-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 14 - جـ 1 - السبت 30/8/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الرابع عشر 

الحزء الأول

تم النشر السبت 

30/8/2025


هنا التفت إليها، ورأى الحزن يغلف ملامحها، والدموع تلمع في عينيها في ضوء القمر الخافت.

_مش عارفة أفرح يا مالك.


قالتها، وانهار سد مقاومتها، فبدأت الدموع تنزل بصمت.

_كل حاچة حواليا بتجولي المفروض أكون أسعد واحدة في الدنيا فرحي بكرة، وكل حاچة چاهزة بس أنا مش حاسة بحاچة كل ما أبص على سريري، أتخيلها كانت جاعدة عليه بتضحك معاي كل ما أفتح دولابي، أشوف الفستان اللي اختارته معايا صوتها، ضحكتها، هزارها... كل حاچة ناجصة البيت فاضي من غيرها.


أخذت نفسًا عميقًا وتابعت بصوت مكسور.


_أنا عارفة إنها عايشة، وإنها قريبة منينا، بس بحس إنها في دنيا تانية بعيدة جوي بحس إنهم سرجوها منينا، سرقوا روحها قبل ما ياخدوا جسمها خايفة عليها يا مالك خايفة من اللي اسمه جاسر ده. 

خايفة يكون بيعذبها، بيقهرها نغم متستحملش الجسوة دي، جلبها رهيف زي ورقة الشجر.


صمتت للحظة، ثم نظرت إليه برجاء.

_هنفضل ساكتين إكدة؟ هنسيبها معاهم؟


تنهد مالك وأشاح بوجهه عن نظراتها التي كانت تخترق روحه اقترب منها، وقال بحكمة كانت تحمل في طياتها ألمًا عميقًا.


_ده مش سكوت يا روح، ده هدوء قبل العاصفة اللي حصل ده مكنش خطف عادي، دي كانت لعبة متخططلها زين جوي، لعبة أجبرت نغم إنها توافج إحنا كلنا مجبورين على اللي بيحصل ده ودلوجت مجبورين نمشي على الشوك عشان منجرحهاش أكتر.


التفت إليها، وعيناه تحملان تصميمًا قاطعًا.

_بس ده مش معناه إني هسكت، أو هسيبها لوحدها أني وعدتها إني هكون في ضهرها، والوعد ده دين في رقبتي ليوم الدين

جاسر فاكر إنه كسب المعركة، بس هو ميعرفش إن الحرب لسه مبتدتش.


شعرت روح ببعض الطمأنينة من كلماته، لكن حزنها الشخصي عاد ليغلبها.

_كل حاجة ملهاش طعم من غيرها. حتى التحضيرات اللي كنت فرحانة بيها، بقيت بعملها غصب عني بحس إني لوحدي في كل حاچة.


قالت جملتها الأخيرة بمرارة، وغفلت عن معناها المزدوج لكن مالك لم يغفل التقط الكلمة، وشعر بوخزة قلق حادة.

_لوحدك كيف؟ وعدي فين من كل ده؟ المفروض يكون چنبك أكتر واحد في الوجت ده.


ارتبكت روح، وأدركت أنها أخطأت

لم تكن تريد أن تظهر عدي بصورة سيئة أمام أخيه وخاصة مع مالك الذي يفهمها دون ان تتحدث

حاولت تدارك الموقف بسرعة.

_لا... لا مش جصدي عدي... عدي مشغول مع الرچالة، وبيحاول يلاجي حل

هو بس... طبعه صعب شوية، مبيعرفش يواسي بالكلام.


نظر إليها مالك نظرة طويلة، فاحصة لم يصدقها لقد رأى الحقيقة في عينيها المرتجفتين قبل أن تنطق بالكذبة رأى ظل الوحدة الذي يحيط بها، والذي لا علاقة له بغياب نغم فقط. 

لقد تأكد الآن من شكه القديم أخوه يهملها.


