رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 4 - الجمعة 9/5/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الرابع
تم النشر الجمعة
9/5/2025
تقدمت (تقى) بخطوات واثقة نحوه كي تمنعه من الدخول أكثر، حيث أن وجوده لا يعنيها ولا يخفيها ، لكنها لم تستطع منع نفسها من تفحص ملامحه الحادة ..
كان رجلًا طويل القامة، بشرته قمحية تليق بشخصية مهيبة، وعيناه البنية الداكنة تحملان جرأة واضحة وكبرياء لا يُخفى
رغم الثقة التي تملأ خطواتها، شعرت بوخزة خوف خافتة في قلبها من ملامحه التي توحي بالشراسة والغضب المكتوم المرسوم فى وجهه، لكنها لم تسمح لتلك المشاعر بأن تظهر فى وجهها بدت نبرة صوته متعالية عندما تحدث كأنها أمر غير قابل للنقاش، لكنها نظرت إليه بثبات وقالت فجأة بصوت حازم
- وإيه يعني (ممتاز أشرف الصاوي)؟ طز!
تجمّد في مكانه للحظة، ملامحه تحولت في جزء من الثانية من التعالي إلى صدمة ثم إلى غضبٍ عارم، قبض يده بقوة يحاول السيطرة على نفسه، وانحنى قليلًا نحوها ليخفض صوته، لكنه كان مليئًا بالحدة والتهديد
- إنتِ عارفة إنكِ كده بتلعبي بالنار يا شاطرة؟!
شعرت بأنه يقصد إهانتها، ورغم شعورها بأن الموقف قد خرج عن السيطرة، تماسكت ورفعت حاجبها بسخرية مصطنعة، محاولة أن تبدو هادئة أكثر مما تشعر، رغم الخوف الذى تسرب إلى جسدها، رغم أنه تمكّن منها ولكن أجابت بعناد
- وأنا ما بخافش من النار المهم القواعد هنا بتتطبق على الكل حتى لو على حضرتك (ممتاز أشرف الصاوي)
رددت اسمه بسخرية واضحة، فكان (ممتاز) على وشك أن يرد بشيء أكثر حدة، لكن فُتح الباب فجأة وظهر (محسن)، المدير الخاص بـ(تقى)، الذى كانت ملامح وجهه مليئة بالارتباك عندما رأى المشهد أمامه، وقال بهدوء
- على مكتبك يا (تقى) و(ممتاز) بيه وقت ما ييجي يدخل حتى لو أنا قلتلك متدخليش حد ده ما ينطبقش على (ممتاز) بيه
ابتسم (ممتاز) بتشفٍّ، وهو يرى ملامحها التي لانت، وشعرت وكأن أحدهم سكب عليها دلوًا من الماء المثلج ..
سار (ممتاز) نحو المكتب وهو لا يأبه حتى بوجود (محسن)، ودلف داخل المكتب، فنظر (محسن) إلى (تقى) وهو يقول
- زوّدتيها أوي يا (تقى) معاه .. إنتي مش عارفة ده مين؟ ده من أهم رجال الأعمال
نظرت (تقى) إلى (محسن) وهي تشعر بالضيق منه، فقد فقد هيبته أمامها تمامًا بسبب خوفه من ذلك المدعو الذي يُسمى (ممتاز) ..
عادت إلى مكتبها دون أن تتحدث، لكنها شعرت بأن كرامتها قد بُعثرت بسبب ذلك الوغد، فهي لن تمرّ ذلك الأمر بسلام أبدًا لم تعتد أن يُقلل شخص من شأنها كما فعل ذلك الأخرق ..
❈-❈-❈
استلقت (رؤى) على السرير، عيناها نصف مغلقتين، في محاولة للتغلب على التعب الذي ينهش جسدها بعد يومين من الانتظار، الذي لم تنقضِ ساعاته سريعًا شعرت وكأن الوقت توقف في مكانه، لكنها كانت تدرك أن الأيام التي قضتها هنا لم تكن إلا البداية لمشاكل أخرى قد تكون أكثر قسوة ..
