-->

الفصل السادس عشر - عقوق العشاق





الفصل السادس عشر


 ابتعدت " رُبى" عن والد رامي، متجهة نحو الشرفة المجاورة لغرفة " نوح " كانت تتلاعب باعصابه، بكلمة واحدة منها سيعرف أين فلذة كبده،  عادت إليه ما أن وجدته جالسًا في الغرفة معتزلًا هذه الجلسة العائلة، نظرت له وقالت بجدية

- خلاص يومين تلاتة كدا وابنك هيرجع لك و....

 

رد والد رامي مقاطعًا إياها بإحباط ونبرة صوته متحشرجة إثر البكاء

- بس يوميـ ...

 

ردت بتحذير واضح وصريح

- أنا شايفة إنك بتعارضني  دا صحيح ؟

- لأ خلاص يومين يومين مش مشكلة نصبر يومين تلاتة المهم ابني يرجع لي

 

خرج وال رامي أخيرًا من المنزل تاركًا " عابد" في حالة من الدهشة والذهول الشديدان، أشار بيده وقال بنبرة متعجبة

- ماله رامي وأبوه ؟ وإيه اللي حصل ومين فياض دا اللي بيطلب منك تتوسطي له عنده يرحمه هو في إيه بالظبط ؟!

 

جلست وجلس الجميع بدأت تسرد له أنها قررت أن تثأر لنفسها لم تكن تشعر بالراحة طيلة الفترة الماضية ما اثلج صدرها هو زج " رامي" ليتذوق من نفس الكأس الذي تجرعت منه هي .

 

أما من هو " فياض" فقررت الاحتفاظ بإخفاء هويته في هذه الفترة،  عاد " عابد" لمنزله تاركًا إياه تبكِ من فرط حزنها بسبب انزعاجه من هذه الاحداث، كفكفت دموعها سارت خلفه، طرقت غرفته ثم ولجت،  كان جالسًا على حافة الفراش شاح بوجهه للجهة الاخرى حتى لايتقابل مع عيناها، جلست على حافة الفراش مقابلته، احتوت يده بين كفيها مالت لتطبع قبلتها الحانية عادت ببصرها وقالت بعتذار

- أنا آسفة يا بابا بس لو حضرتك ادتني فرصة اشرح لك جايز تعذرني وقتها

- من إمتى احنا بنرد الأذى بالأذى، وبعدين مش احنا قافلنا موضوع رامي وابوه دا ليه رجعتي له ؟!

 

بابا عمو مالك طلق طنط سيلا وأنا السبب

 

أردفت " رُبى" جملتها والدموعها متجمعة داخل ملقتها انتبه أبيها لحديث ابنته وهويعتدل في جلسته هذا الخبر لا يعلمه أحد، متى، كيف، واين انفصل أخيه عن زوجته، تساؤلات عدة تبادرت في ذهنه لكنه فضل أن يستمع إليها أولًا .

- أنا كنت طالعة عند ملك فوق زي كل يوم عادي،  وهي كانت بتحكي لي عن العريس اللي اسمه امجد اللي اتقدم لها دا وعمو وافق عليه

- ايوة عارفه ماله امجد ؟

- مالوش هي طنط معترضة إنه كان متجوز قبل كدا بتقول يعني إيه يجبر بنتي توافق على واحد كان متجوز قبل كدا فـ أنا سمعت عمو مالك وهو بيقولها إن عادي ومافيش مشكلة وإن مراته متوفية يعني دا عمرها مش الولد وحش ولا حاجة وإن من الضباط اللي مرشحين لمكان حساس في الدولة وإن له مستقبل حلو جدًا وهو مش شايف عريس مناسب أكتر منه

 

تنهد " عابد" بعمق وهو ينظر إليها وقال بنفاذ صبر

- ربى كل دا العيلة كلها عارفاه إيه الجديد ؟

- الجديد إن ملك زعلانة زعل عمو وطنط، فأنا قلت لها طالما مرتاحة له خلاص سيبك وبعدين بابا بيقول دا عريس كويس اوي، المهم فضلنا قاعدين شوية مع بعض وبعدها قامت عشان تعمل لي قهوة ، في الوقت دا صوت عمو مالك بدأ يعلى لما...

 

رد " عابد" متسائلا بفضول

- لما إيه يا روبي ؟!

 

ردت بنبرة متوسلة قائلة

- بابا اوعدني إنك متقلش لحد ويفضل سر بنا لأن محد يعرف إني عرفت

 

احتوى " عابد" خدها الأيسر وقال بحنو وحب

- متخافيش يا قلبي سرك هايفضل في بير

 

سحبت نفسًا عميق وقالت

- طنط سيلا عايرته بيا وقالت له إن حظ ولادها دايما مش حلو عشان يعني نوح يعني

 

هز رأسه متفهمًا ماتريد قوله، رد عليها بتساؤل

- عشان كدا طلقها ؟

- لأ

- اومال طلقها ليه ؟

 

بلعت لعابها بصعوبة بالغة وقالت بمرارة

- عشان عرفت  إن لما كنت مريضة غبت عن البيت يومين كاملين وكنت ساندي مش ربى

- مين قالها ؟

 

رد على سؤاله بسؤالًا آخر وقالت

- هو حضرتك عارف مين ساندي؟

 

حرك رأسه وهو يهون عليها حزنها قائلا

- عرفت من الدكتور لما كنا في امريكا، ونوح كمل لي كل حاجة،  سيبك من كل دا وملكيش دعوة بحد الناس كلها عارفة مين هي ربى المحمدي وعارفة أدبها وأخلاقها

- إلا طنط سيلا يابابا الوحيدة اللي كانت شاكة في أخلاقي وإني مش مناسبة بكل الطرق لابنها شايفاني كتيرة عليه

- أنتِ ملكة يا روبي والملكات دايما بيكون عندهم مشاكل ومن الحكمة إننا نحلها مش نسبها ونقول هي هاتتحل لوحدها !!

- طنط سيلا مش عاوزني لنوح شايفة إني مش شريفة مع إن والله غصـ ...

 

وضع والدها سببته على شفتاها مانعًا إياها من تكملة باقي حديثها،  انسدلت دموعها رغمًا عنها وهو يخبرها للمرة المئة بعد الالف

- احنا أشرف ناس في الدنيا، اللي عاوز يصدق يصدق واللي مش عاوز مش مهم كفاية غيره عارفنا كويس،  أنتِ مش محتاجة تبرري لحد ولا محتاجة تحلفي لحد أنتِ بنت عابد المحمدي ووتين الانصاري عارفة مين هي وتين الأنصاري الست اللي قدرت ونجحت تربي لي ولادي احسن تربية في الدنيا كانت مهمة صعبة عليها بس هي كانت قدها ومازالت، لو هتقولي على نفسك كلمة وحشة يبقى كدا تقصدي بيها وتين اللي هي مراتي وأنا بصراحة بقى مبقبلش على مراتي الهوا

 

ختم حديثه باسمًا وهو يقول

- سيبك من اللي بيقول ويعيد مش هنكسب من وراهم حاجة، احنا للأسف وقعنا في نسب مش كويس والمفروض عند أي حد محترم طالما انفصل عن البنت اللي كان مرتبط بيها يسبها في حالها لكن للأسف الناس دول كانوا مش شبهنا نهائي، وياما قلت لك دا يا روبي وأنتِ دماغك يا بنتي كانت انشف من الحجر الصوان .

 

رفعت يده لتطبع قبلتها عليها وقالت بعتذار

- أنا آسفة يا بابا مكنتش اعرف إن كل دا هايحصل

- محدش فينا يابنتي كان يتوقعها أصلا مش أنتِ لوحدك الواحد بيتعامل بسلامة نية مع ناس إبليس  قرر يتنازل عن مكانه بسبب أفكارهم .

 

ومين فياض دا بقى ؟

 

سألها " عابد" بعدأن تبين له الكثير من علامات الاستفهام، نظر لابنته التي خجلت قليلًا عند ذكر ذاك الاسم، بلعت لعابها وقالت بتوتر

- اوعدني تسمعني للنهاية وتكون هادي ومتتعصبش من اللي هقوله

- اوعدك يا روبي

- فياض دا يبقى حفيد محسن الورداني، طبعًا حضرتك عارف مين هو محسن الورداني، اتعرفت عليه صدفة

 

صمتت قليلًا ثم قالت بنبرة صادقة

- لأ أنا اللي رتبت الصدفة دي

 

عقد " عابد" مابين حاجبيه وقال

- قصدك إيه ؟

- يبقى الصديق المقرب لـ امجد خطيب ملك ودا اللي عرفته في نفس اليوم اللي سمعت في طنط سيلا بترفض جواز نوح مني، حسيت بقهر كبير في حاجة مكنش ليا دخل فيها، قررت إني اقنع ملك اننا نروح النادي نشوف امجد لأنه طلب منها يعزمها على الغدا هناك، عرفت إن فياض تقريبا مع امجد في كل حاجة فضلت ادور وراه لحد ما عرفت إنه ابن ابن محسن الورداني بس باباه ملوش علاقة بجده نهائي وإن كان دايما في مشاكل بنهم بسبب اعمال محسن المشبوهة، زي ما تيتا جميلة بتقول كدا فياض وباباه الفرع النضيف في العيلة، عرفت كمان إنه بدأ يشتغل على خطى ابوه مش جدو وإنه لحد ما واصل،  المهم رحنا النادي ولقيته بيدرب على السلاح،  حاولت الفت نظره بكل الطرق لحد ما فعلا اخد باله مني.

 

وصل إلى مسامع " ربى" طحن أسنان والدها مما تسرده عليه،  لكنه متابع في صمت، سكتت لبرهة قبل أن تقول بندمًا عن مابدر منها

- بدأنا نتعرف على بعض كنت بقرب شوية وابعد لحد مافي يوم طلب مني الجواز وكانت هي دي اللحظة اللي أنا منتظرها من حاولي شهر من أول مقابلة لينا، لت علي رامي وإني نفسي ابرد نا ري منه وعدني إنه ياخد لي حقي، بس رفضت وطلبت إن أنا اللي اخد حقي بنفسي وفعلا متأخرش وخلال ساعات قليلة جدًا كان رامي تحت رجلي بيطلب مني العفو والسماح للحظة كنت عاوزة

 اقتـ له بس هو منانعني في اللحظة المناسبة قررت إني اخفي عن الدنيا لحد ما اضغط على ابوه ويتنازل عن القضية اللي رفعها على نوح

 

وفياض وافقك على الجنان دا ليه ؟ عشان إيه قرر يعمل حركات زي دي ؟!

 

أردف " عابد" تساؤلاته وهو يحاول بشتى الطرق كظم غيظه الشديد من تصرفاتها،  تنهدت بعمق وقالت

- قلت له لو بتحبني فعلا يبقى تخليني اخد حقي هو رفض في الأول بس لما حطيت.دي قصاد دي مكنش قدامه حل تاني، كانت سيطرتي عليه أكبر من أي شئ مسمعش لحد غيري حتى امجد اللي يعتبر كان بير أسراره رفض يعرفه حاجة زي دي

- عشان كدا رفضتي نوح ؟

 

أومأت برأسها علامة الإيجاب وقالت بمرارة

- لو نوح كان اتقدم لي وطنط موافقة كنت وافقت لكن هو اتحدى ناس كتير اوي وخسر ناس كتير  بيحبهم مكنتش حابة يخسر حد اكتر من كدا ولا يتحدى حد تاني

 

بالعت لعابها وهي تختم حديثها قائلة

- كان لازم بان قصاده إني مش عاوزة ولا بفكر في يمكن يغير رأيه وميخسرش حد أكتر من كدا، أنا آسفة يا بابا عارفة إني تصرفاتي كانت غريبة وصعبة بس كلام طنط سيلا كان بيدور جوايا ومكنتش عارفة ابطل تفكير في إن ارجع حقي من كل حد أذاني وخلاني في نظر الناس وحشة ومش مناسبة لابنهم

 

كانت كلماتها بمثابة حمم بركانية على قلب " عابد"

عيناها الممتلئة بالدموع كانت تزيد من الآلامه، لم يكن خطأها هي بل هو الذي جعلها تبتعد عنه للمرة الثانية ماذا يفعل لغضبه الشديد، كيف تخلى عنها في أكثر الاوقات احتياجًا له، لم يجد نفسه سوى أنه جذبها لحضنه مربتًا على ظهرها بحنانٍ وكلمات الإعتذار تتردد على مسامعها، سقطت الدموع من عيناها كالشلال ، خرجت من حضنه وهي تكفكف دموعها ما إن ولجت والدتها وهي تعترض على هذا العناق تغار نعم تغار،  جلست بينهما متابعة ملامحهم التي تبدلت في ثوانٍ معدودة، نظرت لزوجها ثم عادت ببصرها لابنتها وقالت

- ممكن تسيبي جوزي وتروحي تشوفي اختك صبا محتاسة في إيه ؟!

 

ردت " ربى" بجدية مصطنعة وهي تقف عن حافة الفراش

- هي توزيعة عشان اسيبه بس مش مشكلة عادي نسيبه لك ساعة ونرجع تاني لبعض

- كتر خيرك والله يا ربى هانم إنك هاتسيبي جوزي لمدة ساعة.

 

خرجت " رُبى" من الغرفة والإبتسامة لاتفارق شفتاها بينما نظرت " وتين" لزوجها وقالت

- طمني إيه الأخبار ؟

- اطمني بنتنا بخير طول ما احنا في ضهرها

 

تابع حديثه برجاء قائلا

- ارجوكِ يا تيا لو جيت في يوم من الأيام وحد من ولادنا بعد عننا لأي سبب من الأسباب اوعي توافقيني على كدا اقفي في وشي وامنعيني المرة دي ربنا ستر المرة الجاية مافيهاش تهريج 

- قصدك إيه ؟

- مش قصدي حاجة بس مش كل مرة تسلم الجرا

 

--

 

في السابعة صباحًا

 

كانت جالسة على المقعد الموضوع جوار أحد الاطفال وبين يدها بعض الخضروات تقوم بإعدادها لوجبة الغداء،  غنت لهم وهي تقلم الفاصولياء الخضراء قائلة بصوت مرتفع

- واحد هو ربي اتنين بابا وماما تلاتة هما اخواتي

 

رد أحد الاطفال قائلا ببراءة

- بس أنا يا ميس مش عندي غير أخت بس !

 

هزت رأسها دون أن ترفع ناظريها عن الصحن وقالت

- بكرا يبقى عندك يا أنس يا حبيبي

 

تابعت بجدية

- اربعة هما صحابي خمـ....

 

قاطعتها إحداهن قائلة بجدية وكان الأمر غاية في الخطورة

- بس انا يا ميس مليش صحاب انا خاصمتهم كلهم

- الخصام حرام يا لميس خليكِ شطورة وكلمي صحابك

 

تابعت قبل أن ينفذ صبرها قائلة

- خمسة صلاوتي ستـة اقوم من نومي سبـ ...

 

قاطعها احدهم قائلا

- بس أنا بقوم سبعة ياميس

 

عيااااال محدش يقاطعني تاني عان اقسم بالله اللي هيقاطعني هعلقه على باب الشقـ ...

 

أردفت " ليلي" عبارتها وهي تلقي بالسكيـ ن علي الصحن بعنف،  قاطعها هذه المرة قرع ناقوس الباب الذي لم يهدأ أبدًا،  وقفت عن المقعد بصعوبة بالغة سارت تجاه الباب وكأنها تعرج إلى السماء، فتحت الباب وليتها لم تفتحه، وجدته ماثلًا أمامها بعد مرور عامين كاملين يقف أمامها، لو كانت الصدفة خدمت أحدهم فـ بالطبع هو وليس هي، لم يتغير فيه شئ أمام هي فتغيرت تمامًا، زاد وزنها لأكثر من خمسون كيلو جرام، لتصل إلى وزن المئة وعشر كيلو جرامًا، أما هو فـ باقي من الزمن خمس ثوانٍ ليختفي، على مايبدو أنه يُعاني من النحافة المفرطة كما هي تعاني من السمنة المفرطة، ولج طفل لا يتجاوز الخمس سنوات مندفعًا قبل أن تكتشف تأخره وتعاقبه كعادتها،  كاد أن يصطدم بالجدار لكنه حافظ على توازن جسده وهو يقول بدهشة من وجودها هنا

- ليلي أنتِ هنا طب ازاي ؟

 

كادت أن ترد عليه لكنها دعست على قلبها وقالت بجدية مصطنعه

- خير حضرتك ليك عيل هنا ؟

 

رد عليها وقال باشتياق

- لأ امه هي بس اللي هنا و...

 

قاطعتها وهي تصفع الباب في وجهه، كاد أن يلامس وجهه،  انتشلته من أحلامه الوردية بأن ظهورها أخيرًا يُعني العودة، اغتاظ من رد فعلها قرع الناقوس مرة أخرى فتحت له وقالت

- نعم خير عاوز إيه ؟

 

فاجأها برده قائلا بعصبية شديدة

ممكن تقفلي الحضانة اللي فاتحها الساعة سبعة الصبح دي ؟  عندي مرافعة الساعة عشرة وملحقتش انام

 

سألته بفضول كعادتها معه

ومنامتش ليه إيه اللي منعك ؟

 

رد " مراد" بعفوية كما كان يفعل دائمًا

مكنش جاي لي نو....

 

قاطع نفسه قائلا بعصبية

- وأنتِ مالك هو أنتِ هتفتحي لي محضر مش عاوز اسمع  صوت لمدة تلت ساعات عاوز انام

- ما تنام يا اخويا حد مسكك

بقلك صوتك واصل لحد عندي  في البيت اللي قصادك ارحمي الناس التعبانة شوية مش كدا

-بقلك إيه يا استاذ دا مكان اكل عيش ثم دي حضانة يعني عيال طالعة وعيال نازلة وواسع كتفك كدا شوية خلي العيال تتدخل

-كدا ماشي

 

عيال يلا فسحة

 

قالها " مراد" ظنًا منه أن الاطفال سيغادرون المكان لكنه وجدهم كما هم يشاهدون مايحدث دون صوت،  نظرت لهزوقالت بتباهي

 

عيب يا استاذ دا أنا  مسيطرة، روح كمل نومك يلا

 

يلا عيال نكمل واحد ربي اتنين ماما وبابا تلاتة...

 

لم ييأس "مراد" كرر حديثه ولكن هذه المرة بطريقة أخرى قائلا

- ياعيال أي حد هينزل دلوقتي عند عم محيي البقال هياخد اللي هو عاوزاه على حسابي يلا ياعيال

 

اندفع الاطفال واصواتهم تتعالى في كل مكان، انتصر أخيرًا،  رفع حاجبه الايسر وقال

- مسيطرة هاا !

- أنت إيه اللي أنت عملته دا كدا نزلت الغيال ؟!

 

لمي نفسك بقى لمي نفسك محتاج انام، ورحمة ابويا كلمة كمان وهخلي اسمك يبقى في صفحات الحوادث واخلي الطب الشرعي مايعرف سبب الوفاه أنا بقلك اهو

 

ردت " ليلي" بوعيد قائلة

- ماشي يامراد والله ماهعدي اللي عملته دا كدا ؟

 

جذبها " مراد" من مؤخرة رأسها وقال بنفاذ صبر

- انا هنزل دلوقتي لو بس سمعت صوت عيل بيعيط نهارك مش هيعدي يا ليلي اقسم بالله

 

نزعت مؤخرة رأسها  من بين يده وقالت بحدة لا تقل عن حدته

- ماشي يا مراد بتقف لي في اكل عيشي وربنا ما انا سيباك وبكرا تقول ليلي قالت

 

طرق علي باب شقتها وقال بعصبية

- الحضانة دي تتقفل يا ست

 

ردت " ليلي " جملتها المعروفة بينهما في مثلا هذه الأمور قائلة بسخرية

مراد بيك لا تهددني، من شان الله لا تخبص بالحكي

--

فلوسي يا خالي فلوســـي شقى عمري راح يا خالي وربنا ما هاسيبه وهطلع ....

 

أردف " شاهين"  عبارته وهو يقفز من فوق مقعده بين الفنية والأخرى،  رغم محاولة الجميع في تهدأته لكنه لا يستمع لاحد، يكاد قلبه يقفر من بين أضلعه الوضع بالنسبة له غاية في الخطورة، حاول " مالك وعابد" السيطرة عليه بعد أن فشل والده وأخيه لكنهم أيضا فشلوا في ذلك .

تحدثت " فيروز" بنبرة حزينة لحزن ابن اختها وقالت

- صحتك يا حبيبي خلاص خد الشر وراح 

- شر إيه يا خالتي دول نص مليون جنيه دا أنا عملت البدع عشان اجمع المبلغ دا، دا أنا استلفت من مراد اخويا وخالي عابد حتى تولين ادتني اللي تقدر عليه

 

ختم حديثه قائلا بصوت مرتفع وهو يلطم بكفيه على وجهه

- وتقولي خد الشر وراح، خد الشر وراح،  تعبي وشقاي  راح راح راح 

 

تنهد " عابد" بعمق وهو يربت على فخذه وقال

- اهدأ بس يا شاهين وكل شئ هايتحل، ولو على الفلوس مش عاوزهم .

 

انضم صوت " مراد وتولين " لصوت خالهم " عابد" مؤيدين رأيه العقلاني وقالوا

- واحنا كمان يا شاهين المهم صحتك ياحبيبي

 

وثب " شاهين " كالمجذوب تجاه باب الشقة،  خرج ولا يعرف أحد إلى أين سيذهب، لحق به

" مراد و نوح "  محاولين إيقافه لكن باءت محاولاتهم بالفشل .

 

--

بعد مرور يومين

 

اختفى فيهم " شاهين" ولا احد يعرف أين هو،  وعاد " مراد" يراقب " ليلي" ليعرف مالذي. حدث لها  أما نوح فكانت مفاجأته أكبر بكثير، تم إعلان خطبته على فتاة كانت زميلة له في الجامعة، وكانت من المرشحات له من قبل أمه نظرًا لأن والدته ووالدتها أصدقاء، كانت تروق لـ سيلا من حيث أخلاقها ومكانتها وتعليمها،  هي متناقضة تمامًا لابنة عمه في كل شئ من وجهة نظرها، وافق دون أدنى تفكير، انتشر الخبر كالبرق في سرعته بارك له الجميع حين جلس في الردهة وقال للاحفاد جميعًا عدا " رُبى" التي لم تجلس معهم تجنبًا للخلافات بين عمها وزوجته .

- أنا خطبت يا ولاد

 

رد " مراد" بعفوية شديدة

- ربى صح ؟!

 

ارتسمت الجدية علي ملامح " نوح " وقال بهدوء

- لأ منال،  كانت  معايا في الكلية ومامتها وماما صحاب

 

تنحنح " مراد" وقال بخجلًا بعد تسرعه

- أنا آسف كنت فاكر إنك هترجع لربى

- ارجع !!

- ليه هو حد قالك إن اصلا كنت معاها ؟!

 

بعد مرور نصف ساعة تقريبًا من الحديث بين الاحفاد أتت الجدة متحاملة على نفسها وبين يدها الحلوى التي تصنعها دائما للاحفاد، جلست علي حافة الأريكة وهي تلتقط أنفاسها، جلس جوارها

 " نوح" وقال بإبتسامته الخفيفة

 - ستي هتجي معايا طبعًا

 

ردت الجدة قائلة بجدية

- والله يا نوح كان نفسي بس أنت عارف صحتي بقت يادوب على القد و...

 

قاطعها " نوح" بنرة حزينة قائلا

- صحة إيه يا ستي اللي على القد أنا مش هروح غير معاكِ

- يا ابني هو انا يعني هعمل لك إيه ؟!

- يا ستي أنتِ الخير والبركة

 

ردت بإبتسامة جانبية ساخرةقائلة

- البركة فيك وأمك يا حبيبي

 

سألها" نوح" بصوتٍ حزين

- هو أنتِ مش راضية يا ستي على الجوازة دي ؟

 

اجابته بجدية قائلة بهدوء

- لو جيت للحق ايوة مش موافقة بس طالما هي اختيارك وأنت راضي يبقى رأي لا هايقدم  ولا هايأخر

- ازاي بس يا ستي دا أنتِ الخير والبركة

- ما قلت لك يا نوح البركة في امك خططت و أنت نفذت يبقى بركتي ملهاش لازمة معاك

 

يتبع..