-->

رواية عقوق العشاق - اقتباس - بقلم الكاتبة هدى زايد

 

رواية عقوق العشاق بقلم الكاتبة هدى زايد


اقتباس


شفت شقتها عاملة ازاي يا رضا ؟ 


قالتها نادية زوجة رضا و هي تطوي ملا بسها لتُعيدها مكانها،  كانت تتحصر على حالها و هي تسرد له ماذا يوجد داخل شقة ( بيجاد و رقية ) 

تأفف رضا و هو يشيح ببصره تجاه النافذة، نفث سحابة دخان كثيقة  ثم قال بضجر 

- عشان كدا مبحبش اخدك معايا في حتة، تروحي الشقة من دول تقولي شفت و ما شفت و حاجة غم 


سارت بخطواتٍ واسعة و سريعة،  نظرت له و قالت بغضبٍ جم 

- غم و اللي احنا في دا يا حبيبي مش غم !! حتة ظابط لا راح و لا جه مش قادر تكفي بيتك و لا قادر تكفي حاجة ولادك 

- نادية لمي دورك عشان خاطر ربنا أنا على أخري 

- اه دلوقت بقت مخنوق اومال أنا اعمل إيه ؟دا أنا شفت شقتها و لا حياتها كنت هـمـــ ـوت  من الحصرة و القهـــ رة علي بختي و بخت ابني 



عادت تعلق حلته السوداء و هي تحدث نفسها تارة و توجه الحديث له تارة أخرى 

- دي  متصورة مع جوزها  صور افتكرتها في شهر العسل اتاريه بياخد كل إجازة و يفسحها في حتة شكل 


لوت فمها و قالت بحسرة 

- و أنا لما بروح لأمي بقول أنا خرجت،  و لا العفش  بتاع الشقة تقوليش عفش ملوك  و لما سألتها بتدفعي قسط كام قالت لي مجبتش قسط و لا جوزها بيحبه وأنا حسرة عليا و على عفشي  اللي من ايام الملك احمس ، و كله كوم و بوتجازها كوم تاني  بقولها فين البرتجاز اعمل القهوة بنفسي قالت لي عندك اهو بقولها فين الزراير قالت لي دا تاتش  آآآه يانا و على بوتجازي اللي بقاله عشر سنين و مطلـ ع روحي  



جلست على المقعد و قال بحسرة حين تذكرت ولدها و قالت  وهي تضرب بيدها على فخذها و عيناها تكاد تخرج من مكانها 

- دا حتى المفعوس اللي لسه مخرجش للدنيا عاملين له أوضة جاهزة من كافة شئ، لأ  و سلفها جايب له سرير و لعب و لبس يكفي العيل لو ثعد يلبس فيهم عشر سنين مش هايلحق يخلص ربعهم  قال إيه بيجاد بيقولها مليش دعوة باللي نوح بيجيبه أنا ابني يلبس اللبس اللي أنا اختاره أول ما ينزل  عيني عليك يا زكريا يا ابني بتاخد لبس ولاد عمك و خالتك 


عصر رضا  قبضته ثم قام بكســــ ر زجاج النافذة و راح يقول 

-  و هو مين اللي بيخلي يلبس من لبس الناس انا و لا أنتِ انا عمري ما قصرت ما ابنك لا في لبس و لا اكل و لا شرب ابني بيأكل و يلبس احسن من ابن أي حد خلقه ربما بس أنتِ اللي الطـمـ ع عا مي قلبك و مش مخليكِ تشوفي النعمة اللي احنا فيها 

-  نعمة هي فين النعمة دي لأ لأ دا اللي في نعمة صحيح رقية و جوزها، عايشة في هنا ما بعده هنا 

 - احمدي ربك و قولي الحمد لله احنا احسن من غيرنا 

 - و غيرنا هناك اهو يا خبيبي عايش عيشة ولا ولاد الملوك و احنا محصلناش حتى ولاد  الخدامين 


وقفت عن حافة الفراش و قالت بنبرة مغتاظة 

- بقى يا راجل عمرك خدتنا فسح إن شاء الله حتى  لجنينة الحيوانات 

- و الله كل خروجاتي ما بتعجبكيش 

- و هي دي بتسميها خروحات بردو أنت لو شفت رقية بتتفسح فين لو شفتها و جوزها بيرقصها و يدلعها و يعيشها أميرة  لو شفت أأقل عشوة اتعشوها في مطعم برا و متصورين فيها كنت قلت حسرة عليكِ يا نادية عمرك ما ادلعتي كدا !! 

دا بتقولي بينزل الإحازة لو نزلها الصبح بليل يبقوا مسافرين و يتفسحوا و لو زهقانين و مش عاوزين يطبخوا يطلبوا أكل من برا كباب و كفتة و ساعات حمام  دا اخنا آخر مرة كلنا فيها حمام كان يوم جوازنا 

- أنا عاوز افهم مرتبي كل أول شهر بيروح فين دا أنا مباخدش منه غير ربع و الباقي في جيبك 

-  جيبي جيب مين يا ابو جيب دا بصرف منه و بقول يا رب يكفي لنص الشهر،  اسكت هي دي فلوس و لا دي عيشة، معذور ما هو أنت لوشفت الجنة اللي شفتها في بيتهم كنت زمانك اتجننت  دي حتى جدته العجوزة اللي رجليها جوا  و رجل في القبر لابسة الدهب في دراعتها يمين وشمال و مش قادرة ترفع ايدها الاتنين و لا عابد ابنها يقعد جنبها و اللي عاوزاه يا امي حا ضر يا أمي و هي كل اللي عليها  ترمي في  فلوس كدا يمين و شمال دي ادت ابنك اللي و لا يعرفها و لا تعرفه   200 جنيه  بحالهم يبقى دي بتصرف في البيت قد إيه دي حتى بنت ابنها خطيبها جايب لها شكولاتة لما شفتها في المحل الأسبوع اللي فات لقتها ب 250 جنيه  لما دي مصاريفهم العادية اومال طول الشهر بيعملوا إيه آآآه عليا و على بختي و بختك يا زكريا يا ابني 

- مش ها نخلص النهاردا تصدقي إن أنا غلطان بجد روحي روحي شوفي وراكِ إيه و لا خدي علاجك 

- علاج !! علاج إيه يا حصرة  علاج عشان اخلف تاني و امرمط ولادي معايا، و لا هتعيشوا في هنا و سعد زي ما صاحبك عامل مع مراته ؟! اه لو تشوفه و هو داخل عليها  و يكلمها  و بيدلعها  دا من كتر دلعه فيها  بعت جاب لها فيتامينات من المانيا و احنا لو جبنا العلاج غالي 5 جنيه نتفشخر على الناس 


تنفس  رضا بعمق  و هو يتجه بخطواته للخارج و قال بغضبٍ 

- انا سايب لك البيت و خارج يمكن نا ر ك تبرد و تشيلي عينك من حياة الناس، زكريا يا زكريا تعال يا ابني نخرج  من البيت دا قبل ما البُرج اللي في عقلي يروح مني بسبب أمك !!!


❈-❈-❈

خرج رضا مع ابنه بينما جلست هي تندب حظها للمرة المئة بعد الالف،  كان يسير في الحارة يوزع ابتساماته لهذا و ذاك،  جلس داخل المقهى،  نظر لابنه و قال بنبرة حانية 

- عامل إيه يا زكريا في المدرسة ؟ 


أومأ له برأسه و يرتشف كوب الحليب و قال 

- ساعات الأستاذ يبقى مبسوط مني و ساعات تانية يقولي زعلان منك يا زكريا 

- لأ يا زكريا لازم تبقى شاطر عشان تبقى ظابط شاطر زيي كدا 


نظر له زكريا و فضل الصمت بينما سأله رضا قائلا 

- مالك يا زيزو ؟ 

-مافيش 

- لأ في مالك سكت ليه ؟ و بعدين مش أنا و أنت صحاب و دايما بنتكلم بصراحة ؟ 

- اه 

- طب مالك بقى؟! 

- أصل انا كل ما اقول لماما عاوز ابقى ظابط زي بابا تقولي عاوز تطلع خايب زيه اطلع لعمك محاسب في بنك احسن 


ليته لم يسأل عن السبب ترددت إبتسامته على ثغره و قال بخجل من نفسه لقول زوجته في حقه 

- أنت نفسك تطلع إيه يا زكريا ؟ 


رد الطفل بعفوية دون قصد 

- نفسي اطلع ظابط زيك بس مش عاوز ماما تقولي يا خايب 

- سيبك منها و ذاكر كويس و خليك شاطر و أنت ها تبقى اشطر مني في أي مجال أنت تختاره المهم يكون شريف 

- يعني إيه ؟ 

- يعني كل خطوة تعملها تعمل حسابك إن ربنا بيشوفك و عارف أنت بتعمل إيه و إن عمل الخير هايفرح ربنا منك و الشـ ـر ها يزعله منك 

- حتى لو بغش من صحابي في المدرسة شايفاني ؟ 

- ربنا شايفك في كل مكان و كل وقت اعمل حسابك دايما إن ربنا سامعك و شايفك 

       

❈-❈-❈

عاد رضا برفقة زكريا لكنه لم يصعد شقته قرر أن يقضي ليله في منزل والدته، بحث زكريا عن والدته ناداها و لم تسمعه، فتح الباب بهدوء وصل إلى مسامعه جملة والدته و هي تقول 

- أنا خلاص جبت أخري منه إمتى ربنا ياخده و يريحني منه اه نايم تحت عند أمك إيه زكريا طلع طب اقفل بسرعة  اما شوفه دخل الشقة  و لا لسه 


سارت نادية بخطوات واسعة وسريعة تجاه الباب وضعت يدها على المقبض الحديدي، وجدته يرتجف ما أن تفاجئ بوجودها، قبضت على ذراعيه بشدة كاد أن يجزم أنهما تهشما بين قبضتاها و هي تحدجه بنظراتها النـ ا ريـة 

و قالت بغيظٍ مكتوم 

- واقف ورا الباب بتعمل إيه يا زكريا ؟! أوعى تكون سمعتني و أنا بتكلم في التليفون 


تساقطت دموعه بغزارة و قال من بين شفتيه المرتجفة قائلا بذعر 

-لأ  لأ لأ 


ولج والده في ذات اللحظة و سألها بحدة قائلا 

- ماسكة الواد كدا ليه ؟ 

- مش راضي يذاكر ؟! 

- خلاص سيبي بكرا الجمعة مش مشكلة 

- ماشي بس حسك عينـ ـك يا زكريا تعمل غير اللي قلت لك عليه فا هم يا زكريا 

- مفـ هـوم 

                   

❈-❈-❈


بعد ساعة كاملة من محاولة التغلب على النوم  فشل زكريا،  نظر له والده و هو يرفع ذقنه له و قال 

- مالك يا زكريا 

- مافيش 

- اومال ما لك بتترعش ليه با حبيبي ؟! 

- سقعان 

- سعقان ازاي زكـ ....



بُتر جملته و هو يتحسس الفراش المبلل، رفع الغطاء عنه و قال 

- ليه كدا يا زيزو أنت مش صغير ؟  و الموضوع دا اتكرر كتير حبيبي أو‘نت تعبان 

- لا 

- ماما بتزعق لك كتير بليل و أنا مسافر ؟ 

- اه لا لا ماما مش بتعمل حاجة 

- مالك يا زيزو 

- مافيش مافيش عاوزة انام انا سقعان بس مافيش بابا 

- خير يا حبيبي 

- ماما 

- مالها ؟ 


ولجت فجاة دون سابق إنذار و قالت 

- أنت لسه منا متش ليه لحد دلوقتي يا زكريا 


سحب زكريا الشرشف على وجهه و قال بذعر 

- هنام هنام هنام يا ماما حاضر 

- نام يا زكريا اما نشوف اخرتها معاك



يُتبع..