الفصل الأول - روضتني
الفصل الأول
أحببتك جداً..
لدرجة أني حاولت "فاشلة" قياس مساحة هذه ال"جداً".
غادة السمان.
❈-❈-❈
لا يصدق أنها أصبحت أخيراً ببيته وعلى فراشه بعد أن مكثت بالمشفى أسبوعين كاملين بسبب ما مر عليها من أحداث أثناء ولادتها لصغيرتهما، فهي لم تكن ولادة سهلة بالرغم من سلاسة فترة حملها، إﻻ أن الأحداث الأخيرة تسببت بنزيف حاد؛ فإضطر لنقلها لمشفى الفهد على الفور للإطمئنان عليها، وهناك علم إصابتها بحمى النفاس بسبب حزنها لما حدث.
فلاش باك*
جلست عاليا على أطراف الكوبرى و قدمها تتدلى فى الهواء وأسفلها مياه النيل، تغني اغاني للأطفال وهي تهدهد الصغير جاسر الذي يستمتع بوقته معها.
مرت دقائق، فوصلت سيارات الشرطة والتي بمجرد أن حاولت الإقتراب منها؛ وقفت بسرعة على حافة الكوبرى وهي تهددهم:
-اللي هيقرب مني هرمي نفسي، ابعدوا عني.
وصلت السيارات الخاصة بفارس ومن معه؛ فهرعت ياسمين برداء المشفى ناحية حافة الكوبري وهي تنظر لصغيرها وتبكي بحرقة.
نظرت لهما عاليا باستخفاف وقالت:
-كنت متأكده أنك مش هتجيب المأذون.
حدثها فارس بحدة:
-عاااليا بلاش جنان، تعالي هنا ونتفاهم بالعقل.
ردت بصراخ:
-أنا مش مجنونه.
قال فارس بقوة:
-طالما مش مجنونه يبقى بطلي شغل جنان وتعالي.
هتفت عاليا بتلعثم:
-طط طيب طلقها قدامي وأنا هربي جاسر، هو بيحبني.
قال فارس بهدوء:
-طيب تعالي بس أنتي مخليه جاسر بيعيط وخايف.
هاجت بصراخ:
-كنا قاعدين مبسوطين وبنضحك ونلعب انتوا اللي جيتوا خوفتوه.
ترجتها ياسمين بتوسل و هى تبكي بحرقة:
-ابوس إيدك يا عاليا، و حياة أغلى حاجه عندك، ابني... ابني، اللي أنتي عيزاه هعمله ورحمة مامتك.
أخبرتها عاليا بهدوء:
-لو خايفه على ابنك خليه يطلقك.
نظرت ياسمين لفارس بخوف وقالت بتوسل:
-وحياتي يا فارس بالله عليك طلقني، طلقني... إعملها اللي هي عيزاه.
نظر فارس لزوجته و هدأها:
-إهدي عشان اللي في بطنك.
صاحت به هادرة:
-بقولك طلقني، ارحمني وإرحم ابني وطلقني.
هتفت عاليا بغل بعد أن رأت إصراره:
-انت حتى مش قادر تطلع الكلمه و لو بالكدب قدامي عشان تنقذ ابنك!
رد فارس بهدوء:
-تولد وهطلقها يا عاليا.
رفضت بصرامة:
-طلقها دلوقتي و دي اخر فرصه.
ارتمت ياسمين أرضاً فور رؤيتها تقف على حافة الكوبري استعداداً للقفز؛ فاقترب منها فارس وخلع سترة بدلته ووضعها على كتف زوجته وربت عليها وتحدث بتماسك زائف:
-اهدى هى مش هتقدر تنط.
ردت ياسمين بخوف:
-لو حصل لابني حاجه بسبب ثقتك فى نفسك دي أناا....
لا تكمل كلمتها فتقفز عاليا بالصغير وتصرخ ياسمين صرخه مدوية؛ ليقفز على إثرها كل من فارس ومازن بسرعة رهيبة وبدأ مالك باخبار القوات الموجودة بزوارق للنجاة داخل النهر للإقتراب.
هرعت ياسمين ناحية الحافة لتبحث عنهما بعينها، ولكنها لا تجد أي أثر لهما.
ثوانٍ قليلة ويظهر مازن، فيظل يغوص بالماء ويصعد على السطح باحثاً على أي أثر لأي منهم.
بكت ياسمين بانهيار فإحتضنها الفتايات وجلست أرضاً تنتحب:
-الاتنين ضاعوا، ابني وجوزي... الاتنين ضاعوا مني.
هتفت چنى ببكاء:
-اهدي يا ياسمين فارس هيلاقي جاسر و هيطلعه، فارس بيعوم كويس اوي .
أما عن مازن فقد لمح أثر أسفل الكوبري لم يستطع تمييزه بسبب المياه والخرسانة المثبتة أسفل الكوبري وأيضاً الشمس الحارقة، فحاول الإقتراب أكثر حتى تتضح له الرؤية؛ فوجده فارس ممسك بصغيره يحاول إخراج المياه من رئتيه الصغيرتين.
وصل له مازن وأشار بيده لتلك الزوارق الموجودة بالمياه للاقتراب، وفارس ما زال ينعش قلب الصغير وهو مستنداً إلى حائط خرساني أسفل الكوبري.
هتف مازن بتردد:
-فاارس... جاسر!
ابتلع فارس الهواء وقال بانهيار و هو يدلك قلب الصغير ويدفع الهواء داخل رئتيه:
-ابني عايش، ابني عايش.
لحظات قاتلة وفارقة حتى دفع الصغير بعض قطرات الماء من فمه وبدأ بالبكاء، فصعد كل من مازن وفارس للزورق وهو يحمل الصغير، رأتهم شيرين التي حاولت إخبار ياسمين ولكن الأخيره قد دخلت بإحدى نوبات هلعها وبدأت تنزف من اسفلها.
تحرك الزورق للمرسى ولكنه وجد جسدها يطفو ووجها لأسفل؛ فانتشلتها القوات بسرعه وظل مازن يحاول انعاشها بكافة الطرق حتى تفيق.
صعد فارس بعد أن اطمأن على حالة طفله من إحدى سيارات الإسعاف المرابطة بالمرسى القريب، وعاد ليطمأن زوجته ولكنه وجدها وقد فارقت الواقع ودخلت فى حالة من الشرود وكل من حولها يحاول اسعافها لوقف النزيف.
وقف فارس و هو يحمل صغيره فنظرت لهما مبتسمة وهي تظن أنها تحلم، اغمضت عيناها من جديد.
اتجهت سيارات الاسعاف لأقرب مشفى لمحاوله إنفاذ ياسمين هى وجنينها.
❈-❈-❈
تنهد وهو ينظر لها وهي نائمة بجواره فأخيراً عادت لحضنه ولكن وجهها الشاحب جعله يزفر أنفاسه بحزن وهو يلعن عاليا ابنة عمته التي تسببت بمرض زوجته وابنته التي وضعت هي الأخرى بالرعاية لأيام، بجانب مرض الصغير جاسر الذي أستمر لأيام أيضاً، واﻵن هو جالس بجوارهم على الفراش يستمع لغمغمات الصغيرة بسريرها المجاور له، ويراقب تنفس الكبيرة، ويرفع رأسه ناظرا لصغيره النائم على الفراش بجوار والدته ممسكاً بإصبعها كأنه أمانه، أبتسم بسعادة على شفاءهم ودعا ربه بحفظهم له.
تململت ياسمين في نومتها وهي تستمتع لغمغمات صغيرتها، فحاولت النهوض ولكنه كان الأسبق فتثبتها على الفراش كما هي نائمة وهمس بأذنها بحب:
-خليكي نايمه أنا هشوفها.
فتحت عينها بكسل وداعبت لحيته وهي تبتسم:
-اكيد جعانة.
أومأ لها و تحرك نحو المنطدة الموضوع عليها متعلقات الصغيرة، وبدأ بتحضير اللبن الدافئ وفق التعليمات الموضوعة على علبته، وقام برج الزجاجة الخاصة بالرضاعة حتى يمتزج اللبن بالماء، واﻷخرى تراقبه باستمتاع وبسمتها تتسع لأذنيها، فأقترب منها و نظر لوجهها المبتسم، فضحك هو اﻷخر عندما لمح شكله بالمرأة وهو يحمل زجاجة الرضاعة بيده وقال محذرا بنبرة مثيرة رافعا سبابته أمام وجهها:
-اياكي.
صمت فما زادها تحذيره إﻻ أن دخلت بنوبة ضحك كبيرة وهي تتحدث من بين لهاثها الساخر:
-فارس الفهد بيحضر الرضعه بنفسه، ويمكن المره الجاية يغير لها البامبرز.
غمزت بطرف عينها له فجلس بجوارها وناولها الزجاجة:
-شوفي بس دافيه ولا سخنه؟
ضحكت مجدداً وهي تتفقد طعام الرضيعة وناولته اياها قائلة:
-لا مظبوطه جدا، برافو عليك، شطور.
انحنى وقبلها من تجويف عنقها واعتدل بجسده ممسكا برضيعته، وبدأ باطعامها وهو يتحدث بصوت محذر:
-اذا حد عرف باللي بيحصل هنا هيكون عقابك عسير، وقد أعذر من أنذر.
نهضت على ركبتيها فوق الفراش وأحتضنته من الخلف واقتربت من أذنه هامسة بإثارة:
-بس أنا بحب عقابك ليا، وخصوصاً لو عقاب من إياه.
التفت لها متفاجئاً من جرأتها، فلمعت عينه ورمقها بنظرة متعجبة:
-ايه ده معقول! الخجل والكسوف بقوا في ذمة الله.
ضحكت بشدة على مزحته وقبلته قبلة طويلة، فابتعد وهو لا يزال ممسكا برضيعته، ناولها اياها وهو يتحدث بتذمر:
-خدي بنتك بقى طالما صحيتي، واتقي الله فيا وأنتي عارفه إن مش هينفع المسك دلوقتي خالص، إحنا ماصدقنا أن النزيف وقف.
اطرقت رأسها لاسفل بحزن وعقبت متسائلة:
-هو أنت مش ناوي تعمل لجاسمين سبوع زي ما عملت لجاسر؟ ونعمل عيد ميلاد لجاسر بالمرة.
أومأ لها موضحاً:
-اكيد هعمل لها وهمل له كمان، بس مكانش ينفع وانتي تعبانه ياروحي، إن شاء الله أول ما تفوقي هعملها Baby shower محصلش لحد قبل كده، وعيد ميلاد جاسر ميعاده معداش عليه كتير، كلها كام يوم.
ردت متسائلة:
-يعني هتعمل الحفلتين مع بعض؟
اومأ لها مؤكداً وهو يتحرك صوب غرفة ملابسه لتبديلها بأخرى بيتية:
-إن شاء الله.
انتهت من إطعام الرضيعة ونهضت تتبعه وهي تسأله بحيرة:
-أنا عارفه أنك طلبت مني أختار الناني، بس مرتحتش مع ولا واحدة، بصراحه داده حنان السبب.
جعد ملامحه وهو ينظر لها متعجبا وسألها:
-ليه؟ هي كانت بترفضهم؟
لم يترك لها المجال لتجيبه فاستطرد:
-وهترفضهم إزاي وأنا كنت بجيب المربيات تشوفيهم وأنتي في المستشفى؟
رفعت أناملها أمام وجهه تحثه بالصبر وربما أعطائها الفرصه للتوضيح وقالت:
- ياحبيبي مش قصدي كده، بس كل ناني بتكلم معاها ومش بلاقي فيها طيبة داده حنان برفضها، بمعنى أصح أن داده حنان بوظتلي مفاهيم المربيات، ومش هقبل بواحده لولادي أقل منها.
أبتسم وهو يتذكر طيبتها معه منذ صغره؛ فأغلق عينه وهو يضيف مؤكداً:
-مش هتلاقي يا ياسمين، النوعيه دي مش موجوده في الزمن ده خلاص.
زمت شفتيها بحزن ونظرت له بمرح طفولي فأتسعت بسمته واقترب منها يحتضنها هامساً بمداعبة:
-أنا بنهار، لو بتحبيني ارحميني شويه لاني هموت عليكي.
قاطعته واضعة يدها على فمه:
-بعد الشر.
قبل راحتها الموضوعة على فمه، وانحنى يقبلها بشغف وابتعد بسرعة وهو يحاول الهروب من أمامها هاتفا بتذمر:
-والله العظيم ربنا هيحاسبك عليا، ارحميني يا سلطانه.
سحبته قبيل أن يخرج من الغرفة وأغلقت الباب، نظرت له بنظرة ذات مغذى واستمع لها تهمس بصوت يكاد يكون مسموعاً:
-وأنا ميهونش عليا جوزي وحبيبي وابو ولادي.
فهم نظرتها الخبيثة وما تعنيه فقضم أسفل شفته واعترض رافضاً:
-بلاش، هتتعبي.
حركت رأسها رافضة وجثت على ركبتيها تنوي تخليصه من عذابه، فأغلق عينه متنفساً بحده وهي تزيد من إثارته بحركة شفتيها التي أوصلته لعنان السماء؛ حتى وجد خلاصه بين شفتيها ويده تمسك رأسها بقوة.
وقفت ترمقه بنظرة عاشقة، فبادلها بنظرة ممتنة ومحبه وسحبها داخل حضنه بعد أن ارتدى سرواله وقبلها قبلة شكر وهمس قائلا:
-بحبك يا سلطانه.
❈-❈-❈
فتحت عينها على صوت مؤقته، فأغلقته بسرعة قبل أن يستيقظ لتعتدل بجسدها حتى تراقب ملامحه وهو نائم، أكثر مناظرها المفضلة وهي تراقبه وتراقب ارتعاش جفنيه وهو نائم أثناء مداعبتها لوجهه بأناملها الرقيقة.
فتح عينه بخمول على حركة أناملها، أمسك راحتها وقبلها هامسا بصوت متحشرج من إثر النعاس:
_صباح الخير على القمر.
اتسعت بسمتها وردت وهي تبتعد خجلاً:
-صباح النور، يلا عشان متتأخر......
سحبها فورا فقطعت كلامها من خضتها وأخرجت تأوه لطيف بعد أن سقطت فوقه، فضربته ضربة خفيفة على صدره موبخة اياه:
-بطل يا مازن بقى.
اعتدلت بجسدها بصعوبة وهو يمازحها مقلداً صوتها:
-بطل يا مازن بقى، يا خراشي على العسل اللي لسه بيتكسف ده.
قضمت أسفل شفتها وأقتربت منه وأعتلته فجأة وانحنت تقبله من عنقه فأغلق عينه باستمتاع، ولكنه لن يسمح لها أبداً باستلام زمام الأمور، فتدحرج حتى انقلبت اﻻدوار و أصبحت هي أسفله وانحنى هامسا باثارة:
-انتي عارفه بحب ال Morning make out (الغزل الصباحي) جداً.
ردت بتلاعب:
-هتتأخر وفارس هيعلقلك الرمانه.
ضحك ضحكة رجولية وانقض ملتهماً شفتيها بقبلة جامحة، وابتعد لاهثاً ومتغزلا بها:
-اجمل شفايف دي ولا ايه؟ بحبك يا چوچو.
رددت هي اﻻخرى:
-وأنا بحبك أوي.
لم يمهلها الكثير حتى التحما قلبا وكيانا، اعتدل في نومته وسحبها داخل حضنه مقبلاً رأسها وتسائل بخفوت:
_هي الساعه كام؟
ردت مشاكسة، وهي تعلم جيداً ردة فعله القادمة:
-وقت ماصحيتك كانت تمانيه ونص.
هرع ممسكا هاتفه، فوجدها تخطت التاسعة فنهض فورا وبعجالة صوب المرحاض معاتباً:
-الله يسامحك يا چوچو، اخوكي هيعلقني، عندنا مييتنج الساعه تسعه.
دلف ليغتسل مستمعا لصوت ضحكاتها التي ملئت بيته وحياته بالمرح وخرج ملتفحاً بمنشفته، فقضمت شفتيها ناظرة له بوله وهي تتتسائل، متى وقعت بعشقه الى هذا الحد؟
رأى ملامحها بالمرأة وهو يرتدي ثيابه فشاكسها هاتفاً:
-شكلي هترفد انهاردة على ايديكي، واوعي تفتكري إن فارس ممكن يعمل exception (استثناء) عشاني في الموضوع ده بالذات، أنا كنت مثال اﻻلتزام لحد ما اتجوزتك.
رفعت كتفيها و ردت:
_وأنا مالي، أنت عايز تلبسهالي علشان تهرب من عقاب فارس.
انتهي من ارتدائه لملابسه، واقترب منها مقبلاً إياها بحب وغمز متسائلاً:
-ها ناوية تلبسيلي إيه انهارده؟
ابتسمت بسعادة وأظهرت الحيرة وهي تسأله:
-أنت تحب ألبس إيه؟
فكر قليلاً وهو زاماً شفتيه للامام ورد مجيباً:
-حلو لبس الممرضه.
أومأت موافقة وهي تنظر للأرض بخجل، وسألته بنبرة رقيقة:
-ويا ترى هتكون مريض ولا دكتور؟
وقف بعد أن ارتدى حذائه ورد:
-هفكر وابعتلك الرد في مسدج.
❈-❈-❈
جلس ممتعضا ينظر بساعته كل فينة واﻻخرى، ومساعدته تجلس على يمينه ويساره فارغا، وعلى نفس طاولة اﻻجتماعات يجلس الوفد اﻻلماني ومترجمهم بجوارهم يترجم لهم كل كبيرة وصغيرة تحدث.
ظل فارس يتابع مهام اﻻجتماع ويراجع بنود اﻻتفاقية التي يبرمها معهم، حتى دلف مازن مندفعا بتعجل والقى سلاما عابرا وجلس بمكانه الفارغ يسار فارس الذي لم يلتفت له أو حتى رد على سلامه.
ظل يقلب اﻻوراق زاما شفتيه متابعا اﻻجتماع حتى همس له مازن بصوت خافت:
-فاتني كتير؟
القى فارس نظره عابرة على ساعة يده وعاد ينظر له بتجهم ولم يعقب عليه فقد تخطت العاشرة بقليل، فابتلع مازن ريقه بتوتر فهو يعلم جيدا تلك النظرة، ويعلم ايضا توابعها؛ فمنذ أن تزوج چنى ورغما عنه بدأ يتكاسل بالعمل قليلاً دون سبب معلوم لفارس الذي مل من كثرة توبيخه له فآثر مازن على الصمت حتى لا يُوبخ أمام العملاء اﻻجانب.
انتهى الإجتماع وغادر الجميع إﻻ هو وفارس ومساعدته التي رمقها بنظره جادة وقال لها بصوت غليظ:
-روحي اعمليلي قهوة ووديها على مكتبي.
أومأت له وهي تشعر بالذعر من شكله الغاضب، فعاد مازن لابتلاع ريقه وقضم شفتيه بتوتر وفارس يراقب حركاته، فأخرج ضحكة هازئة وقال بغضب:
-اللي يشوفك يقول عاملي حساب مثلا؟!
رد عليه بمحايلة:
-يا فارس أصل راحت عليا نومه و...
قاطعه فارس هادرا:
-آه راحت عليك نومه، و امبارح كنت تعبان، وأول امبارح كانت چنى تعبانه، وكل يوم حجه شكل وأنا عشان ساكت أنت سايق فيها على اﻻخر.
حاول اﻻعتراض ولكن غضب اﻵخر جعله يصمت وهو يستطرد:
-ده آخر تحذير ليك، أوعى تفتكر إن ممكن اتساهل معاك وأنت بتضر الشركه، أنت عارف إن الشغل عندي أهم حاجه وأهم منك أنت شخصيا.
اعتذر مطرقا رأسه لاسفل:
-آسف يا فارس، مش هكررها تاني.
وضع يده بتجويف عينه، فاقترب منه فارس وسأله باهتمام:
- أنت تعبان؟
نفى و رد:
-لا الحمد لله.
زفر انفاسه بارتياح واكد حديثه بجدية:
-لما تتأخر وتيجي تقولي أصل راحت عليا نومه ارحم واحسن بكتير من انك تقولي انك تعبان، بلاش تقلقني عليك على الفاضي خلي عندك دم.
ضحك مازن ومسح على ذراعه قائلا:
- انا كويس والله يا فارس متقلقش، بس اختك مجنناني.
انعقد حاجبيه بدهشة وسأله:
-مالها عملالك ايه؟ هو انتو مش مرتاحين مع بعض؟
نفى سريعا وأوضح بشكل ملتوٍ:
-ابدا، بالعكس ده المشكله اللي بينا إننا مرتاحين مع بعض اكتر من اللازم.
ضحك بنهاية حديثه، فجعد فارس ملامحه ووبخه بحدة:
-يا بغل، أولا مينفعش تتكلم عن مراتك مع حد حتى معايا، أو باﻻخص معايا عشان دي اختي، وثانيا متخليش أي حاجه تعطلك عن شغلك أنت عمرك ما كنت كده، حتى وأنت تعبان عمرك ما قصرت في الشغل، متخليش حاجه تأثر عليك.
ابتلع ريقه بخجل لحظي، ولكنه لم يلبث أن تذكر جنونهما معا منذ ساعات قليلة بالصباح قبيل مجيئه لعمله؛ فضحك رغما عنه وفهم فارس بالطبع ملامح رفيق دربه واخيه الروحي، فحرك رأسه يمينا ويسارا ممتعضا ومستسلما من تصرفاته الهوجاء، فتركه وخرج متوجها لغرفة مكتبه.
عاد لمنزله بعد يوماً طويلاً من اﻻشغال الشاقة، فدلف لبهو فيلته فلم يجد أحدا بسبب تأخر الوقت، فصعد فوراً لجناحه فوجدها جالسة تنتظره بحزن وبكاء؛ فهرع ناحيتها وسألها باهتمام:
-في ايه؟
نظرت له بحزن وردت بصوتٍ باكٍ:
-طول اليوم مبتطلتش عياط وأنا مش عارفه أعمل لها ايه؟
جلس بجوارها على الفراش وسأل ليتأكد من ظنه:
-بتتكلمي عن چاسمين؟
أومأت له بغضب واردفت:
-زنانه بشكل مش طبيعي، حتى جاسر اللي مكانش بيعيط بقى هو كمان بيعط على عياطها، انا خلاص أعصابي مش متحمله.
ربت على ظهرها ووضح لها اﻻمر كما فهمه من قراءاته المستمرة:
-انتي أعصابك تعبانه وده طبيعي لأي واحده لسه والده، وهي بتعيط وده طبيعي لاي رضيعه معرفتش ترضع لبن طبيعي، وعياط جاسر برده طبيعي لأنه كبر وفاهم إن اهتمامك بيه قل بسببها؛ فبيحاول ياخد اهتمام بالعياط.
رفعت وجهها تنظر لتفسيرة وعبراتها لا تزال على وجنتيها، فابتسم و مسح عبراتها وهو يكوب وجهها براحتيه وقبلها من وجنتها هامسا:
-بكره الصبح هكلم مكتب التوظيف يتصرفوا ويجيبوا ناني ترتاحي معاها، وانتي معلش اتنازلي شويه إنك تلاقي ناني زي داده حنان واقبلي باللي موجود.
رمقته بنظرهة ممتعضة، فضحك بوجهها وقبلها من جبينها هامسا:
-بحبك يا سلطانه.
مسحت عبراتها بظهر يدها وابتلعت ريقها وعقبت:
-وانا كمان بحبك أوي.
تنحنح مبتعدا عنها وهو يحاول إخفاء تعابيره المثارة فضحكت وقالت بمشاكسة:
-لااا... ده انت بقيت خفيف خالص، مش لسه الصبح كنا مع بعض!
رفع حاجبه اﻻيسر والتفت لها موضحا:
-اولا يا سلطانه انا بقيت خفيف بسبب بعدك عني فترة مش قليله، وثانيا اللي حصل الصبح ده كان مسكن، اسبرينه وتصبيره وأنتي فاهمة انه مش كافي أبداً.
اقتربت منه بدلال وسألته بغنچ:
-طيب قولي عايز إيه وأنا تحت امرك؟
غمزت بعينها فمسح بيده على طول ذراعها ورد:
-عايزك تخفي بسرعه عشان مشتقالك ونفسي فيكي انتي، مش في العلاقه والسلام.
احتضنته هامسة له بتنهيدة عميقة:
-هحبك اكتر من كده ايه بس؟
قبلها قبله خاطفة على شفتيها وعقب داعيا:
_يارب بس تفضلي عاقلة كده ومتخليش الجنونه بتاعتك تعكر علينا حياتنا.
زمت شفتيها بشكل اضحكه كثيرا، وقالت متذمرة:
-الله يسامحك.
سحبها داخل حضنه بعد أن ادعت الخصام، وحاولت أن تبتعد عنه فقال بغزل:
-السلطانه ياسمين، أجمل سلطانه في العالم محدش يقدر يزعلها أبدا وأنا من الضمن.
❈-❈-❈
انتظرته حتى عاد من عمله وهي تتزين وترتدي له ذلك الزي التنكري الذي طلبه منها بالصباح، فابتسم فورا وهمس بتلاعب:
-انا صحتي راحت.
امتعض وجهها فدبت اﻻرض بقدمها وقالت بتذمر وتوبيخ:
-هو مش انت اللي طلبت؟
أومأ لها غامزا واقترب منها هامسا باذنها:
-أنا بهزر معاكي يا حبيبي.
دفعته بعيداً عنها وصعدت لأعلى وهي تتمتم بعبارات مبهمة، فتحرك يتبعها ودلف غرفة نومهما وحاول اثناءها عن مشاكسته كلما اقترب منها ودفعها له فتحدث بجدية:
-وبعدين معاكي، مكانتش كلمة هزار قولتها.
حركت كتفيها باعتراض وقالت متأففة:
-عشان تتعلم بعد كده تاخد بالك من كلامك.
بدلت ملابسها بأخرى بيتية عادية، عبارة عن منامة حريرية غير متكلفة وازالت غطاء الفراش واندثرت أسفله فزم شفتيه وقال:
-طيب أنا جعان.
رمقته بنظرة جامدة وتصنعت اللامبالاة وقالت:
-سخن أي أكل من التلاجة.
رفع حاجبه وقال بضيق:
-طيب خلي حد من الخدم يجهزلي أكل.
ردت بعدم اكتراث:
- الخدم روحوا.
نفخ هواء من فمه بصوت مسموع وقال:
-مشتيهم ليه يا چنى طيب وانتي مبتعرفيش تعملي بيض بالبسطرمة حتى؟
انتفضت من مكانها هاتفة بحدة وضيق:
-نعم! مين دي اللي مبتعرفش تعمل بيض بالبسطرمة؟
ضحك على غضبها الطفولي ومنظرها المثير وهي واقفة على ركبتيها على الفراش واضعة يديها بخصرها تهتز بعنف مثير للحواس، فظل يتسائل بداخله متى أحبها ووقع بعشقها إلى هذا الحد؟ هل يعقل أنه كان يحبها دائمًا وقد فسر مشاعر الحب هذة بمشارع اﻻخوة التي جمعتهما منذ أن كانت بالمهد؟
شرودة بشكلها جعلتها تظن انه قد تضايق منها فاقتربت منه تسأله باهتمام:
-انت زعلت؟
أومأ بنعم متلاعبا بها قليلاً فكم يعشق مشاكستها واغضابها ورد متسائلاً:
-من امتى بتعلي صوتك عليا بالشكل ده؟
ردت فورا تفسر طريقتها:
-بهزر يا مازن انت قفشت ليه كده؟
انقض عليها مقبلاً اياها بنهم وجوع لشفتيها، وقال وهو يلهث من فرط اثارته:
-ما انتي مقبلتيش هزاري.
دفعته بغضب وهي تصر على اسنانها وقالت موبخة:
-انت بقيت غلس، والواحد مبقاش عارف امتى بتتكلم جد وامتى بتهزر؟!
سحب نفسا عميقاً وسحبها داخل حضنه وقال بجدية:
-لما بقولك بحبك بكون بتكلم جد، ولما بقول مشتقالك بكون بتكلم جد، ولما بقول تعبت أو زهقت او مليش مزاج فأكيد كل ده هزار؛ لاني مقدرش أبعد عنك لحظه واحده.
رفعت نظرها ترمقه بنظرات عاشقة وسألته بهمس:
-انا حبيتك امتى وازاي؟
اتسعت بسمته وقبلها قبلة طويلة وابتعد مجيبا إياها:
-اظن حبينا بعض من زمان ومكناش فاهمين مشاعرنا.
جلست على فخذيه وتدللت عليه بغنچ قائلة:
-مازونتي ، ممكن أطلب منك طلب؟
أبعد خصلتها خلف أذنها وأومأ لها موافقا، فقالت:
-ممكن تفكر في موضوع تأجيل الحمل ده؟
انعقد حاجبيه بشدة وضيق، واطرق رأسه لاسفل فتعجبت من ردة فعله، فهتفت بحزن:
-ياااه! للدرجه دي الموضوع ده بيضايقك أوي كده!
حاول التهرب من إجابتها فابعدها عن قدميه وقال:
-چوچو أنا جعان ، ممكن نأجل مناقشه في الموضوع ده لحد....
قاطعته بحدة:
-لا يا مازن، أنا عايزه أتكلم دلوقتي.
زفرت بحزن وعقبت:
-لما طلبت مني نأجل الحمل متناقشتش معاك وقتها، عارف ليه؟
انتظرت منه اجابة، ولكنه لم يتحدث فأجابت هي:
-عشان كنت مفكره أنك لسه بتحاول تقيم مشاعرك، كنت مفكره أنك شويه وهترجع لحياتك وتقولي إن أنا كنت غلطه، بس اللي حصل إننا كل يوم بنقرب لبعض اكتر، وبنحب بعض اكتر؛ فيبقى ليه نأجل حاجه مهمه زي دي هتقربنا اكتر واكتر؟
ظل صامتا يحاول انتقاء الكلمات ليجيبها، ولكنها لم تتركه كثيرا فاقتربت منه وجلست مجدداً على فخذيه وداعبت شعيرات صدره هاتفة برجاء:
-عايزه أبقى أم واشيل جوايا نونو منك يا مازن.
ابتلع ريقه ورد بخفوت:
-انا مش مستعد للخطوة دي يا چنى، ارجوكي أجلي كلام فيها شوية، على اﻻقل لما تخلصي دراستك ولا عايزه تروحي الجامعه وبطنك مترين قدامك؟
ردت وهي تشعر بغصة تؤلم حلقها:
-وفيها ايه؟ ليا زمايل كتير متجوزين ومبقاش الموضوع فيه مشاكل، لكن أنت رافض الفكرة نفسها ومن غير أسباب.
أبعدها ووقف غاضبا وصاح بحده خرجت رغما عنه:
-ازاي من غير اسباب؟
سألته بتردد:
-ايه اسبابك؟
لم يجيب فأطرق رأسه ونظر للارض؛ ففسرت صمته هاتفة:
-آه قول كده، أنت لسه بتقيم علاقتنا مش كده؟
نظر لها بتفاجئ لتفسيرها للامر وهي تكمل:
-الظاهر أن أنا اللي سبت مشاعري وأنت لسه....
قاطعها رافضا تفسيرها:
-ايه اللي بتقوليه ده؟ لا طبعا الموضوع مش كده خالص.
هدرت بضيق:
-اومال ايه؟ مش غيران من فارس انه بقى عنده عيله وولاد؟ ولا مستني يبقى عندك كام سنه عشان تفكر في الخطوة دي؟
حسنا هنا أصابت بيت القصيد فابتسم بزاوية فمه وقال ممتعضا:
-بالظبط يا چنى، انتي جبتي الخلاصة.
مسح على وجهه براحته واطنب موضحاً:
-فرق السن بينا كبير أوي مخليني خايف آخد الخطوة دي، وزودي عليهم مرضي اللي لسه متعافتش منه تماماً وممكن في اي وقت يرد في جسمي وتترملي بدري...
حاولت مقاطعته فأوقفها مستطردا:
-متقاطعنيش، وطالما فتحتي الكلام في الموضوع يبقى اسمعي ولما اخلص كلامي ابقي ردي.
سحب نفسا وأكمل اطنابه:
-كل مره بروح جلسات اﻻشعاع أو بعمل فحوصات عشان اتأكد أن الخلية ماتت ومش هترد تاني، مبفكرش غير في حاجه واحده وهي انتي، بنوته صغيره لسه عندها عشرين سنه وممكن في يوم وليله تبقى ارمله، لا وكمان عايزه تبقي ارمله وعلى كتفك عيل.
تنهدت وبكت وهي تستمع له يضيف:
-انا بعترف اني لما اتجوزتك مكانش في خططي خالص اننا نوصل للمرحلة دي، ولحد دلوقتي لا عارف وصلنا لكده امتى وازاي؟ وبعترف اني كنت اناني لما سمحت لوضعنا يوصل لكده، بس كل ده مبقاش مهم، ومش هاممني حاجه غير اني خايف اوي اسيبك لوحدك بعد ما علقتك بيا، ومش عايز اوقفلك حياتك بطفل تفضلي شايله همه طول عمرك.
بكت وحاولت التحدث فحرك رأسه رافضا تحدثها واكمل:
-اوعي تفتكري اني مش عايز اكون اب واكون اسره زي فارس، بس خايف اسيب طفل يعيش يتيم زي فارس ما عاش يتيم.
زفر باختناق وحاول اخفاء حشرجة صوته الحزين وهو يوضح لها:
-المرض ده آخرته معروفه، مات بيه جدنا زمان، ومات بيه أبو فارس، وماتت بيه عمتك وأنا مقتنع إن العلاجات دي كلها مجرد تأجيل مش اكتر.
هنا توقفت قدرة تحملها، فأوقفته عن إستكمال حديثه الذي هشم فؤادها وعقبت:
-العلم اتقدم، واﻻعمار بيد الله، وربنا لما بيبلي اﻻنسان مش عشان يوقف حياته ولكن عشان يتعظ، أنا اتعظت من غلطتي، وانت اتعظت من غلطتك، وجه دور اننا نعيش مش نفضل نفكر في الموت.
بلل شفتيه بطرف لسانه وتنهد فمازحته برقة:
-مازونتي يا أبو دم خفيف، مش واخده عليك جد ومكشر كده.
دفنت رأسها بصدره وحاوطت خصره بذراعيها، وتحدثت بصوت مهزوز:
-انا بحبك اوي، وعايزه اخلف نونو يشبهك، وحتى لو كلامك صح فعلى اﻻقل تسيبلي ذكرى منك يا مازن، ومتخافش مش هعمل زي مامي وأروح اتجوز بعدك.
ضحك رغما عنه ورفع وجهها بسبابته وهي مستمرة بالضحك وقال ساخرا:
-مصيبه انتي، بس بحبك.
رمشت بعينيها بدلال وسألته:
-طيب موافق؟
رد متهربا:
-نونو عايزه تربي نونو.
وضعت يديها على صدره وغمزت له بوقاحة:
-اللي قدامك دي نونو برده؟
قضمت شفتيها باثارة، ففعل مثلها ونفى برأسه مؤكدا:
-لا، دي مزة تجيب رِجل اجدعها راجل.
حملها متوجها لفراشهما واراحها عليه وهو يعتليها، فطوقت عنقه بذراعيها وسألته بصوت هامس:
-موافق؟
رد موجزا:
-بعد اﻻمتحانات.
تدللت ورفضت بحركات جسدها، وسألته مجدداً:
-موافق؟
تنهد مخرجا زفيرا طويلا، فقالت متوسلة:
-عشان خاطري.
اغلق عينه وأومأ لها، فصرخت بفرحة وعدم تصديق:
-بجد؟
رد ضاحكا وهو يقبل عنقها:
-اه بجد.
قبلته فورا بحب ولهفة قُبل متتالية، فباشر معها علاقتهما بحب وشغف؛ فذابت هي بين يدية كقطعه حلوى خطمي جعلته يحلق بعنان السماء.
❈-❈-❈
تناول العشاء وصعد برفقتها لجناحهما، وجلس على الفراش بعد أن بدل ملابسه، ونظر لها متسائلا باهتمام:
-بقيتي احسن شوية؟
أومأت له واضافت:
-هانت وشهور الوحم تعدي.
حرك رأسه داعياً لها:
-على خير يارب.
تلاعب بمنامته وسألها بمراوغة:
-طيب سألتي الدكتورة على اللي طلبته منك؟
تصنعت عدم التذكر فقالت:
-عن ايه؟ لسه ميعاد المتابعه اﻻسبوع الجاي.
أومأ لها وقال:
-عارف، أنا بتكلم عن اللي طلبته منك وقولتلك تسأليها حتى لو بالتليفون.
ابتلعت ريقها وقضمت شفتها السفلى بتوتر، فلاحظ تعابيرها وفهم فورا، فتحدث بحدة قليلة:
-طبعا طنشتي، لأن الموضوع مش جاي على هواكي من اﻻساس، لكن كل زيارة تخليها تأكد على الممنوعات، إنما تفتحي مجال للمسموح طبعا لأ!
حاولت التحدث فخرج صوتها معترضا:
-انت بتكلمني كده ليه؟ في واحد يكلم مراته الحامل والتعبانه بالطريقة دي؟
رد بغضب:
-وفي واحده تخلي جوزها يتذلل لها في ابسط حقوقه زيك كده؟ قولتي مش فاهمه ومش حابه و و و، خلتيني لأول مره ادور واقرا واتعلم عشان اعرف ابسطك.
وقف منتفضا بغضب وأضاف:
-قولت أكيد العيب فيا وخلتيني أسأل واتعلم من فارس ومازن عشان أنا غشيم ومعنديش خبرة.
صر على أسنانه واضاف:
-فكرت أن مشاكلنا اتحلت لما فتحنا ما بينا لغة حوار بعد ما فضحتيني والكل عرف إن ساجد خام ومش عارف يبسط مراته، وعديتها وبقيت أقعد أسمع لنصايح مازن وفارس واخدها بضحك وهزار عشان مزعلكيش.
اقترب منها والغضب جلي بوجهه، وتحدث وهو ضاغطاً على اسنانه بشدة:
-وبعد كل ده وانتي زي ما انتي، بس دلوقتي حجتك بقت الحمل والتعب والممنوعات.
صرخت عندما وجدت نفسها محاصرة بركن ضيق:
-كل الحوامل كده مش أنا بس.
وافقها الرأي وعقب:
-آه معاكي حق، كل الحوامل كده بس مش بالشكل ده، انتي عندك مشكلة يا شيرين ومتقوليش إن وضعك طبيعي، روحي قارني نفسك باخواتك البنات وانتي تعرفي إذا كانت المشكله عندي ولا عندك؟
دفعته وتحركت من أمامه وهي تصرخ به:
-هو كل اللي هامك أنك تطلع انت تمام والمشكلة عندي انا؟ طيب يا سيدي أنا بعترف أهو إن المشكله عندي أنا ومش لاقيه لها حل، خلاص كده ارتحت؟
اقترب منها ونظر لعينيها الدامعتين وتحدث بنبرة هادئة خوفا عليها:
-قولت لك تعالي نروح لدكتور وانتي بترفضي، مش عيب على فكرة واكيد أحسن بكتير من وضعنا ده.
هدرت بغضب:
-ماله وضعنا؟ أنت بس اللي رابط الجواز والحب بالسرير.
سخر من حديثها، وأخرج ضحكة هازئة وسألها:
_هنرجع لنفس الكلام القديم، ويا ترى الجواز إيه من وجهه نظرك؟
ردت مؤكدة:
-موده، رحمه, حب، مش سرير وبس يا ساجد.
حقا قد مل وضجر من حديثها المكرر والممل بالنسبة له، فتكلم بصوت جاد:
-طيب، أنا بقى راجل شهواني ومش بفكر غير في العلاقة، وانتي مراتي وحلال ربنا بيقول إنك حق من حقوقي، ورفضك ده مخالفة لدين ربنا، وبما اني عمري ما عملت الغلط ده قبل الجواز فمش ناوي اعمله وأنا متجوز، بس بطريقتك دي بتزقيني ليه بكل قوتك يا شيرين.
رمقته بنظرة مندهشة من حديثه، فلم يهتم لنظراتها ولا لعبراتها التي بللت وجنتيها واضاف:
-بصي يا بنت الناس عشان أنا جبت اخري، قبل الجواز الراجل يقدر يفضل من غير علاقة لانه مجربهاش، بس مشكلتنا كرجاله بمجرد ما بنجرب، خلاص بتبقى أهم عندنا من اﻻكل والشرب.
سحبها من ذراعها بقوة حتى ارتطمت بصدره وهدر بها:
-انا على اخري، وأنتي لو حبتيني كنتي قبلتيني بكل ما فيا، لكن انتي محبتنيش يا شيري.
حاولت التحدث فلم يمهلها وقتا كافياً واضاف بغضب:
-قدامك حلين عشان متقوليش ساجد الوحش اللي حطلي العقدة في المنشار وبيتلكك.
ابتلع ريقه وأوضح:
-إما أنك تتعدلي ولو حابه نروح لدكتور يشوف القصور فين ونعيش زي مخاليق ربنا، أو تفضلي زي ما انتي وساعتها أظن من حقي اتجوز ومفيش حد يقدر يغلطني.
ردت بحدة:
-وإن رفضت الحلين؟
رفع حاجبه متعجبا، أحقا تجادلة وهي ترى حنقه قد وصل عنان السماء؟ فرد مؤكداً:
-معندكيش رفاهية أنك تختاري حل ثالت، لانه مفيش.
ردت بجمود وهي رافعة رأسها تنظر له بثقة مصطنعة:
-لأ في.
رمقها بنظرة مماثله وهو حقا لا يعرف ما يدور بخلدها، حتى خرجت منها الكلمات كالصاعقة التي وقعت على رأسه اخرسته:
_اننا نتطلق.
يتبع..