-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 29 - جـ 1 - السبت 13/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل التاسع والعشرون 

الحزء الأول 

تم النشر السبت  

13/9/2025


باتت نغم ليلتها غارقة في دموع صامتة، دموع حارقة تنزل على خديها وتحفر مسارات من اللهب على بشرتها. 

لم تكن دموع ندم بقدر ما كانت دموع حيرة وألم وخزي، كانت تنظر إلى السقف المظلم وكل حاسة فيها متيقظة، تستمع إلى أنفاسه العميقة والمنتظمة بجانبها.


كيف فعلت ذلك؟ كيف استسلمت له بهذه السهولة؟ 

وكيف...

وهذا هو السؤال الأكثر رعباً، كيف استطاع هو أن يوقظ بداخلها كل هذه المشاعر التي حاربتها طويلاً؟ تلك المشاعر التي دفنتها بعمق منذ أن رأته أول مرة، منذ ذلك اليوم الذي سقطت فيها بين ذراعيه وهي تهرب من السائق والآمان الذي لفها به حينها. 

لقد شعرت في حضنه الليلة بشيء يشبه الانتماء بذلك العشق الذي رأته واضحاً بعينيه، وهذا ما كان يخيفها أكثر من أي شيء آخر. 

لم يكن مجرد استسلام جسدي، بل كان استسلاماً روحياً لم تكن مستعدة له أبداً.


بينما كان جاسر ينام بجانبها نوماً عميقاً، نوم رجل ألقى بكل همومه واستراح أخيراً، كانت هي في قلب العاصفة. 

كانت تعاتب نفسها بجنون، تصرخ في صمت داخل رأسها

"غبية! غبية! سلمتي حالك له بسهولة... بكلمتين منه نسيتي كل حاچة... نسيتي التار والدم والكره... نسيتي عدي... بجيتي ضعيفة جدامه للدرچة دي؟ كيف هتجابليه بكرة؟ كيف هتبصي في وشه بعد ما شافك بالضعف ده، بعد ما امتلكك بالكامل؟"


كانت الأسئلة تدور في رأسها كدوامة لا تتوقف. 

هل ستكون مجرد امرأة في فراشه، يلجأ إليها عندما يضيق به العالم ثم يعود في الصباح إلى قسوته وجبروته؟ أم أن هذه الليلة كانت بداية لشيء مختلف؟


الخوف الأكبر كان من قلبها، قلبها الذي خانها، الذي وجد الأمان في حضن عدوها، لقد أصبح هو نقطة ضعفها الوحيدة، وهو بالتأكيد يعرف ذلك الآن.


تسللت بنظرها إليه في الظلام كانت ملامحه هادئة، خالية من القسوة والصرامة التي تغلفها نهاراً، بدا وكأنه شخص آخر، شخص يمكن الوثوق به شخص يمكن حبه وهذا ما كان يرعبها.


تنهدت بيأس وأدارت ظهرها له محاولة أن تخلق مسافة وهمية بينهما، لكن قربه كان طاغياً، ورائحة عطره الممزوجة برائحته هو كانت تملأ الهواء، تملأ رئتيها وتذكرها بكل تفاصيل الليلة الماضية.


وفي وسط هذا الصراع وفي سكون الليل انتبهت فجأة إلى ضوء خافت انبعث من هاتفه الموضوع على المنضدة بجانب السرير. 

كان ضوء إشعار وصول رسالة جديدة.

في العادة لم تكن لتهتم، لكن في هذه اللحظة، وفي ظل كل هذه الأسئلة والحيرة، شعرت بأن هذه الرسالة قد تحمل إجابة ما. 

ربما تكون مفتاحاً لفهم عالمه الغامض، أو ربما تكون... الخنجر الذي سيقتلها نهائياً.


ترددت للحظات هل من حقها؟ هل تتجرأ؟ لكن الفضول الممزوج بالخوف والشك كان أقوى من أي تردد. 

بحركة بطيئة وحذرة كأنها تسرق سراً مقدساً مدت يدها المرتجفة في الظلام والتقطت الهاتف وقلبها يدق بعنف كأنه سيقفز من صدرها.


فتحت الرسالة، وتجمدت الدماء في عروقها.


كانت من شروق.

والكلمات كانت واضحة كالشمس، حادة كالزجاج المكسور:


"عامل إيه يا حبيبي لسة مش مصدقة إننا اتجوزنا أخيراً"

"بحبك."


للحظة توقف كل شيء، توقف قلبها عن النبض، توقف عقلها عن التفكير، توقف العالم عن الدوران. 


