-->

الفصل التاسع عشر - عقوق العشاق

 




الفصل التاسع عشر

وقف عن المقعد وقال بهدوء شديد حد البساطة

- اطلع نام ياعمي وارتاح وبكرا كل حاجة هترجع لأصلها والصندوق عندك اهو عشان اثبت لك حُسن نيتي  ولو حابب احلف لك على مصحف إني ماعنديش أي صورة لبنتك سوى زي اللي في الصندوق أو حتى العادية اللي أي ولاد عم بيتصورها تصبحوا على خير .

- متزعلش من ريان يا أدهم هو بس زعل منك وقال ازاي ابني الكبير يعمل كدا

 

رد باسمًا قائلا بهدوء شديد

- حاضر مش هزعل

 

صعد سلالم الدرج ببطءٍ شديد يكاد يجزم أن ساقاه أصابها الشلل، لقد نبش وتوغل ريان الأنصاري في ماضيه وتعمد إهانته ووجعه بشتى الطرق،  ولج غرفة ابنته شاهيناز، جلس على حافة الفراش وجدها في سباتٍ عميق، ملس على خدها الناعم برقة فتحت حدقتاها وكأنها كانت تنتظره ابتسم لها رغم الالآم التي يشعر بها، غصة في قلبه

جعلته يبكِ داخليًا أكثر من خارجيًا، ابتسمت له وقالت بصوتٍ يغلبه النعاس

-أنت كويس ؟!

 

أومأ لها برأسها مغلقًا عيناه كي لا ترأه وهو يبكِ،  رفعت عن الدثار ثم جلست على ركبتها

محاوطة رقبته من الخلف وقالت بجانب أذنه

- احكي لي عملت إيه يومك الطويل

 

صدق من قال إنهن مؤنسات غاليات، تهتم لأدق التفاصيل،  كان يريد أن يجمع بين الأم والحبيبة لكن الله عز وجل عوضه بالصديقة والحبيبة والأم الحنونة، كل شئ تفعله بعفويتها وصغرسنها يأخذه لعالمًا آخر،  وضع كفه على كفيها الصغيران وقال بنبرة مجهدة 

- تعبان يا شاهي خليكِ كدا بس في حضني يمكن ارتاح

 

ابتعدت قليلًا عنه ثم وضعت أناملها على مقدمة رأسه وقالت

- في المدرسة علموني المساچ للراس ولكل مكان عشان يخفف التوتر والضغط، هاعمله لك

 

مر الوقت وهو ممد بجوارها يحدثها كثيرًا عن حياته القديمة، سألته عن سبب حزنه ودموعه المتجمعة داخل مقله  رفض أن يخبرها لكنها قالت بهدوء

- أنا  سمعت كل حاجة ومش عاوزة اقعد هنا تاني أنا بقيت بكره البيت دا محدش هنا بيحبك وأنا مبحبش اللي مش  بيحبك

 

سحبها لحضنه مرة ثانية وقال بهدوء

- مين قال كدا دي مجرد خلافات بتحصل في أي بيت ومع كل أب وابنه بكرا نتثالح وكأن مافيش حاجة حصلت

 

ردت عليه بإصرار قائلة

- أنا عاوزة ارجع المانيا

-ليه ؟

- هناك كل الناس بتحبنا وصحابنا هناك هنا مافيش حد بيحبنا

- بس دا بيتك ودي بلدك وهنا كلهم بيحبوكِ ساجد وسليم تيتا وجدو كلهم بيحبوكِ

 

ردت بما لم يأتي علي باله قط حين قالت

- أنا مش بحب جدو ريان بقى وحش عشان زعلك

- أنا كمان زعلته

- بردو مش بحبه ومش عاوزة ارجع هنا تاني ابدًا

 

كان إصرار شاهيناز عليه بأن يوافق أن يعاودان إلى بلدها وعالمها الذي تركته وليتها لم تتركه حافزًا لأن يغادر بالفعل، قام بتحضير حاله وحالها ثم غادرا الفيلا، وقف أمام البوابة الدخلية للمنزل ينظر نظرته الأخيرة وشروق الشمس يسود المكان، عاد ببصره لابنته وقال بنبرة مختنقة

- كان نفسي تعيشي وسط أهلك، كان نفسي تحبيهم ويحبوكِ،  لكن شكلك يابنتي حظك في الدنيا زي أبوكِ هاتفضلي طول عمرك غريبة في بلد غريبة، جايز في يوم نرجع تاني وجايز ترجع لوحدك

 

نظرت له وقالت باسمة

- مش هرجع هنا تاني وهفضل معاك

- مش عايش العمر كله

 

ردت بإبتسامتها الساحرة وقالت بعفوية وهي لا تعي حديثها

- بس أنا عايشة  وهفضل معاك

 

سألها للمرة الأخيرة قائلا

- مش عاوزة ترجعي في كلامك وتفضلي هنا وسط أهلك ؟!

 

هزت رأسها بعنف وقالت

- لأ

 

نظر مرة أخيرة لكل ركن في هذا المكان وكأنه يودعه نظر لها وقال

- يلا شاهي نمشي، خلينا نمشي من مكان مجاش منه غير قهر وحزن ووجع قلب، مكان ملعون عندك حق أنتِ لازم تبعدي عن عيلة الأنصاري تبعدي عن كنت فاكر إني عملت صح لما جبتك هنا أول مرة بس غلطت، عيلة الأنصاري مش لازم نعيش فيها أكتر من كدا وإلا هاتصبنا اللعنة اكتر ماصابتنا.

 

سألته بعدم فهم قائلة

- لعنة إيه !!

 

أجابها بمرارة

- لعنة العشق يابنتي ربنا يكفيكِ شر لعنة العشق في بيت الأنصاري

 

--

بعد مرور أسبوعًا كاملًا لم يحدث شيئًا جديد يذكر سوى فشل محاولة الجميع الوصول إلى

أدهم وابنته، حتى الآن لايعرف ساجد ما السر وراء اختفاء أخته وأبيه،  أما ريان فظل صامتًا حتى إشعار آخر، عاد ساجد في ساعة متأخر من الليل  ولج غرفته وجد زوجته في انتظاره

لكن غلبها النعاس على الأريكة وهي تقرأ أحد الكتب جثا على ركبته ملس على ذراعها برفق

ثم قال بنبرة حانية

- تولي،  حبيبي قومي ياروحي

 

فتحت تاليا عيناه وعلى وجهها إبتسامة خفيفة  وهي تملس بظهر يدها على لحيته النامية قليلًا ثم قالت:

- أنت جيت ياروحي حمد لله على سلامتك

 

سألته بهدوء وهي مازالت على وضعيتها

- ها إيه الأخبار ؟

 

حرك رأسه علامة النفي وقال بيأس وهو يتجه نحو الخزانة ليبدل ثيابه

- مافيش أي جديد للأسف، أنا مش عارف ممكن يروح فين بس دا أنا ماسبتش خرم إبرة مدورتش في !

 

سارت بخطواتها الهادئة وقفت خلفه، ربتت على كتفه وقالت بنبرتها الحانية

- متقلقش يا حبيبي أكيد هيرجع هايروح فين يعني ماهو دا بيته واحنا عيلته مستحيل يسبنا كدا

 

قادها نحو الفراش وهو يقبل يدها، جلست على حافة الفراش وجلس مقابلتها سألها بهدوء

- أكلتي ؟

- لأ لسه قلت استناك

- وبعدين ياتاليا في دلعك دا دي بردو تعليمات الدكتور مش قالك لازم غذا عشان البيبي

 

حاوطت رقبته وقالت بغنج بالغ

- خلاص بقى يا ساجد أنت عارف إن أنا أصلًا بتعب من ريحة الاكل وتيتا كل شوية تجيب لي اكل ومصممة تأكلني تقولي مش عشانك عشان النونو

 

تابعت بحزن مصطنع وهي تترك رقبته وقالت

- كله دلوقت بيهتم بالنونو الصغنن أما أنا ياحرام راحت عليا خلاص

 

جذبها لحضنه حاوطت خاصره بذراعيه بينما هو مسد يده على كتفها وقال بنبرته الحانية

- دا أنتِ الأساس والخير والبركة ياقلب ساجد احنا بس بنهتم بي شوية صغيرة عشان ميزعلش مننا

 

إبتسمت ملء شدقيه وقالت بإبتسامة واسعة

- بابا وسليم  فرحانين  اوي

 

رد " ساجد" ضاحكًا وقال

- بس جدو غيران اوي اوي اوي، كل مايشوفني يقل لي مستعجل أنت علي وجع القلب طب مراتك حامل مرمطة مراتي معاها ليه في الاكل ومشاوير الدكاترة

 

ضحك الأثنان على غيرة الجد الواضحة، نظر لها والعشق يملئ عيناه بينما هي ابتسمت ملء شدقيها وهي تقول بنبرة حانية.

- هاتغير عليا زي ما جدو بيغير كدا على تيتا وهاتبقى عاوزني لوحدك وبس ؟!

 

شدد في ضمته وهو يطبع قبلته الحانية على جابينها ثم قال بحنو وحب

-هاتفضلي طول عمرك حبيبتي وحياتي وعمري وكل حاجة حلوة حصلت لي في حياتي

- ربنا يخليك ليا ياحبيبي

- ويخليكِ ليا ياعمري.

 

               

--

 

هتنادي ع ابنك يشوف إيه يا وتين يشوف امه  وهي نايمة في حضن ابن عمها بقميص النوم !!!

وفين في اوضة نومي ؟!

 

كانت هذه العبارة لـ وتين وعابد، داخل غرفتهما دوت اصواتهم المكان، التوتر يسود الجميع وليس هما فقط، لا أحد يعرف ماسبب هذا الشجار ولكن كل مايعرفونه أن الأمر ليس على مايرام،  أما عابد فكان يملك من العقل والحكمة قدرًا لا يُستهان بهِ، علم كل شئ وتحكم في اعصابه بأعجوبة شديدة

لكن وتين ترجمة كل هذا بطريقة خاطئة ظنت أنه يفعل ذلك من فرط غضبه الشديد بعد أن سرد له ريان حتى لا يخبره أحد بطريقة غير التي شرحها ادهم،  بعد مرور عدة دقائق احتوى حزنه، غضبها، وخوفها من القادم، ضمها لحضنه وربت على كتفها اخبرها بأنه هنا وأن مايحدث لايعنيه مطلقًا، وأن الثقة بينهما ثقة عمياء،  كما حذرها بأن تفتح الامر مع ابنائها ويأخذ الأمر أكثر من حجمه في نظر الجميع .

 

--

بعد مرور أسبوع

كانت الجدة تسير بخطواتها الهادئة وبيدها مبخرة عليها قطعة من البخور ذو الرائحة النفاذة امتلئ البيت بسحابة دخان كثيفة وقف على اعتاب الباب " عابد" وهو يلوح بيدها ليبعد عنه الدخان وهو يقول

- إيه يا أمي دا كله البيت، بتعملي إيه بس ؟

 

ردت وهي تتجه نحو نوح وقامت بتوجيه الحامل الصغير وقالت

- بتطرد الشيطاين من البيت

 

رد نوح من بين سُعاله وقال

- كفاية يا ستي هتخانق الدخان خنقني

 

لكزته في كتفه وقالت بنبرة مغتاظة

- مش هتيجي زي اللي جنبك وقفشة فيك ولا أنا بقيت وحشة دلوقت يانوح ؟

 

تناول ظهر يدها وقال بعتذار

- العفو ياستي أنتِ الخير والبركة

 

تقفت عند حفيدها " شاهين" وقالت

- سيب اللي في ايدك دا يا واد خليني ارقيك

 

نظرت لشاشة هاتفه وقالت

- ايه دي يا واد ياشاهين

 

مازحها وهو يقرب هاتفه قائلا

- دي عقربة ياستي حاسبي تلسعك

 

لترد شقيقته تولين قائلة

- تلدغك مش تلسعك يا عبيط

 

رفع شاهين بصره وقال بتساؤل

- هي العقربة بتلسع ولا بتلدغ ياستي ؟

 

رد الجدة قائلة

- معرفش والله يا ابني اسأل منال هي تعرف أكتر مني

 

كبح الأحفاد ضحكاتهم احترامًا لـ نوح وخطيبته، أما هو اعتذر لها وقال بنبرة هادئة

- متزعليش تيتا بتحب تهزر معاكِ

- بقى دا هزار دا يا نوح ؟!

- خلاص بقى يا منال قلت لك تيتا بتهزر معاكِ

 

كظمت منال غيظها وهي تدب الأرض بقدمها، لم تقو على الرد بكلمة واحدة مع جدته فهي امرأة ليست سهلة كما أن نوح هذه الفترة بحالة مزاجية لاتسمح بالمشاجرات أو الحزن،  غادرت المكان بعد عشرة دقائق كاملة ولم يلحق بها، نفذت طاقته لا  ليست تلك التي يركض خلفها لترضى .

 

مر اليوم ولم يحدث شيئًا جديد يذكر، الأيام تمر ببطءٍ شديد حان موعد مغادرة فيروز وصهيب من مصر وعودتهم إلى المانيا، قرر أن يحدثها للمرة الأخيرة علها تعود له، كان والده على حق حين قال له أنه خالط الأمور ببعضها لكن ماذا يفعل هو لا يريد هدم زواج ولديه على حسابه علاقته مع ابنة خاله كان سوء تفاهم منه لكنه دفع حب حياته مقابل هذا سوء التفاهم،  ولج محل عملها الجديد الذي ساعدها والدها في فتحه وقام بدعمها بشتى الطرق نظر حوله وجد ماكانت تتحدثه عنه ليلًا نهارًا ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتاه، انتبه لصوت العاملة وهي تشير بيدها ليجلس على أحد المقاعد قبل أن تأتي صبا،  ولجت قبل أن يسألها تفاجئت بوجوده، حاولت أن تسيطر على نبضات قلبها التي كادت أن تفقز من قلبها، ارتسمت ملامح الجدية وهي تحدثه برسمية قائلة:

- أهلًا يا صهيب، نورت المكان

 

نظرت لمساعدتها وقالت بجدية

- سلمى من فضلك اتنين قهوة مظبوط وأجلى أي حاجة لحد ما اخلص اجتماعي مع مستر صهيب

 

تابعت بتذكر وهي تعتذر منه قائلة

- معلش نسيت أنك دكتور قهوتة مظبوطة صح ؟

- اها

- تمام يبقى زي ما قلت لك يا سلمى اتنين قهوة مظبوط واتفضلي دلوقتي

 

أنا آسف يا صبا ارجوكِ ارجع لي

 

قالها صهيب سريعًا وبدون أي مقدمات ما إن خرجت المساعدة الخاصة لحبيبته، نظرت له وطالت النظر في عيناه لقد تبدل حاله كثيرًا صحيح هو يأخذ نفس هيئة والده من حيث الشكل وشعره الطويل الذي يعصقه على هيئة كعكة،  وماذا عن لحيته التي طالت كثيرًا عن ذي على مايبدو أنه بعد فراقهما قرر تركها، تنحنحت ما إن هتف باسمها عدة مرات لترد في النهاية قائلة بجمود

- آسف دي تقولها لما تتدوس على ديل فستاني بالغلط مش على كرامتي وكبريائي ومطلوب مني اسامحك عادي

- كفاية بُعد يا صبا أنا تعبت من عنادك

-أنا خدت عهد على نفسي إن اتجوز الراجل اللي يحافظ على كرامتي وكبريائي 

 

سألها صهيب قائلا بنبرة تملؤها الحزن

- طب وقلبك ؟

 

أجابته بجدية

- قلبي هايحب الراجل اللي يصونه ويحافظ عليه

 

رد صهيب قائلا بنبرة مغتاظة

مشكلتك يا صبا أنك مغرورة وطالع بقلبك السما

- ومشكلتك ياصهيب  إنك بتنسى إني واحدة خسرت كل حاجة حلوة في حياتها ومافضلش معاها غير قلبها

- هتفضلي لوحدك والعمر هايضيع من بين ايديكِ  وهتلاقي نفسك لوحدك

- لوحدي احسن من ان اكبر انجازاتي اتجوز

- هاتندمي يا صبا ووقتها الندم مش هاينفعك

- أنا صبا بنت عابد المحمدي  ابويا علمني إني اخد قرارتي بعد تفكير طويل مع نفسي  وإن حصل وندمت فـ دا طبيعي لأن انا المسؤولة عن قرارتي اللي ممكن تكون صح وممكن تكون غلط

 

بابا علمني إني اتخلقت حرة  واعيش واموت حرة لا قلبي يقيدني ولا راجل يعذبني 

وإن لوعشت عمري كله من غير جواز احسن مليون مرة ما اتجوز واحد اناني  واقول ان دا بالنسبة لي اكبر انجاز

 

ايوة عمري بيكبر وايوة فرصتي في الخلفة بتنقص يوم بعد يوم زي ما منال دايما بتقولي أنا وربى  بس هفضل اقول لأ لحد ما قلبي يختار راجل يحارب عشاني ويعد في سمايا النجوم مشكلتي اني كنت حنينة زيادة عن اللزوم بس الحمد لله كبرت وعقلت وعرفت يعني إيه حب ويعني إيه حياة مليان مغامرات وحكايات اكتر من اي حاجة تانية

اخترت مرتين وفي المرتين خسرت عشان كدا قررت لما اختار المرة التالتة تكون افضل من المرتين السابقين  مش هتجوز طالما ملقتش اللي يحافظ على قلبي وفر كلامك عشان مش محتاجة له أنا مش هتجوز لا أنت ولا غيرك

ولو فكرت اتجوز هيبقى شخص يكون بيحبني مش انا اللي بحبه هاتعب عشان الاقي حد يحبني ويمكن ملاقيش أنا حظي في الدنيا دي قليل انا عارفة دا كويس،  بس كفاية حب ابويا وامي هما دول دنيتي 

 

 

وقفت عن الأريكة عاقدة ساعديها أمامها صدرها وقالت بنبرة لاتقبل النقاش

- الزيارة انتهت يا دكتور صهيب، وعرضك مرفوض جايز تلاقي قبول مع إنسانة غيري لكن أنا آسفة مبتنازلش عن كرامتي ولا بتحط من ضمن اختيارات .

 

--

بعد مرور يومين

كان بيجاد يقف أمام النافذة في غرفته بمنزل أبيه، يُعيد حساباته من جديد، يبحث عن عشق صبا بداخل الذي تلاشى حتى اختفى،  ارتشف رشفات من قهوته الفرنسية ثم عاد ينظر للمارة بالطريق، وهو يسأل  حاله أين ذهب العشق الذي تغنى بهِ عائلته هل كان مجرد انبهار بالبدايات أم كما يقولون البُعد يولد الجفاء،  تذكر مافعله ليؤلمها وعاتب نفسه كثيرًا،  كيف سمح له لنفسه أن يحدثها هكذا عاد بذاكرته للماضي لذلك اليوم الذي تقابل معها في محل عملها قبل الإنتهاء منه

 

اللي  سبتيني عشانه يا صبا  هو كمان سابك  عشان غيرك اللي دوستي على قلبي بمنتهى البرود وعديتي عليا وعلى كرامتي لما بس قلت لك يا أنا يا هو داس على قلبك ولا همه عمي ولا همه حد لأ و إيه بعد خطوبتكم بيوم واحد

 

ردت مصححة لها حديثه قائلة ببرودة أعصاب

- أنا اللي سبته يا بيجاد مش هو

- مش فارقة بالنسبة لي المسميات  عارفة ليه ؟

عشان أنتِ طلعتي واحدة رخيصة بتحب تلعب بالشباب أنا مش عارف ازاي عمي نسي يربي بناته انشغل في جمع الفلوس عشان يعمل مستقبل كويس ونسي إن اساس المستقبل دا هو إنه يربي ولاده كويس. معلش غلطة منه اشربي يا صبا اشربي نفس الكاس اللي أنا شربت منه اشربي واتفرجي على حقي وهو بيرجع ومن غير أي تتدخل مني دا ربك هو اللي عالم بحالي  صهيب اللي بعتيني عشانه باعك وبالرخيص اوووي  ياااه و الله لو حد كان قال لي إن حقي هايرجع بسرعة كدا ما كنت صدقته

- عندك حاجة تاني عاوز تقولها  يابيجاد و لا خلاص كدا ؟!

- لا ماعنديش بس هو سؤال واحد يا صبا ليه كدا ليه بترخصي نفسك وتتخطبي لدا ولدا ليه ؟

- اديك قلتها نفسي وبحب ارخصها أي اسئلة تانية ؟ ياريت تسبني بقى اشوف شغلي 

ماشي يا صبا هاسيبك تشوفي شغلك بس عاوز اقل لك حاجة  مهمة عمي وقع مع عمتي فيروز

وتيتا شبه طردت أبوكِ من البيت لو حابة ترجعي البيت تاني احسن لك بلاش لأن الدنيا هناك و لعة وأنتِ السبب

 

و اه الموضوع مش بسيط زي ما أنتِ فاهمة زي ما حصل معايا وكلمتين و خلاص لأ دا صهيب دلوع العيلة قلب أمه اتكسر وعمتي مش هاتسيب حقه كدا يعدي لأ ولا حتى تيتا  أنتِ بقيتي اكبر عدو للعيلة كلها  اعتقد مابقاش ليكِ مكان وسطنا  لأن تيتا معجبهاش اللي حصل منك   المرة دي نوح وقف قصادهم عشان عمي

تفتكري المرة الجاية هايحصل إيه ؟

 

عاد من بئر ذكرياته وهو يتنفس بعمقٍ، لا يعرف كيف كان يُكمل حياته وهو يأنب ضميره بين الفنية والأخرى،  اعتذر لها قبل ذلك وهذا ما يجعله يشعر بالراحة نسبيًا ما إن تقبلت اعتذاره بصدر رحب

عاد لعمله وحياته بشكلٍ طبيعي داعيًا للجميع التوفيق فيما يُريده.

 

--

اسمها ربى وامها اسمها وتين خطيبك قلبه متشعلق فيها معاكِ بجسمه بس قلبه وعقله معاها

 

أردف هذه العبارة أحد الدجالين وهو يقلب كنزة ربى بين يده، كلما اشتمها اخبرها بما تريد أن تسمعه لا تعرف أنه يعلم كل هذا من خادمتها التي استدرجتها حتى تأخذ منها النقود بسخاء

 

ردت منال وهي تنظر لخادمتها التي إبتسمت ملء شدقيها وكأنها تخبرها بأنها نجدتها أخيرًا من بين براثن تلك الأفعى.

حصل يا سيدنا الشيخ ودا اللي قاهرني

عامله له سحر سحر اسود وعلقت قلبه بيها

- شفتِ يا ستي هو دا اللي كنت بقولك عليه وأنتِ مش مصدقاني

-طب يا سيدنا الشيخ ازاي نفك السحر دا ؟

-هايتفك يا بنتي هايتفك

-تعرف تعمل لي سحر

-لمين ؟!

- ليها بردو بس بدل ماهو بالحب بالكره والمرض عاوزاها تمشي في الشوارع زي المجانين عاوزة اقهرها زي ما قهرتني

 

بعد مرور عدة ساعات

 

ذهبت منال في زيارة قصيرة قاصدة منها نثر سحرٍ  أسود على أعتاب باب شقة عابد،  كانت الجدة حذرة كما قالت لها زوجة ابنها مالك من قبل،   قررت أن تقوم بفتح باب شقتها ليلًا نهارًا حتى ترَ تلك الحرباء وهي صاعدة أو هابطة، وهاهي قامت بما خططته من قبل،  خرجت الجدة ما إن لمحت طيفها وهي تميل بجذعها العلوي، قامت بضربها بعكازها وصرخاتها تدوي المكان، خرجت على إثرها ابنها عابد لكنها  هدرت بصوتها مانعة خروجه من البيت بعكازها قائلة

- محدش يخرجك من هنا  خليك يا ابني.

- في إيه يا أمي إيه اللي حصل ؟

- بنت الشيطاين دي عامل عمل ورشته على باب بيتك

 

ردت منال بنبرة متلعثمة قائلة

 

لأ يا نوح أنا معملتش كدا ومستحيل اعمل كدا

 

رد نوح قائلا بهدوء

- اهدي بس يا منال وهنعرف كل حاجة دلوقت

اهدأ إيه وزفت إيه جدتك بتقول إن أنا اللي عملت سحر لبنت عمك وكمان بتقول إني حاطهافي دماغي مع إن بنت عمك هي اللي حاطاني في دماغها

 

ردت الجدة قائلة ببساطة شديدة قائلة

- معلش يا منال يا بنتي بس لما رُبى تحطك في دماغها مش هتلاقي حاجة تلبسها في رجليها ولا أنت إيه رأيك يا نوح !!

 

حاول عابد أن يخرج من الشقة لكن منعته ولدته بضربة من عكازها قائلة بسبابها المعتاد

- هو أنا لاقيك في الشارع يا ابن الكلـ  عشان تتدوس على العمل

 

رد عابد بهدوء وعقلانية

- يا ماما عمل إيه بس يا حبيبتي الحافظ هو الله وبعديـ ...

 

ردت مقاطعة بصوتٍ مرتفع قائلة

- ليه يا حبيبي مش فاكر عمك أبوالغالي لما قال لبنتك ربى تحصن روحها  ومن غير ما حد يقل له حاجة قالها كدا من حاله الراجل دا بركة وبيعرفهم ويحس بيهم و...

 

حاول نوح أن يقترب من جدته ليفك قبضة يدها من رسغ منال لكنها لكزته بعكازها وقالت بحدة واضحة

- ابعد يا واد أنت تلاقيها سحرلك أنت كمان ماهو أنت مترحش مني كدا وتخطب واحدة عقربة زي دي كدا لله وللوطن

 

تابعت بصراخ قائلة

- يا سيلا  تعالي ياسيلا اللي حذرتيني منه حصل يا سيلا

 

انقلب الوضع رأسًا على عقب، لم يعد أحد يفهم ماحدث في البيت،   لم تهدأ الجدة إلا بعد وجود الشيخ أبوالغالي،  بدأت الأمور تتضح شيئًا فشيئًا، أكد الشيخ كلام الجدة وأن مافعلته منال هو عملًا بالمرض والفراق والكُره  لابنة عابد، لجمت الصدمة الجميع قام الشيخ بفك هذا العمل لحُسن الحظ كان بيدها فكانت تريد أن تنثر المادة السائلة اللزجة اولًا ثم تقوم بربط العمل ذات على أحد الأشجار ليجدده الهواء بين الفنية والأخرى.

 

--

في منزل ريان الأنصاري

كانت ربى في زيارة عائلية لجدها كانت تعرض عليه مشروعها لكنها احتفظت بهوية فياض ولم تخبره بأنه حفيد محسن الورداني، اشاد بالمشروع ومن قام بدارسته،   عرض عليها أن يقوم بتمويل المشروع لكنها رفضت واخبرته أن والدها دعمها ماديًا  وهي ليس بحاجة للمال في الوقت الحالي

انتهت مناقشة  العمل وبقى الحديث في الجانب الذي حذرته جميلة في أن يتحدث فيه،  لكنه قرر أن يحذرها حتى لا تنجح تلك الحرباء في قهرها

- بلاش يا ربى السفر كفاية غربة بقى العمر يابنتي مبقاش في سنين تبعدوا عني فيها

- معلش يا جدو أنا شايفة إن البعد علاج لكل وجع جويا

-وناوية تعملي إيه في حياتك ؟

- هبدأ في شغل جديد واحاول اكبره زي ماقلت لك

- اه هتدفني نفسك في الشغل يعني ؟

- حاجة زي كدا

- عرفتي إن نوح هيكتب كتابه يوم الخميس

- اه ربنا يتمم له بخير

- مش هتروحي ولا إيه ؟

- هروح طبعًا دا ابن عمي

- هي الدعوة جت لك إمتى ؟

- دعوة إيه ؟

-ماهي العروسة جابت دعوات ومكتوب في الدعوة ممنوع الدخول إلا بالدعوة

- مش عارفة بس اكيد بابا عارف

- طب عشان متتفاجئيش بلاش تروحي

- ليه ؟

- اسمك مش من ضمن المدعوين والعروسة طلبت من باباكِ قال أيه ياستي بتخاف من الحسد !!

 

ابتسمت ربى رغمًا عنها ثم قالت بمرارة جاهدت في اخفائها

- حقها عمومًا وفرت عليا كتير و...

 

قاطعها رنين هاتفها المحمول دست يدها في حقيبتها لتخرجه، ردت بهدوء يعكس ما بداخلها من نيران،  تبدلت ملامحها فجأة وهي تقول بتوتر

- في إيه يا بابا ؟ طب براحة فهمني !! ما حضرتك عارف إني عند جدو، مالك بس في إيه ومالها تيتا بتصرخ ليه ؟!  حاضر هجاي  حاضر مع السلامة

 

وضعت هاتفها جنبًا على عجل وهي تقف عن الأريكة اخبرت  جدها بأن عليها المغادرة الآن، تركته قبل أن يسألها بما لا تعرف إجابته

 

بعد مرور ساعة تقريبا

 

وصلت إلى منزلها وجدت الجميع في انتظارها عدا منال التي تم إطلاق سراحها بعد صراع طويل بين الجدة و عابد في تسليمها للشرطة،  سألت عن السبب  وكانت إجابتهم غير المتوقعة،  ولجت شقتها لتطمئن وتين عليها وأنها بخير، هرعت أمها تجاهها حضنتها بقوةً  والدموع تنساب من عيناها

   حاول عابد أن يخفف الأجواء لكنه فشل،  لم تتوقع أن منال إنسانة متجردة من مشاعر الإنسانية ظلت هادئة بحضن أمها حتى غفت رغمًا عنها،  استيقظت على صوت مشاجرة وصراخ عالِ

علمت أن جدها جاء ليطمئن عليها بعد مكالمة أبيها كانت تظن أن والدها سرد له ماحدث ولذلك هو غاضب لكنها تسمرت على اعتاب باب غرفة ما أن قال الجد ريان بصوت جهوري

- اقسم بالله يا عابد ما حد واقف لك في الجوازة دي غيري لو فكرت توافق، ابن الوردانية مش هيناسبنا ولم دورك بقى وحافظ على حتتين العيال اللي حيلتك بدل مايروحوا منك

 

رد عابد بهدوء قائلا

- يا عمي فهمني بس مين قالك إن فياض عاوز يتجوز ربى ؟!

 

ضرب ريان سطح المنضدة بيده وقال

بقولك بيطلب البت مني عشان أنا جدها وبيقول طالب القرب مني هايكون طالبه في مين في مراتي ولا مراتك يا عابد !!

- طب اهدأ عان افهمك مين فياض وإيه علاقته بمحسن الورداني واقل كمان ليه دخلته بيتي رغم معرفتي بي

 

--

بعد مرور يومين

 

ولج عابد شقة والدته باحثًا عن ابن أخيه، وجده في غرفته يحاول تنظيم أنفاسه المسموعة،  جلس على المقعد يتابعه في صمت، هدأ قليلًا سأله عمه قائلا بهدوء

- مالك يا نوح ؟

 

أجابه بنبرة مقتبضة

- مافيش ياعمي

 

رد عابد بنبرة متعجبة قائلا

- ايوة مافيش دي تقولها لما تكون مترفز لوحدك وم عاوز تقول لحد، لكن لما تزعل عماتك منك ويخرجوا من الاوضة بوزهم شبريين يبقى في ونص

- عمي من فضلك مش حابب اتكلم دلوقت على الاقل

- طب قوم راضيهم يلا مش متعودين منك على كدا

- مش هاينفع دلوقت يا عمي معلش سبني

- في إيه مالك يا نوح مش طايق نفسك ؟!!

 

رد نوح بنبرة مرتفعة غاضبة لأول مرة يستشعرها عابد في صوت ابن أخيه، لم يكن يتوقع أنه سيكون كالثور الهائج هكذا وهو يحدثه قائلا

- عماتي مش ساكتيين ياعمي كل شوية يضغطوا عليا عشان اخطب ربى، وكل شوية يقولوا دي بنت عمك لحمك ودمك خدها، دي بتحبك وأنت بتحبـ ....

 

رد عابد مقاطعًا حديث نوح وقال بهدوء عكس الإنكسار والحزن الذي خيم على قلبه

- مين يا ابني قال إن ربى بتحبك !! بنتي مابتحبش حد بنتي اتقدم لها ناس كتير  وهي رفضت عشان مهتمة بالمشروع الجديد وبس

 

تابع حديثه قائلا

- متزعلش يانوح عماتك باين عليهم كبروا وخرفوا لو كانوا رجعوا لي الاول قبل ما يتكلموا معاك كنت منعتهم بس متزعلش أنا هبهدلهم لك  حالا

- عمي من فضلك كفاية لحد كدا أنا حرفيا مش قادر اعيش في نكد اكتر من كدا، عماتي من يوم ما فركشت خطوبتي مع منال وهو مش قادرين يستوعبوا إن معاملتي مع ربى هي هي نفس معاملتي من زمان ولو فكرت حتى اخطب تاني هتكون واحدة تاني غيرها

- ودا شئ أنا واثق منه يانوح عشان اساسًا أنا م حابب جواز القرايب دا يمكن ابني شرد مني وخد بنت عمته بس مش هقدر اتكلم اقول غير إن النصيب غلاب،  لكن بناتي مش هاخليهم يتجوزا من قرايبهم مين ما كانوا يكونوا، عموما يانوح متزعلش ربى اللي بيضغطوا عشانها هي مسافرة معانا تاني الكويت وكش هيشوفوها غير كل سنة ومين عالم يمكن ماتجيش بسبب شغلها الجديد

- عمي أنا متزعلش مني

- ياابني أنا مش زعلان منك أنا زعلان من اخواتي اللي رخصوا بنتي لدرجة إنهم يعرضوا على ابن عمها يتجوزها وهما لو كلفوا خاطرهم وسألوها خترد وتقول نوح دا اخويا الكبير وعمري مافكرت في غير إن اخويا وبس بجد مش عارف دماغهم ازاي جبتهم لكدا

    

 

--

عاد الشيخ أبو الغالي بعد يومين في زيارة عائلية بعد إصرار الجدة على ذلك، تحاول بشتى الطرق توطيد العلاقة بين مراد وحبيبته ولكن بطريقة غير مباشرة،  كان جالسًا يرتشف قهوته في هدوءٍ  وهو يتمتم كلماتٍ بخفوت ثم فجاة وبدون أي مقدمات قال

- فين ربى بنتك يا عابد ؟

 

تعجب عابد من سؤال الشيخ لكنه قال بتوجس

- خير يا حاج في حاجة ؟

- متقلقش عاوز اطمن عليها بس

- صبا نادي لاختك بسرعة

 

بعد مرور عدة دقائق جاءت ربى جلست جواره 

ساد الصمت لعدة ثوانٍ،  نظر لها وقال بإبتسامة واسعة أمام الجميع

- اديك يا ست البنات ؟

- الحمد لله

- شغلك أخباره إيه ؟

 

نظرت ربى لوالدها الذي حرك رأسه قليلًا عادت ببصرها وقالت بهدوء

- أي شغل في الدنيا في البداية بيكون في شوية أزمات بس بعد كدا الدنيا بتكون يعني

 

دس الشيخ يده في جيبه ثم نظر له وقال بهدوء

- افتحي ايدك يا بنتي وبسم الله

- بسم الله

 

نظرت له وقالت بإبتسامة واسعة

- كسوة الكعبه !

 

تابعت بفضول قائلة

- عرفت منين إني كان نفسي فيها ؟

 

رد بعفوية وقال بنبرة صادقة

- والله يابنتي جاية لك مخصوص من عند الله أنا مرحتش لسه العمرة، بس دي كان حد من اللي اعرفهم سألني عن ابوكِ وبعدها قالي ابعت لك دي واقل لك حصني نفسك وابعدي عن أي حاجة تأذي نفسيتك وقالي كمان إنه حلم بيكِ في الكعبه

 

اذادت ابتسامتها وقالت بفضول

- ايوة مين دا يا ترى ؟!

 

ضحك الشيخ وقال بهدوء

- عارف واحد اسمه  عبد المقصود السلاموني يا دكتور عابد ؟

- والله يا حاج الذاكرة مبقتش زي الأول والغربة نستني نص الناس اللي هنا

- طيب هساعدك واقل لك الراجل اللي مكنش حيلته تمن الولادة والمستشفى خرجت مراته برا وأنت ولدتها في عيادتك بدون أي مقابل فاكره

- ايوة ايوة افتكرته هو الراجل الطيب دا لسه عايش أنا فاكر إني ولدت مراته ابنها البكري حتى كان عاوز يسمي على اسمي وأنا رفضت قلت له كل مولود بينزل باسمه  وكفاية يدعي لي ربنا يمن عليا بالذرية،  بس بردو هو ميعرفش إني خلفت آخر مرة شفته فيها من حاولي 30 سنة ويمكن اكتر  عرف منين إني خلفت وكمان بنتي اسمها ربى ؟!

 

تنفس الشبخ بعمق وهو ينظر للجميع ثم عاد ببصره لـ ربى وقال بهدوء

عبد المقصود مراته ماتت بعد ما ولدت ابنها بأسبوع وهو وهب حياته لله وفضل يحفظ كتاب الله لحد ما ختمه حفظ خمس مرات ودفن شبابه واتفرغ لتربية ابنه،  ودلوقتي ابنه شغال في السعودية محاسب بيبعت له كل سنة في رمضان،  راح يعمل عمرة وبعد ما خلص الطواف ريح شوية قام من نومه بيقول لابنه اللي شافه وابنه قاله البنت هتبقى في ضيقة وإن في حد بيحاول يأذيها، عمك عبدالمقصود نفسه استغرب يحلم بحد عمره ماشافه ولا يعرفه، بس ابنه قاله إن دي بتحصل عادي ووصاني يابنتي اقل لك تحصني نفسك ومتنسيش الأذكار قبل النوم والصلاة يا ربى الصلاة هي الحاجة الوحيدة اللي هاتخليكِ في أمانة وهي الراحة والسكينة لقلبك رددي معايا يابنتي

 

أللهم إنك قد اقدرت بعض خلقك على السحر والشر ولكنك احتفظت لذاتك بأمر الضر فاعوذ بك أللهم بما احتفظت به مما قد اقدرت بحق قولك وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله

 

رددت ربى وجميع الحاضرين هذا الدعاء، ثم غادرت المكان و بيدها كسوة الكعبه،  ظلت تتعجب من كم الحُب واللطف المحاطة به من أناس لا يعرفونها ويدعون لها بدون مقابل.

 

--

 

جاية ليه يا سيلا ؟

 

قالها مالك بعدما فتح لها باب شقته الجديدة التي استأجرها منذ شهر بعد انفصاله  عنها،  ولجت  وهي تتحدث بنبرة غاضبة من تصرفاته تلك واهماله لها كانت تظن أنه مازال يحمل ولو بالقدر البسيط حبًا لها

- جاية اشوف جوزي قصدي اللي كان جوزي ماله جاية اقل له اخوك اللي أنت طلقتني عشانه باع كل حاجة عشان يخرج نفسه من السجـ ن وابنك نوح اتنازل عن كل شبر يمتلكه وساب الدنيا كلها ومشي عرفت ليه مش عاوزة نوح يتجوز ربى عرفت كان قصدي ايه لما قلت لك إنهم مابيفكروش غير في نفسهم وبس عابد من وقت ما خرج من القضية  وهو بقى واحد تاني غسر اللي احنا نعرفه حتى ولاده متغيرين تمامًا مش هما دول اللي ربانهم ولا كبروا مع ولادك يا مالك، نوح ساب الدنيا كلها ومشي ومش عارفة راح فين ولا بيعمل إيه !!

 

تنفس مالك بعمق وهو يقول بهدوء

- الكلام ملوش لازمة دلوقت يا سيلا من فضلك سبيني اشوف شغلي واعرف الاقي نوح

 

مدت يدها نصب عيناه وقالت بغضبٍ مكتوم من تصرفاته تلك

- ابنك ساب الورقة دي قبل مايسيب البيت

للأسف يا مالك خذلت ولادك وجيت عليهم عشان اخوك اللي لما فكر يطلع نفسه باع أول ابنك أول الناس وياعالم مين اللي عليه الدور عابد رجع عشان يدمرنا يا مالك رجع ومش ناوي يرحمنا وفاكر إنه بكدا هاياخد حق ولاده مننا مايعرفش إن اللي يقرب من ولادي أنا ممكن اعمل في إيه لآخر مرة بقلك يا مالك اللي يجي على ولادي أنا مش بس هقلب واخد صفة من صفات شاهيناز لأ أنا هبقى شاهيناز نفسها لأني تربيتها وياما اتعلمت منها ازاي ادوس على الناس واقهر..هم  وكان اول ضحية ليا هو عدنان ريان الأنصاري .

 

هدر مالك بصوته الجهوزي وقال بغضبٍ جم بعدما نبشت في الماضي

- كفاية بقى يا سيلا كفاية، ليه بتحاولي تنبشي في الماضي ليه مش دايمًا بتيجي عليا وعلى اخويا الوحيد وبتحاولي تكرهيني في ليه ؟!!

 

ردت سيلا من بين دموعها قائلة بنبرة صادقة

- ربنا يعلم أنا عمري ما فكرت ولا هافكر أأذي عابد ولا حتى ولاده بس أنا بقول كدا من حرقة قلبي على ابني اللي مش عارفة اوصل له  مقهورة من جوزي اللي رماني بعد العمر دا كله وكأني مكنتش شئ في حياته كل الدنيازمن حوليا ادمرت بعد ما بينتها بتعبي وشقاي دايمًا لاغيني وقرراتك هي اللي بتمشي رأي أخوك مهما بيمشي عليا قبل عليك مع إن لو فكرت شوية صغيرين هتلاقي عابد عمره ماجه سألك اعمل إيه يا اخويا ولا بنتي جالها عريس تعالى عشان تحضر المقابلة بالعكس بتعرف زيك زي الغريب ولما اسألك تكدب وتقول كنت عارف للأسف يا مالك اخواتك مش حاطينك في حساباتهم نهائي بس أنت بتعملهم حساب وكانهم ماسكين عليك ذلة مثلًا....

 

قاطع حديثها صوت ناقوس الشقة،  ذهب مالك وهو يحاول جاهدًا إخفاء ملامح الحزن التي اعترت وجهه ما إن ذكرت زوجته ما يحمله داخل قلبه طيلة هذه السنوات، وجد أخيه ماثلًا أمامه وعلى وجهه إبتسامة عريضة

قال بترحاب وهو يشير للداخل

- تعال ياعابد اتفضل

 

سلام عليكم  ازيك يا أم نوح

 

قالها عابد وهو يلج ليخفف الاجواء المتوترة بين اخيه وزوجته،  جلس على المقعد وقال

- نفسي في فنجان قهوة وهربت عشان اشربه هنا استري عليا بقى واعملي

 

ردت بشبح إبتسامة  وقالت

- حاضر ياعابد

 

غادرت المكان تاركة عابد ينظر لأخيه الذي جلس ينفث سحابة دخان كثيفة بشرودٍ، اقترب منه وقال بهدوء

- اللي بتعمله دا غلط ارجع لبيتك ولمراتك بنتك كلها شهور وتتجوز ومشتتة بينكم مش معقول كل ما خطيبها يجي يلاقيك برا

- مش هنتكلم كتير في الموضوع دا ياعابد انا كدا مرتاح مش كل ماتيجي تكلمني في نفس الموضوع

 

ضربه عابد في كتفه قائلا من بين أسنانه وعيناه على باب المطبخ خوفًا من أن تأتي زوجة أخيه في أي لحظة

- ما تلم نفسك ياجميل أنت فاكر نفسك صغير ولا إيه دا أنت بكرا تبقى جد، ماتخربش بيتك عشان شوية خلافات بتحصل في أي بيت أنت بتكبر بتخيب ولا إيه ؟!

- عابد أنا خلاص نفسيًا مش متحمل حاجة الله يرضى عليك متضغطش عليا أكتر من كدا سيلا على عيني وراسي بس رجوع ليها تاني مستحيل

-تصدق إنها خسارة فيك والله العظيم خسارة فيك وبكرا شهور العدة تخلص واجوزها لسيد سيدك وخليك أنت كدا زي الكرسي اللي قاعد عليه ملكش لازمة

 

تأكلت الغيرة قلب مالك ما أن حدثه أخيه بهذه النبرة وقال

- تجوز مين يا عم عابد ما تلم روحك شايفني شفاف قصادك ولا إيه و....

 

بتر حديثه ما إن ولجت سيلا هي تحمل القهوة بين يدها،  وضعتها على سطح المنضدة الزجاجي وقالت بهدوء

- اتفضلوا القهوة

- شكرًا يا أم نوح بس دا يفضل سر بيني وبينك اصل أنا عندي في البيت بدل الحكومة تلاتة وكل واحدة هاتستلمني

 

جلست على حافة المقعد بعيدًا عن زوجها تستمع لحديث زوجها وهو يقول بجدية

عمل معاك إيه  ريان الأنصاري ؟

- اسكت دا بهدلني والدنيا قامت ما قعدتش

- ووصلتوا لإيه ؟

 

تعجبت سيلا من تصرفات عابد التي تغيرت بشكلٍ كبير مع أخيه أو هذا ما يحدث معه دائمًا وهي لا تعرف،  ماتعرفه أن مالك لا يحكي أسرار أخيه مهما كانت،  حسنًا إذا هو يخبره بما يريد أن يخبره به، مر الوقت ونال منها الملل بعد تجاهل مالك لها، وقف عابد وقال

- أنا هامشي أنا بقى ولو في جديد هبلغك

- هاتيجي بكرا ؟

- تعال أنت يا عابد أنا تعبان ومش قادر انزل

 

رد عابد بقلق قائلا

- مالك في إيه ؟

 

ابتسم وقال بجدية مصطنعة

- العضمة شكلها كبرت ومبقتش قادر انزل واطلع السلم كتير متقلقش

- طب خلي بالك من نفسك أنا هامشي دلوقت وابقى ارجع لك بكرا إن شاء الله

 

 

ردت سيلا قائلة برجاء

- وأنا كمان ماشية خُدني معاك يا عابد معلش

 

ابتسم عابد وقال بسخرية

- طب أنا مروح عشان عندي تمام الساعة اتنين بليل ودلوقت بقت اتنين ونص انما أنتِ بقى هتروحي لمين وبعدين جوزك تعبان هتسبيه وتمشي

 

ردت بتلعثم قائلة

- اصل سايبة ملك وبيجاد لوحدهم في البيت

- متقلقيش أنا سايب ملك مع بناتي عند جدتهم وبيجاد كان مع تيم وتقريبًا نام دلوقت  وبعدين يعني هما صغيرين محتاجة رعاية !!

 

ختم حديثه قائلا بسخرية وهو يشير بيده تجاه أخيه

- دا اللي محتاج رعاية بيقلك العضمة كبرت وتعبان ربنا يعينك عليه يلا سلام

 

غادر عابد تاركًا أخيه وزوجته في صمتٍ تام إلا من صوت ضجيج أفكارهم، بتر هذا الصمت عرضه وهو يشير بيده تجاه الغرفة وقال

- تقدري تتدخلي تنامي هنا وأنا هنام هنا على الكنبة

- لأ شكرًا مش هالغبط لك نظامك عارفك بتحب النظام وبعدين كلها ساعتين والنهار يطلع وامشي ادخل نام أنت

 

وقف مالك عن الأريكة وقال بلامبالاة

- أنتِ حرة نامي مطرح مايعجبك

 

نظرت له بتعجب تكاد تموت من فرط غيظها

أما هو عاد وبيده منامة قطنية وضعها جوارها وقال

- خدي البسي هي صحيح هتبقى طويلة عليكِ بس أنتِ كمان تخينة ومشـ

 

قاطعته بنبرة حادة ما إن حاول إغاظتها بتلك الكلمة التي تود أن تموت ولا تسمعها مرة واحدة في حياتها، بدأت المشاجرة وعلى مايبدو أنها لن تنتهي اليوم يا مالك ولكن هذه المشاجرة هي الأقرب لقلبيهما لأنها أتت بعد أن  اطمئن على ابنه الذي ترك البلاد وذهب المانيا باحثًا عن عمل جديد هناك، هذا ما كتبه في الورقة التي تركها لوالده.

 

--

في منزل فيروز بالمانيا

 

كان يجلس نوح وصهيب في حديقة المنزل،  يتحدثان في عدة موضوعات حتى أتى الحديث فيما لايود أخدهم فتحه،  نظر صهيب وقال بصوتٍ هادئ ونبرة تملؤها الحنين

-ماتيجي نرجع مصر يا نوح

 

نظر له وقال بإبتسامة جانبية

- اشتقت لمين هناك بالظبط ؟

 

رد صهيب بحنينٍ

- ليهم كلهم حتى هي اشتقت لها مع إني واخد على نفسي عهد مفكرش فيها بس لقتني عملت كل حاجة إلا إن مفكرش غير فيها مش عارف ازاي

- بس أنا عارف ازاي، لعنة بنات عابد مسكتنا يا صهيب وشكلها كدا مش هاتسبنا لحد مايخلص ، الغريبة يا أخي إن محدش فيهم راضي يتنازل ويفكر فينا حتى و...

 

 عشان أنت غبي أنت وهو، فاهمين إن لو بتحب حد بتبعد وتسيبه يمكن يشتاق بس الحقيقة هو مش هايحس غير إنك اتنازلت عنه وبس  تفتكروا بنات عابد يستحقوا عيال زيكم

 

أردف سلطان عبارته وهو يجلس بعد أن استمع لحديثهما،  نظر إليه ابنه وقال بنبرة حائرة

- أنا مسبتش محاولة غير لما حاولت فيها و

 

رد سلطان وقال بهدوء وهو يوزع نظراته بينهما

- أنك تفضل جنبها دي أكبر محاولة لكن أنت في بلد وهي في تفتكر هتلاقوا حاجا تانية غير المتوقعين إنها تحصل

 

رد نوح وقال بإبتسامة حزينة

- طب صهيب من حقه يحارب عشان عارف هو بيحارب ليه وعشان إيه إنما أنا هحارب ليه  وأخرتها إيه !!

 

مط سلطان شفتاه وهو يؤمى برأسه علامة الإيجاب وقال باسمًا

تفتكر كل اللي هي بتعمله دلوقتي ولا نظراتها ليك وأنت بتلبس منال الدبلة كانت نظرات بنت مافيش أي مشاعر بينها وبين ابن عمها أو الشخص اللي قلبها دق له طب أنا هحاول اتجاهل نظراتها واقول عادية طب واعترافها لاختك باللي في قلبها صدقوني  ياولاد لو في حد  خسران في الحكاية دي كلها هيكون إنتوا، اوعوا تغلطوا غلطتي وتسيبوا حب عمركم بعيد عنكم أنا وعمتك فيروز سبنا بعض لفترة قبل جوازنا بيومين كنت بعاند وعامل فيها الواد الجامد اللي يقدر يدوس على قلبه ويحب غيرها وإن كل البنات بتموت فيا بس اكتشفت إني غلطان وجبان عشان هربت بدل ما اتمسك بحب عمري واللي في آخر لحظة هيروح مني من يومها وأنا واخد عهد على نفسي لو حصل إيه وزعلت منها ازعل وأنا معها مش بعيد عنها.

 

نظر لهما بجدية مصطنعة وقال

-أنا نازل مصر عشان افسح حبيبتي بمناسبة عيد ميلاد،  احجز لكم معايا ولا اخدها وتفضلوا إنتوا هنا زي اليتامى من غير حبايب ؟! القرار ليكم يا إما تدوا لنفسكم فرصة جديدة تحاربوا عشانهم يا إما تقفلوا الصفحة دي نهائي وكل واحد يشوف حياته بعيد عن التاني وتفضلوا قرايب بتتقابلوا كل سنة مرة 

 

يتبع..