رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 20 - الخميس 19/11/2025
قراءة رواية في قبضة فهد كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية في قبضة فهد
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هالة زين
الفصل العشرون
تم النشر الخميس
19/11/2025
تركها وإنصرف.. وترك خلفه صدى تهديده يتردد في أرجاء قلبها.
لم تكن مجرد كلمات... كانت إنذارًا وعهداً ونقطة في بدايه انتقام لا عودة منها.
إنصرفت ميلا علي مضض كانت لا تزال متعبة، لكن حينما توقفت السياره وخطت أولي خطواتها نحو باب منزل خالها الا وإرتاح عقلها وهدأ قلبها وعرفت السكينه طريقها ، فلانت ملامح وجهها بعدما رأت ملامح وجه خالها والتي كانت تحمل شيئًا من الطمأنينة التي افتقدتها طويلًا. وما إن فتح الباب حتى اندفع آدم نحوها بخطوات سريعة، عينيه تمتلئان بالقلق والفرح في آنٍ واحد، وكأن رؤيتها أعادت إليه أنفاسه التي كاد يفقدها.
آدم : ميلا!!! حمدالله علي السلامه يا حبيبتي
قالها مرحب بها بصوتٍ متهدّج وهو يضمها إلى صدره بقوة، حتى شعرت أن نبض قلبه يطرق أذنها بينما كانت جميلة والدته تقف خلفه بإبتسامتها المشرقه، ويوسف يقهقه بارتياح لعودتها إليه وكأن هذا الطفل إستعاد جزءًا مفقودًا منه بعودتها.
رفعت ميلا رأسها ونظرت إلى خالها نظرة عتاب، نظرة تحمل سؤالًا لم تنطقه بلسانها : لماذا طرقت طبول الحرب من أجلي يا خالي .
ابتسم آدم ابتسامة حزينة، وضع كفيه على وجنتيها ومسح أثر الدموع قائلاً
آدم :نورت بيتك يا حبيبتي ، ما تفكريش في أي حاجه ، سلامتك عندي بالدنيا دي كلها ، وكنوز العالم كله تفديك يا ميلا... أنتِ أغلى من أي حاجه عندي ، وأي حرب وأي طار و لا حاجه أدام سلامك وآمانك انتي وأخوكي بالنسبه ليا ... ولا شيء في الدنيا يهمني غيرك انتي ويوسف وبس يا حبيبتي .
كانت كلماته كدفءٍ يذيب جليد قلبها للحظات لكنها في أعماقها كانت تعرف أن الطريق أمامهم ما زال مليئًا بالعواصف تذكرت كلمات يمان السامه فعانقته وأخذت تبكي بين ذراعيه كالطفل الصغير الذي يبحث عن عناق يخف به ألمها .
❈-❈-❈
في تلك الليلة التي عادت بها ميلا لم تستطع أن تنام. جلست على طرف الفراش ، تحت ضوء خافت يتسلل من مصباح صغير بجانبها ، وملامح وجهها كانت شاحبة كمن ذاق الخذلان مرتين.
كانت تفكر في خطوتها التاليه بينما كلمات يمان تطن في أذنيها كجرس إنذار لا يتوقف.
ارتجف جسدها، لم تكن تعرف إن كان غضبًا أم خوفًا أم فقط... وجعًا لا يُحتمل.
أمسكت بالهاتف لتهاتفه وتخبره أنها لن تأتي ولن تكون سجينه له .. ترددت لحظه ثم تركته يسقط من يدها في صمت وخوف من القادم ....فأغلقت عينيها بقوة، حاولت أن تلتقط أنفاسها، لكنها كانت تخشى القادم، تخشى أن يكون غدها أشد ألمًا من يومهاهذا
ظلت ساهره تقف خلف النافذه وهي تنظر في ساعه يدها كل برهه ، حتي ما إن عاد خالها وأغلق الباب خلفه ، وما أن إطمأنت علي حاله وسلامه رجوعه ، حتى شعرت وكأن أنفاسها التي كانت عالقة في صدرها عادت وآثرت العمل في رئتيها .
لم تكن المرة الأولى التي يُلقي فيها يمان ظلال تهديده على حياتها، لكنها هذه المرة شعرت أن الأمر فاق قدرتها على الاحتمال.
الدموع تجمّعت في عينيها... لكنها كانت أضعف من أن تنهمر... وأقوى من أن تُحبس.
فإقتربت من النافذة مره أخري و نظرت إلى الفراغ الممتد أمامها كأنها تبحث عن مخرج لا تراه.
تحركت ووقفت تحت السماء شديده الظلمه في شرفه غرفتها الواسعه ، يداها تعبثان في ثنايا فستانها وكأنها تحاول لملمة شتات كرامتها ووجع جسدها وسلامها النفسي ...كانت تعلم أن قلبها معلّقًا بخالها، بأمانها الوحيد الباقي لها من ذكري والدتها .. وكانت تعلم أن يمان لا يهدد عبثًا..بل سينفذ تهديده عاجلا وليس آجلا إن لم تعود له .
لكنها أيضًا لن تكون تلك الفتاة الضعيفة التي تهرب في كل مرة... فهي ستقاوم استبداده وظلمه وإنتقامه حتي آخر نفس .
نهضت من مكانها، فتحت خزانتها تبحث عن ما يشبهها...عن شى صنعته لها والدتها لا شئ باهظ الثمن فرض عليها.
نظرت إلى صورتها في المرآة، كانت إمرأة جميله ناعمه ولكنها تحمل بين عينيها وجع العاشق، ودهاء الجريحة.كانت عيناها تقولان شيئًا جديدًا... هذه المرة، انها لن تكون الضحية بعد اليوم .