قرأت الرسالة مرة ومرتين وثلاث كل مرة كانت كصفعة أقوى من التي قبلها.

"حبيبي... اتجوزنا... بحبك."


شعرت بغصة حارقة في حلقها، وببرودة جليدية تزحف في جسدها كله. 

 كلمة كانت خنجرًا يغوص أعمق في قلبها لم تكن مجرد صدمة بل كانت عملية سلخ بطيئة لروحها،

شعرت وكأن الهواء قد سُحب من رئتيها وأن العالم كله قد توقف عن الدوران.

نظرت إلى وجهه النائم بجانبها وجه الرجل الذي استسلمت له قبل ساعات، وجه الرجل الذي رأت فيه ضعفًا وحبًا ورجاءً، ورأت الآن وحشًا مخادعًا محتالًا بارعًا.


إذن كل شيء كان كذبة أخرى كذبة متقنة ومحسوبة. 

حنانه، رجاؤه، اعترافه بالحب، دموعه... كلها كانت مجرد تمثيلية طريقة جديدة ليكسرها، ليهينها بأبشع طريقة ممكنة 

لقد أخذ منها أغلى ما تملك، وهو في نفس الوقت زوج لامرأة أخرى

لقد جعل منها عشيقة في فراش زوجيته دون أن تدري

الإهانة كانت أعمق من الخيانة، كانت تدنيسًا لكل لحظة صدق شعرت بها معه.


بعد لحظات من الشلل التام، تحركت كإنسان آلي لم تعد تشعر بشيء سوى برودة جليدية تنتشر في جسدها. 

قامت من الفراش بهدوء، بهدوء الموتى. 

ارتدت ملابسها بصورة آلية دون أن تصدر صوتًا، يداها تتحركان من تلقاء نفسيهما بينما عقلها وروحها في مكان آخر مكان مظلم وبارد.


خرجت من الغرفة ومن الجناح، ومن البيت كله، كأنها تهرب من حريق،

لم تكن تهرب منه فقط، بل كانت تهرب من نفسها من سذاجتها، من قلبها الذي خانها وعاد ينبض له من جديد.

أرادت أن تنتزع ذلك القلب وتلقيه في غيابة الچب لأنه عشق من لا أهل لذلك.

كانت تركض في شوارع الفجر الخالية، والهواء البارد يلفح وجهها لكنه لا يطفئ النار المشتعلة في صدرها.

كانت ترغب في الخروج من الدنيا كلها، لكن كيف؟ إلى أين تذهب؟ فكرة العودة لأهلها كانت مؤلمة، كيف ستواجههم؟ بأي وجه؟ لكن في نفس الوقت، لم يعد لها غيرهم. 

أرادت أن تصرخ

أن تسمح لنفسها بالانهيار 

لكن حتى تلك تعد رفاهية لا تملكها.

سقطت على ركبتيها تبكي بقهر

تبكي بكل الألم الذي تحمله بداخلها.

تبكي عدي الذي خانت تضحيته

تبكي أبيها الذي رحل وتركها لقسوة الزمان

تبكي لسند لم يعد موجود

فليس لها سند في تلك الحياة.

بكت حتى نفذت قوتها وهي وحيدة في ذلكالمكان المنعزل عن قريتهم.

لم يرهبها عويل الذئاب 

فبعد خروجها من عرين الأسد وزئيره لم تعد تخشى شيء.

في لحظة يأس مطلق، أخرجت هاتفها بيدين ترتجفان بعنف وبحثت عن الرقم الوحيد الذي شعرت أنه قد يكون طوق النجاة، الرقم الذي يمثل العقل والحكمة والأمان.

انتظرت بقلق، وكل رنة كانت كقرع مطرقة على رأسها، حتى جاءها الرد بصوت مالك النعس والقلق.

_نغم......؟ 

لم تستطع أن تقول أكثر من كلمة واحدة، كلمة خرجت من حنجرتها بصوت مبحوح ومختنق بالدموع، صوت امرأة تحطمت تمامًا.

_مالك... محتچالك.


أغلقت الخط فوراً كلمة واحدة كانت كافية. 

شعر مالك بالخطر في نبرتها، فنهض من سريره مفزوعاً.

شعرت روح بحركته وسألته بقلق وهي تستيقظ

_ مالك؟ فيه إيه؟ رايح فين في وجت زي ده؟

قال وهو يرتدي ملابسه بسرعة.

_ نغم خرچت من بيت التهامية لازم أروح أچيبها.

نهضت روح هي الأخرى.

_ أنا جاية معاك.


قال بحزم وهو يقبل جبينها. 

_لأ خليكي إنتي الموضوع ده مش عايز مشاكل تزيد هرجعها وأطمنك.


ركب مالك سيارته وانطلق بها كالصاروخ نحو بيت الجبل، المكان الذي اتفقا عليه في مكالمتهما القصيرة وجدها هناك بعيداً عن البيت، تجلس تحت شجرة ضخمة، ضامة ركبتيها إلى صدرها ودافنة وجهها فيهما، ترتجف من البرد والخوف.

أوقف السيارة وركض نحوها بلهفة.

_ نغم!


رفعت رأسها إليه، وكان وجهها مدمراً عيناها متورمتان وحمراوان، ووجهها شاحب كالأموات. 

ما إن رأته حتى انفجرت في بكاء عنيف ومرير.


جلس مالك بجانبها على الأرض واحتضنها بقوة، يتركها تفرغ كل ألمها وانهيارها على كتفه.

_ أنا هنا... أنا معاكي اهدي.

لم تستطع التحدث فقط تمسكت به كالغريقة وكل شهقة منها كانت تحكي قصة خيانة وألم أعمق من أن تصفه الكلمات.


❈-❈-❈


وصل مالك بالسيارة إلى منزلهم، وكانت روح تنتظرهم عند الباب، قلبها يخفق بقلق ما إن فتح مالك باب السيارة، حتى ساعد نغم على النزول، كانت تتحرك كجسد بلا روح. 

أسرعت روح نحوهما وأخذت نغم من يد مالك وضمتها إلى حضنها.

_ حمد لله على سلامتك يا نغم.


لم ترد نغم فقط استندت على روح التي قادتها بسرعة إلى الداخل، صعوداً إلى غرفتها القديمة بعيداً عن أي عيون قد تراها في هذه الحالة. 

مالك نظر في أثرهما بألم، ثم أغلق باب السرايا مقرراً أن يترك لـروح مهمة فهم ما حدث.


❈-❈-❈


لم يذق أكمل طعم النوم طوال الليل ظل مستيقظاً، يراقبها وهي تنام بعمق على صدره، وذراعها يحيط بخصره بشكل تلقائي. 

كانت تبدو هادئة بريئة، كالملاك أنفاسها المنتظمة كانت الموسيقى الوحيدة في سكون الغرفة.


كان ينظر إليها ويتساءل في حيرة، كيف يمكن لمخلوق بهذه الرقة والنقاء أن تكون ابنة لرجل مثل "حسان"؟ 

كان الفارق بينهما كالفرق بين السماء والأرض. 

هي كانت قطعة من النور، وهو كان كتلة من الظلام والجشع.

غرق في أفكاره، في دوامة المستقبل المجهول. 

ماذا سيفعل الآن؟ لقد أخذ حقه نعم، لكن هذا الحق يترتب عليه مسؤوليات ضخمة. 

أهله... كيف سيخبرهم؟ 

هل سيقبلونها زوجة لابنهم وكيل النيابة؟ 

مستحيل... والدته التي تحلم له بزواج راقي، ووالده الذي يهمه المظاهر والمكانة الاجتماعية. 

ستكون كارثة.

هي الآن زوجته رسمياً، أمام الله وأمام نفسه.

لم يعد الأمر مجرد عقد على ورق لخرس ألسنة الناس لقد أصبحت امرأته بكل ما تحمله الكلمة من معنى 

ماذا سيفعل؟ 

هل سيظل يخفيها عن العالم؟ أم سيواجه الجميع من أجلها؟ 

ولأول مرة في حياته، شعر أكمل بأنه لا يملك إجابات.

وسط هذه الأفكار شعر بحركة خفيفة فتحت صبر عينيها ببطء، ثم أدركت مكانها كانت بين ذراعيه، رأسها يستريح على صدره العاري، ويده تلتف حول خصرها بملكية. 

شعرت بموجة حارقة من الخجل تجتاحها، وسحبت الغطاء لتغطي نفسها أكثر، متمنية أن تبتلعها الأرض.

صحيح أن هذا كان حلمًا كبيرًا، لكن الطريقة التي تحقق بها، تلك القوة الجارفة، جعلتها تشعر بالخوف. 

خافت أن ترفع عينيها وتجد في عينيه نظرة ندم، أو أسوأ.

نظرة من يرى أنها كانت مجرد نزوة عابرة.


ابتسم أكمل ابتسامة حقيقية ودافئة ابتسامة لم تكن تعرفها. 

لقد شعر بتوترها بتصلب جسدها، وفهم تمامًا ما يدور في رأسها أراد أن يطمئنها، أن يمحو هذا الخجل الذي يفصل بينهما.

_صباح الخير.

قالها بصوت عميق وهادئ.


ازدردت لعبها وقالت بصوت خافت بالكاد يُسمع، وهي تتجنب النظر في عينيه

_صباح النور.

لم يستطع مقاومة سحرها وهي في هذه الحالة من البراءة والخجل. 

وبنظرة واحدة منها نسي كل شيء.

وأفكاره التي لم ترحمه أصبحت لها وحدها الآن 

مد يده ورفع ذقنها برفق ليجبرها على النظر إليه.

_بصيلي يا صبر.


نظرت إليه فرأت في عينيه حنانًا ورغبة لا تحكمًا أو قسوة.

بدأ حديثه بجدية ثم تنهد كأنه يعترف بشيء لنفسه أولاً.

_اللي حصل امبارح...

أنا عارف إني كنت قاسي شوية. وعارف إنك كنتي خايفة.

اتسعت عيناها بدهشة لم تتوقع منه هذا الاعتراف.

تابع وهو يمرر إبهامه على خدها برقة

_دي مش طبيعتي أنا مش كده بس... دي كانت أول مرة أعيش فيها التجربة دي. 

أول مرة أحس بالشكل ده كل المشاعر اللي كنت حابسها جوايا انفجرت مرة واحدة، ومكنتش عارف أسيطر عليها أنا معملتش كده عشان أفرض سيطرتي عليكي، أنا عملت كده بدافع الحب حب كنت بنكره، وفجأة لقيته أكبر مني.

اخترقت كلماته الصادقة قلبها لقد فهم خوفها دون أن تنطق بكلمة، وطمأنها بأجمل طريقة ممكنة.

_أنا بحبك يا صبر.

قالها بوضوح دون تردد.

_والليلة دي مكنتش نزوة، كانت بداية حياتنا الحقيقية.


لم يعد قادرًا على التحمل جذبها إليه مرة أخرى وأخذها في حضنه بقوة، دافنًا وجهه في عنقها يستنشق عبيرها الذي أصبح إدمانه الجديد لكن هذه المرة كانت كل حركاته مختلفة كانت بطيئة حنونة، وكأنها اعتذار صامت عن قسوته السابقة.


همس بأنفاس متقطعة

_المرة دي... هتكون بحب وهدوء المرة دي عايزك تحسي بحبي، مش بقوتي.


لم تكن هناك حاجة للمزيد من الكلمات استسلمت صبر مرة أخرى لهذا الحضن الذي أصبح ملجأها، ولهذا الرجل الذي أصبح قدرها وهذه المرة، لم يكن هناك خوف بل كان هناك أمان مطلق كانت لمساته رقيقة وقبلاته دافئة، وكل حركة منه كانت تحمل وعدًا بحياة مليئة بالحب والحنان. 

لقد أخذها إلى عالمه مرة أخرى، لكن هذه المرة كان عالمًا من النور، عالمًا يروي عطشهما بحب حقيقي حب كانا كلاهما في أمس الحاجة إليه.


❈-❈-❈


في الغرفة أجلست روح نغم على السرير برفق وخلعت عنها حذاءها المبلل بالندى، ثم غطتها بغطاء دافئ كأنها طفلة صغيرة تائهة.

_هعملك حاجة دافية تشربيها تهدّي أعصابك.

ذهبت روح وعادت بعد دقائق بكوب من اليانسون الدافئ، بخاره يتصاعد حاملاً معه رائحة مهدئة،

جلست بجانب نغم التي كانت تحدق في الفراغ بعينين زجاجيتين، وقدمت لها الكوب.

_اشربي يا نغم... عشان خاطري.

أخذت نغم الكوب بيدين ترتجفان بعنف، وارتشفت منه رشفة صغيرة. 

لم يتحدثا لفترة فقط جلست روح بجانبها وجودها صامت ومريح، درع بشري يحميها من انهيارها الكامل. 

ثم وبدون مقدمات بدأت نغم في الكلام بصوت أجش وميت صوت لا روح فيه.

_كل حاچة عشتها في حياتي كانت كذب ووهم كبير، العيلة والترابط وإننا إيد واحدة وجلب واحد... كله ده ظهرت حجيجته لما اتاخدت غدر، 

اتخلوا عني وسبوني وسط الديابة من غير ما يفكروا أنا عايشة كيف وسطيهم.


توقفت للحظة، وابتسامة مريرة ومرعبة ارتسمت على شفتيها.

_كسرني وذلني وهزمني، شفت موت عدي جدامي ومحدش فكر يسأل هي عاملة إيه؟ متخيلتش إن في الحجيجة جلوبهم أقسى من التهامية. 

والآخر... الآخر عرفني الحجيجة المرة.


نظرت إلى روح بعينين فارغتين.

_وراني ورج... ورج بيثبت إن أهلي اللي بدأوا التار... وإن الأرض مش بتاعت حد فيهم أصلاً 

كل حاچة كنت مؤمنة بيها... طلعت كدب 

كسرني يا روح... كسرني لما عرفني الحجيجة.


بدأت دموعها في النزول مرة أخرى، دموع حارقة.

_وبعدها... ضحك عليا وفهمني إنه اتغير.

ضحكت بمرارة ضحكة أشبه بالنحيب.

_اعترفلي... قالي إنه بيحبني.

أخذت روح الكوب من يدها ووضعته جانباً ثم أخذت نغم في حضنها، وربتت على ظهرها.

_اهدي يا حبيبتي... اهدي خلاص انتي رچعتي لينا من تاتي.


استمرت نغم في الحديث وهي في حضنها، صوتها يختنق بالبكاء وكلماتها تخرج كشظايا زجاج مكسور.

_امبارح... معرفش إيه اللي حصل كان راجع من برة تعبان ومكسور... وجالي إنه محتاچني وأنا... أنا صدجته.

صدجت الحزن اللي في عينيه صدجت ضعفه... واستسلمتله.

وهنا انفجر السد لم تعد الكلمات مجرد سرد، بل أصبحت اعترافًا مؤلمًا بالحقيقة الأبشع.

_سلمتله كل حاچة... معرفش ازاي، بس بعد كل ده عرفت....

تابعت بانهيار يشق قلبها بلا رحمة

_عرفت أني حبيته يا روح حبيته.


شددت روح من احتضانها، وقد فهمت الآن عمق المأساة الحقيقية لم تكن الخيانة فقط بل كان الحب الذي سبقها.

_بعد كل ده... بعد ما خليته ياخد روحي جبل جسمي... اكتشفت إنه لسه مكمل لعبته لجيت رسالة على تليفونه من بنت عمه شروق.

صمتت نغم للحظة، ثم انفجرت في بكاء عنيف ومرير، بكاء يقطع نياط القلب.

_بتجوله... بتجوله إنها مش مصدجة إنهم اتچوزوا

اتچوزها يا روح اتچوزها في نفس اليوم اللي جه فيه وجالي إنه بيحبني

خدعني، استغلني عشان يكسرني أكتر

ازداد نحيبها أكثر وهي تتابع بقهر

_ أنا رخيصة جوي اكده؟ رخيصة لدرچة إني حتى مشاعري مچرد لعبة في إيده؟


كانت تضرب بقبضتها على صدر روح بخفة، وهي تصرخ من أعماق روحها المجروحة.

_أنا بكرهه بكرهه بس بكره نفسي أكتر اني صدجته؟ وبكره نفسي اكتر اني سمحتله يلمسني؟ إزاي حبيته؟ 

خلاني خنت نفسي، ومبادئي، وجلبي... وهو ميستاهلش! ميستاهلش أي حاچة واصل.


ظلت روح تحتضنها بقوة، وتهمس بكلمات مهدئة وتتركها تفرغ كل هذا البركان من الألم والقهر

استمرت نغم في البكاء حتى استنفدت كل طاقتها، وخفت صوتها تدريجيًا حتى غطت في نوم مضطرب من فرط الإرهاق، نوم لا يحمل راحة، بل مجرد هروب مؤقت من جحيم لا يطاق.

بعد أن تأكدت روح من أن نغم قد غرقت في نوم عميق، نوم الهارب من جحيم غطتها جيداً وقبلت جبينها قبلة طويلة تحمل كل ما في قلبها من حب وأسف. 

ثم خرجت من الغرفة بهدوء، وأغلقت الباب خلفها كأنها تحمي سراً ثميناً.

توجهت إلى غرفة والدتها حيث كانت ليل تجلس في الظلام، شاردة كعادتها منذ أن اختُطفت ابنتها. 


لم تكن نائمة بل كانت في حالة من اليقظة المؤلمة، تستمع إلى كل صوت على أمل واهٍ أن يكون صوت عودة نغم.

وقفت روح أمامها، وقالت بهدوء ودون مقدمات، كأنها تلقي طوق نجاة في بحر من اليأس.

_نغم رچعت يا أمي.

انتفضت ليل من مكانها، وكأن صعقة كهربائية سرت في جسدها.

 اهتزت واتسعت عيناها بلهفة لا تصدق وسألت بصوتٍ مرتعش ومبحوح، صوت امرأة لم تشعر بالراحة منذ شهور.

الصفحة التالية