رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 19 - الخميس 2/10/2025
قراءة رواية في قبضة فهد كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية في قبضة فهد
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هالة زين
الفصل التاسع عشر
تم النشر الخميس
2/10/2025
انحني آدم علي منكبيه أمام ميلا التي ترتجف من الخوف مغمضه لعينيها وتهزو من رعبها ، عانقها هو ليخفف من خوفها ولكن ما إن لمسها الا ووقعت بين يديه فاقده للوعي .
سقطت علي صدره ، فهيئتها المبعثره الخائفه أذابت عظامه وكأن الزمن توقف للحظة أمام وجهها الحزين .
نظر لهم يمان بجانب عينيه ببطء، وبدأ يفيق من دوامة الغضب والعناد الذي سقط فيها ، وأول ما وقعت عليه عيناه هو ميلا المسجاة علي صدر آدم بلا حول ولا قوة. صُعق قلبه، وكأن خنجرًا اخترق صدره. أراد أن يمد ذراعيه لها هو ، أن يرفعها لصدره هو ، أن يهمس لها بكلمات تُعيد لها الأمان الذي حطمه بنفسه.
لكن كبرياؤه وقف حاجزًا بينه وبينها، تجمدت أطرافه ومنعه حتي من الانحناء عليها. ظلّ واقفًا للحظة، يُصارع نفسه، وعيناه تتعلقان بملامحها الشاحبة كأنها آخر ما سيراه.
حملها آدم الي الخارج و تبعه الجميع بينما ظل يمان ينظر في أثرهم ببرود مصطنع برع فيه .
وفجأة، حين أبصرها يمان تبتعد عنه وياخذها آدم الي البعيد بعدما صارت ملكه وحده جن جنونه .فهرع خلفهم
يمان : إستني هنا ، إنت واخد مراتي ورايح فين .
ركض خلفهم بكل قوته وأوقف آدم ، ثم حاوطها بذراعه يحملها منه بحنانٍ لم تعتده منه من قبل ، فقد دبّت الغيرة والخوف في أوصاله. أدرك أن ميلا قد لا تعود معه هذه المرة، وأنها تُسحب من بين يديه كما تُسحب الروح من الجسد. تحرك بخطوات متعثرة يبعدها عن صدر آدم ، فمنعه آدم من الإقتراب وتشبث بها وإختطفها الي صدره وعانقها بكل قوته ، وأردف بصوت غاضب .
آدم : بعد كل اللي عملته فيها ده جاي دلوقت وافتكرت إنها مراتك .
نظر له يمان بغضب والتفت إليه بعينين مشتعلة، يحتضنها هو الآخر وكأنها أمانه الوحيد، وردّ بحزم
يمان : ميلا مراتي ومش هتمشي من هنا اللي علي جثتي .
تحرك يمان أكثر، لكن يزن جذبه بحده يبعده عن طريقهم ثم وقف أمامه يمد يده ليمنعه من الاقتراب أكثر منها ، وصوت رؤوف انضم للحاجز يمسكاه بكل قوتهم .
يزن : أرجوك كفاية يا يمان … مش وقته دلوقتي نطمن عليها الأول عليها ونبقي نتكلم بعدين
نظر لهم بغضب وتوعد وهو يحاول أن يفلت منهم وعندما أدرك انه لا فائده المحاوله .. تراجع خطوة للخلف ، عيناه مشدودتان على جسدها بين يدي آدم، وكأنها تُقتطع منه قسرًا. قلبه ينزف لكنه لا يعترف، ومحاولته اللحاق بها وأخذها قسرا من يد خالها كان أشد إيلامًا لاخيه وصديقه فبعد ما فعله بها لا يحق له المطالبه بقربها مره أخري ، فهم يعلمون تمام العلم إنها لو بقيت سوف يؤذيها ويجرحها أكثر .
ترك يزن آدم فركض بها الي خارج المقابر ثم وضعها بالسياره بجانب ورد وداليدا اللتان تبعتاه عندما استمعتا الي الحارس وهو يخبره بما حدث .
وبعدما اطمئن آدم عليها أخرج سلاحه من صندوق السياره وأخذ يتفقد طلقاته ثم خرج وهو يشير الي السائق أن يقلهم الي المشفي العام بالاقصر وسط غضب وخوف ورد وداليدا .
بينما يمان يقف في مكانه، يراقب أضواء سياره آدم الحمراء وهي تختفي، ويشعر أن جزءًا من روحه رحل معها.
كان الجو ثقيلاً كأن السماء تشارك آدم غضبه وحزنه يحدق وهو يهرول بعينين مليئتين بالكراهية نحو يمان، الذي كان يتشاجر مع أخيه وصديقه بالقرب من المقابر بكل تبجح علي منعه من الاقتراب من زوجته .
شعر آدم أن قلبه يكاد ينفجر من شدة الألم لتألم ابنة أخته، بل وغرور وتبجح هذا الوغد علي ما فعله بتلك الفتاة البريئة أمامه بهذه الطريقه ...ابنه أخته وأمانته التي كانت على وشك أن تبدأ حياة جديدة مع زوجها، قد تحول حفل زفافها إلى مأساة لن تنساها بفضله .
أمر يزن الحرس بالإنتشار أمام أخيه فورا ما أن رأي آدم يقترب من أخيه بعيون تحمل شررا من نيران الانتقام .
آدم : يمان ....يابن . هكذا صرخ آدم بصوت مرتفع وهو يقترب منه .
كان يعلم أن الفرصة ضئيلة، فالحرس كانوا منتشرين في كل مكان، لكنه لم يستطع أن يترك الأمر يمر دون أن يحاول أن يطفئ نيران صدرة المشتعله وأطلق عده طلقات .
لكن قبل أن يقترب ويصيب هدفه ، سمع صوت خطوات تقترب منه. وكان أحد الحرس الذي كان يتفقد المكان بإمعان وكان الأسرع حيث قام بإقصاء السلاح بعيدا وأمسك به بقوته الجسديه الهائله والتي تفوقه بكثير وقد نجح في منعه من الاقتراب من يمان .
آدم : وديني ماهسيبك ولو ما كنش النهارده هيبقي بكره ..واللي بيني وبينك ماخلصش لحد هنا وخليك فاكر كلامي ده .
حاول يزن تلطيف الجو بحديث خفيف
يزن : إهدي يا آدم أرجوك . نطمن علي ميلا الأول وبعدين أعمل اللي إنت عاوزة.
دفعه آدم بعيدا واردف .
آدم : أخوك خلاها حرب وهو اللي إبتدااااا فماتحاولش وحربكم بقت معايا من النهارده .يا ولاد الفهد .
نظر له يمان بغضب أكبر وكان يريد أن يقترب منه ويبادله الجدال مرة أخري ولكن منعه صديقه وأخيه والحرس اللذين يقفوا بينهم .
يمان : أعلي ما في خيلك اركبه ووريني هتعمل إيه وخليك فاكر ان بنت اختك تبقي مراتي ومكانها هيبقي جانبي مهما حصل بمزاجها أو غصب عنها وعنك إنت كمان .
أصدر صوتا إعتراضيا بفمه ثم أردف
آدم : ده بعيد عن شنبك يايمان يا فهد...
وبينما كان آدم يتراجع ببطء، مبتعداً عن المكان، كان قلبه يعتصره الألم والحزن وهو يتذكر ابنة أخته، والتي أصبحت ابنته وصديقته المقربه لن تعود إليها ابتسامتها التي عرفها طوال سنوات. وكان يعلم أن الطريق إلى الانتقام لن يكون سهلاً، لكنه أقسم أن يمان لن يفلت من العقاب.وقال صارخا وهو يتقهقر الي خارج المقابر .
آدم :ورحمه أختي ل هتفضل عايش عشان تندم، يا يمان يافهد ... هخليها تندمك وهخليها تعيشك اللي عيشتهولها لحد ما أشوفك بتموت من جواك زي ما أنت موتت فرحتها النهارده .
وبخطوات ثقيلة، اختفى آدم في الظلام، حاملاً معه وعداً بالانتقام الذي لن ينساه يمان أبداً.
❈-❈-❈
وصلت ميلا إلى المشفى، جسدها واهن وعيناها مغلقتان، كأنها تحمل فوق روحها حملًا أثقل من أن يُحتمل. ركضت داليدا وورد بجوارها، تمسكان بيدها، بينما نقلها الأطباء بسرعة إلى غرفة الطوارئ.
كانت صديقتاها تلهثان من القلق، وقفتا خارج الغرفة، تنتظران أي خبر عنها، بينما الطبيب خرج بعد دقائق معدودة، وجهه يحمل مزيجًا من الجدية والهدوء.
قال بصوت مطمئن
الطبيب : هي عندها انهيار عصبي حاد، الضغط والسكر عندها منخفضين جدًا، واضح إنها تعرضت لضغط نفسي كبير في وقت قصير. هنضطر نديها مهدئات عشان تنام وتستريح، ولما تصحى هتبقى محتاجة رعاية خاصة وهدوء تام.
وضعت داليدا يدها على فمها، تحاول كتم شهقة خوف، بينما ورد تمسح دموعها التي انهمرت بلا وعي.
بينما سألت داليدا بصوت مختنق.
داليدا : يعني هتفوق إمتى، دكتور؟
الطبيب : على الأقل بعد كام ساعة، بس الأهم من ده إنها لما تصحى، متتعرضش لأي حاجة تضايقها أو تضغط عليها، لأن حالتها النفسية مش مستقرة.
نظرت ورد إلى داليدا بقلق، كلتاهما تعرفان أن هذا الطلب أشبه بالمستحيل، فالعاصفة التي اجتاحت حياة ميلا لم تهدأ بعد، وربما لم تبدأ بعدُ بشكلها الحقيقي.
دخل آدم إلى المشفى بخطواتٍ سريعة، عيناه تبحثان عن ميلا بقلقٍ واضح. وجد داليدا وورد جالستين خارج الغرفة، وجهيهما ممتقعان، والدموع لا تزال عالقة في عيونهما.
آدم : الدكتور قال ايه ؟ سأل بصوتٍ حاد، وكأن قلبه يرفض تصديق أن ميلا قد وصلت إلى هذه الحالة.
لم تنظر له داليدا وإكتفت بالصمت فردت ورد بصوتٍ مرتجف
ورد : الداكتور قال اإن اللي عنديها ده انهيار عصبي، و قال إنها محتاجة راحة تامة، وطبعا حالتها النفسية سيئة جدًا يا آدم بيه .
لم ينتظر آدم سماع المزيد، أخرج هاتفه فورًا واتصل بأحد مساعديه.
آدم : جهّزولي طيارة الإسعاف حالًا، هننقل ميلا على القاهرة النهاردة، مش هتفضل هنا في الصعيد لحظة زيادة واحده .
نظرت إليه ورد بصدمة وقلق وسألت
ورد : إيه..... طيارة إسعاف؟ليه بس إكده يا ولدي
أجاب آدم بحزم، دون أن ينظر إليها.
آدم :ميلا لازم تبقى في أحسن مكان تحت رعاية طبية كاملة، ومش هسيبها هنا وسط الناس اللي كانوا السبب في اللي هي فيه .
نظرت ورد الي داليدا لكي تحسها علي الحديث ولكنها كانت في عالم آخر ، جلست تبكي لا تدري أهي تبكي علي حالها مع آدم أم علي حال صديقتها ،نظرت من النافذه حيث الليل يخيّم على أرجاء المشفي ، وميلا مستلقية على الفراش في غرفتها، ملامحها هادئة لكنها منهكة....
تركهم آدم ووقف قرب النافذة، كتفيه مشدودين والغضب يتأرجح في عينيه، بينما ورد تبعته ووقفت خلفه بخطوات مترددة، تنظر إليه بخوفٍ من ثورة غضبه العاتيه .
اقتربت ورد بصوتٍ خافت وهي تحاول جذب إنتباهه
ورد : آدم بيه … بالله عليك بلاش تقول لحد من العيلة. لو جدها عرف هتقوم حرب تاني زي زمان… والكل هيتأذي. وأولهم ميلا نفسها ، خلينا نلحق الموضوع ، وآدام انت هتاخدها وتسافر يبقي نوقف الموضوع لحد إهنه ، ونحله بهدوء بعيد عن النجع .
التفت إليها آدم فجأة، عيناه تقدحان شررًا، وصوته خرج مبحوحًا لكنه ممتلئ بالقوة.
آدم : إطمني ياست ورد الحرب خلاص خلصت بين عيلتكم وعيله الفهد …الحرب المرة دي بيني أنا وإبن الفهد … وهو لازم يعرف إنه لمس أغلى حاجة عندي وجرحها .
ورد وضعت يدها على كتفه تحاول تهدئته
ورد : يأآدم يا ولدي ، لو عيملت إكده هتخسر كتير، سكه الانتقام واعره وهتخلي بت خيتك تتألم أكتر من اللي هي فيه .
لكن آدم شدّ قبضته حتى إبيضت بمفاصله ، ووجهه ارتسم عليه قسمٌ لا رجعة فيه.
آدم :أنا مش هسيب حقها… ولا هسيب حقي. يمان هيذوق مرارة اللي عمله فيها أضعاف مضاعفه ...وهحاسبه علي المرة اللي فاتت قبل المره دي...انا مش هسامح في حق بنت أختي يا ست مهما حصل .
سادت لحظة صمت ثقيلة، لم يسمع فيها سوى أنفاس ميلا الهادئة من على الفراش. ورد أطرقت برأسها، مدركة أن ما في صدر آدم ليس مجرد غضب، بل نارًا لا يطفئها سوى المواجهة بين ميلا ويمان نفسه
خطا آدم نحو الغرفة، ودون أن ينتظر إذنًا، دخل ورأى ميلا مستلقية على الفراش، ملامحها شاحبة وكأن روحها قد خمدت. اقترب منها، نظر إليها للحظة طويلة، ثم حملها بين ذراعيه بحرصٍ وكأنها شيء ثمين يخشى أن ينكسر.
كانت ورد على وشك الاعتراض، لكنها توقفت عندما رأت النظرة في عينيه نظرة رجل مستعد لفعل أي شيء لإنقاذه ابنته .
❈-❈-❈
وقف يزن ورؤوف أمام يمان، ملامح وجهيهما مشدودة بالغضب واللوم الواضح، بينما كان يمان يقف أمامهما ببرودٍ ظاهري، لكن النار كانت مشتعلة بداخله.
رؤوف : إنتَ إزاي تعمل كده؟! تاخدها من الدوار من غير ما تبلغ حد وتجيبها هنا ليله دخلتها وتعمل فيها كده ؟ يا جبروتك يآخي ؟ قالها رؤوف بانفعال، وهو يرمقه بنظرة غاضبة.
بينما أضاف يزن ، بصوتٍ أقل حدة لكنه لا يخلو من التوبيخ
يزن : دي مش مجرد حركة ممكن تعدي يا يمان ، شوف انت عملت ايه لمجرد أن آدم اتجوز بنت عمك ، ما بالك هو هيعمل ايه آدم مش هيسيبك، وعيلتها لو عرفت هتشعللها نار، والطار اللي كنا بنقول طفيناه هيبقي اتنين ...وبعدين هنعمل ايه لو حد من العيله سألك عليها .
رفع يمان حاجبه بسخرية، ثم قال بحدة وهو يرفع صوته
يمان :ماحدش هيقدر يجيب سيرتها من عيلتها لاني بلغت جدها إننا مسافرين بكرة من بدري ،و لو حد سأل في عيله الفهد قولهم سافرنا ولا روحنا في داهيه حتي ، ماحدش له عندي حاجة.
نظر إليه يزن بعدم تصديق.
يزن : طب لو فرضنا أن العيلتين شربوها ، عادي عندك إن آدم ممكن يقلب الدنيا فوق دماغنا ؟ وآدم نابه أزرق مانت عارفه .
اقترب يمان منهما، وصوته انخفض لكن كان فيه تهديد واضح
يمان : آدم مهما اتجنن، مش هيقدر يفضح بنت أخته بنفسه، وهو عارف ده كويس، أما اللي هيعمله ضدي، فأنا مجهّزله علشان كده زود الحرس على كل فروع الشركات والمخازن ، آدم مش هيواجهني في وشي علشان بنت أخته ، هيحاول يضربنا في شغلنا ، وده أنا مش هسمح بيه.
نظر إليه الاثنان باستغراب، وكأنهما يحاولان استيعاب مدى حساباته لكل خطوة، بينما هو لم ينتظر أي رد، استدار وخرج بعصبية تاركًا وراءه تساؤلات كثيرة، وإحساسًا بأن العاصفة الحقيقية لم تبدأ بعد ضاربا بنبضات قلبه التي تتمزق الما بعرض الحائط لما وصل له حاله مع من ملكته .
في المشفي العام بالاقصر ، الليل غارق في السكون إلا من خطوات يمان المتسارعة نحو الاستقبال يبحث عن أي اثر لها حيث يدخل أحد رجاله وهو يلهث بينما ساله يمان بلهغه .
يمان : لقيتهم؟؟؟؟ ....في اي أوضه .
ابتلع محمود لعابه واردف من لهاثه .
- يمان باشا… آدم بيه سافر… أخد المدام في طياره خاصه وهي نايمه وساب الصعيد من ساعة.
تجمّد يمان في مكانه لثوان عيناه اتسعتا كوحش جُرح للتو. يخلع سترته بعصبية، يرميها أرضًا، ويصرخ بصوتٍ أجش
يمان : وأنتم كنتوا فين ومامنتعوش ليه ؟
إبن .....… أخدها وسافر إزاي بدون إذني ؟
كانت عيناه تلمعان ببريق الجنون،وبدأ يمشي بتوتر غير معتاد ثم يأمر مساعده بصوت حاسم
يمان: طب لو كلمه واحده اتسربت لاي حد في النجع علي اللي حصل هنا النهارده ...هتكونوا انتم المسؤلين أدامي ...وأدي قرشين للغفير الزفت ده اللي شافني انا والمدام وإحنا خارجين ... وإخرسوه علشان مايتكلمش وجهزوالي العربية حالا … وانت خد أول طياره وخليك وراهم...إعرف كل حاجه حصلت ، حجزلها في مستشفي ايه ...وعندها ايه وهتقعد هناك أد ايه .. وبلغني بالتطورات اول بأول .
بدأ محمود ومعه رجاله يتبادلون نظرات قلق عليه ، لكن أحدهم لا يجرؤ على مخالفته فقال مساعده .
محمود : تمام ياباشا
بينما ظلت زينب تهاتف محمود طيله هذه الليله الطويله عليها ولكنه لم يجيبها مخافه ليصيبه غضب يمان .
يلتقط مفاتيح السياره من السائق و يفتح الباب بقوة تكاد تخلعه من مكانه، ويغادر المشفي كالبركان الثائر، تاركًا خلفه رجاله مذهولين من شدّة غضبه.
عاد يمان إلى القاهرة مع يزن ورؤوف، ورغم أن الرحلة لم تستغرق سوى ساعات من الطرق المختصره إلا أن التوتر الذي خيّم عليهم جعلها تبدو وكأنها استمرت أيامًا. كان يجلس في السياره صامتا ، وصمم أن يقود هو رغم محاولات يزن ورؤوف ان يوقفوه وان يجعلوه لا يقود بحالته الجنونيه هذه أو حتي يخفف من سرعه السياره لتفادي حادث الطريق بسبب السرعه الجنونيه ، بينما يزن ينظر إليه بين الحين والآخر محاولًا قراءة أفكاره.
ولكنه أردف وهو يحاول أن يفهم ما يحدث
يزن : محمود بلغني إن كل مخازن الشركه اتحرقت، بس كانت فاضية.. يعني آدم كان بيتخانق مع الهواء .
قالها يزن بنبرة ساخرة محاولًا كسر الصمت.وجر يمان للحوار
نظر إليه يمان بحدة قبل أن يجيب.
يمان : كنت متوقع إنه هيتهور، بس ما كنتش متوقع إنه يبقى غبي بالشكل ده، لو كان سأل نفسه ليه المخازن كانت فاضية، كان عرف إنه دايمًا هيفضل متأخر عني بخطوة حتي لو كان سبقني مرة واتحداني واتجوز أسماء بنت عمك .
رؤوف، الذي كان يراقب المشهد بهدوء، تدخّل قائلاً بعدما هاتف ورد وعلم منها حاله ميلا المزريه
رؤوف : بس بردو دي كانت رسالة، حتى لو هو معرفش يضرك، فده معناه إنه مش هيسكت، ودي كانت أول طلقة في حرب طويلة فخلي بالك آدم مش سهل وممكن يوصل للمخازن اللي إحنا مشونين فيها البضاعه ويسففنا التراب .
ابتسم يمان بسخرية، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول
يمان : أنا مستني الحرب دي ، وناوي أكسبها.. بس مش بس على آدم، على كل حد فاكر إنه ممكن يهددني أو يحط راسه براسي في السوق .
ساد الصمت للحظات، قبل أن يضيف بصوت منخفض لكنه مليء بالثقة
يمان : ابن الشمري نسي بيلعب مع مين .. وده كان أول غلطة ليه.
رؤوف : طب ومراتك واللي عملته فيها ؟ نفسي اعرف ليه عملت فيها كده ؟
نظر يمان أمامه مطولا لكنه لم يكن يرى سوى ابتساماتها وذكرياته معها . لم يكن مستعدًا لهذا السؤال، أو ربما لم يكن يريد أي مواجهه الان لينكزه رؤوف ملحا قاطعا شروده
رؤوف : يمان، إنت ساكت ليه؟ سألتك عن مراتك ، هتعمل إيه معاها؟
أخذ يمان نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه للحظة، وكأنما يريد أن يهرب من واقعه إلى لحظات كانت فيها ميلا تبتسم له، تضحك بصوتها الرنان، تغضب منه وتبتعد ثم تعود إليه كأنها لا تستطيع البقاء بعيدة.
تذكر أيامه السابقه معها في رحله باريس وتذكر كيف كان يريد أن يداعب خصلات شعرها الذهبيه تذكر كيف كانت توبّخه على تصرفاته العنيدة معها ، وكيف كانت تنظر إليه بعينيها الواسعتين عندما تحزن، وكيف كان يكابر دائمًا ويرفض الاعتراف بأنه لا يستطيع رؤيتها تتألم حتي وأن اراد.
لكن كل هذه اللحظات الجميلة كانت قد تحطمت في لحظة واحدة، بسبب قراراته الطائشة وإصرار الماضي علي الظهور بأوقات غير عاديه تجبره علي الانتقام .
فتح عينيه أخيرًا، وابتسم بسخرية، ثم قال بصوت خافت لكنه حازم
يمان :هترجع لوحدها ، غصب ، عنها لازم ترجع .
نظر إليه يزن نظرة متفحصة، ثم سأله.
يزن : ودي بقا هتعملها إزاي ؟ ولا ناوي تخطفها ؟
نظر يمان من نافذة السياره ، وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر من حديثه إلى رفاقه.
يمان : هتخاف علي خالها مني وهترجعلي اتقاء لشري .
نظر رؤوف ويزن لبعضهما ثم استسلموا وأكملا الطريق صامتان.
وصلوا الي القاهرة أخيرًا، وكان كل منهم يدرك أن المعركة لم تنتهِ بعد، بل ربما كانت قد بدأت للتو.فها هو آدم جنّ جنونه حين علم أن مخازن يمان التي أحرقها لم تكن إلا فخاً خاوياً، مجرد واجهة خادعة. زمجر في وجوه رجاله، يتطاير الغضب من عينيه كشرر مشتعل.
آدم : كنّا بنلعب مع شبح دارس ومخطط للموضوع ، وكأنه قاري أفكاري وعارف أنا هتصرف إزاي ...دوروا لي على المخازن اللي مشون فيها كل قطع الغيار الجديده . وولّعووا فيها كلها ...عاوزها رماد عايز أشوفه بيتوجع زي ما وجّعني!
تحرك رجاله في كل اتجاه، يبحثون كما الأسود الجائعة، بينما ظل آدم يراقب الأمور من بعيد، قلبه يشتعل، لا يهدأ، يريد أن يضرب يمان في قلبه.
أما يمان، فكان يعلم أن آدم سيخطو هذه الخطوة. ارتدى سترته الثقيلة، وخرج من مكتبه، متوجهاً نحو المشفى حيث ترقد ميلا، وفي قلبه نار أشدّ من التي أشعلها آدم في المخازن.
عندما أشار له رجاله إلى الغرفة التي تقع في نهاية الممر والتي تسكنها ميلا . سار بخطوات متسارعة، فتح الباب فجأة... فتجمّد في مكانه.
كانت ميلا نائمة، ممددة على الفراش ، ملامحها شاحبة، عيناها متورمتان من البكاء، والوريد في يدها يحمل مهدئًا ثقيلًا يكاد يطفئ حتى نبضاتها.
لكنها تتحرك ، لم تفتح عينيها حتى، كانت غارقة في نوم ثقيل كأنها تهرب من واقع لم يعد يحتمل.
اقترب منها ببطء، جلس على حافة الفراش ، نظر إليها طويلًا... كانت كأنها طفلة تائهة أرهقها الجري في طرقات الخذلان.
ظل يمسد علي وجنتيها ويعدل من خصلات شعرها المتلاصقه لجبهتها ويداعب شفتيها بأصابعه
لكنها أيضا لم تحرك ساكنا . فقط نفس هادئ يعلو ويهبط. فاضت مشاعره وتناقضاته، غضب وحب، قسوة وشوق... ثم وقف وغادر الغرفة بصمت، يلعن قلبه الذي يهيم بها رغم كل شيء.
خرج يمان من الغرفة وقد ترك وراءه امرأة تحطّمت تحت عبء ما لم تختره يومًا، وعقلاً منهكًا لا يعلم أين يضع كل هذا الغضب والندم.
ولكن لسوء حظه وفي الممر الخارجي، صادف داليدا التي كانت تنتظر أي بارقة أمل... أو تفسير. ولكنها عندما لمحته إقتربت منه بغل واضح
داليدا : إنت إيه اللي جابك هنا ؟ لسه ليك عين توريها وشك بعد اللي عملته فيها ؟يابجاحتك يا أخي ؟
لم يُجب. فقط رمقها بنظرة كادت تقتل جدالها، ثم استدار ورحل، كأن لا شيء في العالم قادر على إيقاف هذا الجفاء الذي نما في قلبه. عند الباب، وجده يزن ورؤوف ينتظرانه... وكان بانتظارهما أيضًا سيل من العتاب.
يزن : كنت متأكد انك هتيجي هنا ...مراتك عامله دلوقت ؟
لم يرد فقط تركهم وغادر وظل جالسا بسيارته ينظر الي نافذه الغرفه التي تسبح فيها ميلا بنوم عميق منتظر إفاقتها بينما تبعه رؤوف ليري ما الخطوه التاليه الذي سيفعلها هذا العاشق .
في ممر المشفى شبه مظلم، أضواءه البيضاء الباردة ترسم ظل داليدا وهي واقفة أمام نافذة غرفة ميلا، تحاول أن تخفي وجعها ولكن دموعها خانتها علي مشهد صديقتها الغافيه الهاربه من أهوال الحياه .
دخل يزن بخطوات هادئة و عيناه تقعان عليها، فيتوقف مكانه لثوان ، هيئتها المنكسره حرّكت داخله شيء لم يعرفه من قبل. إقترب ببطء، وكأن قلبه يقوده لا عقله.فوضع يده علي كتفيها بمؤازره واردف .
يزن : داليدا ...إنتِ كويسة؟
كان يزن صوته خافت، يحمل دفء غريب عندما التفتت له داليدا وكانت عيناها حمراوان من البكاء ..كادت أن تهمّ و تمسح دموعها حتي لا تظهر ضعفها امامه ..ولكن يزن يمد يده، يعطيها منديلاً ورقيا ...وبنفس الوقت يلمس إبهامه دمعة متسللة على خدها، ويمسحها برفق.
لحظة الصمت بينهما كانت كأنها اعتراف غير منطوق بالوجع لكليهما …ألم أعمق من أن يقال .
ولكن فجأة وبدون مقدمات وجدت داليدا حالها تزيد من البكاء ، تبكي بهستيريا وكأنها أفرغت كل ما خبأته في قلبها لسنوات.
نظر لها يزن بشفقه ، رغم أنه يعلم ماذا يفعل الان ، الا أنه لم يجد وسيلة إلا أن يجذبها إلى صدره. يحتضنها بقوة، كأن حضنه أمان مؤقت من كل العواصف.
لكن…
من بعيد، في آخر الممر، يقف آدم.
النمر الجريح، عيونه مشتعلة، يكاد قلبه ينفجر وهو يراها أمامه بهذا الضعف . فشدد علي قبضته بقوة حتى كادت أن تنكسر مفاصله وأصبحت أنفاسه ثقيلة، كأن كل شيء يُسحق بداخله.
لم يجرؤ على الاقتراب ، ولكنه أيضا لم يستطع أن يبتعد عندما رأي داليدا تبتعد عن يزن … فظل واقفًا يراقب، كذئب يرى فريسته تُنتزع أمامه.
بعد لحظات من البكاء، بدأت داليدا تستعيد وعيها بنفسها، ابتعدت بسرعة من عناق يزن ومسحت دموعها بخجل واضح، وقلبها يتخبط من الصدمة والارتباك.
تراجع خطوة للوراء، عيونه مليئه بالاعتذار، وصوته خرج منخفض لكنه صادق
يزن : أنا آسف يا داليدا… يمكن اتخطيت حدودي… بس ماقدرتش أشوف دموعك دي وأسكت.
ارتبكت داليدا، رفعت عينيها له بسرعة ثم هبطت بنظراتها للأرض، ولم تستطع الرد … انعقدت كلماتها بين رغبتها في شكره وبين خوفها من نظرة الناس لها.
أضاف يزن وهو يحاول يسيطر على الموقف
يزن : ماتخافيش، اللي حصل بينا مش هيطلع برّه اللحظة دي… أنا بس حبيت أطمنك إنك مش لوحدك...ولو احتجتي اي حاجه فهتلاقيني دايما موجود .
تنهّدت داليدا بصوت متقطع، وكأنها تحمل حمل سنين، ثم همست وهي تدير ظهرها ببطء
داليدا : شكرا يا يزن بيه … بس أنا مش ضعيفه ..وياريت بعد كده نحافظ علي المسافه بينا أكتر من كده … كفايه اللي أنا فيه مش ناقصة وجع زيادة.
توقف يزن في مكانه ، عيونه تتبعها وهي تبتعد، قلبه يعرف إنها كسرت الحاجز بينهما حتى لو أنكرت… ولكن ما زاد الموقف إشتعالا هو تقدم آدم من يزن ونظر إليه بغيره واضحه مشتعلة بعينيه .
سادت لحظة صمت ثقيلة، العيون تتقاتل فيها الكلمات قبل الألسنة. آدم انحنى قليلًا للأمام، همس وكأن صوته هسيس خرج من بين أسنانه .
آدم : أظن سمعتها قالتلك إليه .
التفت إليه يزن ببرود، لكنه أخفى ارتباكه خلف ابتسامة خفيفة
يزن : أنا جيت اطمن علي مرات أخويا وشُفت البنت كانت بتنهار قدامي…
ارتجف جفن آدم، قبضته أُحكمت وكأنها على وشك أن تتحول إلى لكمة، لكن صوته جاء مبحوحًا بوجع.
آدم : شرفت وآنست يا يزن بيه .
خرج يزن من المشفي ولكن في تلك اللحظه وقبل ان يتحدث ، رنّ هاتف رؤوف، فكان الصوت من الحرس الخاص بهم
محمود : يا باشا... في حركة غريبة حوالين شركة الفهد الدولية، ناس ملثمين حاولوا يدخلوا من الابواب الخلفيه ... واضح إن آدم بيه مش هيسكت .
أغلق رؤوف الهاتف واخبر يمان الذي أمرهم بالانطلاق بسيارتهم نحو الشركة أثناء هذا لليل الذي أسدل ستائره على المدينة، لكن الظلام الحقيقي كان يعشش في النفوس المصره علي الانتقام .
❈-❈-❈
عند ميلا، فكانت تستيقظ ببطء من نومها، لا تدري إن كان الكابوس قد انتهى أم ما زال يتوسد صدرها. فتحت عينيها، لم ترَ أحدًا، فقط داليدا تدخل بابتسامة منهكة.
كانت صحوه بعد غفله طويله مسدت داليدا علي رأسها وأردفت
داليدا : حمدالله علي السلامه يا حبيبتي .
نظرت لها ميلا وكأنها لا تعرفها ونظرت بالاتجاه الآخر وعقلها يسترجع كل ما حدث
اغلقت ميلا عينيها ببطء، فالضوء الأبيض للمشفى أصابها بالدوار، وصوت الأجهزة حولها كان كالمطارق على رأسها. لم يكد وعيها يعود كاملًا حتى اجتاحها سيل من الصور يمان وهو يوبخها، وهو يجرها لداخل المقابر ، صراخه عليها وحقده علي والدها ، قبر والدها المفتوح ، ونظرات يمان المشتعلة والمصره علي الانتقام .
وضعت يدها على رأسها كأنها تحاول إيقاف طوفان الذكريات، لكن الدموع سبقتها وانهمرت كالمطر.
ميلا : كفاية… كفاية بقى… أخرج من دماغي ..أبعد عني ..
همست بصوت مبحوح وهي تبكي بهستيريا
بينما دمعت عينيها ثم شرعت تبكي وبعدها أخذت في الانهيار مره أخري
جلست داليدا بجوارها، تضع يدها على كتفها محاولة كبح ارتجاف جسدها.
داليدا : إهدي يا حبيبتي انتي هنا في أمان .
كانت تصرخ بألم ثم دفنت وجهها في كفيها، وبكاؤها تحوّل إلى نحيب متواصل، جسدها يرتجف وكأنها طفلة فقدت كل سند لها في الحياة.
نظرت داليدا بقلق الي آدم الذي دخل للغرفه للتو ، بينما الأخيرة همست بصوت مبحوح
داليدا : نادي للدكتور بسرعه هتدخل في إنهيار تاني .
دخل الطبيب الغرفة على عجل بعد أن سمع صراخ ميلا وبكاءها المتواصل. كانت داليدا وآدم يحاولان تهدئتها عبثًا، لكن دموعها وصوتها الهستيري ملأ المكان.
وقف الطبيب أمام الفراش ، وملامحه جادة وهو يتفحّصها
الطبيب : ياريت كله يستني بره ، دي حالة انهيار عصبي حاد… لازم نديها مهدئات حالًا.
خرج آدم بينما رفضت داليدا ان تتركها فاقتربت الممرضة بسرعة وهي تُحضّر الحقنة، بينما ميلا تهز رأسها رافضة
ميلا : سيبوني! أنا مش عايزة… أنا عايزة أروح من هنا… كل حاجة بتوجعني.
حاولت داليدا أن تمسك بيدها بلطف
داليدا : إهدِي يا ميلا… ده لمصلحتك، عشان ترتاحي شوية.
لكن ميلا ظلت تبكي، تصرخ بجُمل متقطّعة
ميلا : مش عايزة… مش عايزة أنام… خايفة… خايفة أصحى الاقيني هناك في المقابر تاني ...
أشار الطبيب للممرضة بجدية
الطبيب : لو سمحتوا امسكوها بالراحة… الجرعة دي هتهديها فورًا.
أمسكت داليدا بكتفها برفق وهي تبكي
داليدا : حبيبتي… صدقيني ده هيخلّصك من التعب ده شوية.
انغرست الإبرة في ذراعها، فارتجف جسدها للحظة، ثم بدأ صراخها يضعف تدريجيًا، وأنفاسها تهدأ. عيناها امتلأتا بالدموع، لكنها لم تقاوم بعدها.
بعد دقائق، خفّض الطبيب صوته وهو يتابع المؤشرات على الأجهزة ويطمئن آدم الذي خرج فجأه
الطبيب : نامت… محتاجة ترتاح دلوقتي. أي ضغط أو مواجهة هتزود حالتها سوء. خلوها في هدوء تام.
أومأ آدم برأسه، بينما مسحت داليدا دموعها وهي تنظر لميلا النائمة، ملامحها مازالت محمّلة بالوجع حتى في نومها.
متسارعة. ظهر آدم فجأة، عينيه تقدحان غضبًا.
وبلا مقدمات قبض على معصم داليدا وسحبها بعنف وجعلها تسير خلفه ، كان الممر طويلًا صامتًا، لا يُسمع فيه سوى وقع خطواتهم الي أن إتجه الي إحدى الغرف الفارغة.دفعها داخل الغرفه و أغلق الباب وراءهما بقوة، عينيه تقدحان غضبا وصوته يعلو كالرعد.
آدم : إزاي تسمحي لل...اللي أسمه يزن ده إنه يقرب منك كده ...إيه عجبك ولا إيه ؟؟
ارتجفت داليدا للحظة من حدّة صوته، لكنها سرعان ما تماسكت، رفعت رأسها متحدية، وصرخت في وجهه
داليدا : وإنت مالك بيا ؟ عجبني ولا ماعجبنيش ده يخصك في إيه ؟
اقترب منها خطوة أخرى، قبضته مشدودة ووجهه يشتعل
آدم : بت إنتي ...إتعدل معايا في كلامك ..وردي عليا كويس
دوت ضحكة قصيرة ساخرة من بين شفتيها، تحمل ألمًا أكثر من السخرية
داليدا : دور الهيرو اللي بيغير ده مش لايق عليك خالص للأسف … إنت خلاص بقيت راجل متجوز.. وأنا خرجتك بره حياتي خلاص ياريت إنت كمان تتقبل الحقيقه دي بسرعه زي ما أنا إتقبلتها علشان يكون أسهل علينا إحنا الاتنين .
أشاح بوجهه لحظة كأنه تلقى صفعة منها للتو ، لكن عناده منعه من التراجع. همّ بالكلام مجددًا، إلا أن دموعها التي تساقطت بصمت جعلت الكلمات تعلق في حلقه.
هي تراجعت للخلف، وبصوت مرتجف لكنه حاد
داليدا : إحنا هنشوف بعض كتير علشان أنا مش هسيب ميلا فياريت لما تشوفني اعتبرني مش موجودة .ده هيكون أحسن ليا وليك .
ظل ينظر إليها طويلًا، كأن قلبه يرفض ما تسمعه أذناه، ثم التفت بعنف وخرج من الغرفة، تاركًا وراءه صدى الباب يرتجف مثل قلبه.
بعد أسبوع
لم يكن الفجر قد بزغ تمامًا حتى جاء الخبر كالصاعقة على يمان الفهد...
احترقت شركة الفهد لقطع الغيار ، تبعها الفهد العقارية، ثم الفهد اللوجستية.. واحدة تلو الأخرى، تسقط كأحجار دومينو تحت يد لا تعرف الرحمة.
كان آدم قد ضرب بقوة...
خطته أُعدت بإتقان، وكأنه يعرف كل زاوية وكل منفذ، كأن يمان كشف له خريطة ممتلكاته من قبل.
أما في قصر الفهد، وقف رؤوف مذهولًا، الهاتف بين يديه يرتجف
رؤوف بصوت متقطع
رؤوف : إحنا خسرنا يا يمان... عملها آدم ضللنا وضربنا ضربه قاضيه .
نظر له يمان نظره مبهمه وأردف
يمان : مش مهم.
أعاد نظره للنافذه وهو يقول لحاله إن كل هذه الخسائر ستكون ثمن بخث لعودتها الي هنا تحت نظره بين حوائط غرفته .
كانت تجلس ميلا في ركنٍ أقصي الغرفة، شاحبة الوجه، ذابلة الملامح، تنظر في اللاشيء... وكأن الحياة انسحبت من ملامحها تدريجيًا.
لم تكن تجيب على أحد، لا تأكل، لا تبتسم، حتى دموعها أصبحت بلا صوت.
كل من يراها يدرك أن شيئًا بداخلها قد انكسر ..لا بل تحطم ، ولن يصلح بعد.
داليدا : ميلا... قومي، بلاش تسكتي كده، أنا خايفة عليكي...
لكن ميلا كانت صامتة، يداها مشبوكتان، تنظر إلى الأرض كأنها سجينة في قيدٍ لا يُرى.
وفي لحظةٍ غير متوقعة، دخلت ورد وهي تلهث، وعلى وجهها علامات التوتر ...الي أن صوت ورد آتي الي مسامعها وجذب إنتباهها .
ورد بقلق
ورد : شوفتوا اللي حوصل يا بنات ؟
إنتبهت داليدا ونظرت الي ورد مستفهمه .
يمان وآدم اتخبلوا علي الآخر نازلين في بعض طحن وعمالين يحرقوا لبعض المصانع والشركات ولا كأنها حرب حقيقيه .
تغير كل شيء في ملامح ميلا فجأة...
ارتفعت عيناها، وانسحب الحزن من ملامحها ببطء كمن خرج من غيبوبة طويلة فأردفت .بصوت خافت يكاد يُسمع.
ميلا: إيه؟!... حرب عشاني؟ وخالي عامل ايه .
هزت ورد رأسها بإيجاب للتأكيد علي ما قالت .
ورد : بقولك نازلين في بعض طحن .
في تلك اللحظة، شعرت ميلا بحرارة غريبة في قلبها...
ليست نار غضب، بل شعلة من ضوء بدأت تزيح السواد الذي خيم على روحها.
لأول مرة منذ أيام، وقفت أمامهم ونظرت في المرآة...
رأت عينيها المنتفختين من البكاء، وشعرها المبعثر، لكنها أيضًا رأت القوة القديمة التي سكنتها يومًا.
لم تعد تلك الفتاة المنهارة كما كانت قبل لحظات، فالدماء دبت في عروقها مجددًا،والعاصفة التي كسرتها... قد توقظ فيها من جديد امرأة أقوى من كل الألم.
ساعدتها داليدا أن تجلس على حافة الفراش ، في البدايه جلست صامته و شعرت برجفه يدها وهي تمسك بالهاتف، تقرأ الأخبار من المواقع الرسمية، وتلمح صورًا للدخان المتصاعد من مباني الشركات.
لم تصدق في البداية... لكنها حينما رأت اسم شركه خالها بين العناوين، سقط الهاتف من يدها.
ميلا بصوت باكٍ وهي تتحدث مع ورد و داليدا
ميلا : شوفتي يا طنط ورد اللي بيعملوه في بعض... ده جنون...يمان مش هيرحم خالي ، بعد اللي عمله في الشركات بتاعته ..وشركات خالي .. فيها تعبه وشقا ه سنين
جلست داليدا تحاول تهدئتها
داليدا : يا حبيبتي، اللي بيحصل ده بين رجالة... هما رجال أعمال ..إحنا مالناش دعوه بيهم .
نظرت ميلا للبعيد واردفت بحزن وشفقه علي خالها .
ميلا : بس خالي مش هيستحمل خسارة زي دي... أنا لازم أرجع البيت حالا لازم أكون جنبه.يا داليدا .
حاولت داليدا إقناعها بالعدول عن قرارها الا أنها كانت مصره علي المغادره الي أن اخبرتها داليدا
داليدا : طب إهدي أنا هروح أنا وطنط ورد نجيبلك شويه هدوم أكيد مش هتطلعي كده وخالك ويوسف أخوكي يشوفوكي كده وبالمره نخلي الدكتور يكتبلك علي خروج ونروح بكره علطول .
آمائت لهم ميلا بالموافقه بعدما اقتنعت بحديثها وأردفت
ميلا : لا ...روحوا انتوا وأنا هكلم تيته جميله تبعتلي سواق وهدوم .
وبعد ساعه تقريبا أرسلت السيده جميله الي المشفي السائق بالسياره لكي تقل ميلا للمنزل .
كادت ميلا أن تخرج من المشفي حتي ظهر يمان أمامها فجأه
وقف يمان أمامها، عيناه مشتعلتان بالغضب والخذلان،
وكأن بين يديه نارًا يُخفيها خلف صمته القاتل.
تراجعت ميلا لبرهه لكنها ظلت ثابتة، وإن بدا الارتجاف الخفي في نظراتها، كأنها تستشعر العاصفة قبل أن تهب.
الهواء بينهما كان مشحونًا ومتوترا ، واللحظة معلقة على طرف كلمة قد تقلب كل شيء.
يمان : علي فين ؟
لم تعطي له الفرصه للحديث وكادت أن تغادر الا إنه أردف بإستهزاء
يمان : طالما مستعجله علشان تلحقي خالك كده يبقي قريتي الجرايد وعرفتي اللي عملته فيه واللي لسه هعمله فيه ؟
ارتجف قلبها رغم ثباتها الظاهري... لم يكن يهددها هي، بل من تحبهم .تراجعت ونظرت له بغضب بعدما تراكمت الدموع في مقلتيها.
يمان: إنت عملت إيه ؟؟
كان يعرف نقطة ضعفها تمامًا... واختار أن يضغط عليها بها.
يمان : إنتي عارفه كويس هو عمل معايا إيه ...وأنا مش عويل علشان ما أردش عليه وأسففه التراب ....الا إذا ؟؟
دمعه ضعف وجدت وقتها للإنهمار فمسحتها بيدها وأردف
ميلا :الا إذا إيه ؟؟
دار يمان حولها وكأنه يرهبها وتستسلم حتي تقبل بكل شروطه .
يمان : إلا إذا خرجتي من هنا معايا دلوقتي ... علي بيتي...ده لو خايفه علي اللي باقي من خالك .
وقفت ميلا بوجهه شاحب تنظر له بإذدراء يحمل الكثير من اللوم والعتاب .
سندت على باب الغرفه ، قدميها لا تحملانها ، وعيناها تلمعان بوميضٍ من الخوف و الحزن والخذلان. كان يمان يقف قبالها شامخ يضع يده بجيوب بنطاله بغرور ،و يراقبها بصمت، كأن الكلمات تخونه، وكأن بينهما مسافة أوسع من المكان الذي يجمعهما.
رفعت بصرها إليه ببطء، نظراتها ثقيلة، مثقلة بذكريات الليالي التي نزفت فيها روحها من قسوته. لم تتكلم، لكن عينيها كانت تقول كل شيء... تقول أتعرف كم كسرتني؟ أتعرف كم آلمت روحي وجرحت قلبي ؟
عندما لمح ضعفها لم يشيح بوجهه عنها ، بل ثبّت نظره عليها، كأنه يحاول قراءة كل حرف في صمتها، أو يفتّش عن فرصة للغفران في بريق عينيها. تحولت نظرته من كبريائه وغروره المعتاد الي مزيج غريب من العناد والرجاء، كأنه يقول: تعلمين أنني لن أعتذر لكي ، لكن... لا أريدك أن ترحلي...وتبقي بجوار قلبي الذي بات لا يدق الا بإسمك .
ظلّت النظرات بينهما تتشابك، صامتة لكنها صاخبة، طويلة حتى شعرت ميلا أن قلبها يتسابق مع أنفاسها، وأن الماضي بألمه حاضر بكل ثقله بينهما... لكنه، في ذات الوقت، لم يكن وحده الحاضر، بل كان هناك شيء آخر يتسلل الي قلويهم حيرة، وفضول، وشيء يشبه الخوف من أن تنكسر هذه اللحظة.
فأردفت ميلا بإنكسار وضعف لمرضها
ميلا :وإن رفضت ؟ هتعمل إيه أكتر من اللي عملته فيا ؟
يمان : مش أنا اللي هعمل... خالك هو اللي هيدفع التمن.
عارفة آدم بيحارب فين دلوقتي؟!
عارفة شركاته بتتحاصر إزاي؟
عارفه أنا خانقه وعامل عليه كماشه وهدفعه التمن غالي إزاي ؟
لو ما روحتيش معايا علي البيت ... أنا مش مسئول عن اللي ممكن يحصله تاني ....وعلشان أنا راجل كريم ..فأنا هديكي فرصه لحد بكرة بس وديني لو ما رجعتيش ما تلوميش الا نفسك لأنك هتكوني السبب في كل اللي هيحصل ...وودعيهم كويس لأن دي إعتبريها آخر مره تنامي بره البيت ، لان ما أحبش مراتي تبات بره بيتي .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة زين، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية