-->

١رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 25 - الثلاثاء 15/7/2025

 

قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل الخامس والعشرون 

تم النشر الثلاثاء 

15/7/2025



لم تكن الصدمة على وجه (حازم) بقدر ما كانت على ملامح شقيقته،هو وإن تفاجأ للحظة، إلا أنّه لم يُدهش .. لم يذهله الاسم ولا حتى الجُرم، لقد عرف (ممتاز) جيدًا، بل كان دومًا يرى ويعرف سوءه المتغلغل في تصرفاته، في عينيه الباردتين حين يرى ما يفعله خصوصًا مع (رؤى) يعرف انه لا يهمه شئ سوا المال .. المال وحده ..

كان دائمًا يرى فيه رجلًا مريضًا لا يختلف كثيرًا عن والده ولا عن شقيقه وكان يتمزق من الداخل، فقط لأنه لم يستطع أن يُقنع شقيقته بوجهه الآخر، الوجه الذي كانت ترفض رؤيته رغم وضحوه ..

أما (تقى)، فقد بدا وكأن الزمن توقف عند أذنيها، لا تصدّق ما سمعته للتو ..

كل الندم الذي شعرت به سابقًا لأنها اخذت (ممتاز) بذنب شقيقه .. تبدّد الآن

لم تستوعب كيف لم تلاحظ هذا؟

كيف لم ترَ قبحه، قسوته، مرضه؟

رغم ما عرفته عن ماضيه مع (رُؤى)، رغم تصرفاته المتعالية، كلماته الجارحة، عناده المريض .. أحبّته

نعم، أحبّته!

كانت تبرر لنفسها دومًا أنه فقط يخاف على ماله، يُحب السيطرة، لكنه ليس سيئًا .. ليس قاتلًا!

ظنّت أن من حقه أن يحمي ثروته، فبرّرت له، وعلّلت كل أفعاله .. فقط لأنها أحبّته، وها هي الآن، تواجه الحقيقة القاسية حقيقة لم تكن مستعدة لها، ولم تتخيلها حتى في أكثر كوابيسها ظلمة ..

انزلقت دموعها ببطء على وجنتيها ونظرت نحو (حمدي) بعينين دامعتين، فيها رجاء مُنكسِر

- أكيد في سوء فهم .. (ممتاز)؟ .. لأ مستحيل!

كان (حمدي) ينظر إليها بعينين فيهما شفقة واضحة، يعلم كم هو مُوجع ما تسمعه الآن، لكنه لم يكن بيده شئ غير قول الحقيقة

- أنا آسف يا (تقى) .. بس الحقيقة لازم تتقال (ممتاز) فعلًا الشخص اللي كلّف الراجل اللى بوّظ فرامل عربية (حسن)

اقترب منها (حازم)، ووضع يده برفق على كتفها، صوته كان هادئًا لكن يحمل نقرة حانية

- دى حقيقته يا (تقى) .. الحقيقة اللى أنا شوفتها من أول يوم وانتى كنتى مش عاوزة تصدقي .. أنا بصراحة مش عارف ولا فاهم .. انتى حبيتى فيه إيه؟

لم تجيب لكنها كانت غارقة في دموعها، تحاول أن تستوعب ما لا يُستوعب ..

نظر إليها (حمدي) مجددًا، وقال بصوت هادئ، فيه نبرة ألم  

- بصى يا (تقى) .. أنا عارف إن الكلام مش هيضيف جديد .. بس (ممتاز) شخص مش كويس ميتحبش أصلاً ده اتقبض عليه وبيتعمل معاه تحقيق دلوقتى

ثم حاول أن يكون حنونا فيما يقوله لها

- بس أنا عاوزك تفكرى فى حاجة .. الواحد لما يزعل على حد بيكون حد يستاهل حد يستحق الحزن عليه لكن (ممتاز)؟

ده مش بس قتل أخوكى .. ده كمل معاكى العلاقة وهو عارف إن لو عرفتى هتسيبيه مهموش غير إنك تفضلى ملكه وبس

أغمضت (تقى) عينيها، ومسحت دموعها براحتها المرتجفة، ثم تمتمت بصوت خافت يرتعش

- أنا مش قادرة أصدق .. مش قادرة .. كان معايا طول المدة دى .. وهو قاتل أخويا؟!

