رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 16 - جـ 1 - الإثنين 1/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل السادس عشر
الحزء الأول
تم النشر الإثنين
1/9/2025
عادت نغم إلى الفراش وعندما عاد اليها الدوار
كان قلبها لا يزال يدق بعنف من أثر الكلمات السامة التي سمعتها
لم تكد تستقر في مكانها حتى فُتح الباب بهدوء ودخلت أم جاسر.
تغيرت ملامحها عندما وجدتها مستيقظة ثم ابتسمت قائلة
_صباح الخير يا نغم؟
فهزت نغم رأسها بصمت، لم تستطيع أن تجيب
جلست أم جاسر على حافة السرير بجانبها، وابتسامة حزينة على وجهها. _أنا عارفة إنك سمعتي.
أخفضت نغم عينيها ولم تعرف ماذا تقول.
تنهدت أم جاسر وقالت وهي تربت على يد نغم،
_متزعليش من كلام شروق الغيرة بتعمي الجلوب يا بنتي هي فاكرة انك اخدتي مگانها.
لم ترد نغم، لكن نظراتها كانت تحمل سؤالاً.
_شروق متربية مع جاسر من صغرها.
أكملت وكأنها تشرح لنغم خريطة هذا العالم الجديد
_وأبوها كان طول عمره بيجول إنها انها لجاسر عشان يضمن ان نصيب جاسر ميخرجش برة العيلة.
يعني الموضوع فرض عليه مش من اختياره.
أدركت نغم الآن عمق الحقد الذي رأته في عيني شروق.
لم تكن مجرد منافسة، بل كانت معركة على السلطة والمكانة، وهي كانت العقبة التي ظهرت فجأة.
لكن ما ادهشها حقاً
كيف لتلك الملاك ان تنجب ذلك الشيطان.
وعندما شعرت ام جاسر بما تود سؤاله فأجابتها
_خابرة اللي رايده تجوليه، بس احب اعرفك إني كمان عشت اللي انتي بتعشيه دلوجت بس الفرج انه مكنش انتجام ولا حاچة من دي
ولا هددني لو ما اتجوزتوش، بس قصة طويلة هبجى احكيهالك بعد ما أخلي فرح تحضرلك الفطار.
أومات نغم دون جدال وخرجت ام جاسر لتحضر لها الطعام
في تلك اللحظة، ولأول مرة منذ أن اقتُلعت من حياتها، شعرت نغم ببصيص من الألفة لم تكن هذه المرأة مجرد والدة عدوها، بل كانت إنسانة رأت ضعفها وقررت أن تكون سندًا لها.
لم يمحُ ذلك ألمها أو خوفها من جاسر، لكنه أشعل شمعة صغيرة في نفق مظلم، شمعة قد تساعدها على رؤية خطواتها القادمة بشكل أوضح.
أومأت نغم برأسها، وفي عينيها امتنان صامت، وقرار جديد بدأ يتشكل في أعماقها: لن تكون مجرد ضحية، ستتعلم كيف تنجو.
دلفت نادرين، زوجة صخر التهامي، إلى المطبخ بخطوات واثقة تنم عن سلطتها.
فوجدت أم جاسر، تعد صينية طعام بعناية.
توقفت على الأعتاب، وارتسمت على وجهها نظرة استنكار متعالية.
_عشنا وشوفنا.
قالت بصوتٍ عالٍ ومجلجل يحمل سخرية لاذعة.
أم جاسر بنفسها بتخدم بنت الرفاعي؟ آخر زمن صحيح.
تجمدت يدا أم جاسر للحظة، ثم واصلت عملها في صمت، محاولةً تجاهل الإهانة.
هذا الصمت لم يزد أم شروق إلا غطرسة.
دخلت المطبخ ووقفت خلفها مباشرة،
_بكلمك تردي عليا، من إمتى وأنتِ بتوطي لواحدة من بره؟ ولا هي عشان مرت ابنك نسيتي مقامك ومقامها؟
استدارت أم جاسر ببطء، ووجهها يحمل ضيق من تطفل نادرين التي لم تتغير مطلقاً، لكنها حاولت الحفاظ على رباطة جأشها.
_البنت تعبانة يا ام زينة، مش قصة خدمة وكلام ملوش عازة.
هي إيه دي اللي تعبانة؟ دي لازم تتكسر عشان تعرف إن الله حج، وتعرف إنها دخلت بيت أسيادها.
وأنتِ بدل ما تربيها، رايحة تطبطبي عليها؟
مش كفاية انه دخل عليها جبل بنتي
وكمان بتعليها عليها من جبل حتى ما يتچوزوا رسمي.
اقتربت منها حتى كادتا تتلامسان، وهمست بصوتٍ كفحيح الأفعى.
_اسمعيني زين يا أم جاسر انتي خابرة مكانتك في البيت ده من مكانتي.
بس لو فكرتي تعلي واحدة غريبة على بنتي، قسماً بالله لأطربجها على دماغ الكل.
نظرت إلى صينية الطعام باشمئزاز.
_ومن بكرة هتنزل تعمل الوكل للبيت، متبجاش بنت الرفاعية في بيتنا ونجيبوا خدامين يعملوا الوكل.
قطبت ام جاسر جبينها بحيرة وسألتها
_يعني ايه كلامك ده؟
اكدت لها
_يعني زي ما جولتلك تنزل تعمل بلقمتها.
بنت الرفاعي دي أنا اللي هربيها على إيدي.
وهعرفها إزاي تكون خدامة تحت رجل بنتي لما تتجوز ولدك.
خرجت مادرين من المطبخ، تاركة أم جاسر واقفة بمفردها في وسط المطبخ الذي أصبح فجأة باردًا وموحشًا. شعرت بالهزيمة الكاملة لم تكن قادرة على حماية زوجة ابنها، بل لم تكن قادرة حتى على حماية نفسها.
أدركت أن نغم لم تقع في جحيم جاسر وحده، بل وقعت في قلب عش من الأفاعي، أكبرها وأشدها سمًا هي زوجة كبير الدار نفسها.
❈-❈-❈
في منزل الرفاعي
كانت القلوب في داخله تنبض بإيقاعات مختلفة من الألم والقهر والفرح المكسور.
كانت ليلة زفاف مزدوجة، ليلة كان من المفترض أن تكون قمة السعادة لعائلة الرفاعي، لكنها تحولت إلى مسرحية معقدة من المشاعر المتضاربة.
في أحد الاماكن، جلس عدي بجانب زوجته روح.
كانت روح ترتدي فستانًا أنيقًا، وفي عينيها لمعة حب حقيقية كلما نظرت إلى عدي، لكن هذه اللمعة كانت تخفت سريعًا لتحل محلها غيمة من الحزن كلما تذكرت أختها الكبرى، نغم.
كانت تشبك يدها بقوة، وكأنها بتلك الطريقة تستمد من نفسها الأمان في هذه الليلة التي شعرت فيها بأن فرحتها منقوصة، مسروقة.
عدي بدوره، كان يعيش صراعًا داخليًا عنيفًا.
كان ينظر إلى روح، زوجته التي لا يكن لها اي مشاعر ويحاول أن يبتسم، لكن عقله وقلبه كانا في مكان آخر
كانا مع نغم حبه السري الذي لم يجرؤ يومًا على البوح به، الفتاة القوية التي أُخذت غصبًا لتكون ضحية ثأر لا علاقة لها به.
كل ضحكة في الفرح كانت كالسوط على ظهره، تذكره بعجزه.
كيف يفرح ويتزوج بينما هي هناك، وحيدة في عرين الذئاب؟ كان يمسك بيد روح، لكن في عقله كان يخطط، يفكر ويبحث عن أي ثغرة، أي طريقة، ليخلص نغم من جحيمها.
لم يكن ذلك الزفاف قادر على إطفاء نار القلق والغضب التي تشتعل من أجل نغم.
على بعد أمتار قليلة، في المكان المقابل، كانت المأساة أكثر هدوءًا وصمتًا.
جلس سند بجانب وعد، الفتاة التي أصبحت زوجته قبل ساعات.
كانت وعد جميلة بفستانها الأبيض، لكنها كانت كزهرة قُطفت قبل أوانها كانت تحب سند، لقد كان فارس أحلامها منذ الطفولة، وكانت تتمنى هذا اليوم أكثر من أي شيء في العالم. لكن الطريقة التي جاء بها هذا اليوم حطمت كل شيء.
لقد تزوجها لإنقاذ الموقف، لستر فضيحة خطوبته المكسورة من ابنة عمها، لم يتزوجها لأنه اختارها، بل لأن الظروف أجبرته.
هذا الشعور بالقهر، بأنها كانت مجرد "بديل"، كان يقتل فرحتها.
كانت تنظر إليه خلسة، ترى في ملامحه الحزن والارتباك، وتعرف أنه لا يفكر فيها، بل في نغم.
فتشعر بقلبها ينقبض من الغيرة والحزن.
سند كان ضائعًا لقد خسر خطيبته، نغم بطريقة مهينة، والآن هو متزوج من ابنة عمه التي يكن لها مودة، لكنه لم يكن مستعدًا لهذا الزواج.
كان يشعر بالذنب تجاه نغم، وبالذنب تجاه وعد التي جرها معه إلى هذه الفوضى.
أمسك بيدها وشعر ببرودتها، فرأى في عينيها نفس الحزن الذي يسكنه، لكنه لم يدرك أن مصدر حزنها هو نفسه.
_مبروك يا وعد.
همس لها بصوت أجش، محاولاً كسر الجليد، ففي النهاية اصبحت زوجته وعليه ان يطوي صفحة نغم كي لا يصبح خائن
نظرت إليه، وابتسمت ابتسامة باهتة لم تصل إلى عينيها.
_مبروك ليك أنت كمان يا سند.
كانت كلماتها مهذبة، لكنها كانت تحمل عتابًا صامتًا لم يفهمه لقد حصلت على الرجل الذي أرادته، لكنها خسرته في نفس اللحظة.
وهكذا، استمر الفرح الصاخب أربعة أشخاص في قلب الاحتفال، كل منهم يعيش في عالمه الخاص من الألم. روح، الفرحة بحبها والحزينة على أختها.
عدي، الزوج الحاضر والقلب الغائب مع حبه السري.
وعد، التي نالت حلمها لتكتشف أنه كابوس.
وسند، الذي فقد كل شيء ويحاول أن يلملم شتات موقف لم يكن له يد فيه. كانت ليلة زفاف بأربعة قلوب مكسورة، كل قلب على طريقته الخاصة.
❈-❈-❈
في المساء
قضت ام جاسر اليوم بأكمله مع نغم
خوفاً من أن يحاول أحد الدخول إليها اثناء غيابها ويجرحها
نظرت نغم إليها وقد استبد بها الفضول لان تعرف علاقتها بهؤلاء
تنهدت ام جاسر بابتسامة وهي تقول
_لساتك مصرة تعرفي ايه اللي چابني اهنه.
اخفضت نغم عينيها باحراج فتابعت ام جاسر
_هجولك
أني اولا مش من النجع اهنه، من نجع الحمدية.
في يوم كنت جاية مع ابوي النجع هنا عشان نحضر فرح واحد جريبنا.
في اليوم ده مطرت ومحدش كان عارف يرچع بيته
أبوي وعمي فايد كانوا معرفة جديمة وعرض عليه اننا نبات عنده للصبح
لاح الحزن بعينيها وهي تحكي عن مرارة لم تزول بعد، وكأنها تعود بالزمن إلى تلك الليلة المشؤومة.
_ابوي وافج وبيت في اوضة انا وهو، بس سابني نايمة وراح يسهر مع الحچ فايد.
صمتت للحظة، تلتقط أنفاسها التي بدت وكأنها تحمل ثقل السنين.
_وصحيت لجيت نفسي لواحدي.
خفت وخرجت من الاوضة عشان ادور عليه.
كانوا في الچنينة وأني بدور عليه في الاوض كانت اخر اوضة دخلت ادور عليه فيها...
تجمدت ملامحها، وأصبحت نظراتها شاردة، غارقة في ذكرى لم يمحها الزمن.
_كانت أوضة كارم.
انتفضت نغم بخفة عند سماع الاسم، وشعرت ببرودة تسري في أوصالها
لقد أصبح لهذا الاسم وقع مرعب في نفسها.
أكملت أم جاسر بصوتٍ خافت، وكأنها تروي قصة حدثت لشخص آخر، لا لنفسها.
_كان شباب وقتها، بس طبعه هو هو، القسوة والغطرسة في عينيه.
دخلت الأوضة على أطراف صوابعي، كانت ضلمة، وناديت على أبوي بهمس مفيش رد.
لسه هلف وأخرج، حسيت بالباب بيتفتح ويتقفل ورايا.
أغمضت عينيها بألم، وتابعت
_واتلفت بسرعة لجيته واجف جدامي.
كان سكران زي عوايده.
خوفت واترعبت وخصوصاً انه مكنش على بعضه بس الشرب
جولتله إني بدور على أبوي، وحاولت أخرج، بس منعني.
كان بيضحك ضحكة واعرة، جالي خلينا نتعرف لول
خفت منه وحاولت اهرب منيه بس هو....
هزت رأسها بمرارة.
_مسبنيش
صرخت، وحاولت أهرب، بس محدش سمعني...
نظرت إلى نغم، وفي عينيها لمعت دمعة عنيدة رفضت أن تسقط، دمعة تحمل قهر عقود.
_اللي حصل بعديها... هو نفس اللي بيحصل لأي واحدة ضعيفة بتجع تحت إيد واحد ميعرفش ربنا.
خد مني أغلى حاجة أملكها... شرفي.
شهقت نغم بصدمة، ووضعت يدها على فمها.
لم تكن تتخيل أن هذه المرأة الوقورة الهادئة تحمل في داخلها مثل هذا الجرح الغائر.
_تاني يوم الصبح خفت اعرف أبوي لأنه هددني وانا كنت صغيرة معرفش حاچة
بعدها بشهور اكتشفت امي إني حامل وكانوا هيجتلوني وجتها بس أنا جولتلهم اللي حوصل وجولتلهم انه هددني لو جولتلكم
أكملت أم جاسر بصوتٍ خالٍ من أي تعبير
_الفضيحة كانت هتلف البلد كلها وأبوي كان هيجتلني ويجتل نفسه.
بس الحچ فايد بجا الله يرحمه، أول ما أبوي راحله وجاله متأخرش
وعشان يلم الموضوع، أمره ابنه إنه يتچوزني.
أخذت نفسًا عميقًا، وكأنها تطرد آخر بقايا الألم من صدرها.
_عشان إكده أني عايشة هنا دخلت البيت ده مكسورة ومغصوبة، وعشت فيه خدامة تحت رجليه، لحد ما حوصل اللي حوصل.
وعشان إكده أني بخاف على جاسر من طبعهم، وبخاف عليكي أنتي كمان لأني شوفت بعيني وشربت من نفس الكاس اللي بيسقوه للغريب والضعيف.
نظرت إلى نغم بحنان وألم، وقالت جملتها الأخيرة التي لخصت كل شيء
_أنا حكيتلك حكايتي يا نغم... عشان تعرفي إنك مش لوحدك اللي اتوجعتي في البيت ده.
في تلك اللحظة، لم تعد نغم ترى فيها أم عدوها، بل رأت فيها رفيقة درب، امرأة أخرى ناجية من نفس الجحيم أدركت أن الرابط الذي يجمعهما الآن أقوى من أي قرابة دم... إنه رابط الألم المشترك، والوعد الصامت بالصمود.
❈-❈-❈
في غرفة سند ووعد
أُغلق باب الجناح خلفهما، وفجأة تلاشى ضجيج الفرح الصاخب ليحل محله صمتٌ ثقيل ومحرج، أثقل من أي ضجيج.
وقفت وعد في منتصف الغرفة بفستانها الأبيض، تشعر وكأنها غريبة في هذا المكان الذي كان من المفترض أن يكون مملكتها.
بينما وقف سند عند الباب للحظات، يخلع سترته ويضعها على مقعد قريب، في حركة بطيئة أعطته وقتًا ليرتب أفكاره.
سار سند نحو الشرفة، خطواته ثقيلة كأنها تخطو فوق زجاج مكسور.
فتح بابها الزجاجي، فدخل نسيم الليل البارد حاملاً معه الأصوات البعيدة لآخر الضيوف وهم يغادرون، أصوات فرح كاذب تلاشت في الهواء.
وقف هناك للحظات ظهره لها، كأنه يستجمع بقايا رجل تحطم قبل ساعات ثم استدار وواجهها.
كانت ملامحه تحمل وقاراً حزيناً، قناعاً من الجمود يخفي تحته فوضى عارمة.
لم يكن سند الذي تعرفه، العاشق المكسور، بل كان رجلاً غريباً يحاول فرض النظام على خراب روحه.
_وعد..
نطق اسمها بهدوء، صوت أجش كأنه لم يتحدث منذ دهر.
كانت تقف في أقصى الغرفة، متشبثة بيديها الباردة، فستان زفافها الأبيض يبدو باهتاً تحت ضوء القمر، كأنه كفن حلم قديم.
تقدم نحوها ببطء، خطوات محسوبة، محافظاً على مسافة بينهما احتراماً لهالة الصمت والرفض التي تحيط بها.
_أنا عارف إن اللي حوصل كان صعب عليكي وعلى الكل.
صمت للحظة، وكأنه يزن كلماته القادمة.
_وعارف إنك اتچبرتي على الچوازة دي زي ما أنا اتچبرت.
عارف إنك كنتِ بتحلمي بيوم فرحك بطريقة تانية خالص مش بالشكل ده.
عندما سمعت كلمة "اتجبرتي"، شعرت وعد بطعنة خفيفة وحادة في قلبها.
لقد أكد لها دون أن يقصد أسوأ مخاوفها: أنه يراها مجرد قطعة أخرى على رقعة شطرنج العائلة، ضحية للظروف مثله تمامًا.
لم يخطر بباله ولو للحظة أنها قد تكون أرادت هذا الزواج.
لم يرى في عينيها الحب الذي كانت تخفيه خلف ستار الأخوة لسنوات، حب صامت وموجوع.
لكنها ظلت صامتة، تحبس دموعها وتنتظر بقية الحكم.
_بس اللي حوصل حوصل ومفيش في إيدينا حاچة نغيره
أكمل سند بنبرة عملية وحازمة، نبرة رجل يغلق باباً على ماضٍ لا يريد أن ينظر إليه مرة أخرى.
_إحنا دلوجت متچوزين وده بجى أمر واقع جدامنا طريقين: يا إما نفضل عايشين في الماضي أسرى للي حوصل وحياتنا تبجى چحيم يا إما نقبل قدرنا ونطوي الصفحة دي ونحاول نبدأ بداية جديدة وحقيقية مع بعض.
اقترب خطوة أخرى، وعيناه تبحثان في وجهها عن أي رد فعل، أي إشارة.
_أنا اخترت الطريق التاني وعايز أبدأ معاكي صفحة بيضا كزوج وزوجة حقيقيين.
عايز أبني معاكي بيت وأسرة عن اقتناع ونكمل حياتنا كأي زوجين وجتها زي ما جال جدي الحب هياچي بالعشرة
هنا، رفعت وعد عينيها إليه لأول مرة.
لم يكن فيهما خجل العروس أو ارتباكها، بل كان فيهما بريق غريب، مزيج من الألم والتحدي.
_والصفحة اللي فاتت يا سند؟
سألت بصوتٍ هادئ ومخيف، صوت لم يكن يتوقع أن يسمعه منها.
_هتطويها كيف وهي مكتوبة بالدم؟ دم كرامتنا ودم جلب نغم؟
تجمد سند في مكانه، لقد أصابت بسؤالها الجرح المفتوح مباشرة.
أكملت وعد بنفس النبرة، وقد تحرر لسانها أخيراً من قيود الصمت.
_أنت عايز تبدأ صفحة بيضا عشان تهرب من اللي فات.
عايز تبني بيت عشان تثبت لنفسك وللناس إنك منتصر.
لكن أني... أني مش هكون الدوا اللي بتداوي بيه چرحك يا ولد عمي.
مش هكون مجرد "بديل" يملى مكان فضي.
كانت كلماتها كالسياط، تجلده بالحقيقة التي كان يهرب منها.
هو لا يريد بداية جديدة، هو يريد نسياناً.
تقدمت هي نحوه لأول مرة، ووقفت أمامه مباشرة، وعيناها في عينيه.
_لو عايز نبدأ بداية حقيقية يبجى لازم نعترف بالحجيجة. الحجيجة إنك مكسور وأني مكسورة.
وإن الچوازة دي مبنية على خراب بيوت تانية.
لو عايز تبدأ معايا يبجى تبدأ من إهنه.
من وسط الخراب ده، من غير وعود كدابة بالحب اللي بييجي بالعشرة.
صمتت للحظة، وأخذت نفساً عميقاً، ثم ألقت بقنبلتها الأخيرة التي ستحدد شكل مستقبلهما.
_أنا موافجة أكون زوجتك جدام الناس وهكون السند اللي يحفظ اسمك واسم العيلة بس لحد ما تيجي في يوم وتجولي إنك اخترتني أني... اخترت "وعد" مش "البديل"... لحد اليوم ده... كل واحد فينا هينام في أوضة.
ثم استدارت وعادت إلى الداخل، تاركة إياه وحيداً في الشرفة مع برودة الليل وصدى كلماتها القاسية والصادقة.
لقد رفضت أن تكون مجرد حل، وأجبرته على مواجهة حقيقة مشاعره.
لم تكن هذه بداية صفحة بيضاء، بل كانت بداية حرب طويلة وباردة داخل جدران زواج ولد ميتاً.
صمت للحظة ثم أضاف بنبرة أكثر حرجًا ولكنها ضرورية
_لا يا وعد، الحب الحجيجي بييجي بعد العشرة لإن كل حاچة جدامنا بتبجى واضحة.
تطلع في عينيها التي برغم قوتها التي تظهرها إلا إنها صافية وبريئة
_بييجي يا وعد بييجي، لو كان على نغم فنغم اختارت غيري حتى لو كان غصب عنيها، اختارت ومبصتش وراها ولا قدر إن اختيارها ده كسرني وحط وشي في التراب، حتى لو نغم رجعت خلاص اللي بينا انكسر ومستحيل يتصلح، واني دلوجت بمدلك إيدي مش ايد واحد مچروح بيدور عاللي يداوية، لا
أني بدور على حياة جديدة بعيد عن اي شيء.
هنعتبر نفسنا اتنين متچوزين چواز عادي وكل واحد فينا مطلوب منه يعوض التاني.
لاح الرجاء بعينيه التي ظهرها بها ألم شديد ورجاء أشد
_أني محتاچلك يا وعد، محتاچ بر أرسي عليه بعد اللي حصل، ومليش مرسى غيرك.
اهتزت نظراتها ولم تعرف بماذا تجيب، فتابع بعقل
_حاچة كمان لازم ناخد بالنا منيها
إن أهلنا تحت... مستنيين.
مستنيين يفرحوا بجد، ومستنيين يتأكدوا إن جوازنا اكتمل عشان يطمنوا إن سر العيلة انحفظ.
كلام الناس مش هيرحم لو حسوا إن جوازنا ده مجرد تمثيلية وخصوصاً أن في ناس غريبة شغالة في البيت