لم يضغط عليها، لكنه قال بهدوء يحمل في طياته تحذيرًا مبطنًا.

_ماشي يا روح.


ثم اقترب منها، وربت على كتفها بحنان أخوي، حنان كان يمزقه من الداخل.

_متخافيش على نغم و متخافيش على نفسك أنا موچود وعمري ما هسيب أي واحدة فيكم لوحدها مفهوم؟


أومأت برأسها، وشعرت بالدفء يتسلل إلى قلبها من لمسته وكلماته كانت دائمًا تجد الأمان لديه

لكن مالك بينما كان يطمئنها، كان قلبه يشتعل بنارين: نار القلق على نغم، ونار غضب جديدة بدأت تتأجج تجاه أخيه الذي أهمل الجوهرة التي بين يديه.


❈-❈-❈


وفي تلك الاثناء

كان منزل وهدان يستعد لعقد القران والعائلة بأكملها داخل المنزل وخارجه.


كانوا جميعاً مجبورين على الابتسام واظهار فرحة رغم صدقها إلا انها ناقصة.

الكل يتألم ولا أحد منهم يعرف سبب آلم الآخر 

ليل على فراق ابنتها التي لا تعرف حتى الآن ما حل بها.

وروح التي تشعر بقلبها يئن على اختها 

وكذلك الأمر مع وعد التي حلمت بذلك اليوم اعوام

وعندما تحقق جاء معه جرح لن يندمل.


سند الذي وقف بكمد لم يستطيع اخفاءه 

وعدي الذي كان منزويًا يخطط بشر كيف يأخذ نغم من حفيد التهامي

خطط كثيرة تراوضه لكن واحدة فقط من راقت له وسينفذها عندما يحين وقتها.

أما مالك فقد كان يرحب بالمدعوين بابتسامة تخفي حزن السنين بداخله

يتمنى أن ينتهي ذلك اليوم كي يستطيع الاختلاء بنفسه 

حتى جاء من ينقذه

أكمل

_فضيت نفسي بمعجزة وجيتلك، عقبالك يا سيدي.

صافحه مالك بترحيب أخوي ثم قال

_جيت في وقتك انا عايز أخلع ومش عارف.

دلف معه أكمل للداخل

_ماشي بس الاول عاملين اكل ولا أروح آكل عند جدي انا جيت من المطار على هنا.

أغلق مالك باب المكتب خلفهم

_عندنا الأكل بس ادخل ارتاح الاول من الطريق

جلس أكمل على المقعد وهو يقول

_بصراحة الطريق من المطار للنجع هنا متعب اوي.

_ثواني هخليهم يچهزوا الوكل.

خرج مالك وصاح هاتف أكمل بالرنين

اخرجه من سترته بضجر ظنا منه أنها ليلى 

لكن تلك المرة كان جده

_السلام عليكم.

رد أكمل بسرور

_وعليكم السلام يا حاج كيفك؟

_شكلك چيت على الفرح طوالي.

ضحك أكمل

_ما انا قايلك اني هحضر كتب الكتاب وأجيلك، وبعدين بعد ما قلت هتيجي تحضره غيرت رأيك.

حاول .....اخفاء تعبه

_نخليها في الفرح بكرة.

_ماشي يا جدي اللي تشوفه وانا اول ما يخلصوا هجيلك على طول.

اغلق أكمل الهاتف وتطلع إلى مالك الذي دخل

_ثواني والاكل يكون جاهز.

جلس بجواره وسأله

_عملت ايه مع خطيبتك، لسة زعلانين.

رد أكمل بدون اهتمام

_ده العادي نتصالح ونتخاصم بقى روتين لا يمكن الاستغناء عنه.

مش ناوي تعملها وتعيش الدور زيي.

ابتسم مالك بحزن

_دلوجت لا، بس شوية.

ترك الباب ودلفت سعدة بالطعام لتضعه على الطاولة الصغيرة بجوار المكتب ثم انصرفت.

