-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 24 - الأحد 13/7/2025

 

قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل الرابع والعشرون 

تم النشر الأحد 

13/7/2025


وقف (حازم) أمام الخزانة يُبدّل ملابسه استعدادًا للذهاب إلى العيادة، وقد كان عقله شارد في مكان آخر، بل في شخص آخر فى كل ما حدث بالأمس ..

شدّ أزرار قميصه بأنامله المتوترة ثم أطلق زفرة طويلة، وهو يُشيح بوجهه عن المرآة عاجزًا عن مواجهة انعكاسه، لا يصدق أنه صرح بحبه لها بالأمس وهو يرى أنه غير مناسبا لها تماماً ولا مناسب لأى شخص آخر ..

رفع رأسه ومرر أصابعه فى شعره بانفعال، لم يكن يملك إجابة واحدة على عشرات الأسئلة التى تفتك بعقله منذ الأمس، لم يجرؤ حتى على مواجهة والدته ليس ضعف منه، لكنه خائف من المواجهة التى ستحدث ولا مفر لها ..

حتى قطع شروده صوت طرق خفيف على الباب، فاعتدل فى وقفته وشد من هندامه قليلًا قبل أن يسمح لمن بالخارج بالدخول ..

انفتح الباب بهدوء وظهرت والدته، لم يتفاجأ كان يعلم أنها ستأتى، يعلم أنها تريد أن تسأله عن ما حدث بالأمس واعترافه بأنه يحب (رؤى) ورغم محاولاته منذ الأمس فى تجنب الحديث معها إلا أنه يبدو أن المواجهة قد حان وقتها ..

دلفت وهى تتأمله بصمت، ثم قالت بصوت دافئ 

- ممكن أعرف .. إنت بتحب (رؤى) من إمتى؟ وليه مقولتليش؟ وسايبنى أفكر إزاى أجمعك إنت و (رغد) ؟

تجمد (حازم) مكانه نظر لها نظرة مرتبكة، فالكلمات صدمته فجأة على صدره حتى لو يتوقعها، تنفس بعمق ثم حرك رأسه نافيًا وهو يحاول الهروب

- ماما .. الموضوع مش مهم .. وانسي اللى سمعتيه امبارح كأنه محصلش أنا لا أنفع لا ل (رؤى) .. ولا ل (رغد) .. ولا لأى واحدة أصلاً

نظرت إليه مطولًا شعرت أن الحزن يُملئ كلماته ومن الطريقة التى يفكر بها، فاقتربت وجلست على طرف الفراش ثم تحدثت بنبرة تحمل فى قلبها ألف وجع

- إنت المفروض كبير .. واعى .. وفاهم مش بس كده إنت دكتور يا (حازم) وعارف إن دى مشيئة ربنا

وفى ناس كتير كده .. مش إنت لوحدك رجالة وستات كتير مش بيخلفوا بس بيبقوا مع شريك حياة متفهم .. بيحبهم ومش مهم عنده الخلفة لا المهم هما نفسهم إدى لنفسك فرصة .. متقفلش على قلبك متبقاش قاسى على نفسك كده

أطرق (حازم) برأسه لأسفل، ثم قبض على كفيه بقوة بعدها قال بصوت خافت لكنه ممتلئ بالضيق

- أنا مش عاوز أئذى حد يا ماما .. مش عاوز أبقى حمل على حد وحابب انها بتكنلى احترام .. مش عاوز ده يتحول فى يوم من الأيام لكره من أن أنا حرمتها من حاجة أى حد يتمنّاها

ثم صمت لبعض الوقت قبل أن يغلف نبرة صوته الحزن متابعاً حديثه

- إنتى عارفة كويس إن ناس كتير مش بيكتفوا بابن واحد ولو لا قدر الله فقدته هتحس إنها عاوزة تعوضه .. ومش هتقدر مش هتقدر تعمل ده طول ماهى معايا هتكرهنى وهتكره انها فى يوم اختارتنى