سمعت خطوات قادمة من باب الغرفة ثم دخل (حازم) بهدوء، وحمل معه بعض المعدات الطبية لكى يفحصها، نظر لها مبتسماً وهو يقول
- عاملة إيه النهاردة؟
سألها بصوت هادئ
- أفضل شوية، بس مش قادرة أتحمل أكتر من كده .. عاوزة أروح
قالتها بصوت منخفض، وهي تحاول إخفاء إرهاقها
أخذ (حازم) نفسًا عميقًا قبل أن يبدأ بفحصها نظر داخل عينيها، وشعر بأنهما ممتلئتان بالحزن فكلما رآها انتابه شعور بالفضول أكثر وأكثر ..
بعد أن انتهى من فحصها، استقام وأخذ قلمه ليكتب بعض الملاحظات التفت إليها وهو يبتسم بتعاطف، قائلًا
- خلاص هكتب لك على خروج بس في أدوية لازم تكملي عليها
ثم وهو يضع الورقة جانبًا، أخرج بطاقة من جيبه وأعطاه لها
- ده عنوان العيادة بتاعتي .. في أي وقت تحبي تيجي ما تقلقيش من المصاريف خالص
شعرت (رؤى) بالعجز والضعف المفاجئ يملأ قلبها والخجل الذى تسرب إليها، لكنها حاولت أن تسيطر على مشاعرها لم تكن تحب أن يراها أحد في هذا الوضع الضعيف، خاصة من شخص لا تعرفه جيدًا تأملته للحظة، ثم أخذت البطاقة منه بصمت، متجاهلة تمامًا العطف الذي كان في صوته
- شكرًا
ردت بنبرة جافة، وهي تمسك بالبطاقة في يدها، تتمنى أن تنتهي المحادثة بأسرع وقت ..
لكن (حازم) لم يكن يريد انهاء تلك المحادثة لذا حاول أن يبتسم مجددًا، ويبدء الحديث معاها مجدداً
- أومال فين أختك؟!
أجابت باقتضاب
- بتجيب حاجات وجاية
ابتسم، ثم خرج بهدوء من الغرفة، وهة ظلت تشعر بذلك الأرتكاب اللعين ..
بينما كانت تطالع البطاقة بين يديها، شعرت بمزيج من المشاعر المتضاربة؛ بحاجة للمساعدة، لكنها لا تريد أن تظهر الضعف أمام أحد ..
❈-❈-❈
خرج (ممتاز) من مكتب (محسن)، وهو يخطو بثقة عالية، محاطًا بهالة من الكبرياء التي كانت تسير معه أينما ذهب كانت ابتسامته لا تفارق وجهه، لكن كانت هذه الابتسامة تحمل في طياتها نوعًا من الشماتة الموجهة نحو (تقى) التى علمت من هو بالتأكيد وينتظر الأعتذار منها اقترب منها ببطء، وعيناه تراقبان رد فعلها ..
حيث كانت جالسة خلف مكتبها، تقلب الأوراق بنظرة شاردة، ورغم انها تشعر بأنظاره نحوها لكنها تجاهلت وجوده تماماً لم ترفع رأسها لتلتقي بعينيه، بل ظلّت مشغولة في ترتيب الأوراق لكن ابتسامته التي بدأت تظهر أكثر كانت تشير إلى أنه يريد أن يراها وهي تتراجع وتعتذر له ..
أخيرًا، وقف أمامها منتصبًا، ولامعًا بنظراته، وعلى الرغم انه استمتع بكل لحظة من تلك المواجهة التي جرت بينهما، لكن تسائل فى نفسه إذا كانت ستعترف بخطئها أو ستكتفي بالصمت ..
شعرت بأنه لا يريد الأنصراف ومازالت أنظاره معلقة عليها فرفعت رأسها أخيرًا، وأطلقت كلماتها بصوت ثابت، رغم إحساسها الداخلي بالحيرة والقلق منه
- أوعى تفتكر إن بالطريقة دي هخاف أو أكش منك أو حتى أحترمك
كان التحدي واضحًا في كلماتها، لكنها لم تكن تعلم أن ردها هذا سيشعل نيران غضب (ممتاز) تأمل وجهها بغيظ شديد، ثم قال بصوت متهدّج يكتنفه الغضب
- إنتِ إيه؟ مبتتهديش يعني؟ مش كفاية الكسفة اللي اتكسفتيها؟ لسه ليكي عين تتكلمي برضه؟
قالها وكأنه لا يُصدّق أنها لم تتراجع عن كبريائها ذاك، فقد جُرحت كرامته في تلك اللحظة ..
