الفصل الثالث -عقوق العشاق
الفصل الثالث
انتهى حفل الخطبة و عاد الجميع إلى بيته، عدا " مهدية" التي جلست تستمع لرجائه وتوسلاته بأن تحنو عليه وتتفضل بأن توافق على الزواج منه، لن تنكر تلك النشوة بالإنتصار وهي تراه ذليلًا أسفل قدماها، لن تنسى تلك الإهانات الصادرة منه، لم يترك لحظة واحدة يدعس على كرامتها، ويقلل من شأنها، كانت عاقدة ذراعيها أمام صدرها، تنظر للسماء، تشاهد القمر و النجوم كادت تجزم أنها عرفت كم هم عددُها، اما هو كان يقف بجوارها يحاورها ينغجها و يلعنها عندما تنظر له و لم ترد عليه، زفر بنحق ثم قال بنبرة مغتاظة
- ما تتلمي بقى يا مهدية أنا شوية وهـابوس ايدك عشان تحني عليا
ردت بعدم إكتراث لحالته تلك وقالت
- معلش مش واخدة بالي يا بلال جواز إيه دا اللي عاوزني اوفق عليه مش دي مهدية اللي كنت بتحذرها متقربش من اختك و
قاطعها قائلا بندم
- كنت غبي
ردت بتهكم قائلة بسخرية
- كنت !!
تابعت بحدة قائلة
- ومازالت يابابا ومازالت يا حبيبي غبي
اقترب منها لكنه حافظ على المسافة التي وضعتها بينهما حتى لا يخسر ما بدئه منذ قليل القى نظرة سريعة بالداخل ثم عاد ببصره وقال
- شش بس الله يحرقك عمتي هاتسمعنا
ردت بعصبية قائلة
- ما تسمعنا يا بابا هو أنا كنت جبت حاجة من عندي ولا يمكن كنت برمي كلام وخلاص
ختمت حديثها متسائلة بسخرية قائلة
- ولما أنت جبان كدا و بتخاف من عمتك كنت بترميني بالكلام الباطل ليه ؟!
احتوى كتفيها بعنف وثبتها في مكانها قائلا بغضبٍ جم
- اثبتي بقى تعبتيني
تابع بغضبٍ مماثل لغضبها وقال
- وبعدين تعالي هنا هو مين اللي كان قال عليكِ دا من الأول أنا و الحلو بسلامته مهدي ابن خالك ولا ناسية
ختم حديثه بنبرة حزينة تملؤها الندم محاولًا استعطافها عله ينجح هذه المرة
- عارف إن لغبط الدنيا بس أنتِ قلبك كبير و هيسامح و بعدين أنا عملت كدا من حبي و لا أنتِ عميا ومش شايف دا من زمان
كاد قلبه يرق له ارتسمت إبتسامة عريضة على شفتاه و قال بغمزة من طرف عينه قائلا
- ضحكت يبقى قلبها حن ورق
ردت عليه بإبتسامة مزيفة وقالت بجدية مربتة على كتفه
- شوف لما تبقى تقف على دماغك وتمشي عكس الناس الطبيعية بردو مش هتجوزك يا بلال
نفث سحابة دخان كثيفة في الهوا ثم عاد ببصره و قال ببرودٍ مماثل لها
- طب بصي بقى ورحمة جدي اللي جدك بردو لو ما اتجوزتيني لـ
قاطعته" مهدية" بنبرة حادة قائلة
- هاتعمل إيه يعني ؟!
رد " بلال " بقلة حيلة
- هعمل إيه يعني هفضل اعزب لحد ما تحني عارف إنك نفسك تو لعي فيا بس عارف قلبك طيب و هتوافقي صح
- لأ غلط يا بلال مش هتجوزك وتفضل اعزب ولا تتجوز خلاص شيلتك من حساباتي
- بص بقى يا بنت عمي انا مباخدش رايك في بقوله بكرا العصر أنا جاي اتقدم بشكل رسمي عجبك عجبك مش عجبك، عجبني أنا وعمي وعمتي الجيران دي كلها نفسها تسمع بس اننا اتخطبنا عشان ترد لنا الواجب اللي بنعمله فيهم
- ها تتجوزي غصب يا بلال ؟ !!
اقترب " بلال " منها وقال بإبتسامة واسعة
لا تخلو من الدالال و الغنج
- مقدرش اعملها يا قلب بلال دا أنتِ اللي يغصبك على حاجة امحي من على وش الدنيا
حتى لو أنا دا اموت لك نفسي
ردت "مهدية " بسرعة ممزوجةً بلهفة
- بعد الشر عليك
تنحنحت وقالت بجمودٍ مصطنع
- والله مبقاش فارق معايا تعيش ولا تمـ
بُترت جملتها بنفسها وهي تضع أناملها على ثغرها نظرت له وقالت بصوتٍ حزين ونبرة تملؤها العتاب واللوم
- أنا مش قادرة انسى اللي قلته لي
عاتب حاله قبلها يعلم أنها تحملته كثيرًا، وبخها ونعتها بما ليس فيها، لم يدري بنفسه وهو
يقترب منها ضاربًا بتحكماتها واوامرها عرض الحائط، لم يعد يكترث لتحذيراتها بعدم الإقتراب، نظر حوله نظرة عابرة ثم عاد ببصره لها و قال بصوتٍ هامسًا
- عارف إني أذيتك بكلامي كتير، وإني غبي ومابفهمش بس صدقيني استاهل فرصة أخيرة منك يا مهدية
ردت" مهدية " بمرارة في حلقها قائلة
- فرصك خلصت يا بلال، فضلت تقسى عليا لحد ما بقى مبقاش في قلبي ليك ولازحتة حب قد كدا
سألها بحزنٍ قائلا
- مش طالب غير فرصة يا مهدية كتيرة عليا ؟!
ردت على سؤاله بسؤالا آخر قائلة بحزنٍ
- واللي عملته فيا وكلامك ليا تفتكر كان قليل عليا ؟!!
تنفس بعمقٍ وهو يطالع السماء الصافية، عاد ببصره وقال للمرة الأخيرة قبل رحيلها
- طب يا مهدية أنا عاوز منك فرصة واحدة بس، اثبت لك فيها إني استاهلك بجد، اثبت لك فيها إني كنت غبي يوم ما سلمت عقلي لحد تاني فرصـ
أنا آسفة يا بلال فرصك خلصت بالنسبة لي
تصبح على خير .
أردفت " مهدية " عباراتها قبل أن تندفع تاركة إياه يناديها مرارًا، لكن لا حياة لمن تنادي، قررت أن تتركه قبل أن يتشاجر معها، قلبه ينعتها بالبلهاء وعقلها ينحي لها احترامًا وتقديرًا لهذه الحدة والصرامة، وقعت هي فريسة بين العقل والقلب، أما هو فكانت محاولاته دائما محاولات بائسة فاشلة ولا يعرف متى ستنجح ؟!
❈-❈-❈
في منزل الجدة ولاء
كان " نوح " واقفًا في شرفة حجرته، يرتشف رشفات متتالية من قهوته الساخنة، يستعيد ذكريات اليوم من بدايته حتى لحظته تلك
لاحت إبتسامة جانبية ما إن تذكر المشاجرة التي نشبت بينها و بين خطيبها، لا يعرف لِمَ لا يفصل رأسه عن جسده، ربما لتوسلها له بأن يتركه مدعية عدم الضرر له، لو تعلم كم هو يتوق شوقًا ليجده جثة هامدة، لو تعلم كم يتوق شوقاً لرؤيتها سعيدة بعيدًا ذاك الغليظ
اطلق تنهيدة قوية تحمل كل ما يجيش بصدره
انتشل صوت صرير باب الشرفة المجاورة وخرجت منها " رُبى" مُدعية أنها " صبا" بدأت تسأله عن ما حدث لاختها قائلة بخبثٍ
- بس يا سيدي وقالت لي إنك جيت في الوقت المناسب حقيقي يا نوح مش عارف اشكرك ازاي بابا لو عرف كان بهدلها قبله
عقد " نوح " ما بين حاجيبه متسائلا بمكر
- كل دا حصل ما رُبى !!
مالت " رُبى" برأسها متسائلا بإبتسامتها الساحرة قائلة
- يا نوووح بقى أنت مش عارف اللي حصل ما هي رُبى حكيت لي
رفع" نوح" منكبيه وقال بكذب
- صبا مش محتاج اكدب على فكرة و انا نفسي مستغرب إن رُبى حصل معاها كدا وقالت عني كدا
تابع بجد وقال
- صحيح لو كان حصل دا كنت عملت زي ما حكيت لك بس ارجع واقول انا لا شفت رامي ولا رُبى ولو حصل كدا يبقى اختك بتحلم
فرغ فاها لتتحدث قاطعها قائلا
- بقل لك إيه تشربي قهوة ؟!
تناولتها " رُبى" دون تردد وقالت بامتنان
- ياسلام احلى قهـ
صمتت عندما صدحت ضحكته ما إن ارتشفت القهوة كالبلهاء، قلبت شفتاها وقالت بنبرة مغتاظة
- بتضحك على إيه ؟
رد " نوح " باسمًا
- تاني مرة لما تحبي تعملي صبا ابقي اتاكدي الأول اني مش اهبل
سألته بنبرة مغتاظة
-عرفت منين إني رُبى ؟!
اجابها بإبتسامة قائلا مدللٍ إياها
- قدرات يا روبي
دفعته في كتفه وقالت بغيظٍ
- بتكلم جد يا رخم
نظر ليدها الموضوعة على كتفه، ثم عاد ببصره وقال بصوتٍ هامسًا مراعاة لشعور أخيه الذي يقف في الشرفة العالية بالطابق الثالث
- كنت مصدق إنك صبا فعلا، لحد ماقلت لك تشربي وقبلتي
سألته بعدم فهم قائلة
- ودي فيها إيه يعني !!
اجابها بجدية وهو يتكأ بجذعه العلوي على السور الاسمنتي وقال
- صبا عارفة إن بيجاد بيغير من خياله وهي بتحافظ على شعوره، بمعنى اصح بتحاول تعمل حدود معايا ومع اي حد ممكن بيجاد يغيير منه
ردت " رُبى" متسائلة بسخرية
- ايوة بس دي خنقة، وبصراحة بقى اخوك مزودها اوي
حرك " نوح " كتفيه وقال بجدية
- هو ممكن تشوفيها خنقة ومزودها لو أنتِ مش حاباه لكن لو بتحبي يبقى هتبقي مبسوطة إنه بيغيير عليكِ ومش عاوزك تتكلمي من غير حدود
جلست على المقعد الموضوع خلفها وقالت بغمزة من طرف عيناها بمكرٍ
- طب وأنت مش بتغيير ؟
عقد ما بين حاجبيه متسائلا باستفهام
- من مين ؟
- بيجاد، يعني هو بيتحكم في صبا وبيقولها تكلمي دا وتخرجي إمتى وترجعي امتى حتى أنت اخوه الكبير عاملة معاك حدود مع انك مش غريب وابن عمها اصلا
رد" نوح" بتفهم وقال
- اها، لا طبعا مش غيران بالعكس مبسوط إن اخويا الصغير كبر وعارف يعني إيه حب وحياة أسرية، وبعدين كل واحد حر في حياته
هو عاوز خطيبته تتطبع بطبعه وهي موافقة ازعل أنا ليه !!
ختم حديثه ماكرًا قائلا
- اعتقد إنك المفروض تبقي عارفة الحاجات دي كويس اكتر مني
ردت " رُبى " رافعة كتفيها متسائلا بغرور
- مين أنا !!
- اه، بما إنك مخطوبة وكدا فأكيد خطيبك بيغيير بقي وكدا
صمتت قليلًا ثم قالت بكذب
- رامي طبعا بيغيير بس عارف يغيير من مين و امتى
أشارت بسبابتها قائلة بغطرسة
- أنت مثلا تفتكر ممكن يغيير منك ؟ طبعا لأ
رد" نوح" بذات النبرة وقال
- طبعا مش ممكن يغيير مني، ليه شايفاني ملزق زيه .
يتبع