أغمضت والدته عينيها بألم ثم حركت رأسها يمينًا ويسارًا ببطء بآسى على طريقة تفكيره تلك، ثم قالت

- إنت فاكر يا (حازم) إن أى أم أو أب ممكن يعوضوا عيالهم بالخلفة تانى؟ .. كل واحد ليه معزة ليه طريقة فى الحب ليه مكان فى القلب مفيش غيره بيملاه وجودك إنت و(تقى) فى حياتى ما منعنيش إنى اتقهر على (حسن) يوم ما مات

فى ناس بيخلفوا خمسة وستة ويفقدوهم مرة واحدة ده قضاء ربنا محدش بيقدر يغيره ولا يمنعه وانت عارف كده كويس

صمتت لحظة ثم أخدت نفس عميق، تحاول أن تستجمع قواها ثم تابعت

- أنا مش عارفة إنت ليه يائس كده؟ أنا لما فكرت إنك تتجوز (رغد) ماكنتش بفكر فى الخلفة خالص وانها عشان خلفت خلاص انت ممكن تتجوزها أنا فكرت إنها صغيرة .. ومش المفروض تعيش عمرها لوحدها وده من حقها .. ومن حقى أنا كمان إنى أربى حفيدى وإنه ميبعدش عنى

نظرت له نظرة حزين ثم تابعت حديثها

- الأيام اللى فاتت شفت نظراتها ليك صحيح مش حب بس مش كره برده كانت مبسوطة إنك جنبها وجنب ابنها

يمكن بتشوف فيك (حسن) .. يمكن بتحس بالأمان بس أنا .. كنت أنانية فكرت فى نفسى ونسيتك ونسيتها نسيت إن ليكوا قلب .. ومن حقه يختار

اقتربت منه أكثر وقالت بصدق شديد

- وبما إن قلبك اختار (رؤى) .. فأنا مش ممانعة بالعكس

(رؤى) إنسانة كويسة .. وغلبانة كمان

صمتت لثوانٍ ثم أكملت بصوت فيه رجاء

- اعمل اللى إنت عاوزه يا (حازم) .. بس حاسب حاسب انك ممكن تخسر حد هو كمان بيحبك .. عشان أوهام فى دماغك ملهاش أساس

حاول أن يجيبها أن يقول شيئًا لكن سبقت كلماته

- أنا مش عاوزة منك رد دلوقتى أنا بس عاوزاك تفكر فى كلامى كويس وسواء (رؤى) وافقت .. أو رفضت .. متضيعش من ايدك بنت إنت بتحبها عشان شكوك وأوهام فى دماغك

نهضت بهدوء وخرجت من الغرفة وهى تُغلق الباب خلفها برفق، حينها جلس (حازم) على طرف الفراش الخاص به ودفن رأسه بين راحتيه وصمت ..

تتردد كلمات والداته فى عقله كصدى لا يهدأ .. لقد شعر أن الآوانة الأخيرة أن (رؤى) تهتم لأمره ولو قليلاً، يخشى أن يتحول حبها القليل له يوماً ما لكره عندما يجرى بها العمر وتلومه عن انه منعها من أن تحيا حياة أسرية طبيعية كأى شخص طبيعى ..

كان خوفه أكبر من حبه .. وكان الشك أثقل من الأمل لقد مر بتلك المشاعر سابقاً مع (رانيا) ولا يريد أن يكررها مع (رؤى) لذا يفضل الأبتعاد وأن يبقى له فى قلبها مكانة خاصة قبل أن تتحول تلك المكانة لكره ..

❈-❈-❈

دخل العيادة الخاصة به، تجنب النظر نحو (رؤى) قدر استطاعته وكان لا يتعامل معاها سوا فى العمل ومهتم بفحص المرضى الخاصة به، وما أن انتهى من فحص جميع المرضى بقى فى مكتبه تجنباً من أن يراها بالخارج، ينتظر خروجها بالعيادة بأكملها حتى يرحل هو الأخر ..

