-->

الفصل الثاني والعشرون - عقوق العشاق

 




الفصل الثاني والعشرون

داخل الروضة الخاصة بـ ربى كانت تعمل في مكتبها تصب ناظيرها في الأوراق، ولجت المساعدة خاصتها تخبرها بشخص يريد مقابلتها رفعت بصرها عن الأوراق وقالت

- مين دا ؟

- رافض يقول اسمه

- طب دخلي

 

طرق باب المكتب قبل أن يلج، وقفت من خلف مكتبها في حالة صدمة و ذهول شديدان لم تتوقع وجوده هنا،  سارت بخطوات هادئة تجاهه وقفت مقابلته تستمع لحديثه و هو يقول

- يا ترى وجودي مرحب بي في المكان ولالأ

 

ردت ربى  بجمود وقالت

- لأ يا نوح

 

ابتسمت ربى ملء شدقيها و قالت من بين إبتسامتها

- طبعًا يا نوح دا المكان مكانك اتفضل

 

كادت تسير تجاه الأريكة الموضوعة في ركن الغرفة لكنه استوقفها قائلا بتوتر

- هايضايقك لو رحنا نشرب أي حاجة في أي مطعم ؟

- خالص،  بس هعرف بابا عشان ميقلقش

- هو عارف أنا كلمته ووافق

 

 

أومأت پرأسها علامة الإيجاب وقالت بإبتسامتها المعهودة منذ أن دخل المكتب

- خلاص تمام ثانية واحدة هاجيب شنتطي و اجاي معاك

 

 

ارتسمت على شفتاه إبتسامة متوترة، لم يتحمل أن يذهب لأي مكان فقرر أن يسألها هنا قائلا

- ربى أنتِ فعلا بتحبيني و لا أنا بيتهيألي طب لو أنتِ بتحبيني ليه ساكتة طول الفترة اللي فاتت دي و سايبنا نتعذب؟!

 

 

توقفت يدها عن لملمت متعلقاتها لتستمع له و لتساؤلاته سارت بخطواتها الهادئة وقفت مقابلته حركت رأسها علامة الإيجاب وقالت

 

- اسمعني يا نوح عشان جايز كلامي يكون صعب حبتين   أنا بحبك اه بحبك، بس ارجع لك اعتقد صعب شوية عارف ليه صعب ؟

عشان أنا جراحتك جامد يا نوح جراحتك و أنت مش قادر تنسى يبقى ازاي هنبدأ صفحة جديدة؟ طب لو بدأنا هتتعامل عادي و لا هتفضل تفكرني عملت لك إيه  و أنت ازاي اتحملت إيه عشان علاقتنا تمشي عشان كدا يانوح أنا مأجلة الخطوة لحد ما قلبك ميبقاش في حاجة غير الحب و بس لما تقدر تتخطئ الحاجز اللي بيني و بينك و تحس إن أنا ربى اللي قلبك دق لها وقتها بس أنا كمان هاقول للدنيا كلها هو دا اللي قلب دق له و لحد دا مايحصل مش  هقدر اوعدك بحاجة و اخلف بوعدي بعدين

 

سألها بصوتٍ مختنق

- و ليه من الأول يا ربى ليه البُعد و ليـ....

 

 

أجابتها بنبرة عالية و هي تتجه نحو هاتفها قامت بفتح ثم وضعته نصب عيناه وقالت

- عشان رامي مش راضي يسبني في حالي نوح عشان كل ما ببقى عاوزة اقل لك بحبك ويلا نعيش زي أي اتنين بيحبوا بعض بلاقيك خطبت واحدة تانية بتحاول تنساني بس  مش قادر تسامحني، بتقول أنا اللي بعذبك ها ؟ اومال اللي أنت بتعمله دا إيه ها ؟ تسألني السؤال من دول ولا نقعد في احسن معطم و نتكلم و نطلع كل اللي في قلبنا و تاني يوم تروح تخطب واحدة أنت نفسك بتتلغبط في اسمها  يا نوح !!

 

استدارت ربى بجسدها و سألته بنبرة متحشرجة إثر البكاء و قالت

- هات لي مرة واحدة بس مسكت فيها ايدي و طلبت مني اصبر و نعدي اللي تعبنا من بعض و احنا مع بعض !!  هاتلي مرة واحدة بس كنت خايفة و عشت أيام مرعوبة فيها أبويا نفسه ما يعرفش عنها حاجة هات لي مرة واحدة قلت لي فيها اطمني أنا مش هاسيبك ؟ .

 

مررت بهاتفها الرسائل المرسلة إليها والصور المفبركة من رامي لها و هي تقول له

- الصور و الرسايل جت من شهرين و بقالي فوق الشهرين بشوف القرف دا بشكل يومي من كل رقم يجي لي  تفتكر بقى لما طلبت مني من شوية نرجع لبعض و دوست عليك و على كرامتك اللي واجعك اوي كدا كان هايبقى لنا مجال نرجع لبعض ؟  لأ يا نوح مكنش ها يبقى في اي مجال مهما حصل، عشان كدا سبت لنا فرصة أخيرة،  بابا اتعرض لموقف مشابه للموقف اللي احنا في دا عارف كان رد فعله إيه قال لماما إن لو شاف اللي اصعب من كدا مش هايصدق لأنه واثق فيها،  لو أنت يا نوح كنت صدقت ايوة كنت صدقت عارف ليه عشان أنت من البداية محبتنيش و مافيش الحاجة القوية اللي تربطنا ببعض

 

ختمت حديثها قائلة بغضبٍ جم

- عارف دلوقت أنت ها تعمل إيه يا نوح ها تخرج من هنا ها تخرج و ها تقول إني مش عاوزك  و ها تعمل حاجة من الأتنين يا إما تخطب واحدة تالتة يا تكمل ورقك عشان تسافر و تبعد عني، بس جربت مرة واحدة بس تقولي اطمني لأ مجربتش عارف ليه ؟ عشان أنت ضعيف يا نوح ااجبروت و شخصيتك القوية اللي الكل بيتعامل معاك بيها بحذر طلعت  شخصية هشة، ساعات كتير الموتقف بتبين غلاوتنا الناس و أنا عرفت غلاوتي عندك يا نوح و أنا اللي ها سيب لك المكان و امشي يا نوح

 

 

 

خطت خطوة و قبل أن تخطو الثانية قبض على معصمها و قال بتوسل

- أنا محتاج لك يا ربى

 

 

عادت ربى طالعته بأعين مليئة بالدموع، انسابت دموعها وقالت بمرارة

- أنت محتاج تقعد مع نفسك و تسأل نفسك أنا ليه لحد دلوقت معملتش زيك و اتخطبت لغيرك رغم إني كان سهل ارد على وجعك ليا بوجع أشد بس أنا مش  رخيصة عشان اترمي في حضن كل راجل شوية زي ما أنت عملت يا نوح، فضلت محافظة على مشاعري و قلت يمكن بكرا ربنا يحنن قلبه و يهدي و يعرف إني فعلا بحبه .

 

نزعت يدها من قبضته و قامت بدفعه في كتفه قائلة بصوتٍ عالِ و دموعها تنساب على خديها

- لا ربنا بيهديك و لا قلبك بيحن و كل يوم بكتشف إنك قاسي أكتر من الأول .

 

 

حاولت أن تنزع يدها من يده لتغادر المكان  لكنه لم يترك لها المجال، و بعد شد و جذب بينهما نجح في اجلسها مرةً أخرى على الأريكة الخشبية،  جلس جوارها و الصمت يسود المكان،  مرت ثلاث دقائق حتى هدأت تمامًا، وقف عن الأريكة متجهًا نحو المكتب ضغط على زر المساعدة التي أتت على الفور،  ولجت المساعدة و قالت

- افندم  يا أستاذة ؟

- أنا اللي طلبتك يا .. ؟

- سعاد يا فندم

- أنا اللي طلبتك يا سعاد معلش أستاذة ربى هتاخد باقي اليوم إجازة تقدري تتولي الحضانة ؟

 

 

نظرت المساعدة لربة عملها التي بدورها نظرت لنوح وجدته يتوسلها بنظراته، عادت ربى ببصرها وقالت بصوتٍ مبحوح

نفذي كلام مستر نوح يا سعاد

تمام يا أستاذة ما فيش أي مشكلة، بس معلش سؤال هو حضرتك تعبانة

شوية يا سعادة معلش يا سعاد سبيني دلوقت و لما نخرج  أنا والأستاذ نوح كملي اليوم كأني موجودة

حاضر عن أذن حضرتك

 

 

غادرت المساعدة بينما بادرت ربى بسؤالها قائلة بحدة

ممكن أعرف عملت كدا ليه ؟

 

 

عاد نوح و جلس محله و هو يقول بجدية

- عازمك على الغدا

- شكرًا مليش نفس

- خلاص اتفرجي عليا و أنا بأكل

- نوح لو سمحت أنا مرضتش اكسفك قدام البنت وعديت اللي حصل لو سمحت كفاية لحد كدا

 

تنفس بعمق وهو يقف للمرة التي فشل في عدها و هو يحاول إقناعها بالخروج من المكان، و أخيرًا نجح و خرجا سويًا،  توقف أمام سيارته و قال

- هتركبي عربيتك و لا عربيتي ؟

- عربيتي

- يبقى يلا

 

كادت أن تتجه نحو سيارتها لكنه قادها نحو سيارته استقلتها وهي تتأفف ابتسم لها وقال بهدوء

- العفو

 

ظل يقود و لا يعرف إلى أين يذهب،   نظر بجانب عينه وجدها تنشغل في هاتفها أو تتدعي هذا جذبه منها و قام بإغلاقه ثم وضعه أمامه سألته بنبرة مغتاظة

- أنت إيه اللي أنت هببته دا ؟

- عاوز نتكلم براحتنا من غير أي إزعاج

- أنا كدا بابا هايقلق عليا

- أنا عرفته إني معاكِ اظن مافيش داعي للقلق

- أنا تليفوني لو سمحت

-   ممكن نهدأ شوية و نبطل عصبية عشان نعرف نتكلم بالعقل

-   نوح مبقاش فيها عقل ولا قلب خلاص خلصنا هات التليفون

- لأ

- نوح

- قلت لأ وبطل زن شوية عاوز اركز في السواقة لنتقلب

- يكون احسن بردو عشان اخلص من وشك

 

 

بعد مرور خمسة عشر دقيقة،  وصل نوح و ربى لأحد المطاعم الفاخرة،  كانت تنتقي الطعام الذي تشتهي أما هو كان العذاب ذاته وهي تضع له الأطعمة استوقفها قائلا

- حطي لي جمبري ولا اقل لك لأ بلاش هاتي سمك مشوي

- و بعدين بقى اخلص رجلي وجعتني

- اعمل لك إيه يعني الأكل كله شكله حلو و الواحد محتار خلاص آخر كلام هاتي رقاق باللحمة وورق عنب

 

 

بدأت تضع له الطعام بكميات قليلة، وقف ينظر لها ثم يعود ببصره للاطمعة وقال

- هو أنتِ بتقطـ عي من لحمك ؟! ما تحطي يا بنتي الأكل زي الناس

- على فكرة أنت هتحاسب على الاكل دا كله

- إيه دا هو مافيش عروض على الأكل !!

 

تركت الشوكة و غادرت المكان قبل أن تفقد عقلها

 جلست على المقعد و بدأت في تناول وجبتها الخفيفة أما هو عادت  وعلى وجهه إبتسامة خفيفة ما إن انتهى من حديثه مع تلك الفتاة غريبة الأطوار  على ما يبدو أنه له علاقة قوية بها و إلا لن تعانقه بهذه الطريقة، كاد أن يضع الطعام في فمه و لكنه أعاد الشوكة و قال بتساؤل

- ربى أنتِ فاهمة إني ممكن اصدق عليكِ الصور اللي شفتها من شوية ؟

 

كانت تلوك لقيماتها بهدوءٍ و هي تنظر إليه، أومأت برأسها علامة الإيجاب  ثم قالت

- أي حد مكانك هيصدق أنا نفسي شكيت في نفسي لولا إني عرضتهم على حد متخصص مكنتش صدقت

 

ابتسم لها نوح. وقال بنبرة صادقة

- أي حد مكاني جايز يصدق لكن الأكيد إن عمري ما اصدق عليكِ ربع اللي قالوا في حقك، و دا مش عشان احسن من صورتي قدامك وابقى الواد الواو اللي محصلتش لأ بس اقسم لك عمري ما هاصدق حرف واحد عليكِ لأني عارف قذا رة رامي ممكن توصله لفين أنا يا ربى اتعلمت الدرس كويس اوي

 

هزت ربى رأسها بالإيجاب و راحت تقول بسخرية

- حصل حصل بأمارة االي وصلنا له من شوية

- اللي وصلنا ده دا يا ربى كان لازم نوصلنا بشكل أو بآخر كان لازم نطلع اللي جوانا و نكشف لبعض اللي في قلوبنا سوا بقى كلمنا مكملناش مش مهم المهم نكشف لبعض كل حاجة .

 

اطلقت ربى زفرة تعبر عن إنهاكها الشديد بسبب ما حدث منذ قليل وهي تتسأل بضجر

- نوح أنت عاوز إيه بالظبط أنا تعبت من كتر الكلام اللي لا بيودي ولا بيجيب فـ قول عاوز إيه خليني امشي

 

نظر لها وقال بإبتسامة جانبية

- عاوزك تبقي مراتي أم ولادي مش عاوزك بنت عمي و بس يا روبي

 

ردت على سؤاله بسؤالا آخر وقالت بعناد

- و لو قلت لك لأ ؟

- من حفك تقولي طبعًا لأ و من حقي أأقدم لك كل اللي يجسسك بالأمان ويخليكِ واثقة فيا، عارف إنها مهمة صعبة بس مش مستحيلة

- نوح متتعبش نفسك أنت مش ها تتغيير و لا....

 

قاطعها نوح قبل أن تُكمل حديثها وقال برجاءٍ

- عشان خاطري يا ربى فرصة واحدة بس، طالما الحُب موجود إيه اللي هايطلعنا

- شكوكك يا نوح دايمًا متردد وشاكك و

 

قاطعها نوح بدهشة وذهول شديدان قائلا

- أنا شكاكك !!! طب  إمتى و لا ازاي ؟!

- مش قصدي شكاكك اللي وصلت لك اقصد بتشك في قرارتك خايفة تاخد القرار وتندم عليه ودا الفرق اللي بيني وبينك يا نوح أنا بداخل في الحاجة اللي قصادي و ما بيهمنيش حاجة ولا حد اهم حاجة اني اجرب

- أنا كدا يا ربى بس للأسف في الحب مافيش تجربة لأنك كدا بتأذي قلوب كل ذنبها إنها حبيتك بجد  !