ارتسم الرعب على ملامحها، وتوسعت عيناها كأنها أدركت فجأة عمق الكارثة، ثم قالت بصوت مخنوق بالحزن

- عرف يعملها إزاي؟ .. إزاي قدر يعمل كده؟!

ابتسم (حمدي) بسخرية مريرة، وقال

- عشان هو متعود على كده .. مش هو بس لا كمان أبوه وأخوه متعودين يقتلوا القتيل ولا يرمش ليهم جفن كانوا عارفين إن الأدوية فاسدة وعارفين إنها بتأذى آلاف الناس وبرضه مهمهومش المشاعر اللى انتى بتفكرى فيها دى؟

مش موجودة فى حساباتهم أصلاً

بقت (تقى) منهارة فى مكانها تبكي بلا توقف، لا تجد في قلبها إلا صدمة وخذلانًا وجرحًا لا ينزف دمًا بل وجعًا شديداً، رأها

(حازم) تنهار أمامه، فحاول يخفف عنها، قال وهو يقرب وجهه من وجهها

- اهدى يا (تقى) .. كده مش هتقدرى تساعدى نفسك الانهيار مش هيقدم ولا يأخر بالعكس انتى احمدى ربنا إنك خرجتى من العلاقة من غير خسارة حقيقية .. انتى لسه على البر

زاد بكاؤها، ولم تجد ما تقوله، كأن التعبير خانها كما خانها الحب بينما كان (حمدي) ينظر إليها بعجزٍ ، يعرف أنه لا يستطيع أن يُصلح ما كُسر، ولا أن يرمم ما تحطم، فقال بصوت خافت

- أنا هستأذن بقى ..

غادر لأنه لن يستطيع تقديم مساعدة أو عون لها أكثر من قول الحقيقة الصادمة لها حتى لا تتعلق بشخص مريض مثل (ممتاز)، أما (حازم)، فأخذ بيد شقيقته بلطف، وسار بها إلى غرفتها أجلسها على الفراش، وساعدها على أن تستلقي برفق، ثم قال

- نامي شوية يا (تقى) .. انتى محتاجة ترتاحى ومش لازم تفكرى فى حاجة دلوقتى .. التفكير مش هيغير حاجة ومش هيرجع اللى راح

لم تجيبه لكنها أطاعته تمدّدت على الفراش، وأغلقت عينيها .. لكن دموعها ما زالت تنساب، صامتة، حزينة، لا تجد مرفأ لها

جلس بجوارها يراقبها، حتى رأى جفنيها يثقلان، وأنفاسها تبدأ بالهدوء قام بتغطيتها جيدًا، وقبّل جبينها بحنان، ثم نهض ليغلق نور الغرفة، وقلبه يشعر بالحزن على شقيقته الوحيدة ..

❈-❈-❈

دخل (حازم) إلى غرفته وهو يضغط على جفنيه بيده، محاولًا طرد التوتر الذى لم يفارقه منذ صباح اليوم التقط هاتفه المحمول من فوق منضدة صغيرة بالجوار، فلاحظ ثلاث مكالمات فائتة من (رؤى) لم يكن من عادتها أن تتصل به في مثل هذا الوقت، فانقبض قلبه فورًا وضغط زر الاتصال وبعد برهة من الوقت ردت عليه على الفور، وصوتها كان مشوشًا، مترددًا يبدو وأنها كانت تبكى فسألها

- خير يا (رؤى)؟ كان في حاجة؟

صمتت لثوانٍ، ثم قالت بصوت مبحوح

- أيوة .. بابا اتوفى من ٤ أيام .. ولسه عارفة من كام ساعة .. خالتى و(سيف) كانوا عندي النهاردة وقالولى

لم يعرف (حازم) كيف يرد يعلم جيدًا أنها لم تكن على علاقة قوية بوالدها، لكنها في النهاية بشر، وابنتُه سألها بهدوء

- وانتى .. حاسة بإيه دلوقتى؟

سكتت مرة أخرى، قبل أن تجيب

- أكيد في حزن .. بس مش كبير يا (حازم) مش كبير خالص مش قادرة حتى أزعل عليه .. هو السبب فى كل حاجة حصلت ليا عارف من أسبوعين كانت آخر مرة كلمنى فيها .. تعرف سألني عن إيه؟ سألني إذا كنت كسبت القضية ولا لسه .. فرحت وقتها قلت أخيرًا ابتدى يهتم .. بس طلع بيسأل عشان عاوز فلوس! فاكرنى انا وابنى هنورث وهو ياخد الفلوس زى زمان

