رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 24 - السبت 2/8/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الرابع والعشرون
تم النشر السبت
2/8/2025
خائفة أنا
اختبئي في حضن الكلمات
ضائعة من دونك...
اغرقي في ذكرى تفاصيل حبنا
مشتاقة لأماني معك...
عانقيني ولو خيالا....
الوقت وأنت لست معي كيف سيمر...
ابقي عالقة في ماض أوقاتنا معا...
والأوقات الأخرى بلا أن نشعر ستمر...
مشتاقة لك
تخيليني معك
ضعيفة انا وأنت بعيد
كوني قوية لتستعيدي قربي....
أسيرة الأحزان بغيابك...
تحرري لأتحرر
حرري أطياف الغياب
لتعانقي لحظة حضوري
(بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
في غرفة معاذ
وقفت ديما تجمع أغراضه في الحقيبة وهو يجلس يطالعها بشرود ، يفكر في الكلمات التي أخبرته بها ، إذًا لم يكونا في نزهة كما قيل له ، بل كانا في فرنسا من أجله .
التقط نفسًا وهو مستمرٌ في التحديق بها ، يراها تجمع ملابسه وتضعها في الحقيبة بترتيب ، تذكر حينما كان يجمع حقيبته بنفسه قبل مجيئه إلى مصر ، لا يتذكر يومًا اهتمت به تلك التي من المفترض أنها والدته .
التفتت تطالعه و هي تمسك بـ تي شيرت أزرق اللون ثم أردفت مقترحة :
- إيه رأيك تلبس ده دلوقتي ؟ اللون الأزرق بيبقى قمر أوي عليك .
ابتسم لها ونهض يتجه نحوها ثم التقطه منها وخلع قميصه بالفعل وأبدله بالآخر أمامها ثم وقف يهندمه ويتساءل بحماس :
- ما رأيك ؟
لم يندمج لسانه مع المصرية بعد لذا ابتسمت تجيبه بنظرات إعجاب صريحة :
- هياكل منك حتة .
ضيق عينيه مستفهمًا فضحكت تسترسل :
- يعني حلو أوي .
أومأ مبتسمًا فعادت تجمع بقية أغراضه لتتفاجأ به يعانقها ويلف يديه حول خصرها واضعًا رأسه على ذراعها.
تصنمت للحظات قبل أن تسرع في مبادلته ثم انحنت تقبل رأسه وتملس على خصلاته بيديها ليردف دون أن يبتعد :
- شكرًا على اهتمامكِ بي ، لم يفعلها أحدٌ من قبل .
التمعت عيناها تأثرًا وأجابته وهي تسحبه معها وتجلس على طرف الفراش وتبعده قليلًا كي تطالعه :
- ده حقك عليا يا حبيبي ، من وقت ما دخلت حياتك وانت بقيت زيك زي مالك ابني بالضبط ، حقوقكم فيا هتتقسم بينكم بالتساوي ، احم بس يمكن رؤية ازودها حبة صغيرين لإنها دلوعتي .
قالتها وهي تبتسم وتقرص وجنته ليبادلها الابتسامة ويومئ لها بالموافقة لذا عادت تعانقه وتملس على ظهره بمشاعر جياشة .
اقتحم ثائر الغرفة مستاءً من غيابهما وكاد أن يصيح ولكنه توقف بصمتٍ حينما وجدهما يتبادلان العناق .
ابتعد معاذ حينما انتبه له والتفت يطالعه ثم تحرك نحوه ونطق وهو ينظر في عينيه :
- أعتذر منك أبي ، كنت أظن أنك تعمدت ألا تهاتفني ، أخبرتني أمي ديما بما حدث .
نظر لها نظرة ذات مغزى ثم أردف وهو يربت على كتف ابنه :
- لا بأس معاذ ، ولكن لا تخبر أحدًا ، والآن هيا لنذهب ، ودّع جدّاك وأنا سألحق بك .
أومأ الصبي وتحرك للخارج بينما اتجه ثائر نحو ديما حتى وقف أمامها ثم ابتسم يتساءل بخبثٍ فرنسي :
- ماذا فعلتِ في الولد وأبيه ؟
ابتسمت والتفتت تنوي التحرك نحو الحقيبة ولكنه أمسك برسغها يمنعها ويلفها إليه مجددًا مسترسلًا بمكر :
- هل تظنين أن تأثيركِ هذا سيستمر مفعوله علينا كثيرًا !
نجح في استفزازها التصقت به وتساءلت بالمصرية بعيون يسودها التحدي تلفظ حروفها بحرارة تذيب فؤاده :
- إنت شايف إيه؟
حاول أن يثبت هيمنته ولكنه فشل حينما نطق وعيناه تفترس شفتيها :
- منتهي الصلاحية .
قالها وأثبت العكس حينما طوقها بذراعيه ومال يقبلها بنهم متناسيًا مكانه لذا بادلته وسريعًا حاولت أن تبتعد وتعيده لرشده وعيناها على الباب :
- ماينفعش التصرفات دي هنا أبدًا .
ابتسم وتلاعب المكر في عينيه ونطق متنهدًا بحرارة :
- تمام ، يالا علشان اتأخرنا .
تحرك نحو الخارج والتفتت هي تغلق الحقيبة وتسحبها معها نحو الخارج لتودع علياء وأمجد اللذان تفاجآ من رحيلهما إلى منزلهما هكذا سريعًا .
❈-❈-❈
نظر توماس نحو مارتينا ليجدها تبلل شفتيها بعدما تناولت ثلثي الكوب ، شعر بالريبة ونظر للكوب في بده ليتركه على الفور وينهض متجهًا إلى مارتينا متسائلًا بترقب :
- بماذا تشعرين ؟
انكمشت ملامحها واحتضنت معدتها وبدأت تئن من تقلصاتٍ تأتي من بعيد لذا تأكد من شكوكه وأدرك أن المشروب مسممًا ، خاصة حينما شعر بلسعة في حلقه لذا عاد ينظر إلى كوبه الذي ارتشف منه رشفتان فقط .
نطق وهو يتحرك نحو غرفة رحمة تاركًا مارتينا تصرخ :
- اللعنة عليكِ أيتها ال ****** .
انتفضت رحمة حينما وجدته يقتحم الغرفة ، ظنت أن المنوم سيعطي مفعوله مع السم وسيذهبان في النوم ومن ثم الموت حتى لا يحدثان فوضى ولكنها ترى أمامها شيطانًا بشريًا كاسرًا لم تستطع الهرب بل تجمدت تحتضن صغيرها وبيدها الأخرى تمسك بالحقيبة التي جمعتها لتهرب .
نطق بعيون تطلق شرًا وهو يشعر بذات التقلصات وبدأ يتلوى مثل من في الخارج :
- ماذا فعلتِ ؟
حينما رأت حالته أمامها للدرجة التي جعلته لم يستطع الانقضاض عليها بل انحنى يئن ، تملكتها الجرأة لتقف تطالعه بغضبٍ وغل ونطقت حقدًا :
- وضعت لكما سمًا فتاكًا ، خلال دقائق ستموتان أيها الخائنان ، أنا أعلم كل شيء ، أنتما استغليتماني ، أنت استغليت محبتي أيها الحقير .
كان أمامها يتلوى ويسبها بألفاظٍ بذيئة لذا وقفت تطالع حالته بتشفٍ وحزنٍ في آن ، وكأنها تعاني من الانفصام ، تحمل صغيرها الذي بدأ يبكي دون أن يفهم ماذا يحدث.
لتنتبه فجأة على نفسها لذا أسرعت تخطو نحو الخارج ولكنه تحامل ولحق بها ليمنعها ليتجمدا حينما وجدا مارتينا تنتفض وتطالعهما بصمتٍ بعدما شُلت حركتها ولسانها، وجهها بات شاحبًا وأنفاسها باتت تتلاشى وانتهت مقاومتها التي لم تدم لدقائق حيث خرج من فمها سائلًا لزجًا وغابت عن العالم .(بقلم آية العربي)
لندرك أن طريقة الموت ليست عبرة ، ربما من مات مقطعًا أشلاءً كان يمتلك أطهر القلوب ، وربما من مات على فراشه كان يسيء للبشر والشجر والحجر ، وربما من مات برصاصةٍ ظن أنه ناجٍ ، وربما من مات بصدمةٍ ظن أنه مخلد.
طريقة الموت لا تعبر عن صلاح أو فساد العبد ، صلاح العبد أو فساده إن لم يُرِ في حياته ممن حوله فلا يستحقون رؤية النتيجة بعد مماته ، ولندعه لربه وحده يقرر مصيره فهو أعلم بقلبه منا.
حينما رأتها رحمة تلفظ أنفاسها الأخيرة وقفت مصدومة لا تصدق أنها قتلت إنسانًا ، منذ أن تأكدت من خيانتهما وهي تخطط ، وتفكر، حاولت ألا تنفذ ما يقنعها به شيطانها ولكنها اتبعته ، قررت أن تنتقم منهما، قررت أن تريهما من هي رحمة .
التفتت لتجد توماس يحاول العبث بهاتفه ليطلب المساعدة لذا قررت أن تنتشله منه ، خطت نحوه وهو ينحني ويمسك بمعدته بيدٍ والأخرى يحاول طلب الرقم ولكنها انتشلته منه على حين غرة وركضت بعدها متجاهلةً كل صرخاته ونداءاته عليها وأغلقت الباب قبل أن يلحق بها ليسقط أرضًا ويزداد أنينه وعجزه عن مساعدة نفسه .
استعملت الدرج لتسرع خطاها ومعها الصغير وحقيبة معلقة في ذراعها بها أوراقها هي وصغيرها ونقودًا كثيرة سرقتها منه وهاتفها فقط .
حاول الزحف ليصل للباب فبات يُمسك ببساط الأرض ويزحف بالفعل حتى وصل إلى الباب وفتحه ثم أكمل زحفه نحو شقة دياب وبصعوبة بالغة رفع يده وبات يطرق الباب بوهنٍ شديد .
دقيقة وفتحت يسرا متعجبة لتجحظ حينما وجدته مفترشًا الأرض يطالعها بعيون حمراءٍ كالدم ويردد بشفتين زرقاوتين وملامح شاحبة :
- ساعديني، اطلبي الإسعاف .
❈-❈-❈
مساءً
يقفان في الحارة ، يتناقشان حول التجهيزات لكتب الكتاب والفرح .
لم يعتد داغر أن يخفي داخله شيئًا ، خاصةً معه لذا أردف بترقب :
- مش عايزك تزعل مني يا صالح ، أنا عارف إنك بتتكلم بس من جواك لسة زعلان ، ياعم مش مستاهلة خلاص ، هو بس العرض كان هيسهل علينا سنين كتير.
نظر له بتعمن ثم تنفس ونطق موضحًا :
- بعرف بشو كنت تفكر ، بس ياخو خلينا نتعب ، خلينا نعافر وبلا ماحدا يتحكم فينا ، هديك الشراكة مافيها خير ، هيك قلبي حاسسني ، هداك لوتشو في براسه شي صدقني ، احنا مش محتاجينه ، أنا حكيت مع عمي وهو بدو يتعامل معانا ، وبنلاقي غيره كتير ، بدنا نسعى وندور ما بدنا يجينا عرض مشكوك في نواياه.
زفر داغر وأومأ مؤيدًا بعد تفكير دام لأيام ثم أردف :
- خلاص ربنا يقدم اللي فيه الخير ، تعالى نطلع شوية .
ربت صالح على كتفه يردف بحرج :
- لا تسلم ، أنا بدي اروح انام ، يالا تصبح على خير، وسلم لي على دينا.
تحرك ليغادر ولكنه توقف حينما أطلت دينا من النافذة تناديه :
- صالح ، اطلع شوية لسة بدري .
التفت يطالعها ليندهش حينما وجدها تضع حجابًا حول رأسها بلفة عصرية أظهرت جزءًا من غرتها ، كانت تنتظر أن ترى ردة فعله لذا ابتسمت حينما وجدته متصنمًا لثوانٍ قبل أن يطالعها داغر بغيظ ويلكزه عند كتفه مردفًا وهو يحثه على التحرك معه :
- اطلع يا عم اطلع .
تحرك صالح معه فلم يعد النوم يداهم عقله ، بل أراد رؤيتها والتحدث معها6، نعم فاجأته مفاجأة غير متوقعة هذه اللحظة .
صعدا وطرق داغر الباب ففتحت له دينا تطالعهما بفرحة وحماس وتتساءل :
- إيه رأيكو ؟ حلو عليا ؟
ابتسم داغر وشعر بالسعادة من أجلها وقرر معانقتها بعدما كان ينوي توبيخها على ندائها لصالح من النافذة ، فتح ذراعيه يعانقها أمام صالح ويردف مباركًا :
- ألف مبروك يا دودو ، شكلك زي القمر .
بادلت شقيقها العناق بحبٍ وسعادة ليبتعد عنها ويتحرك تاركًا لصالح المجال ، اقتربت خطوة وتساءلت حينما لاحظت نظراته التي لم تستطع تفسيرها :
- مش عاجبك ولا إيه ؟
نظر لخصلاتها الظاهرة من الأمام وابتسم يردف وهو يخطو نحو الداخل :
- لا بالعكس ، كتير حلو ، بس أكيد هالغرة مش رح تطلع هيك ، احنا هدفنا الأول والأخير هو حجاب يغطي الشعر كامل .
أومأت له وتغيرت ملامحها ولم تجِبه حينما ظهرت منال ترحب به .
بعد دقائق جلست معه في غرفة الصالون فتحدث مباشرةً :
- ليش زعلتي يا حلوة ؟
أجابته وهي تهندم حجابها للمرةِ التي لا تعلم عددها حيث لم تعتد عليه :
- كنت متوقعة منك رد فعل تاني غير ده ، أنا اشتريت الطُرح وحاولت كذا مرة ألفها بطريقة تناسب وشي ماعرفتش ، مافيش غير اللفة دي لقيت شكلي حلو فيها .
تنهد ليوضح لها بتروٍ :
- اسمعي يا دينا ، هسا أنا طلبت منك هالشيء لأنه هاد فرض في ديننا ولما حكينا لقيتك إنتِ كمان عندك نية تلبسيه ، بس إذا بتبيني منه خصلة واحدة مش شعرك بهالحالة لا تلبسيه أفضل ، يا إما تتحجبي عن جد يا إما بلا، وفي كل الأحوال إنتِ متل القمر ، بحجاب بدون حجاب بغرة بدون غرة إنتِ حلوة بكل حالاتك ، فكري وشوفي شو بدك .
برغم أنها تدرك صحة حديثه إلا أنها شعرت بتسلطه بعض الشيء ، لقد ارتدته لتفاجأه وترى فرحته منتظرة منه كلمات أخرى لذا زفرت توميء بملامح عابسة :
- تمام ، هدور على لفة تانية وألفها.
لاحظ عبوسها وأدرك أن هذه ورقة ضغط منها على عواطفه لذا ابتسم وتحدث يراوغ :
- موضوع هداك الصيني تسكّر تمامًا ، أنا وداغر حليناه ماتقلقي .
تنفست بارتياح فهي كانت مستاءة من حالتهما ولكنها أرادت أن تستفز مشاعره فتساءلت عابثة :
- طب هو إنت رفضت الشراكة دي علشان مش بتثق في لوتشو فعلًا وقلقان منه ولا علشان هو كان عايز يتجوزني ؟
للمرةٍ الثانية يفهمها لذا أظهر ابتسامته ونطق ببرود :
- لاء ، بس لإنه ما بينزل لي من زور .
تجهمت ملامحها وتكتفت تنطق بتذمر :
- على فكرة إنت مستفز .
ابتسم عليها ومال يستند على ساقيه ويوضح وهو يحدق بها :
- أول شيء طالعة بهاد الحجاب متل القمر بس بتعرفي القمر يوم 10 بالشهر العربي ، بدنا إياه قمر 14 لهيك بدك تغطيلي هاي .
قالها مشيرًا على غرتها بعينيه واسترسل حينما وجدها هائمة في كلماته وجديته وهيبته :
- تاني شي لوتشو أنا ما بطيقه من اليوم اللي اتصل ع داغر وطلب إيدك منه ، من وقتا ما بتقبل أشوفه والشي الوحيد اللي خلاني اتعامل معه هو إنتي ، لهيك ما عاد تحكي عنه معي إذا عن جد بتحبيني ، أنا بحبك كتير وما بقبل تحكي قدامي عن شخص كان بدو يتجوزك ، كُلاّ يومين بالزبط وبتكوني مرتي ان شالله ، لا لوتشو ولا غيره ، حتى هالحجاب مش رح يبقى موجود معنا .