أما (رؤى) فكانت تشعر بالقلق تمسك بقلم ثم تضعه مرة أخرى على المكتب، تعود إلى مكانها ثم تنهض مجددًا حتى وقفت وظلت تجوب الغرفة جيئةً وذهابًا، لم تكن تعرف هل عليها أن تتحدث إليه؟ وهل عندما اعترف لها بتلك المشاعر الحادة المنفعلة كان صادق معها ؟ أم أنه تراجع عنها الآن؟ الأسئلة تتزاحم بداخل عقلها ولا تعرف فى ماذا يجب أن تتحدث

مر الوقت بطيئًا، وما إن سمعت باب مكتبه يُفتح حتى انتفض قلبها دون أن تتحرك من مكانها ظلت بمكانها دون حركة .. فوجدت نفسها في مواجهته تقف عند باب العيادة وملامحها متوترة ولا تعرف فيما يجب أن تتحدث معه ..

توقف (حازم) في مكانه، نظر إليها للحظة ثم ابتلع ريقه بصعوبة قبل أن يقول بنبرة خافتة

- افتكرتك روحتى 

تقطبت ملامحها وظهر الضيق بين حاجبيها، كلماته تلك طعنتها، تشعر بإنه يتهرب منها ومن الحديث معها لذا هزت رأسها بالنفي وقالت وهى تريد حسم ذلك الأمر

- دكتور (حازم) .. هو انت فعلاً بتحبني زي ما قلت؟ ولا ده كان كلام وسط انفعالك بس؟

بدت عليه المفاجأة من أنها بدأت بالحديث عن ذلك الأمر دون أى مقدمات، لم يكن مستعدًا لهذا السؤال تحديدًا ارتبك للحظة ثم تنحنح وقال وهو يحاول تدارك ارتباكه

- بُصي يا (رؤى) .. أنا عارف إني قولتلك مشاعري بشكل غريب ومكنش المفروض أقولها كده ولا حتى أضغط عليكي بحاجة إنتي مش عايزاها .. بس يعني .. أنا فاهم إنك مش بتفكري في الجواز دلوقتي ولا الارتباط .. واللي اسمه (زين) ده أصلاً مش مناسب ليكي ومش كويس .. وكان لازم تقوليلي إنه بيضايقك بالكلام

ابتسمت برقة شعرت بمشاعره رغم طريقته المتحفظة، فهو لا يريد الحديث بطريقة مباشرة ولكن هذا في حد ذاته كان كافيًا لأسعادها، تنفست بعمق وقالت

- بالنسبة ل (زين) .. هو بصراحة مش فارق معايا خالص .. بس انت .. انت اللي بتهمني يا (حازم)

تلاقت نظراتهما للحظة وفي عينيها اعترافٌ واضح لم تحتاج فيه إلى أي كلمات، وما إن شعرت بأنها اعترفت بحبه لتوها حتى أشاحت ببصرها وقد لون الخجل وجنتيها ..

اقترب منها بهدوء ووقف أمامها مباشرة، ثم قال بابتسامة صغيرة

- يعني أفهم من ده إيه؟

زفرت في ضيق ونظرت له نظرة معاتبة قبل أن تقول بنبرة خفيفة من الغضب

- مش معقول! المفروض أقولك إيه عشان تبقى فاهم إني موافقة؟! انت غريب أوي انت دخلت طب خاص؟!

ضحك بخفة فقد شعر بالراحة أخيرًا ثم قال

- إنتي عارفة السبب اللي مانعني من الجواز قولتهولك قبل كده .. مش عاوزك تستعجلى وتندمى بعد كده انتى عارفة كويس ان قرار زى ده لازم يتفكر فيه كويس عشان تبقى مرتاحة ومش ندمانة بعد كده خالص فى حياتك أو معايا بمعنى اصح

رفعت عينيها إليه تلمح في ملامحه ذلك الحزن الدفين، تعرف جيدًا أن زواجه السابق وانفصال زوجته عنه بسبب عدم الإنجاب قد ترك شرخًا بداخله، لكنها أيضًا تعرف أنها ليست بحاجة لأي شيء آخر سوى وجوده بحياتها

- أنا وافقت وأنا عارفة ظروفك يا (حازم) وصدقني أنا مش عاوزة أكتر من وجودك في حياتي مانا اتجوزت قبل كده وخلفت كانت حياتي سعيدة يعني؟! مش مهم وجود أطفال مش أهم من وجودك إنت فى حياتى

غمره شعور بالسعادة لم يذقه منذ زمن ابتسم بحرارة وقال

- تمام .. أنا هكلم والدك وأقوله ..

عبثت ملامح وجهها تمامًا عندما ذكر والدها فعقد حاجبيه وسأل بقلق

- في إيه؟ وشك قلب كده ليه؟

أخذت نفسًا عميقًا وقالت بصدق حزين

- مش عايزة بابا يستغلك في أي حاجة إنت عارفه كويس .. وعارف إنه مش بيجوزني من غير مقابل

نظر في عينيها طويلًا ثم قال بصوت مطمئن

- اهدي .. مش عايزك تفكري في أي حاجة كل حاجة هتمشي طبيعي متقلقيش .. إنتي بس

ابتسمت له وقد شعرت بالسكينة تتسلل لقلبها أخيرًا ثم قال وهو يمد يده ناحيتها دون أن يلمسها 

- طب يلا عشان أوصلك

رفعت حاجبيها بدهشة وقالت بلهجة حازمة

- وهو إيه اللي جد عشان توصلني؟! احنا زي ما احنا لحد ما يكون في ارتباط رسمي

هز رأسه بعدم اقتناع وقال

- مش معقول كده يا (رؤى) .. يعني المفروض أسيبك تركبي مواصلات لوحدك عادي؟! إذا كنت لما مكنش في بينا حاجة كنت بضايق ما بالك دلوقتي!

صمتت للحظة، ثم قالت بحسم

- برده لأ .. خليني مرتاحة كده أحسن

أومأ برأسه بأسى، ثم اكتفى بمراقبتها وهي تبتعد قبل أن يتمتم لنفسه وهو يراقب ظهرها

- مش عاقلة خالص البنت دي ..

❈-❈-❈

وقفت (رؤى) تسقي الورود التي اشترتها مؤخرًا والتي بدأت تتفتح بلونها الوردي الهادئ كأنها تزهر لأول مرة منذ زمن النسيم يلامس وجنتيها برقة والهدوء يلف المكان، حتى قطع ذلك الصوت صوت جرس الباب ..

رن جرس الباب بشكل مفاجئ فتوقفت يدها عن سكب الماء رفعت رأسها ببطء ثم نهضت متجهة نحو الباب ..

فتحت الباب لتتفاجأ بعينين تعرفهما جيدًا تقف أمامها فقد كانت (رغد) ..

تحمل صغيرها على كتفها لتقول (رؤى) غير متوقعة

- (رغد) ؟!

قالتها بدهشة ظاهرة على وجهها، ابتسمت (رغد) ابتسامة خافتة

- ممكن أتكلم معاكى شوية؟

لم تعرف (رؤى) ما تقول شعرت بارتباك خفيف، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها وفتحت الباب على وسعه

- أه طبعًا .. اتفضّلي ادخلى 

دخلت (رغد) بهدوء وجلست على أقرب أريكة، بينما اتجهت (رؤى) لإغلاق الباب ثم جلست بجوارها بعد لحظة صمت قصيرة لتقول لها

- عاملة إيه؟ وابنك عامل إيه؟

- الحمد لله بخير

صمتت قليلًا كأنها تجمع كلماتها ثم تنهدت ببطء وقالت

- أنا عارفة إن إحنا مش قريبين لبعض .. بس كنت حابة أتكلم معاكى شوية

ابتسمت (رؤى) لها في محاولة لتلطيف الأجواء بينهما

- أكيد اتكلمي براحتك

نظرت (رغد) إليها مباشرةً ثم قالت بنبرة صادقة

- أنا عارفة إن أول موقف بينا مكنش لطيف .. وأنا كنت قليلة الذوق معاكى حبيت أعتذر حسيت إن بقى في حساسية فى الكلام بينا بسببه صحيح انه فات وقت طويل على الموضوع ده بس برده الزعل مش بيتنسى

ابتست (رؤى) بلطف ورفعت حاجبًا خفيفًا

- لا خالص أنا نسيت الموضوع .. مش مستاهل أننا نتكلم فيه اصلا

ابتسمت (رغد) برقة ثم أجابتها

- بس كان لازم أقولك كده .. خصوصًا إننا بنشوف بعض كتير وعشان ميكونش في اى زعل بينا وبعدين .. اللى عرفته إن (حازم) عاوز يتجوزك ماما قالتلي وأنا بصراحة مبسوطة ليكوا بجد

نهضت (رغد) بعد كلماتها تلك ترفع ابنها بيد وتضبط شنطة صغيرة على كتفها الأخرى وهى تقول 

- هستأذن أنا بقى .. عشان هروح اقعد عند ماما وإخواتي فهقعد معاهم شوية وبعدين أرجع شقتي

نظرت إليها (رؤى) للحظة ثم قالت بنبرة ناعمة

- إن شاء الله ربنا يعوضك عن كل تعب وحزن شوفتيه

ابتسمت (رغد) لكنها لم تكن ابتسامة فرح بل تلك الابتسامة التي تخفي وجعًا اعتادت عليه ثم قالت

- ربنا عوّضني بابني من (حسن) .. ومش عايزة حاجة تاني من الدنيا وإن شاء الله المرة الجاية لما أجي .. تكوني انتى و(حازم) اتجوزتوا

بادلتها (رؤى) ابتسامة حزينة، ثم ودّعتها وأغلقت الباب ثم استندت برفق عليه وأغمضت عينيها لثوانٍ قبل أن تخبر نفسها بأن تلك الحياة قصيرة بشكل مخيف ومرعب وتغير من صفات البشر دون حتى مقدمات وأن الحزن يبدل الأشخاص تماماً ويجعلهم يعيدوا حساباتهم مرة آخرى من جديد ..

❈-❈-❈

مرّ أسبوعٌ على الجميع حينها قد صدر حكم المحكمة أخيرًا بإثبات زواج (رؤى) من (أشرف الصاوي)، حينها شعرت بسعادة بالغة وأن ما سعت إليه قد فعلته أخيراً، حينها تقدّم (تميم) محاميها الخاص بطلبٍ لإثبات نسب ابنها إلى (أشرف) ..

وفي الجانب الآخر كان الغضب ينهش قلب (ممتاز) لم يكن مستعدًا لتقبّل فكرة أن (رؤى) استطاعت الانتصار، كان سيوافق على انتصارها ذاك لو كانت (تقى) معه لكن (تُقى) تركته دون رجعة، أصبح لا يراها لا يسمع عنها ولا يستطيع حتى أن يتعقّب ظلها فقدت تركت الوظيفة الخاصة بها فى شركة صديقه، ولا يستطيع الوصول لها الآن وتلاشت طرق الوصول إليها لكن قلبه أبى الاستسلام كان مقتنعًا تمامًا أنه سيعيدها إليه مهما كلّف الأمر ..

أما (تُقى) فعلى الرغم من عزلتها داخل المنزل، كانت تجد في اهتمام (حازم) بها دفءٍ شقّ جليد حزنها، بل كان يحاول بكل الطرق أن يخرجها من تلك العتمة التي تسكن عينيها حتى (رؤى) رغم مشاغلها كانت تحاول الاقتراب منها علّها تهون عليها فراق الشخص الذى أحبته ..

في هذه الأثناء كان (حمدي) يواصل تحقيقه في قضية موت (حسن) دون كلل، وأخيرًا نجح في القبض على الرجل الذي عبث بفرامل سيارة (حسن) ساعات طويلة قضاها في استجوابه، حتى انهار واعترف بالحقيقة المفزعة بإن (ممتاز أشرف الصاوي) هو من أمره بذلك ..

تجمّدت الدماء في عروق (حمدي) لم يكن يتخيّل أن القاتل الذي ظل يطارده هو ذاته الرجل الذي أحبّته (تُقى)، التى لم تكن تحتمل فكرة أن يكون (حسن) قد مات بسبب أحد أفراد عائلته .. فكيف ستتقبل الآن أن من حرّض على قتله هو (ممتاز) نفسه؟

في الظهيرة تلقّت والدة (سيف) اتصالًا من سيدة مُسنة تقطن حيث منزل والد (رؤى) جارة قديمة للراحل له والد وأخبرتها بصوت مبحوح أن زوج شقيقتها قد مات وحيدًا في شقته بعد أن تصاعدت منه رائحة نفاذة دفعت الجيران إلى الإبلاغ ليكتشف الجميع أن موته كان نتيجة جرعة زائدة من المخدر الذى يأخذه نهايته كانت امتدادًا لحياته التي اختارها ..

لم تحزن عليه خالة (رؤى) بل شعرت بالارتياح من أجل بنات شقيقتها الراحلة وشعرت أن تلك نهاية عادلة للظلم الذى ظلمه لبنات شقيقتها، حينها قامت بإخبار (سيف) وطلبت منه أن يذهبوا سويا حيث تعيش كلا من (رؤى) و (جود) كى يخبروهم بما حدث لوالداهم ..

عند غروب الشمس كانت (رؤى) تجلس في غرفة المعيشة تُقلّب بين صفحات كتاب دون تركيز، و(جُود) كانت تنشّف شعرها بعد الاستحمام حينما دق جرس الباب ..

توجهت (رؤى) لتفتح الباب وفوجئت ب (سيف) ووالدته واقفَين على العتبة، ارتبكت للحظة لأنها لم تكن مستعدة لزيارتهم تلك المفاجأة لأنهم لم يخبروها ولكنها ابتسمت برقة

- أهلا وسهلاً .. اتفضلوا 

دخل الاثنان إلى الداخل وجلست خالة (رؤى) أولًا، وبدا على وجهها الحزن تفكر كيف ستخبرها، فى النهاية هو والداها ولابد أنها ستشعر بالحزن عليه، فجلست (رؤى) أمامها بينما اقتربت (جُود) بعدما سمعت أصواتهم ..

قالت خالتها بصوتٍ هادئ

- (شريف) .. والدك .. الله يرحمه .. مات

صمتت لبعض الوقت ولكن وحدها عينا (رؤى) ارتجفتا للحظة قبل أن تنخفضا نحو الأرض، شعرت بفراغ غريب يتسلّل داخلها، تحاول أن تشعر بالحزن عليه لكنها لم تجد أى مشاعر فى قلبها يخبرها بأنه حزين، فما عانته من والداها لا يشفع له لتشعر حتى بالحزن عليه ولكنها تأثرت فالموت له رهبة أيضاً،

فى حين أن (جود) خرجت لترى من أتى بالخارج واستمعت إلى ما دار بين خالتها وشقيقتها لتقف في مكانها مصدومة تحدق بذهول دون كلمة فهمست (رؤى) بتثاقل

- مات؟ .. إمتى؟ وإزاى؟

أجابها (سيف) بنبرة هادئة محاولًا ألا يُثقل عليها

- من أربع أيام .. فى ريحة طلعت من الشقة ولما الناس خبطوا كتير ومفيش رد اتصلوا بالشرطة .. لما كسروا الباب لقوه مات بجرعة زايدة .. كانوا لاقيينه لوحده

ساد الصمت من جديد

شعرت (رؤى) بضيقٍ حاد ليس على فراقه، بل على خلو قلبها من أي مشاعر تجاهه، لم تبكِ ولم ترتجف بل شعرت بفراغ أكبر، تتمنى لو كانت تُحبّه لتحزن عليه، لكن لم تستطع فلا يوجد فى عقلها أى ذكرى جيدة تجمعهم معا فهو لم يشعرها ابدا بأنه اب لها ..

بينما (جُود) جلست على طرف الأريكة تحدّق في الأرض بعيون دامعة فهى قد عاشت مع والداها أكثر من أن عاشت مع والداتها وشقيقتها، فمنذ زواج (رؤى) وهى من كانت تقوم برعايته وبرعاية نفسها حتى حينما كان سيزوجها مثلما زوج (رؤى)، لم يحدث شيئاً، فلم تشعر بنفس المعاناة التى عاشتها شقيقتها من قبل .. شعرت (رؤى) بالحزن الذى يكمن فى عيون شقيقتها، فجلست جوارها ووضعت يدها على كتفها بحنان لكنها ظلت صامتة لم تقوَ على ان تهون عليها ما حدث ولم تجد كلمات تناسب ما بداخلها من تشوّش ..

قطع (سيف) هذا الصمت قائلاً

- هو اتدفن الصبح .. وافتكرت إنكوا لازم ترجعوا البيت هناك .. عشان لو حد جه يعزّي أو كده

نظرت إليه (رؤى) وقالت بهدوء

- تمام .. هجهّز نفسى أنا و(جُود) ونروح

قامت خالتها واقفة ثم قالت

- إحنا هنمشى دلوقتى .. خدى وقتك ولما تجهّزى كلمي (سيف) وهو يوصلكوا

أومأت (رؤى) برأسها وردّت بهدوء

- تمام شكرًا يا خالتو

ابتسم (سيف) بلطف وأضاف

- أنا مستني تليفونك .. وقت ما تكوني جاهزة كلّمينى

هزّت رأسها مرة أخرى، ثم ودّعتهما وأغلقت الباب وظلت واقفة خلفه تحمل بداخلها شعورًا عاجزة عن وصفه .. 

❈-❈-❈

فى المساء ..

كان (حمدي) قد قرر الذهاب إلى (حازم) كى يخبره بما عرفه هو وشقيقته، لذا قرر أن يهاتف (حازم) عبر الهاتف ليخبره بأن يريد مقابلته فأخبره (حازم) أن يأتى إلى المنزل فهو بانتظاره، فارتدى ملابسه وقاد سيارته وذهب إلى منزله وقف أمام الباب لحظات قبل أن يطرقه كى يستعد للحديث معه وكيف سيفاتحه فى الأمر، بعدها طرق الباب واستقبله (حازم) بترحيب دعاه إلى الداخل، وما أن جلس (حمدي) حتى طلب منه أن يأتى بشقيقته لأن الأمر يهمها هى الأخرى، اندهش (حازم) قليلاً ولكن لم يسأل أكثر وتوجه نحو غرفة (تقى) واخبرها بالخروج لكى تتحدث معه ومع (حمدى)، اندهشت قليلاً لأن (حمدى) يريد الحديث معها بخصوص أمر ما ولكن ما أن خرج (حازم) حتى ارتدت ملابسها وتوجهت نحو الخارج ..

جلس الثلاثة، حينها تنهّد (حمدي) ثم قال بصوت خفيض

- أنا جبت الراجل اللي لعب في فرامل عربية (حسن)

بدت على ملامح (تقى) الأهتمام وارتفع رأس (حازم) باهتمام لذا سأله قائلاً 

- اعترف؟!

نظر (حمدى) في عينيها مباشرة كمن يعرف أن الجرح سينفتح من جديد الآن ولكنه مجبر على ذلك

- وقال إن اللي كلّفه بالقتل .. مش (سامر)

سأل (حازم) وقد اشتد صوته

- أمال مين؟

رد (حمدي) بثبات وهو ينظر فى عينان (تقى) ويشعر بالشفقة على حالها، لكنها يجب أن تعلم أن تلك العلاقة باتت مستحيلة بكل ما تعنيه الكلمة

- (ممتاز) (ممتاز أشرف الصاوي)

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة