رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 27 - السبت 23/8/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل السابع والعشرون
تم النشر السبت
23/8/2025
هو رجلٌ لا عهد له ، عاش ليدمر ، ولي أمره المال ، وهي امرأة الوعود ، عاشت لتبني ، ولي أمرها الحب ، فكيف يلتقيان ؟ ولمَ يلتقيان وعلى ماذا ؟
أحيانًا تخدعنا عواطفنا فنرى المنطق ظُلمًا ونظن أن بعض القرارات خُذلانًا ، والحقيقة أن هناك من ينظر بين يديه والآخر يرى ما خلف الأسوار ، وبين النظر والرؤية جسرٌ عظيم .
لذا وازن أمورك بميزانٍ من ذهب ، ضع ثلثًا من العاطفة وثلثان من الرشد والمعرفة ، ولا يغرك كل ما تراه ربما إن مددت بصيرتك قليلًا أدركت أن نظرتك كانت محدودة ، محدودة جدًا .
(بقلم آية العربي )
❈-❈-❈
أعطاها كل ما لديه من معلومات ، عن بلادٍ صديقة وأخرى معادية ، عن أسرار عمليات اغتيال تمت وأخرى لم تتم بعد ، عن ثغرات في بعض الأسلحة الحربية الفرنسية وعن عيوبها الغير مُعلن عنها .
لم يبخل في معلومة أمامها للدرجة التي جعلتها في حالة من الصدمة ، هل حقًا يبوح بكل ما لديه فقط لأجل صغيره ؟ لأجل أن ترعاه ؟
أم أنه أراد أن يفرغ ذاكرته أمامها كتوْبةٍ ؟ أم أن هناك خيارٌ ثالث لا تود أن تذكره حتى في نفسها ؟
ازدردت ريقها ونظرت إليه بعدما صمت وتساءلت بملامح مشدودة ونبرة تحمل على متنها التعجب :
- هل حقًا فعلت كل هذا لأجل صغيرك ؟ إن كنت تحبه هكذا فلمَ لم تفكر في الهرب معه بعيدًا ، كانت لديك الفرصة .
ابتسم ونظر للمسدس في يده وهو يستعد لتعميره ثم عاد ينظر إليها ويردف بمغزى :
- لأنه كان لدي حلمًا آخر ، كنت أسعى للتخلص من ثلاثة رؤوسٍ كانت تقف عائقًا أمام حلمي ، مارتينا ،
رحمة و ثائر .
تحولت نظرتها المتعجبة لأخرى هجومية غاضبة فضحك يسترسل ببرود :
- في النهاية أنا شيطان أوقعه الحب .
هزت رأسها مرارًا واعتصرت عينيها ترفض تصريحه ثم اندفعت بنبرتها تردف بحدة :
- أنت لا تعرف ما هو حب ، أنت فقط تحب أن تربح في حروبك التي تشعلها مع نفسك ، ولكن في النهاية أنت خاسر .
أومأ مؤيدًا ونطق وهو يشهر السلاح نحو رأسه :
- وهذا ما حدث .
جحظت وارتعبت وأشارت له بيديها بألا يفعل قائلة :
- توماس أرجوك اهدأ ، لا تفعلها ، سلم نفسك أفضل أرجوك ، لأجل صغيرك إن كنت حقًا تحبه .
في تلك اللحظة كان قد فتح رشدي الباب واندفع ثائر نحو الغرفة التي علم رقمها منه .
لم يحتَج إلى دقائق ليصل إليها بل وصل في ثوانٍ واندفع نحو الباب يحاول كسره بكل ما لديه من قوة وغضب .
في الداخل سمع توماس الصوت فأنزل السلاح من على رأسه وقفزت في عقله فكرة شيطانية أخرى لذا نهض واتجه يفتح قفل الباب وابتعد قبل أن يقتحم ثائر الغرفة .
خطوات فصلت بينهما وهما أمام بعضهما يتناحران النظرات ، انتفضت ديما ولكنها عجزت عن التحرك كأن قدميها قد أصابهما التجمد خاصةً حينما أشهر توماس سلاحه في وجه ثائر الذي ابتسم له بمغزى ، فضغط الأول على الزيناد تزامنًا مع صرخة من ديما التي اندفعت باتجاه ثائر ولكن ما جعل توماس يجحظ ويجن جنونه هو المسدس الفارغ من الطلقات ، كيف حدث ذلك ومتى وهو بنفسه كان قد وضعها صباحًا ، ليتأكد من معرفة المخابرات بتفاصيل كل ما فعله ، وها هو رشدي يظهر خلف ثائر ومعه قوةً من الشرطة ولا سبيل للهرب منهم .
تجمد لثوانٍ يفكر ، خاصةً وهو يرى ثائر يبعد ديما عنه بعدما التصقت به رعبًا عليه وينوي التقدم منه وفي عينيه نظرة انتقام صريحة لذا رفع سبابته وضحك يردف بإيماءة متكررة :
- سأنتقم منك حيًا كنت أو ميتًا ، تذكر هذا جيدًا .
في لمح البصر التفت وخطا خطوتان نحو الشرفة وألقى بنفسه منها ليسقط منتحرًا من الطابق السادس تحت أنظارهم جميعًا .
❈-❈-❈
وقف أمام المرآة يهندم نفسه ، منذ ما حدث بينهما وهو يتجاهلها بشكلٍ تام ، يبحث في جهة أخرى عن تلك الإعلامية ويجمع المعلومات عنها .
هي أيضًا لم تعِره اهتمامًا ، ذهبت مع ابنتها لترى عائلتها ليلة أمس وتفاجأت حينما رفض ليل الذهاب معها ، بل صُدمت حينما قرر الذهاب إلى منزل علياء .
وحينما كادت أن تحتد عليه وقف أحمد أمامها يباغتها بنظرة تحذيرية لذا اضطرت للتراجع .
ولكنها تتلوى كالأفعى ، تريد اختلاق المشاكل ، لن يرتاح الجميع وتشتعل هي ، يجب أن يعانوا مثلها وأولهم تلك الديما وثانيهم زوجها الذي تحول مئة وثمانون درجة .
اقتحمت الجناح بعد أن عادت من التسوق هي وابنتها ، دلفت تضع الأغراض على الفراش وألقت عليه نظرة وهو يتهيأ للذهاب إلى مكانٍ ما ولكن على ما يبدو من هيأته أنه ذاهبٌ إلى حفلٍ ما .
حاولت بكل ما أوتيت من غلٍ أن تتجاهله ولكنها لم تستطع حينما التقط هاتفه يتحدث :
- أيوا يا ليل ؟ خلصت ؟ طيب يالا اخرج أنا كمان جهزت .
أغلق معه ودس الهاتف في جيبه ثم التقط ساعته ولفها حول معصمه ووضع عطره أمام عينيها المشتعلتين فاندفعت تتساءل :
- واخد ابني على فين ؟
التفت يطالعها بنظرة تقليلية ليجيبها بملل متعمد :
- خليكي في نفسك ، مالكيش دعوة بيا ، وليل ابني أنا كمان .
تحرك ليغادر ولكنها اندفعت تقف خلف الباب لتعرقل طريقه ونطقت بتوعد وجنون قد فاض منها :
- مش هتخرج من هنا غير لما اعرف رايحين على فين ، وأسلوبك ده ماينفعش معايا ، وهتتحاسب يا أحمد ع القلم اللي اديتهولي والكلام اللي قولته في حقي .
رفعت سبابتها تسترسل مهددة :
- مش سها أبو المجد اللي يتعمل فيها كدة ولا يتقال لها الكلام القذر ده ، أنا مراتك وانت مجبر تصدقني أنا ، وتثق في كلامي أنا ، مش في كلام واحد ماعبركش ولا عايز يشوفك أصلًا .
ظنت أنها ستنجح في استفزازه كما كانت تفعل دومًا ولكنه اكتسب مناعةً من تأثيرها عليه لذا مد يده يقبض على كفها ليزيحها من أمام الباب ، حاولت مجابهته ولكنها لم تنجح بل حركها ونفضها بعيدًا وتحرك يغادر ويغلق خلفه بصمتٍ وضيق .
لا ينكر أن كلماتها المسمومة تنغرس في قلبه ولكنه يحاول ألا يقع في شباكها مجددًا ، خاصةً ومنذ يومان وعلياء تهاتفه وتشرح له مقدار حب شقيقه له وعن مدى الألم الذي تسبب به من اتهامه له وكم كان ذلك الاهتمام بشعًا ليدرك أنه بالفعل فعل أمرًا سيئًا للغاية في حق شقيقه كاد أن يخسره بسببه .
اليوم هاتفته وطلبت منه حضور ذلك الحفل معها ومع والده كما طلبت من حفيدها الذي رحب كثيرًا .
ها هو ليل يقابل والده ويطالعه بإعجاب شديد مردفًا :
- إيه الشياكة دي يا بابا .
ابتسم من بين تجهمه ونطق وهو يتحرك مع ابنه نحو المصعد :
- أنت غطيت عليا أصلًا .
غادرا واندفعت سها من غرفتها نحو غرفة ابنتها التي فتحت لها فدلفت ترتد على المقعد وتتساءل بانفعال وتجهم :
- عرفتي رايحين فين ؟
أومأت شمس تجيبها بضيق وهي تتكتف :
- أيوة يا مامي رايحين فرح مع تيتا وجدو .
قطبت جبينها تتساءل بتأهب :
- فرح مين ؟
أجابت بما قاله لها شقيقها :
- تقريبًا أخو مرات عمي ، أو أختها مش فاكرة .
دبدبت بقدميها وباتت تقضم شفتيها وتفكر لثوانٍ ثم عادت تنظر لابنتها وتردف بخبث :
- كلمي اخوكي واعرفي منه العنوان فين ، هنروح أنا وانتِ .
فرغت فاهها بصدمة وكادت أن تعترض ولكنها حذرتها ونهضت تردف بحدة :
- كلمي اخوكي واجهزي ، حالًا يا شمس .
❈-❈-❈
مساءً
لولا تدخل رشدي لكان تم إلغاء حفل الزفاف بعد هذه الحادثة المفجعة التي حدثت في الفندق ،ولكن كان للمخابرات رأي وترتيبات أخرى واستطاعوا لملمة كل شيء قبل أن يصل الخبر خارج حدود المكان .
ولكن كان هناك بعض التساؤلات خاصةً من العروستان اللتان تعجبتا من تأخر ديما وحاولتا الوصول إليها .
انتحار توماس كان له الفضل في التشويش على تأخر ديما ولكن لم يكن كافيًا ليشوش على حالتها ، بل على العكس فقد تسبب في حدوث شبه انهيار عصبي لها خاصةً مع وضعها الحديث .
ولولا وجود ثائر معها واحتوائه لها لكانت في وضعٍ أسوء بكثير .
كانت في إحدى غرف الفندق تجهز صغيرتها بعدما انتهى الصبيان ، وقفت تتطلع على رؤية برضا وإعجاب تجلى على ملامحها المرهقة التي تخفي حزنًا وتأثرًا .
كانت الصغيرة تحدق في عينيها ، كانت جميلة ترتدي فستانًا أبيضًا بتنورة واسعة وخصلاتها البنية اللامعة تتلوى في حركة أفعوانية جعلتها أكثر جمالًا ورقة وبراءة .
نطقت بنبرة حنونة متسائلة :
- مالك يا مامي مين زعلك ؟
مالت تقبلها ثم اعتدلت تردف بهدوء :
- مش زعلانة يا روحي ، يالا اطلعي معاذ ومالك مستنيينك برا ، انزلوا القاعة تحت وأنا هظبط الحجاب وجيالكم .
أومأت الصغيرة وركضت نحو الخارج لتجد معاذ ومالك في انتظارها بالفعل ، يطالعانها بإعجاب جعلهما يبتسمان ولكن معاذ لم يكتفِ بالابتسامة بل أردف متحفزًا :
- واو رؤية أنتِ جميلة جدًا .
ابتسمت بخجل طفولي واتجهت تمسك بكفوفهما لتتحرك بهما نحو الأسفل ولكنهم توقفوا حينما ظهر ثائر يرتدي حلته السوداء ويطالعهم بفخر ومحبة ، ربت على كتفي الصبيان وانحنى يقبل وجنة رؤية ثم اعتدل يتساءل :
- ماما جاهزة ؟
أومأت رؤية بابتسامتها فأومأ وحثهم على التحرك :
- طب انزلوا وأنا هاجبها .
تحرك بالفعل يطرق الباب ثم دلف الغرفة ليجدها تقف تستند أمام المرآة وتتطلع على هيأتها بينما عقلها يستعيد ما حدث ، وصية توماس ، اعترافاته ، محاولته لقتل ثائر ، انتحاره .
لا تستوعب كل هذا ، حتى أنها لم تشعر بثائر إلا حينما التفت يديه حولها فانتفضت والتفتت تطالعه لتجده يتعمق فيها ويدرك ما تمر به لذا أردف مترقبًا :
- تحبي اروحك ؟ لو انتِ حاسة بتعب ممكن نروح وانا هتكلم مع داغر ومامتك وافهمهم الوضع .
استندت بكفيها على صدره وهزت رأسها بلا تردف بإرهاق :
- لا يا ثائر ، أنا كويسة ، ماينفعش اروح واسيب اخواتي في يوم زي ده ، يالا ننزل .
حدق بها مجددًا بشكٍ ثم اضطر أن يتحرك معها نحو الأسفل ولكنه يشعر بالقلق عليها .
❈-❈-❈
تجمع الحضور في قاعة الحفل الكبيرة
جلست ديما بجانب منال و الصغار ووقف ثائر قربهم يتطلع على المكان من حوله وقد لمح والدته ووالده يتقدمان من باب الدخول فتحرك نحوهما يستقبلهما ولم يكن يلاحظ بعد وجود أحمد وابنه خلفهما .
تقدم منهما ورحب بهما وقد رآه ، وقف متسمرًا لثوانٍ قبل أن يتقدم أحمد ويبادر بالسلام للمرةٍ الثانية وهو ينظر في عيني ثائر بندم .
نظر له نظرة عتابٍ دامت للحظات ثم مد يده يبادله السلام وأبعد نظره عنه فليس هذا الوقت ولا المكان المناسبان لأي حديث .
وجد ليل يتعمق فيه وكأنه يراه للمرة الأولى ، ينظر له بمغزى لدرجة أن ثائر شك في معرفته بشيء ، وازداد شكه حينما تقدم ليل منه ومد يده يردف بابتسامة هادئة :
- أزيك يا أونكل ، أنا كان نفسي اشوفك واسلم عليك ، انا ليل .
استقبله ثائر بترحاب أراح قلب أحمد ، وبادله بسلامٍ رجولي يعانقه ويربت على ظهره بخشونة ثم اتجهوا جميعًا إلى الطاولة ونهضت ديما ترحب بهم .
ظهر أيضًا محسن الصابر ومعه ولداه دلف ينظر حوله حتى وقعت عيناه على منال فظل يحدق بها وهي تبتسم وتتحدث مع رؤية ، تأملها وعم الندم أرجاء قلبه المتعالي الذي أبى الاعتراف به .
كان يقف كالغريب ، حتى أنه لا يشبه الجيران أو المعارف ، لم يرحب به أحد ولم يستقبله أحد برغم أن الأغلبية هنا يعرفونه ولكنه تجاهلهم والتفت يبحث عن طاولة فرأته ديما فأخذتها عاطفتها نحوه لترحب به فتبعها ثائر قلقًا عليها .
وقفت أمامه ومدت يدها تردف بلطف :
- ازيك يا بابا .
نال منه الاستعلاء والغضب ونطق وهو يبادلها وينزع يده سريعًا :
- ازيك يا بابا إيه ؟ دانا لولا عرفت من الجيران ، دفنتوني بالحيا خلاص ؟
نظر لها شقيقاها الصغيران بكرهٍ غذتهما عليه والدتهما وساعدها محسن في ذلك ، فوقفت تطالعه بخيبة وكادت أن تتأهب وتجيبه فلم تعد ديما المسكينة ولكن جاءها ثائر يجاورها ونطق بنبرة مهيبة وهو يتعمق فيه ويمد يده للسلام :
- أهلًا يا فندم، أنا ثائر ذو الفقار ،طبعًا مش وقت تعارف،نخليها بعدين علشان مانوترش الأجواء .
نظر له بتمعن وفهم تهديده المطبن،خاصةً مع ضغطة يده القوية،ليبتسم ثائر ابتسامته النادرة ويسترسل وهو يشير له نحو طاولة ما :
- اتفضل اقعد هنا،العرسان زمانهم على وصول .
يراه للمرةِ الأولى ولكنه يعلم أنه زوج ديما لذا نظر إلى ديما قبل أن يتحرك فوجدها تطالعه بنظرة تشبه نظرة زوجها ، لدرجة أنه رآهما يحملان نفس الملامح لذا قرر أن يلتزم الصمت، خاصةً وأنه قد علم بما فعله في كمال لذا حرك ولداه ودلف معهما يتجه نحو طاولة ويجلس بخيبة وصمت .
نظر ثائر لديما وتساءل باهتمام وقلق من نظرتها وملامحها :
- انتِ كويسة ؟
أومأت له وابتسمت ثم أردفت لتشغله عنها :
- كويسة يا حبيبي ، اطلع انت يالا علشان تجيب دينا وبسمة .
زفر وأومأ يوصلها إلى الطاولة ثم تحرك نحو منظم الحفل يسأله وبالفعل حان بدء الحفل لذا توجه نحو الأعلى ليحضر العروستان بينما العريسان يستعدان ليستقبلان عروستيهما .
لم يمر الكثير حتى صدحت أغنية الاستقبال وظهر داغر وصالح بكامل أناقتهما وتعالت التصفيقات والتصفيرات من أصدقائهما وانهالت منال وصديقاتها بالزغاريد المبهجة وهما يقفان متجاوران كلٍ منهما ينتظر ظهور عروسته .
وها هو باب القاعة يُفتح وتظهر منه الفرقة الأسطورية في زيٍ موحد يؤدون رقصةً ويرددون كلماتٍ معبرة عن حالة السعادة التي يشعر بها الجميع عامةً والعرسان خاصةً .
ظهر ثائر وهو يتكتف دينا عن يمينه وبسمة عن يساره ويدخل بهما إلى القاعة وسط دقات الطبول تقرع القلوب سعادةً وعيونًا لامعةً بدموع الفرح .
تناست ديما ما حدث وعاشت هذه اللحظة التي جعلتها تحلق بسعادة ، وبكت منال بفرحة مضاعفة وهي ترى ثمرة سعادتها وعذابها أمامها في زي الزفاف .
وقف داغر متأهبًا منتظرًا لحظة وصول حبيبة قلبه تارة وشقيقته تارة أخرى ، ويجاوره صالح يقرع قلبه لهفةً لتقدم دينا إليه .
كاد داغر أن يأخذه حماسه ويتقدم منهما ولكن صالح منعه فوقف متعجلًا خاصةً وأن هذه الفرقة تأخر خطواتهم نحوه .
عروستان كلٍ منهما اختارت زيًّا خاصًا بها ، ارتدت دينا الحجاب فباتت كالملكة بفستانٍ ينير عتمة ركنٍ في قلب صالح ، بينما تركت بسمة خصلاتها للعنان فباتت تشبه الأميرات بفستانٍ محتشم بتفصيلة مميزة تتناسق مع جسدها فباتت تسلب قلب وعقل داغر .
وأخيرًا وصل ثائر بهما وهو يبتسم على هيئة داغر الذي تقدم من شقيقته وانحنى يقبل رأسها ثم أمسك بكفها وأوصلها إلى صالح فاستقبلها بابتسامة وعيون عاشقة فبات قلبها يشبه قلب طائرٍ يحلق بحرية وسعادة وهي تجاور من أحبته بصدق .
تحرك داغر بعدها يستقبل حبيبته ، قبلها بين حاجبيها ونظر لها بعمقٍ ومغزى فأخفضت بصرها بخجل وابتسمت بمغزى آخر فتأبطها تحرك بها نحو مكان جلوسهما .
بدأ الحفل وبدأت فقراته وظهرت سها مع ابنتها من باب القاعة تبحث بعينيها عن زوجها ولكنها رأت ثائر يقف كالحارس على زوجته .
نظرت له نظرة مطولة التفت فلمحها لذا باغتها بنظرة عدائية وعلى الفور تجهمت ملامحه وهو يخبرها بنظرته ( ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟)
ابتسمت له لتلكزها ابنتها قائلة :
- مامي بابي وليل قاعدين هناك اهم .
انتبهت لها فأومأت وتحركت معها نحو طاولة أحمد الذي تفاجأ بها بل صُدم حينما وجدها تجلس بجانبه في كامل زينتها وأناقتها وترحب بأمجد وعلياء ترحيبًا زائفًا وسط تعجبهما من حضورها،بينما جلست ابنتها بجانب شقيقها الذي بدأ يتهامس معها .
انحنى أحمد عليها يردف من بين أسنانه بضيق :
- انتِ إيه اللي جابك ؟
ابتسمت واقتربت من أذنه تجيبه باستفزاز :
- هو انا مش من العيلة ولا إيه ؟
تبدلت نبرتها لأخرى خبيثة ونطقت مهددة :
- لو ماتعاملتش معايا كويس يا احمد واحترمتني قدام الناس صدقني ساعتها مش هبقى على حاجة خالص ، بما انك بعد كل السنين دي جاي تصدق أخوك صدقني مش هيبقى عندي حاجة اخسرها ، ماتخلنيش أبوظ فرح الناس اللي انا ماعرفهاش دي .
قالتها وابتعدت تطالعه وتبتسم ابتسامتها الماكرة فحدق بها بغضب حاول أن يحجمه إلى أن يعودوا إلى الفندق .
❈-❈-❈
في تركيا
بعد أن استقرا كمال وزينة في منزل استأجراه وساعدهما في ذلك شخص ما يحمل الجنسية المصرية ويعيش هنا منذ سنوات عدة ، يعمل في مجال الإعلام وكان قد تعرف عليها من خلال الإنترنت .
جلست تجاور زوجها وتتحدث مع هذا الرجل الذي أتى لمقابلتهما ، يخبرها عن كيفية المحتوى الذي ستقدمه ويؤكد لها أنه سيتولى الدعاية والإعلان عن قناتها وسيمولها بشرط أن تتبع وتنفذ ما يقال لها .
نطق بخبثٍ معتاد :
- طبعًا شركتنا هتيح ليكي السفر حوالين تركيا وانتِ كل المطلوب منك تتكلمي عن التسهيلات والامكانيات اللي شوفتيها هنا ، يعني ممكن مقارنة بسيطة تجمع بين مصر وتركيا ، هنا الأتراك بيحبوا اللي بيجمل بلدهم جدًا ، وده هيزيد من نسب السياحة وكل ما اقنعتي الناس أكتر هتكسبي أكتر وده هنحدده من المشاهدات والكومنتات .
لم يرتح كمال لهذا الرجل، وشعر بشيءٍ من الدونية في كلماته لذا أردف بالقليل من الغيرة التي ما زال يحملها تجاه بلده :
- مهي مصر فيها أماكن جميلة بردو يا أستاذ أسامة ، ويمكن أحسن من تركيا بكتير .
غضب أسامة ولكنه لم يظهر غضبه إلا من نظرة مخفية وهو يردف بنبرة مبطنة :
- أكيد بس مش معمولة لكل الناس،دي لطبقة معينة للاسف،ولا انت دخلتها عادي؟
التزم كمال الصمت فهو من أصحاب النظرة البائسة للواقع،ويدرك أسامة ذلك فقد علم من خلال زينة أن كمال رجلًا بخيلًا، لذا استرسل بهيمنة صوتية وهو يوزع نظراته بين زينة المتحمسة وبين كمال الصامت :
- مصر مهدورة لصالح ناس معينة، إحنا طبعًا كلنا نتمنى مصر تبقى أجمل وأحسن بلد في الدنيا ، وقتها كلنا هنرجع بلدنا ونلاقي فرص أحسن بدل ما احنا بنسيبها ونهاجر زي ما عملتوا كدة،إحنا نفسنا نجيب حق الشعب الغلبان المطحون في ظروف مالوش يد فيها .
أومأت زينة مؤيدة ونطقت باستفهام :
- معاك حق يا أستاذ أسامة،واحدة زيي نفسها تركب عربية ويبقى عندها حساب في البنك وتقدر تشتري اللي نفسها فيه،ودي أبسط حقوقي كمواطنة ، بس قولي يعني نظريًا كدة لو عرفت اعمل محتوى الناس تحبه وجالي مشاهدات عالية ممكن يدخلي أرباح كام في الشهر ؟
فرد ظهره بجلسة مريحة من كلماتها التي تتعاون مع نظريته ونظرية من خلفه لذا تحدث بابتسامة ملتوية :
- لاء كتير جدًا ، وانتِ وشطارتك ، وطبعًا ماتبخليش بالخير اللي انتِ وصلتيله لحد تاني جوة مصر ، يعني ممكن حد من هناك حابب ييجي تركيا أو عايز يخرج من مصر لأي مكان تاني ومضايق من أوضاع كتير ، فأنتِ لازم تساعديه على ده (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ) زي ما الرسول قال .
حدثهما بلسان الدين ليسيطر على عقليهما وبالفعل بدأت تفكر في كلماته وتحاول التخطيط لطريقةٍ ما تستطيع بها جذب المشاهدين خاصةً من داخل مصر، ستفعلها فهي تدرك أن هناك أناسًا في الداخل يتمنون لو أنهم يخلعون عباءة الفقر ويتحررون من هذه البلد التي باتت عبئًا عليهم ، وكما قال الأستاذ أسامة يجب أن تشاركهم الخير الذي وصلت إليه .
أما كمال فجلس ينظر لهما ويشعر بشيءٍ من الضيق والنفور ولكنه لا يمتلك حق الاعتراض .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ أوشك الحفل على الانتهاء فجاءت فقرة رقص الثنائيان وصدحت أغنية ( حكايتنا كملت وكان في وعد ، نفذته وشلتك في عينيا )
تجمع الحضور حول داغر وبسمة وصالح ودينا وبدأوا يتمايلون ويرددون كلمات الأغنية لبعضهما البعض في جوٍ ممتلئ بالسعادة .
كانت ديما تجلس تطالعهم مبتسمة فجاء إليها ثائر الذي كان يتحدث مع والده ومد يده لها فرفعت نظرها تطالعه وجدته يبتسم ويحثها على النهوض معه فتنهدت وناولته يدها ووقفت تبادله الابتسامة فتقدم بها نحو المسرح في ركنٍ بعيدٍ نسبيًا عن الثنائيان كي يعيشوا لحظتهما بأريحية .
حاوط خصرها بكفيه وتعلقت بكفيها حول رقبته وبدآ رقصتهما وهما ينظران لبعضهما نظرات تعبر عن كلمات الأغنية وكأنها صممت لهما وحدهما .
يستعيدان كل ما مر بهما في هذه اللحظة وكلٍ منهما يخبر الآخر بأنه كان العوض .
كانت الكلمات تخرج من شفتي داغر الذي ألقى بموقفه من بسمة عرض الحائط ولم يعد متجهمًا بل متلهفًا للحظة تجمعهما بمفردهما في بيتهما ، يردد قلبه الكلمات قبل لسانه ، خلال الأسبوع الماضي كان متجهم الملامح ولكنه اشتاق لها اشتياقًا تخطى حدود المنطق ، تمنى لو تراضيه بكلمة أو بنظرة ولكنها لم تفعل ، حسنًا يبدو أنها باتت قاسية ولكنه تعهد أن يجعلها تلين حينما يختلي بها .
على الجانب المجاور كانت دينا هي من تردد كلمات الأغنية التي لا يحفظها صالح ولكنه يستقبلها منها ويدخلها في قلبه ويعيد تدويرها ويرسلها إليها على هيئة نظرات ومشاعر ، سعيدًا بها لدرجة أخمدت أحزانه وجعلته يعيش معها لحظات لم يكن يحلم أن يعيشها ، يحبها ويحب ابتسامتها وملامحها وهيأتها المشرقة حينما ظهرت بالحجاب ودلالها له الآن وشفتيها تتحرك مع الكلمات المعبرة .
انتهت الأغنية وتحدث منظم الحفل عن فقرة أخيرة لذا ابتعدت ديما عن ثائر ونطقت وهي تشعر بشيءٍ من الغثيان ولكنها حاولت أن تخفيه أسفل ابتسامة هادئة :
- هروح الحمام .
نظر لها بشك ولكنها تحركت وتركته قبل أن يظهر عليها الأعراض أمام الجميع فكاد أن يذهب إليها ولكن داغر سحبه إليه كي يرقص معه ومع الشباب الذين تجمعوا حوله .
رأتها سها التي كانت مشتعلة ولو أن المشاعر تُرى لرأى الجميع الأدخنة تتصاعد من رأسها خاصةً بعد رقصة ثائر وديما الرومانسية لذا قررت أن تنفذ خطتها الأولى ونهضت تتبع ديما نحو الحمام .
وقفت ديما أمام الحوض تحاول تنظيم أنفاسها الهادرة وتبلل ملامحها بقطرات خفيفة ثم نظرت لهيأتها في المرآة ، يظهر عليها الإرهاق كثيرًا لذا تمنت أن ينتهى الحفل وتعود للمنزل بسلام .
لم تنتبه لدخول سها إلا بعدما تحمحمت الثانية وتحدثت وهي تدعي غسل يديها :
- انتِ كويسة ؟
التفتت ديما تطالعها لتجدها هي لذا نظرت لها بنوعٍ من الضيق ولكنها أومأت وكادت أن تتحرك نحو الخارج ولكن أوقفتها سها حيث استرسلت :
- استني يا ديما ، فيه حاجة مهمة لازم اكلمك فيها .
التفتت لها ديما تقطب جبينها مستفهمة فاقتربت منها سها تردف بخبثٍ ظنت أنه مبطن :
- أنا عارفة إن المكان والوقت مش مناسبين بس صدقيني حاولت اوصلك ماعرفتش ، لو ممكن تحددي مكان ونتقابل فيه بس بلاش ثائر يعرف أرجوكي .
نظرت لها بثقب ، بالطبع لن تقابلها في أي مكان لذا نطقت وهي تتكتف كي تسند نفسها :
- خير ، قولي اللي عندك.
طريقتها لم ترُق لسها لذا أخفت نظرة كرهٍ خلف ستار الاستعطاف ونطقت بزيفٍ وخبثٍ عظيم :
- أنا كنت عايزاكي تحاولي تتكلمي مع ثائر بخصوص أحمد لأنه زعلان جدًا ، قوليلو خلاص اللي فات مات واللي حصل ده عدى عليه سنين ، مافيش داعي يفضل محمل أخوه ذنب هو نفسه مشترك فيه ، كلنا غلطنا وكنا صغيرين وقتها وأكيد دلوقتي فهمنا غلطنا وبنحاول نصلحه وده اللي أحمد بيعمله وانا كمان بس ياريت ثائر هو اللي يدي فرصة لنفسه ولينا ، احنا مهما كان عيلة واحدة .
نظرت لها ديما نظرات متفحصة ونطقت بجسارة ومجابهة :
- اللي بيغلط بيحاول يغطي على غلطه بأي مبررات ، انتوا ماكنتوش صغيرين يا سها ، انتِ كنتِ وقتها مرات أخوه مش بنت خاله ، اللي عمله أحمد ماكنش مجرد غلطة بسيطة دي غلطة عمره ، ورد فعل ثائر ماحدش أبدًا ليه الحق يتناقش فيه وخصوصًا انتِ .
تفاجأت سها من حدتها ونبرتها لذا أسرعت تتلون ونطقت بملامح مصدومة خداعة :
- استني بس واضح إنك فاهمة غلط تمامًا ، خليني أوضحك الصورة لو سمحتِ يا ديما .
لم تعطها ديما فرصة والتفتت لتغادر فأسرعت سها تعيق حركتها وتقف خلف الباب تردف مترجية بطريقة مفاجئة تعجبت لها ديما :
- لازم حد يسمعني، كلكوا ظلمتوني وحكمتوا عليا حكم بشع زي ده لسنين ، اسمعيني واحكمي بنفسك وممكن تسألي ثائر لو كنت بكدب .
الحالة التي استحوذت على ديما جعلتها تشعر بالدوار لذا استندت على حافة المغسلة ونطقت بملامح ثاقبة :
- مش وقته خالص يا سها ، ابعدي من ورا الباب خليني اطلع .
هزت رأسها رفضًا ونطقت بترجٍ زائف :
- اسمعيني الأول يا ديما أرجوكي ، أنا وثائر كنا اصحاب جدًا حتى قبل ما أحمد يتجوزني ، كنا مقربين من بعض جدًا ، وانا بحكم بنت خاله الوحيدة وهو ابن عمتي كنا دايما طول الوقت مع بعض خصوصًا إن افكارنا كانت متشابهة حتى في معارضتنا على حاجات كتير بتحصل جوة البلد ، كنا دايما متفقين مع بعض ضد العيلة ، علشان كدة أكتر وقتنا كان سوا .
وقفت تطالعها وتسمعها بمللٍ فاستطردت سها بخبثٍ متواصل وملامح مشدوهة :
- ثائر كان معروف عنه زمان إنه مندفع شوية ، كان حماسي أوي وأي حاجة بيعوز يعملها بيعملها على عكس أحمد اللي كان متردد في قراراته ، علشان كدة أحيانًا تهوره ده كان بيتفهم غلط ، وللأسف برغم إني عرفاه وعارفة أطباعه إلا إني فهمته غلط في وقت ضعف مني ومشاكل بيني وبين أحمد ، والغلطة الكبيرة اللي وقعت فيها إني صدقت كلام البنت اللي اتهمته إنه اتحرش بيها ووقتها افتكرت مواقف حصلت منه ولقيتني بقول ده بصوت عالي قدام العيلة ، صدقيني أنا أكتر واحدة ندمت على تهوري وتسرعي ده بس للأسف كان بعد فوات الأوان ،أرجوكِ يا ديما ساعديني نصلح الغلطة دي ونرجع الأخوات لبعضهم تاني .
حتى لو لم تقع ديما في شباك خبثها ولكن كلمات سها كانت كافية ليجعلها تقف صامتة تتطلع عليها ولم تستطع ردعها خاصةً وهي تدعي البكاء والترجي ، لم تفق ديما إلا حينما طرق ثائر الباب ينادي بصوتٍ قلق :
- ديما ؟
ارتعبت سها من صوته وابتعدت عن الباب فتقدمت ديما بخطواتٍ مهزوزة تفتح الباب وتطالعه فنظر لها بتفحص وتساءل بشكٍ خاصةً وأنه لاحظ اختفاء سها :
- حصل حاجة ؟
هزت رأسها بلا وابتسمت تجيبه وهي تتحرك معه نحو القاعة :
- لاء تمام ، يالا علشان نروح .
كان قد بدأ توديع الأهل ، وغادر محسن خاليَ الوفاض بعدما لم يعره أحد أي اهتمام ، لقد جاء ليرسم دورًا لم يقم به لسنوات ، وجاء معه ولداه كي يستقطب عطف الحضور ولكنه وجد عكس ما توقع لذا غادر قبل أن تتبعثر كرامته أكثر من ذلك ، هو سلك طريقًا بإرادته وعليه أن يتحمل العثرات .
غادر الجميع في سيارتهم وصممت ديما على اصطحاب منال معها ليومين في منزلها وأيدها ثائر في ذلك .
غادرت سها مع أحمد وولديها ولكنها كانت تشعر بانتصار ، كأنها أحرزت هدفًا طال انتظاره ، تتمنى أن تجني شباكها صيدًا يستحق عناءها لسنوات وستواصل السعي لتحصل على ما تريده .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
وصل داغر وبسمة شقتهما ، دس يده في جيبه يخرج المفتاح ويناولها إياه قائلًا بنبرة متلهفة تقطر حبًا :
- افتحي انتِ بابنا بإيدك .
ابتسمت له والتقطت منه المفتاح وبالفعل قامت بفتح الباب ودلفت وتبعها يغلق الباب ويتقدم منها حيث وقفت في منتصف الصالة تفرك كفيها بتوتر ، عنفها قلبها على ما ستفعله به ولكنها مجبرة .
ازداد توترها وازدادت معه رأفتها به حينما التفت يقابلها ويحدق بها بعيون هائمة ونطق مأخوذًا بها :
- أنا مش مصدق نفسي ، أخيرًا بقيتي قدامي وكسرنا كل الحواجز اللي بينا ، أخيرًا يا بسوم هاخد حقي منك ، هونت عليكي أسبوع كامل تخاصميني فيه ؟
تخلت عن توترها وطالعته باستنكار فأسرع يسترسل كي يغطي على فعلته :
- يعني أنا لما اتقمص ماستهلش تصالحني ؟ افرضي يا ستي بدلع عليكي ؟
ابتسمت ونطقت بتروٍ وهي تشبك كفيها برقبته كتعويض بسيط عما هو قادم :
- لا طبعًا اصالحك وادلعك واعملك كل اللي انت عايزه بس المرة دي إنت اللي كنت غلطان ، صح ولا لاء ؟
لم يجد بدًا سوى من الاعتراف بخطئه أمام نعومتها ودلالها عليه لذا أومأ يردف :
- صح ، علشان كدة عاقبت نفسي بنفسي ، بس خلاص كدة الحمد لله مابقاش فيه حواجز بينا بعد النهاردة .
نطقها وسحبها معه إلى غرفتهما ودلفاها ووقف يحدق بها لثوانٍ ثم أسرع يطوق رأسها ويبادر بوصم شفتيها بقبلة معبرة عن تكسر الحواجز ، قبلة رومانسية وانتقامية في آنٍ جعلتها تدور حول نفسها وتغزوها مشاعر قوية كادت أن تنسيها الواقع ، ولكنه ابتعد يتذكر تعليمات صالح له لذا تنفس بعمق وفتح عيناه يطالعها فوجدها غارقة في تأثير سطوته فابتسم ونطق بحبٍ كبير وحماسٍ أكبر :
- خلينا نصلي ركعتين الأول .
سقطت على أرض الواقع فنظرت له بتوتر اختلط بمشاعرها وانعقد لسانها لبرهة لا تعلم كيف تخبره لذا راوغت وأردفت :
- طيب ادخل انت الأول غير هدومك واتوضى وتعالى .
تعجب ونطق وهو يشير على فستانها :
- طيب اساعدك تخلعي الفستان الأول !
نظرت لثوانٍ ثم أومأت له وبالفعل التفتت فمد يده يسقط سحاب الفستان وساعدها في خلعه حابسًا أنفاسه كي لا يضعف أمام أنوثتها الطاغية التي ظهرت للتو أمام عينيه .
أسرعت تلتفت وتقف أمامه حاضنة نفسها لتغطي ما ظهر من خلف الملابس الخفيفة التي ترتديها ثم نطقت بترجٍ وتوتر :
- داغر لو سمحت روح بقى .
وقف يطالعها مطولًا ، مشاعره ترغمه على البقاء ولكن عقله نهره وقرر أن ينسحب لذا نزع نفسه بصعوبة وتحرك نحو الحمام وقبل أن يغلق رفع سبابته يشير لها بتوعد :
- مش هتفلتي مني النهاردة .
❈-❈-❈
على الجانب الآخر
دلف صالح ودينا شقتهما الراقية الهادئة .
وقف أمامها وابتسم ونطق بحبٍ وعيناه تغزو ملامحها :
- نورتي بيتك حبيبة قلبي .
بادلته ابتسامة صافية ووقفت تطالعه بتوتر داهمها منذ أن دلفت لذا حاول أن يبسط لها جناح اللطف فقال وهو يشير لها نحو الأريكة :
- تعالي نقعد يا دينا بدي احكي معك .
أومأت له وتقدمت تجلس وتبعها يجاورها ثم تمعن فيها ونطق بنبرة حنونة مراعية لأقصى درجة :
- من هان وطالع هاد بيتك ومملكتك وأنا صرت جوزك وحبيبك ورفيقك وفيكي تعتبريني أبوكي كمان ، الشي اللي كنتِ بتعملي ببيت أهلك بدك تعمليه هان ، أي طلب بدك ياه ما تترددي تطلبيه مني ، أي شغلة حتى لو كانت بسيطة تعي واحكيها معي ، أي شي بيضايقك أو بيزعجك دوغري بتعرفيني ، خلي دايمًا لغة النقاش بينا في كل إشي ، وأنا بوعدك راح اتفهمك وما حتزعلي مني ولا مرة ولو صار أنا براضيكي علطول .
تأملته بمشاعر حبٍ كبيرة ولم تجد ما يليق بالرد عليه سوى العناق ، مالت تحتضنه وتحتمي به من نفسها ومن تمردها الذي تسعى لتتحرر منه ، هي تحبه ، تحب حياته ، تحب رزانته وسلامه وتريد أن تكتسب منه كل هذه الصفات .
بادلها العناق وربت على ظهرها وتدفقت داخله مشاعر العشق لها فابتعد يطالعها لبرهة ثم نطق ببحة متحشرجة :
- تعي نصلي ركعتين سنة الزواج .
أومأت له ونهضت معه نحو غرفتهما ، دلفا ووقف يطالع توترها ثم نطق متسائلًا :
- بتحبي أساعدك ؟
دلفت في حالة من التيه وبدلًا عن الإجابة بالنفي أومأت له بالقبول ثم تعجبت من نفسها ، كأن قلبها الآن هو من يتولى زمام الأمور لذا ابتسم وحركها نحو المقعد فجلست عليه فبدأ يساعدها في فك حجابها لتظهر بعد ثوانٍ خصلاتها التي حررها فانهمرت من حولها كمياه شلالية انعكست عليها الشمس .
أوقفها ولف عنها ومد يده يفك حصار الأربطة بتهمل ، وكأنه مستمتعًا بما يفعله ، واحدًا تلو الآخر حتى نجح في تحرير الثوب فتمسكت به قبل أن يسقط عنها ونطقت بخجلٍ شديد وهي تلتفت لتواجهه :
- خلاص يا صالح علشان خاطري .
ابتسم عليها وتفهم خجلها لذا مد يده يزيح خصلاتها عن وجهها وسافر بأصابعه عبر ملامحها في رحلةٍ متمهلة جعلتها تستسلم وتميل على أصابعه التي وصلت لشفتيها فمرر إبهامه عليهما كأنه يستأذن الدخول ، وكانت ارتعاشتهما إذنًا له فمال يقبلهما بتهمل ، مرحبًا بهما داخل خاصتيه ، مستمتعًا بكرم ضيافتهما ومرتشفًا رحيقهما في تجربة حديثة العهد على قلبٍ مستجد على السعادة .
قبلتها الأولى التي كانت تفكر فيها منذ أيام ، ترسم كيف ستتم وتفكر بماذا ستشعر والآن ها هي تعيش التجربة الفريدة التي جعلتها تشعر بخفة كأنها تسبح في الأعماق ، تراخت أعصابها وتحررت قبضتهما من حول الفستان فسقط أرضًا رغمًا عنها فشهقت وتعلقت به أكثر فحرر شفتيها واتجه يهمس عند أذنها بإثارة وهو يحتويها :
- ما تستحي مني يا عمري انتِ ، إحنا هسا صرنا واحد .
استكانت داخله فعانقها وتنفس بقوة ثم ابتعد يحدق بها ويردف بهدوء ظاهري :
- تعي نتوضا لحتى نصلي .
أومأت وتحركت معه بالفعل ليبدآ حياتهما بركعتي سنة الزواج .
❈-❈-❈
خرج داغر من الحمام بعدما خلع حلته وتوضأ ليتفاجأ بها تجلس على طرف الفراش وترتدي منامة حريرية .
تعجب وتقدم منها ينظر لما ترتديه تساءل بعدم فهم :
- هتصلي في دي إزاي ؟
رفعت نظرها إليه وازدردت ريقها وأردفت :
- داغر أنا مش هينفع أصلي ، عندي ظروف .
ابتسم لها بحنانٍ وتفهم حالتها لذا أردف وهو يمرر يده على وجنتها :
- ولا يهمك يا حبيبتي حصل خيــــــــ ، نــــــــعـــــــــم ؟
كادت أن تنفلت منها ضحكة على ردة فعله حيث انتبه لما قالته وأبعد يده عن وجنتها يطالعها مستنكرًا فوجدها توميء لذا استرسل برفضٍ :
- لاء طبعًا ماتهزريش ، مافيش الكلام ده يا بسمة ، لاء بجد مش هينفع خالص كدة .
نهضت تحاول تهدئته أردفت بحيرة وتوتر :
- اهدى يا داغر لو سمحت ، دي ظروف خارجة عن ارادتي .
نظر لها بغيظ واستنكار وأردف بهجوم طفولي محبط لآماله ومخططاته :
- إزاي يعني يا بسمة ؟ ده كلام يعني ؟ اعمل أنا إيه دلوقتي ؟
حاولت مراضاته فنطقت وهي تضع كفيها على صدره بحب :
- يا حبيبي اهدى ، باقي يومين بس ، خلاص بقى يا داغر ماتضيعش فرحتنا .
زم شفتيه ونطق بتجهم واعتراض :
- أنا اللي بضيع فرحتنا ؟ اروح فين أنا دلوقتي ولا آجي منين ؟
التفت حوله يحاول استيعاب ما يمر به لذا عاد يستطرد باستفهام :
- هروح أصلي سنة جواز من غير جواز يا عالم ؟ عيني عليك يا داغر وعلى حظك وليلتك اللي منظور لك فيها ، حسبي الله .
ابتعد عنها وتحرك نحو الخزانة ليلتقط ثيابًا يرتديها ويصلي بها تحت أنظارها الحزينة بعدما ظنت أنها ستتشفى به ولكنها الآن تشعر بانتمائها إليه وتتحمس للنوم بين أحضانه .
❈-❈-❈
انتهيا من صلاتهما ونهض صالح وتبعته دينا تتنفس بعمقٍ وتوتر خاصةً حينما التفت يتمعن ويطيل النظر إليها لذا نطقت تراوغ :
- أنت جعان ؟
هز رأسه بلا فهما تناولا طعامهما في الفندق لذا اقترب منها وتفهم ما تمر بها لذا حاوط كتفيها يتساءل بحنان :
- أنا تمام ، بس إذا بدك تاكلي قولي .
هزت رأسها أيضًا تجيبه وهي تنظر في عينيه :
- لاء مش جعانة خالص .
ابتسم عليها واستطرد متسائلًا :
- خايفة ؟
أومأت ثم نفت برأسها تجيبه :
- متوترة شوية .
رفع كفه يضعه على ناصيتها ويردد بخشوع :
- اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه .
انتهى وسحبها داخله يعانقها ويبث فيها الطمأنينة وبالفعل اجتاحها شعورًا بالراحة والأمان بدد توترها وأبدله بمشاعر عدة أحبتها جميعها منه ، لفت ذراعيها حوله تبادله بينما كفيه يملسان على طول ظهرها بحنان ثم اقترب من أذنها يهمس بحبٍ وسعادة تفشت داخله :
- بحبك كتيــــر،ياعمري إنتِ .
انحنى بعدها يحملها بين يديه فتفاجأت وتعلقت به تخفي ملامحها في صدره فابتسم وتقدم بها نحو فراشهما يمددها عليه ويغطيها بنفسه مقبلًا ثغرها بتهمل ينافي نبضاته السريعة المتحمسة لهذه التجربة .
رائعة ،خجولة ،ناعمة ،مبهجة ،تشبه مدينته قبل الحرب ، تشبه دفء عائلته ، تشبه بهجة أشقائه ، تشبه كل الأشياء الممتعة التي فقدها وتمنى عودتها لذا سيسعها ليؤمنها ويحافظ عليها .
وهذا ما وصل إليها من خلاله ، لديه من الحنان والاحتواء والمراعاة ما يملأ فراغات شخصيتها ، لديه طاقة تجبرها على الانجذاب له أكثر وأكثر حتى باتت لا تمتلك خيار الابتعاد عنه ولا تريد أن تمتلكه .
❈-❈-❈
في فيلا ثائر
اتجه الجميع إلى غرفهم وجهزت ديما الغرفة التي ستنام بها منال وبالفعل ودعتها بعد حديثٍ خفيف دار بينهما ثم اتجهت لغرفتها .
دلفت لتجد ثائر يجلس على الفراش ينتظرها بعدما تحدث في مكالمة صوتية مع رشدي عن توماس وآخر التطورات التي حدثت مع رحمة .
برغم أنها لم تتجاوب مع كلمات سها إلا أن الشيطان دلف لها من ثقب إبرة ، خاصةً وأن تلك المتلونة أخبرتها عن مرحلة من عمر زوجها عاشتها معه ، أخبرها أنه بالفعل كان معارضًا لعدة أمورٍ في بلده ، فهل حقًا كان قريبًا من تلك السها في مرحلةٍ ما ؟ وإن لم يكن متهورًا بالفعل آنذاك فلماذا صدقت عائلته وخاصةً أحمد تلك التهمة التي تعلم يقينًا أنه لم يفعلها ، ولكن فضولها جعلها تريد معرفة القصة كاملة وبوضوحٍ أكبر .
نظرتها نحوه جعلته يدرك أنها تخفي شيئًا عنه لذا ربت على الطرف الآخر من الفراش يردف بهدوء :
- تعالي جنبي .
بالفعل توجهت تتمدد جواره فالتفت يحدق بها واسترسل بحنان :
- قولي كل اللي جواكي .
التفتت تحدق به لبرهة ثم ابتسمت بخفة ونطقت بتشوش وإرهاق حقيقي :
- اليوم النهاردة كان صعب أوي يا ثائر ، مش مصدقة إني قدرت اكمل بعد اللي حصل في الفندق ، أنا حاسة إني دماغي هتقف .
سحبها إليه يعانقها وتفهم ما تشعر به لذا احتواها ووضع رأسها على صدره وانسحب بجسده للأسفل قليلًا وهو يردد على مسامعها :
- نامي دلوقتي وارتاحي خالص وبكرة نتكلم .
أومأت له فهذا ما تريده ولكن ما إن أغلقت عيناها حتى ولجت سها إلى عقلها وهي تردد كلماتها الخبيثة فأسرعت تفتح عينيها مجددًا وفكرت هل تسأله أم سيظنها تشك به ؟
شعر بها وأدرك أن هناك سؤالًا يقف على طرف لسانها لذا مهد لها الطريق قائلًا ويديه تحاوطها بحماية :
- قولي يا دمدومتي علشان تعرفي تنامي ، سامعك .
لفت وجهها تحدق به لبرهة فخشت أن تسأله لذا ابتسمت وارتفعت تقبل فكه وعادت تنام على صدره منتظرة الصباح حتى يأتي ويتحدثان .
يتبع...