شعر (حازم) بشفقة ممزوجة بعجز، فحاول أن يشجعها ولم يكن يعلم بماذا يفترض أن يقول لها لكنه تركها تتابع حديثها للنهاية

- أكتر حاجة مضايقانى إنّي مش قادرة أزعل العلاقة بين الأب وبنته المفروض تبقى قوية .. بس مش عندى انا مش حاسة بحاجة مش قادرة أزعل عليه يا (حازم) .. انا وحشة وحشة جداً 

ثم انهارت بالبكاء شعر (حازم) بأنه لا مجال لأن يصمت بعد ذلك عليه أن يخفف عليها تلك المشاعر المضطربة التى تشعر بها فقال بحنان

- انتى مش وحشة يا (رؤى) اللى بتحسى بيه ده طبيعى المشاعر اللى بين الأب وأولاده مش بس فطرية دى كمان نتيجة لكل حاجة بتحصل بين الطرفين هو ما اداكيش حب ولا أمان فإزاى تحسى بيهم؟ انتى مش غلطانة .. ده حقك .. فطبيعى عمرك ما هتحسى بالمشاعر دى بدون ما تكتسبيها مفيش علاقة ممكن تكمل من غير ما يكون فى حب وعاطفة متبادلة انتى مش غلطانة انتى بس مخدتيش عشان تدى وده ابسط حقوقك هو اللى كان حارمك من حقوق كتير 

ثم صمت لبعض الوقت وأردف قائلاً 

- بس هو دلوقتى بين إيد ربنا مش هينفع نتكلم عليه بالسئ لكن انتى .. انسى وعيشى هو مكنش موجود الفترة اللى فاتت اصلا عشان لو كان عايش يبقى موجود دلوقتى معاكى هو مش موجود .. بس أنا موجود ولا إيه؟

مسحت دموعها وظهرت على وجهها شبح ابتسامة خفيفة ثم قالت 

- شكرًا أوي لوجودك في حياتي .. أنا من غيرك معرفش كنت هكمل إزاي .. كنت ممكن أبقى زى ناس كتير .. أيأس وأفكر فى الانتحار بسبب كل اللى حصل زمان

فأجابها بنبرة حانية

- ده تدبير ربنا يا (رؤى) .. عشان حاجات كتير تتصلح فى حياتك وحياتى

سكتت للحظة ثم قالت

- أنا كمان كنت متصلة عشان أقولك إنى قررت أرجع بيتى أنا و(جود) من بكرة (سيف) وخالتو شجعونى .. وفعلًا ده بيتنا وحقنا .. و(جود) حاسة انها هتتحسن لما ترجع بيتنا

شعر (حازم) بالضيق قليلًا من ذكر اسم (سيف)، لكن ابتلع انفعاله سريعًا فهذا ليس وقته ولا مجاله للحديث فى ذلك الأمر ليجيبها قائلاً 

- تمام أكيد أنا مش هقدر أمنعك .. بس إن شاء الله أوصلك بكرة قوليلي تحبى تروحى الساعة كام؟

ترددت (رؤى) فعلقت الكلمات فى حلقها، وتذكرت أن (سيف) يريد هو الآخر إيصالها ولو علم ذلك (حازم) سيتضايق كثيراً ،لأنه يرى أنه أحق بإيصالها وعلى الجهة الآخرى لو علم (سيف) أن (حازم) من قام بإيصالها فسيتضايق هو الآخر، لأنه يرى أنه لا صلة تجمعهم كى يقوم بإيصالها فشعرت انها عالقة فى مأزق لذا أجابت كى تتفادى شجار كل منهم مع الأخر

- ملوش لزوم تتعب نفسك .. أنا هطلب عربية من أى أبلكيشن الصبح .. عشان شغلك كمان .. انت اصلا مش فاضى

ضاقت عيناه من الاندهاش، وقال بنبرة جدية

- إيه الكلام ده؟ إيه أبلكيشن وإيه اللى بتقوليه ده؟ وأنا موجود؟! أنا هوصلك بس قوليلى الساعة كام عشان ماينفعش تمشوا لوحدكوا

أخذت نفسًا عميقًا، وقالت بتوتر

- بعد صلاة الظهر إن شاء الله ..

- تمام هكون جاهز ..

❈-❈-❈

في ظهيرة اليوم التالي ...

خرجت (رؤى) من شقتها، تحمل حقيبة سفر صغيرة، تتبعها شقيقتها (جود) التى كانت ممسكة بطفلها (نوح)، تمشي بجوارها في هدوء وقبل أن تتقدم أكثر على السلم، سمعت خطوات تقترب من الأعلى ..

ظهر (حازم) الذى يهبط الدرج، يرتدي قميصًا بسيطًا لونه اسود أسفله بنطال جينز ثم قال بنبرة هادئة

- يلا عشان اوصلكوا

بلعت ريقها بتوتر، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة، حاولت من خلالها أن تخفي ارتباكها من أن يقوم بإيصالها بنفسه ولكنها قالت

- تمام .. يلا

سارت (جود) إلى السيارة دون أن تنطق بكلمة، واستقلوا السيارة في صمت، لم يقطعه سوى صوت المحرك الخافت، وبدء (حازم) بالقيادة ..

مرّت دقائق، حتى قطع صوت هاتف (رؤى) الهدوء، أخرجته من حقيبة يدها وارتبكت حين رأت اسم المتصل الذى لم يكن سوا (سيف) ترددت لوهلة، ثم ضغطت زر الإجابة بصوت منخفض

- أيوة؟

جاء صوت (سيف) على الجانب الآخر، قلقًا ثم قام بسؤالها

- إنتي فين؟ كنت جاي أخدك إنتي و(جود)

نظرت (رؤى) إلى الأمام، ثم إلى (حازم) ثم قالت سريعًا

- دكتور (حازم) معانا هو أصر يوصلنا .. متقلقش

ضاقت عينا (حازم) فجأة، وعرف على الفور أنها تتحدث إلى (سيف) مال بجسده قليلًا إلى الأمام، وهو يكتم مشاعر الضيق التى بدئت تتسرب إليه ..

على الجانب الآخر، قال (سيف) بنبرة لا تخلو من الضيق

- مكنش ليه لزوم يا (رؤى) .. قولتلك إني هاجي أوصلكوا أنا اللى كنت المفروض أكون معاكم

ابتلعت ريقها وهي تحاول التماسك

- محصلش حاجة يا (سيف) يعني .. وبعدين دكتور (حازم) مش غريب

كان الغيظ قد بدأ يتسلل إلى ملامح (حازم)، فمد يده وأخذ الهاتف من يدها بلطف، ثم وضعه على أذنه وقال بثبات، يحاول أن يخفي خلفه انفعالًا واضحًا

- بص يا (سيف) .. قبل وفاة والد (رؤى) كنت ناوي أروحلُه وأطلب إيدها رسمي و(رؤى) كانت موافقة بس الظروف منعتني وهو توفّى فجأة .. فأنا مش غريب وقريب جدًا إن شاء الله هكون جوزها

صمت (سيف) لبرهة فقد كان وقع الكلمات ثقيلًا، كصفعة مفاجئة لم يدرِ ماذا يقول وماذا يجب عليه أن يجيب التزمت ملامحه الصمت بينما عقله يصرخ لقد فقد كل شيء، رغم أنه كان يظن أنه قريب من الفوز بقلبها بعد معرفته بأنها أصبحت عزباء أخير وأن لديه فرصة ليعيش معها قصة حب جديدة بكل مراحلها، كان يريد أن يأخذ وقتاً لكن يبدو أنه كان فقط متأخرًا او يبدو أنها لا تراه من الأساس كحبيب، شعر بمشاعر مضطربة وحزن كبير يملئ قلبه لقد فقدها للمرة الثانية على التوالي، ثم قال أخيرًا بصوت حاول أن يكون متماسك بعض الشئ

- بس هى برده لسه غريبة عنك يا دكتور .. ومينفعش كده عشان كلام الناس و ..

قاطعه (حازم) بهدوءٍ حاسم

- متقلقش .. أنا عمري ما هأذي (رؤى) .. ولا هكون سبب في وجع ليها

ثم أنهى المكالمة، وأعاد الهاتف إلى (رؤى) دون أن ينظر إليها، كانت (رؤى) قد احمرّ وجهها من الإحراج والارتباك، التفتت نحو النافذة، وكأنها تبحث عن هواء ينقذها من الضيق الذى اجتاح صدرها حتى لا تنظر إلى معالم شقيقتها التى كان يبدو عليها الصدمة فهى لم تخبرها بشئ لم يكن هناك وقت لأخبارها بشئ ..

أما (جود) فكانت تنظر إلى شقيقتها في دهشة لم تحاول إخفاءها، لم تكن تعلم شيئًا عن تلك العلاقة، ولم تكن تتخيل يومًا أن (حازم) سيكون مقرب لهم لتلك الدرجة لكنها، مثل شقيقتها، اختارت الصمت ستتحدث معها وتفهم منها الأمر عندما يكونوا بمفردهم ..

وصلوا أخيرًا إلى العمارة توقفت السيارة أمام الباب، فنزلت (رؤى) أولًا، وفتحت صندوق السيارة، فأسرع (حازم) إليها يساعدها في إنزال الحقائب ..

صعد معها حتى باب الشقة، يحمل الأغراض وحين وصل، وضع الحقائب برفق أمام الباب فقالت له بصوت خفيض وهي تفتح الباب

- شكرًا .. تعبتك معانا

نظر إليها بابتسامة باهتة وقال

- أنا عارف إني مفروض ما أقفش هنا كتير بس كنت لازم أقولك حاجة

نظرت إليه باهتمام، فتابع

- أنا لسه ماقولتش لأختي ولا لماما إن والدك اتوفى .. عشان كده محدش كلمك واتضح إن (ممتاز) كان السبب في موت (حسن) .. يعني رجوع علاقته ب (تقى) بقى من رابع المستحيلات ولسه ناوي أكلم ماما في كل ده بس الأمور عندي ملغبطة .. خصوصًا إن نفسية (تقى) في النازل ..

شعرت بالحزن والمفاجأة معا لكنها لم تتفاجئ كثيراً ف (ممتاز) يفعلها يفعل أى شئ حتى لو محرم أو إزهاق روح بريئة مادام بمصلحته ثم تنهدت وقالت

- (ممتاز) مكنش يستاهل الحب اللي حبيته اختك ليه .. بس على العموم أنا مقدرة كل حاجة .. ومش لازم يتعبوا نفسهم كلنا ظروفنا صعبة دلوقتي

أومأ برأسه بتفهم، وقال

- هبقى أكلمك .. واطمن عليكي خدي بالك من نفسك .. ومن (نوح) و(جود)

هزت رأسها بالإيجاب، وشكرته مرة أخرى بصوت خافت، ثم أغلقت الباب خلفها بهدوء، بينما هبط هو الدرج متجها نحو الخارج حيث سيارته ..

❈-❈-❈

مرّت عدّة أيّام كانت فيها (رؤى) تحاول أن تتأقلم على ذلك الوضع الجديد، وقامت بإخبار شقيقتها أن ما بينها وبين (حازم) مشاعر حقيقية، حبٌّ حقيقيّ نما بصمت، وكانا بالفعل يخططان للارتباط رسميًّا، وكانت على وشك أن تُفاتح والدها في الأمر، بل وأن تُصارحها هى الآخرى به، لولا أن الموت سبق الجميع وخطف والداهم دون إنذار ..

اعترفت لشقيقتها أنّها، رغم هذا الحب الذي تشعر به تجاه (حازم) إلّا أن فكرة الزواج مرة ثانية، ذاتها باتت تُرعبها لم تعد ترى نفسها قادرة على تقبّل فكرة العيش تحت سقف واحد مع رجلٍ من جديد التجربة الأولى كسرتها بما يكفي، غرست في قلبها خوفًا ولا تشعر بالأمان بالزواج ابدا، لم تعد تملك يقينًا في أن هناك رجلًا مختلفًا، حتى وإن بدت تصرفات (حازم) ودعمه المستمر مختلفًا كلّ الاختلاف ظلّ قلبها يرتجف كلّما تخيّلت نفسها زوجةً من جديد، تشارك رجلًا تفاصيل الحياة اليومية .. التفاصيل التي كانت من قبل سببًا في تهشيمها ..

حاولت (جود) طمئنتها وإزالة تلك الهواجس من رأسها لكنها في قرارة نفسها، كانت تدرك أن تخطي التجربة السابقة لن يكون بالسهولة التي تأملها أختها هناك ما انكسر بداخلها، وما زال يعجز عن الالتئام حتى تلك المخاوف، المتعلقة بالعلاقة الزوجية نفسها، لم تجرؤ على البوح بها، فضّلت كتمانها، ودفنها في أعماقها حيث لا يراها أحد ..

أما (حازم) فكان في تلك الأيام يحاول جاهدًا أن يضمد جراح أخته (تقى) التي كانت تنهار شيئًا فشيئًا بعد ما مرّت به وبعدها أخبر والدته بكل ما حدث .. بالحقيقة التي ظلّت غائبة عنها فى الفترة الماضية بأن (حسن) لم يمت ميتة طبيعية كما ظنّت، بل كان ضحية قاتل، وأن من فعل به ذلك سينال جزاءه في النهاية ..

حزنت والدته بشدّة، وأظلمت ملامحها حين سمعت تفاصيل ما جرى لابنها، لكن وسط الحزن كان هناك بعض الراحة أن ذلك القاتل سينال عقابه..

ثم تحدث عن (رؤى)، وعن انتقالها المفاجئ إلى منزل والدها القديم، لذلك ذهبت لبيتها لأنه لا يوجد داعى أن تظل هنا بالبيت معاهم..

شعرت والدته بحزنٍ عميق، وشعرت بشفقة صادقة تجاه (رؤى) ولكنها تعلم جيدا انها و (حازم) سيعوضان بعضهم البعض عن ماضيهم المر ..

فطلبت منه أن يجعلها تذهب إلى (رؤى) برفقة (تقى) علّهما يستطيعا التخفيف عنها ولو قليلًا وأخبرته إنها تشتاق إليها، وتريد رؤيتها ..

ففى وقت الظهيرة ..

 قرر (حازم) أن يأخذ والدته و(تقى) شقيقته، في زيارة إلى (رؤى) لم يكن قادرًا على التواجد معها كما يتمنى لذلك قبل أن يتحرك بسيارته، أرسل إليها رسالة قصيرة

(أنا وماما و(تقى) في الطريق .. جايين يزوروكي ومش هقدر أطلع معاهم، علشان أعتقد الأفضل إنهم يشوفوكي لوحدهم وعشان معملش مشاكل ليكى انى ابقى قاعد معاكوا بدون أى صفة بس وحشتيني جدًا ووحشني الكلام معاكي العيادة من غيرك ملهاش أى طعم بس إن شاء الله قريب نتقابل)

 على الجهة الآخرى قرأت (رؤى) الرسالة، وابتسمت ابتسامة هادئة وشعرت أنها مشتاقة لرؤيته كما شعرت أنها ممتنة لوجوده بحياتها وأدركت أنها حتى في غيابه، يظل قلبه قريبًا منها، لا يخذلها ..

بعد برهة من الوقت، دق جرس الباب فتحت (رؤى) الباب لتجد أمامها (تقى) ووالدة (حازم) بادرت بالترحيب بهم وظهر في عينيها الامتنان لوجودهما في هذا الوقت تحديدًا دخلت الاثنتان وجلستا معها، ثم التفتت والدة (حازم) إليها، وبصوت يشوبه الحزن الأسى قالت

- معلش يا بنتي .. إحنا مكناش جنبك فى وقت صعب زي ده بس أنا لسه عارفة قريب .. بعد ما عرفت حقيقة موضوع (حسن) اللى رجّع وجع كبير جوايا وجع مكانش مقفول أصلاً

نظرت إليها (رؤى) بعطف، واقتربت منها ثم أمسكت يدها برفق وهى تربّت عليها بحنان

- أبدًا يا طنط أنا مش زعلانة خالص .. أنا عارفة الظروف ومقدّرة كل حاجة ومفيش أى حاجة

تبادلن أحاديث قصيرة ثم قامت والدة (حازم) لأداء صلاة العصر، بينما بقيت (رؤى) مع (تقى) التي كانت شاردة الذهن، وعيناها متجمدتان على نقطة في الفراغ، وكأنها تحاول أن تهرب بعقلها بعيدًا عن الواقع، اقتربت منها (رؤى)، جلست بجانبها وهمست بلطف

- أنا عارفة إن جواكي وجع كبير .. وده حقك طبعًا حقك لأن اللى اكتشفتيه مش حاجة سهلة أبداً .. بس عارفة؟ اللى عرفتيه ده هو اللى هيخليكي تعرفي إنك كنتي مختارة راجل ميستحقكيش أصلا