تقلصت معدتها بخفة واستحوذتها مشاعرًا رفعت منسوب الحب لديها ، كلماته برغم جديتها إلا أنها وصلت إليها عاطفية ورومانسية من الدرجة الأولى ، لتجزم أن عشق هذا الرجل غريب .
تطلعت عليه بحبٍ يفيض من مقلتيها ونطقت مبتسمة بطاعة نجح في الحصول عليها بمهارة :
- مش هتكلم عنه تاني أبدًا .
ابتسم لها وزفر بارتياح واعتدل في جلسته حينما دلفت منال تحمل صينية الضيافة .
❈-❈-❈
في الغرفة المجاورة
كانت تجلس بسمة تتابع بعض الأعمال عبر حاسوبها ، مازالت حزينة منذ أن تعامل داغر بذاك الأسلوب مع عمها وألغى وجودها .
طرق الباب ودلف يبتسم ويدعي كأن شيئًا لم يكن ، لقد هدأ وأدرك تسرعه ولكنه مقتنعٌ بأنه فعل الصواب لذا سيحاول تيسير الأمور .
لمحته ولكنها لم تعره اهتمامًا بل ظلت كما هي فتقدم وجلس مجاورًا لها يردف وهو يتطلع على الحاسوب :
- إيه يا بسوم ، بتعملي إيه؟ شغل بردو؟
تمتمت داخلها دون أن تنبس ببنت شفة ليسترسل بملامح ماكرة متمنيًا أن تنسى ما حدث :
- شوفتي البت دينا في الحجاب ؟ أنا اتفاجئت بس فرحت أوي ، طب تصدقي لو لبستيه انتِ كمان هيطلع قمر عليكي .
باتت تفهمه جيدًا وتدرك أنه يتملص مما حدث ولكنها لم تعتد التجاهل خاصةً في أمرٍ يزعجها لذا نظرت له بثقب وأردفت مباشرةً :
- أنا واخدة على خاطري أوي منك يا داغر ، ماتتعاملش كإن مافيش حاجة ، مش بحب كدة .
واجهته ليزفر بإحباط ويقرر أن يصارحها فأردف بملامح منزعجة يعيد على ذاكرته ما حدث :
- ماشي، يمكن إنتِ تشوفيها إني بلغي وجودك بس أنا ماحسبتهاش كدة أبدًا ، أنا أول ماشوفت الراجل ده قدامي دمي غلي ، جاي يستعطفك وأنا عارف إنك مش هتوافقي بس هتتعبي بعدها ، كلامه معاكي هيفضل مأثر عليكي وماتنكريش ده ، كان لازم اقطع عرق واسيح دمه علشان مايفكرش يقرب منك مرة تانية ، لو أنا عندي شك ولو واحد في المية إنه جاي يطمن عليكي أو يشوفك أو فعلًا ندمان كنت هسيبه يتكلم ، بس لاء يا بسمة ، ولو اتكررت وجه هنا تاني أنا مش بعيد أمد ايدي عليه ، مش هسمح لحد منهم يقرب منك تاني ، دول دمروكي ودمرو شركتك واستحلو تعبك وابنه كان هيقتلك ، ماتزعليش مني بس أنا لو سمحتله يكلمك وقتها هحس إني مش راجل .
طالعته لبرهة ، تعيد كلماته ، هو محق وتدرك ذلك ولكنه يثور دون تعقل .
أحيانًا يظنوك سلبيًا لأنك هادئ ، لأنك تعلم جيدًا كيف تروض ، يريدون منك أن تثور عند كل ضيق ، يستفزونك لينالوا منك ، يتعمدون إثارة ثباتك لينقضوا عليك .
مثلهم كمثل الشياطين يرتدون قناع الصُلح وحينما تسقط وتستنجدهم يظهرون وجههم الحقيقي وأنت أول الخاسرين .
لذا فالحكمة هي السبيل الوحيد للنجاة ، دعهم يظنون أنك مكعب ثلج لا يدركون القنبلة الموقوتة داخلك إلا بعدما تجمعهم في مصيدة الفئران .
قضمت شفتيها توميء بهدوء ثم أردفت بتروٍ :
- تمام ، بس بردو لو سمحت لو موقف زي ده اتكرر تاني اعمل حساب لوجودي ، أنا مش بحب كدة .
أومأ يردف وهو يحاول الالتصاق بها :
- ماشي يا ستي ، هننزل بكرة بقى علشان نشتري الفستان والحاجات بتاعته ، ولا تيجي ننزل دلوقتي ؟
تنفست بسعادة لم تظهر إلا طيفها ونظرت للوقت ثم عادت تطالعه وتساءلت :
- طب ودينا ؟ قولها وقول صالح وييجوا معانا ، إحنا لسة بدري عامةً .
أومأ بحماس ومال يقبل وجنتها ثم نهض يردف بحماس :
- صالح برا اهو ، هروح اقولهم وانتِ اجهزي .
تحرك يغادر الغرفة ولكن رن جرس الباب فاتجه يفتح ليتفاجأ بثائر أمامه تجاوره ديما ومعاذ .
انفرجت أساريره وأسرع يرحب به ترحيبًا حارًا وأدخله وهو ينادي على الجميع .
❈-❈-❈
في المشفى .
وقفت يسرا ترتعش ويحتويها دياب ويقف أمامهما شرطيًا يستجوبهما عما حدث وهي تخبره بما تعلمه .
كادت أن تفقد وعيها حينما جاء الإسعاف وحمل توماس الذي يصارع الموت الآن وحالته خطيرة ، كذلك رأتهم يحملون تلك الفرنسية في جراب وأغلقوه بعدما تأكدوا أنها فارقت الحياة .
نطق دياب حينما ازداد ارتعاشها :
- لو سمحت إحنا قولنا كل اللي نعرفه والحقيقة كلها هتلاقوها مع رحمة اللي هربت أكيد ، ياريت بس تلحقوها قبل ما تسافر وتعرفو هي عملت ليه كدة .
أومأ الشرطي وغادر بعدما شكرهما ليردف دياب بترقب وهو يحثها على التحرك :
- يالا نروح ، مافيش داعي نبقى هنا .
نظرت له بريبة ونطقت وهي تقبض على كفيه :
- لا يا دياب بلاش نروح البيت ، مش هقدر اقعد هناك ، انت كان معاك حق ، احنا لازم فعلا ننقل من المكان ده .
أومأ يطمئنها وتحرك بها نحو الخارج يغادران المشفى التي باتت معبأة برجال الشرطة خاصة وأن المجني عليهما فرنسيين الجنسية .
❈-❈-❈
جلس ثائر بين عائلة ديما حيث رحب الجميع به بحفاوة بينما ديما اتجهت مع صغيريها كي تبدل لهما ثيابهما وتخبرهما ألا يخبرا معاذ بوجودها معهما الفترة الماضية كما اتفقا .
أردف داغر بحماس :
- إن شاء الله كتب الكتاب بعد بكرة يا ثائر وبسمة عايزاك تبقى وكيلها .
نظر لبسمة وابتسم ليردف بتمهل وثبات :
- مافيش أي مشكلة ، ربنا يتمم بخير .
ابتسمت بسمة تردف بامتنان :
- شكرًا يا ثائر .
أردف صالح مترقبًا حيث كان يفكر في شيءٍ ما منذ يومان :
- بدي اسألك أخي ثائر ، ينفع أعمل حوار مع مجلتكن ؟
قطب ثائر جبينه مستفهمًا واعتدل في جلسته يتساءل :
- حوار عن إيه ؟
تنهد صالح يجيبه بنبرة ودودة :
- عن اللي صار معي هان بمصر ، بدي اقول كلمة حق ، أنا درست هان واخواتي الله يرحمهن درسو هان ، لما أهلي استشهدو وما ضل غيري انا وأبوي وكانت حالته صعبة أجينا على هان ومش إحنا بس ، كان معنا ناس كتير وأطفال مصابين وما حدا قصر بحقنا ، بدي احكي عن رفيقي داغر اللي الله عوضني فيه ، بدي احكي عن كل حدا قابلته هان ، بدي احكي عن وجعهم لحالنا ، كل يللي بيعرف إني من غزة بيرحب في كإني ابنه أو أخوه ، عن الطلاب اللي هان واللي اهاليهم استشهدو وضلو هان ، احنا أهل غزة لا جهلة ولا خونة ، صحيح لو عاتبنا بيكون من عشمنا الكبير فيكن ، بنعاتب لانكن الاقرب إلنا ، وبنعرف إنه كل الحكي اللي عم يتقال هاد ليفرقونا ، بدهن يخلوكن تتخلوا عنا ، بدهن يبعدوكن عن المشهد تبعنا، ولو يطلعلكن أكتر من هيك ما بتتأخروا ، لهيك بدي احكي ، احنا اهل عزة وكرامة وما رح نسمح انهم يستغلوا وجعنا لاغراضن الدنيئة ، ورح نضل نحب مصر مهما صار ، بدي أوصل صوتي من خلال مجلتكن واحكي عن تجربتي ياخو .
مال داغر يربت على كتفه بمساندة ونظرت له دينا بفخرٍ وحبٍ كبيرين ، في كل مرة يثبت لها أنه عزيز النفس وكريم الخُلق .
أما ثائر فظل يطالعه بنظرات ذات مغزى وعقلٍ مخابراتي يفكر هل يوافق على هذا الحوار أم يتحدث مع رشدي أولًا ؟ خاصةً وأنه يدرك جيدًا أن هناك ترتيبات وخطط لا يدركها أحد .
خرج الصغيران وتبعتهما ديما فنهض معاذ يتجه نحو مالك بحماس ونهض ثائر ينظر نحو صالح ويردف بهدوء مبهم :
- هكلمك الصبح يا صالح .
التفت ينظر إلى ديما ثم عاد يطالعهم ويردف :
- عن اذنكو .
نهضت منال تعترضه قائلة :
- لا عن اذنكو إيه انتو هتتعشو معانا ، مش كل مرة هتمشي كدة علطول ، وبعدين إحنا لينا حق فيك بردو .
ابتسم ثائر بودٍ ونطق بمكرٍ يرسم التعب على ملامحه :
- معلش اعذرينا المرة دي يا ست الكل علشان السفر وكدة ، وبعدين كلها يومين ونشوف بعض تاني علشان كتب الكتاب .
زفرت منال باستسلام واتجهت تودعهم وتودع الصغيران بالأحضان والقبلات والدموع .
❈-❈-❈
في السيارة
تعمد أن يتحدث مع الصغار ، خاصةً مالك الذي يلاحظ صمته ، يدرك أن الوصول لقلبه يحتاج لوقتٍ لذا ـــــ
توقف أمام المركز التجاري وأردف وهو يستعد للترجل :
- اللي محتاج أي حاجة ييجي ورايا .
أسرعت رؤية تفتح الباب وتتبعه بحماسٍ وتبعها معاذ بتمهل لتلتفت ديما تنظر لمالك الذي لم يتحرك ، تنهدت وكادت أن تحدثه لولا ظهور ثائر الذي انحنى قليلًا يستند بذراعه على باب السيارة ويردف بنبرة لينة :
- يالا يا مالك انزل .
نطق الصغير متحججًا :
- ماينفعش اسيب ماما لوحدها هنا .
ابتسمت ديما تجيبه وهي تستعد للترجل أيضًا :
- تعالى يا حبيبي أنا جاية معاكم .
اضطر للترجل وتحركوا جميعهم نحو الداخل كلٍ منهم يبتاع ما يرغب به وقد اندمج مالك مع معاذ الذي كان متحمسًا بدرجة عالية .
❈-❈-❈
في فرنسا
جلس إرتوا يحاول الوصول إلى ابنته أو توماس ولكنه لم يستطع لذا أجبر على التواصل مع شخصٍ تابعٍ له كان قد كلفه بمساعدة ابنته في خطف معاذ .
أخبره ذلك الشخص أنه لا يعرف عنهما شيئًا لذا طلب منه ارتوا أن يتحرى خاصةً وأنه يشك بأمورٍ سيئة .
وبالفعل أتاهُ اتصالًا من ذلك الشخص فأجاب يتساءل ليخربه الآخر بتوتر :
- سيد إرتوا ابنتك قُتلت .
هاجمه الصمت لثوانٍ ، صمتًا مرعبًا يعبر عن وحشٍ ينهش داخله ليعبر نحو الخارج .
تساءل بترقب مخيف :
- من فعلها ؟
ظن أنه سيسمع اسم ثائر ، أو توماس ليريهما الجحيم بعينيه ولكن الآخر أردف :
- ما علمته أن تلك المصرية زوجة توماس وضعت لهما سمًا في العصير وهربت ، وللأسف ابنتك ماتت في الحال ، ولكن توماس في المشفى الآن وحالته خطيرة .
لم يدرك أنه كان يمسك بكأس المشروب إلا بعدما انفجر متهشمًا بين قبضته لينطق مكشرًا عن أنيابه :
- ابحث عنها ، أريدها حية .
أغلق الهاتف ونظر أمامه لثوانٍ ولم يعِر يده النازفة أي اهتمام بل ظل يتطلع للأمام وخاصة نحو صورة ابنته المعلقة ليردف بوعيد جحيمي :
- حسنًا ، رحلتِ إذًا أيتها الغبية ، كنت أظن أنك ستضعين التراب فوقي ولكن سيحدث العكس .
تنفس وعاد يسترسل بنفس النبرة :
- سأقتلهم مارتينا ، كل من أحزنكِ سأقتله .
حاول أن ينهض ولكن جسده تآمر عليه ولم يستطع إلا أن يصرخ بقهرٍ على فقدان ابنته
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
دلف ثائر منزله وتبعته ديما والأولاد ، تجلت الدهشة على ملامحهم وتوزعوا في الصالة الواسعة يبدون إعجابهم بالمكان حتى مالك .
اتجه عائدًا نحو ديما ووقف أمامها يهمس مستفسرًا :
- هو ده بيتنا فعلًا يا ماما ، هنعيش هنا علطول؟
أومأت له تبتسم ليردف ثائر وهو يصعد الدرج :
- ورايا يا شباب علشان نتفرج ع الأوض بتاعتكم .
ركضوا خلفه بحماسٍ مفرط خاصةً رؤية التي كانت في قمة سعادتها ، تبعتهم ديما تتنفس ارتياح وطمأنينة.
وصلوا إلى ممر الغرف وفتح ثائر الغرفة الأولى ودلفوا ليشهقوا بإعجاب شديد على غرفة رؤية ، بطلاء حائط وردي ، وألعابٍ مميزة مرصوصة في ركنٍ كبير وشخصيتها الكرتونية المفضلة ماشا ، سرير مناسب بتصميم مميز وخزانة صغيرة وبابٍ جانبي للحمام .
التفتت رؤية تطالعه بعينين متسعتين حماسًا وسعادةً وتساءلت :
- دي علشاني؟
ابتسم لها يومئ فأسرعت تعانقه عناقًا سريعًا لا وقت له ثم ركضت نحو ركن الألعاب لتندمج معها .
نظرت ديما نحو ثائر بمقلتين يشع منهما الامتنان والشكر لتجده يميل عليها ويهمس ليشتتها عن شكره :
- اصبري إنتِ لسة دورك ماجاش .
ابتسمت عليه والتزمت الصمت بينما هو تحرك نحو الغرفة التالية وتبعه الولدان ليرا غرفتهما بحماسٍ .
فتح الباب فظهرت غرفة بمساحة أكبر من التي قبلها وحوائط كريمية ، سريران بتصميم شبابي أكثر منه طفولي ، مكتب وحاسوب وأرفف تحمل كتبًا تناسب أعمارهما ، خزانة مقسمة عليهما بالتساوي وركنٌ به شاشة عرضٍ وألعاب الكترونية وأيضًا حمامًا متصل بها عبر بابٍ جانبي .
لم تكن أكثر بهجة من غرفة رؤية ولكنها كانت تناسب شخصية مالك ومعاذ الذي تحرك يتفحص الألعاب بينما التفت مالك إلى ثائر يردف بنبرة تحمل عزة وانكسار في آنٍ :
- شكرًا يا أونكل .
حدق به لبرهة ثم ابتسم يجيبه بمغزى :
- لاء بلاش شكرًا دي معايا ، أنا عايز منك وعد ، اوعدني إنك هتقرأ أول كتابين من ع اليمين ، أنا سايبهملك جنب بعض علشان تعرفهم ، ولما تخلص واحد منهم عرفني رأيك فيه .
استطاع أن يثير فضوله حيث التفت مالك ينظر نحو الكتب لتردف ديما بتريث :
- خلاص يالا يا مالك انت ومعاذ طلعوا هدومكم من الشنط ورصوها في الدولاب وأنا هعملكو سندوتشات وعصير .
- تعالي يا ديما لما أوريكي أوضتنا .
قالها ثائر وهو يمسك بكفها ويسحبها من بينهما إلا أن مالك نظر لوالدته وهي تبتعد مع ثائر بحالة من التعجب ، لم يتقبل وجوده بعد لذا زفر والتفت ليجد معاذ يفتح الشاشة ويناديه مردفًا :
- يالا مالك ، تآلا نلأب شوط سوا ، إنت بتشجأ مين ؟
❈-❈-❈
فتح ثائر باب الغرفة الرئيسية ودلف يسحب ديما خلفه وما إن دلفت حتى حررها والتفت يوصد الباب .
جحظت مما تراه ، لم تتوقع أن يعد لهما هذه الغرفة، لقد ظنت أن غرفتهما هي تلك التي في الأسفل، ولكن ما تراه أمامها حقًا أدهشها .
غرفة واسعة يحتل منتصفها سرير كبير بأجنحة وكومودين ، تصميم كلاسيكي ملوكي ، مرآة زينة تحمل كل ما تريد وما لا تريد، كنبة ومقعدين في الجهة اليمنى، وعلى اليمين غرفة ملابس صغيرة يجاورها حمامًا منفصلًا ، وعلى الجهة اليسرى بابًا زجاجيًا لشرفة واسعة تطل على الحديقة الخلفية للفيلا ونافذةً لنفس المنظر .
كادت أن تلتفت لتعبر له عن دهشتها ولكنها تفاجأت به يحملها على حين غرة ، تعلقت به تشهق ونطقت بخجل ونعومة :
- ثائر نزلني أنا تقيلة عليك .
قطب جبينه متعجبًا وحركها بكلتا يديه كأنه يزنها ثم أردف وهو يميل عليها ويمر أنفه بأنفها :
- مش تقيلة خالص ، بس بما إننا خلاص استقرينا عايزك تتقلي على أد ما تقدري ، إنتِ عارفة إني موقف رياضة بقالي فترة وعايز ارجع اتمرن .
حاولت التململ ولكنه ثبتها ، تشعر أنها بالفعل سترهقه في حملها لذا زفرت ونطقت :
- هتتمرن بيا ؟ بجد نزلني كدا هتهبط، أنا الفترة اللي فاتت وزني زاد .
عاد يميل برأسه عليها وقبل عنقها ثم أذنها ويديه تحملها بإحكام ليهمس بمشاعر جياشة :
- يزيد زي ماهو عايز ، انتِ بتبقى جميلة وانتِ 70 ، وبتبقى أجمل وانتِ 80 وهتبقى أجمل واجمل وانتِ 90،وــــــــ
- لاااااا كفاية .
قاطعته تضحك قبل أن يكمل فابتسم وأبعد وجهه عنها يطالعها بنظراتٍ تحمل منسوبًا عالٍ من الشوق ونطق :
- وحشتيني أوي .
بادلته نظرات الشوق واندمجت معه تنطق بهمسٍ ونعومة :
- وانت كمان .
مال يلتهم شفتيها في قبلة يعبر بها عن اشتياقه الجارف وتحرك بها نحو الحمام ، دفع بابه بقدمه حيث لم يكن مغلقًا ، يبدو أنه خطط لكل شيء.
دلف بها ولم تكن تعي أين وصلت معه بل كانت مغمضة تعيش المشاعر التي تدمنها معه ، وصل إلى كابينة الاستحمام لتتفاجأ به ينزلها ولم يترك شفتيها.
مد يديه يفتح زر المياه التي انهمرت من فوقهما فأسرعت ديما تشهق وفتحت عينيها وابتعدت تحرر شفتيها وتنظر حولها بتعجب ولم تستوعب إلا بعدما حاوطها بتملك ونطق بحالةٍ ثملة يشتهيها دومًا معها :
- سبيلي نفسك خالص ، صدقيني مش هتندمي.
لم يكن منها سوى أن تلبي طلبه وقد كان.
بدأ يستفيض بمشاعره على أرضها الخصبة ، لم يعد هناك سدًا يقيده عن الوصول إليها وقتما يرغب ، بل أنها طالبته بريها فأسرع يتوغل عبر مجرياتها ومنحنياتها ليصل إلى قلبها ويزهره بباقةٍ فريدة توغل عبقها إلى قلبه فتبادلا حالة رائعة من الانسجام .
في الخارج كان هاتفها ملقًا جانبًا يعلن عن اتصالٍ من رشدي لم يسمعه قط
❈-❈-❈
بعد وقتٍ خرجت ترتدي مئزرها وتجفف خصلاتها بمنشفة لتلاحظ رنين هاتف ثائر لذا نادته قائلة :
- ثائر موبايلك بيرن .
خرج واتجه إليها يقبل عنقها للمرة المئة ثم تركها واتجه يلتقط هاتفه ليجده رشدي لذا أردف بنبرة ارتدت قناع الجدية :
- اللوا رشدي .
فتح الخط واستطرد مترقبًا :
- رشدي بيه !
تساءل رشدي بغيظ :
- إنت فين يا ثائر ؟ بكلمك من بدري .
تحمحم يراوغ ويتساءل :
- في حاجة ولا إيه ؟
زفر رشدي يجيبه :
- مارتينا اتقتلت ، وتوماس في المستشفى ووضعه خطير .
عبرت ملامحه عن صدمته أمام ديما وقفز ابنه إلى عقله ،لم يكن ينتظر خبرًا هكذا ، جُل ما تمناه أن تبتعد عنهم فقط ، تذهب بلا عودة ، تعاقب بالسجن عما فعلته ، ولكن قتلها كان صدمة بالنسبة له خاصةً من أجل صغيره .
استمر صمته لثوانٍ قبل أن يتساءل بشكٍ وملامح متجهمة :
- مين اللي عمل كدة ؟
- رحمة ، حطتلهم سم في العصير بعد ما اكتشفت العلاقة اللي بينهم ، دلوقتي حالًا تكون عندي ، احنا دخلنا الشقة وجبنا اللابتوب بتاعه ، تكون عندي في العنوان ده بعد ساعة بالضبط ، وخد بالك لأن أكيد إرتوا عرف باللي حصل .
أغلق معه ووقف يستوعب ما سمعه لتتقدم منه ديما وتسأله مستفسرة بقلق :
- إيه اللي حصل ؟
بملامح عاد إليها الحزن والضيق أجابها سابحًا في ما سمعه وفي أمر ابنه :
- ربنا يستر يا ديما ، رحمة حطت لتوماس ومارتينا سم ، مارتينا ماتت .
شهقت تضع يدها على فمها بصدمة ليزفر ويستغفر ثم أردف مؤكدًا :
- أنا لازم أنزل ، اتعاملي عادي مع الأولاد ، وأوعي معاذ يعرف اي حاجة .
أومأت له فتحرك نحو غرفة الملابس يخلع مئزره ويرتدي حلته ليغادر بحالة تنافي ما كان عليه منذ قليل ، أما هي فوقفت تحاول استعياب ما سمعته ، لا تصدق أن تلك المارتينا المتلونة هكذا فجأة ماتت ، لقد ظنت أنها ستعيش معها في حربٍ نفسية على مدار سنوات خاصةً من أجل معاذ ولكن حقًا كان الخبر صادمًا .
تنهدت بعمقٍ وقررت أن تحاول الاتصال على يسرا في محاولة منها لمعرفة ما حدث .
❈-❈-❈
بعد يومين
موعد كتب الكتاب
تجمعت العائلة في القاعة الملحقة بأحد مساجد المنطقة ، اعتذرت يسرا وزوجها عن الحضور حيث أنها لم تتجاوز ما حدث بعد
بينما حضر أمجد وعلياء وجيران منال وأصدقاء داغر المقربين ، بدأ كتب كتاب صالح ودينا أولًا .
تقف بسعادة ترتدي فستانها الرقيق وتتطلع عليه بحبٍ كبير وهو يردد كلمات المأذون ويمسك بكف شقيقها ، تلف حجابها بعناية كما طلب منها ، كانت جميلة ورقيقة وناعمة .
انتهى المأذون ووقع كلٍ منهما على العقد لتصدح زغروطة من إحدى جيران منال وسط أجواءٍ ممتلئة بالسعادة .
نهض صالح والتفت إليها ليجدها متوردة تبتسم له وتنتظر عناقه ، ابتسم وعيناه التمعت سعادة ورفع يديه يمسك برأسها ويقبلها على جبينها ثم اعتدل يأخذها إليه ، يعانقها بروية وحنانٍ فائض ، كان بحاجة هذا العناق كثيرًا ولكنه جعلها تشعر بكمٍ هائل من الاحتواء ، كلاهما يحتاجان بعضهما ولكن احتياج صالح كان مهيمنًا بمشاعره على الموقف .
أردف داغر متعجلًا بحماس وسعادة :
- اخلص يا صالح عايز اكتب كتابي .
ابتعد صالح مجبرًا وابتسم ليزفر داغر ويردف بعجالة :
- اقعد يالا يا ثائر ، وانت اتفضل يا شيخنا .
اتجه ثائر يقابله وبدأ المأذون في كتب كتابه أيضًا لينتهي بعد دقائق وتطلق منال زغروطة قوية وسط تصفيقات وتهاني انهالت عليهما من الجميع وبالطبع لم يتردد في التوجه نحو بسمته ليعانقها بتنهيدة انتصار حارة لتبتسم وتبادله بهدوءٍ ظاهري ولكنها تقفز على ترامبولين السعادة .
بعد دقائق تحرك الجميع خارج المسجد ليتفاجؤوا بأصدقاء داغر قد أتوا بفرقة عازفة ليوثقوا هذه اللحظات السعيدة وسط فرحة الجميع .
استقطب داغر بسمة ليرقص معها وسط تصفيقات الجميع لهما وأشارت منال إلى صالح ليأخد دينا ويندمج معهما ففعل بتعقل على عكس داغر الذي كان متحمسًا بشكلٍ مفرط .
كانت أجواء تغمرها السعادة والوصول إلى مبتغاهم بعد طريقٍ من التحديات .
كانت ديما تقف بين أولادها تصفق بسعادة ولم تنتبه لثائر الذي اتجه لمكانٍ جانبي يجري مكالمة ما .
عاد إليها ومال يردف عند أذنها بخفوت :
- ديما أنا لازم أمشي ، خلصي وخدي الولاد وروحي وانا هرجع ع البيت .
التفتت له متعجبة ومتسائلة لتبتعد قليلًا عمن حولها ومالت عليه تسأله بقلق :
- فيه إيه ؟
تنفس بعمق وحدق بها يردف :
- توماس فاق ، لازم اشوفه واتكلم معاه .
صمتت لهنيهة ثم أومأت له فتحرك يغادر وعادت هي إلى الحفلة ولم تعد في حالة اندماجها بل شردت تفكر ، خاصةً في حديث ثائر أمس عن انتقام ارتوا المترقب .
يتبع...