أشاحت (تقى) بوجهها بعيدًا عنه، محاولة أن تُخفي ردود فعلها الداخلية وتحافظ على هدوئها قدر الإمكان، ثم عادت لنظراتها التي كانت مُركّزة على الأوراق التي أمامها، تسعى للانشغال بها لتمنح نفسها بعض الوقت لتهدئة أعصابها
- مش فاضية .. ورايا شغل
قالتها بنبرة جافة، لكن كلماتها كانت تحمل في طياتها أنها لا تريد التعامل مع استفزازاته وإنهاء تلك المحادثة السخيفة ..
شعر (ممتاز) حينها بالإهانة، لكنه لم يكن ليقبل بتلك السهولة أن يتغاضى عن أسلوبها ذاك، وقال بضيق واضح، وبصوت مملوء بالتهديد
- أنا لو عاوز أمشيكي من هنا في ثانية هتكوني مرمية برّه
ثم تركها في صمت مطبق، بعد أن سمعته يتراجع خطوةً للخلف، قبل أن يغادر الغرفة ..
بينما بقيت (تقى) جالسة في مكانها، لم تشعر إلا بتيارات من القلق تتسلل إليها، لكنها حاولت أن تتجاهلها، فهي تعلم جيدًا أنه يستطيع فعلها لما رأته من احترام صاحب الشركة له، ولكنها صرّت على أسنانها بضيق، وهي لا تعلم ماذا سيفعل ذلك الأخرق ..
❈-❈-❈
في عصر اليوم
جلست (رغد) أمام المرآة وهي تضع بعضًا من مساحيق التجميل، منتظرة عودة (حسن) فمنذ الأمس وما حدث، لم يُحدثها ولم يُكلمها هي تشعر بالغيرة عليه بشدة، هي تحبه، بل تعشقه، ولكن تلك الغيرة التي تشعر بها تنهش قلبها بمجرد أن تتخيله يتحدث مع أُخرى ..
تفحّصت (رغد) ملامح وجهها، فهي لم تكن جميلة بشكل لافت، لكنها تمتلك ملامح مميزة تجذب الانتباه بطريقتها الخاصة وجهها البيضاوي الصغير، وعيناها البنيتان الضيقتان، شفَتاها الرفيعتان التي لا تعجبها، فهي تعشق الفم الممتلئ قليلًا الذي تراه في فتيات أُخريات ..
فعدم رضاها عن مظهرها الخارجي جعلها تشك دومًا بأن (حسن) سينظر إلى أُخريات ..
تنهدت أمام المرآة وهي تمشط شعرها البني، حتى استمعت إلى صوت باب الشقة يُفتح، فنهضت وهي تتأمل مظهرها بعناية أمام المرآة، ثم خرجت مسرعة كي تستقبله ..
وجدته، ويبدو على ملامح وجهه بعضٌ من الضجر، فاقتربت منه وهي تسأله
- إنت لسه زعلان مني يا (حسن)؟
نظر إليها وهو يتأملها، فقد كانت ترتدي منامة حريرية باللون الوردي، فابتسم قليلًا لمظهرها وهزّ رأسه نافيًا، ثم اقترب منها وقبّل رأسها بحنان وهو يقول
- إنتي عارفة يا (رغد) إني بحبك ومش ممكن أزعل منك أبدًا .. أنا بس عاوز يبقى في بينّا ثقة أنا مش راجل خاين بطبعي علشان تشكي فيّا
شعرت بسعادة تغمرها، ونظرت لأسفل وهي تشعر بالخجل من نفسها، ثم قالت
- عارفة إنك مش خاين .. بس بخاف يا (حسن) .. بخاف لو يعني ممكن تبيعني وتحب غيري
نظر (حسن) إليها بعمق، للحظة ظلّت عيناه تراقبان ملامحها المرتبكة، وكأنهما تحاولان تهدئتها دون كلمات تنهد ببطء، ثم اقترب منها وأمسك بيديها بحنان واضح، صوته خرج منخفضًا
- بصي يا (رغد) لو كنت ممكن أحب حد تاني مكنتش اخترتك من البداية إنتي كل حاجة عندي وبخوفك ده بتظلمي نفسك وبتظلميني معاكى