نهض اكمل ليجلس أمام الطاولة وقال

_احكيلي  ايه اللي حصل بالظبط.


❈-❈-❈


كان الليل قد أرخى سدوله على القصر، لكن مكتب صخر التهامي كان لا يزال مُضاءً، ينبض بالترقب والتربص

كان صخر يجلس خلف مكتبه الفخم وعيناه تلمعان بترقب وحشي.


فُتح الباب دون استئذان، ودخل جاسر بهدوئه المعتاد الذي لا يتناسب مع العاصفة التي أثارها. 

أغلق الباب خلفه وتحرك ليجلس على المقعد المقابل لعمه، واضعًا ساقًا فوق الأخرى في استرخاء تام وكانه يجلس أمام ند له وليس عمه

_خير؟

تحدث صخر  بصوته الأجش الذي يشبه حفيف الصخور

_طمني لول كيف حالها بنت الرفاعي؟ أتمنى تكون عرفت مجامها زين.


لم ينظر جاسر إليه مباشرة، بل ترك عينيه تتجولان في أرجاء المكتب قبل أن تستقر على وجه عمه.

_بنت الرفاعي في مكانها الطبيعي دلوجت... في بيتي وتحت اسمي وده المهم.


ابتسم صخر ابتسامة صفراء، كاشفًا عن حقده الدفين

_زين... زين جوي دلوجت أكيد كلهم منكسين رؤوسهم، وفرحهم اللي كانوا يتفاخرون بيه اتحول لميتم.


هنا، ارتسمت على شفي جاسر شبه ابتسامة ساخرة

_للأسف الميتم لسه مجاش وجته يا عمي الأخبار اللي عندي بتجول غير إكده.


قطّب صخر حاجبيه، وانحنى بجسده الضخم إلى الأمام. 

_كيف يعني؟ اتكلم دغري.


_الرفاعية... هيعملوا الفرح في ميعاده.


اتسعت عينا صخر بدهشة لم يستطع إخفاءها، ثم تحولت الدهشة إلى غضب مكبوت.

_فرح؟! فرح مين ولمين؟ بعد ما خطيبته سابته واتجوزت عدوه؟ اتجنوا دول باك  ولا ايه عايزين يضحكوا الناس عليهم؟


_الرفاعية أخبث من إكده يا عمي هما صحيح خسروا بنتهم، بس معندهمش مانع يضحوا بغيرها عشان يحفظوا شكلهم جدام الناس.


صمت صخر للحظة، العروق تنبض في صدغه وهو يستوعب ما قيل ثم قال من بين أسنانه

_قصدك... هيجوزوا العريس لبنت عمه التانية؟


أومأ جاسر برأسه ببطء، وعيناه تراقبان رد فعل عمه بذكاء حاد.

_بالظبط الفرح هيتم في نفس الليلة، بنفس المعازيم، وبنفس العريس... بس العروسة هي اللي اتغيرت هيجوزوه لـ بنت سالم بنت عمه التانية. 

باكده جدام الناس، كرامتهم متهزتش، والفرح تم، ومحدش يجدر يفتح خشمه بكلمة.


ضرب صخر بقبضته على سطح المكتب بقوة، محدثًا صوتًا مدويًا لم يكن غاضبًا من الرفاعية، بل كان معجبًا بدهائهم الذي ينافس دهاءه.

_ولاد الأفاعي... بيغيروا جلدهم عشان يهربوا من الضربة،حسبوها صح.

عشان إكدة جولتلك نشهر بچوازتك منيها ونفضحهم.

هدر به جاسر لكن عينيه لا تخلوا من فتورها المعتاد وهذا ما زاده حزم وقوة

_جولت مش رايد حديت كتير ملوش عازة، هي بجت مرتي وطالما بجيت مرتي يبجى مينفعش سمعتها تكون على كل لسان 


نهض جاسر ووقف شامخًا، ونظر إلى عمه من علٍ بنظرة تحمل ثقة مطلقة.

_هما حسبوها صوح على الورج بس افتكروا إنهم بكده بيلموا الفضيحة وبيحافظوا على سمعتهم بس اللي ميعرفهوش... إنهم باكده رموا رجابهم تحت رچلينا.


التفت جاسر ليهم بالمغادرة، ثم توقف عند الباب وأضاف دون أن يستدير

_هما فاكرين إنهم خلصوا المعركة بالخطوة دي... بس الحجيجة، هما بكده فتحوا على نفسهم باب جديد.


خرج جاسر وأغلق الباب خلفه، تاركًا صخر يبتسم ابتسامة شريرة حقيقية هذه المرة. 

لقد أعجبه دهاء ابن أخيه وقراءته العميقة لخصومه، رغم حنقه من تعنده أمام فضحيهم بتلك الزيجة.


لم تكن خطوة الرفاعية نهاية للإذلال، بل كانت مجرد بداية لجولة جديدة أكثر إثارة وتشويقًا في لعبة القوة والانتقام التي يعشقها آل التهامي.


❈-❈-❈


ظلت نغم جامدة في مكانها لوقت طويل بعد خروجه، كلماته الأخيرة كانت كالسهم الذي أصاب كبد الحقيقة. _عيشي عشان تحاربي يوم تاني.


هل كان الموت جوعًا وعنادًا انتصارًا حقًا؟ 

أم أنه مجرد هروب من مواجهة مصيرها؟ ستكون مجرد قصة تروى، "ابنة الرفاعي التي ماتت ضعفًا". 

أما هو، فسيستمر في حياته قوياً منتصراً، لم يخسر شيئًا.


ببطء، وكأنها تحمل جبالاً على كتفيها، نهضت. 

تحركت ساقاها بتثاقل نحو الفراش المقلوب. 

كل حركة كانت طعنة في كبريائها، وكل نفس كان شهقة مكتومة. 

بدأت بترتيب الفوضى، يداها ترتجفان من الإرهاق والجوع والإهانة. 

أعادت الفراش الثقيل إلى مكانه بصعوبة بالغة، ثم انحنت لتلتقط الوسائد والملاءات المبعثرة، وتنفض عنها غبار الهزيمة.


كانت تعمل في صمت، دموعها محبوسة في عينيها، ترفض أن تمنحه شرف رؤيتها منكسرة. 

مع كل قطعة تعيدها إلى مكانها، كانت تشعر وكأنها تتخلى عن جزء من نفسها، لكن في أعماقها، كان هناك صوت آخر يهمس، صوت بارد وحازم يشبه صوت جاسر نفسه: هذا ليس استسلامًا، بل هدنة

هدنة لأستعيد قوتي.


طُرق الباب طرقات خفيفة ومترددة. انتفضت نغم، وأسرعت تمحو آثار دموعها بكف يدها، وتستجمع بقايا كبريائها المبعثر. 

لم تكن تريد أن يرى أحد منهم انكسارها، فهذا هو انتصارهم الحقيقي. 

عدّلت من جلستها، وقالت بصوت حاولت جاهدة أن تجعله ثابتًا.

أدخل.


انفتح الباب ببطء، ودخلت فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها، تحمل بيدها صينية طعام فضية تفوح منها رائحة شهية.

_إزيك يا ست نغم...


توقفت الفتاة فجأة عن الحديث، واتسعت عيناها بدهشة وهي ترى منظر الغرفة.

الوسائد ملقاة على الأرض، والأغطية مكومة في زاوية، وبعض قطع الزينة الصغيرة محطمة بجانب الحائط.

أسرعت بوضع الصينية على أقرب طاولة، وقالت بصوت متعاطف.

_خليكي أنتِ يا ست نغم، ارتاحي أني هعمل كل حاجة بدل عنك.


