رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 51 - جـ 1 - الخميس 2/10/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل الواحد والخمسون
الحزء الأول
تم النشر الخميس
2/10/2025
في صباح اليوم التالي قاد أكمل سيارته إلى بيت والدته وهو يشعر بثقل العالم على كتفيه.
لم ينم طوال الليل وظل يتقلب في سريرهما الفارغ، وصورة صبر وهي تغادر تطارده كشبح.
كل سيناريو ممكن كان يدور في رأسه، وكل كلمة كان يجهزها ليشرح الموقف كانت تبدو باهتة وضعيفة أمام حجم الكارثة.
وصل إلى البناية وصعد الدرج بقدمين ثقيلتين، وقف أمام الباب للحظة وأخذ نفساً عميقاً، ثم ضغط على الجرس.
فتحت له والدته الباب، وهي تحمل قاسم الصغير بين ذراعيها.
ما إن رأى أكمل ابنه حتى شعر بوخزة حنين مؤلمة.
لقد غاب عنهما ليومين فقط، لكنه شعر وكأنه دهر.
_ صباخ الخير يا أمي.
قالت نسرين بهدوء
_ صباح النور يا ابني.
مد أكمل ذراعيه وأخذ ابنه من والدته ضمه إلى صدره بقوة، ودفن وجهه في عنقه الصغير يستنشق رائحته التي كانت تمثل له رائحة البيت والأمان
أغلق عينيه للحظة كأنه يحاول أن يستمد القوة من هذا الجسد الصغير
بعد لحظات رفع رأسه ونظر إلى والدته.
_ هي فين؟
_ في أوضتك من امبارح وهي قافلة على نفسها ومبتاكلش.
تنهد أكمل بألم وأعاد قاسم إلى والدته
_ خليه معاكي أنا هدخلها.
توجه نحو باب غرفته القديمة وأدار المقبض ببطء ودخل.
كانت تجلس على حافة السرير ظهرها للباب، وترتدي نفس الملابس التي كانت ترتديها بالأمس
كانت تنظر أمامها إلى الحائط الفارغ لكن نظراتها كانت ضائعة في عالم آخر، عالم من الألم والصدمة.
لم تتحرك قيد أنملة عندما دخل كأنها لم تشعر بوجوده.
أغلق الباب خلفه بهدوء واقترب منها وجلس بجانبها على السرير.
ظل صامتاً للحظات لا يعرف من أين يبدأ.
_ صبر...
لم ترد لم تلتفت.
_ أنا عارف إن أي كلام هقوله دلوقتي ملوش قيمة وعارف إني جرحتك جرح كبير أوي.
بس لازم تسمعيني لازم تعرفي الحقيقة.
بدأ يحكي لها كل شيء بالتفصيل بصوت هادئ يائس.
حكى لها كيف تفاجئ بوجودها، وكيف حاول أن يطردها وكيف أغلقت الباب وكيف بدأت تتحدث عن الماضي
شرح لها الموقف كلمة بكلمة محاولاً أن يرسم لها الصورة الحقيقية، لا الصورة المشوهة التي رأتها.
_ أقسم بالله يا صبر أنا كنت هرميها بره في اللحظة اللي دخلتي فيها
أقسم بالله ما لمستها ولا فكرت حتى ألمسها هي اللي كانت بتحاول...
التزم الصمت لأنه لم يستطيع الشرح أكثر من ذلك
ساد صمت طويل ثم ولأول مرة تحركت التفتت إليه ببطء ونظرت في عينيه.
كانت عيناها حمراوين متورمتين من البكاء لكنهما كانتا خاليتين من أي تعبير.
_ مش محتاج تبرر.
قالته بصوت مبحوح خافت.
_ أنا عارفة إنك متعملش كده عارفة أخلاقك كويس وعارفة إنك بتحبني.
شعر أكمل ببصيص من الأمل يتسلل إلى قلبه.
_ بس ده مبيغيرش اللي حصل.
تلاشى الأمل بالسرعة التي ظهر بها.
_ اللي قتلني مش إني شكيت فيك اللي قتلني إنك سمحت لها تدخل بيتي وأنا مش موجودة
اللي قتلني إنك وافقت تقعد وتسمع لها، بدل ما تطردها من على الباب
اللي قتلني إنك اديتها فرصة تقرب منك للدرجة دي انت فتحت لها باب كان المفروض يفضل مقفول ومتربس من يوم ما اتجوزتني.
أنت سمحت لشبحها يدخل بيننا تاني
هو ده اللي أنا مش قادرة أسامحك عليه.
مسك يدها وكانت باردة كالثلج.
_ طب أعمل إيه عشان تسامحيني؟ قوليلي أي حاجة وأنا هعملها بس متعمليش فيا وفي نفسك كده.
سحبت يدها من يده برفق.
_ سيبني.
_ لأ مش هسيبك.
_ سيبني دلوقتي يا أكمل أنا محتاجة أبقى لوحدي محتاجة أفكر.
_ مش هسيبك وإنتي بالحالة دي.
نظرت إليه نظرة أخيرة، وفيها يأس وتحذير.
_ البيت ده هو المكان الوحيد اللي أقدر أهربله، لو ضغطت عليا أكتر من كده هضطر أسيبه، وأرجع البلد
وساعتها مش هتشوف وشي تاني.
كانت كلماتها بمثابة رصاصة أدرك في تلك اللحظة أنه لو استمر في الضغط سيفقدها إلى الأبد.
تراجع ببطء وشعر بالهزيمة تسري في جسده.
_ حاضر يا صبر هسيبك بس مش هتخلى عنك هفضل مستنيكي لحد ما تهدى ولحد ما قلبك يصفى من ناحيتي.
نهض ووقف عند الباب للحظة، ينظر إليها وهي تعود إلى جلستها الصامتة ظهرها له كأنها جزيرة معزولة لا يستطيع الوصول إليها.
ثم خرج وأغلق الباب وشعر بأنه أغلقه على قلبه هو أيضاً.
❈-❈-❈
بعد أن انفض الجمع وعاد الهدوء ليسود أرجاء السرايا مرة أخرى، صعدت نغم إلى جناحهما كانت لا تزال تشعر ببرودة تسري في أوصالها كلما تذكرت نظرة صخر المليئة بالحقد خاصة النظرة التي وجهها لزوجة عمها ورد.
لقد أدركت في تلك اللحظة أن هذا الرجل ليس مجرد خصم، بل هو شر خالص لا يتورع عن فعل أي شيء
وهذا الشر الآن كله موجه نحو جاسر.
دخلت الغرفة بهدوء لتجد جاسر يخرج لتوه من الحمام.
كان قد خلع قميصه وبقي بسروال منزلي مريح.
قطرات الماء كانت لا تزال تلمع على صدره العريض وكتفيه وتنساب على آثار الجروح التي بدأت تلتئم.
كان يبدو قوي مهيب، لكنها كانت ترى ما لا يراه الآخرون.
كانت ترى الإرهاق خلف قناعه القوي، وترى الألم الذي يتحمله بصمت.
ما إن رآها حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة لكنها لم تصل إلى عينيه التي كانت تحمل بقايا عاصفة المواجهة.
لم تقل شيئاً تقدمت نحوه بخطوات هادئة ووقفت أمامه مباشرة.
رفعت نفسها على أطراف أصابعها وطبعت قبلة رقيقة دافئة على خده الخشن.
لم تكن قبلة شغف بل كانت قبلة مواساة قبلة تقول
"أنا هنا"، "أنا أشعر بك".
أغلق عينيه للحظة مستمتعاً بلمستها التي كانت كالبلسم لى جراحه الخفية.
ثم وضع يديه على خصرها وقربها إليه أكثر.
_ خوفتي؟
همس بصوته العميق وهو يعرف الإجابة بالفعل.
لم تجب مباشرة بل رفعت يدها ومررتها برفق على صدره، متجنبة أماكن الجروح.
_ أنا مشوفتش في حياتي كره زي اللي شفته في عينيه النهاردة.
نظرته ليك... ونظرته لمرات عمي... كانت نظرة واحد مستعد يجتل بدم بارد.
رفعت عينيها إليه وكانت مليئة بالقلق الصادق
_ أنا خايفة عليك يا جاسر.
ابتسم ابتسامة باهتة
_ وأنا خايف عليكي.
تفاجأت من اعترافه الصريح.
_ عليا أنا؟ هو مش شايف غيرك.
_ بالظبط وعشان مش شايف غيري وعارف إنه مش جادر يوصلي مباشرة هيدور على نقطة ضعفي.
وإنتي نقطة ضعفي الوحيدة يا نغم وچودك اهنه النهاردة وسط عيلتك بيحميكي وبيحميني بس ده بيخليه يتجنن أكتر.
ضمها إليه بقوة ودفن وجهه في شعرها يستنشق رائحتها التي أصبحت مركز أمانه.
_ أنا مجدرش أخسرك مجدرش أعيش من غيرك لو حصلك أي حاچة بسببي... أنا هموت.
تشبثت به بقوة وشعرت بصدق كلماته يهز كيانها.
لقد اعترف بخوفه بضعفه وهذا جعلها تشعر بقوة غريبة
لم تعد مجرد الطرف الذي يحتاج للحماية بل أصبحت هي أيضاً مصدر قوته وحمايته.
_ مش هيحصلي حاچة طول ما أنت معايا وإنت كمان لازم توعدني إنك تاخد بالك من نفسك
بلاش تهور
بلاش تستخف بيه الراجل ده شيطان.
ابتعد عنها قليلاً وأمسك وجهها بين كفيه وأجبرها على النظر في عينيه رأى الخوف الحقيقي يسبح في بحر عينيها العسليتين.
_ بصيلي هنا أنا مش شيطان زيه بس أنا أعرف أتعامل مع الشياطين كويس جوي.
كل اللي عمله النهاردة ده كان مچرد استعراض جوة فارغ لأنه حس إنه بجى لوحده، وإني بجيت أجوى بالناس اللي حواليا.
هو دلوجت محاصر والحيوان المحاصر هو أخطر حاچة.
وأنا عارف ده كويس.
مسح بإبهامه على خدها برفق.
_ متخافيش أنا وعدتك إني هحميكي ووعدي لسه زي ما هو.
بدأ يقترب منها ببطء وتغيرت نظرته من الحنان المطمئن إلى الشغف الحارق.
_ ودلوجت... كفاية كلام عن الشياطين.
همس قبل أن تلامس شفاهه شفتيها
_ أنا وحشني الملاك بتاعي.
وقبل أن تتمكن من الرد ابتلعت قبلته كل كلماتها وكل مخاوفها.
لم تكن مجرد قبلة بل كانت جولة جديدة من جولاتهم الخاصة، جولة يمحو بها كل أثر للعالم الخارجي ويؤكد فيها ملكيته ويجد فيها سلامه.
سحبها معه نحو السرير ورغم التعب ورغم الألم، ورغم الخطر الذي يحوم حولهما، لم يكن هناك في تلك اللحظة سوى رجل وامرأة يجدان في حضن بعضهما البعض، القوة لمواجهة كل حروب العالم.
❈-❈-❈
كانت غرفة نوم مالك وروح غارقة في ضوء أصفر دافئ قادم من الأباجورة بجانب السرير.
في منتصف الغرفة على سجادة فارسية ناعمة كان مالك يجلس على الأرض وقد تحول إلى طفل كبير.
كان المشهد يفيض بالحب النقي، مشهد أب غارق في عشق ابنته.
خرجت روح من الحمام وقد لفت جسدها بمئزر (روب) من الحرير الناعم، وشعرها المبلل ينسدل على كتفيها.
توقفت للحظة تتكئ على إطار الباب وتراقب المشهد بابتسامة سعيدة.
كان قلبها يذوب وهي ترى زوجها الرجل القوي يتحول إلى كتلة من الحنان بين يدي طفلتهما.
تقدمت بخطوات هادئة وجلست أمام المرآة الكبيرة وبدأت تمشط شعرها الطويل ببطء وعيناها في المرآة لا تراقبان انعكاسها، بل تراقبان انعكاس زوجها وابنتها.
كانت سعادتها تامة لكنها شعرت برغبة طفولية في القليل من الدلال.
بعد أن انتهت قامت من مكانها واقتربت منهما وجلست بجانب مالك على السجاد، واضعة رأسها على كتفه.
_ الله...الله.. شكلها واخدة كل الحب والاهتمام.
قالتها بنبرة دلل مصطنعة وهي تنظر إلى نور التي كانت تتمسك بأصابع والدها.
_ الظاهر إن فيه ناس هنا اتنسوا خالص من ساعة ما الأميرة الصغيرة دي شرّفت.
نظر إليها مالك وابتسم وفهم على الفور لعبتها اللطيفة.
_انتي شايفة اكده؟
اومأت مؤكدة
فقام بحركة رشيقة وحمل نور بين ذراعيه ووضعها برفق في سريرها الصغير بجانب سريرهما، بعد أن تأكد أنها بدأت تغط في النوم.
ثم عاد إليها لم يجلس بجانبها جذبها من يدها وجعلها تقف قبالته قريباً جداً، انحنى نحوها وعيناه تلمعان بخبث ومرح.
_ بتجولي إيه؟ مسمعتش كويس صوتك كان واطي جوي.
ابتسمت روح وقد بدأ قلبها يخفق أسرع قليلاً من نظراته المركزة.
_ بجول... إنك مبجتش تحبني زي الأول كل حبك بجى لنور وبس.
لم يرد بالكلمات بل رفع حاجبيه مندهشا بتصنع واقترب منها أكثر وطبع قبلة رقيقة على خدها الأيمن
_ إنتي جولتي "مبجتش"؟
ثم قبلة أخرى على خدها الأيسر.
_ وجولتي "تحبني"؟
ثم قبلة خفيفة على جفن عينها اليمنى المغلقة.
_ وجولتي "زي الأول"؟
كانت أنفاسه الدافئة تلفح وجهها ورائحة عطره الرجولي تملأ حواسها بدأت ترتبك تحت تأثير هجومه الحنون
_بتغيري منها للدرچة دي؟
شعرت بالحرارة تتسلل إلى خديها.
_ أيوه... أنا... أنا بغير منها.
قالتها بصوت هامس شبه مسموع وقد اعترفت أخيراً بمشاعرها الطفولية.
ابتعد عنها مالك قليلاً لينظر في عينيها مباشرة، ورسم على وجهه تعابير الجدية المصطنعة.
_ بتغيري من بنتك؟
أومأت برأسها بخجل فتابع بمكر
_ يا خبر! يبجى أنا اكده غلطان جوي
غلطان جداً
ولازم أصلح غلطتي دي فوراً.
وقبل أن تستوعب ما يعنيه، جذبها إليه بحركة واحدة سريعة وحملها بين ذراعيه متجهاً بها نحو السرير.
_ شكلي هحتاچ ليلة كاملة عشان أثبتلك إن حبي ليكي مبيتقارنش بأي حب تاني في الدنيا.
همس في أذنها وهو يضعها برفق على السرير، ويأخذها معه إلى عالمهما الخاص عالم لا يوجد فيه سوى رجل يعشق زوجته وامرأة تذوب في تفاصيل حبه الذي لا ينتهي.
❈-❈-❈
مرت الأيام ثقيلة قاتلة على أكمل
كانت شقتهما التي كانت يوماً عشاً دافئاً قد تحولت إلى قبر صامت بارد
كل ركن فيها يصرخ باسمها كل شيء يذكره بغيابها وغياب ضحكات ابنه
كان يعود من عمله كل يوم على أمل أن يجدها قد عادت، ليجد فقط صمتاً أعمق وفراغاً أكبر.
حاول مراراً وتكراراً كان يذهب إلى بيت والدته كل يوم يراها من بعيد يحاول أن يتحدث معها، لكنها كانت تتهرب منه ببرود مؤلم.
كانت ترفض حتى النظر في عينيه كانت والدته تحاول التوسط، لكن صبر كانت قد بنت حول نفسها جداراً من الجليد لا يبدو أن شيئاً قادراً على اختراقه.
في ذلك اليوم وصل أكمل إلى نقطة الانهيار.
لم يعد قادراً على التحمل دخل إلى بيت والدته كالإعصار وعيناه تبحثان عنها وجدها في الشرفة، تقف شاردة كعادتها.
توجه نحوها مباشرة ووقفت والدته تراقب بقلق تشعر بأن شيئاً سيئاً على وشك الحدوث.
_ صبر.
قالها بنبرة حادة مختلفة عن كل محاولاته السابقة.
نبرة لم تعد تحمل رجاءً بل نفاد صبر
التفتت إليه وعلى وجهها نفس الجمود البارد.
_ عايز أتكلم معاكي.
_ مفيش بينا كلام يتقال.
_ لأ فيه فيه كتير كمان، أنا حياتي اتشلت من غيركم
مش قادر أعيش في البيت ده لوحدي
مش قادر أركز في شغلي مش قادر أعمل أي حاجة.
اقترب منها وصوته يرتفع تدريجياً.
_ لازم ترجعي معايا النهاردة.
نظرت إليه ببرود.
_ مش هرجع.
كانت هذه هي الكلمة التي فجرت كل شيء.
انفجر فيها بغضب لم يكن يتخيل هو نفسه أنه يملكه.
_ ليه؟! عملت إيه عشان أستاهل كل ده؟! قتلتلك قتيل؟! خنتك؟! عملت إيه بالظبط؟! أنا كنت بطردها من بيتي! بيتي وبيتك! إيه اللي في الموقف يخليكي تحكمي عليا بالإعدام بالشكل ده؟!
لأول مرة تغيرت ملامحها الجامدة وظهر عليها الألم والغضب.
_ عايز تعرف أنت عملت إيه؟ طيب بدل الموقف.
تخيل إنك رجعت البيت ولقيتني واقفة مع خطيبي القديم في شقتنا وواقفة قدامه بلبس البيت وهو واقف قريب مني والباب مقفول علينا.
كنت هتعمل إيه يا أكمل بيه؟ كنت هتقف تسمعني وتديني فرصة أبرر؟
كانت كلماتها بمثابة صب الزيت على النار.
مجرد تخيل المشهد مجرد سماعها تنطق بهذه الكلمات، أفقده صوابه تماماً.
_ إنتـــــــــي بتقولــــــــــي إيــــــــــــه؟!
صرخ فيها بصوت جعل والدته تنتفض في مكانها تقدم نحوها كالثور الهائج، وأمسك ذراعها بقوة.
_ إزاي تفكري مجرد تفكير تقارني نفسك بيا؟! إزاي تتخيلي أصلاً موقف زي ده؟!
شعرت صبر بالألم في ذراعها لكنها نظرت في عينيه بتحدي وألم.
_ شوفت؟ شوفت مجرد الكلمة عملت فيك إيه؟ مجرد التخيل جننك أهو ده بقى اللي أنا شفته بعيني.
حقيقة مش خيال عرفت دلوقتي قسوة الموقف اللي أنا كنت فيه؟
كان الغضب يعميه لم يعد يرى شيئاً كل ما يراه هو صورتها التي رسمتها في خياله، وهذا يقتله.
هنا لم تعد نسرين قادرة على الصمت
تقدمت نحوهما بسرعة.
_ أكمل! سيبها! إنت اتجننت؟!
التفت إليها أكمل وعيناه محمرتان من الغضب.
_ متدخليش يا أمي، لو سمحتي متدخليش.
كانت هذه هي المرة الأولى في حياته التي يكلمها فيها بهذه الطريقة
كانت أول مرة ترى ابنها الهادئ الرصين، بهذا الشكل المرعب
أدركت أنه لو استمر الموقف هكذا سيحدث ما لا يحمد عقباه.
هم بجذبها بالقوة لكن والدته منعته
قالتها بصوت حاسم قوي فيه أمر أم لا يمكن رفضه.
_أكمل.... سيبها وأنا أوعدك هي هترجع معاك بس سيبها دلوقتي.
نظر أكمل الى والدته ثم إلى صبر التي كانت تنظر إليه بخوف حقيقي لأول مرة.
رأى الخوف في عينيها فأدرك إلى أي وحش تحول في لحظات
أرخى قبضته عن ذراعها ببطء، كأنه يستيقظ من كابوس.
تراجع خطوة إلى الوراء وهو يمرر يده في شعره بعصبية، ولا يزال يتنفس بصعوبة.
_ أنا... أنا زهقت
قالها بصوت غاضب ثم استدار وغادر الشقة بأكملها صافعاً الباب خلفه بقوة تاركاً خلفه امرأتين ترتجفان، وحطام علاقة لم يعد أحد يعرف كيف يمكن إصلاحها.
ما إن انغلق الباب خلف أكمل بقوة هزت أركان الشقة حتى شعرت صبر بأن ساقيها لم تعد قادرة على حملها
تراجعت بضع خطوات وانهارت على أقرب مقعد وانفجرت في بكاء مرير، بكاء لم يعد صامتاً بل كان مليئاً بالشهقات المتقطعة التي تعبر عن حجم الألم والخوف الذي شعرت به.
تقدمت نسرين منها بسرعة وجلست بجانبها ووضعت ذراعها حول كتفيها المرتجفين
لم تقل شيئاً في البداية فقط تركتها تفرغ شحنة الألم التي كانت تكبتها لأيام.
بعد دقائق هدأت شهقات صبر قليلاً وتحولت إلى أنين خافت.
هنا تحدثت نسرين بصوتٍ حنون لكنه يحمل عتاباً رقيقاً.
_ شوفتي وصلتي الأمور لفين؟ شوفتي حولتي ابني الهادي العاقل لإيه؟
رفعت صبر وجهها المبلل بالدموع وقالت بصوتٍ متقطع
_ أنا... أنا آسفة يا ماما مكنتش أقصد.
_ أنا عارفة إنك مش قصدك بس زودتيها أوي يا صبر اللي بتعمليه ده غلط أكمل بيحبك، وعمره ما يفكر يخونك إنتي بنفسك عارفة كده.
قالت صبر وهي تمسح دموعها بظهر يدها كالأطفال
_ غصب عني والله غصب عني أنا شفتها... شفتها وهي قريبة منه أوي لدرجة اللي يشوفهم من بعيد يقول إنهم حضنين بعض، أنا واثقة فيه وعارفة إنه مستحيل يعملها بس فكرة إنه يدخلها بيتنا ويقفل الباب عليهم... الفكرة دي صعبة أوي قتلتني.
تنهدت نسرين وأمسكت بيدها وقالت بعقلانية الأم الحكيمة
_ وطالما إنتي واثقة فيه يبقى ليه بتدي للشيطان فرصة يدخل بينكم ويخرب بيتكم؟ ليه بتعاقبيه على حاجة هو معملهاش؟ ليه بتعاقبي نفسك وبتعاقبي ابنك؟