-->

الفصل الثالث عشر - عقوق العشاق

 


الفصل الثالث عشر


علمت عائلة المحمدي بأن ابنتهم " رُبى" انكسرت ساقهاوتم نقلها للمشفى، ومن المتوقع أنها سوف تخضع لعمل عملية بسيطة لتركيب شريحة وبعض المسامير،  كانت جالسة في المشفى حتى يتأكد الطبيب من حالتها الصحية قبل العملية، قامت العائلة بعمل زيارة عائلية لها دامت لساعتين كاملتين  انقضت بين الضحك والمزاح واحيانًا جدية مصطنعة،   هذه المرة الأولى التي تلتقي

" تاليا" بخطيبها السابق منذ فترة طويلة،  تعاملت بجدية شديدة بل على عكس ماتوقعته جدتها تمامًا جلست و تبادلت الحديث كأن شئ لم يكن، لو كان الأمر بيد " جميلة" لقامت من مكانها وعناقتها وقبلتها حتى تزهق روحها من فرط العناق والقبلات الحارة، هذه هي ابنتها التي ربتها حقا، أتى " ساجد"   وصافح " رُبى"  ثم حدثها قليلًا، جلس على مسند المقعد الخاص بـ" تاليا" بدأ بطبيعته دون أن ينظر لـ تيم،  لا يعتبره عدوٍ له ولكنه يشعر بالغيرة الطبيعية التي يشعر بها أي شخصًا آخر محله،  انتهَ اليوم وجاء موعد الرحيل نظر لحبيبته وقال بإبتسامته المعهودة

- يلا تولي

 

وقفت " تاليا" عن مقعدها وقالت بذات الإبتسامة وهي تتشبث بذراعه بيد وبالأخرى تلوح لإبنة عمتها بشماتة وقالت

- اسيبك بقى يا روبي عشان عندي خروجة حلوة قوي  هنخرجها أنا ساجد، اللي كنتِ هتخرجي معانا فيها بالعافية بس ياخسارة رجلك انكسـ رت

 

ردت " رُبى" بملامح تكسوها الحزن المصطنع وقالت وهي تشير بيدها لجدها محاميها الخاصة لدى العائلة وقالت

- شايف يا جدو بتغظني ازاي ؟!

 

ربت بخفة على خدها الأيسر وقال بحنو وحب

- متزعليش يا قلب جدو  بكرا تقومي بالسلامة وتخرجي في اماكن احلى منها الف مرة

 

تركت " تاليا" يد " ساجد " عند اعتاب باب الغرفة راكضة تجاه جدها احتضنت خديه بقوةً واضعة قبلة عميقة طويلة رغم أنف " رُبى" التي تعتبر جدها ملكية خاصة لا يجب التعدي عليها،  ظلت تتدفع برفق بعيدًا عنه لكنها كانت متشبثة به بقوة لم تتركه حتى أتى " ساجد" وجذبها عنوة قائلًا بجدية مصطنعة

- يلا يا مجنونة

 

اتجهت نحو جدتها وطبعة قبلة خفيفة كي لا تحزن، غادرت وضحكاتها تتدوي المكان، أشار

"ساجد" بسبابته على شفتاه وقال هامسًا

- ششش احنا في مستشفى ماينفعش كدا عيب

 

ردت " تاليا"  بذات النبرة  وقالت

- طيب ماشي

 

السعادة التي تشعر بها " تاليا" لا تشعر بها لمجرد موقفًا عابرًا مضحك، بل تشعر بالسعادة لأنها بدأت تعيش حياتها بشكلٍ طبيعي،  أما زوجها المستقبلي

فكان تائه لا يعرف إن كان ما تفعله هو مجرد  مسلسل هابط تحاول تمثيله بمجهودٍ جبار، أو هذه طبيعتها التي اعتاد عليها .

 

--

على اعتاب باب قاعة الزفاف كان يقف " بلال ووصال" متأبطة ذراعه والإبتسامة الواسعة تعتلي ثغرها المزين بالحُمرة،  كانت في أبهى زينتها عروس بحق السعادة تملئ قلبها، أخيها يسلمها لزوجها ويحذره بأنه سوف يزهق روحه إن تعرض لها بكلمة ماذا تريد أكثر من ذلك،  جلست في المكان المخصص لها هي و" غفران"  ثم عاد "بلال لعروسه الحزين، كانت النقيض تمامًا لوصال وحيدة، تعيسة، و الحزين يعتري قلبها قبل وجهها

خففت عنها عمتها بكلامها لكن فشلت في أن تمحي الحزن عن قلبها،  وقف مقابلتها وقال بتساؤل وهو يحتوي وجهها بين كفيه بحنانٍ بالغ

- الجميل زعلان ليه

 

رفعت بصرها له وقال بإبتسامة باهتة

- مش زعلانة بس مش متعودة على الميك اب 

 

تناول كفها ليضعه في ذراعه وقال

- تزعلك الدنيا ويراضيكِ جوزك حبيبك، بس اصبري

 

لم تفهم مغزى حديث لكنها لم تجد أمامها سوى الصبر لتمتثل إليه فعليًا،  سار خطواتين وقبل أن يُكمل سيره استوقفه عمه مناديًا بصوت مرتفع قليلًا وهو يسير بطريقة غير منتظمة بسبب الطرف الصناعي الذي تخلى عنه رغمًا عنه عندما استغلت زوجته " شوقية"  نومه ذات يومًا وسرقته لتبيعه لأحدهم لاحتياجها للمال، نظرت لوالدها وقالت بلهفة لم تنجح في إخفائها

- فين جهازك يابا ؟

 

صافح والدها شقيقته التي احتضنته بقوةً مهنئة زواج ابنته قائلة بإبتسامة واسعة

- مبروك لمهدية يا أبو مهدية عقبال ما تشيل عيالها يارب

- في حياتك يا صدفة

 

نظر والدها لابن اخيه ثم ضمه له وقال بإبتسامة واسعة مربتًا على ظهره

- قد الأمانة يا بلال، راجل من ضهر راجل

 

الوحيدة التي تشعر بأنها بلهاء ولا تعرف شئ هي مهدية،  أتى النادل ليخبرهم بموعد دخولها الذي تأخر كثيرًا ليستعد العروسان بعد أن بدأ العد التنازلي ثم قام بفتح باب القاعة، لتلج " مهدية"

متأبطة ذراع كلًا من " بلال ووالدها" رسمت إبتسامة بلهاء على ثغرها وبداخلها تكاد تفقد عقلها

تساؤلاتٍ كثيرة تتبادر بعقلها ولكن ليس الكثير من الوقت الآن، حان موعد الرقصة الأولى للعروسين 

كان " غفران ووصال "  يعيشون اليوم بكل تفاصيله  عكس " بلال و مهدية" اللذين يتبادلون الحديث في كيف، متى، أين، ولماذا،   رد " بلال" وقال من بين أسنانه

- أنا غلطان أنا اللي محدش رباني عشان بعملك مفاجأة حلوة وأنتِ واحدة نكدية بتدور على النكد بملقط

 

ختم حديثه قائلا بتحذير واضح وصريح

- كلمة واحدة زيادة من هنا لآخر الفرح هقفل الفرح على كدا واخدك ونروح وهناك هتشوفي وشي تاني خـــالص .

 

ردت " مهدية " بنبرة مستعطفة وقالت

- يا بلال بحاول افهم إيه اللي حصل مش من حقي يعني ؟!

- لا مش من حقك واخرسي بقى خلينا نستمتع باليوم

- استمتع ياخويا استمتع

- بقى يارب غفران يعيش اليوم فرخان وسعيد وأنا اقضيه مع النكدية دي

 

تركت" مهدية"  يدها المحاوطة  لرقبته ثم توسطت بها خاصرها وقالت بصوتٍ مرتفع قليلًا

- نعـــم يا حبيبي مين دي اللي نكدية ؟

 

جذب يدها ووضعها حول رقبته من جديد وهو ينظر حوله والإبتسامة على وجهها لا تفارقه، ثم دنا منها وقال

- ورحمة أمي ماشفت عروسة بتعمل اللي بتعملي دا لعريسها، والفرح دا خسارة فيكِ لو عليا كنت كتب عليكِ وخدتك ومشيت بس اقول إيه الله يسامحها عمتي  بتعشق الفرح زي عينها

- يا بلال عاوزة افهم في إيه مش من حقي !!

- حقك ياستي ماقلتش حاجة، بس نصبر لما نروح بيتنا بالسلامة وأنا احكي لك كل حاجة، لكن دلوقتي خلينا مستمتعين بـ ليلتنا، صعبة دي ؟!

- لأ مش صعبة يا بلال

 

--

في منزل الجدة " ولاء "

 

التف الأحفاد حول قنينة فارغة تدور حولهم حسب توقفها يسأل كلًا منهما الآخر،  كان عنق الزجاجة تجاه " صهيب" والآخر تجاه " مراد" فسأله بفضول قائلا

- قل لي ياصهيب ليه رافض الجواز ومطلع عين خالتي معاك ؟

مش رافض الجواز بس أنا دايما مشغول في مشروعي الجديد وبحاول اوفق بين الجديد والقديم ومكنش عندي وقت إني احب واتحب والجو دا بس مش اكتر

 

كاد أن يسأله سؤالًا آخر لكن جذبت " تولين" الزجاجة وقالت برجاء

- اجابة غير منطقية بس عديها يا مراد عشان دور اختك حبيبتك

- ماشي

 

سألته " تولين " بعد أن جاء عنق الزجاجة تجاه مرةً أخرى فقالت بجدية

 

-بما إنك مكنتش لاقي الوقت تحب وتتحب يا صهيب خلينا نعرف موصفات زوجتك المستقبلية

 

رد " صهيب " ببساطة شديدة قائلًا

- موصفاتها تكون صبورة عليا تشاركني كل أحلامي تسمعني لما ابقى عاوز اتكلم كتير وتتقبل إن مش حابب اتكلم في الوقت دا غشان مخنوق ضيفوا فوق كل دا إنها تكون نسخة من فيروز  بصراحة نقسي اكرر علاقة بايا وماما مع مراتي المستقبلية حتة الاحترام والحب العقل والجنان  ماما قدرت تفهم بابا رغم تركيبة شخصيته الغريبة والمعقدة و....

 

ردت " صبا" معارضة وصف حبيب قلبها وشخصيته بالمعقد، رفعت سبابتها وقالت بحزن مصطنع

-ما تقولش على سولي معقد

- مش قصدي إن بابا معقد يا صبا قصدي انه مزاجي اوي وكل يوم بشخصية وحال تاني ماما بتقدر تفهم دا بسرعة اوي وتتجاوب معاه فهماني أنا عاوز اقول ايه ؟

 

ردت " صبا" بتفهم وقالت

- بس اعتقد يعني زي ما أنت عاوز فيروز تاني في حياتك لازم تكون أنت كمان سلطان رقم اتنين هتكون معادلة صعبة ويمكن صعب تنجح لأن من وجهة نظري مافيش نسخة تاني من سلطان البغدادي

- اوعدك يا صبا في يوم من الأيام هنقعد نفس القعدة دي تاني وهتكون بين ايدي فيروز الصغيرة واقولك إن قدرت انجح في المعادلة الصعبة اللي حطتها لنفسي

- وأنا هكون مبسوطة من كل قلبي لو سولي وافق يتجوزني على عمتي عادي وصدقني هساعدك تلاقي العروسة المناسبة ليك وهتكون شبه فيروز كل واحد مننا عنده مهمة صعبة محتاجة دعوات مصر والمانيا عشان ينجح بعدها

 

ضحك الجميع على احلامها الوردية، بينما خرج

 "بيجاد"عن صمته ليُعلن عن وجوده أخيرًا وقال بنبرة حادة جاهد ليُخفي غيرته الواضحة وضوح الشمس وقال

 - هي اللي اللعبة مش سؤال واحد بس ولا هي مليون سؤال لنفس الشخص !!

 

جذب " نوح" الزجاجة  وبدأ يلفها لتتوقف عند

" مراد"  وقال

- محامي العيلة يا رافع راسنا، احكي لنا عن اغرب قضية مسكتها وقلنا كسبتها ولا خسرتها ؟!

 

لاحت إبتسامة خفيفة على ثغره ما إن تذكرها،  لم يعد يرأها رغم محاولاته المستميتة في أن يصل إليها إلا إنها قررت العزلة عن العالم أجمع، انتشله من بئر ذكرياته صوت " نوح" وهو يقول

- أنا بقل لك احكي لنا مش ارجع بالذلكر لخمسين سنة ورا ؟!

 

تنحتح وقال بجدية قائلًا بصوتٍ هادئ ونبرة تملؤها الاشتياق لرؤيتها

- هي كانت قضية غريبة شوية،  مش تخصصي المفروض إن أنا اللي انقذها لأني محامي بس في الحقيقة هي اللي انقذتني

 

سألته " تولين" بنبرة ساخرة قائلة

- هي مين القضية ؟!

 

اجابها " مراد" بجدية متجاهلًا سخريتها وقال

- لأ، صاحبة القضية 

 

حثته " صبا" على الحديث أكثر أن يكشف بعض التفاصيل عن هذه الفتاة وقالت

- طب ما تحكي لنا عنها ؟

 

رد " مراد" بإبتسامة جانبية على ثغره وقال بمرارة

- اظن كلكم تعرفوا حكايتها، وعارفين سبب رفضي للجواز لحد دلوقتي  عشانها

 

سأله " بيجاد" بمرارة لأنه يشعر ما يشعر به " مراد" ابتسم بمرارة وقال

- تفتكر في  حد في الدنيا دي يستاهل ندفن نفسنا عشانه ؟!

 

كانت " إجابة " مراد شرارة لكل عاشق وعاشقة جالسان في هذه الجلسة، اطلق تنهيدة تعبر عن مايجيش بصدره، ثم قال وعيناه تجاهد حتى لاتنساب دموعه من فرط شوقه وحبه لها

- صدقني يا بيجاد الحب الحقيقي هو وبس اللي يستحق يعيش لسنين، وفي كتير يستاهلوا إننا نضحي عشانهم وهي كانت الإنسانة اللي تستحق اضحي عشان، في ناس جت الدنيا دي عشان تحب وتتعذب وبردو ماتاخدش اللي بتحبه وأنا كنت واحد منهم

 

رد" شاهين" وقال بجدية رافضًا وجهة نظر أخيه

- أنا عن نفسي لو لقيت الحب دا مستحيل اسيبه لو إيه اللي حصل،  أي حد بيحبني هايتمنى لي الخير وكون إن امي ترفض الإنسانة اللي بحبها عشان هي شايفة إنها متستحقش تكون مراتي لأي سبب من الأسباب يبقى فعلًا الإنسانة دي متسحقش تبقى مراتي لأني ماعافرتش عشانها واتحديت الدنيا وقلت لأ

 

ابتسم " مراد " ملء شدقيه وقال بتساؤل

- هو أنت فاهم يا شاهين إني متجوزتش البنت دي عشان ماما وبابا رافضين الجوازة ؟!

 

 سألته" صبا" بفضول قائلة

 - اومال متجوزتهاش ليه لو مكنش هما السبب ؟!

 

أجابها بقلبٍ مفطور وأعين لامعة بالدموع وقال

- عشان سابتني ومشيت ومعرفش عنها حاجة، مشيت عشان متبقاش سبب في إني اقاطع اهلي بسببها عشان أمي وابويا استكتروا عليا السعادة وشوفها عليا كتيرة مع إن أنا مطلتبش من ربنا غير القليل وبس .

 

ختم حديثه قائلا بمرارة في حلقه

- للأسف يا نوح خسرت أهم واصعب قضية في حياتي ومن بعدها مش عارف اكسب حاجة تاني

 

لا أحد يعلم التفاصيل حول قصة " مراد" وحبيبته ولماذا ترفض والدته هذه الزيجة،  لكن مايعرفونه جيدًا أن فعل ما بوسعه حتى يجدها وفشل في ذلك  انتهى الجلسة بعد أن تبادلوا الاسئلة بينهم وبين بعضهم البعض،  تفرقت الاحفاد باحثين عن ما يشغلهم عن اوجاعهم والبعض الآخر فضل الإعتزال في غرفته،  أما " مراد" قرر أن يصنع قدحًا من القهوة ثم يذهب لمكتبه، غير خططته وقرر المبيت في منزل جدته،  جاءت خالته

" فيروز" تسأله عن سبب اضطرابه عن الزواج كمحاولة جديدة منه لتغيير رأيه بعد توسل والدته لها جلست معه في شرفة الردهة وقالت بإبتسامة واسعة

- زمان كنت تحت البيت وستك كانت تبص عليا وتقولي يلا يا فيروز عابد اخوكِ زمانه راجع من الدرس وهيزعق لك، اقولها حاضر خمس دقايق، والخمس دقايق بتوعي دول يبقوا ساعة ولاساعتين وفجأة الاقي عابد في وشي

 

رد" مراد" بإبتسامة وقال

- كان بيضربك ؟!

- عمره ما مد ايده عليا ولا أنا صغيرة ولا أنا كبيرة خالك عابد طول عمره حنين  على الكبير قبل الصغير

- طب وخالي مالك

 

ردت بإبتسامة عريضة عريضة قائلة

- خالك مالك حنين اكتر منه وغلبان وفي حاله طول ما أنا بعيدة عنه

 

تابعت بنبرة صادقة قائلة

- الشهادة لله أنا كيادة بردو بيبقي قاعد في أمان الله فجاة انكشه ويتقلب زي العفريت، ويفضل يتنطنط اجري على عابد كأني معملتش حاجة يقوم عابد مزعق له  ويقل له ملكش دعوة بيها يقل له دي بتغظني ياعابد يرد ويقول دي عيلة صغيرة هتغيظك ازاي متعملش عقلك بعقلها أختك الصغيرة

 

تنهدت بعمق وهي تضع يد فوق الأخرى وقالت

- وفضلت الصغيرة الدلوعة لحد ما بقى عندي صهيب ماشاء راجل قد الدنيا

 

رد " مراد" بحنو وحب قائلا

- وهتفضلي الصغيرة يا روزة قلوبنا لحد العمر مايخلص

 

ربتت على خدها الأيسر وقال بحنانٍ

- ربنا يبارك في عمرك ياحبيبي

 

اختفت الإبتسامة وفجاة وتبدلت لأخرى حزينة على حاله الذي آل إليه وقالت

- متتجوزش يا مراد طول ما أنت مش لاقيها أوعى تتجوز، أنا كنت جاية عشان اقنعك توافق على العروسة اللي امك اختارتها لك بس دلوقتي بقولك بلاش

- خالتي أنا

- اسمعني يا ابني أنت زيك زي صهيب بالظبط ويمكن أغلى أنت فرحة البيت الأولى، أنت جيت والهنا والسعد جه معاك   اوعى تقول على نفسك ملكش حظ زي ما بتقول دايما أنت حظك في الدنيا بتاخده لأخر لحظة

- محصلش يا خالتي أنا قليل الحظ في كل حاجة حتى البنت الوحيدة اللي حبتها ماما وقفت قصادي لحد ما طفشتها ودلوقتي بتقولي عاوزة افرح بيك طب ازاي !!

 

تنهدت " فيروز" بعمق وهي تشيح بنظرها للجهة الأخرى ثم عادت ببصرها وقالت

- يا ابني يا حبيبي مش دايمًا كل اللي بنشوفه حلو يناسبنا يعنـ ...

 

قاطعها بنبرة غاضبة جاهد في ألا تعلو حتى يزعج جدته

- وأنتِ ليه ماقلتيش الكلام دا لأخوكِ زمان لما كان عاوز يطلقك من عم سلطان ؟!

- مراد يا حبيبي الزمن غير الزمن وخليك عارف إن عمك سلطان كان ومازال محافظ على العهد

 

رد" مراد" بمرارة في حلقه وقال بصوتٍ مختنق

- ومين قالك إنها مكنتش هتحافظ عليا ولا هاتحبني زي ما كل واحد فيكم اختار اللي بيحبه

- طب يا مراد خليني معاك للآخر، وخلينا إننا فعلا ظلمنا البنت وإنها بنت كويسة مش بتضحك عليك

هي فين ؟ راحت فين بعد ما قلت لها إنك هاتجيب أهلك وتيجي تطلبها

 

سقطت دموعه بعد أن جاهد كثيرًا في منعها وضع يده على يسار صدره وقال بمرارة

- أمي راحت لها ودفعت لها فلوس عشان تسبني في حالي

- مين اللي قالك كدا بس ؟!

- امي يا خالتي هي اللي قالت بنفسها قالت إنها عرضت عليها فلوس عشان تسبني بس هي رفضت

 

ردت " فيروز" مقاطعة حديثه متسائلة بدهشة وذهول شديدان وقالت

- بقى مليكة راحت ودفعت لها فلوس !!

- ايوة

- والبنت عملت إيه ؟!

- رفضت تاخد الفلوس  بس وافقت تبعد عني، بعدت عني زي ما أنا بعدت عنكم كلكم أنا معاكم بس قلبي هاجر مع اللي هاجرت ومش هيرجع تاني

 

ابتلع لعابه وقال بجدية قائلا

- قولي لماما ملهاش دعوة بيا، وتسبني بقى في حالي وأنا راضي بحالي كدا هي زعلانة لية ؟

- زعلانة يا ابني عشان أنت ابنها وعاوزة تتطمن عليه

- قولي لها اطمني، مش عملت اللي في دماغها تبقى تطمن.

 

غادرت " فيروز"  الشرفة تاركة ذاك المسكين وحيدًا كما كان دائمًا،  أماهو ارتشف رشفات القهوة وهو يشيح ببصره تجاه الحارة، يشاهد المارة في صمتٍ شديد،  مرت ثلاث ساعات وجاءت جدته باحثة عنه في انحاء الشقة، وجدته جالس محله وفي سباتٍ عميق، نادته بصوتٍ هادئ لكنه يستيقظ هزته بخفة انتفض وقال بنبرة ناعسة

- تيتا خيرفي حاجة ؟!

- قوم يا حبيبي أنت نمت هنا أنا بدور عليك في البيت كله 

 

قام بعمل تمرينات بسيطة بسبب التشنجات التي حدثت في فقراته العنقية،  ثم وقف وقال

- هي الساعة كام دلوقت ؟

- الساعة 12 بليل تعال كمل نومك جوا الجو هيبدأ يسقع بليل

- حاضر أنا فعلا نعسان قوي

 

ولجت وعي تستند بيدها على ذراعه وبالآخر تلملم الأكواب الفارغة من الأماكن المتفرقة،  وصل إلى غرفة " نوح " ولجها وافترش  بجسده على السرير الخاص به وغط في نومٍ عميق،  أما الجدة كانت  تسير بخطواتها البسيطة في المطبخ تجلي الصحون والأكواب ثم تضعها في مكانها المخصص الذي كانت تضعه في زمنها ظنًا منها أن لا يحدث أي تجديدات في ترتيبات المطبخ،  دلف " صهيب"

المطبخ باحثًا عن شئ يأكله سألها بمشاكسة قائلا

- بتأكلي من ورانا يا لولو

 

التفت نحو مصدر الصوت وعلمت أنه " صهيب"

طلب منها أن تقترح عليه  وجبة خفيفة لأنه حائرًا،  جلس على المقعد وانتظر صنع يدها،  أما هي ظلت تجوب المطبخ ذهابًا إيابًا حتى انتهت أخيرًا،  جلست جواره وقالت

- يلا يا قلب ستك كُل بالهنا والشفا مش عاوزة لقمة تفضل هاتدعي عليك

 

رد " صهيب" ضاحكًا وقال بدهشة

- إيه بس يا تيتا دا كله، كتير قوي  أنا كنت بحسبك هاتجيبي عصير أو فاكهة بالكتير قوي زبادي

- وهو دا أكل يلا يلا خلص طبقك

 

 مدت يدها تصنع الشطائر المتبقية،  ثم وضعت كل مجموعة في صحن خاص وغادرت المطبخ متجه نحو غرفة الشباب  كانت تستند على الاثاث  حتى تصل إلى الحجرة،  وصلت أخيرًا ووضعت الطعام على الكومود ايقظت " نوح ومراد" وهي تقول بصوتٍ خفيض

 - يلا يا ولاد دي لقمة خفيفة كدا قوموا يلا

 

 فتح  أحد عيناه وقال بصوتٍ شبه نائم

 - مين اللي عمل الحاجات دي يا ستي ؟

 

ردت بعفوية شديدة

- دخلت اغسل المواعين وعملت لصهيب لقمة وعملت لكم معـ.....

 

انتفض وكأنه لدغ للتو وهدر بصوته الجهوري قائلا

- تغسلي المواعين ليه وهي البنات راحت فين ؟!

 

خرج من الغرفة وهتف بصوتٍ عال قائلا للفتيات الجالسات أمام شاشة التلفاز في الردهة

- ماهو لما يبقى في 3 بنات في البيت وستي هي اللي تسغل المواعين وتحضر لنا الأكل يبقى قلتكم احسن

 

 في إيه يا نوح إيه اللي حصل لكل دا ؟

 

قالتها " صبا " وهي تنظر لجدتها التي تتشبث بيد حفيدها لتنهي المشاجرة قبل أن تبدأ، رد " نوح" بذات النبرة قائلا

- من إمتى ستي بتدخل المطبخ ولا تغسل كوبية وإنتوا هنا زي رجل الكرسي ملكوش لازمة اللي يبهدل مكانه ينضفه وحسكم عينكم اشوف ستي بتمد ايدها في طبق بعد كدا اللي عاوز يأكل يدخل يطفح نفسه

 

خرج " شاهين "  من الغرفة وقال بمشاكسة

-وحياتك يا ستي تعملي لي واحد تاني حلو قوي السنـ

 

خلع " نوح" نعليه وقام بضربه من فرط غيظه،  مد " شاهين" يده وقال باسما كاتمًا تأواهاته

- في إيه يا جدع بهزر معاك الله، 

- متهزرش يا خفيف والمرة الجاية في وشك اتلم احسن لك .

 

ختم حديثه قائلا محذرًا جدته

- هتزعلي مني يا ستي والله المرة الجاية تعالي هنا واقعدي لك شوية مش عشان تريحي بناتك تتعبي نفسك

 

نظرت حولها باحثة عن حافظة النقود وقالت

- هي فين المحفظة ؟

 

بحث معها حتى وجدها، جذبها ثم اعطاها لها فتحتها واخرجت منها مُفتاح صغير،  ولج " مالك"

قبل أن تخبر حفيدها بما تريده، صافحها ثم طبع قبلة خفيفة على يدها وقال

- عاملة إيه يا ماما

- الحمد لله يا حبيبي

- لأ يا حبيبتي اقصد عاملة إيه على العشا ؟

 

ضحك الجميع بينما ردت هي بسبابٍ لاذع فرغت الأفواه من هول الصدمة، بينما عقد " صهيب" ما بين حاجبيه وقال بتساؤل

- يعني إيه اللي تيتا بتقول دا

 

رد "مالك" قائلا بسخرية

- جدتك بتشكرني على سؤالي بس بطريقتها

 

رد "صهيب" بتفهم قائلا

- اها

 

وضعت الجدة في " نوح" المفتاح وقالت بتذكر

- ادخل هات الفلوس من الخزنة جوا

 

رد" مالك" غامزًا الجميع بجانب عينه وقال بمشاكسه

- هاتي يا ماما هاجيبها لك أنا

- لأ أنت حرامي

 

تنحنحت وقالت بتساؤل

- هو عابد اخوك فين ؟

- في شقته، ليه في حاجة ؟

- اه عاوزاه في حاجة ضروري

 

ولج " عابد" وقال بإبتسامته المعهودة

- خير يا أمي ؟

- استنى لما يجي نوح

--

بعد مرور عدة دقائق

 

أتى "نوح" حاملًا حقيبة النقود وعقود ابتدائية، وضعها على سطح المنضدة وقال

- الحاجة اهي ياستي

- افتح يا نوح الشنطة وهات العقود اللي في ايدك دي

- اتفضلي العقود ياستي وادي الشنطة .

 

ناولتها لابنها " عابد"  وقالت بجدية

- دول عقود الشقة اللي في الدور التالت اللي كانت معروضة للبيع

- إيه دا جه لها زبون بالسرعة دي معقول ؟!

- ايوة  وأنا بعت واستلمت الفلوس كمان

 

رد " مالك " قائلا بنبرة متعجبة

- غريبة يا ماما أول مرة تعمليها طول عمرك بتخليني أنا أو عابد نتولى موضوع الشقق دا وبعدين العمارة د ي أنتِ قلتِ مافيش فيها تمليك غير لملوك بنت اختك أنتِ محتاجة لفلوس ولا إيه ؟

 

عدلت من عويناتها الطبية المخصصة للقراءة، قامت بالبحث في الأوراق حتى وجدت شهادة بنكية باسم " فيروز  ومليكة " وأخرى " عابد ومالك" قامت بتفرقيهم وقالت

- العمر مش مضمون ودا حقكم أنا قلت اخلص ذمتي قدام ربنا قبل ما اقابل وجه رب كريم

- بعد الشر عليكِ يا أمي

- يا ولاد الموت مش شر وكلنا لها، بس أنا من ساعة ماسمعت اللي حصل وأنا بقول يارب طول في عمري لحد ما يرجع عابد ونتجمع من تاني وكل واحد يعرف حقه

 

ترك " عابد" الأوراق وقال باستفهام

- إيه اللي حصل يا ماما في إيه ؟

 

تنهدت وقالت بجدية

- سيبك من اللي حصل وخلينا في اللي هايحصل

أنا اخدت 250 الف بس في الشقة

 

رد " مالك" وقال

- ليه يا أمي دي تساوي قد كدا مرتين تلاتة

- يا ابني اسمعني ومتقاطعنيش بقى

- استنى يا مالك اما نفهم عملت كدا ليه كملي يا ماما في إيه ؟

- فاكر عمك أبو غالي ؟

 

ظل " عابد" يردد الأسم حتى اسعفته ذاكرته أخيرًا وقال

- ايوة افتكرته ماله ؟

- مراته تعيش أنت من كام شهر وهو باع شقته وجه هنا، المهم حكاوي تجبني وحكاوي توديني معاه عرفت إنه عاوز يكتب لبنت اخوه الشقة الجديدة عشان هي ملهاش مكان تقعد في من بعده قلت له ماشي هبلغ ابني وهو يعمل لك اللي أنت عاوزاه

- ماشي يا ماما بردو مافهمتش حضرتك ليه بعتي بالتمن دا وليه مأخدتيش رأيي ولا رأي عابد زي كل مرة ومن إمتى حضرتك بتوقعي حاجة من وجودنا

- وأنت مالك  أنت، دا مالي وأنا حرة في لما يبقى مالك ابقى اتكلم فاكرني هبلة ولا عبيطة عشان اخد رأيك؟

 

- يا أمي يا حبيبتي مالك مش قصده هو بس مستغرب إن حضرتك تصرفتي التصرف دا مش أكتر

 

تجاهلت " ولاء" حديث ابنتها " فيروز" ونظرت لعابد وقالت بنبرة آمرة

- هات المحامي والشهر العقاري بكرا يا عابد

- لسه محدش اشتغل يا أمي إجازة العيد

- تخلص الإجازة وتجيبهم

- حاضر

 

نظر لنوح وقالت بجدية وهي تضع المبلغ بأكمله أمامه

- خد يا نوح الفلوس دي وابدأ اعمل المزرعة اللي بتحلم بيها

 

رد" مالك "  بنبرة حادة قائلا

- اهااا، قولي كدا بقى ننوس عين ستو عاوز يعمل مشروع ومال عليكِ بدل ما يعتمد على نفسه ولا حتى يفكر يطلب من أبـ...

 

قاطعه " نوح " مدافعًا عن نفسه قبل أن يغادر البيت وخلفه الشباب

- والله العظيم ماحصل دا اتفاجئت زيي زيك بالظبط ومين قال لحضرتك إني هاقبل يعني ؟!!

 

 

يتبع..