كانت تعلم أن الصمت لن يحميها إلى الأبد، لكنها لم تكن تملك جرأة المواجهة الان ، فأقل خطأ قد يكلف خالها ثروه طائله ، في داخلها كانت عاصفة، تتنازعها مشاعر متضادة مشاعر متناميه متوغله في القلب، وخوف كأنه ظلّ لا يفارق خطاها.
وبين هذا وذاك... كانت فتاة وحيدة، تبحث عن ملاذ، ولو في وطن من السراب.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
دخلت داليدا فيلا آدم بخطوات مترددة، كأن قلبها يسبقها بخوف لا تريد أن تجد آدم وتضطر أن تحتك به ..إستقبلتها السيدة جميلة بابتسامة دافئة، دعتها للجلوس بجوارها .
جميله :عامله إيه يا بنتي طمنيني عليكي
تنحنحت داليدا بخجل وردت بهدوء
داليدا: الحمد لله يا طنط بخير طول ما حضرتك بخير
حاولت السيده جميله أن تخفف من قلقها وتؤازرها ...ولكن مع رفض داليدا الحديث عن آدم وفعلته الشنعاء معها ...فقط تبادلت بعض الكلمات لتزيل الحرج بينهم ، ثم استأذنتها لتصعد إلى غرفة ميلا.
دخلت داليدا غرفه ميلا التي كانت تجلس شاحبة الملامح في غرفتها ، تائهة النظرات. ...
فتحت داليدا باب الشرفه بهدوء، فوجدت ميلا جالسة بجانب السور حتي انها لم تشعر بوجودها عيناها تتابعان الأفق البعيد كأنها تبحث فيه عن مخرج. ابتسمت داليدا رغم ثقل قلبها، واقتربت لتجلس بجوارها.
قالت ميلا بصوت خافت، كأن الكلمات تُسحب من روحها عندما شعرت بوجودها .
ميلا : شوفتي الدنيا بتعمل فينا إيه يا داليدا ؟
نظرت لها داليدا بإهتمام ...فأكملت ميلا .
ميلا : يمان جالي المستشفي إمبارح وهددني بخالي يا أرجعله يا هيسففه التراب .
إقترب منها صديقتها تؤازرها في مصابها
داليدا : وانتي ناويتي تعملي ...هتقولي لادم ؟
نظرت لها وامائت برفض .
ميلا :لا مش هقوله ...انا قررت أني هرجع ليمان ..هروحله برجليا … مش عشان خاطر سواد عيونه لكن علشانا كلنا .. أنا مش قادرة أشوف خالي بيتأذى بسببي أكتر من كده .
شهقت داليدا، وعينها اتسعت بدهشة ووجع.
داليدا : لا ده إنتي أكيد إتجننتي يا ميلا؟ إزاي عاوزة ترجعي لواحد أذاكي بالشكل البشع ده ؟ إزاي تسلّمي نفسك تاني للي ممكن يدمرك؟ إنت ماشوفتيش عمل فيكي ايه ..ماشوفتيش شكلك كان عامل إزاي؟ ده لولا آدم لحقك كان زمانك ....
لم تستطع داليدا أن تكمل وابتلعت كلماتها
فأطرقت ميلا رأسها، والدموع تلمع بعينيها
أمسكت داليدا بيدها بقوة، كأنها تحاول زرع الشجاعة فيها
داليدا : بصيلي كويس يا ميلا… قلبي بيقول إنك لو رجعتي له من غير ما تحكمي قلبك وعقلك، هيتعبك أكتر… ممكن يوجعك تاني. إنتي تستاهلي تعيشي بحرية في حياه تختاريها … مش في سجن خوفه اللي هيفرضه عليكي .
ارتجفت ميلا، كأن كلمات صديقتها اخترقت جدار ضعفها، لكنها لم تجب. فقط ظلت الدموع تنساب بصمت، فيما ضمتها داليدا إليها بحنان، كأم تحتضن طفلة ضائعة وتركت القرار لها.
ميلا : مافيش حل تاني ...ماعنديش إختيارات غيره .
كان الممر المؤدي إلى حديقة فيلا الشمري لا يُسمع فيه سوى خرير النافورة وصوت العصافير المتسللة من خلف الأشجار.
خطت داليدا بها بثبات بعد إنتهاء زيارتها لصديقتها الحبيبه ميلا وهي تحمل فوق كتفيها كبرياءً مزيفًا... تحاول أن تُخفي به كل ما كسَر قلبها.
وفجأة، ارتبك الزمن.عندما رأت آدم ونظراته لها .
كانت نظراته تُلاحقها منذ أن أتت ، كأنها انفلتت من حلم طويل ظنه قد انتهى.
أما هي، فتماسكت... رفعت ذقنها، ومرّت بجواره دون أن تعطيه أكثر من طرف عينها.
لكنه لم يصمت.
آدم بصوت منخفض يحمل وجعًا مكتومًا
آدم : داليدا... إستني ..
دون أن تلتفت، أردفت ببرود قاسٍ
داليدا : مرة تانيه يا آدم بيه أصلي مستعجله .
كانت كلمتها كطعنة لكبريائه لكنها لم تكن انتقامًا... كانت بقايا كرامة تحاول أن تبقى حية.
اقترب منها بخطوات مترددة، وأمسك ذراعها ليوقفها بينما عينيه تبحثان عن صدقٍ كان قد فقده.
وأردف بحنينٍ مشوش
آدم : أنا آسف بس اللي حصل كان لازم يحصل .
التفتت له أخيرًا، ونظرت له نظرة واحدة أخيره
داليدا : ربنا يوفقك يا آدم بيه ما تقلقش من ناحيتي ، ما حصلش حاجه لكل ده .