نظرت إليها (تقى)، ودموع خفيفة بدأت تترقرق في عينيها، لم تنهمر بعد، لكنها كانت على وشك الأنهمار فتابعت (رؤى) قائلة 

- لازم تفوقي لنفسك يا (تقى) .. وأول خطوة إنك تروحي شغل وتجددي طاقتك وتبدأي حياتك من جديد

وأنا متأكدة إنك مش زعلانة عليه هو .. هو ما يستاهلش أصلاً .. أنتِ زعلانة على نفسك لأنك صدقتي حد طلع بشع بالشكل ده

هنا، انهمرت دموع (تقى)، ومسحتها سريعًا بيدها المرتجفة، قبل أن تقول بصوت مبحوح

- ده فعلًا اللي حاسة بيه ..

اقتربت منها (رؤى)، واحتضنتها بحنان احتاجته الاثنتان

- أنتي قوية يا (تقى) .. وهتقدري تتخطّي كل ده

ثم ابتعدت قليلًا ونظرت في عينيها

- تعرفي إيه أحسن حاجة ممكن تعمليها علشان تحسي بالراحة؟

رفعت (تقى) نظرها إليها باهتمام، لم تنطق، لكن عيناها كانتا تسألانها بوضوح ماذا عليها أن تفعل فابتسمت (رؤى) ابتسامة هادئة وقالت

- إنك تقابلي (ممتاز) بنفسك .. وتقولي له كل اللى جواكي

ساعتها هتحسي براحة نفسية حقيقية .. عارفة ليه الوجع ما بيروحش؟ لأننا بنسكت، بنحبس اللي جوانا لكن لما تطلعي كل اللي في قلبك هتقدري تنسي .. أو على الأقل تتصالحي مع اللي حصل

هنا، وللمرة الأولى منذ بداية الحديث، ارتسمت على وجه (تقى) ابتسامة خفيفة، كانت باهتة، لكنها صادقة وقالت

- أنا .. مش عارفة أشكرك إزاي يا (رؤى) ..

هزّت (رؤى) رأسها بابتسامة دافئة

- مفيش شكر بيننا أنا معاكى .. وهفضل معاكى

❈-❈-❈

في ظهيرة اليوم التالي ..

 جلست (تقى) مع شقيقها (حازم) في ركن هادئ من البيت، كانت أشعة الشمس تتسلل إلى المكان ..

فرفعت (تقى) عينيها إليه، بدا وجهها أكثر هدوءًا من الأمس، أخبرته بأنها تريد مقابلة (ممتاز) وكيف أن تلك المقابلة مهمة بالنسبة لها وأن لديها الكثير والكثير لكى تخرجه مع ذلك الوغد ،كى تشعر بالراحة كما أن (رؤى) أخبرتها بذلك أيضاً، حاول (حازم) أن يثنيها عن قرارها ذاك فى البداية خوفاً من أن تتجدد جروح بداخلها لم تلتئم بعد، ولكنها أصرت على مقابلته فرضخ أخيراً لمطلبها مدّ يده بهدوء، تناول هاتفه، واتصل ب (حمدي) الذى أجاب فوراً قائلاً 

- خير يا (حازم)؟

- خير إن شاء الله كنت محتاج بس .. لو ينفع تشوفلي زيارة ل (ممتاز) لأن (تقى) محتاجة تقابله تتكلم معاه

ساد صمت قصير على الطرف الآخر، قبل أن يتنهد (حمدي) بدوره، وقد فهم على الفور أنها تريد أن تخرج مافى جعبتها لكى تشعر بالراحة فأجاب

- أيوه .. متقلقش هظبط الدنيا وأكلمك أبلغك بالميعاد

أغلق (حازم) المكالمة، ثم التفت إليها، نظر في عينيها نظرة فيها خليط من القلق والدعم، وقال بنبرة هادئة لكنها حازمة

- استعدي يا سِتّي للمقابلة وخليكي قوية .. وأوعي أوعي تحسسيه إنك منهارة حتى لو جواكي حاجة بتوجعك

اظهريله إنك قوية .. وعدّيتي مرحلة كبيرة

ابتسمت (تقى) ابتسامة باهتة مترددة، وهزّت رأسها بالإيجاب، لكن قلبها لم يكن بنفس الثبات ..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة