الفصل الثاني - كيان مستغل
الفصل الثانى
استيقظ من نومه على صوت جرس شقته التى يسكن بها بمفرده لرغبته فى ذلك، توجه نحو الباب وهو يتثاءب ويفرك عينيه نافضا علامات النعاس عنه، فتح الباب بتعبيرات حانقة ممن جاء إليه فى ذلك الوقت المبكر وأقلق نومه ليجده والده الذى نحاه جانبا ودلف ببروده المعتاد، قلب الآخر عينيه بملل واغلق الباب فى هدوء وتبعه حتى غرفة المعيشة حيث جلس والده على أحد المقاعد واضعا ساق فوق الآخر ونظر إليه بغطرسته المميته وقال له بجمود وملامج مبهمة لم يفهم ابنه من خلالها شىء :
- أقعد يا راغب عايزك فى موضوع
جلس على المقعد المجاور منه على مضض ولكن استرعى اهتمامه معرفة ما الأمر الذى استدعى والده للمجيء إليه فمنذ انتقاله للعيش بمفرده لم يكلف وسعه مرة واحدة وزاره بها، أخرج نوح علبة سجائرة والقداحة وأشعل واحدة وألقى العلبة والقداحة بإهمال فوق المنضدة، لفظ دخان السيجارة بتريث وقال وهو ناظر أمامه بهدوء :
- عايزك تتجوز كيان بنت عمك
توسعت عينيه بصدمة لبضع ثوانٍ لم ينبس ببنت س
شفة محاولا استيعاب ما تفوه به والده ليعقد حاجبيه بعدها وهز رأسه وهو يتساءل باستنكار:
- اتجوز مين !
أنزل السيجارة عن فمه وقال له وهو ينفث دخانها ويشير عليه بها وهى بين أصابعه :
- انت سمعت كويس
زم شفتيه كابحا غضبه وأغمض عينيه وزفر بضيق ثم تكلم بتهكم :
- بابا انت أكيد بتهزر، كيان مين اللى عايزنى اتجوزها دى عيلة
مط شفتيه بلا مبالاة وأردف وهو محافظا على ثباته وبروده الذى آثارا حنق الآخر :
- لا عيلة ولا حاجة كيان عندها عشرين سنة
رفع أحد حاجبيه ودمدم بسخط :
- وانا عندى تلاتة وتلاتين وبعدين الناس كلها عارفة انى مرتبط بداليدا وتقريبا مخطوبين
أحنى جزعه قليلا للأمام وأطفأ سيجارته بالمطفأة وهو يقول بكلمات قصد بها إغرائه :
- خطوبتك من داليدا والناس ولا املاك عمك وثروته اللى هيبقوا تحت رجليك وهيعلوا مركزك فى السوق وتولع ساعتها الناس
يعرف ابنه حق المعرفة وكم تغريه المظاهر وعلو مركزه فى حياته العملية وعلى صعيد آخر بالحياة الشخصية يقدس حياة الترف والبزخ تقديسا، لذا وضعه بمساومة صغيرة بالنسبة له يعلم كل العلم أنه سيرضخ لها، رأى التساؤلات جلية على وجهه ليتستطرد بالمزيد قائلا :
- انت أكيد عرفت ان عمك كتب كل املاكه وفلوسه لكيان
ضيق الآخر عينيه محاولا استشفاف القصد وراء كلماته ليهدر بتأكيد :
-ايوه عرفت
شبح ابتسامة شيطانية ارتسم على ثغره وأردف بجشع :
- كل ده هيبقى لينا
خلل الآخر شعره بيديه بنفاذ صبر ليقول بملل :
- بابا وضح، انا لسه صاحى من النوم ومش فاهم انت بترمى لايه بكلامك ده
تنهد بحنق من عدم استخدام ابنه لعقله فيما يقوله ليتكلم بتعبيرات مشتدة :
- انت عارف ان فلوس بكر فى الاساس فلوسى، انا اللى تعبت وشقيت فيها وجدك حرمنى منها وكتبهاله وهو أخدها على الجاهز
ما زال لا يفهم ما دخله بالأمر ولما يريد تزويجه بابنة عمه ليقول بنزق متسائلا :
- ده ماله ومال جوازى من كيان
تأفف بضجر وأردف بغضب موضحا :
- بجوازك منها هنقدر نسيطر عليها ونخليها تتنازل عن الورث
سحب الهواء لرئتيه ولفظه على مهل ثم تساءل بجدية :
- وهى ايه اللى يخليها ترضى بكده ؟
تلك التساؤلات التى سأم منها لن تنتهى هو يعلم ذلك، ينقر بسبابته فوق يد الكؤسى الحالس عليه وجاوبه بكراهية واضحة :
- هنجبرها، واحنا لو معملناش كده سمية هتعملها وهيضيع عليا فلوسى اللى بكر نهبها منى، لكن بجوازك منها هنمنع سمية انها تحط ايدها على حاجة او تقنع كيان انها تتنازلها وهى اصلا مش فارق معها ورث ولا فلوس موت ابوها مأثر فيها ومش مخليها عايز ورث ولا غيره
لم يتضح له المخطط كاملا ليتساءل باستفسار :
- وده هيتم ازاى بقى
أحس بانتعاش بصدره لاستجابة ابنه ليتكلم بهدوء شارحا له مخططه :
- هتتجوزها وهتفضل على ذمتك لحد ما تتم الواحد وعشرين سنة وبعدها هنمضيها على تنازل، حابب تكمل معاها بعد كده انت حر مش حابب طلقها واعمل معاها اللى انت عايزه مش هتدخل فى اللى هتعمله وقتها
صمت لعدة ثوانٍ مفكرا فى شىء ما ليتكلم لسانه بما أتى بفكره :
- وطنط سمية هتوافق على الكلام ده ؟
استقام واقفا وقال له بصوت امتلأ بالبغض والخبث الذى لم يلاحظه ابنه وملامحه احتدمت للغاية :
- مجبرة توافق
❈-❈-❈
رغم حالتها التى يرثى لها والتى لازمتها لطوال الشهر الماضى منذ أن فارقها والدها إلى الآن ولكنها أرادت أن تنفذ وصيته لها التى كتبها لها قبل وفاته بعدة أيامٍ بكل طاقته التى كانت قد فُنيت حينها، فلقد غاب بداخل نلك الغيبوبة اللعينة التى سرعان ما أخذته بعيدا عنها لحياة أخرى تاركا إياها بتلك الحياة البائسة التى أضحت وحيدة طاغيا عليها تعاسة العالمين بها، لم تفهم خلالها أنه كان يحاول أن يشد أزرها ويثبط من تأثير فراقه الحتمى الذى كان يشهر بقربه وما لم يعلمه حينها انه يستحيل أن يُخفى أثره من قلبها مدى حياتها
جلست على ذلك المقعد الخشبى بحديقة منزلها والذى لطالما جلست عليه بذلك المكان رفقة والدها عندما كانا يتسامران سويا بأحاديث عدة، فتحت دفترها الصغير نسبيا والتى أعتادت أن تفضفض له بكل ما تود إخراجه من أعماقها عندما يجتاحها شعور باحتياج رفيقا لم يحالفها الحظ بالعثور عليه للتحدث إليه، ولكنها بداية من الآن سوف تتحدث إليه دائما فلا وجود لرفيق ولا والدها الذى كان الصديق الأوحد لديها
بقلمها الأسود التى اعتادت ان تخط كلماتها به والتى أصبحت حياته بلونه استقرت على صفحة بذلك الدفتر والتى لا تعلم عددها من كثرة ما خطته من مواقف عدة، مشاعر، ومكنونات لم تخرج سوى له وبه، لم تكن من اللواتى يستطعن التعبير عما يختلج صدرهم لذا كان ذلك الدفتر الصغير أفضل من يتقبل كل ما يبدر منها ولا يكل من احتضان احرفها التى تارة ما تخرج بتواتر سريع كأنها تتسابق مع الزمن وتارة ما تكن واهية إذا تكونت من ورائها جملة لن تعطى معنى بالنهاية سوى بداخل قلبها الذى لم تشُبه شوائب الحياة الغابرة
مرحبا دفترى العزيز اشتقت إليك كثيرا وأعلم كل العلم أنك كنت تفتقد كلماتى التى لا تعنى لأحد على الإطلاق ولكنى أيقن أنك ترحب بها وتشتاق إلى قلمى كذلك، حسنا منذ اليوم لن ابتعد عنك مجددا فلم يعد يوجد لى أحد سواك على كل حال، حياتى أصبحت فارغة أصبحت تراهة بعد غيابه لم أعد أريدها ولكنى سأحاول جاهدة أن أتجاوز تلك المرحلة المستنفذة لكل ذرة بروحى، سأنفذ كلماته الأخيرة التى خطها لى كى تصبح الذكرى الأخيرة منه، وسأحتفظ بها ولن أتراخى عن المحاولة ما حييت، لقد أخبرنى بها أنه يحبنى كثيرا وهذا ما لم يكن يحتاج للتصريح به بتاتا كما أخبرنى أيضا أن أتحلى بالقوة التى لا أعلم من أين لى بها كما أخبرنى ألا أستسلم لضعفى الذى كان يجاهد لتبديده، أسأستطيع أن اتغلب على ضعف ملاحق لى منذ الصغر حتى وهو بجانبى لقد كان هو قوتى كيف له أن يطالبنى بأن أصبح قوية وهو قد سلب منى تلك القوة برحيله، لست أدرى هل سأتمكن من العيش رفقة كل ذلك الإفك، فحياتى مزدانة بسيل من ابتسامات يملأها الزيف مكللة بأشخاص تصطنع مشاعر وكلمات تلقيها وتنمقها بطريقة فائقة الروعة، يتواتر الظلم المجحف من العديد والعديد يجعلنى أبكى قهرا على سذاجة لطالما استبدت منى، تستهل عينى دموعا حارقة على كونى بكل ذلك الضعف الذى لا يتبدد بداخلى، تتفاقم تلك الغصة بحلقى عندما أتحامل على نفسى وأمنعها من الإستسلام والإنخراط فى نوبة بكاء تهددنى بالإنسياب عند مواجهةٍ -مع أشياء سوداء وأشخاص ضَوَارٍ- لطالما استسهلت الفرار منها، إذا أردنا التطرق لصدد الحديث سنجد أننى اعزف عزوفا تاما عن انتشال نفسى من تلك الظلمة الموحشة التى أصبحت أسيرة لها، يتهدج صدرى بأنفاس متلاحقة فى صخب من مواقف -أقل ما تتصف به أنها قميئة- أعيدها بذهنى، أختنق من كل ما يجيش به صدرى من حزن دفين، أشعر وكأن جذوة شر ظهرت بغتة فى نفوس العديد من حولى وظلت تتقد إلى أن قامت بإحراق روحى وعلى صعيد آخر انكفأ الجميع عنى وابتعدوا تاركين إياى فى وحدتى بائسة داخل قوقعة أحزانى، تبعثرت مشاعرى وأفكارى مع كل ذلك الشتات من حولى، ولكنى وبالرغم من كل ذلك سأناضل حتى الرمق الأخير مع تلك الحياة التى لم تنصفنى يوما وفى هذا الخضم من أناس كُثْر وإلى أن يتوقف وجيب قلبى سألوذ بنفسى فقط
أغلقت دفترها ووضعته بجانبها وأغمضت عينيها وهى تستنشق الهواء الطلق مطولا محتبسة إياه بصدرها لثوانٍ ثم تلفظه على مهلٍ محاولة نفض تلك الأفكار المهلكة، الذكريات المريرة، والمستقبل مجهول الهوية والإسترخاء قليلا قدر المستطاع عن طريق تلك النسمات الرقيفة الهادئة التى تلفح وجهها مخلفة هدوء غريب بداخلها طاردا تلك الزوبعة من الشتات الذهنى الذى أصبح لا يفارق فكرها مؤخرا
❈-❈-❈
تذرع الحجرة جيئةً وذهابا والغل الدفين بداخلها قد اعترى قسماتها بقوة، تشعر بوجود مخطط يُرتب له من ورائها من قبله، فهى تعرفه جيدا ويستحيل أن يتقبل بوصية زوجها ويتنازل عن حقه فى الميراث أو فيما يدعى أنه حقه فى أملاك زوجها الراحل، وما يجعلها تتأكد من شكوكها أنه لم يقم بمهاتفتها منذ ذلك اليوم الذى ذهبوا فيه إلى المحامى وعلمهم بأمر الوصية، ولم يُطالب برؤيتها التى دائما ما كان يُظهر إشتياقه البالغ إليها، زمت شفتيها بغضب يكاد ينفجر من مقلتيها البارقتين مخلفة هيئة بالغة الشر
جلست على المقعد أمام المرآة وهى تفرك يديها ببعضهم بغضب ساحق وتعض شفتها محاولة استجماع شتاتها والتفكير بتريث لمواجهة أى موقف غادر منه تتوقعه وبشدة، ولكن كل ما يهمها الآن هى تلك الأموال التى لطالما أرادت تملكها وفعلت من أجلها كل ما بوسعها من مؤامرات شيطانية وأفعال شنيعة لتحظى بها وفى النهاية تجد ذلك الأرعن كتب كل ما يملك لإبنتهما أى لعنة قادته لفعل ذلك، لقد حرم عليها أن يكن لها كيان مستقل بعدم إدخالها بمجال عمله التى كثيرا ما طالبته به ولكنه كان يأبى كل مرة وكانت ترى نظرات عدم الثقة إليها بعينيه وعلى النقيض تماما قام بإدخال كيان كلية الإقتصاد والإدارة كى يتسنى لها إدارة شركاته فيما بعد
هى لم تخطئ فيما ارتكبته فى حقه فهو من اضطرها لفعل ذلك، هو من ضيق عليها جميع الطرق، لم يكتب لها قرشا واحد وكتب كل ما يملك ل"كيان"، أحتدت ملامحها بشكل مريب وهو تنظر أمامها وتفكيرها المشابه للأبالسة لا يتوقف عن تلك الأفكار النكراء، ولكنها لن تبدأ سوى بالود كما يُهيأ لها ولكن إذا لم يحدث ما ترتب له ويُنفَذ مبتغاها ستلجأ حينها لطرقها الخبيثة التى لطالما استفضلتها، رمقت هاتفها بنظرة كبر تزامنا مع ثغرها الذى ارتسم فوقه بسمة مليئة باللؤم وسريعا ما التقطته وجاءت برقمه ووضعت الهاتف فوقه اذنها منتظرة إجابته والتى سريعا ما تكلمت بجدية عندما آتاها صوته الملئ بالبرود على غير عادته معها :
- ايوه يا نوح انا عايزه أشوفك
رد عليها بنبرة صوت جافة مرددا :
- أنا كمان عايز اشوفك
تساءلت ونيران الغضب تنهش بها من معاملته الغريبة كليا عليها :
- طب أجيلك ؟
رد عليها نافيا بكلمات مختصرة :
- لأ انا اللى هاجى
أغمضت عينيها محاولة التعكم بأعصابها ثم قالت مستفسرة بغيظ:
- وهتيجى امتى ؟
أجابها بنبرة صوت جامدة وكأنه يرغم نفسه على التحدث إليها:
- بالليل يا سمية هاجى
انهى معها المكالمة ببضع كلمات مقتضبة مما آثار حنقها وزاد من تأكدها من تلك الشكوك التى تساورها حول ترتيبه لأمر ما، لتصر أصنانها بغضب بالغ وألقت الهاتف فوق السرير بغل وهى تنظر أمامها بوعيد له إذا قام بأمر مخالف لما أتفقا عليه قبلا حينها ستجعله يندم أشد الندم إذا فعلها حقا
❈-❈-❈
تسير بخطواتها الخيلاء وجسدها شديد الرشاقة التى تتهافت عليه الفتايات قبل الرجال بعينيها الساحرتين رماضية اللون التى ورثتها هى وشقيقها عن والدهما تسترقَ النظر بأرجاء ذلك المجمع الرياضى باحثة عن ضالتها والتى ما إن وجدتها حتى اتسعت ابتسامتها سرورا وهتفت بنبرة صوت مرتفعة وهى تعجل فى سيرها :
- فارس
التفت إليها وهى يحمل بإحدى يديه زجاجة ماء كان يرتشف منها حيث انه لتوه قد انتهى من تدريبه الفنون القتالية لبعض الفتيه، أغلق الزجاجة ووضعها جانبا وارتسمت على ثغره ابتسامة جذابة وهو يقول بنبرة رخيمة :
- لينا، عاملة ايه ؟
ابتسمت له ابتسامة مظهرة نواجذها وهى تجيبه برقة تخلب الأنفاس :
- fine, هو ممكن نتكلم مع بعض شوية ؟
تساءلت بطيف تردد وهى تعيد خصلاتها الشقراء بيدها للخلف، ليضيق هو عينيه عليها بغرابة فهى شديدة الغطرسة لا تجالس أحدا ولا تتحدث مع أحد أيضا ويطلق عليها من قبل جميع من يعرفونها ب"المتعجرفة الفظة" ولكنه رغم ذلك شغله رغبتها فى الجلوس رفقته واراد أن يعلم السبب فى ذلك لذا ابتسم ابتسامة هادئة وهز رأسه بموافقة وأخبرها :
- اه طبعا مفيش مشكلة، استنينى فى الcafe, وانا هغير واجيلك
أومأت له برأسها وقالت بحماس لم تستطع ان تواريه :
- okay, l'll wait you (حسنا، سأنتظرك)
تنحنح كى يجلى بصوته وهو جالس أمامها على الطاولة بعدما بدل ثيابه وجاء إليها ثم تساءل بتصقيل :
- ها يا ستى عايزه تتكلمى فى ايه ؟
قضمت شفتيها وهى تنظر له بنظرات مترددة وقالت بهدوء متسائلة :
- طيب تشرب ايه الأول ؟
لم يخفَ عنه ذلك التردد الذى يظهر عليها منذ طلبت أن يجلسا معا والذى يتعجب له كثيرا، نحى تلك الأفكار الحين عن ذهنه وسحب هواءَ لرئتيه وقام بلفظه على مهلٍ ورد عليها بلطافة :
- ممكن ليمون
بعدما طلبا مشروباهما ينظر إليها منتظرا ما ستقوله والذى طال انتظاره لها لترددها وذلك الحرج الذى ظهر عليها كلما كادت أن تتكلم والذى لا يعلم سببهما، توقف عقله عن التفكير عندما تكلمت وهى تتحاشى النظر إليه دفعة واحدة بصوت خفيض للغاية بالكاد استمعه :
- فارس بصراحة كده i like you (انت تعجبنى)، and i want us to be together (واريد أن نصبح معا)، ايه رأيك؟
رفعت نظرها إليه لتجد هيئته تبدلت قليلا ولم تدرِ أضيق ذلك مما قالته أم تفاجؤ ولكنها ظنت بالنهاية أن هناك فتاة أخرى بحياته وبالرغم من علمها من الكثير بأنه لا توجد أيه فتاة تجمعها علافة به ولكنها من فرط توترها تكلمت مسرعة بنزق :
- لو فى حد فى حياتك خلاص ممكن تعتبرنى ماتكلمتش وit is ok, I'm not narrow minded (لا بأس، أنا لست ضيقة الأفق)
ما إن أنتهت مما قالته حتى أردف هو بجدية وهو ينظر بداخل رماديتيها :
- موافق
تراقصت البسمة على شفتيها وهى تتساءل بغير تصديق لما استمعت إليه :
- sure ?
أومأ بتريث وأجابها بابتسامة هادئة مؤكدا :
- sure
قاطع نظراتها اللامعة بالفرحة مجئ النادل بمشروباهما ووضعهما على الطاولة ثم غادر ليتحدثا هما بعدها فى أمور عدة حولهما وحول علاقتهما الوليدة ومشاعرها التى تكنها له منذ فترة وكافحت كثيرا أن تتغلب عليها ولكن بالنهاية مشاعرها هى من تغلبت عليها وأصبحت أسيرة لعشقه
❈-❈-❈
فُتح له العاملة الباب الداخلى للفيلا لتستقبله مدبرة المنزل بترحيب قائلة باحترام :
- اهلا يا نوح بيه البيت نور، حالا هعرف سمية هانم ان حضرتك هنا
تحركت من امامه متوجهة نحو الدرج ليوقفها صوته مانعا إياها من الصعود هاتفا بها :
- استنى يا كريمة، تعالى عايزك
عادت أدراجها إليه وتساءلت بابتسامة رسمية :
- خير يا نوح بيه أؤمرنى
يقف بتحفز وبملامحه الجامدة أخبرها آمرا إياها :
- متعرفيش سمية حاجة، عرفى كيان انى عايزها وابعتيهالى اوضة المكتب
أومأت له برأسها وعقبت بانصياع لما قاله قائلة وهى تتحرك من امامه :
- حاضر يا نوح بيه
بعد عدة دقائق انتظر خلالهم "نوح" "كيان" بغرفة المكتب، دلفت هى بوجه مازال عليه آثار حزنها الذى يبدو أنه لن يفارقها، ابتسمت باقتضاب له فهى لا تدرى لمَ يريد رؤيتها فهو لم يسبق له أن تحدث إليها من قبل حتى لم يتحدث معها بعد وفاة والدها ليواسيها كما البقية، فما الشىء إذا الذى من اجله يريد مقابلتها إذا، مدت ذراعها إليه قائلة بهدوء مرحبة به :
-ازيك يا uncle
ابتسم لها ابتسامة صغيرة لأول وهلة تراها تحتل وجهه وأردف بود بعدما قبل جبهتها :
- ازيك يا حبيبتى، عاملة ايه النهارده ؟
لاحت الدهشة قسماتها من فعلته تلك ولكنها رغم ذلك أجابته بابتسامة مهزوزة بعض الشىء :
- الحمد لله كويسة
بادلها ابتسامته بابتسامة رغم هدوئها لم تسترِح لها، تبع تلك الإبتسامة قوله بنبرة رخيمة وهو يشير لها تجاه المقعد بجانبه :
- طب اقعدى عشان عايز اتكلم معاكى
استجابت له دون اعتراضٍ أو تفكير وجلست ولكن عقلها لم يتوقف عن ماهية الشىء الذى يريد التحدث معه به، ووسط خضم أفكارها تكلم بجدية مجيبا على تساؤلات عقلها :
- دلوقتى يا حبيبتى باباكى قبل مايموت كان موصينى عليكى إنى آخد بالى منك لو جراله حاجة، ووصانى وصية مقدرتش آخالفها أو اعترض على رغبته فيها ووعدته ان انفذها ولازم أنفذهاله عشان يبقى مرتاح فى نومته
ابتلعت بحزن ممزوج بالرهبة التى لا تدرى لمَ شعرت بها ولكن مجرد النظر والتحدث مع الماثل أمامها ويدعى بعمها يشعر قلبها بالهلع، ولكنها تماسكت وهزت رأسها متسائلة باستغراب فوالدها لم يكن على علاقة طيبة بعمها وما تيقنه أنهما كانا كثيرا الشجار سويا :
- وصية إيه دى ؟
رمقها بنظرة مبهمة يخفى خلفها الخبث الدفين بداخله، ثم أجابها بثبات وبكلمات مرتبة ترتيبا مسبق وخرجت من فيهه بطريقة تظهر كما لو كانت حقيقة تامة :
- بكر قلبه كان حاسس انه مش مطول وكان خايف يسيبك لواحدك من غير راجل تتسندى عليه، عشان كده وصانى انه لو جراله حاجة أجوزك لراغب
فغرت فاهها صدمة لما وقع منه على مسامعه وبرقت عينيها مع ازدياد وجيب قلبها للغاية جعلها تشعر انه سيخرج من موضعه، وما زاد هلعها دلوف والدتها الغرفة بشكل مفاجئ وصدح صوتها بنبرة مرتفعة مستنكرا ما قاله :
- انت بتقول ايه يا نوح ؟
التفت إلى كل منهما إلى مصدر صوتها ليراها واقفة أمام عتبة الباب ونيران الغضب تتطاير من مقلتيها، وقفت "كيان" وهى لا تدرى أتتحامى بها كما كانت تفعل مع والدها أم كعادتها معها ستتخلى عنها وتجعلها تندم على اللجوء إليها، ليفيقها من دوامة أفكارها والتشتت الهائل الذى اعترى هيئتها كلمات عمها الجالس بمنتهى الثقة والغطرسة واضعا ساقا فوق الآخرى وهو يردف :
- اللى سمعتيه يا سمية
تقدمت نحوهما وهى تتآكل الأرض بخطواتها العاكسة لغضبها البالغ ووقفت أمامه وقالت بنديةٍ :
- ومين بقى اللى هيوافق على الكلام ده
انزل ساقه بهدوء ووقف أمامها وهدر بفحيح وكلمات ذات مغزى :
- انا مش محتاج موافقة حد وانتى عارفة كده كويس اوى
اعتلى السخط ملامحها وصرخت به برفض قاطع :
-دى بنتى أنا يا نوح، واستحالة اوافق انى اجوزها لابنك
لم تتحمل "كيان" صراخ والدتها، هيئة عمها المليئة بالشر التى لطالما أخافتها، وآخيرا تلك الوصية الواهية التى أخبرها بها لتشعر بدوار أصابها مع دقات قلبها الخافقة بسرعة وقوة جعل أمامها الرؤية تختفى من امامها زكذلك صوتاهما يبتعدان عن سمعها ولم تشعر بعدها بشىء على الإطلاق
كان على الوشك الرد على ما قالته ولكن أوقفه ارتطام جسد "كيان" بالأرض خلفهم واقعة مغشيا عليها، ليتنهد بنفاذ صبر ورمقها بكراهية وهو يتجه نحو ابنة اخيه وانحنى حاملا إياها وتحرك ذاهبا بها إلى غرفتها بينما لم تهتز الأخرى لما حدث كعادتها وكأنها بلا أية مشاعر إنسانية، وظلت واقفة انفاسها تتلاحق من فرط عصبيتها الحبيسة والتى إن حررتها ستحرق حتما الأخضر واليابس
خارج غرفة "كيان" واقفة بجانبه بملامح تعتليها الشراسة تشير بإصبعها فى وجهه وهى تقول بخفوت لكى لا يستمع لهما الطبيب بداخل الغرفة والذى قامت المدبرة بإحضاره لعدم استطاعة أي واحد فيهم على إفاقة "كيان" :
- انسى يا نوح انى اوافق ان كيان تتجوز راغب
التفت رامقا إياه بنظرة جانبية زعقب على كلماتها ببرود شديد بكلمات تحمل تهديد صريحا لها قائلا :
- وانا موافق، بس وقتها هقول لكيان انك انتى اللى قتلتى بكر
بهتت ملامحها وشعرت كما لو ان الارض تميد بها ولكنها اصطنعت الثبات وهى تتسائل باستخفاف :
- وايه الدليل اللى يثبت
ابتسم ابتسامة جانبية خلفت هيئة شيطانية وأخبرها بهمس بأذنها قاصدا تدمير أعصابها :
- الدليل معايا صوت وصورة يا سمية
شعور بالغ بالرهبة والإرتياع تمكن منها من تلك الكلمات التى استمعت لها وألجمت لسانها بل سائر جسدها وهى تنظر له مشدوهة فهى لم يُخيل لها نهائيا أن يقم بفعلة كتلك، ليبتسم هو باستخفاف على ما خلفه على هيئتها وهدر باستفسار يتيقن من إجابته مسبقا :
- ها قولتى ايه كتب الكتاب الخميس الجاى ولا اعرف كيان بكر مات ازاى ؟
ابتسامة انتصار ظهرت على وجهه وهو يهندم من سترته متهيئا للمغادرة وقال ببرود :
- انا بقول تعرفى كيان ان كتب كتابها الخميس، وتجهز نفسها عشان هتتنقل الفيلا عندى
غادر من أمامها ونظرة انتصار رمقها بها قبل المغادرة بينما هى ظلت واقفة بشرود مازالت الصدمة متمكنة منها فما الذى ستفعله الآن هل ستنصاع له وتوافق على تلك الزيجة التى ستكلفها ثروة زوجها الراحل بأكملها والتى حاربت من أجلها أم تعترض وحينها سيفتضح أمرها وربما يزج بها فى السجن، تشعر بصداع لعين يكاد يفتك برأسها من هول الموقف فكل شىء قد انقلب ضدها بلمح البصر حتى من كان يحالفها فيما تفعله أصبح خائنا لها ويهددها أيضا بفضح أمرها، ولا يوجد معها ما تساومه به، ليس لديها أيه إدانة ضده ولا أي هفوة ارتكبها او زلة قالها ، فهى من كانت حمقاء ولم تتخذ حذرها معه والآن ها هى واقفة بكل هوانٍ وتشتت تائهة بين ما يجب أن تفعله وألا تفعله
يُتبع ...