كانت نبرته دافئة، وكأنه يحاول طمأنتها، وفي الوقت نفسه يريد إنهاء هذه الهواجس التي بدأت تأخذ حيز كبيراً في علاقتهما، ابتسم ابتسامة خفيفة، ثم أضاف وهو ينظر في عينيها مباشرة
- ممكن بقى تروحي تغيري لبسك؟ عشان ناوي نتعشى برّه .. إيه رأيك يا سِتّي؟
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها كأنها طفلة سمعت خبرًا سعيدًا شعرت بدفء يسري في قلبها، لم تستطع إخفاءه، ونظرت له نظرة ممتنة تحاول أن تُخفي فرحتها، لكن خديها المتوردين فضحا شعورها ثم تظاهرت بالهدوء وهي تقول بصوت ناعم
- ثواني وهكون عندك
ثم همّت لترحل مسرعة لتبدّل ملابسها، وكادت أن تتعثر لولا أنه أمسك بها قبل أن تقع، وهزّ رأسه بآسى وهو يقول
- نعمل الحاجة بالراحة بعد كده .. في طفل جواكي متنسيش
هزّت رأسها إيجابًا وهي تضع خصلات شعرها خلف أذنيها، ثم قالت
- معلش من الفرحة بقى .. أصلك مش كل يوم بتخرجني يا سيادة الظابط
- روحي يا (رغد) .. روحي البسي، ربنا يهديكي.
❈-❈-❈
بعد أن انتهى (حازم) من عمله وذهب إلى المنزل، وتناول الغداء مع والدته وشقيقته، صعد إلى سطح المنزل لكي يجلس مع صديقه (رعد) كان يحمل كوبًا من القهوة بيده، وأطلق أنفاسه بعمق عندما استقبلته أولى نسمات الليل الباردة ..
اقترب من (رعد) وقام بفك وثاق السلسلة الخاصة به، الذى ركض نحوه بحماس، ذيله يهتز بفرح واضح ..
جلس (حازم) على الكرسي الحديدي، ومدّ يده ليمسح على رأس (رعد) الذي استلقى عند قدميه وكأنه وجد ملاذه الآمن
ابتسم (حازم) ابتسامة دافئة لم تزر شفتيه منذ زمن بعيد، تلك الابتسامة التي لم يعد يظن أنها قادرة على الظهور بعد ما مر به ..
كان ذهنه مشغولًا بذكرياته مع (رانيا)، زوجته التي لم تغادر قلبه قط حتى بعد الطلاق فهي تعمل معه في نفس المشفى التي يعمل بها، ووجودها في نفس المشفى جعله لا يغادرها أبدًا، لكي يطمئن عليها، وعلى وجودها كى ينعم بقربها لو لبعض الوقت فهو غير قادر على أن تكون (رانيا) خارج حياته أبدًا ..
ففي صباح اليوم، تلاقت أعينهما فجأة كانت عيناها تحملان شيئًا مألوفًا شوقًا دفينًا أو ربما ندمًا لا يعرف ولكنها اطالت اليوم النظر داخل عينيه حينها شعر بأنها لا تزال تحبه كما يحبها هو، فعيناها لم تكذبا عليه يومًا ..
ثم همس بصوت بالكاد يسمعه (رعد)
- لسه بحبها يا (رعد) .. ولسه عندي أمل إنها ترجع .. يمكن تكون بتحس زي ما بحس
نظر (رعد) إليه بعينيه ، وكأنه يفهم كل كلمة قالها نبح نباحًا خافتًا، فربّت (حازم) على رأسه مرة أخرى وهو يقول بابتسامة باهتة
- انت كمان شايف كده ؟ حتى إنت موافقني .. أنا نفسي إننا نرجع تاني لبعض بس مش عارف هي هتقدر على ده من تاني ولا لا .. بس نظراتها ليا الصبح حسّيت إني وحشتها زي ما هي وحشاني
كانت تلك اللحظات القليلة على السطح، وسط الصمت والسماء الواسعة، كافية لتجعله يشعر بسلام مؤقت في ذلك الأمل الذي بدأ يدق باب قلبه، حتى لو بدا مستحيلًا ..
❈-❈-❈
ذهبت إلى المنزل أخيرًا بعد أن قضت يومين بالمشفى طلبت من شقيقتها أن تجلس بمفردها لبعض الوقت، فوافقتها وذهبت لكي تُعدّ لها الطعام ..
فاتجهت (جود) إلى المطبخ، بينما توجهت (رؤى) نحو غرفتها
ظلّت تفكر في حديث الطبيب، وأن الإجهاض بالفعل شيء محرّم، ولكن ظروفها ما دفعها للتفكير في ذلك ..
فكّرت قليلًا وتذكرت أن رقم هاتف (سامر) معها، فلم لا تُحدثه وتطلب منه العون؟ فهو يبدو ودودًا، غير شقيقه بالمرة، ولربما وجد لها حلًا عليها هي التحدث، فالأمر يعنيها وحدها، هي التي تحتاج إلى مساعدته ..
أمسكت الهاتف، ثم بحثت عن رقم هاتفه وقامت بالاتصال به
وضعت الهاتف على أذنها، وكانت دقات قلبها تتسارع، فلا تعلم رد فعله من تلك المحادثة، حتى استمعت إلى صوته على الجهة الأخرى:
- ألو؟
ازدردت ريقها بصعوبة ثم قالت
- (سامر أشرف الصاوي)... مش كده؟
- أيوة يا (رؤى)
اطمأنت حين وجدته يعلم رقم هاتفها، فهو قد اهتم بالفعل وسجّل رقم هاتفها لذا سألته متأملة فيه خيرًا
- كلمت (ممتاز) تاني؟ صدقني أنا مش عاوزة فلوس ليا ولا عاوزة أي حاجة كل اللي طالبة بس إن ابني يبقى ليه اسم مش عاوزة أكتر من كده
شعر (سامر) ببعض التوتر، لكنه أجابها بهدوء
- أنا كلمته وهو مردش عليا .. بس أنا هكلمه تاني، متقلقيش
ثم صمت قليلًا وتابع بخبث
- الطفل اللي جاي ملوش ذنب طبعًا .. وأنا هحاول أقنع (ممتاز) متقلقيش وهقوله إنك مش طالبة فلوس ولا أي حاجة
شعرت بالامتنان نحو (سامر)، ثم أجابته وهي تقول
- صدقني أنا مش عاوزة فلوس ومستعدة أعمل أي حاجة عشان أثبت لـ (ممتاز) كده .. عمومًا هستنى مكالمتك جدًا أرجوك متتأخرش عليا
- أكيد مش هتأخر عليكي وهيبقى في بينا كلام كتير
كان صوته خفيفًا، ولكنه يحمل معنًى ضمنيًا في كلامه، و(رؤى) لم تكن بحاجة إلى الكثير من التفكير لتدرك أنه لا يريد فقط مساعدتها، بل كان ينتظر شيئًا في المقابل ..
وبينما استمعت إلى تلك الكلمات، كانت (رؤى) تظن أنها ستلتقط المساعدة الحقيقية منه، فأضافت بسرعة
- تمام متتأخرش عليا لو سمحت
ابتسم بهدوء داخليًا، فكان على يقين أن كل شيء يسير كما خَطّط له، وأغلق معها الهاتف ..
توجه (سامر) نحو مكتب (ممتاز)، وهو لا يعرف ماذا عليه أن يُخبره، فبالتأكيد سيسأله من أين حصلت (رؤى) على رقم هاتفه شعر بتوتر بالغ، لكنه قرر إخباره بما حدث، وعليه أن يرى ماذا سيكون ردّة فعل شقيقه ..
طرق باب المكتب الخاص به ليستمع إلى إذن بالدخول، ففتح (سامر) الباب ودلف إلى الداخل ليجد (ممتاز) يعمل في بعض الملفات التي أمامه ازدرد ريقه بصعوبة، ثم قال متلعثمًا
- أ.. أنا مش عارف اللي اسمها (رؤى) دي جابت رقم تليفوني منين بس اتصلت بيا وعاوزة تكلمك تاني بخصوص الطفل اللي في بطنها
ترك (ممتاز) الملفات التي بيده، وحدق في شقيقه لوهلة، وضيق عيناه بعدم تصديق، فهو يعلم شقيقه اللعوب جيدًا، لا بد وأنه أخذ رقم هاتفها عن قصد، ولكنه لم يهتم وقال
- وعاوزة إيه ست (رؤى) هانم؟!
شعر (سامر) بارتباك، ولكنه قال
- هي بتقول مش عاوزة فلوس ولا عاوزة أي حاجة هي عاوزة اسم لابنها وبس وعيَّل يتكتب باسم العيلة
ابتسم (ممتاز) بسخرية، ثم تحدث باهتمام واضح
- إنت بتخيل عليك الحركات دي؟! دي بنت .. عاوزة تتمسكن لحد ما تتمكن .. قال مش عاوزة فلوس قال والفضايح اللي هتحصل من وجود الطفل ده!
صمت (ممتاز) وهو يشتعل غيظًا، ولكنه فكر قليلًا في كلام المحامي الخاص به، فعليه التحلي بالصبر، فعض شفتاه بغيظ شديد ثم قال
- ماشي يا (رؤى) .. صبرك عليا
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ..
استمعت (رؤى) إلى صوت أحدهم يطرق باب الشقة الخاصة بهم، ففتحت الباب لتُصدم من وجود (ممتاز) أمامها شعرت بتوتر كبير، وجفَّ حلقها تمامًا، فقد حدَّثها (ممتاز) بالأمس وطلب منها عنوان بيتها الذي تقطن به، ولكنها لم تتخيل أنه سيأتي بتلك السرعة شعرت بأن أنفاسها قد احتُبست تمامًا، ليتقدم هو بخطواته الواثقة إلى الأمام، لتتراجع هي إلى الخلف كي يدخل المنزل ظل يتفحص المنزل البسيط الذي تسكن فيه، وظهرت على وجهه ملامح السخرية والتهكم، فأشارت له كي يدخل إلى الداخل، فجلس وهو يشعر بالاشمئزاز قليلًا، ثم نظر لها وهو يقول
- مستعدة تعملي تحليل DNA؟!
رمشت بعينها قليلًا، وشعرت بإهانة كبيرة، وكأنه يشكك في كرامتها وأخلاقها، لكنها حاولت أن تخفي غضبها، فأخذت نفسًا عميقًا لتستعيد تماسكها، ووقفت أمامه بثبات، وقالت بصوت منخفض لكن حازم
- أنا مستعدة أعمل التحليل لو ده هيخليك تتأكد من اللي بقوله
ابتسم (ممتاز) بسخرية ثم قال
- كويس إنك واثقة أوي كده .. زي ما أنا واثق إن النتيجة هتطلع سلبية بس ساعتها مش هرحمك
شعرت (رؤى) بيدها ترتجف، لكنها أخفتها خلف ظهرها، وأجابته بصوت خافت، لكنها حاولت أن تبدو قوية
- ما عنديش حاجة أخاف منها .. أنا مش محتاجة منك غير حق إن ابني يتسجل باسم أب، ميعيش منبوذ طول عمره
ضحك ضحكة قصيرة، ثم مال بجسده قليلًا للأمام، وقال بنبرة خبيثة
- إنتي هتعمليهم عليا؟!
نظرت إليه بدهشة، ثم شعرت أن كلماتها تختنق في حلقها، لكنها قالت بثقة مصطنعة
- اللي يهمني ابني وبس .. أنا مش عاوزة منك حاجة
نهض (ممتاز) من مكانه، ونفض الغبار الوهمي عن بدلته، ثم قال ببرود
- خلاص .. استعدي للتحليل قريب هاجي آخدك بكرة ونروح نعمله
توجه إلى الباب بخطوات بطيئة وواثقة، ثم التفت إليها وقال بابتسامة باردة
- وإياكي تحاولي تلعبِي أي لعبة معايا لأنك مش قدها
بمجرد أن غادر، شعرت (رؤى) وكأن الهواء عاد ليتسلل إلى صدرها بعد اختناق دام طوال تلك المحادثة وقفت في مكانها للحظات، تحاول أن تستوعب ما حدث، ثم جلست على أقرب مقعد، وهي تحتضن بطنها بيدها، بينما تساقطت دموعها بصمت ..
يتبع...