مالت الفتاة لتلتقط الأشياء المتناثرة من على الأرض، لكن نغم منعتها بصوت حاد لم تعتد عليه.

_لا سيبي كل حاچة أني هعملها.


ردت الفتاة بإصرار لطيف، محاولة ألا تغضبها.

_مينفعش، لا يمكن أبدًا أنتِ ست البيت.


مالت على أذن نغم، وقالت بهمس كأنها تشاركها سرًا عظيمًا.

_الحاج سالم بيه الله يخليه، وصاني أخد بالي منك ومخليكيش تعملي حاچة واصل.


سخرت نغم في نفسها بمرارة. 

"هذا كل ما استطاعوا فعله؟ أن يزرعوا جاسوسة لتطمئنتهم؟"

هذا الشعور بالخذلان جعلها تصر على الرفض بعناد أكبر.

_لا، كتر خيرك أنا جادرة أكمل متجلجيش عليا.

_بس يا ست...


قاطعتها نغم بقوة، ونظراتها أصبحت جليدية.

_جولتلك خلاص مش محتاچة حاچة دلوجت.


وافقت الفتاة على مضض تحت إصرارها، وقالت بصوت خفيض.

_أني اسمي فرح لو احتاجتي أي حاجة أي حاجة، نادي عليا بس وهجيلك طوالي.


أشارت إلى صينية الطعام، وتابعت.

_الست ونس.. جالت أچيبلك الوكل، لإنها خرچت من ساعة إكدة.


الست ونس... والدته 

يبدو أنه لم يخبر والدته بما حدث، أو ربما أخبرها بالنسخة التي تناسبه. 

قالت برفض قاطع، ليس لأنها لا تريد الطعام، بل لأنها لا تريد أي شيء منهم.

خدي الوكل معاكي لما أجوع هبعتلك.


قالت فرح بقلق حقيقي، وقد لاحظت شحوب وجهها.

_بس أنتِ مكلتيش حاچة واصل من إمبارح حتى وكل إمبارح لساته زي ما هو.

_جولتلك خلاص خدي الوكل ولما أحتاجه هبعتلك!


أخذت فرح صينية الطعام، وخرجت من الغرفة بصمت وقلبها يخفق من حدة نبرة "الست الجديدة".


وأثناء نزولها الدرج بخطوات حذرة، تفاجأت بصوت بارد وحازم يناديها من أسفل، صوت جعلها تتجمد في مكانها.

"فرح."


التفتت بسرعة، ورأت جاسر يقف أمام باب مكتبه المفتوح، يراقبها بنظرات ثاقبة كادت أن تخترق روحها.

_دخلي الوكل المطبخ، وتعاليلي على المكتب.


انقبض قلب الفتاة برعب لم تكن قد تعاملت معه مباشرة من قبل، لكن هيبته كانت تملأ القصر وتجعل الجميع يسير على أطراف أصابعه 

أومأت برأسها بسرعة، ودلفت إلى المطبخ لتترك الطعام ثم عادت بخطوات بطيئة، وكأنها تسير إلى حتفها.


وقفت أمامه، وازدردت لعابها بصعوبة وهي تشعر بنظراته تحللها.

_نعم يا بيه؟


التزم الصمت لثوانٍ طويلة، يتلاعب بأعصابها يستمتع برؤية الخوف في عينيها ثم تحدث بصوت ثابت، لكنه كان أشبه بالجحيم.

_خبرتيهم ولا لسه؟


اهتزت نظراتها بوجل واضح، وتلعثمت.

_خـ... خبرت مين يا بيه؟ لا مؤاخذة.


رفع حاجبيه ببطء، في حركة بسيطة كانت تحمل تهديدًا لا حدود له.

_هتتلاوعي معاي؟


هزت رأسها بنفي سريع، ويداها ترتجفان.

_لا... لا.....والعياذ بالله كل الحكاية إن الحاچ سالم طلب مني... طلب مني بس إني أوصله أخبار بنت أخوه، أطمنه عليها بس والله العظيم ما جولت حاچة لسه.


تقدم منها خطوة واحدة، خطوة كانت كافية لجعل الفتاة تتصبب عرقًا باردًا قال بصوت أقرب للهمس، لكنه كان مرعبًا.

_خبريهم.


صمتت فرح، تحاول استيعاب ما قاله فتابع بنفس النبرة الآمرة.

_خبريهم بكل شيء كل حاچة تحصل معاها أهنه، تجوليلهم عليها بالتفصيل. لما تكسر حاچة، لما تعيط، لما ترفض تاكل حتى اللي حوصل من شوي ده، تجوليه بالحرف فاهمة؟


هزت رأسها بموافقة سريعة، عاجزة عن النطق بأي شيء لقد فهمت الآن هو لا يريد منعها من نقل الأخبار، بل يريدها أن تنقل الأخبار التي يختارها هو يريد أن يرسل لهم تقارير يومية عن انهيارها، عن عذابها ليجعلهم يتألمون معها عن بعد.


لاذت بالفرار عندما أشار لها بيده بالذهاب، بينما عاد هو إلى مكتبه وعلى شفتيه شبه ابتسامة باردة

لقد أحكم قبضته على كل شيء، حتى على أنفاسها وآلامها التي ستصل إلى أعدائه كما يريد هو تمامًا.


❈-❈-❈


بعد أن انتهت من ترتيب الغرفة وجعلها تبدو وكأن شيئًا لم يحدث، وقفت في المنتصف، تتنفس بصعوبة لم تشعر بالرضا، بل بالخواء

وكأن روحها ودعتها


جلست على الأريكة كي ترتاح قليلاً فقد بذلت مجهود لم تفعل مثله من قبل

فتح الباب فجأة فوجدته يقف عند الباب يراقبها للحظات، وقد ارتسمت على شفتيه مجددًا تلك الابتسامة الخفيفة التي لا يمكن تفسيرها. 

لقد فاز في جولة اليوم، لكنه أدرك من نظرتها أنها لم تُهزم بعد

لقد أجبرها على الطاعة، لكنه بذلك قد أيقظ بداخلها شيئًا أعمق وأكثر خطورة من مجرد الكبرياء... لقد أيقظ فيها الرغبة في البقاء من أجل رد الانتقام.


تطلع إلى الغرفة التي عادت كما كانت بنفس ترتيبها ثم عاد بنظره إليها والذي اشاحت به بعيدا عنه.

أغلق الباب خلفه بهدوء، ثم سار ليقف أمامها، حجب ظله الطويل بقايا الضوء عنها انتظر أن ترفع عينيها إليه، لكنها لم تفعل. 

هذا التجاهل الصامت، الذي كان في الأمس تحديًا، أصبح الآن جزءًا من تكتيكها الجديد للبقاء.

_كنت مع عمي دلوجت.


بدأ الحديث بنبرة عادية، وكأنه يشاركها تفاصيل يومه. 

لم ترد فتابع هو صوته يحمل نبرة ساخرة.

_كان مضايج جوي... بيحسب إننا حطينا راس اهلك في الطين بس طلع الرفاعي أذكى مما افتكرنا.


عند ذكر أهلها، لاحظ حركة طفيفة في كتفيها لقد أصاب وتراً حساساً انحنى قليلاً، ليسيطر على حواسها.

_الفرح اللي كان المفروض يبجى فرحك... هيتعمل بدري عن ميعاده بكرة، والنهاردة كان كتب الكتاب.


هنا رفعت نغم رأسها ببطء نظرت إليه مباشرة لأول مرة منذ دخوله. 

اتسعت عيناها قليلاً بالصدمة وعدم التصديق. 

كيف يمكن أن يقيموا فرحًا وهي هنا، سجينة في بيت عدوهم؟

الصفحة التالية