 

 

دام الصمت لثلاثة دقائق ثم بتر هذا الصمت صوته الحاني وهو يرجوها بنبرة تغلفها الحزن

- تعالي ندوس على كل اللي فات و ناخد خطوة جديدة في حياتنا أو تقدري تقولي دي أول خطوة ناخدها بخصوص حياتنا يا ربى

 

نظرت له و بداخلها تساؤلاتٍ عدة تود أن تسألها له

تنهدت بعمق ثم قالت بجدية تاركة مشاعرها جنبا

- تمام يا نوح أنا موافقة ندي لبعض فرصة وناخد خطوة أنا اجلتها من زمان عشان مش عاوزها اخسرها بتسرعنا بس خلينا نتفائل خير ونقول إن دي فرصة جديدة

 

تابعت بتحذير قائلة

- بس مافيش أي خطوة رسمي هاتم غير لما نكون اتأكدنا من مشاعرنا يعني الموضوع هيمشي عادي جدًا لحد ما نشوف هايحصل إيه في اللي جاي

 

رد نوح باسمًا و هو يقول بإبتسامة واسعة كشفت عن نواجزه

- كل خير إن شاء الله .

 

--

 

في شقة مالك و تحديدًا في غرفة بيجاد، كان نائمًا لم يشعر بدخول والدته،  جلست على حافة الفراش  إيقاظته وهي تقول بنبرة غاضبة حاولت التحكم في ارتفاعها

- بيجاد بيجـــاد

 

رد بيجاد بصوتٍ شبه نائم وهو يشيح بوجهه للجهة الأخرى قائلا

- إيه يا ماما عاوز انام

- قوم كلمني قوم

- لو بتسألي عن نوح مش عارف هو فين ولو بتسألي عن ملك مع جوزها عند الدكتور أما بقى لو بتسألي عن بابا فهو كان نايم من شوية سبيني نايم  بقى أنا كمان

 

نظرت حولها باحثة عن شئ يوقظه لم تجد سوى كوبًا من الماء، قبضت على الكوب ثم قام بالقائه على وجهه و قالت بغضبٍ جم

- قوم فز كدا كلمني وعرفني يعني إيه 150 الف جنيه يتسحبوا من حسابك في البنك وراحوا فين اصلًا ؟!

 

شهق بيجاد وهو يعتدل من نومته كمن يصارع الموت  رد بنبرة مختنقة وقال

- إيه دا يا ماما دا يا ماما ؟!! في حد يصحى حد كدا ؟

- إيه  دا أنت ؟ فين فلوسك و صرفتها على إيه ؟!

 

رد بيجاد بصوتٍ مختنق وهو يدلك عيناه

- بابا سحبهم امبارح من حسابي

 

سألته بنبرة متعجبة وقالت

- و يسحبهم ليه من حسابك ؟!

 

نظر لها وقال بعتابٍ واضح

- آل يعني مش عارفة سحبهم ليه ؟!

- طب والله جدع إنه عمل كدا احسن تستاهل

 

 

وثب بيجاد من مكانه بغيظٍ وغضبًا شديدان بدأ صوته يتعالى  أمام صوت والدته، هرع مالك من غرفته متسائلا عن السبب، انضم لزوجته ليفعل ما هو أسوء قام بصفعه وقال بإشارة من سبابته

- برا  و لما تتعلم الأدب وتبقى راجل ابقى ادخل البيت

 

تسمر بيجاد مكانه انتشله والده من ذهوله الشديد  وهو يجذبه من ياقة منامته القطنية، قام بضربه و سحـ له

من غرفة نومه حتى باب الشقة،  هرع مراد مسرعًا محاولًا فض النزاع بينه و بين ذاك المسكين لكنه لم ينجح هتف بصوته الجهوري ليأتي عابد عله ينجح هو .

 

وقف عابد بين اخيه و ابنه وقال بغضبٍ واضح

-يا ابني الواد هيموت في ايدك مش كدا !

-يموت و لا يغور في داهية مش مهم

- طب يا خالي سيبه بس  عشان نعرف بس هو عمل إيه ؟!

- عمله أسود و مهبب عليه و على دماغه

 

قبض مالك على ياقة منامته وقال بتحذير واضح

- ورحمة ابويا لو ما رجعت عن اللي في راسك يا بيجاد ما هرحمك و هعمل اللي اقدر عليه عشان اوديك ورا الشمس و ساعتها وريني مين بقى هايمنعني عنك .

 

خرجت الجدة على إثر صوت المشاجرة التي نشبت في غرفة حفيدها بشقة ابنها وانتهت بهما أمام شقة عابد المقابلة لشقتها،  تحاملت على نفسها و هي ترَ ابنها يضغط على رقبة ابنه و كاد أن يزهق روحه،  تتدخلت بينهما وقالت بصراخ وهي تتدفعه بعيدًا عن حفيدها بعد عناء شديد

- قطـ ع ايدك  أنت و اللي مقوياك فوق دي،  بتتكتروا على الواد الغلبان

 

نظرت لـ عابد وقالت بعتاب ولوم

- شكرًا يا دكتور  يا اللي عامل فيها عمه سايبه يخنـ ق

الواد لما كان يروح فيها

 

هدر مالك وقال بصوتٍ مرتفع لأول مرة في وجه والدته

- دا ابني و محدش يدخل بيني و بينه أنا بربي لأني واضح كدا معر فتش اربي زمان

 

 

ردت الجدة بنبرة متحشرجة ودموعها تتساقط على خديها من هول الصدمة و قالت

- و أنا كمان لازم اربيك عشان بترفع صوتك عليا و أنا السن دا و قدام مين قدام  ولادك اللي هما ولادي

 

ادرك مالك خطأه الفادح وهو يتنهد بقوةً شديدة، حاول الإقتراب منها  لكنها دفعته بعيدًا عنها وقالت

- حد الله بيني و بينك،  يارتني لا خلفتك ولا شيلتك في بطني كنت ربيت كلب كان هيبقى وفي عنك

 

ولجت الجدة بمساعدة مراد و نوح الذى قفز بين السلالم ما إن وصل إلى مسامعه، صوت المشاجرة بين والده و جدته،   جلست على الأريكة ثم جلس أسفل قدمها بيجاد الذي مازال ينزف دمًا إثر اصطادمه بالجدار،  هتفت بخوف وقلق

- هاتي يا ربى بُن بسرعة نكتم الدم

 

 

هرعت ربى تجاه المطبخ وعادت على الفور،  سكبت الجدة القهوة على يدها ثم وضعته على جرحه  وهي تردد بنبرة مغتاظة حين تأواه حفيدها وقال برجاء

- براحة يا ستي بالله عليكِ مش قادر

- حبيبي يا ابني ضربة في ايده، بيضربك ليه اللي حسبي الله و نعم الوكيل في هو وو اللي مقوي عليك

 

التزم بيجاد الصمت بينما ولج والده وقال بنبرة ساخرة

- قول لستك يا حبيب ستك ضربتك ليه، خليك راجل و قولها عشان تعرف إن معايا حق

 

 

ردت الجدة بنبرة غاضبة وهي تأمر ابنها بالخروج خارج شقتها قائلة بحدة

- إيه يا أمي ها تطرديني من بيتي ؟!

- ما أنت طردت ابنك من بيته ولا هي جديدة عليك روح لمراتك يا بتاع مراتك وقلها خلاص نفذت كلامك يا هانم

- ومال سيلا دلوقت يا ماما ؟!

- مالها ونص وتلت اربع مش الجوازة مش على هواها ؟! يبقى لازم تنفذ رغبتها احسـ ....

 

 

قاطعها مالك وهو ينظر حوله ليرَ الجنيع يحاول كبح ضحكاتهم بعد فقد  الجدة السيطرة الكاملة على لسانها تنحنح وراح يقول

- كفاية كدا يا امي من فضلك الولاد قعدين

- أنت بتكلمني ليه وقاعد في بيتي ليه امشي اطلع برا

 

تجاهل أمر والدته وطلب من ابنة أخيه قائلا

- روبي معلش فنجـ

 

قاطعته والدته قائلة بحدة وصرامة

- والله ما هتدوق المية في بيتي امشي اطلع برا

 

ضغط عابد على يد أخيه وقال بهدوء

- تعال اشربها عندي قوم عاوزك في كلمتين

 

تابع حديثه قائلا

- نوح مراد خدوا بيجاد وخيطوا له جرحه و خلي يغير هدومه وأنتِ يا روبي تعالي اعملي لنا القهوة

 

 

 

غادر الجميع و جلس بيجاد أسفل قدم جدته على الأرض  وقال بصوتٍ مختنق

- مش عاوز حاجة أنا ياستي و مش  هغير على الجرح خليني اصفي في دمي واموت واريح الكل مني

 

ربت الجدة وهي تحاول احتضانه من الخلف وقالت بحنو وحب

- بعد الشر عليك يا حبيبي إن شاء الله اللي يكرهك واحد واحد

- هاعيش في الدنيا ليه يا ستي وهما سحبوا مني فلوسي وعربيتي وحتى البنت اللي عاوز اتجوزها مش راضين بيها

 

دست الجدة يدها في صدرها لتخرج النقود ثم وضعتها في جيبه وقالت بحنو وحب، وهي توزع قبلاتها على رأسه

- ولا تزعل نفسك يا حبيب ستك، خد دول خليهم معاك وروح مع اخوك وابن عمتك غير على جرحك يا حبيبي

 

بعد عناء شديد بينه و بين جدته ذهب ليطهر جرحه ويضمهُ،  أما هي وقفت بنفسها رغم آلام ساقيها تطهو له حساء الخضار ليعوض ما نزفه من دماء  حاولت ربى أن تساعدها لكنها رفضت،  جلست على المقعد بعد أن اجبرتها حفيدتها بالجلوس وقالت

- اقعدي بس يا تيتا عشان خاطري،  و أنا هعمل لك  اللي أنتِ عاوزاه قولي لي عاوزة إيه ؟

- اعملي له عصير عشان يلحق يسقع وكمان شوربة ولحمة واتصلي على نوح يجيب له فاكهة

 

 

ختمت حديثها قائلة

-و اوعي تنسي العلاج خلي يجيب العلاج وهو جاي

 

أومأت ربى برأسها علامة الإيجاب ثم حدثته على الجهة الأخرى  وقالت

- سمعت طبعًا كل التعليمات، تمام،  وهو عامل إيه دلوقت ؟ معلش الجرح كان عميق شوية، يومين ويبقى كويس إن شاء الله، ماشي توصلوا بالسلامة

 

 

داخل شقة عابد

 

كان يجلس مالك مقابلة أخيه يحاول كبح غضبه الشديد من ابنه،  بينما رد عابد بهدوء وعقلانية

- بس أنا مش شايف بيجاد غلط يا مالك

- نعم بتقول إيه يا عم عابد ؟!

- بقل لك أنا مش شايف بيجاد غلط يا يا مالك واحد و حابب واحدة و اتعرف عليها و لما حب ياخد خطوة جد قال لكم فين الغلط في كدا ؟!

- الغلط في البنت نفسها يا عم عابد أنت مش واخد بالك مين دي وإيه كان بيتقال عليها ؟!

 

 

تنهد عابد بعمق وراح يقول

- سيبك من قلنا وقالوا،  البنت دي كانت شغالة ممرضة مع مراتي و أنا لما بيجاد سألني عنها شمرت له فيها لأن مراتي كانت تـ

 

رد بيجاد مقاطعًا بنبرته الساخرة وقال

- الله دا أنت طلعت عارف اهو يا عم عابد اومال ليه عامل لي فيها مش من هنا؟

- يا متخلف افهم أنا مكنتش فاهم إن الموضوع هياخد الشكل دا نهائي هو لما شافها في المستشفى مع شاهيـ...

 

رد مالك مقاطعًا بهدوء مريب وهو يشدد على كلمات اخيه وقال بإبتسامة واسعة

- ايوة  شاهين جينا لمربط الفرس،  شاهين دا بقى يا عم اتقال عنه إنه ماشي معاها و هي قالت للحكومة دا جوزي والبت قعدت هي وهو لوحدهم يومين في حتة مقطوعة محدش يعرف عنها حاجة يجي الأهبل التاني يقوم يلبسها و أنا أسكت !!

 

 

رد عابد بنفاذ صبر من أفكار أخيه وقال

- يا ابني البنت أشرف من الشرف، وهي لو قالت كدا فـ عشان ابننا مايتحبسش، و البنت اقسم لك شريفة

- بلا تقسم لي بلا اقسم لك مش ها يتجوزها يهني مش هايتجوزها ووالله ابويا نفسه لو طلع من قبره وحكم عليا يتجوزها ما هيحصل

 

 

ختم مالك حديثه المندفع  وهو يلوح بيده قائلا بنفاذ صبر

- هانفضل لحد إمتى هناخد فضلة الناس، يا راجل إلا ما شفت اختيارات عدلة للاتنين كل واحد يجري لي ورا واحدة متجوزة قبل كدا  والله اعلم عملوا مع اللي اتجوزهم ويقولوا  بحبها يا بابا

 

ابتسم عابد واكتفى بالصمت علامة على الصدمة والذهول الشديدان من تصريحات أخيه المفاجأة،  ارتشف آخر رشفات القهوة ثم نظر لأخيه وقال بجدية مدافعًا عن ابنته

- لعلمك بنتي محترمة و عارفة حدودها كويس والحمد لله متخطاتهاش مع أي حد مين ماكان يكون

 

رد مالك بعتذار وهو يربت على فخذ اخيه وقال

- متزعلش يا عابد بس أنا مش قصدي بنتك وبعدين بنتك دي بنتي يا جدع حد يقول على بنته كدا بردو ؟

- ايوة قلت يا مالك وشغل التلاقيح دا أنا مابحبوش وبعدين لامؤاخذة يعني هو أنت لما اتجوزت كانت امك راضية عن الجوازة ووقفنا عشانك ضدها لحد رضيت عنك وعن مراتك متبقاش جربت الوجع وتروح توجع غيرك بي

- خلاص يا عابد حقك عليا انا مش قصدي اوجعك ولا....

 

 

رد عابد رافعًا كفيه للأعلى قليلًا وهو يقول بإبتسامة واسعة

- وجع إيه يا حبيبي الحمد لله أنا بنتي زي الفل وعايشة ملكة في بيت أبوها، بيجي لها بدل العريس الف  وكلهم مراكز و ناس على مستوى واحنا اللي مش عجبنا حد،  و مش مستعجلين الدور والباقي على اللي لازق لنا زي الهم على القلب وعاوز ينسبنا بالعافية

 

رد مالك وهو يقف عن المقعد وقال بنبرة مغتاظة

- عشان مهزأ زي اللي جابه بقاله ساعة بيتحايل عليك عشان ترضى و متزعلش من ذلة لسانة اتقالت وقت غضب لكن ازاي وازاي عابد باشا مايتكبرش علينا

- عشان اللي قلته دا يا مالك مش كلمتين وخلاص دول اللي في القلب وطلعلوا، نصيحة مني يا مالك لما تحب تعرف حد على حقيقته اصبر عليه لما يتعصب وقتها بس هتعرف قميتك عنده، وأنا عرفت قيمة بنتي عندك يا مالك

 

رد مالك بنبرة صادقة وقال

- بنتك اغلى من بنتي يا عم عابد، انا اللي كنت بتدلع وبهنن وأأكل وامشي في الشوارع الفجر عشان تسكت و...

- ما أنا عملت مع بنتك اللي أكتر من كدا يا حبيبي أنا مخدش بيتفضل على ولادي بحاجة ولو بتعملوا دا مع عيالي فـ شوفوا أنا عملت إيه مع عيالكم

 

ردت مليكة التي وقفت على اعتاب باب الشقة وقالت بنبرة ساخرة

- الله أكبر والله وعرفتي تربي ياما واحد بعاير اخوه والتاني رفع صوته عليكِ وزقك وكان عاوز يضربك

 

نظر مالك لأخيه وقال بتساؤل

- هو مين دا اللي زق أمك وكان عاوز يضربها ؟

 

سألها عابد وقال

-امك اللي حكيت لك صح ؟

 

ردت مليكة وقالت ببكاء

- اومال مين غير يعني كنت فين يا عابد لما تخلي اخوك يضربك امك، وأنت يا مالك هان عليك بعد العمر دا كله ؟ تبهدل امك في السن دا ليه اتجننت، ولا مش لاقي اللي يقف في وشك ؟

 

 

رد مالك ضاحكًا وقال

- أمك قلبت الكلام عليا

 

تابع حديثه قائلا

- اقسم بالله ما حصل يا بنتي هو أنا على آخر الزمن هزعق لها ولا هضربها

- ما أنا  التانية بسأل نفسي إيه اللي حصل لاخواتي ؟!

- بقولكم إيه تعالوا نطمن على بيجاد ونراضي امك بكلمتين

- لأ أنا تعبان هطلع انام

- تعال يا حبيب اخوك بيجاد زي ابنك بردو

 

دفع عابد اخيه حتى باب الشقة،  وصل أخيرًا جلس يستمع لحديث الجدة ودعائها الذي تدمجه بين كلماتها، ختمت حديثها وهي تستمع لصوت سلطان الأتي من شاشة الحاسوب وقال

- اللي يرضيكِ يا ست الكل هنعمله

 

ردت الجدة ولاء وقالت

- ياخد مراته و يمشي مايقعدش هنا، اللي يقعد هنا يقعد بأدبه، مدور الضرب في العيال عاوز يموتهم لي عشان يبرد نا ر مراته

 

رد مالك بمشاكسة وهو يجلس جوارها رغم اعتراضها وقال

- مش ماشي  دا بيتي يا ولاء وبيت أبويا

 

دفعته بعيدًا عنها محاولة عدم الإقتراب منه حتى لاينجح في تقبيلها وراحت تقول

- بيت مين يا أبو بيت، دا ورثي وورث ابويا أنا اللي عملت البيت دا وقلت اجوزكم فيه واعملكم قيمة وإنتوا ماتستاهلوش، والله ما هتمشي اللي في دماغك يا مالك

 

غمز مالك أخواته وقال بجدية مصطنعة

- أنا هنقله من شغله لو مرجعش عن اللي هو في

 

ضربت بمفها على الآخر وراحت تقول

- والله لو حصلت لاعرفك إن الله حق واروح اشتكيك لأكبر راس فيكِ يابلد ووريني وسطتي ولا وسطتك يا مالك ولا ليه الشكوى لغير الله ماذلة كفاية دعوة واحدة مني والله لا هتكسب ولا تربح بعدها.

 

رد سلطان بإبتسامة واسعة وهو يحاول تخفيف الأجواء مقربًا زوجته لحضنه وقال

- إنت ا قاعدين تهزروا و سايبين مراتي زعلانة، ماشي يا لولو لما اجاي لك مصر مش هاقعد عندك تاني

 

ردت الجدة وقالت بضيق

- بت يافيروز خديني عندك

 

كفكفت فيروز دموعها وقالت بنبرة متحشرجة

-عيني ياما من بكرا هخلي صهيب يقطـ ع لك تذكرة و

 

ردت صبا وقالت برجاء

- اه وحياتي يا تيتا تيجي شوية هنا أنا خلاص زهقت من هنا وكل يوم بعيط لصهيب عشان ينزلني مصر تعالي يا تيتا وحياتي اهو تخففي عني شوية الكآبة اللي بقيت فيها دي .

 

 

تدخل مالك على الفور قبل أن توافق والدته وتتركه وراح يقول

  - امي مبترحش لحد ياختي دا ملك هناك اهي ومش عاوزة تروح لها،  اللي عاوزها يجي لها مش حمل بهدلة هي

  - يا عمو عشان خاطري خليها تيجي  أسبوع بس  وبعدها تنزل مصر

 

ردت الجدة بنبرة حزينة نادمة على عرضها الذي جلب لحفيدتها الحزن والضغط النفسي

  - ماتعيطيش يا بت عشان اللي في بطنك

  - خلاص تعالي عندنا اسبوع وأنا اسكت

  - ماشي ربنا يسهل يلا بقى خليها ترتاح شوية

 

اوصد مالك شاشة الحاسوب النقال كي لا تنهار والدته أكثر من ذلك،  تناول يدها وطبع قبلة على ظهر يدها وقال بعتذار

  - حقك عليا يا ست الكل

  - لا حقي عليك ولا حقك عليا و امشي يلا من هنا

 

في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل كان يقف نوح على درجة السلم المؤدية للطابق العلوي ، يتبادل مع ربى اطراف الحديث،  علمت الجدة بخبر عودتهما وكان هذا الخبر السعيد منذ بداية اليوم،  بدأت تحكماتها تتخذ مجراها الطبيعي  من وجهة نظرها،  وقفت ربى تتحدث معه قرابة السا عة ونصف،  هتفت الجدة وقالت

  - يا بت كفاية كلام وادخلي نامي الساعة واحدة

 

رد نوح وقال بغيظٍ مكتوم

  - ما تسيبها يا ستي هي عملت لك إيه يعني !

  - بتتكلموا كل دا في إيه ؟ الساعة واحدة 

  - حاجات يا ستي حاجات !  وبعدين لسه مجتش واحدة سيبيها بقى

  - طب  كلمها في حاجات إن شاء الله تأكل  وادنها 

 

بدأت صلاة قيام الليل كاد أن يغلق الباب ما إن خرج أخيه عارِ الصدر لكن هتفت الجدة بصوتها المرتفع

  - الله أكبر

 

ظن نوح أنها تريدهُ أن يترك الباب بينما وقف بيجاد كما هو لا يعرف ماالذي تريده جدته،  انتهت من الصلاة وهي تسبهم جميعًا قائلة

 -مش عارفة اصلي اللي بيقفل لي الباب واللي خارج لي من غير حاجة تستره إيه مالكم !!

 

التفت نوح لجدته وقال بعدم فهم

  - هو في إيه يا ستي بس مش فاهم هو أنا اتكلم ما عاجب اسكت ما عاجب !! ما تسبيني اتكلم مع البت كلمتين وداخل !

  - هما الكلمتين دول مش هايخلصوا يا ابني دا رمضان قرب يجي عليا والكلمتين بتوعك دول لسه مخلصوش

 

تابعت بصوت مرتفع قائلة

  - ياعابد اطلع خد بنتك

 

ولجت ربى لشقتها بينما صفع نوح الباب وهو يقول بغيظٍ شديد

  - ارتاحتي يا ستي اهي دخلت

  - طب كويس أما اقوم انام بقى

  - طب ماكنتِ دخلتي من الأول !!

  - واسيبك مع البت لوخدكم

  - هاعملها إيه يعني يا ستي

  - الشيطان ثالثكما ياواد

  - شيطان إيه ياستي اللي هايجي لنا واحنا على السلم وابوها قاعد ورا الباب قال إيه بيتفرج على التليفزيون حركات بيت المحمدي الققديمة ابقوا نقوا حركات جديدة شوية

  - إن كان عجبك يا حبيبي ولو مش عجبك كل واحد يروح لحاله

  - لأ ازاي عجبني والله .

 

  

--

في أحد اقسام الشرطة اليونانية

 

كان شاهيناز تقف أمام الضابط تريد أن تثبت وقعة الضرب المزيفة التي افتعلتها هي لتزج بـ سليم الحبس  بينما حاول جدها توضيح سوء التفاهم اغتاظ منه سليم كاد أن يلتقط  خصلات شعرها المختلط بلونًا عجيب لا يعرف له أساس  وهو يقول

  - والله لو وقعتي في ايدي ما هرحمك جرا إيه يابت هو محدش قادر عليكِ يابت ولا ايه ؟!

 

 

 

  - ابقى وريني يا سليمة

 

قالتها بلغة عربية ركيكة ظن أنها تسخر من اسمه لكن هكذا نطقه لسانها، التي تبدل تمامًا ونسى تلك اللغة الوسيطة بينهما كـ لغة حوار، تابعت باليونانية التي لا يعرفها ريان بينما تعلمها سليم قبل سفرها ليحدثها بها،  فلتت زمام الأمور بعد أن سبته بسبابٍ كاد أن ينقض عليها ليفصل رأسها عن جسدها لكن وقف الجد حائلًا  بينهم، أشارت بيدها للمحقق وقالت

  - إما مارميتك في السجن مبقاش أنا شاهي

  - سبني عليها ياجدي سبني خليني اربيها بدل ما هي لايقة اللي يربيها.

  - ابوس ايدك يا ابني سابها تقول اللي نفسها في خلينا نسايسها خلينا ناخد ونرجع مصر وهناك هنربيها زي ما تحب، اهمد بقى خلي الدنيا تمشي زي ما أنا مخطط لها.

 

تابع ريان حديثه و هو يلتفت لحفيدته و قال

- و أنتِ يا بنتي  الله يرضى عنك كلميني عربي زي ما علمتك و لا حتى الماني دا أنا اتعلمته بالعافية عشانك

 

تمتمت باليوناية غير مُبالية رجائه وتوسلاته لها بل سبته سبابٍ لاذعًا، اغتاظ سليم وكاد أن يفقد سيطرته على غضبه الشديد، ما إن وصل إلى مسامعه سبابها و تهديداتها في زجهما في الحبس إن لم يبتعدان عنها،  نظر لجده وقال من بين أسنانه

- سبني عليها يا جدي عشان خاطري سبني اربيها واعرفها بتعامل مع طولة اللسان دي ازاي دي فاكرة نفسها كبيرة !!

- يا ابني ارحمني أنا تعبت أنا جايبك معايا عشان تحل ولا تعقد ما كنت جبت أخوها بقى طالما الموضوع كدا،  اهدأ يا سليم عاوزين نخرج من هنا بهدوء بدل الشوشورة اللي بتعملها دي اهدأ عشان خاطر جدك و اعمل لوجودي حساب .

 

بعد ساعة كاملة قضاها ريان وسليم داخل قسم الشرطة، أتى أدهم أخيرًا ليحتوي الأمر بعد أن علم أنها قامت بحبسهما، عاد إلى بيته باليونان  جلس ريان داخل غرفة الضيوف بمنزل أدهم، نظر لها وتسأل بنبرة متعجبة وهو يشير بيده المجعدة قائلًا:

- إيه القرف اللي بنتك عاملاه في نفسها دا ؟

 

رد أدهم بنفاذ صبر من ابنته وقال

-تعب والله معاها  يابابا بس هعمل إيه دي دماغها و....

 

قاطعه سليم قائلًا بنبرة مغتاظة

- كسـ ر دماغها على صدرها من إمتى بناتنا بتعمل كدا ؟ من إمتى بنمشي زي الصيع  !!

 

 

ابتسمت إبتسامة مزيفة وردت عليه باليونانية وقالت بهدوء حد الاستفزاز مالم يستطع تحمله  كاد أن ينقض عليها لكن لحق به جده  و قال بغضبٍ جم

- ما تلم بنتك يا ادهم هي مالها اتبدلت كدا ليه دي طفلة دي !!

 

 

رد أدهم ضاحكًا وقال

- يا جماعة إنتوا واخدين الموضوع قفش كدا ليه شاهي مبقتش صغيرة دي عندها عشر سنين  و بعدين هنا مسموح تعمل اللي هي عاوزاه طالما مش بتأذي حد و.....

 

 

لم يستطع سليم كظم غيظه أكثر من ذلك و قال بنبرة حادة

- الكلام دا لما تبقى مش مصرية تبقى تعمل اللي هي عاوزاه إنما دي يا عمي مصرية مسلمة ومن عيلة الأنصاري يعني كل خطوة محسوبة عليها وبعدين اللي زي دي في مصر بيلعب بالعروسة مش بتقلب نفسها عروسة المولد اللي مايشتري يتفرج !!

- سليم مبقاش في الكلام دا دلوقت انها في الالفنيات وأنت لسه تفكيرك زي تفكير الناس العجوزة !!

 

رد سليم وقال بتباهي

-أنا جاهل راجل جاهل لو هتعتبر إن دا جهل فأنا ليا الشرف بدا، ومش لازم عشان اوكب العصر الجديد امشي معري جسمي وملغبط وشي بالأزرق و الأحمر،  لو فاهم يا عمي إن بنتك متحضرة وعايشة سنها فـ تبقى غلطان البنت اللي عايش سنها بجد كانت شاهيناز اللي جت لنا مصر حافظة كلام الله وبتعرف تقرأ وتكتب وتبحث عن معلومات أكبر من سنها في حاجة مختلفة وكلها مفيدة مش واحدة أول لما تشوفها تقول دي من عبدة الشيطـ ان !!

 

نظر ريان لادهم وقال بهدوء بعد معاناة طويلة بينه وبين حاله محاولًا الصمود قدر المستطاع

- سليم قال كل اللي كنت هاقوله،  راجع نفسك يا أدهم ولم اللي باقي منك هنا وتعال يا ابني ننزل على مصر بلدك أولي بيك .

 

 ردت شاهيناز بعناد قائلة باليونانية المتقنة

- لن يحدث ماحييت لن نعود إليك أيها العجوز الأحمـ

 

انقض سليم عليها و قبل أن يقبض على خصلاتها المستفزة بالنسبة له، حاوط ادهم جسدها ليقف بينه وبين ابنته وراح يقول

- مالك يا سليم في إيه هتعمل عقلك بعقل البنت دي صغيرة يا سليم ومش فاهمة هي بتقول إيه ولا بتعمل إيه

 

تجاهل سليم حديث عمه ثم نظر لها وقال بوعيد باليونانية

- اقسم لكِ إن تعودين إلى شاهيناز التي اعرفها لن اتراجع عن قتـ ل تلك الروح الشريرة التي تلبستك،  في مدرستك تعلمتِ احترام الكبير والصغير ومعي ستتعلمين كم هو عدد النجوم تراجعي عن ماتفعلينه بدلًا من تنفيذ قسمي وحينها لن يحول بيني وبينكِ أحدًا وسأفصل رأسك المشعثة تلك عن جسدك

 

ختم حديثه وقال بنبرة آمرة مشيرًا برأسه تجاه الدرج المؤدي لغرف النوم

- خلال ثلاثة دقائق على الأكثر وتصبحين أمامي دون مساحيق التجميل الغريبة تلك ولا شعرك هذا، لا أريد منكِ سوى ملابسك وكل ماتحتاجينه للعودة لمصر

 

 

تسمرت مكانها مصطنعة الجمود وعدم الخوف منه ليهدر هو بصوته وقال بصوت أجش

- اصعدي الآن هيّا.

 

--

بعد مرور أسبوع

 

ولج شاهين شقة الجدة في تمام الخامسة عصرًا  ترك زوجته مع العائلة وولج لجدته التي طلبته بمفرده،  جلس على حافة الفراش

تناول يدها طبع عليها قبلة خفيفة ثم قال بحنو وحب

- أأمريني يا غالية

- مايأمرش عليك ظالم

 

وضعت الجدة مسبحتها جنبا ثم قالت بخفوت

- طاهر يا شاهين ؟

 

رد باسمًاوقال

- الحمد لله ومصلي العصر من شوية، خير يا تيتا في إيه ؟

- اللي هاقوله دا مش هايطلع برا الأوضة ولو طلع يبقى أنت اللي قلت وساعتها لا أنت حفيدي ولا أنا ستك

- هي دي أول مرة يا تيتا تطلبي مني حاجة سر ما ياما عملت وأنتِ عارفة مين هو شاهين

- المرة دي يا شاهين الكلام  على عرض واحدة  ست وأنا يا ابني مش عاوزة ربنا يحاسبني على ذنب أنا مش قده وكمان مش عاوزة ابن خالك يقع وقعة وحشة

- خير يا ستي طمنيني في إيه ؟

 

وضعت القران وقالت بنبرة جادة

- احلف على كتاب الله إن اللي هسألك في دا الحق ولا شئ غير الحق

- اقسم بآيات الله لأقول الحق ولا شئ غير الحق

 

طبعت قبلة خفيفة على الفرآن الكريم، ثم وضعته جنبا وقالت بنبرة هامسة خوفًا من أن يصتنت أحدهم على باب الغرفة

- هو أنت و رقية اللي خطفتها حصل بينكم حاجة في اليومين اللي غبيتهم عننا؟

 

عاد شاهين للخلف ليستوعب ما قالته جدته،  نظر لها وقال

- حد الله ما حصل بيني وبينها حاجة و أنا غيبت عنكم يومين اه بس بردو اليومين دول غبتهم عنها عشان كنت بدور على اخوها لكن البنت الحق يتقال كانت محترمة و أنا اتعانلت معاها زيها زي تولين أختي والله أنا بس خدتها ورقة ضغط مش أكتر والله ياستي.

 

تنهدت الجدة بإرتياح وهي تنظر له وراحت تقول

- طمنتني الله يطمن قلبك ويقوم لك مراتك بالسلامة وتفرح بعيالك يا شاهين.

 

ولج نوح بعد أن طرق الباب والغضب يسيطر عليه  نظرت الجدة له وقالت بتساؤل

- مالك يا واد قالب وشك ليه علينا

- مافيش ياستي

- اومال لو في كان وشك هيبقى عامل ازاي قول مالك في إيه ؟!

بابا ضربني ياستي و قلب الدنيا عليا

- ليه ؟!

- عشان بقول لـ بيجاد خد شقتي أنا مش محتاجها دلوقت واتجوز أنت قام ضربني وقالي أنت هتعمل لي فيها كبير وحياة امك لا أنت ولا هو قاعدين فيها .

 

 

تنهدت بعمق وهي توظر لـ شاهين ثم قالت بغضبٍ جم

- أنا مش عارفة عفريت إيه اللي راكب خالك، ناوي يموت لي العيال الحلوة مراته ترتاح !!

 

كادت أن تُكمل سُبابها لكن قاطعها صوت صراخ فيروز ابنتها وهي تتشاجر معه،  أتت متى، كيف لا تعرف كل ما تعرف أنها جاءت لتتشاجر مع أخيها، خرجت بمساعدة احفادها لتجد ردهة البيت نيران جهنم وبئس المصير

 كان عابد يتابع المشهد في صمت، جلست على الأريكة المغضلة لها تتابع ما يحدث دون أن تتفوه بكلمة واحدة، لم تكترث فيروز لوجد أحد و بدأت أولى تحذيراتها قائلة:

طب ورحمة أبويا يا مالك لو قربت لـ صهيب ابني و لا جيت ناحيته ما حد شايلك من على وش الدنيا غيري كله إلا ابني يا مالك ولا هو خلاص بقت كدا يعني هتوقف للواد في رزقه عشان شغل ابنك

 

رد " مالك" بنبرة لاتقل حد عن نبرة اخته وقال وهو يطرق بكلتا يده على سطح المنضدة الخشبي وقال

- طب ورحمة ابويا يا فيروز لو ابنك فكر بس يشغل نوح تاني عنده ما حد جايب ضُرفها  غيري  هو في ايه يا بت هو محدش قادر عليكِ ولا ايه  ؟

 

قاطعته " فيروز" قائلة بعصبية

- ايه يا مالك هتقطع أكل عيش ابني عشان شغلك ابنك بدل ماتشكره الواد جاي وفرحان بأهلي وعاملهم اهله وبيشغلهم معاه تقوم تهد له الجيم طب والله العظيم لو قربت ناحية ابني يا مالك ما حد واقف لك غيري وبشهد عليك اخوك الكبير اهو انا مش راضية اتكلم وعاملة احترام لي بس  مش اكتر 

 

رد عابد بنبرة ساخرة

- لا والله كتر خيركم إن لسه فاكرين إن ليكم أخ كبير يا غجر يا ولاد الكـ

 

تابع حديثه قائلا بحدة

- في ايه يا بت بتتكلم مع اخوكِ الكبير كدا ليه

 

ردت بغضبٍ قائلة

- البيه اللي بتقول عليه اخويا الكبير واقف لابني في اكل عيشه و بيهدده يقفل له الجيم ليه وليه عشان نوح شغال محاسب هناك بعد ما ساب شغل السوبر الماركت

 

سأله عابد بجدية قائلا

- حصل الكلام دا يا مالك ؟

- ايوة حصل انا ابني يشتغل مرة كاشير ومرة محاسب في جيم هو دا المستقبل اللي بيحلم بي المرة الجاية هاجيبه من كباريه بيلم النقطة من الراقصة ولا ماسك لها حساباتها ماهو خلاص اي شغل بيقبل بي وفوق كل دا بيدي شقته لاخوه ويقل له مش محتاجها اتجوز أنت وافرح و....

 

ردت والدته قائلة بجدية قائلة

- و أنت زعلان ليه ماهو دا نفس اللي عمله معاك عابد زمان ولا أنت نسيت يا مالك ؟ ومالك طايح في العيال كدا كأن ملكش كبير ترجع له فيها إيه لما نوح يشتغل مع ابن عمته

 

 

هدر مالك بعصبية وهو يطرق بيده على سطح المنضدة وقال

- فيها كتير ياما فيها كتير، مش ابن المحمدي اللي يشتغل عند حد، من إمتى واحنا بنمد ايدينا لحد ونقوله هات فلوس

 

 

ردت الجدة بذات النبرة قائلة

- الشغل مش عيب العيب اللي هو يقعد في البيت زي الستات ويستنى قرش من دا ولا دا  ابنك راجل وبيحب يعتمد على نفسه،  وبيحاول يبني مستقبله عشان عاوز يتجوز

 

أشار مالك بنبرة ساخرة وقال

- بالذمة دا منظر واحد عاوز يتجوز،  دا منطر واحد ينفع يفتح بيت من أساسه،  دا اللي زي دا كان زمانه الشارع لولا أنا واللي بعمله معاه ومن كتر دلعك في خاب وبقى عرة

- ملكش دعوة بنوح يا نوح أنا بحذرك اهو والله لو قربت له هو ولا اخوه ماهعرفك العمر كله سيب الواد يشق طريقه بمعرفته

 

 تابعت حديثها بغضبٍ جم وقالت

- ما تتكلم يا عابد ولا أنت عجبك بهدلة اخوك فيا وفي العيال

 

رد مالك وقال

- أنا مجتش جنبك ياما أنا بربي عيالي

 

نظر " عابد" حوله وقال بتساؤل 

- فين نوح ؟

 

رد " نوح"  وهو يحمل حقيبة السفر وقال بأدبٍ

أنا اهو ياعمي

 

نظر عابد لحقيبة سفره وقال

- رايح فين يا نوح ؟

 

رد بهدوء عكس غضبه وقال

- مسافر يا عمي

 

اتسعت أعين والده استدار بجسده وقال بغضبٍ شديد

أنت مسافر علي فين ياض أنت ؟

- المانيا يا بابا

 

رد الجميع في آنٍ واحد

- المانيا  !!!

 

تنحنح وقال بتوضيح

- جالي عقد عمل هناك من فترة و كنت بجهز له الايام اللي فاتت و كمان ساعتين معاد الطيارة

 

رد والدها بغضب شديد قائلا

- بتروح وتيجي وتحضر وتخطط وأنا آخر من يعلم ليه عدمت ابوك دا أنا لحد دلوقت بعرف امي رايحة فين وجاي منين وهعمل ايه وأنت قرارتك من دماغك ليه  فاكر نفسك راجل !!

 

ذيل عباراته بصفعة مدوية شهق الجميع و على رأسهم " رُبى" لم تكن تعرف أنه يخطط للسفر بهذه السرعة تعرف أنه يريد السفر ويحضر له منذ فترة لكنها لم تتوقع منه هذه السرعة   تجمعت الدموع في عيناها ما إن تقابلت عينها بوجهه الذي مال قليلا إثر صفعة والده

لم يتحدث بكلمة واحدة لكنه قبض على مقبض الحقيبة وغادر البيت غادر دون أن يلتفت خلفه

حثتها  والدتها  على القيام قائلة بهمس

بسرعة الحقي  خليكِ معاه 

 

أما فيروز فكانت تأثير  الصدمة عليها لها شكلا آخر حين قالت بغضبٍ واضح

- ايوة طلع اللي في قلبك من ناحية ابني متغاظ عشان الواد اتجوز  بنت خاله بعد ابنك ما رماها بطول دراعه وراجع يعيط لها زي الستات بس على مين ياحبيبي انا ابني راجل من ضهر راجل مش هو اللي يبيع واحدة شارياه ابدًا و إن كان على الرجولة فـ معروفة ياحبيبي أنا ابني مين وجوزي مين 

 

رد مالك بغضب قائلا بهمجية وهو يحاول أن ينقض عليها

يلا من هنا واياك تتدخلي البيت دا تاني لما نبقى رجالة زي جوزك وابنك ابقي تعالي ياحبيبتي

 

وقف عابد عن الاريكة وقام بفك حزام بنطاله   وقام بضربهم سويا وهو يقول

- و الله ولا هي ولا أنت قاعدين يا غجر يا ولاد  الكـ  غوروا من هنا يلاااا

 

 

تحاملت الجدة على نفسها وهي تقف لكن لم تسعفها ساقيها سقطت مرة أخرى فاقدة الوعي هرع نحوها الأبناء والاحفاد،   وصل إلى مسامع نوح و رُبى صوت عمتهما فيروز وهي تبكِ،  هرع نحوها  قفز بين السلالم وخلفه رُبى ، دخلا الشقة وجثا على ركبته ربت على وجه جدته عدة مرات وقال برجاء

- ستي قومي يا ستي والله ما هسافر بس قومي ستي الله يرضى عليكِ قومي.

 

 

 استفاقت ويلتها لم تعود لوعيها، حاولت مرارًا الوقوف على قدمها لكن لم تشعر بهما،  بكت حتى خارت قواها في البكاء، ضمها نوح لحضنه وبكى معها بدلًا من أن يخفف عنها حزنها  تحول البيت السعيد ولم تنقطع فيه  صوت الضحكات والتجمعات العائلية بآخر حزين تكاد جدارنه تبكِ من فرط الحزن الذي عم في المكان ما إن انتقلت الجدة إلى المشفى بعد تدهور حالتها الصحية.

 

 

--

 

 بعد مرور أسبوع

 

لم تتحسن فيه حالة الجدة ولم يحدث فيه شيئًا جديد سوى عودة سلطان، ابنه، وصبا، رغم تحذيرات الجميع من الحركة إلا إنها رفضت أن تنصاع لأحد وأتت بعد إلحاح شديد

 على ما يبدو أن الوضع سيدوم لفترة طويلة

 كان عابد يشعر بالاختناق، امتنع عن الكلام مع اشقائه رغم محاولاتهم في الاعتذار،  أما نوح فكان شخصًا آخر تمامًا، بعد تلك المشاجرة التي نشبت بينه وبين عمه،  غادر المكان وهو يتوعد للجميع،  عاد للمشفى وانتظر موعد الزيارة،  أكثر من أسبوع كامل داخل العناية المشددة،  وهو كالثور الهائج لا يعرف ماذا يفعل ليهدأ،  دس يده في جيبه وضغط على زر الاتصال،  حدثها وهو يخرج من المشفى وقال

- أنتِ فين يا ربى ؟ طب خليكِ في الحضانة أنا جاي لك لا مافيش بس في هدية بسيطة عاوز أأقدمها لك، مش وقت هدايا لأ وقتها ونص يا ربى سلام نص ساعة وابقى عندك

 

 

 

بعد مرور ساعتين

 

عادت ربى للبيت وهي تتحامل على نفسها،  تحاول لملمت ثيابها الممزقة ودموعها تنهمر على وجنتها،  خرج والدها من المطبخ وهو يقول

- أنتِ جيتي يا ربى كويـ ...

 

 

بُتَر باقي حديثه وقدح القهوة يسقط من يده،  هرع نحوها محاولًا اللحاق بها قبل أن تسقط أرضًا لكنها سقطت أرضًا والدماء تسقط من على فخذيها.

 

 

بعد نصف ساعة

 

تم نقلها للمشفى  وبعد الفحص المبدئي، تبين أنها محاولة اغتصـ اب باءت بالفشل، عندما سأل عابد عن الدماء تبين أنها أولى أيام الطمث  وأن لا داعي للقلق،  ولج عابد وجد ابنته في حالة يرثى لها، كدمات في أماكن متفرقة في جسدها وتحديدًا وجهها،  بدأ يعود لها وعيها تدريجيًا،  هرع نحوها وقال بلهفة

مين اللي عمل فيكِ كدا يا ربى ؟

رامي صح انطقي وقولي هو بس اوعي تقولي نوح اوعي تقولي نوح هو اللي حاول يغتصـ بك

اوعي تقولي اللي شيلته على ايدي واخدته في حضني قبل اخدك هو نفسه اللي دمرني قبل ما يدمرك ابن عمك هو اللي يفضـ حك بدل ما يسترك اكيد مش هو يا ربى ردي عليا وقولي لي يا بنتي مين عمل فيكِ كدا ردي قولي 

 

نظرت لوالدها وتذكرت ما حدث لها،  تساقطت دموعها وهي تقول بصوتٍ مرير ونظرات الإنكسار تكسو وجهها

- نـوح يا بابا

 

 

يتبع..