-->

الفصل الثامن عشر - عقوق العشاق

 




الفصل الثامن عشر


ممكن ملكيش دعوة بربى يا منال

 

قالتها  " ملك " وهي تسحب نوح وخطيبته للشرفة المُلحقة بغرفة النوم الخاصة بعماتها، تحسبًا بأن لا يسمعها أحد،  كان يقف يستمع إليها  كأنه تمثال برع الفنان في نحته،  لم تتحمل "منال"

الآمرة تلك تحدثت بحاجب مرفوع وقالت.

- مالك يا ملك هو أنا كلمتها ؟ وبعدين انا بدافع عن حقي ونوح حقي ومش هاسيبه صيدة سهلة لواحدة مش كويسة زيها

 

ردت " ملك " مدافعة عن ابنة عمها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وقالت

- مين قالك بقى إن شاء الله إن بنت عمي مش محترمة

وهي بنت عمك لما تبقى مع كل راجل شوية تبقى إيه يا ملك !؟

 

رفعت " ملك" كفيه قليللًا للأعلى طالبة منها برجاء

- لو سمحتي يا منال الجو مكهرب الايام دي بين بابا وعمي ومن فضلك مش ناقصة توتر دي أول مرة نتجمع من مدة طويلة

 

نظرت " منال" لـ " نوح " وقالت ببكاء مزيف

- شايفة يا نوح شايفة اختك بتقول عني إيه فاهمة اني بوقع بنكم عشان دخلت لقيت صبا بتضحك معاك ومع مراد وفكرتها ربى ارتاحي يا ست ملك أنا هاسيب لك البيت وماشية

 

رد " نوح" بنبرة هادئة وهو يُمسك بذراع خطيبته وقال بهدوء ليعلن عن وجوده أخيرًا

- يا حبيبتي هي مش قصدها وبعدين ربى وصبا ولاد عمي وبس

- دا اللي ربنا قدرك عليه يا نوح بدل ما تزعق لها وتقولها الحركات اللي بتعملها دي ملهاش لازمة !!

-ماخلاص ياست ملك عاوزة يضربني يعني ولا إيه  قالك إني مش قصدي على العموم ادي راسك ابوسها

- يا ستي لا تبوسي راسي ولا ابوس راسك ومش عاوزة منك حاجة أنا خارجة عشان عمي هايمشي

- بالسلامة ياختي

ممكن تخفي شوية كدا مش هينفع الناس هنا هتزعل منك

 

قالها" نوح " وعيناه معلقتان على اخته حتى خرجت من الغرفة، دفعها فجاة على المقعد وقال بتحذير واضح وهو يوجه نصب عيناه إصبع الشهادة

- اقسم بالله لو اتعرضتي لربى ولا اي بنت من البنات هنا ليكون آخر يوم في عمرك، وشغل الحُب ودموع التماسيح مش هتمشي عليا، أنا لو كنت ببلع وبمشي الدنيا قدمهم فدا عشان بس مش عاوز اكسف ماما واعرفها إن اختيارها ليا زي الزفت

 

ردت " منال" بنبرة مغتاظة قائلة

- أنا زي الزفت يا نوح ؟!!

- ايوة زي الزفت إيه الاسلوب اللي بتتكلمي بي دا وسرقة اللي هاتسرقها منك ربى هي شايفاكِ أصلًا عشان تسرقني منك ولا من غيرك

 

ختم حديثه قائلا بنفس النبرة التحذيرية وقال

- لو باقية على عمرك ابقي فكري بس لمجرد التفكير تزعلي حد من اللي قلت عليها

- حاضر ياسي نوح أمرك مُطاع أي اوامر تاني !!

 

--

داخل غرفة الضيوف

جلست بجوار ابنها تستمع لحديث ذاك الشاب الوسيم الذي أتى مع " امجد" حاول قدر المستطاع أن يرد على تساؤلاتها وهو يتنحنح بين الفنية والأخرى إثر التوتر الشديد الذي يشعر بهِ

وضعت القهوة بين يده وقالت بعفويتها الشديد

- دوق قهوة ستك هاتعجبك وهتيجي لي كل يوم اعملها لك بنفسي .

 

رد " امجد" مؤيدًا لحديثها قائلا

- اتفق جدًا مع كلام تيتا حقيقي قهوتها ليها طعم تاني غير أي طعم دوقته في حياتك.

 

وضعت يدها على فخذه وقالت بمرح

- متحاولش تصالحني،  بردو زعلانة منك

 

رد " امجد" باسمًا

- عارف والله يا تيتا تقصيري دا غصب عني وعد مني كل ما اكون فاضي اجاي لك جري

 

تنهدت " ولاء " بعمق وهي تبحث عن قدح القهوة خاصتها ليُعطيها لها " عابد" بعد أن ارتشف منه رشفات سريعة دون أن تشعر به، ضربته على ظهر يده وقالت

- بطل تسرقني

 

كبح الجميع ضحكاتهم على عفويتها الشديدة التي تتعامل بها دون أن تضع القابًا أو حواجز بينها وبين الماثل أمامها، فالجميع في نظرها متساون كأسنان المشط،  نظرت لـ فياض وقالت بتذكر

- وهي شغلانة السياحة دي يا فياض بتكسب ياما ؟

 

رد فياض قائلا بإبتسامته الواسعة

- والله يا تيتا حاليًا السياحية نايمة خالص، بحاول على قد ما اقدر اقف على رجلي بعد الكام حدثة اللي حصلت في الفترة الأخيرة والحمد لله الدنيا ظبطت شوية

- ربنا يوسع رزقك يا ابني

- الله أحلى دعوة سمعتها في حياتي، بقالي أكتر من خمس سنين مسمعتش دعوة حلوة زي دي

- ويا ترى مين كان بيدعهالك ؟

- امي الله يرحمها

- حبيبي يا ابني أنت يتيم الأم طب وابوك عايش ولا ؟!

- اه الحمد لله عايش، بس طول الوقت مسافر برا بحكم شغله .

- اومال مين بيطبخ لك ويغسل لك هدومك ويروق لك بيتك ؟

- في ناس بتساعدني في نضافة البيت والأكل كمان بس احيانا بعمل بنفسي الأكل

 

ردت بإقتراح قائلة

- خلاص تعال اقعد عندنا وأنت تلاقي اللي يعمل لك حاجتك

 

رد تيم غمزًا بجانب عينه قائلا

- ابسط يا سيدي دا عرض من ولاء شخصيًا يعني لا يمكنك الرفض نهائيًا.

 

رد فياض بامتنان لهذا الكم من الحُب والدفء

- ودا شرف ليا والله يا تيتا

- مش عزومة ياواد أنت زيك زي احفادي

- عارف صدقيني ولكن أنا كدا مرتاح و...

 

قاطعته ربى وهي تلج وبين يدها العصائر وخلفها ملك ابنة عمها تحمل الكعك بالشوكولاته التي صنعتها عمتهما فيروز، وضعت ربى العصائر ثم صافحت فياض وامجد،  جلست جوار أبيها تستمع

لعرضه وهو يخرج ملف صغير من اللون الأسود

- دا الملف اللي قلت لك يومين ويكون عندك

- بالسرعة دي

- كان نفسي تاخدي من حاولي يومين تلاتة بس مكنش ليا نصيب اقابلك في النادي، عموما حصل خير أنا عملت له دراسة شاملة وهتلاقي إجابة لكل سؤال ممكن يقابلك

- طب وهنبدأ إمتى ؟!

- نبدأ إمتى دي بتاعتك أنتِ بقى  أنا عن نفسي جاهز في أي وقت

 

رفعت ربى الملف ملوحة به تجاه أبيها وعلى ثغرها إبتسامة عريضة ثم قالت بشماتة

- الحمد لله ربنا نصرني كان في ناس بتراهن على فشلي يلا بقى يحضروا نفسهم عشان يدفعوا المبلغ المطلوب

 

رد عابد وقال بجدية مصطعنة

- الإعتراف بالحق فاضيلة كنت واثق إنها مش هتلاقي حاجة بالمواصفات اللي عرضتها عليا وقلت لها لو لقيتِ مجنون يعملك دراسة شاملة للمشروع هادفع لك حق المشروع من الالف للياء

 

رد فياض بنبرة حائرة قائلا

- مش عارف أنا كدا خدمتك ولا ضريتك بس عموما انا المجنون دا

 

رد عابد ممازحًا

- عيب يا ابني أنت سيد العاقلين وسهلة نقطع الدراسة وكأن محصلش حاجة، مش مشروع دا اللي يخليك تقول على نفسك كدا

 

صدحت ضخكات الجميع في المكان بينما ردت ربى بجدية مصطنعة وهي تبسط يدها قائلة بحماس

- الفلوس يا دوك لو سمحت أنا خلاص هابقى سيدة اعمال جامدة اوي، وماعنديش وقت عشان اضيعه في مناقشات

 

أشار عابد بيده قائلا بسخرية

- اهي اتغيرت علينا من أولها وهتعمل فيها السيدة الأولى وكله من تحت راسك ياسي فياض .

 

رد فياض قائلا

- آسف يا دكتور عابد بس يحق لها دي تعبت وجابت فكرة مشروع ضخمة وعظيمة فعلا

 

ردت الجدة قائلة ببساطة

- مش الحضانة يا ربى اللي حكيت لي عنها ؟

 

ضحك عابد على وصف والدته وعفويتها ثم نظر لـ فياض وقال

- شوف هي فكرت فيها كام شهر وأنت سهرت عليها كام يوم وفي الآخر الحاجة أم عابد قالت لك حضانة تختلف المسميات وتظل حضانة في نظرها يعني من الآخر كدا دراستك دي تبلها وتشرب ميتها

 

رد فياض وقال بإبتسامة واسعة

- الخير والبركة كلها زادت من قيمة المشروع لما نطقته بطريقتها الخاصة ويشرفني طبعا تعدل عليا وأي حاجة تحبها تحت أمرها

 

ضغطت ولاء على فخذ ابنها عابد وامجد ثم قالت بنبرة صادقة

- الواد دا بكاش اوي، بس أنا قلبي ارتاح له وحبيته

 

صفق " تيم وشاهين" ثم اطلق أحدهم صافيرًا عاليًا وهو يقول

- ابسط ياعم طالما ولاء بنفسها ارتاحت لك يبقى كدا رسميًا أنت حفيدها ومهما حصل محدش هايقدر يقرب لك .

- ودا شرف ليا أكيد

 

وقف عن مقعده وقال وهو يغلق أزرار حلته السواد

- أنا لازم استأذن  لأني اتأخرت، وشرف ليا وجودي هنا

 

ردت الجدة بعفوية وهي تغمز لابنها في معصمه

- والله ما هاتمشي غير لما تتعشى، امسك في يا عابد عيب كدا

 

رد عابد وقال بجدية

- اظن مش محتاج اعرفك زعل ولاء عامل ازاي يعني لو باقي على عمرك اتعشي معانا افضل

- معلش يا عمي اعذرني مبأكلش والله بليل و...

 

قاطعته الجدة قائلة بجدية وهي تقف عن الأريكة متأبطة ذراع فياض من جهه،  والجهة الأخرى ذراع عابد، قادته وهي تخبره عن الأصناف الشهية التي قامت بإعدادها بنفسها وقالت

- دا أنا عرفت إنك بتحب ورق العنب عملته بإيدي تعال بس تعال

 

جلس فياض في المقعد المجاور لمقعدها، طال النظر إليها وهي تتحرك رعلى الرغم من تعبها إلا إنها لا تهدأ ترَ الجميع يتناولون الطعام من يدها، وضعت أمام كل فرد وجبته المفضلة،  كانت تغمره بحنانها تربت على كتفه بين الفنية والأخرى، تحثه على تناول وجبته حتى ينتهي من صحنه .

سألته بحنان بالغ قائلة

- عجبك الأكل يا حبيبي ؟

- تسلم ايدك حقيقي مأكلتش كدا في حياتي

- أنت ماكلتش حاجة، كُل يلا،  صحيح يا فياض أنت بتقول إن كنت عايش طول عمرك في الأمارات ورجعت قلت إنك اتولدت هنا هو أنت ابوك كان شغال هناك ولا شغال مع جدك في السياحة  ؟

 

بلع فياض لعابه ثم ترك الشوكة جنبًا وهو يخبرها بهدوء عكس ما يدور بخلده، والجميع نظراتهم معلقة عليه محاولين منعه من تعريف نفسه لها لكنه استجمع شجاعته وقال

- أنا اللي اخدت حب السياحة والشغل في عن جدي، أنا جدي يبقى محسن الورداني

 

ترك " مالك وعابد وامجد  "  المعلاق في آن واحد، ناظرين للجدة ثم عادوا ببصرهم له، لجمت الصمة لسانها لبرهة من الزمن، نظرت له وقالت بهدوء

- كمل أكلك يا ابني أنا عارفة إن جدك يبقى محسن الورداني وكمان عارفة إنك غير الله يرحمه ويسامحه بقى جدك، ربى قالت لي عنك كل حاجة وهي بتحكي لي عن مشروعها اللي كنت بتعمله .

 

--

بعد مرور يومين

علم مراد الجنون الذي وصل إليه أخيه، حاول أن يلملم الموقف قدر المستطاع قبل أن يتحرك ذاك المُحتال ويقوم بالإبلاغ عن شاهين، لكن باءت جميع محاولاته بالفشل، قام الرجل الذي استولى على اموال شاهين بالبلاغ عنه بأنه قام باختطاف أخته مهدد إياه بأيدفع له مال فدية تجاوزت المليوني جنيهًا، لم يحدث من هذا سوى خطف شاهين بالفعل لكن ذاك الأحمق يحاول الضغط والإستغلال من شتى النواحي.

مكث مراد في مكتبه حتى تجاوزت الساعة الثانية  مساءً ولم يتوصل لأخيه، انتظر ساعة أخرى عله يأتي أو يتصل به وينصحه لكن دون فائدة،  نظر لشاشة هاتفه بين الفنية والأخرى، أخيرًا أتاهُ الإتصال المنتظر رد سريعًا قائلا بعصبية شديدة

- فينك يازفت أنت  البيه اللي خطفت اخته قالب الدنيا و....

 

قاطعته فتاة من الجهة الأخرى تخبره بأن أخيه مُصاب بحُمى وأنه لايستطيع حتى فتح جفنيه، وأنها لاتعرف كيف تتصرف، خرج من المكتب متجهًا حيث مكان أخيه الذي عرفه للتو.

 

أكثر من ثلاث ساعات تقريبًا وهو يقود سيارته المكان هذا لم يأتي على باله يومًا، هذه قطعة ارض فضاء ابتاعها  له والده  في أحدهم الايام،  كان يخطط شاهين دائمًا أنه يصبح من افضل رجال الاعمال الكبار، وأن هذه الأرض ستصبح يوماما فيلاته إلى جانب مزراعته، كانت أحلامه أكبر منه وحذره كثيرًا بأن هذا الأمر سيتطلب وقتٍ وجهد كبيران لكنه لايُبالي لتحذيرات أحد، كان من الممكن أن يتحول حلمه لحقيقة إن لم يقع في شِباك ذاك المُحتال، حسنًا سوف يخرجه من هذه الدائرة ويفعل هو ما يميله عليه ضميره تجاه شقيقه .

 

وصل أخيرًا ومعه بعض العقاقير الطبية وخافضًا للحرارة المكان شبه صحراء إلا من حجرة واحدة

من الحجر الابيض، طرق بابها فتحت له وقالت بهدوء

- مين أنت ؟!

 

تجاوزها وولج الحجرة باحثًا عن أخيه وجده مُلقى على الارض وكتفه ينزف وحرارته تجاوزت الأربعون تقريبًا، نظر لها وقال بصوتٍ مرتفع

- أنتِ ازاي تعملي في كدا دا أنا هاوديكِ في ستين داهية  وهعرفك مقامك كويس

 

ردت بنبرة حادةقائلة

- مقامي أنا عارفاه كويس يا اسمك إيه أنت وبعدين دا بدل ما تشكرني إني انقذت اخوك مرتين مرة لما اضرب عليه نار والتانية لما قلت إني م مخطوفة وإنه هو جوزي !!

- ومين اللي ضربه بالنار اصلا؟!

- للاسف اخويا اللي ضربه

- اخوكِ ازاي إذا كان اخوكِ أصلًا كان في القسم بيعمل محضر ضده و....

 

ردت مقاطعة ضاحكة بسخرية

- وهو دا جديد عليه دا طبعه وعمره ماهايغيره أبدًا و...

 

رد بعصبية مقاطعًا حديثها وهو يرفع سامعة هاتفه على أذنه وقال

- ششش بس اخرسي

 

تابع بلهفة قائلا

- الو نوح هات بيجاد ولا تيم وتعالوا لي بسرعة هاقولك كل حاجة بس انا واخد شاهين وهروح اقرب مستشفى ايوة شاهين اضرب بالنار متتاخرش تعال بسرعة مش عارف اعمل حاجة لوحدي واوعى حد في البيت يعرف ولا ماما سلام

 

حاول مراد إفاقة أخيه والخوف والقلق يلتهمان قلبه عليه وعلى الحال الذي آل إليه، كما حاولت الفتاة أن توضح له أنه في غيبوبة إثر إخراج الرصاصة من كتفه،  لكنه لم يستمع لها،  سارت خلفه استقلت السيارة معه متجهان إلى أقرب مشفى تمدد شاهين في الأريكة الخلفية وفي المقدمة كانت تجلس هي جواره، تلتفت إليه لتتابع حرارته نظرت لأخيه وقالت بإرتياح وهي تضع يدها على صدرها

- الحمد لله الحرارة نزلت و...

 

هدر مراد بصوته الجهوري قائلا بعصبية

- مش عاوز اسمع صوتك خالـــص حتى نفسك مش عاوز اسمعه مفهوم ؟!

 

التزمت الصمت ليس خوفًا منه بل تقديرًا لحالته تلك  لم يكن يعلم أنها ممرضة وأن مافعلته معه هو الذي أنقذه، حسنًا يفعل ما يحلو له الوضع ليس بالأهمية التي يتحدث بها هو، ربما لأنها اعتادت مثل هذه المواقف ربما.

 

بعد مرور فترة ليست بالقصيرة

وصلا إلى المشفى  وبدأ يحدثهم بصراخ حتى يتحرك أحدهم نحوه،  أما هي اتجهت لطبيب الطوارئ وبدأت تسرد له ماحدث ومافعلته قبل أن يبدأ هو،  أمر بدخوله غرفة العمليات لتعقيم الجرح وتضميده،  أما في الخارج فكان قد وصلا كلامن

( عابد، نوح، بيجاد وتيم ) الجميع بالخارج عادت هي لتتطمئنه عليه،  وقفت أمامهم وقالت بهدوء

- اطمنوا الحالة مستقرة والدكتور هيخرج ياكد علي كلامي صدقوني و....

 

قبض مراد على معصمها معاودًا بجسدها للوارء حتى اصطدمت بالجدار، تأواهت وهي تستمع لتحذيراته الحادة وسبابه اللاذع قائلا

- اقسم لك بالله لو ما بعدتي عن هنا لأكون أنا بنفسي اللي فاصل راسـ ك عن جسمك ولو...

 

رد عابد قائلا بهدوء وهو يحاول فك قبضته من معصمها

- مراد اهدأ مش كدا يا ابني، خلينا نطمن على اخوك الاول وبعدين نشوف حكايتها إيه ؟!

 

حكايتها منيلة على دماغها ياخالي، البت اخوها نصاب وهي ضربت اخويا بالنار و..

 

أردف مراد عبارته وهو يترك يدها بعنف ناظرًا لعابد بينما قاطعته هي قائلة بنبرة صادقة مدافعة عن نفسها

- والله العظيم ماحصل طب لو أنا إيه اللي هايخليني اجاي كعاك ولا ارد عليك واقل لك اللي حصل

 

تتدخل بيجاد وقال بعقلانية

- هي معها حق يا مراد و...

- حق إيه يا عم بيجاد أنت هاتصدق شغل التلت ورقات دول دا انا محامي وعارف الاعيب دي كويس

 

رد بيجاد بذات النبرة وقال

- وأنا ظابط وشغلي عملني اتحرى الدقة قبل ما أي ما اصدر حكمي واعتقد إنها فعلا بتتكلم جد

- وشغلك بردو يا عم بيجاد قالك تقول اعتقد فس حاجة زي دي ؟!!

 

ختم مراد حديثه قائلا بعصبية وهو يدفع جسدها بعنف على أحد المقاعد وقال

- البت دي مش هتتحرك من هنا غير لما اخويا يفوق ويعرفنا اللي حصل يا إما كدا يا إما قولوا عليها يارحمن يا رحيم.

 

نظر عابد لها وجدها تحاول كظم غيظها إثر دفعته القوية والتي بسببها تأذى معصمها بكدمة على الفور اقترب منها وقال

- معلش يابنتي حقك عليا أنا  هو بس قلقان على اخو و....

 

وثبت عن المقعد وقالت بحدة وصرامة لاتقل عن نبرة مراد وجهت سبابتها في وجهة محذرة إياه قائلة

- بلا حقي عليك  بلا عليا، واسمع يـ اللي اسمك مراد أنت لو كنت أنا هنا فأنا هنا عشان اثبت لك إني بريئة مش أكتر، متبقاش غلطان أنت واخوك وفي الآخر تتكلم عني باسلوب زي دا، أنا مش مجرد واحدة عادية أنا ممرضة وعارفة بعمل إيه كويس اشتغلت مع دكاترة الجراحة العامة، دكاترة أنت نفسك تخاف تمشي من جنبهم، آخرهم دكتورة وتين الأنصاري ولو متعرفش مين هي وتين الأنصاري استشاري الجراحة العامة يبقى كلف خاطرك واعمل عنها سيرش هتلاقي اسمها محفور من دهب وسط اسماء مرعبة اللي بيني وبينك دلوقت الدكتور اللي هايخرج بين اللحظة والتانية وبعدها مش عاوزة اشوف خلقتك الكريمة لا أنت ولا اخوك

 

ختمت حديثها قائلة بملامح غاضبة

- لو كان في حد هيودي حد في داهية هبقى أنا الحد دا واقول إن اخوك خاطفني  بس أنا هطلع أصيلة مش زيك قليلة الأصل.

 

خرج الطبيب من غرفة العمليات وقال بهدوء

- الحمد لله اخوك بخير وحالته مستقرة، الحرج كمان الحمدلله محصلش له اي تلوث، لولا إن رقية عملت الإجراءات اللازمة وخرجت من كتفه الرصاصة ربنا وحده اللي عالم كان إيه اللي حصل .

 

زفر مراد بإرتياح شديد بعد أن ختم الطبيب حديثه وغادر المكان،  نظر بجانبه وجد عابد يقف أمامها مصافحًا إياها قائلا بعتذار

- أنا آسف ومش عارف اقل لك إيه رقية

- لو كنت اعرف إن حضرتك جوز الدكتورة وتين كنت التزمت الصمت عشان خاطرها وخاطرك أكيد لكن أنا آسفة زي ماشفت بعينك كان عامل ازاي ؟!

- حقك طبعًا واحنا اللي غلطانين يابنتي عمومًا تقدري تروحي واسمحي لي ابعت معاكِ حد يوصلك لباب البيت عشان الطريق الطويل دا

- لا ماتتعبش نفسك يادكتور أنا عندي هنا وردية مسائية  مضطرة استأذن وياريت تبلغ سلامي للدكتورة

- اكيد هايوصل عاوزين نشوفك في الخير بقى

- اكيد إن شاء الله مع السلامة .

 

غادرت رقية تاركة عابد يبتسم علي شجاعتها رغم خوفها الشديد من هذه الأحداث، كان خوفها ينعكس على زرقتيها، لاتعلم إلى أين تذهب لقد فقدت عملها بسبب تغيبها لأكثر من أسبوع دون إنذار مسبق منها،  هل إن عادت إلى المشفى وأخبرتهم وضعها سيوفقون العودة ؟!

عليها أن تجرب حظها قبل أن تيأس ربما يكن خيرًا وهي لا تدري .

 

--

عاد أدهم أخيرًا من مدينة شرم الشيخ،  كان في انتظاره ريان أما جميلة كانت تسرد حكاية الأميرة الجميلة والبطلة ريان الذي أتى ليتزوج بحبيبته رغم كل الصعاب، كانت تسرد لـ شاهيناز وكانت تغفو هذه المسكينة قبل أن تكمل جدتها تلك الأساطير الجميلة، راق لها هذا الحُب تقبلته حتى وإن كان من نسج خيال جدتها، تعشق إصرار الشخص على مايُحبه ويريده،  دثرتها في فراشها الوثير ثم طبعت قبلتها وغادرت المكان، كادت أن تصل إلى غرفتها بعد أن اطمئنت على جميع أحفادها لكن وصل إلى مسامعها صوت زوجها وهو يحدث أدهم بنبرة غاضبة قائلا

- الصور دي بتعمل إيه معاك يا أدهم وليه مصور بنتي في وضع مخجل زي دا، هي دي التربية اللي ربتهالك

- جبت الحاجة دي منين يا بابا

- مش مهم جبتها منين المهم بتعمل إيه عندك

- يبقى أنت اللي علمت شاهيناز العربي ؟

- قصدك وتين يا ادهم مش كدا !

- بابا أنا...

 

قاطعته ريان قائلا بغضبٍ جم قائلا

-بلا بابا بلا زفت هو دا جزات المعروف ؟! هي دي كلمة شكرًا على قطمت ضهري وسهري عليك عشان اربيك واخليك راجل بس للأسف طلعت خاين وناكر للجميل

 

بلع أدهم لعابه بنبرة متحشرجة ونظر لـ ريان بخيبة أمل وقال

- أنا عمري ما كنت خاين ولا ناكر للجميل يا بابا، طول عمري حافظ ليك جميلك، وأكبر دليل على كدا إني بعدت عن بنتك اللي هي بنت عمي أذى كان كفيل يدمر بيتها

 

رد ريان بعصبية قائلا بحدة

- ولاه العب غيرها بنتي أنا مربيها احسن منك  وعارف إني مجوزها لراجل وعارف كمان إنه بيموت في التراب اللي بتمشي عليه يعني لو عملت إيه مش هاتعرف توقع بينهم

 

انتظر أدهم حتى انتهى ريان من إهانته بشتى الطرق والدعس عليه وعلى كرامته، بل والخوض في سيرة والدته وماضيها غير المشرف وهو يقول

- منتظر إيه من واحد امه قتـ لت ابوه اللي جوزها ابو ابنها وكانت متجوزة عرفي واحد الشيطان جنبه يقل له يا أستاذ، لأ وهي بسم الله ماشاء الله عليها حدث ولا حرج و...

 

ريان كفاية لحد كدا، اذكروا محاسن موتكم وبعدين مش تدي له فرصة يدافع بيها عن نفسه يمكن يكون مظلوم

 

أردفت جميلة عبارته بنبرة مرتفعة محاولة تهدأت الأمر  وبداخلها تدعو بأن يدافع أدهم عن حاله ولا يخجلها ويثبت إن كان ظالمًا أو مظلومًا .

 

نظر لها ريان قائلا بحدة

- ممكن تنقطينا بسكاتك مظلوم إيه وهو في حضن بنتك في اوضة نومها  و...

- بردو نسمعه

 

رد ريان قائلا بغضبٍ جم

- أنا مش هاسمع حد

 

ختم حديثه قائلا بتقزز وهو ينظر إليه

- شوف محامي يفصل كل نصيبك من ورث ابوك عني وعني عيلتي وتغور من هنا واحمد ربنا إن أنا مش هبهدلك معايا والبسك قضية تخليك تقضي اللي باقي من عمرك في السجن .

- حاضر بس قبل ما اعمل كل دا لازم تسمعني لآخر مرة وبعدها اوعدك مش هاتشوف وشي تاني وإن كان على ورثي متنازل عنه لابني  ساجد

 

تنحنح ليخرج نبرة خالية من الإنكسار لكنه فشل، نظر لـ جميلة التي يُكن لها كل الإمتنان والشكر لأنها أعطته فرصة الدافع عن نفسه،  عاد ببصره وقال بهدوء

- كل اللي حضرتك شايفه محصلش و...

- طبعا ياحبيبي محصلش وهو أنا مستني منك تقول غير كدا ولا إيه ؟!

- اسمعه بقى ياريان مش كدا الله !!

 

سحب أدهم نفسًا عميق ثم أخرجه ببطءٍ شديد وهو يقول

- تصدق ولا متصدقش بس هي دي الحقيقة وربي يشهد عليها، اللي عمل دا محسن الورداني واللي منعته أمي وشالت الصندوق دا لما كانت في المانيا قبل ما ترجع مصر أول مرة بعد خروجها لما بابا توفى

- قصدك اللي أمك قتـ لته يا قلب أمك

- وبعدين بقى يا ريان

- لأ بعرفه بس الملاك اللي بجناحات عملت إيه في ابوه بس كمل يا قلب أمك  كمل

- هو مافيش حاجات كتير هاتتحكي بس كل أعرفه إنها عملت كدا عشان تبعتهم لعابد ويطلق وتين بس هي عرفت إن وتين انفصلت عنه فقالت مبقاش مهم حاليًا، الصندوق دا كان موجود في بيتها القديم ولما رحت بالصدفة هناك مع شاهيناز بنتي لقتها بتدور في مكنتش قادر استوعب إن أمي يوصل بيها الموضوع لكدا

- عشان تعرف إنها مساعدة إبليس واحنا اللي دخلنها بيتنا 

 

تجاهل أدهم إهانة ريان المتكررة وابتلع غصته بمرارة وختم حديثه قائلا بندم

- غلطت لما اخدت الصندوق واحتفظت بي كل السنين االي فاتت بس صدقني يابابا ...

 

قاطع كلمة( بابا ) لتحل محلها كلمة (عمي ) والإبتسامة الساخرة تزين جانب ثغره .

- قصدي يا عمي صدقني مكنش في نيتي أي أذى ليها ولو كنت حابب اعمل دا مكنتش اتأخرت أبدًا

وتين كانت قدامي بعد انفصالها عن عابد وحتى بعد ماعرفت إنه احتمال يكون ميت مسألتش نفسك مرة واحدة ليه مفكرتش اتقدم لها، اقل لك أنا عشان وتين عمرها ما شافتني غير ابن عمها الكبير وبس وبالنسبة لاسم بنتي فأنا جمعت بين أكتر اسمين حبتهم في حياتي وهما وجعوني سوى كان بقصد أو بدون قصد .

 

يتبع..