحق بجنون:"مش وقتك"
دخلت سعاد، الخادمة، تحمل كوبًا من عصير المانجو، ألقت تحية المساء وقالت بهدوء: " مدام ملك طلبت مني أعملك كباية عصير، وقالت إنها هتخرج وترجع بعد شوية."
أومأت لها لمار بلا تركيز، وأشارت بوهن أن تضعه على الطاولة. وضعت سعاد الكوب وغادرت، مغلقة الباب خلفها بهدوء..
ظلت لمار في مكانها، تحدّق في اللاشيء، تتلمّس تفاصيل المشهد كأنه لم يكن حلمًا.
همست لنفسها، بصوتٍ مرتجف ومندهش: "فارس... الراجل اللي بشوفه في منامي هو فارس! ياااه ربّي إزاي كده؟!"
تسارعت أنفاسها، امتدت يدها نحو هاتفها بتلقائية، تبحث عن اسم صديقتها الأقرب، عازمة أن تخبرها بكل شيء.
كانت في أمسّ الحاجة لتفسير... لفهم... لأي شيء يُعيد لها اتزانها.
لكن في داخلها كانت تشعر أن ما هو قادم، سيكون أعظم من كل ما سبق.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية