-->

الفصل الحادي عشر - عقوق العشاق

 



الفصل الحادي عشر 


طالعها لعدة ثوانٍ قبل أن يكظم غضبه الشديد من ردها غير المتوقع، حاوط مؤخرة رأسها وقال بهدوء شديد

- رُبى حبيبة بابا نبقى نتكلم في الموضوع دا بعدين ممكن

- بابا بس

- عشان خاطري ياروبي خلينا نفرح بخروجك بالسلامة

- حاضر يا بابا

 

تقابلت عيناها مع عيناه في مرآة السيارة، طال النظر إليها لم يحدثها بكلمة واحدة، ولكن نظراتهم كانت كفيلة أن تتحدث عن كل شئ .

تابع قيادته متجهًا إلى بيت العائلة لكنها رفضت هذا وطلبت من والدها أن تعود إلى بيت الأنصاري، لم يعد يعرف كيف يرضيها لترضى ولكن الوضع لا يحتمل المناقشات أو الاعتراض على الأقل في الوقت الحالي.

لبى لها رغبتها وعادت إلى بيت جدها الذي استقبلها خير استقبال،  جلسوا في الحديقة حتى موعد تناول وجبة السحور،  كانت مفعمة بالحيوية والنشاط هذه هي الفتاة الجميلة الشقية التي يعرفها والدها والجميع أيضًا، لأول مرة يشعر " نوح" بالغربة لايعرف لماذا شعر بهذا الآن ربما لأنها تعافت وتجاهلته كعادتها أم لأنها نست ماحدث بينهما، حاول أن يتظاهر بأنه طبيعي وتناول وجبته ثم اعتذر ليغادر،  استوقفته " رُبى" قبل أن يغادر ونادته بصوته الرقيق الذي كان يتوق شوقًا له

- نوح، نوح لحظة من فضلك

 

ارخى جفنيه قبل أن يستدار بجسده كله لها وقال

- اتفضلي يا رُبى

 

نظرت حولها وهي تقترب منه شيئًا فشيئًا وقالت

- أنا عرفت كل حاجة و

 

فرغ فاه ليتسأل عن كيف عرفت ماحدث، رفعت كفها وقالت بهدوء

- بابا رامي جه المصحة وحكى لي كل حاجة، أنا بس عاوزة اسألك سؤال واحد

 

بلع لعابه وقال بهدوء عكس الضجيج الذي يعم قلبه

- اسألي يا رُبى

 

سقطت دموعها وقالت بمرارة

نوح ابوس ايدك بلاش يعرف بحكاية ساندي دي لو عرف هايروح فيها أنا مش عارفة أنا عملت كدا ازاي وليه ولا حسيت بنفسي وأنا بعمل كدا،  مستعدة اعمل لك أي حاجة أنت تطلبها  بس بابا بلاش يعرف

 

لاحت إبتسامة باهتة على ثغره وقال بهدوء

- متقلقيش يابنت عمي،  أنتِ زي الفل ونصيحة مني متسمعيش لحد مين كان يكون

 

ختم حديثه وقال بإبتسامة عريضة

- حمد لله على سلامتك وتصبحي على خير يا ست البنات

 

غادر المكان قبل أن تسأله أي سؤالًا آخر،  تحامل على نفسه وغادر المكان،  رغم تنبيهات عمه بأن ينتظره، لكنه لم يكترث لعمه أو تعليماته هذه الليلة، مالذي تريده " رُبى" على وجه التحديد، لماذا تسعى للصلح مع خطيبها السابق، استقل سيارته وعاد إلى بيته وعائلته

وعادت هي إلى عائلته وقلبها مطمئن بأن ابن عمها لن يخذلها كما اعتادت منه دائمًا.

 

بابا اقنع ماما تسبني اكمل باقي شغلي و انزل مصر بعدين

 

قالها " صهيب" وهو يخرج من حجرته حاملًا حقيبة رياضية على كتفه، و في اليد الأخرى ممسكًا هاتفه وبعض متعلقاته الشخصية، وقف أمام والده الذي كان جالسًا على مقعده في حديقة المنزل واضعًا ساق فوق الأخرى وبين يده جريدة مصرية تتحدث عن عابد وابنته،  تركها فوق سطح الزجاجي للمنضدة، وقال باستفهام

- يا ابني هو انا مش بعت لك 10 الف دولار معاها امبارح عشان تقفل الجيم و تعوض الخسارة ؟!

 

رد " صهيب " قائلًا بكذب

- 10 الف ايه يا بابا معلش انا كل اللي اخدتهم منها هما 2000 بس 

والباقي راح فين ؟

معرفش اسألها بقى

 

ضربته وهي تلج الحديقة حاملة القهوة المُرة لزوجها والعصير الطازج لابنها، جلست وقالت بعدم فهم

- صوتك عالي ليه ياواد أنت الجيران هايطلبوا لنا البوليس

 

تجاهل " سلطان" سؤالها وتغطيتها المتميزة على الأمر وقال بهدوء

- فيروز هو صحيح أنتِ اديتي لـ صهيب 2000 دولار و قلتِ له يقفل الجيم على كدا ؟

-الكداب دا واخد مني خمسة  هو بيعمل عليك مصلحة من ورايا

اه لأ دا واضح إنكم متفقين بقى عليا

 

انا يا عم ماتفقتش مع حد على حاجة بص يا سلطان وديني على بيت ابويا اعيش مع امي وولاد اخواتي في

وبالنسبة للفلوس اللي اخدتيها من ابنك ؟

لأ دي تمن خدمتي ليكم السنين اللي فاتت ومطمرش فيك انت وابنك

معلش أنا تعبي وشقاي عند ربنا

 

شاح بوجهه تجاه المسبح وقال بخفوت من بين شفتيه

- مش هتتغيري أبدًا

 

عاد ببصره لابنه وقال بجدية

- خلاص يا صهيب شوف محتاج كام وأنا هادفع لك ملكش دعوة بمتامتك، بس المهم تخلص النهاردا شغلك عشان تنزل مع مامتك مش هاسيبها تنزل لوحدها وأنت موجود طبعًا

 

ابتسم ملء شدقيه وقال بجدية مصطنعة

- هحاول الم الدنيا بحاولي 20 الف

 

ردت والدته وقال بغيظٍ

- الواد دا استغلالي يا سلطان وبيكدب أنا عارفة كل حاجة عنه وشغله اللي متبقي مش هايجيب 5 الف زي اللي خدهم

 

كاد أن يتحدث لكن قاطعه والده وقال بهدوء ليفض النزاع

- مش مشكلة هو كدا كدا نازل مصر ومحتاج فلوس معاه اللي يتبقى منه يخلي لمصر، ولو احتاجت أي حاجة أنت عارف هتعمل إيه

- ربنا يخليك ليا يا أجمل سولي في الدنيا كلها

- اه خلاص فيروز راحت عليها بعد ما كانت تقوم الفجر تحضر لك الفطار والعصير وياريته عصير سخن كنت قلت ليك حق تقسى عليا إنما دا عصير متلج يبرد قلبك بعد التمرين

 

جلس " صهيب " جوارها وقال بحنو وحب

- دا أنتِ الخير والبركة يا روزي

 

ربت " سلطان" ربتات متتالية على كتفه المتحضن لزوجته وقال بنبرة تملؤها الغيرة لكنه حاول إخفائها

- قوم اتفضل هتتأخر على شغلك، ولما ترجع بالسلامة ابقى حب واتغزل براحتك

 

وقف " صهيب" عن الأريكة وقال بجدية

- أنا اتأخرت فعلا،  مامي جهزي نفسك لأن الطيارة بتاعتنا كمان كام ساعة

- روح بالسلامة وإن شاء الله ترجع تلاقيني جاهزة

 

ودعها ثم مال بجذعه العلوي ليطبع قبلته المعتاد على وجنة والده وهمس بجانب أذنه

- اتصالحوا بقى البيت بيبقى وحش وإنتوا زعلانين مامي بتحبك يا بوب

 

طالعه والده من أسفل عويناته، أومأ له علامة الإيجاب وقال لأبيه

- تربيتك يا بوب، سلام

 

رد والده وقال بإبتسامة ساخرة

- دا تربية فيروز وأنت الصادق

 

لم تعيره أي اهتمام وعادت لجلستها المعتادة بعيدًا عنه لكنها بالقرب من يسار صدره،  تناول القهوة المُرة في صمتٍ تام، بينما هي جلست تنظم المزهرية،  وضع القدح امامه وقال

- ياريت لما توصلوا بالسلامة تتطمنني عليكم

 

ردت بنبرة مقتضبة قائلة

- صهيب يبقى يكلمك تليفوني بايظ

 

تابعت بجدية وهي تشدد على حروفها لتذكره بفعلته وهي تقول

اصله اتكسر ولا أنت نسيت مين كسره

 

مد يده خلف ظهره ليأتي بهاتف جديد،  طلبه من ابنه يبتاعه له ليُعد لوالدته مفاجأة،  انتقى لها أفضل هاتف واعطه لابيه مع باقة صغيرة من الزهور الچوري،  التي تنظمها الآن وضع نصب عيناها الهاتف وقال بعتذار

- متزعليش مني كنت متنرفز بس بسبب ضغطك عليا  عشان تنزلي مصر

 

تناولت هاتفها الجديد وتقلبه يمسنًا ويسارًا ثم نظرت له وقالت بجدية مصطنعة

- هو مش زي القديم بس مشكلة، اهو احسن من مافيش.

 

لاحت إبتسامة خفيفة على جانبة ثغره، نظر لها وقال بحنو وحب

- ربنا يخليكِ لينا ياروزي

 

ردت بجمود قائلة

- متحاولش تأثر عليا أنا قلبي قاسي، قاسي اوي كمان.

 

بعد مرور. أسبوع كامل، لم يحدث فيه شيئًا جديد يذكر سوى زيارة عابد لابنته بانتظام في بيت جدها، علم أن خطيبة ابنه السابقة وافقت على الزواج من ابن عمها،  بارك لها وتمنى لها السعادة من كل قلبه، أما " ريان" رغم اعتراضه الذي جاهد في إخفائه إلا إنه تظاهر بالسعادة لاحفاده،  كانت زوجته على حق بل كل الحق حين قالت له يتمهل في الموافقة ولكن مالذي عليه فعله وهو يرَ " تاليا" توافق وتخبر الجميع بهذه الموافقة، يالها من مسكينة توافق لتنسى ما حدث لها،  كانت جالسة في غرفتها تتذكر آخر مرة تحدث فيها

"تيم" عن حياتهم سويًا عن احلامه الوردية عفوًا أحلامها هي،  شاحت بوجهها تجاه النافذة وعلى ثغرها إبتسامة باهتة ساخرة تاركة لدموعها العنان سقطت دموعها بغزارة على وجنتها حين تذكرته يقول

بس أنا هتجوزها ياجدو

 

أنت بتعاندني يا ولد

لا أنا بعرفك بس إن تاليا ليا أنا وبس وأي حد اي حد يفكر ياخدها مني يبقى كتب على نفسه الموت

 

وتفتكر أنا بقى هطمن على بنت ابني معاك دا انا خايف على وتين بنتي اللي هي امك من نظراتك دي أنت يا واد انت أنت طالع جاحد كدا لمين

 

ليك ياجدو

أنا ياقليل الادب

مش أنت قلت لي اللي يجي علي حق من حقوقك ماتسبوش غير لما ترجع حقك

وتاليا هي حقي من الدنيا

اه بس انا بقي قلت م هتتجوزها وابوها ساب لي حرية القرار وأنا بقلك م هتتجوزها وهي كبرت في دماغي  واللي عندك اعمله

 

أنا اللي عندي كبير اوي

هتعمل إيه يعني هتخطفها ؟

لأ هاجيب لك تيتا جميلة وهي هتعرفك إن تيم لتاليا وتاليا لتيم من يوم ماعينهم فتحت ع الدنيا

ليه يا تيم ياحبيبي بتقفش كدا أنا بهزر معاك إيه محدش يهزر معاك ابدا كدا

هزر في اي حاجة إلا جوازي من تاليا عشان دا موضوع منهي

 

عادت بذاكرتها للواقع وهي تكفكف دموعها سريعًا قبل أن تأمر الطارق بالدخول، ولجت جدتها بخطواتها البسيطة وعلى ثغرها إبتسامة واسعة جلست على حافة الفراش ثم مسدت بيدها على ظهر يدها وقالت

- مبروك يا تولي

 

ابتسمت " تاليا" وقالت بإبتسامة باهتة

- الله يبارك فيكِ يا تيتا

 

تابعت بتساؤل قائلة

- هو ليه جدو مش موافق يا تيتا نتجوز أنا وساجد ؟!

 

ردت جدتها بعقلانية

مافيش يا حبيبتي حد بيتجوز بين يوم وليلة

- ايوة يا تيتا الكلام لو حد مننا مش معاه فلوس لكن احنا الحمد لله مرتاحين ماديًا جدًا ونقدر نتجوز عادي

- طب ما هو جدك مرتاح جدًا ماديًا وانا أمي كانت مخلصة كل جهازي ويادوب حاجات بسيطة ماخدت مني يومين تلاتة وخلصتهم بس قعدنا ست شهور خطوبة ودي مدة مش طويلة بس كفاية عشان نتعرف على بعض كويس

- يا تيتا الزمن غير الزمن وبعدين أنا ساجد عارفين بعض كويس مش....

 

ردت جدتها مقاطعة بهدوء قائلة

- بصي يا تاليا  أنتِ عارفة ساجد ك ابن عمك لكن ك زوج وحبيبي لأ، دي حاجة والحاجة التانية والأهم ماينفعش نستعجل في الموضوع دا بالظبط ونقول يلا نتجوز، انا فاهمة ليه عاوزة تعملي كدا

 

ردت " تاليا" بتعلثم وهي تشيح ببصرها للجهة الأخرى وقالت

- ايه يا تيتا حضرتك بتقولي إيه أنا

 

ربتت على يدها وقالت بعقلانية

- انا فاهماكِ يا تولي، عاوزة تتجوزي بسرعة عشان تقولي ل تيم ابن عمتك أنا اهو اتجوزت قبلك وواحد بيحبني والكلام دا

- تيتا

- مافيش تيتا أنا كنت  شابة في سنك وشفت البنات بتعمل اكتر من كدا بس لا دي اخلاقنا ولا تربيتنا ولا أنا ربيتك على كدا، مش عشان تنتقمي لكرامتك تتدوسي على كرامة ابن عمك واللي المفروض هيبقي جوزك ابوعيالك لو حابة ساجد بجد حافظي على كرامته لأن كرامته من كرامتك، ارمي اللي حصلك ورا ضهرك وعيشي وبس لحياتك مش تتدخلي شغل الغيرة في حياتك صدقيني يا تولي م هاتستفادي أي حاجة غير إن قلبك هيوجع وبس

 

وقفت " جميلة" عن حافة الفراش وقالت بإبتسامة خفيفة

- انا هاقول لريان إننا هنعمل خطوبة تاني يوم العيد وكتب الكتاب هيكون يوم الفرح، ربنا يسعدك يا بنتي ويقدرك وتسعدي ساجد لأنه يستاهل بجد  حد جميل زيك

 

غادرت "جميلة" الغرفة تاركة حفيدتها تفكر في حديث جدتها، ربما تكن على حق بل كل الحق، ولجت غرفتها أخيرًا بعد أن اطمئنت على احفادها،  كان في انتظارها يريد أن يخبرها ما حدث له في يومه ويشاركها افكاره

جلست أخيرًا على حافة الفراش ثم دثرت نفسها وهي تخبره قائلة

- أنا خلاص خلصت الموضوع مع تاليا

- يعني وافقت تمشيها خطوبة ؟!

- اه وافقت ولو كانت مش موافقة مكنتش هاخليك تمشي كلامها بردو

- انا م شعاوز ازعلها و

- لأ ياحبيبي زعلها هي مرة احسن تزعل من قرارتها المتسرعة الف مرة

 

تنحنح وهو يحك مؤخرة رأسه قائلا بتردد

- طب أنا عاوز اقولك على حاجة

- إيه الادب اللي نزل عليك مرة واحدة دا ما تقول على طول

- طب اوعديني إنك هتساعديني

- مش لما اعرف الاول

- طب اوعديني الأول

- يا رب صبرني ماشي اوعدك قول بقى

 

تنحنح وهو يتعدل في جلسته وقال بهدوء

الواد ابن وتين منه لله قالي ياجدو أنا هعزمك على الفطار مع صحابي  قامت خدتني الجلالة وقلت له تعزم مين ياواد أنت محدش هيقوم بالعزومة دي غيري

 

نظر لها وقال بتوجس

- جميلة أنتِ نمتي ولا إيه ؟!

- لأ، بسمعك كمل كلامك

- طلع مش عازمني أنا وبس ولا أنا هعزمه هو بس لأ دا هو وصحابه والمفروض بكرا هيفطروا عندنا

 

حكت " جميلة" رأسها وقالت بجدية

- عيد اللي قلته تاني عشان سرحت في نص الكلام

 

رد " ريان" بجدية قائلا

 

جمعة أنتِ قلتِ هتساعديني ساعديني بقى

 

أنا نفسي مرة تيجي قبل المصيبة مش بعدها

طب خلصي المشكلة اللي وقعت نفسي فيها دي

 

بصي أنا قلت للعيال إن هعمل افطار جماعي وسحور كمان وكنت فاهم إن هما هيقولوا لأ هنفطر برا زي كل سنة بس الشيطان اللي تيم

قرر يفطر هو وصحابه  قلت وماله تلاقي جاب واحد ولا اتنين  طلع جايب 150 فرد ولما سألته مين دول قالي دول جزء من شلتي الباقي طلع ع الساحل 

 

ولما أنت مش قد الكلمة بتتسحب من لسانك  ليه ؟

 

صارحني وقل لي تيم وعدك بإيه وأنت وافقت كدا بسهولة

 

احنا نسبنا من المصيبة اللي وقعت فيها ونمسك اتسحبت  من لساني ليه طب دبريني

إية رأيك  تعملي الأكل الحلو الجميل اللي محدش يقدر يقاو حلاوته ولا جماله و....

 

بقلك إيه أنت تاخد ابن بنتك وصُحبته الحلوة وتروحوا مائدة الرحمن اللي على أول الشارع احنا في العشرة الأواخر ومش عاوزة اضيع صيامي بقتـ ل حد إنتوا هتتدخلوا الجنة وأنا في النـا ر من تحت راسكم

--

في عصر اليوم التالي

 

كانت جالسة على المقعد الخشبي الموضوع في وسط المطبخ، تقوم بتقطيع الخضراوت وجوارها " رُبى" تسرد لها ماحدث في فرنسا، الوحيدة التي تحكي لها أسرارها وهي خير صديق للجميع، كانت " وتين" تعتمد عليه في كل شئ ولكن بداخلها دور لا تعرف لماذا لا تعيشه مع ابنتها، كانت تريد أن تكون هي بئر الأسرار وليس والدتها ولكن " عابد" كان يخفف من حزنها معللًا أنها مادامت بخير لا داعي للقلق، تركت " جميلة" السكين وقالت بخفوت

- احنا ملناش دعوة بكلام ابو رامي، وحتى لو أنتِ لسه مراته فعلا قضية خلع من اتنين جنيه ونرميهم بطول دراعنا ولو فاكر إن هو راجل فـ احنا ارجل منه ولو على المحاكم احنا ننام على السلالم ونرمطهم فيها احنا اه عايشين في فلل وبيتقالنا يابيه وباشا بس احنا اصلًا غجر ولينا في المشاكل

 

لم تستطع " رُبى" كبح ضحكاتها أكثر من ذلك

على حديث جدتها،  تعشق كلامها وطريقتها في التعامل مع الآخرين،  تابعت ما تفعله لتُنهي الوجبات قبل الآذان،  دام الصمت لثوانٍ ثم قالت " رُبى" بتردد

- تيتا أنا عاوزة اروح عند تيتا ولاء

- روحي يا حبيبتي

- لألأ لأ خلاص مش عاوزة

- مالك يا روبي مترددة ليه ؟

 

طأطأت رأسها أرضًا وضعت جدتها أناملها أسفل ذقنها ثم رفعت وجهها لها وقالت

- أنا مكسوفة اوي ياتيتا، مكسوفة اشوف نوح ويفتكر اللي حصل ومش عارفة كمان مين يعرف غيره ولا عارفة هما هيتقابلوا معايا ازاي

- دي عيلتك يا روبي وبيحبوكِ متتصوريش كانوا هايتجننوا عليكِ ازاي لما رحتي فرنسا، وخصوصًا ولاد عماتك وولاد عمك روحي ياقلبي ولو حسيتي إنك مش محبوبة هناك تعالي لبيتك هنا تاني مع إني اشك إنهم يقابلوكِ وحش اصلًا

 

وقفت " رُبى" عن المقعد وخي تنضف كفيها في بعضهما البعض رفعت جدتها بصرها إليها وقالت

- على فين ؟

 

ردت " رُبى" بحماس

- هاروح افطر معاهم واعملهم مفاجأة

 

ابتسمت الجدة بسعادة لسعادة حفيدتها وقالت

- روحي يا حبيبتي وابسطتي بس اوعي تنسي مكانك الأصلي ولا تنسي حضننا

 

طبعت قبلة عميقة طويلة على خدها وقالت

- مستحيل يحصل يا احلى تيتا جميلة في الدنيا سلام عشان يادوب الحق اوصل

 

بعد مرور ساعتين 

 

كانت تقف على اعتاب باب شقة جدتها ولاء، تقدم ساق وتؤخر الأخرى، كان الأحفاد يركضون هنا وهناك ليعدون وجبة الإفطار، بينما كانت عمتها " فيروز " جالسة تسرد لهم عن مغامراتها مع السلطان،  أما " صبا" تشاكسها بحديثها وتطلب منها أن تزوجه بأخرى،  حالة من الصمت الشديد كانت تسود المكان ما إن تحدثت " رُبى" قائلة بخفوت

- عاملين إيه ؟

 

حالة من الهرج واامرج حدثت بين أفراد العائلة وهم يتدافعون ليصافحوها بحبور، كانت مترددة في بادئ الأمر ولكن بعد حفاوة استقبالهم عادت كفرد من أفراد العائلة من جديد، خرج والدها من شقته على إثر الضجة التي حدثت فجأة، وجدها تقف بين عماتها توزع قبلاتها الحانية،  خرجت من حضن عمتها متجهة لأبيها محتضنة إياه بقوةً شديدة وقالت بنبرة تملؤها الاشتياق

- وحشتني يا بابا

 

ربت على ظهرها بحنو وحب،  مرددًا بخفوت كلماته وتعبيره عن اشتياقه هو ايضًا لها،  وبعد استقبالهم الحار لها طلب منهم أن يتابعون مايفعلونه أما هي جلست في حضن ابيها في شقتهم تتحدث معه عن خجلها الشديد لمواجهة الجميع بعد أن علموها أنها تُعاني من مرض نفسي، رد باسمًا وهو يضع نصب عيناها بعضًا من الادوية المضادة للأكتئاب وقال

- مين قالك إننا مرتاحين نفسيًا، كلنا مرضى نفسيين، وانا اولهم اهو بتعالج من اكتئاب ودايما بروح للدكتور، ياحبيبتي المرض النفسي مش عيب هو مرض زي أي مرض بل بالعكس اهم واخطر من اي مرض عضوي، كلنا متأذين نفسيًا من أقرب الناس لينا بس بنحاول نعدي ونتجاوز الحاجات الصعبة دي عشان نقدر نعيش،  ماتبصيش وراكِ واتعلمي من اللي حصل لك وخدي درس، درس قوي كمان

 

طالعته في صمتٍ تام، بينما هو تابع حديثه وتحفيزه لها على تجاوز هذه المرحلة من حياتها عاجلًا وليس أجلًا

 

بعد آذان المغرب بساعتين تقريبًا

وضع " نوح" رأسه على فخذ جدته، يتحدث معها يمازحها ويشاكسها،  أما هي تتدلله ليرضى عن احفادها، مسدت بيدها المجعدة علي ظهر يده وقالت بنغج

- نوح يا نوح ياقلب ستك

- ادخلي في الموضوع على يا ستي

 

ضربته على ظهر يده وقالت بجدية

- نوح قوم اشتري الحاجة عشان نلحق نعمل الكحك فاضل أسبوع على العيد ولسه معملناش حاجة في  البيت

أنا مش هشيل الليلة لوحدي ياستي خلي ولادك يشيلوا معايا

 

وهو أنت اللي بتشيل دا معاشي ياواد يلا قوم بقى

معاشك إيه ياستي معاشك بتاخدي يوم واحد بيخلص يوم اتنين اسكتي خليني ساكت وولادك  البنات عاملين زي ما يكون أول مرة يلاقوا أكل

دا لولا إننا في رمضان كانو افترسوا الأكل ليل نهار دول خايفين يسيبوا حاجة لبكرا لحد يقولوا عليهم مأكلوش ساعة يا حرام

 

بس يا واد ملكش دعوة بعماتك فين ابوك وعمك ؟

-قعدين جوا بيحلوا مشكلة الشرق الاوسط

-ايه ؟!

-قصدي بيتكلموا يا ستي

-طب ناديهم

 

بعد مرور عدة دقائق

خلاص يا أمي بدل ما تعملي وتبهدلي البيت أنا هبعت اشتري جاهز

 

لا يا عابد بتاع البيت له فرحة تانية

خلاص يا ماما شوفي عاوزة مننا  إيه بالظبط وأنا هابعت نوح يشتري 

مش طالبة كتير كنت ناوية حاجات كدا على القد نوح  ابنك عمل حسبته وهو يعرفك 

بابا كل الحكاية لحد ما تيتا تقول خلاص مش عاوزة حاجة تانية 10 الف جنيه و500 بتاعت فطرة العيد اللي لب وفول وبونبوني

 

كم يا خويا ؟!!!

10الف و500 يابابا

 

مش معايا انا فكة دلوقت يا نوح ادفع ياعابد وابقى احسبك بعدين

 

خلاص يا نوح هات الحاجات وقولي حسابك كله كام وابقى ادفع لك

 

اتبري منهم ياستي واحنا في العشرة الأواخر كدا عشان الدعوة تستجاب

 

ربتت على ظهره وقالت بحزنٍ لحزنه

- متزعلش نفسك يا اخويا وحياتك لاخد لك حقك

--

بعد مرور يومين

 

كانت " ولاء" تختم صلاة العشاء، بينما خرج "نوح" من حجرته وقال بمرح

- يلا يا ولاء أنا جاهز

 

وقفت عن مقعدها وتحاملت على نفسها،  ثم قامت بسحب حقيبة بلاستيكية بها دوائها،  وضعت يدها في حفيدها وغادرت البيت،  استوقفها " عابد" متسائلا بفضول

- على فين كدا يا أمي ؟

- نوح هياخدني الحسين نسهر ونتسحر ونصلي الفجر وهنيجي على مش هنتاخر

- طب يا حبيبتي مش محتاجة حاجة ؟

 

ردت بتذكر وهي تبسط كفه له وقالت

- اه، فاتورة الكهربا جت الشهر دا ب 1500 هات 750

 

هبط " مالك"  وقال بجدية مصطنعة

- أنت لوحدك سحبت كهربا ب 750 ليه بتأكلها ولا إيه ؟

 

طبع قبلة حانية على ظهر يد والدته وسألها بفضول وهو ينظر لحقيبتها البلاستيكة

- على فين يا أمي بشنطتك دي ؟!

 

ردت بجدية وهي تسبه أمام ابنه سبابها اللاذع دون أن تعي أنه اصبح أب ويجب عليه أن توبخه بينها وبينه وليس علنًا أمام ابنائه ولكن ما الفائدة وهي تنفذ ما في رأسها، لم تكترث لطلباته وقالت

- يلا عاوزة امشي هات 750 حق الفاتورة

- طب عابد وبيقعد عندك على طول انما أنا بقى ادفع ليه ؟!

- عشان ولادك بيقعدوا عندي وأنت إيه وولادك إيه

- خلاص خلي نوح يدفع

- ملك دعوة بنوح دا غلبان ومش لاقي يأكل

 

ربت " نوح" على كتفها بحنانٍ ثم قال بامتنان

- ربنا يخليكِ لينا يابركة

 

رد والده وقال بنبرة مغتاظة

- حنن يا اخويا ما هو أنا كدا موعود دايمًا

 

تابع بجدية قائلا

- ماما أنا لسه هاقبض خليني الشهر الجاي ولا اللي بعده وبعدين هنروح من بعض فين يعني

 

أومأت برأسها علامة الإيجاب ثم تركته بعد أن قالت بهدوئها المريب

- وماله ما التكية اللي بتأكل فيها إنتوا وعيالكم ماشي

 

ظن أنه فلت من فاتورة الكهرباء لكنه لم يتوقع نهائيًا أنها تضرب ولا تبالي،  ولج شقتها يصنع قدحان من القهوة له ولأخيه،   خرج من المطبخ وجلس جواره يستمع لتساؤلات أخيه وهو يقول بجدية

- أنت متأكد إن الحاجة أم عابد هي اللي جت لك وطلبت منك كل الطلبات دي ؟!

- والله يا دكتور هي اللي جت بنفسها طلبت مني

- يا ابني مصدقك بس مستغرب إنها طلبت كل الطلبات دي بس هي قالت لك مين هيحاسبك ؟

- هي قالت لي ودي الحاجة البيت هتلاقي ولادي هناك هما هيحاسبوك

 

رد " مالك" وهو يرتشف رشفات من القهوة الساخنة

- ولادها مين ؟!

 

رد" عابد " ساخرًا من سؤاله العجيب وقال

- وهي عندها ولاد غيرنا

- اه في الحتة دي بالذات عندها كتير

 

نظر " عابد" للعامل الذي يعمل في احد محلات المخبوزات وقال

- هي ماقلتش لك حاجة تاني ؟

 

لا والله يا دكتور عابد هي الست والدتك، طلبت مني شوال دقيق 50 كيلو وكل حاجة تخص الحلويات  وقالت من احسن حاجة عندك ولما سألتها اكتب الفاتورة بإسم الاستاذ نوح زي كل مرة قالت لي لأ اكتب اتنين واحد باسم عابد ابني والتاني باسم مالك ابني

وابعت لكل واحد فاتورته وهو يدفع لك عشان انا ونوح  مسافرين يومين وراجعين

 

رد "عابد"  بنبرة حائرة وقال

- طب والعمل ؟!

 

رد " مالك " وكأن الأمر غاية في البساطة

- ادفع له ياعابد عادي يعني

 

ابتسم له وقال بجدية وهو يخبر أخيه

تمام مافيش مشكلة خليك ياابني هنا هاروح اجيب لك 4000 جنيه وخد الباقي من اخويا

 

فرك كفيه ببعضهم البعض وقال

- باقي الفلوس يا مالك باشا ؟

- يا ابني بيقولك اخوه هو مش أنا ؟

 

في منطقة الحُسين كانت الجدة جالسة بين احفادها تسرد لهم عن خطتها الشيطانية التي فعلتها لتثأر لحفيدها،  تناولت  الحلوى وهي تقوم بتقليد ردة فعل ولديها بعد ما حدث،  قهقه الجميع على حديثها ومحاولاتها البائسة لكنها نجحت في رسم البسمة على شفاه الجميع،  تنهدت بإرتياح شديد وقالت

- ربنا يديم لمتمكم الحلوة دي يا ولاد وتفضلوا دايم في ضهر بعض أنا لو مُت دلوقت هاكون مطمنة عليكم و

 

ردت " ملك" مقاطعة بسرعة

- بعد الشر عليكِ يا تيتا ماتقوليش كدا

- الموت عمره ما كان شر يا ملك، وبعدين أنا خلاص جوزت عيالي وشفت عيالهم وكمان عيالهم بقوا على وش جواز هاعوز أكتر من كدا إيه ؟!

 

طبعت " رُبى" قبلة خفيفة على كتف جدتها وقالت بعفوية شديدة

- استني لما اتجوز و تشيلي ابني يا تيتا

 

تابعت بمشاكسة

- ولا أنتِ عاوزة تهربي من السبوع بتاعه، بابا قالي إنك عملتي سبوع لكل واحد فينا هاتيجي على ولادي وتهربي يا لولو

 

ضحكت الجدة ثم رفعت اكفافها للسماء وقالت

- ربنا يديكِ ويراضيكِ يا رُبى يا بنت وتين

 

ردت "ملك" وقالت بحزن مصطنع

- وأنا يا تيتا ادعي لي

 

تبعتها " تولين وصبا" بنفس الجملة،  ليرد عليهن الشباب قائلين في آن واحد

- واحنا كمان يا تيتا

 

ابتسم لهم جميعًا وقالت بحنو وحب

- هادعي لكم واحد واحد عند الكعبة وجبل عرفة  إن شاء الله

 

سألتها "رُبى" وقالت بحزن مصطنع

- خلاص يا تيتا هتسافري ؟

 

اجابتها بسعادة وقالت بحنو وحب

- اه ابوكِ الله يستره دنيا وآخرة هايخليني احج

 

دمعت عيناها من فرط السعادة وقالت

- ربنا يكتبها لكم يا ولاد،  دي جت لي بعد عمر طويل

- ليه يا تيتا ماهو كل سنة بتعملي عمرة إيه الفرق ؟

- لا الحج حاجة و العمرة حاجة تاني،  كل سنة كنت بشوفهم على الجبل واعيط واقول يارب اكتبهالي ولو مرة واحدة في عمري

 

سألها " تيم " بفضول قائلا

- ليه يا تيتا مقولتيش لبابا تطلعي حج بدل عمرة

 

اجابته قائلة بحنو وحب

- يا ابني ابوك كتر خيره بيطلعني كل سنة عمرة اقوم أنا ببرودي اقل له لا حجة ومصاريف الحج غالي وكل سنة بيغلى

 

رد " نوح" بحنانٍ بالغ

- كنوز الدنيا كلها تحت رجلك يا تيتا

 

طالت الحديث حتى مطلع الفجر، انقسموا إلى نصفين ليقوموا بأداء صلاة الفجر، بعد مرور نصف ساعة التفوا مرة أخرى حول المائدة وتحدثت الجدة من جديذة عن ماحدث ومايحدث وما سوف يحدث، حتى شروق الشمس .

 

--

بعد مرور يومين

ولج "نوح" الشرفة  وبين يده ورقة بيضاء، جلس على المقعد المقابل لمقعد " تولين" وقال بإبتسامة واسعة

بنت عمتي الغالية اللي مليش في الدنيا بعد ربنا غيرها

 

نوح ريح دماغك مش هظبط لك الشقة اقل من 5000 جنيه

 

ليه 5000 دا انا كنت ناوي امشيها معاكِ بالحب كدا وكل شهر اديكِ 100 جنيه

وفرها احسن مش جايبة همها وبعدين انا محتاجة صانيعية كتير

 

متشغليش بالك عندي أنا الصانيعية عندي

مين دول ؟

 

صبا ورُبى وملك اختي عشان غضبانة من جوزها

 

ردت مقاطعة منربين ضحكاتها متسائلة

- ومين جوزها دا بقى ؟!

 

اجابها بمرح وهو يرتشف رشفات سريعة من قدح قهوته

- بابا ماهي اتجوزته على ماما

 

تابع بجدية مصطنعة وقال

- متشغليش بالك أنتِ بس بأمور العيلة هخليها تساعدك وهاجيب لك كمان، تيم وصهيب ومراد وشاهين اخواتك

ايه مستحيل طبعا أنت كدا بتهزر هما دول الصانيعية دول هيسلموك الشقة في سنة يا ابني دول بيدلعوا

 

دي لعبتي يا بنتي  يلا بس أنتِ تعالي معايا نجيب الحاجة

 

بعد مرور ساعات استطاع من خلالها " نوح" أن يبتاع اغراضه، وتحفظ على جميع هواتف الاحفاد بلا استثناء،  وغلق كل ما يمكنهم أن يأكلونه  في شقة الجدة،  نقل جدته في شقة ابنها " عابد" مع اولادها ليتبادلون اطراف الحديث،  أما هو جمعهما صفًا واحدًا وبيده عصاه رفيعة ليأدب كل من تسول له نفسه أن يعترض  عن قرارته،  تحدث بصوتٍ مرتفع قليلًا قائلًا:

- طبعا الجوع قرصكم ومش لايقين حاجة تاكلوها وهو دا المراد

 

رد " مراد" بمللٍ وقال

- نعم !

لأ يا حبيبي اقصد المراد بتاعي

 

تابع " نوح " بجدية قائلا

 

هنمشي قسمت العدل وفي البيت هنا البنت زي الولد مش كمالة عدد

وعشان كدا قسمنا العدد لفريقين،  الفريق الأول ينضف الشقة وينزل الدهانات القديمة وأنا اسف اني بقول عليها قديمة مع انها بقالها سنة بس نقول ايه الله يسامحها ستي بتحب التجديد وهاتجلطني قريب  بس يلا كله فداها وعشان عيدها قرب قررت انا بصفتي الكبير فيكم

 

ردت" رُبى" مقاطعة بصوت مرتفع علها تنجح في أن تُشعل شرارة الثورة في البيت وتخترق قوانينه الخاصة تلك

- كبير ايه اومال مراد وملك دول بيعملوا ايه ؟

- دول في الشهادة يا رُبى هانم ثم هو حد قالك تتكلمي ؟

لا

يبقى تخرسي خالص

 

المهم نخلص بسرعة الشقة ونفرشها عشان العيد يوم الخميس وكل ما كنتوا حلوين وبتسمعوا الكلام كل ما افرجت عنكم و سمحت لكم تأكلوا

 

أنا مش هاحط ايدي في حاجة وهدفع تمن اي حاجة أنت عاوزها ودول مبلغ  مقدم

 

اردف " صهيب " جملته معترضًا علي تلك التحكمات العجيب واقفًا عن مقعده معبرًا عن غضبه الجم،  طالعه " نوح" من رأسه حتى اخمص قدميه ثم تناول منه المبلغ المادي وقال بنبرة تحمل بين طياتها السخرية الشديدة

سقفوا لـ صهيب باشا يا ولاد دفع فلوس عشان مايبهدلش ايده هي رشوة وانا مبقلش الرشوة بس ستي هتزعل لو الفلوس رجعت وانا مبحبش ازعل ستي ابدا عشان كدا هنجدد السفرة والصالون بما إن العدد زاد وبقيتوا زي المجاعة ومش ملاحق عليكم

 

ودلوقتي  كل واحد يروح يعمل المطلوب منه

 

مازال الجميع مكانه لم يتحركوا قيد أنملة، أما هو ذهب لعمله داخل غرفته ليزيل الدهانات القديمة  بدأت مجموعة البنات تتحرك شيئًا فشيئًا بعد أن فشلتا في كتم الآلم معدتهم أكثر من ذلك،  أما الشباب فكان تحملهم اقوى قليلًا ولكن بالنهاية تفرقوا لينهوا مرحلتهم الأولى

 

بعد مرور ثلاث ساعات كاملة من العمل المتواصل في غرفته انتقل للمطبخ ليُعد قدحًا من القهوة حتى يواصل العمل بمزاجًا رائق، وجدها تبحث عن أي طعام خارج البراد الذي قام بقفله بمفتاح اعد خصيصًا له، نظر سريعًا للخارج ثم عاد ببصره لها وقال من بين اسنانه

- أنتِ بتعملي إيه ؟

- نوح والله أنا جعانة اوي سبني اكل

- اختك هتزعل مني وهاتقول عني بفرق برا المطبخ يلا

)عشان خاطري يا نوووح

طب خدي التفاحة دي بس ولو حد سألك قولي سرقتها

حاضر

نوح

نعم

شكرا

طب خدي الموزة دي كمان

أنت بجد جدع اوي

 

بقل لك ايه صبا لو شافتك كدا هتعمل مني كفتة    اخلصي بقي عاوز اشوف اللي ورايا

طب روح أنت وأنا هاخلصهم وجاية

 

لأ يا ماما احسن تخلصي الاكل من ورايا اخلصي بسرعة بقى انا هاقف ارقبك وهعمل نفسي مش واخد بالي منك عشان لو اتقفشنا

 

كانت عيناه تسترقان النظر إليها كلما سنحت له الفرصة، عادت " رُبى" التي يعرفها حقا تلك الفتاة النقية الجميلة، كم اشتاق لها ظل يناجي ربه أن يكتب له العيش معها ولو لأيام معدودة

رغم أنه لايعرف لماذا دعا بهذا إلا إنه ندم ندمًا شديدًا حين أ‘علم أن دعوته ربما تستجاب كما دعا بها، تنحنح وعاد يذكر نفسه قبل أن تذكره أن الوضع الآن لايسمح له بالتفكير فيها

 

تركها وخرج من المطبخ يجر خيبات الأمل  خلفه سار بخطوات هادئة دون أن يلتف خلفه حتى .

 

قبل السحور بساعة تقريبًا

 

ترك " مراد" مافي يده وهو يزفر بحنق وراح يقول بضيق

 

يا نوح والله حرام عليك أنا بقالي خمس ساعات شغال و مأكلتش حاجة من الصبح

 

خلاص  صعبتوا عليا يلا نأكل وبعدها نرجع نكمل

لا خلي النهاردا استراحة وبكرا

إيه رأيكم في كلام مراد يا ولاد أنا ديمقراطي  وبحب  اخد بالاصوات

موفقين

وأنا مش موافق غير لما تنضفوا الشقة ولا عجباكم المهزلة دي  وبعدها رُبى تلم الاكل وتغسل المواعين وكل واحد فيكم يخلص باقي شغله

 

أنا اعترض بقى

 

على إيه  يا مراد افندي

ليه ربى تاخد اسهل حاجة في البيت واخنا يظلع عيننا في باقي الشقة

 

أنا طلبت رأيك ؟

لأ

يبقى تخرس خالص، وبعدين إنتوا مش فاهمين حاجة يا عيال اتعبوا دلوقتي ترتاحوا بعدين

 

ضق صدر " شاهين" وهو يقول بضجر

- وبعدين دا هيجي إمتى ؟

 

رد " نوح" بجدية مصطنعة

- مش عارف بس شتك دايما بتقول وستك عمرها ما تقول حاجة غلط عندك أنا مثلا بتعب بتعب ولسه مجاش بعدين بس اكيد جاي يلا يا سكر منك لي خلصوا على ما البنات تحضر الأكل

 

بعد مرور نصف ساعة

 

نظمت الفتيات وجبة السحور بشكلٍ سريع،  بينما وقف الشباب يرتبون الأرضية لوضع الأطباق انتهوا من وضع الطعام،  التفوا حول الطعام على شكل دائرة، مد "مراد" يده وقال بتحذير واضح وصريح

- اقسم بالله اللي هيمد ايده ويشيل الأكل لاخلي يتحاسب مع الأموات محدش يشيل الأكل من قدامي محدش ضامن هنأكل إمتى تاني أنا بقول اهو

 

تناولوا وجبة السحور بطريقة غير المعتاد عليها من أنفسهم،  لقد تضور معدتهم جوعًا،  أما " صهيب " اكتفى بوجبته المعتادة حتى لا يأذي معدته ويدمر جدوله الغذائي، تناقضت معه " صبا" كانت تتناول كل ما تستطيع اكله عاملة بنصيحة " مراد"  تركت الطعام بعد ساعة تقريبًا وهو تصرخ من فرط آلام معدتها

- آآآه مش قادرة لأ كفاية بجد

 

ردت " ملك" وقالت بذات النبرة المنهكة وهي تنظر لأخيها

- منك لله يانوح جوعتنا وبسببك كلنا زي الحيوانات

 

رد " نوح" وقال بجدية

- متظلميش الحيوانات ياحبيبتي أنا عندي مجموعة لو جبت لها إيه بتأكله إنما إنتوا زي ما تكونوا بتأكلوا استخسار وكأن الأكل دا ملوش أهل يسألوا عليه الناس بتأكل عشان تعيش مش عايشة عشان تأكل

 

أومأ " شاهين " برأسه علامة الإيجاب وقال

بفم ممتلء

- عندك والله يا نوح إنتوا عيلة عجيبة عحياتها كلها في الأكل وبس

 

نظر له وقال بنبرة مغتاظة

- ارحم نفسك شوية إيه دا كله.

 

رد " شاهين" وهو يرتشف العصير

- بغذي نفسي ياجدع أنا باجي هنا بفقد شهيتي

- يا راجل قول والله ؟!

 

كانت " صبا " مازالت تتألم من الآم معدتها، وقفت عن الأرض وجلست على حافة سور صغيرة في الردهة تتحسس معدتها من التعب،  تفاجأت به يمد يده لها بكوبٍ من الماء وقرصًا من عقاقير مخصص للهضم، ثم قال بنبرة مغتاظة مما فعلته بنفسها

- اتفضلي وياريت تخلي بالك من اكلك متبقيش عاملة زي الجمل بيخزن أكل وبس

 

تناولت منه وقالت بتعب واضح على وجهها

- والله ياصهيب كنت جعان والأكل طعمه تحفة الصراحة على العموم متشكرة

 

تناولت آخر قطرة ماء وهي تنظر له ثم نظرت لـ نوح وهو يتناقش مع شقيقتها  بصوتٍ مرتفع

 

يلا شيلي الأكل و اغسلي المواعين واعملي دور شاي للكل واعملي أنا قهوة

 

نوح ايدي واجعاني وكمان ضوافري هاتبوظ من المياة عشان خاطري بلاش أنا المواعين

 

لأ كله إلا قرارتي اللي باخدها مبحبش يناقشني فيها ابدا انجري يلا على المطبخ اعملي اللي قلت لك عليه

 

دبت " رُبى" قدماها ارضًا لأنها فشلت تؤثر عليه كما تفعل ابنة عمتها " تولين" سارت تجاه المطبخ تحمل ما تستطيع حمله من الأطباق وحمل هو الجزء المتبقي، وضعهم في حوض المطبخ وبدأ ينظم الاطباق لسهولة غسلها، يالها من محتالة استطاعت أن تضحك عليه بهذه الفكرة، سألته كيف تجلي الاطباق فبدأ يغسلهم هو وينظم ويضع الاشياء حسب ترتيبها، أما هي جلست على المنضدة الرخامية

في انتظار الشاي الساخن

 

طب ما أنت شاطر اهو وبتغسل المواعين مكانها اومال ليه عامل علينا الكبير

 

قالها " مراد" وهو يلج المطبخ ليعرف متى سيتم الإفراج عنه وعن هاتفه ليتفاجئ بـ نوح  يجلي هو الأطباق بدلا منها لم يجد ما يرد عليه به فقال كاذبًا

مراد يا حبيبي دي ضيفة واحترام الضيف واجب ولا عاوز ولاء تزعل مني

طب ما أنا كمان ضيف

لأ عيب ماتقلش كدا أنت صاحب مكان وكبير العيلة

حلو مش أنا كبير العيلة يبقى معملش حاجة

 

الله الله بقى إنتوا قاعدين هنا في المطبخ وسايبيني أنا اشيل البيت فوق دماغي أنا والبنات

 

دي مهزلة البيه مراد الكبير اللي بقول عليه كبير  دخلت اشوف رُبى بتعمل ايه لقيتها قعدة على رخامة المطبخ و هو هاتك ياغسيل مواعين

اتفضل يا بيه وأنتِ يا هانم انزلي من على الرخامة هتتكسر وكله يلا برا اظهار إني أنا تساهلت معاكم كتير بس معلش هاخد حظري بعد كدا

وربنا الواد دا كداب يا صهيب

 

اخرس دا أنا معرفش يعني إيه كذب

 

يتبع..