سكت آدم، لم يجد حجة، ولا حتى مبرر...بعد لامبالاتها بفقده
كانت الكلمات تُخنقه، والحنين يجرّه إلى نقطة لا يستطيع الرجوع منها.
وأردف بصوت مكسور
آدم : مكنش قصدي إني أعمل كده ...لكني كنت مضطر...علشان أحمي ميلا
ابتسمت داليدا بسخرية
داليدا : وحميتها ؟
لم يجد ما يرد به. ظل واقفًا أمامها، نظراته تهتز بين غضبٍ من نفسه ووجعٍ لا يقوى على إخفائه
داليدا : كلمة مضطر دي بقت شماعة الكل بيعلق عليها جبنه وخيانته يا آدم بيه ..فبلاش دور المهتم ده علشان ما بقاش فارق معايا.
تركت داليدا مكانها، وابتعدت... تمشي بخطى ثابتة، بينما قلبها يرتجف من الداخل.
وآدم... بقي مكانه، يتابع ظلها وهو يبتعد، يعرف جيدًا أنه خسر شيئًا لا يُعوَّض.
كان ذلك اللقاء الأول بعد الفراق يوم المشفي .. وربما الأخير بالنسبه لها .
ومن خلف زجاج الشرفة نصف المغلق، كانت ميلا تراقب المشهد...
عيونها لم تُغمض، وقلبها يتقلّب بين صدمة وشفقة، بين وجع وقرار.
رأت آدم واقفًا كالظلّ المكسور ينظر الي داليدا بوجع وهو يضع يده علي قلبه وكأنه يتألم ، وداليدا تسير بعكس نبضها، كأنها تحاول الهروب من صوت أحبّها وخذلها.
رأتهما يتألمان بصمت، كلٌ منهما يحمل في قلبه قصة لم تكتمل، وأملًا أُطفئ في منتصف الطريق.
ميلا وضعت كفها على صدرها، تشعر أن هذا النزاع قد أكل من الجميع... وأنها كانت في قلب المعركة، دون أن تدري.
اتجهت إلى المرآة، نظرت إلى انعكاس وجهها الشاحب... لا شيء فيه يُشبه الفتاة التي حلمت بالسلام.
لأول مرة، لم تكن العودة إلى يمان ضعفًا... بل كانت اختيارًا.
اختارت أن تعود لتوقف هذا الطوفان، أن تُغلق الأبواب المفتوحة على وجع الجميع.
أن تضع يدها فوق جمر قلبه، وتقول له: هذا يكفي.
خرجت من غرفتها سريعا ، تسير بهدوء كمن يذهب إلى معركة أخيرة، ولكن بلا سلاح... سوى قلبها.
خرجت من منزل خالها تركض وتلهث وكأنها لا تريد أن يراها أحد حتي لا يمنعها من خطوتها الجريئه هذه
توقفت أمامها سياره تعلم مالكها جيدا خرج السائق وفتح لها الباب.
السائق :يمان بيه منتظر حضرتك في الفيلا يا مدام .
أما يمان ما أن ورده إتصال هاتفي من أحد رجاله المراقبين لفيلا الشمري بخروج ميلا الا وامر السائق بإحضارها له علي الفور .
جلس في منتصف الصالة الواسعة، وقد أسند ظهره إلى المقعد الجلدي الفاخر، واضعًا قدمًا فوق الأخرى بثقة مغلفة بالغطرسة. عيناه متشبثتان بباب الدخول، كأنهما تنتظران حدثًا مؤكدًا.
لم يكن بحاجة إلى من يخبره... هو يعلم أنها ستأتي.
مرت دقائق وكأنها دهر ، حتى فُتح الباب بهدوء، ودخلت ميلا.
وقفت عند العتبة، ترفع عينيها نحوه بصمتٍ مشوب بالخذلان بينما هو، رفع حاجبه بابتسامة ساخرة وباردة، كأنها لم تحرك فيه شيئًا، كأن قلبه لا يرقص الآن بين أضلعه.
فأردف ببرود مصطنع
يمان : إتأخرتي شويه بس ده ما يمنعش إنك ما خيبتيش ظني فيكي.
نظرت له بغضب واقتربت منه بخطوات متزنة، رغم أن أنفاسها كانت متقطعة، وقلبها يخونها ويرتجف كطفلٍ في مهبّ العاصفة...فنظرت له بإزدراء وقالت
ميلا :تلميذتك يا يمان بيه
وقف يمان ببطء أمامها ، كمن يتحكم في كل حركة ..وفي كل نفس ... اقترب منها، ووقف وجهًا لوجه، عيناه تغوص في عينيها كأنهما تُنقّب عن سبب القرار.
لم يستطع أن يُخفي وميض الفرح في عينيه، لكنه اختار أن يخفيه تحت قناع الكِبْر.
نظر إليها طويلًا، ثم قال بنبرة هادئة خادعة.
يمان: لو كنتي إتأخرتي شويه كمان عن كده كان خالك زمانه في موقف صعب لا يحسد عليه .
صمتٌ ثقيل خيّم بينهما، لكن داخلهما لم يكن كذلك...
كان اللقاء عاصفًا، متشظيًا، يفضح كل ما لم يُقال.
أحنت رأسها أرضا وسألت محرجه وأردفت بهدوء متعب
ميلا : لو خلصت كلامك وشماتك ياريت تقولي فين الاوضه اللي هقعد فيها ؟ علشان لسه تعبانه ومش قادره أقف .
أشار لها بيده للطابق الثاني اعلي الدرج فتقدمت تصعد الدرج بينما هو خلفها ارتسمت علي وجهه إبتسامه رضا بينما كل شئ يسير تحت إمرته.
❈-❈-❈
كان الليل قد أسدل ستاره على فيلا الفهد، والهدوء يعم المكان، لا يُسمع سوى صوت نسيم خفيف يتسلل عبر النوافذ.
أما داخل غرفة يمان، فالوضع كان أبعد ما يكون عن السكون.
وقفت ميلا أمامه، عيناها تبحثان عن لحظة صدق وسط جدران الغرور السوداء التي تملأ الحوائط ، بينما هو يقف قبالتها، ساكن الجسد، مضطرب الروح.
فأردف يمان بنبرة أقل حدّة
يمان : ده هيبقي الجناح الخاص بينا.
كان جناحٍ كبير فخم ، كانت الأضواء خافتة، والسكون يلفّ المكان، بينما وقفت ميلا في منتصف الغرفة، تتفحّص تفاصيلها بعين قلقة، وقلبٍ مشحون بالرفض.
أغلق هو الباب خلفهم ببطء، ثم استدار لها ينتظر رده فعلها
ثم جلس على طرف الفراش ، يراقبها بنظرة ثقيلة تجمع بين الغضب والامتلاك.
نظرت له ميلا بتوتر
ميلا : إنت أكيد عارف ومتأكد إني مش هفضل هنا ... مش هنام في أوضة واحدة معاك أبدا....ده مستحيل يا يمان يافهد .
بينما يرفع حاجبه بسخرية باردة
يمان : وده من إيه انشاء الله ؟ نسيتي إننا متجوزين ولا ايه؟ ولا فاكرة إنك لسه في بيت خالك ؟ علشان كل واحد فينا ينام في أوضه .
بصوت ثابت ونظرات واثقه أردفت
ميلا : جواز صوري ..علي ورق ... وإنت اللي قلت كده بنفسك. وإدينا خلاص نفذنا المهمه بنجاح ، يبقي تشوفلي أوضه تانيه...وكل واحد مننا يكون في حاله ويتجنب التاني علشان الحياه تمشي ما بينا ... وكفاية اللي عملته فيا لحد كده .
وقف يمان فجأة، واقترب منها بخطوات ثقيلة. كان يحمل في عينيه شيئاً مرعباً من الإصرار... والإهانة التي لم يتحملها
وأردف بشئ من الغضب المكتوم.
يمان : أنا ما اتعودتش إني أتحايل على حد علشان يسمع كلامي ... وخصوصًا إنتِ.
فاللي بأقوله تسمعيه وتنفيذيه بالحرف علشان لو فضلتِ عنيدة كده... أنا هعلّمك إزاي تبقي مراتي...و بالغصب لو لزم الأمر.
بعينين دامعتين، نظرت له لكنها لن تنكسر أمامه ابدا فقالت .
ميلا : لو لزم الأمر؟ يعني بلعافية؟والغصب ؟ ماشي يا يمان بيه ... طب أنا هرجع من مكان ما جيت ووريني هتخدني بالعافية إزاي.
توقّف للحظة، وكأن كلماتها صعقت قلبه . كان بإمكانه أن يصرخ، أن يثور، لكنه اكتفى بأن يزم شفتيه ويشير بيده نحو السرير.
يمان بصوت بارد مخيف وهو يشير علي جبهتها بإبهامه
يمان :مافيش خروج من هنا ... إنتي مراتي... وغصب عنك هتعيشي معايا في أي مكان هكون فيه ... وهتنامي هنا جنبي ... في الأوضة دي وعلي نفس السرير كمان ...وآه غصب عنك يابنت العماريه .
ثم استدار، وخلع سترته ببطء، بينما كانت ميلا تتراجع إلى زاوية الغرفة، تنظر إليه بعينين تفيض منهما المرارة... والخذلان.
تقدّم نحوها خطوة بعدما رأي الخوف بمقلتيها ثم أدار وجهه وكأنّ شيئًا داخله يُكسر دون صوت.
مدّ يده نحو الستارة خلفها ثم أغلقها بعنف، كأنما يغلق فصلاً كان يحاول طيّه بلا رجعة.
يمان : يالله علشان ننام علشان عندي شغل الصبح بدري .
لم تتحرك من مكانها وتابعت تحركه ناحيه الفراش بكل غرور وكأنه يجبرها علي فعلها.
في الوقت ذاته
في فيلا الشمري ، كان آدم يذرع الغرفة جيئة وذهابًا، الهاتف في يده، عينه تقدح شررًا بعدما علم من أحد رجاله أن ميلا رجعت بنفسها ليمان، دون إجبار أو قيد.
صوت صرخته ارتدّ في الجدران وهو يوبخ رجاله .
آدم : رجعتله إزاي ؟ بعد كل اللي عمله فيها؟ بعد ما كانت هتموت بسببه؟ إزاي تعمل كده؟! إزاي؟
رمى بالهاتف على الأرض فتفتت شاشته، قبض على شعره من شدّة الغضب، ثم التفت نحو الحارس
وبصوت متهدج صرخ به
آدم : حضرلي العربية... دلوقتي... أكيد هددها بيا علشان تعمل كده .
انطلقت السيارة ليلًا كطلقة نارية تخترق الصمت، وعيناه مجنونتان بالوجع، لا يسمع سوى صدى ميلا، تلك التي اختار أن يحميها... ويخسر كل شيء لأجلها.
❈-❈-❈
في داخل فيلا الفهد، كانت الأنفاس تُحبس... لأنهم يعلمون أن الليلة لن تمر بسلام.
ساد الليل بصمته الثقيل داخل الجناح، وكان السكون أكثر ضجيجًا من أي صراخ. جلست ميلا على الأرض، في إحدى زوايا الغرفة، تضم قدميها إلى صدرها، ورأسها محنيٌ على ركبتيها، كأنها تحاول الاحتماء من العالم... من يمان... وحتي من نفسها.
أما على الفراش، كان يمان مستلقيًا، وذراعه خلف رأسه، يُحدّق في السقف تارة، وفيها تارة أخرى. العتاب يملأ نظراتها، والعجز ينهش ملامحها. تقاطعت نظراتهما أكثر من مرة، بلا كلمة... فقط عيون تفضح ما تعجز عنه الألسنة وكل واحد فيهما بوادي نائي عن الآخر ، الي أن دوّى صوت محرّك سيارةٍ كسر الصمت. توقف الزمن لحظة، ثم علا صوت فرامل مفاجئة بالخارج، وصوت باب سياره يُغلق بعنف. نظر يمان من النافذة، فعرفه فورًا...أنه آدم.
طرقٌ عنيف على الباب الحديدي الكبير ، ثم لم ينتظر أن يُفتح من الحارس . فصوب علي قفله و أطلق عليه الرصاص و دفع الباب بقوة، فاندفع إلى الداخل وعيناه مشتعلة....دخل الي حديقه الفيلا الشاسعه صارخا
آدم : إنت فين يا ابن الفهد؟ ....ميلا إنتي فين ؟
اتجه آدم نحو الباب الداخلي للفيلا وأطلق عليه هو الاخر دون التدخل من الحرس ودفعه ودخل ولكن يمان وقف حائلًا بينهما، جسده كتلة من النار، وصوته كالسوط.
وأردف بصوت خشن
يمان : ارجع مكانك يا بن الشمري ..هو بيت مالوش صاحب ولا إيه ...ولا تكون فاكر إنها تكيه ومالهاش صحاب .
لم تعجب كلمات يمان الغاضب آدم، بل كانت كالشرارة الأخيرة التي أشعلت النار المتراكمة في صدره. نظر إليه آدم بعينين مشتعلتين، وكأن كل سنوات الغضب والخذلان اجتمعت في تلك اللحظة.
وقبل أن يُكمل جملته، انطلقت قبضة آدم كالرعد، استقرت على فك يمان بقوة جعلت رأسه يندفع جانبًا. فإهتز المكان، وتجمدت ميلا في مكانها صارخه تلطم وجهها .
ميلا : أرجوك كفايه يا خالي .
لم يتراجع يمان، بل رفع يده يمسح الدم الذي خرج من زاوية فمه، ثم ابتسم بسخرية، وعيونه تلتمع بالغضب، كأنه يفرز خصما أمامه.
ثم تقدم نحوه بخطوة ثقيلة، لكن صوت ميلا أوقفهما، كان أشبه ببكاءٍ يخرج من قلبٍ مكسور
ميلا : أرجوكم كفايه كده .علشان خاطري كفايه .
نظر كلاهما إليها، وبدت كأنها تنهار أمامهم مره أخري جلسَت على الأرض تجهش بالبكاء بينهم فتنفّس آدم بعنف، وأدار وجهه بعيدًا، بينما ظل يمان ينظر إليها بصمت… في عينيه غضب، ولكن في قلبه شيء آخر.
خيم الصمت من جديد، لكنه لم يكن صمتًا هادئًا… بل كان صمتًا يصرخ. كانت ميلا تبكي كأنها تستفرغ ما بقي بداخلها من أمل. آدم وقف مصلوب الجسد، عيناه على الأرض ويداه مضمومتان بقوة. أما يمان، فقد ظل واقفًا، يتنفس ببطء، وكأن كل ذرة في جسده تحاول أن تقاوم رغبة قديمة في الانفجار.
زمجرًا آدم وصرخ بها
آدم : قوليلي هددك بإيه علشان تيجيله برجليكي بيته ؟ ولا يكون خطفك وسجنك هنا بالعافية غصب عنك ؟
زمجر يمان بهدوء يسبق الانفجار
يمان : هو في حد بيخطف مراته يا بني آدم إنت ، اللي بيني وبينها … من هنا ورايح مالكش فيه. إنت آخر واحد ييجي يعلّمني الغلط من الصح..ويتدخل ما بيني وبين مراتي تاني .
صاح به آدم صارخًا
آدم : وهي مالهاش كلمة ورأي ؟ مالهاش كرامة؟ ولا بقيت لعبة في إيدك تهينها وتعذبها وقت ما تحب وتعاملها زي السجينه عندك وفي الاخر تقول عليها مراتي .
تقدم آدم خطوة ووقف أمامه ند بند ، ولكن يمان لم يتراجع ..بل بادله نظرات الغضب بينما ميلا كانت تراقب بصمت دامٍ، عيناها تتنقل بين الرجلين كأنها ترى جزءًا منها في كلٍ منهما… وجزءًا منها ينهار.
اقتربت ميلا منهم ، وهي لا تزال تدمع، وقفت ما بينهما كجدار هش ينهار بسهولة إن لم يمسكه أحد.
ميلا بصوت مرتعش
ميلا : كفاية…إنتوا الاتنين… كفاية بقى… أنا تعبت.
ساد صمت قاتل للحظة، ثم تنفّس يمان بعُمق، ونظر إلى آدم بثبات، وقال ببطء
يمان : ميلا مراتي…وده بيتها وهي اللي هتقرر تسيبه ولا تمشي مش إنت..ثم نظر لها محذرا وأردف
يمان : ولا ايه يا بنت العماريه ؟
كانت الأضواء خافتة بالداخل والهواء ساكن كأنّه ينتظر اشتعال العاصفة بينما ميلا تقف أمام خالها آدم، عيناها ممتلئتان بالدموع والخوف ، وصوتها يخرج كهمسٍ محمّل بالوجع.
ميلا : أنا آسفه يا خالو بس أنا جيت هنا بإرادتي … … كنت عاوزة أقولك بس كنت عارفه انك هتمنعني ومش هتوافق إني ارجعله.
شدّ آدم أنفاسه بقوة، يداه ترتجفان، عروقه تكاد تنفجر من شدّة الغضب، لكنه لم يستطع الرد فوراً. كان صوتها يشق قلبه قبل أذنه. كلماتها حملت وجعه ووجعها معًا، كأنها تلومه وتلتمس له العذر في آنٍ واحد.
فصرخ بها
آدم : بإرادتك؟ هو في حد عاقل ييجي برجليه لنار زي دي؟ انتي نسيتي إللي عمله فيكي .
بمراره وهي تمسح دموعها أردفت
ميلا : لا ما نسيتش… بس ياما كتير بيحصل ما بين المتجوزين . أنا هنا لأني اخترت إني أوقف الحرب اللي بينكم … مش إني آجي عليك … أنا هفضل هنا، مش عشان يمان، ولا علشان نفسي، لكن علشنا كلنا ... واتهيألي أن جوازنا من الأول كان علشان نوقف الطار مش نعمل طار جديد....وأعرف أن أي أذيه هتعملها ليمان هتأذيني أنا قبله ، لانك معمي من ساعة ما قررت تنتقم بدل ما تحميني…
تنهد بغضب ..وتراجع للخلف، يحدّق بها وكأنّه لا يعرفها، أو كأنّ الزمن سحبها منه وترك له نسخة مشوهة من ذاكرة الحب والخوف والحماية لها .
أدار ظهره وقبل أن ينصرف أردف
آدم :إنتي شايفه كده يا بنت إيف ؟
نظرت له برجاء وكانها تتوسله حتي يسامحها
ميلا :آنا اسفه يا خالي. ..سامحني علشان خاطري .
نظر لها بخذلان وقال وهو يوجه تهديدا صريحا ليمان .
آدم : ما إنتهتش هنا يابن الفهد …ثم رحل وصدى خطواته كان كأنّه يرحل بها بعيداً، لا عن المكان، بل عن قلبه الذي ترك قطعه منه خلفه.
مرّت لحظات من الصمت بعد خروج آدم، كأنّ جدران الفيلا كلها تحبس أنفاسها مع ميلا. كانت واقفة في منتصف الصالة الشاسعه ، تائهة بين وجع كلمات خالها ونظرات يمان التي لم تتركها لحظة.
تقدّم يمان بخطوات ثابتة، لكن قلبه كان يرتجف… لم يكن يعلم هل يقترب ليحتضنها أم ليؤنبها، أم فقط ليقول أي شيء يطفئ تلك النار المشتعلة بينهما لكن صوت الانتقام فقط هو ما كان يحركه فأردف بصوت خافت لكنه حاد
يمان : برافو بتتعلمي بسرعه ومش هتغلبيني في اللي جاي .
تبادل النظرات بينهما كان كالنار... حارقًا، لا يرحم. لكن خلف كل نظرة من ميلا ، كان يوجد سؤال واحد، لم يُسأل: لماذا تفعل بي هكذا ؟
ميلا : إنت بتعمل معايا كده ليه ؟ ليه بتعذبني كده ؟انا كنت عملت لك ايه ؟ علشان تعمل معايا كل ده ؟
تراجع يمان خطوة للوراء، كأن كلماتها صفعة على كبريائه، لكنها أيضًا مرآة لما فعله بها.فأردف وهو يغادر .
يمان : ابقي اسألي أبوكي الله يرحمه لما تروحيله؟
تركها وحيده بالاسفل تنظر خلفه وهو يصعد الدرج ، فقط جلست على الأريكة، ودفنت وجهها بين يديها. أما هو، فظل واقفًا مكانه أعلي الدرج ينظر لبكائها ، كأن الأرض قد قيدته، وكأن الحب لم يعد كافيًا لإنقاذ ما تحطّم… لكنّه لن يتوقف عن ما يفعله معها .
حل الفجر وأسدل الليل ستاره، وغرقت الفيلا في سكونٍ عميقٍ لا يقطعه سوى خفقات قلبٍ يمان، المتخبطة ما بين ذنبٍ لا يُغتفر، وحنينٍ لا يُقاوَم.
كانت ميلا قد استسلمت للتعب، فنامت على الأريكة، ذراعاها ملتفتان حول نفسها، كأنها تحاول الاحتماء من العالم، أو من الذكريات المتأججة في صدرها.
اقترب يمان منها بخطى بطيئة، ناظراً إليها نظرة لا يعلم أحد سواها ما تحوي من وجعٍ واشتياقٍ وشغفٍ مكتوم. انحنى قليلًا، رفعها بين ذراعيه برفقٍ بالغ، كأنّه يخشى أن يوقظ كسرًا بداخلها.
وصل بها إلى جناحه، ووضعها على الفراش بهدوء. سحب الغطاء عليها ثم جلس إلى جوارها، عيناه لم تفارقا ملامح وجهها الغافي. كانت تتنفس بهدوء، لكن نظراته كانت تناديها بأعلى صوت.
اقترب أكثر… وضع يده على شعرها برفق، ثم مررها على خدها كما لو كان يتحسس حقيقة وجودها أمامه.
عندما اشتد به الاشتياق، لم يعد قادرًا على المقاومة. ضمّها إلى صدره بحنانٍ، وأغمض عينيه على أمل أن يغفو الألم، أن يسكن الحنين، أن يمنحه هذا القرب ما عجزت عنه كل الكلمات.
واختلط أنفاسهما في عناقٍ طويل صامت، لم يتبادل فيه أي منهما حديثًا، لكن الأرواح قالت ما عجزت عنه الألسنة… وغلبه النعاس، وهي بين أحضانه، كأنّها أخيرًا عادت إلى وطنها، وإن كان الوطن ما زال ينزف.
أشرقت الشمس خجولة من خلف الستائر الحريرية، وانسلت خيوطها الذهبية بهدوءٍ إلى جناح يمان، تتسلل بين زوايا الغرفة كأنها تبشّر بيومٍ جديد لا يشبه ما قبله.
فتحت ميلا عينيها ببطء، أرهقها السهر والبكاء، وأربكها دفء لم تعهده منذ زمن. نظرت حولها بتوترٍ للحظة، ثم اتسعت عيناها بدهشة، فقد وجدت نفسها على الفراش، بين أغطية عطرة... وصدرٍ تعرف نبضه جيدًا.
بينما يمان كان نائمًا، يحتضنها كأنّه لن يسمح للعالم أن يأخذها منه مرة أخرى. وجهه ساكن، وجبينه مستريح على غير عادته، كأنّ الليل قد أصلح بعضًا من الشرخ الذي كان في داخله.
حاولت أن تتحرّك، ببطء، لكن ذراعه كانت ملتفّة حولها بإحكام… وعندما شعرت بأنفاسه تغيّرت قليلًا، تأكدت أنه بدأ يصحو.
فتح يمان عينيه بهدوء، نظر لها ثم إبتعد عنها وهو يلعن حاله الالاف المرات بينه وبين حاله ،… لم ينطق، فقط نظر إليها ثم نظر بالساعه حتي يلهي حاله عنها .
ثم قال بصوتٍ خافت هادئ ، مبحوح من النوم
يمان : بتبصيلي كده ليه ؟
ساد الصمت بينهما للحظات، نظراتها تهرب منه، وهو يراقب ملامح وجهها المتعبة بحنين. لم يعد هناك مكان للكلمات الجارحة، فكل شيء تغير… أو بدأ يتغير.
فقالت بصوت مرتبك
ميلا : أنا… أنا كنت تحت، إنت…
وقف بخيلاء ، ثم أشعل إحدي سجائره وقال بسخريه
يمان : أنا اللي طلعتك…أكيد مش هسيبك نايمه تحت عالكنبه والخدامين يشوفوكي يعني .
سعلت من رائحه الدخان واردفت بغضب وهي تأخذ من سيجارته وتطفئها .
ميلا : ماهو مافيش حد عاقل يشرب الزفت ده علي الصبح ومادام هنعيش مع بعض في أوضه واحده تبقي تحترم وجودي هنا وما أشوفكش بتدخن وانا هنا بأي ظرف من الظروف .
اقترب منها بغضب واردف وهو يحادثها بعصبيه وهو يشعل إحدي سجائره مرة أخري
يمان :أنا اعمل اللي أنا عاوزة في أي وقت وأوعي تفتكري وجودك هنا هيغير اي حاجه ..إنتي مجرد ديكور أحطه في المكان اللي أختاره .
ربعت ميلا يديها حول صدرها وأردفت
ميلا : زي ماتحب ..بس باينلنا مش هنرتاح مع بعض في أوضه واحده وأنا شايفه الفيلا كبيره هدورلي علي أوضه تانيه بدل القرف ده اللي انت ناوي تعيشني فيه ...علي الاقل ما أصطبحش بوشك كل يوم .
ثم تركته وكادت أن تتحرك وتخرج من الغرفه الا انه أمسك يدها وقربها الي صدره العريض ونظر اليها بغيظ ثم نفخ الدخان بوجهها لتسعل بقوه ثم أطفأ سيجارته بأقرب منفضه ودخل الحمام بهدوء .
نظرت له ببرود ثم ابتسمت إبتسامه إنتصار لأول مرة منذ فتره طويله
ميلا : وحياه امي وابويا لاوريك يابن الفهد ..إن ما خليتك تسيب الفيلا خالص وتوريني عرض قفاك مابقاش بنت مصطفي العماري.
خرجت داليدا من منزلها في عابدين في الصباح الباكر متوجهة إلى منزل آدم الشمري، تحمل في يدها قائمة صغيرة لاحتياجات ميلا من ملابسها وأغراضها الشخصية. كانت تعلم جيدًا أن مهمتها صعبة، لكنها كانت مصممة على ألا تترك ميلا بحاجة لشيء.وخصوصا بعدما التجأت إليها ميلا وسردت لها ما حدث مع آدم .
حين وصلت، طرقت الباب بثقة، وبعد لحظات فُتح الباب وظهر آدم واقفًا، يحمل كوبًا من القهوة ونظرة لم تعرف داليدا كيف تصنفها. ربما كانت مزيجًا بين الندم، والتمسك، والغيرة... لكنها تجاهلت كل ذلك.
لم تمنحه حتى نظرة إضافية، وبدأت في التقدّم للداخل دون أن تنتظر إذنًا منه، كأنها كانت تعرف الطريق جيدًا. فاجأها صوت ناعم ودافئ من نهاية الممر.
جميله : إزيك يا داليدا ؟
داليدا : الحمد لله يا طنط
جميله : تعالي إقعدي يا حبيبتي وأنا هخليهم يعملولك القهوه باللبن اللي بتحبيها علي الخدم ما يجهزوا الشنط ربع ساعه بالكتير وتكون جاهزه .
ابتسمت داليدا بخجل، ولم تخفِ احترامها الشديد لتلك السيدة الجميله كإسمها . شعرت بأنها مختلفة، ربما لأنها لم ترَ في عينيها أي نظرة ازدراء أو تحامل، فقط طيبة خالصة.
نظرت الي آدم ببرود وأردفت
داليدا : تمام يا طنط أنا هستناهم بره في الجنينه
في الحديقة الخلفية لفيلا الشمري ، كان النسيم عليلًا، يحرّك أوراق الشجر بلطافة كأنّه يهمس بأسرارٍ قديمة، وتغريد العصافير يرافق صمتًا خجولًا تخلله بعض النظرات المرتبكة.
داليدا جلست على المقعد الحجري أسفل شجرة الليمون ترتدي فستانًا بسيطًا، وشعرها مسدول بلا ترتيب، كأنها خرجت فقط لتتنفس… أو تهرب من ثقل الأسئلة في صدرها.
اقترب آدم منها بهدوء، يحمل بيده كوبين من القهوة، تقدّم منها دون كلمة، ومدّ لها أحدهما.
آدم : شوفتي اللي صاحبتك عملته ؟
رفضت أن تأخذ منه كوب القهوه ونظرت له ببرود
داليدا : اللي عملته ميلا هو عين العقل في حرب ما كانتش هتخلص بينك انت وابن الفهد الا بإستنزاف شركاتكم وأساميكم في السوق ...فهي إختارت الصح حتي لو هتتعب شويه...و انا بساندها في اللي عملته .
تأمل آدم وجهها، كانت الدموع تتشبث بطرف عينيها لكنها رفضت أن تنزل، رفضت أن تمنحه لحظة ضعف.
ابتسم ابتسامة خفيفة، ثم جلس بجوارها، دون أن يقترب أكثر من اللازم. كانت المسافة بينهما تحمل مزيجًا من التوتر والخجل… لكنها لم تكن كالسابق، فقد بدأت الأسوار بينهما تتصدع.
آدم : يعني إنتي شجعتيها في قرارها
أشارت بوجهها عنه وأردفت
داليدا : هي عملت اللي هي شايفاه إنه بيحميك…زي مانت اتجوزت علشان تحميها .
لم يجبها… فقط تنهد، ومد يده ببطء، ووضعها على يدها، بلطفٍ لا يشبه طباعه الغليظة.
آدم : بس أنا كنت مجبر! فيه حاجات أكبر مني، فيه تهديدات أكبر منها ... أنتِ مش فاهمة.
ساد الصمت لحظة، قبل أن تتابع داليدا بحدّة
آدم : لا، فاهمة كويس… فاهمة إنك اخترت تبقى جبان، واخترت تمشي في طريق الانتقام بدل ماتسمع منها اللي حصل وتحل كل حاجه بالعقل ، إنت اخترت الأسهل ليك ..والاسهل ده خلاك تخسر كل حاجه وأولهم أنا وميلا .
آدم بيه أنا بعدت من يوم ما اخترت واحدة تانية تبقى مراتك… ومفيش رجوع تاني ولو علي موتي ...فمالوش لزوم أسمع إعترافات متأخره ...أنا داخلة أجيب الحاجات بتاعه ميلا علشان زمانها مستنياني من بدري ، ويا ريت تسيبني في حالي وكفاية اللي حصل لحد كده
مرّت بجانبه دون أن تنتظر ردّه، وخرجت من الباب وهي تشد على قبضتها، بينما بقي آدم واقفًا كأنه تجمّد، يردد في صمت
آدم :لما اشوف اخرتها معاكي إيه يا داليدا .
وسط نظرات والدته الغير راضيه عن زواجه بهذه الطريقه وهي تري عشقه لداليدا يقفز كالقلوب الحمراء من عينيه
❈-❈-❈
في المطبخ الواسع، كانت زينب واقفة تراقب غليان الإبريق على النار، تحاول أن تُشغل نفسها عن توتر الأيام الماضية. حتي دق هاتفها فأجابت عليه بأنامل مترددة، وهي تتلفت حولها في قلق واضح.
رفعت زينب رأسها بخيلاء مفتعله.
زينب : هاتي اللي عندك يا بت أبو سويلم
ابتلعت حنان ريقها قبل أن تنطق
حنان : بصي يا ست زينب… أنا كنت لازمن أقول لحضرتك حاجة… مهمة.
ضيّقت زينب عينيها
زينب : إخلصي يابت المحروق إنتي .
تنفست حنان بعمق وقالت
حنان : يمان بيه … جاب الهانم ميلا على الفيلا … ولحد امبارح بالليل كانوا مع بعض في أوضه واحده
تجمدت يد زينب على مقبض الكنكة، وتهاوي الكوب من يدها فتكسر زجاجه فمالت بجسدها قليلًا للأمام
حنان : مع بعض؟ قصدك إيه يا حنان؟
خفضت حنان رأسها بخوف، لكنها أكملت
حنان :يعني… قضّوا الليلة سوا في الجناح الكبير… وكان مدينا كلياتنا أجازة علشان يكونوا علي راحتهم .
شهقت زينب شهقة قصيرة، وارتجفت شفتها
زينب : والواد ..الواد الصغير يزيد كان فين
أسرعت حنان تهدّئها
حنان : إحنا كنا في الفيلا بتاعه التانيه مع يزن بيه وراجعين دلوقت علي عندهم أنا بس قولت لحضرتك عشان تبقي عارفة. ده حتي يزن بيه كان بيقول للست داليدا صاحبه الهانم إن يعني يمان بيه … متعلق بيها قوي...وما يقدرش يستغني عنها .
ساد صمت ثقيل، وزينب تحدّق في الفراغ بعينين ممتلئتين بصدمة وغليان داخلي. ثم قالت بصوت منخفض لكنه يحمل وعدًا بالخطر
زينب : يبقى اللعبة اتغيرت يا حنان… وواحد من ولاد مصطفي لازمن يموت يا الصفرا بت الخوجايه ...يا يزيد اللي بيربيه يمان .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة زين، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية
