رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 30 - جـ 1 - السبت 13/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل الثلاثون
الحزء الأول
تم النشر السبت
13/9/2025
في الحديقة، وبعد لحظات من الصمت المشحون الذي كان أثقل من الرصاص، والذي لم يكن يقطعه سوى حفيف الريح الباردة وهمس الأوراق المتساقطة، تراجع جاسر خطوة واحدة إلى الوراء
لم تكن خطوة ضعف أو تراجع، بل كانت خطوة استراتيجية، خطوة محارب متمرس يغير تكتيكه في ساحة المعركة.
خفت نبرة تهديده لكنها لم تفقد حدتها، بل تحولت من لهيب غاضب إلى جمرة متقدة أكثر خطورة وعمقاً، حل محلها رجاء مرير رجاء يخرج من قلب رجل اعتاد أن يأمر فيُطاع، لا أن يطلب.
لكنه الآن يطلب لا من ضعف بل من قوة حب جامح لا يعرف التنازل.
صوته كان لا يزال يحمل ذلك الرنين المعدني القاسي، لكن هذه المرة كان ممزوجاً بصدق يكاد يمزق الروح، صدق رجل مستعد للتخلي عن كبريائه للحظة من أجل ما يريد.
_ طيب... أنا همشي بس على الأجل... خلوني اتحدت معاها خمس دجايج خمس دجايج بس.
أسمع منها هي مش منكم.
نظر الرجال المحيطون به إلى بعضهم البعض في حيرة، كانت هذه مفاجأة لم يتوقعوها أبداً من جاسر التهامي، الصقر الذي لا يحني رأسه
توقعوا عناداً تهديداً، ربما حتى عنفاً لكن لم يتوقعوا هذا الطلب الذي يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً بأن رأيها هو الأهم.
لكن وهدان كبير عائلة الرفاعي الذي كان يقف كشجرة عتيقة، يراقب الموقف بصمت وحكمة، وبعينين رأتا الكثير من صراعات الرجال وحماقاتهم، تحدث أخيراً صوته خرج هادئاً ورزيناً، لكن كل كلمة فيه كانت تحمل ثقل السنين وحكمة الشيوخ، وتقع على مسامع الحاضرين كضربات مطرقة.
_ لو كنت دخلت السرايا دي جبل سابج، وجتها مكنتش هتطلع منيها على رچليك.
صمت وهدان للحظة، وترك كلماته تترسخ في عقول الجميع، ثم أكمل وهو ينظر مباشرة في عيني جاسر، نظرة تخترق الروح وتقرأ ما وراءها.
_ بس حظك خدمك، حظك إنك چيت في وجت جررت فيه أدفن الماضي بإيدي.
چيت في وجت جررت فيه إن دم ولادي وأحفادي اللي فاضلين أغلى من أي تار وأي أرض.
كانت كلمات وهدان تحمل ألماً عميقاً، ألم رجل رأى عائلته تنزف جيلاً بعد جيل رأى ابنه يُقتل، وحفيدته تُخطف، وحفيده الآخر يموت في حريق أشعله بنفسه.
لقد اكتفى.
تابع وهدان وصوته أصبح أكثر حدة، كأنه يضع الشروط الأخيرة في معاهدة سلام مريرة.
_ أنت خطفت حفيدتي، وكسرتها واتجوزتها غصب عنها، وكنت السبب في موت حفيد كان دمه بيغلي من القهرة، لو على اللي فات، فحجك عندي طلجة فجابك، بس أني عاهدت ربنا إني أحافظ على اللي باجي من عيلتي.
اقترب من جاسر خطوة، ووقف أمامه مباشرة رجلان من عالمين مختلفين، يمثل كل منهما جيلاً وفكراً
شموخ الشباب وقوته، في مواجهة حكمة الشيخوخة وقسوتها.
_ عشان إكده، هخليك تشوفها مش عشانك، هخليك تشوفها عشان دي حفيدتي أني، وبنت الرفاعي ومحدش يجبرها بعد النهاردة على حاجة واصل، حتى لو كان جدها.
هي اللي هتجرر لو جالت عايزة ترچع معاك هسيبها، ولو جالت لأ يبجى من اللحظة دي تنساها، وتنسى إنك عرفتها في يوم من الأيام.
كانت كلمات وهدان نهائية، كحكم قاضيا لا استئناف بعده.
لم يكن يستجدي بل كان يفرض شروطه من موقع قوة جديدة، قوة من اختار السلام عن وعي، لا عن ضعف.
نظر جاسر إلى الشيخ العجوز، ولأول مرة، شعر بشيء من الاحترام تجاه هذا الرجل لقد رأى فيه صلابة من نوع مختلف، صلابة الحكمة التي تأتي بعد عواصف الحياة، رأى ترابط لم يراه في عائلته التي لا تعرف سوى الحقد والكره.
أومأ برأسه إيماءة خفيفة، موافقاً على الشروط وعيناه تلمعان بترقب وقلق فهو الآن سيواجه أصعب معركة في حياته: معركة الفوز بقلب امرأة، أمام خصم عنيد هو كبرياؤها الجريح.
_خلوه يتكلم معاها.
حاول سند المعارضة فغضبه كان لا يزال يشتعل لكن وهدان أوقفه بنظرة واحدة نظرة لا تقبل الجدال
_قلت خليه يتحدت إمعاها.
تفاهم سالم موقف والده وصعد إلى غرفة نغم، التي كانت لا تزال منهارة، والخوف واضحًا على وجهها كوشم
كان يشعر بالخزي منها لتخليه عنها لكنه سيأتي إليها ويخبرها بموقفه.
دلف الغرفة فوجدها بينهم تنظر إليه من النافذة تستند على روح.
_نغم..
التفت الجميع إليه معدا نغم التي ظلت عينيها مصلبتان على ذلك الذي دلف لتوه لداخل المنزل.
تقدم منها ووضع يده على كتفها بحنان أبوي حنان يبعث الدفء في قلبها المتجمد.
_هو تحت دلوجت ومصر انه يتحدت معاكي.
ما إن سمعت اسمه حتى تشبثت بروح أكثر وكأنها تحاول أن تختبئ من شبح يطاردها، وظنت أنهم وافقوا مرة أخرى على التخلي عنها
لاحظ سالم خوفها فقال بصوت مطمئن وقوي صوت يبعث الشجاعة في أوصالها
_متخافيش يا بنت الغالي إنتي دلوجت في موجف جوة مش ضعف، إنتي في دارك ووسط أهلك ورچالتك
كلنا في ضهرك واللي حوصل جبل إكدة مش هيتكرر تاني.
انزلي اسمعي منه وجولي اللي في جلبك من غير خوف، قراره وقرارنا كلنا في الكلمة اللي هتطلع منك
إنتي اللي هتحكمي.
أخذت نغم نفسًا عميقًا كأنها تستمد القوة من أعماق روحها مسحت دموعها بكبرياء، كبرياء فتاة قررت أن تواجه مصيرها، ثم
وافقت على مقابلته
نزلت الدرج خطوة بخطوة، وكل خطوة كانت تتطلب منها كل ما تملكه من قوة وكأنها تنزل من أعلى جبلًا شاهقًا.
كانت تتظاهر بالصلابة ترسم قناعًا من الجمود على وجهها، قناعًا يخفي وراءه عاصفة من المشاعر المتضاربة.
لكنها من الداخل كانت مجرد حطام، فتاة ضعيفة ترتجف من مواجهة جلادها وحبيبها في آن واحد.
كانت تعلم أن هذه المواجهة ستكون حاسمة، وأن كلماتها ستحدد مصيرها، ومصيره ومصير كل من حولها.
❈-❈-❈
كان جاسر ينتظر في المضيفة الواسعة، لكن المكان الفسيح كان يضيق عليه كأنه زنزانة، كان يطوف في الغرفة ذهاباً وإياباً كوحش حبيس ينتظر مصيره
خطواته الثقيلة تدق على الأرضية الرخامية بإيقاع متوتر يعكس العاصفة التي تدور في صدره.
ما إن انفتح الباب ودخلت، حتى توقف فجأة
تجمد كل شيء حوله، اختفى الرجال الذين يراقبون من على بعد، واختفى أثاث الغرفة الفخم، واختفى العالم كله لم يبقى في الكون سوى هي.
كانت تقف أمامه شامخة رغم انكسارها الواضح كانت كشجرة ضربتها صاعقة لا تزال واقفة لكن آثار الحريق بادية على أغصانها.
نظر إليها وهذه المرة لم تكن عيناه تحملان الغضب أو البرود أو الحدة.
كانت مرآة لروحه المعذبة؛ مليئة بالحزن بالرجاء وبضعف مهيب لم يظهره لأحد من قبل.
لكن نغم قررت ألا تنخدع مرة أخرى لقد رأت هذا الضعف من قبل، وكان فخاً سقطت فيه ولن تسمح لنفسها بالسقوط مرة أخرى.
كان جاسر واقفاً بنفس قوته وهيبته المعتادة، لكن عينيه كانتا تفضحانه، كانتا ضعيفتين ومتوسلتين أمامها، كجنديين استسلما بعد معركة خاسرة.
_ نغم...
نطق اسمها بصوت أجش، كأنه يختبر ما إذا كانت حقيقية أم مجرد طيف آخر من الأطياف التي تطارده.
_ ارچعي معايا.
قالت بصوت حاولت جاهدة أن تجعله ثابتاً وقوياً، لكنه خرج مرتعشاً قليلاً كوتر مشدود على وشك الانقطاع.
_ أرچع فين؟ مفيش مكان أرچعله معاك اللي بينا انكسر يا جاسر، واللي بينكسر عمره ما بيتصلح.
اقترب منها خطوة، خطوة محسوبة وهادئة، لكنها تراجعت في المقابل خطوة سريعة، محافظة على المسافة بينهما كأنها خط أحمر لا يجب تجاوزه.
بدأ حواراً طويلاً لم يكن توسلاً ذليلاً، بل كان دفاع رجل قوي عن قضيته الوحيدة الخاسرة كل كلمة فيه كانت رجاءً مغلفاً بالشموخ، كل جملة كانت اعتذاراً يحمل كبرياءً مجروحاً.
_ أنا آسف.
قالها وهو ينظر مباشرة في عينيها، لا يتهرب.
_ جوازي من شروق كان غصب عني عمي حطني جدام الأمر الواقع، جدام العيلة كلها مكنش عندي حل تاني غير إني أوافج عشان أخرس كلام الناس، عشان أحافظ على اسم العيلة اللي شايله على كتافي.
كنت هجولك، بس كنت خايف... خايف أكسرك أكتر.
قاطعته بمرارة، وصوتها يقطر سخرية موجعة.
_ فجررت تكسرني بطريجتك الخاصة لول؟ عشان يكون وجعه أخف؟
قال بلهفة وصوته ارتفع قليلاً بيأس كأنه يحاول أن يجعلها تفهم المستحيل.
_ لأ! اللي حوصل بينا... ده ملوش علاجة بأي شيء تاني، ده كان أنا وإنتي وبس كان جلبي اللي بيطلبك، روحي اللي كانت عطشانة ليكي.
اغمضت عينيها بألم لا تريد أن تصدقه
_كداب، مش حجيجي.
حاول أن يوقظ فيها أي شعور قد يشفع له، أن يذكرها باللحظات التي كانت فيها ملكه، وكان هو ملكها.
_ هفكرك بالليلة اللي فاتت؟ هفكرك وإنتي في حضني؟ وإنتي بتهمسي باسمي؟ مجدرش أصدج ومش هصدج إن كل ده مكنش حجيجي بالنسبالك.
هزت رأسها بقوة، والدموع التي كانت تحاربها بدأت تهدد بالنزول.
_ كان حجيجي.
اعترفت بها بصوتٍ مخنوق.
_ كان حجيجي لدرجة إنه جتلني لما عرفت حجيجتك.
إنت كدبت عليا بنيت للحظة معايا حلم، وفي نفس الوجت كنت بتبني سجني مع واحدة تانية.
عندما رأى أن كل محاولاته، كل صدقه، كل رجائه، يصطدم بجدار من الرفض الصلب لم يجد أمامه سوى سلاحه الأخير.
سلاح قاسي يعرف أنه سيؤلمها، لكنه كان طوق نجاته الوحيد.
تغيرت نبرته، اختفى الرجاء وعادت إليها تلك القسوة الباردة التي تعرفها جيداً.
_ طيب... فكرتي لو حصل حمل؟
تجمدت نغم في مكانها كانت الكلمات كصفعة جليدية على وجهها.
وأكمل جاسر ببرود قاصداً الضغط على أعمق مخاوفها، وهو يراقب أثر كلماته عليها.
_ لو طلعتي حامل بابني، وجتها متفتكريش إنك هتجعدي هنا يوم واحد.
هجلب الدنيا دي فوجاني تحتاني. هستخدم كل أساليب القانون والعرف عشان آخد ابني منك.
ابن جاسر التهامي ميترباش بعيد عن أبوه.
وقتها هتشوفيني بعمل حاجات عمرك ما تخيلتي إني ممكن أعملها.
لم يكن تهديداً فارغاً، بل كان وعداً قاطعاً كان يخيرها بين أن تعود إليه بإرادتها، أو أن تعود إليه في معركة ستخسر فيها كل شيء، حتى نفسها كان هذا هو جاسر حتى في حبه، كان شرساً ومتملكاً.
رغم كلماته قاسية، لكنها لم تعد تؤثر فيها كما كان يتوقع، استخدم طريقة خاطئة للضغط عليها كسرتها أكثر وعلمت أنه لن يتغير مهما حاول.
لقد وصلت إلى أقصى درجات الألم، ولم يعد هناك ما تخسره.
لم يكن لديها أمل في شيء كهذا فكل ما حدث كان مجرد كابوس.
نظرت إليه بعينين فارغتين من أي شعور سوى الإرهاق، وأصرت على رأيها بكلمات نهائية
_ حتى لو... مش هرچعلك، اللي حوصل بينا ده وبتضغط عليا بيه كان غلطة كبيرة محدش عيدفع تمنها غيري، سيبني لحالي وخليني أدويها بهدوء..
آلمته بأن وصفتها بغلطة لكنه لن يستسلم فقال برجاء
_سيبيني انا اداويها
هطلب ايدك جدام البلد كلها، وهعملك فرح العالم كله يتحاكي عنيه، بس وافجي.
أخذ نفس عميق بمحاولة فاشلة في تهدئة نيرانه
_انا مجردش اعمل إكدة معاكي، انا بجيت جدامك ضعيف جوي.
أخذت نفس عميق بمحاولة فاشلة للتحكم في دموعها
_صدجني خلاص مبجاش ينفع.......
صاح بها بغضب ناتج عن عجزه
_هينفع...انا واثق انه هينفع...بس تعالي معايا.....
في هذه اللحظة دخل مالك إلى المضيفة وقد رأى أن الحديث قد وصل إلى طريق مسدود، وأن جاسر بدأ في استخدام أساليبه القديمة. وقف بجانب نغم كدرع يحميها.
_ كفاية ياجاسر انت جلت اللي عندك اديها فرصة تفكر على الأجل.
نظرة أخرى وجهها جاسر إليها كانت نظرة رآها مالك فتور لكن من فهمت لغة العيون كانت أدرى بها
كانت تحمل مزيجاً من الرجاء الحزن الانكسار
انكسار الروح
_نغم..
قالها بعينيه وروحه الذي شعر بها ستفارقه إن فارقها
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه بدعوة صريحة للرفض.
شعر بطعنه حادة في كبرياءه ولم يعد يستطيع البقاء
خرج من المنزل صافقًا الباب خلفه بعنف أغمضت نغم عينيها على اثره
❈-❈-❈
_ يعني خطتك نجحت.
قالها أكمل في الهاتف لـمالك، وهو جالس على طاولة السفرة.
كانت عيناه تتبعان صبر التي تتحرك في المطبخ، ما زال الخجل يغلف حركاتها بعد ليلتهما الأولى.
كانت تضع أطباق الإفطار أمامه دون أن تجرؤ على النظر إليه مباشرة.
رد مالك على الطرف الآخر، فأكمل أكمل حديثه
_ على العموم، حمد لله على سلامتها حاولوا تعوضوها عن اللي شافته، واقفلوا الصفحة دي من حياتكم.
أنهى المكالمة ووضع الهاتف جانباً متفرغاً تماماً لمراقبة زوجته التي أصبحت عالمه الجديد.
كانت مشاعره قد تبدلت في ثانية، في ليلة واحدة.
لم يكن يفهم كيف تعلق بها بهذه السرعة وبهذا العمق.
هي معه منذ اربعة أشهر تقريباً، وهذه ليست مدة كافية أبداً لتعلقه بامرأة بهذا الشكل هو أكمل الحازم، العقلاني.
كان يعلم أنها تظن أن حركاتها الأخيرة وفساتينها هي ما جذبته إليها، لكنه ابتسم في سره.
هو لم يكن يوماً سطحياً وجمال الشكل لم يكن ليحركه.
الدليل الأكبر كان خطيبته السابقة ليلى؛ كانت أجمل من صبر بمقاييس الجمال المتعارف عليها، واهتمامها بنفسها كان أشد وأقوى ورغم ذلك، لم يتحرك قلبه لها كما يتحرك الآن.
ما أسره في صبر كان شيئاً أعمق
لقد شاركته كل ما يحبه بصمت
أحبت هدوءه احترمت عمله، تعلمت كيف تعد له قهوته كما يحبها تماماً دون أن يسأل.
وعندما أحبته لم تستسلم لليأس، بل حاربت من أجله.
فعلت كل شيء لتلفت نظره، لكن ضمن حدودها ضمن مبادئها.
لم تتجاوز بل حاولت أن تكون جميلة من أجله هو فقط.
هذا المزيج من البراءة والقوة هو ما هز كيانه.
وضعت آخر طبق على الطاولة، وجاءت لتذهب كعادتها لكنه هذه المرة لم يسمح لها.
مد يده وأمسك بمعصمها برفق، ثم سحبها إليه بقوة محسوبة، فوجدت نفسها فجأة تجلس على قدميه، محاصرة بينه وبين الطاولة.
شهقت بخفة وحاولت النهوض لكنه شدد من احتضانه لها.
همس في أذنها بصوت دافئ.
_ على فين؟ معقول يوم صباحيتنا وهتسيبيني أفطر لوحدي؟
احمر وجهها بالكامل ولم تعرف ماذا تقول.
_ أنا... أنا لازم أروح الجامعة.
قال وهو يأخذ قطعة من الخبز والجبن.
_ الجامعة مش هتطير بس إنتي ممكن تطيري مني لو سبتك.
أخذ لقمة صغيرة، وقربها من فمها.
_خليني أأكلك بإيدي.
هزت رأسها بالرفض وهي في قمة خجلها.
_ لأ... أنا هفطر بعدين.
نظر إليها بابتسامة ماكرة.
_ لأ هتفطري معايا دلوقتي خلينا نقلد بتوع الروايات دول ونعمل زيهم بيقولوا بيبقى طعمه أحلى.
فتحت فمها على مضض، فوضع اللقمة فيه برفق.
كانت نظراته لا تفارق وجهها، يراقبها وهي تمضغ ببطء ويستمتع بكل تفصيل من تفاصيل ارتباكها.
لاحظت نظراته لها بذلك الشكل والذي زاد من خجلها وكأنها داخل حلم جميل لا تريد العودة منه لكن نظراته لا ترحمها وأصابعه التي تلامس شفتيها عن عمد وهو يطعمها كانت تزيد من خجلها المحبب له
اندهشت من تلك المعاملة وخشيت أن تكون مشاعره بدافع رغبة وليس حب لذا سألته بصوت خافت.
_ بتعمل اكده ليه؟
علم ما يدور بخلدها لذا سألها بلوع
_ بعمل إيه؟
لم تملك الجرئة لتسأله عن ماهية مشاعره لذا تمتمت بتهرب
_ بتبصلي اكده... وبتحرچني.
ضحك ضحكة خفيفة ضحكة لم تسمعها منه من قبل.
_ عشان عايزك تتعودي عايزك تعرفي إنك مراتي وإن ده مكانك الطبيعي، في حضني مش عايز الخجل ده بينا تاني عايزك تبقي على طبيعتك معايا.
قالت بصدق
_ مجدراش... لسه مش مصدقة.
قال بنبرة واثقة وحنونة.
_ هتصدقي أنا هخليكي تصدقي كل يوم.
مال عليها وقبلها قبلة رقيقة على خدها ثم على طرف شفتيها، قبلة قصيرة لكنها كانت كافية لتجعل قلبها يطرق بعنف.
كان يفعل كل شيء ليمحو هذا الخجل، ليبني جسراً من الألفة والثقة بينهما، وكان ينجح في ذلك، خطوة بخطوة.
❈-❈-❈
دخلت وعد غرفتهما في وقت متأخر من الليل، بعد أن اطمأنت على نغم وتركتها مع والدتها.
كانت تشعر بإرهاق عاطفي شديد وجدت سند مستيقظاً، يجلس على حافة السرير في انتظارها، وفي عينيه نظرة قلقة.
ما إن رآها، حتى نهض واقترب منها، وأخذها في حضنه الدافئ.
_ وحشتيني.
استندت برأسها على صدره وتنهدت بعمق.
لاحظ سند على الفور أنها ليست على طبيعتها.
كان هناك قلق وخوف في طريقة تنفسها، في تصلب جسدها الخفيف بين ذراعيه فهم من أين يأتي هذا القلق، لكنه أراد أن يسمعه منها أن يجعلها تخرجه بنفسها لترتاح.
أبعدها عنه برفق، وأجلسها على السرير ثم جلس بجوارها وامسك بيديها.
_ مالك يا حبيبتي؟ فيه إيه شاغل بالك؟
ترددت وعد قليلاً، ثم نظرت في عينيه مباشرة، وسألته السؤال الذي كان يؤرقها بصوت خافت
_ رجوع نغم... هيغير حاجة بينا؟
ابتسم سند ابتسامة حنونة ودافئة، ابتسامة أذابت جزءاً من جليد خوفها رفع يده إلى شفتيها وقبلها برقة.
_ هيغير حاجة واحدة بس.
اتسعت عيناها بقلق.
وقال بحب صادق
_ هيغير إن بيتنا هيبقى فيه فرحة زيادة برجوعها لينا، لكن أنا وإنتي؟ مفيش أي قوة في الدنيا تقدر تغير اللي بينا.
شد على يديها وأكمل بنبرة عميقة وصادقة
_ أنا جلتلك قبل إكده وهجولك تاني حبي ليكي مختلف حبي ليكي هو اللي خلاني أعرف معنى الحب الحقيقي
لما رجعت نغم، قلبي فرح عشان أختي رجعت، عشان حتة من روحي كانت ضايعة ورجعت مكانها لكن حبي ليكي، مقلش ذرة واحدة وده أكبر دليل على إن حبي ليها كان حب أخوي، حب العشرة والطفولة إنتي اللي علمتيني إزاي أحب كراجل مش كأخ.
ارتاحت ملامح وعد، وشعرت بالخجل من شكوكها.
_ أنا آسفة... بس غصبت عني.
قال وهو يمسح على خدها.
_ متتأسفيش، من حقك تخافي وتغيري وده بيفرحني على فكرة بس أنا عايزك تطمني، إنتي وبس اللي في القلب ده ودلوق، لازم كلايتنا نقف جار نغم.
لازم نساندها ونرجعها نغم القوية اللي بتضحك وتهزر اللي نعرفها.
الموضوع مش هيكون سهل عليها زي ما صعب عليها انها تسامح حد فينا.