-->

الفصل الثالث والعشرون - عقوق العشاق

 



الفصل الثالث والعشرون






 قبل حادث رُبى بساعة تقريبًا

 

كان نوح جالسًا في مقهى المشفى،  في انتظار موعد الزيارة  ارتشف قهوته وهو ينظر في ساعة معصمه بين الفنية والأخرى،  يفكر في الأحداث التي حدثت مؤخرًا لا يعرف ماذا يفعل لتهدأ الاوضاع في منزل الجدة فـ قلبها لم يتحمل وأصابتها أزمة قلبية،  ارتشف آخر ما تبقى من قهوته و هو يقف عن المقعد متجهًا نحو الطابق الثالث لرؤية جدته، خمس دقائق فقط الذي قاها داخل غرفة العناية المشددة وكانت كفيلة بأن تطمئنه عليها، غادر المشفى وهو يهاتف " ربى" ليصل معها لحلًا يرضى جميع الأطراف وعلى رأسهم عمه عابد،  قاد سيارته حيث الروضة التي تقضي بها معظم اوقاتها وحتى ساعة متأخرة بعد إنتهاء وقت العمل،   نظر لشاشة هاتفه تارة وتارة أخرى للطريق، قامت بالرد عليه أخيرًا كاد أن يحدثها لكنها ردت بصوتٍ مرتجف بالكاد يستمع له

انقبض قلبه  وهو يقول

مالك يا روبي في إيه ؟

 

ضغط على زر السماعة الخارجية، استمع لها وهي تقول بنبرة مرتجفة

-  في ناس معاهم مسدسات وكسروا الحضانة وبيحاولوا يوصلوا لي يا نوح

-  أنتِ فين بالظبط يا رُبى ؟

-  في المخزن وصلت له بالعافية من غير يحسوا بيا

طب كويس متعمليش أي حركة لحد ما اجاي لك ومتخافيش انا قربت اوي منك

نوح خليك فاتح التليفون أنا مرعوبة

متقلقيش يا حبيبتي دقايق و ابقى عندك

 

 

مرت دقيقتين تحدث خلالهم نوح مع رُبى أكثر من خمس مرات، صف نوح سيارته بعيدًا عن الروضة حتى لا يُثير الشوكك،  سار بهدوء و هو يراقب المكان محاولًا بشتى الطرق كتم أنفاسه،  مال بجذعه قليلًا و التقط أحد قطع الحديدية الطويلة نوعا ما كانت مُحاوطة الحديقة الخلفية للروضة،  ضغط على سماعة الرأس و حدثها بصوتٍ هامس و   هو يطمئنها قائلا

متقليقش يا روحي أنا وصلت ثواني و اجاي الاوضة خليكِ مكانك أو عي تتحركِ لو إيه اللي حصل

 

 لم يجد نوح أي رد من قِبل رُبى ظنًا منه أنها تحاول عدم إصدار أي صوت،  لم يكن يعلم أن أحد الرجال الملثمين حاول الإ عتــ داء عليها،  و هي الآن تحاول جمع شتاتها، ضرب نوح رجلان و حاول أن يُفلت من الثالث لكن لم ينجح في ذلك

 قام الرجل المثلم بغــ رز السكــــ ين في كتفه وقام بشق طولي غائر، تأواه على إثره بصوتٍ مرتفع، كادت أن يسقط لكن قام أحد الرجال الذي قام بضربه في فم معدته ثم ظهره و أخيرًا ركله قوية في كتفه المصاب، انضم الرجل الآخر و سدد له عدة لكماتٍ قوية في وجهه،  زحف نوح رغم هذا الكم من الضرب محاولًا الوصول إلى رُبى، التي خرجت من الغرفة و يدها تقبض على ملابسها و الدماء تنزف من على فخذيها  فـ ظن أنهما نجحوا في اغتصــ ابها منعها أحدهما لكن ضربت نوح القوية بمساعدة السكــ ين كانت كافية بأن تسقطه أرضًا

 

بعد مرور نصف ساعة

 

انتقل نوح إلى المشفى ليضمض جرح كتفه،  و بداخل قلبه جرحًا لا يشفي.

 

نظرت رُبى لـ أبيها بعد أن انتهت من سرد تفاصيل الواقعة من البداية و حتى لحظة وصولها لبيتها من جديد و قالت بمرارة

نوح يا بابا فاهم إن حصل لي  وهو مش ها يسكت

 

رد والدها و قال بغضبٍ جم

و لا أنا ها سكت فاكرة الموضوع ها يعدي سهل و لا إيه ؟!

 

تنهدت رُبى و راحت تقول بنفاذ صبر

يا بابا أنا كويسة الحمد لله و اللي هاتعملوا دا هيأذيكم يبقى أنا كدا كسبت إيه ؟

 

رد والدها بغضب يفوق غضبها و قال

كسبتِ إن الأند ال دول مش هايشفوا الشمس تاني و لا يأذوا حد تاني،  و البيه اللي اسمه رامي دا أنا هعرف يعني إن الله حق و....

 

 

قاطعته رُبى و قالت بهدوء

رامي ملوش ذنب يا بابا

 

 اومال مين اللي لي ذنب ؟

 

 

أردفت والدتها سؤالها لتعلن عن وجودها أخيرًا، نظرت رُبى لوالدتها و قالت بنفس النبرة

دا والد طفل عندي في الحضانة منفصل عن مامته و في بينهم مشاكل كتير،  فهو جه و طلب ابنه و أنا رفضت و لما عمل مشاكل طلبت له البوليس و اخدت تعهد عليه بعدم التعرض للطفل و للحضانة، هو وقتها قالي راجع لك تاني و هاتندمي بس مكنتش متوقعة إن هاينفذ فعلا تهديده

 

 

رد عابد متسائلا بنبرة مغتاظة و قال

و ليه متكلمتيش في الحاجات دي ولا عرفتي حد مننا ؟

وقتها حضرتك كنت في المانيا و عدا أكتر من شهرين و بصراحة قلت تلاقي نسي خلاص .

 

 

ختمت حديثها و هي تنظر لوالدها و قالت برجاء

بابا عشان خاطري كفاية اللي حصل لحد كدا متخليش نوح يعمل حاجة  أنا مش مستغنية عنكم ارجوك

 

 

نظر عابد لزوجته وقال بجدية

خليكِ جنب بنتك متسبهاش

 

سألته وتين قائلة

رايح فين ؟

 

اجابها بتعجل قائلا

راجع تاني.


--



داخل غرفة نوح بالمشفى

 

كان صامتًا ينظر في اللاشئ،  شعور الإنكـ سار و الحسرة يلازمانه طوال الوقت، لم يستطع إنقاذ حبيبته  كان يُعد لها مفاجأة جميلة،  قام بمشاجرة مع عمه ليقدم خطوة جديدة  في نظر عابد قفزة عاليًا كان يمازحه حين هدده بالخطـ ف والزواج و يضعه أمام الأمر الواقع، لكن عابد ظنه يتحدث بجدية من شدة إتقان نوح في الدور،  تنفس نوح بعمق و هو يتذكر ما حدث،  ابلعت مرارة حلقه طرقات خفيفة وولج بعدها عابد،  نظر تجاه الباب ثم شاح بوجهه للجهة الأخرى،  كيف يواجه عمه و هو فشل في المحافظة على الأمانة،  ربت عابد بيده على كتفه وقال بإبتسامة واسعة

عامل إيه دلوقت يا بطل ؟

 

نظر نوح لعمه الذي يبتسم و كأن لم يحدث ابنته شيئًا  هل هذا جنون أم تماسك حتى لا ينهرم،  شاح ببصره مرةً أخرى، لو كان فقد النطق لكان تحدث بأي طريقة حتى ليطمئنه، نظر عابد لأخيه الذي فهم مغزى نظراته ليرد عليه قائلا بمرارة

من ساعة اللي حصل و هو مش عاوز يتكلم

 

نظر عابد  لابن أخيه و قال باسمًا

حتى لو عرف إن رُبى بفضل ربنا ثم هو محصلش لها حاجة

 

ابتسم إبتسامة جانبية ساخرة دون أن ينبث ببنت شفه  بينما تابع عابد وهو يضع التقرير الطبي، نصب عيناه وقال

لو مش مصدقني دا التقرير اللي يثبت إنها كويسة و مافيهاش أي حاجة

 

لم يتأثر نوح بكلمات عمه و لم تغير فيه شئ،  وقف عابد عن المقعد و هو يضع الورقة بجانب نوح على الوسادة،  ذهب لأخيه وقال

ما تجبش سيرة لأمك على اللي حصل دي يادوب خرجت من العناية النهاردا، و لو سألت عن نوح قل لها إن كان  مسافر عشان يشوف دكتور لأن عابد مكنش مطمن للدكاترة اللي هنا

 

رد مالك متسائلا بهدوء

طب لو سألت عن ربى ؟

 

أجابه بهدوء

متقلقش هخلي صبا تعمل نفسها ربى الفترة دي و بعدين تقل لها إنها مشغولة في الحضانة و بقت بترجع تلاقيها نايمة

 

 

كاد أن يخرج عابد من الغرفة  لكن استوقفه مالك و قال

على فين ؟

عندي كام حاجة كدا لازم اخلصهم مع مراد

هترفع قضية و لا إيه

تفتكر دي محتاجة كلام ؟

طب و نوح ؟

ماله نوح ؟!

هايفضل ساكت كدا !!

متقلقش دا من الصدمة يومين و هايبقى كويس يستحسن تقفل النور و تسيبه في أوضة ضلمة لحد ما اعصابه تهدأ خالص .

 

حرك مالك رأسه علامة الإيجاب و راح يقول بإستسلام

حاضر

--


بعد مرور أسبوع


 


لم يتغير فيه شئ سوى تأكد نوح مما حدث لربى و أنها مازلت عذراء،  هدأ قليلًا و لكن مازال بداخله نيران متأججة يريد أن ينتقم،  حدثه الجميع و طلبوا منه التحلي بالصبر لحين الإنتهاء من التحقيقات و إصدار الحكم،  لكنه يريد أن يأخذ حقه بيده ليس بالقانون،   علمت الجدة بما حدث للأحفاد كادت أن تموت كمدًا من فرط حزنها عليهما، ظل نوح يخطط جيدًا للإنتقام استأجر رجال يفوق عدد الرجال الذين تشابكوا معه ظل يتابعهم عن طريق الهاتف،  و في أحد المرات استمع إليه مراد قام بتبليغ عابد ومالك ليحظروا


حدثه والده في البداية بالعقل والمنطق لكنه انفجر فيه و قام بكسر كل ما تصل إليه يده، أما عابد تعامله كان غير تعامل والده، حاولت فيروز أن تمنعه لكنه لايبالي لتوسلات أحد .


 


عابد استهدأ بالله  مش كدا الواد هايمو ت في ايدك


 


قالتها فيروز وهي تحاول بشتى الطرق إبعاد اخيها عن نوح،   لم يكترث لوجود أحد دفعها تجاه الباب وقام بصفعه بقوةً تكاد تجزم أنه  انقسم لنصفين من شدة وصده للباب،  استدار عابد بجسده كله لـ نوح وقال بتساؤل وهو ينزع عنه حزام بنطاله


- مش عامل لي فيها راجل وبتكسر لي في البيت أنا بقى هعرفك الرجولة اللي على حق


 


اقترب منه وقال بهدوءٍ مريب


- مين قال لك تعمل كدا يلااا ؟


 


ابتلع نوح لعابه وقال بتلعثم


- محدش و ....


 


كاد أن يُكمل حديثه لكن قبضة عابد على مؤخرة رأسه بعنف بُترت باقي حديثه،  تقابلت نظراتهم لبعضهم البعض وهو يقول


- لو كنت فاهم إني أنا العم اللي بيدلع وبيطبطب وقت الوجع ويقلك  معلش تبقى بتحلم  أنا ورحمة ابويا على اتم الاستعداد امحيك من على وش الدنيا بس أنا مش هعمل كدا عارف ليه، عشان مش أنت اللي اخسر روحي عشانه


 


هدر نوح بصوتٍ مختنق متسائلًا


- عاوز مني إيه ما تسبني في حالي


 


قبض عابد على فك نوح ليوجهه بنظراتٍ متوعدة وراح يقول بتحذير واضح


- اقسم بالله لو ما اتعدلت واتكلمت عدل لاعرفك إن الله حق،  مين الرجالة اللي كانت معاك دي يلاااا و رسالة إيه دي اللي جت لك على التيلفون ؟


- ملكش دعوة بيا أنا اعمل اللي أنا عاوزه محدش لي إنه يحاسبني


 


ضرب عابد بظهر يده على كتف نوح المصاب وقال


- طلع يلااا التليفون


-آآآآه


- إيه وجعتك ؟ لا اصبر عليا أنا لسه معملتش حاجة دا أنت هتشوف عابد تاني خالص قصادك دلوقت، اطلع يلااا بالتليفون بتاعك


- مش هطلع حاجة واللي عندك اعمله 


 


جلس عابد على حافة الفراش المقابل له،  مد يده وجذب لفافة تبغ  نفثها في وجهه وقال بهدوء مريب


- نص ساعة لو ما اتكلمتش بالذوق هعرف اخليك تتكلم بس وقتها لأبوك ولا أمك ولا عماتك ولا ستك يا نور عين ستك  هيعرفوا يشيلوك من تحت ايدي،  أنا لحد دلوقت بتعامل معاك بالذوق الحق نفسك وقل لي مين الرجالة وعاوز منهم إيه ؟ 


 


ملكش دعوة بيا أنا عارف كويس أنا بعمل إيه خليك مع ولادك  شاغل دماغك بيا ليه؟


 


ماشي يا نوح يحق لك لحد النص ساعة ما تخلص  وبعدها لينا كلام تاني


 


طرقات خفيفة ثم ازدات قوتها حتى فتح لها عابد ولجت وجلست جواره نظرت له وقالت برجاء


- ارحم نفسك يا نوح من ايد عمك يا حبيبي عشان خاطري وقل له مين هما الناس دي


 


رد نوح وقال بغضبٍ مكتوم


- ملكيش دعوة أنتِ يا ستي بالموضوع دا 


- يا واد عمك مش هايسكت لك كفاية اللي حصل لحد دلوقتي


- مبقتش فارقة كتير يعمل اللي يعمله طالما عملت اللي في دماغي خلاص


 


كاد أن ينقض عليه عابد لكنها لحثت به متوسلة إليه وهي تقول


- اهدأ يا عابد و اللي اتكسر يتصلح يا حبيبي


- الكلمة دي تقوليها لما البيه يكسر كوبية ولا طبق مش لما يدوس علينا كلنا !!


- عشان امك يا عابد سبني معاه شوية أنا هعرف منه كله بس بلاش العصبية دي يا حبيبي مش هاتجيب نتيجة


 


خرج عابد من الغرفة بعد إلحاح شديد من والدته نظر لأخيه وقال بوعيد


- العيب مش على ابنك العيب على معرفش يربي  بس معلش أنا هعرف ازاي اربي


 


رد مالك وهو يتحامل على نفسه  قائلا بمرارة في حلقه قبل أن يغادر المكان


- اعمل اللي يعجبك أنا خلاص مبقاش عندي عيال كان عندي ولدين وماتوا واللي نفسه في حاجة يعملها


 


وقبل أن يطئ قدماه خارج شقة والدته  وصل إلى مسامعه صوت صراخها وهي تتوسل نوح بأن لايغادر


- يا نوح أنت يا واد يا نوح خد هنا


 


هرعت إليها فيروز متسائلة من بين دموعها


- في إيه يا ماما نوح رايح فين ؟


 


 لم ترد عليها الجدة وبل ناداته ولم يلبي ندائها لأول مرة،  قفز بين سلالم الدرج  قبل أن يلحق به احدًا،  وقبل أن يعبر البوابة الحديدية، احتضنه أخيه بقوةً  ليُعيده للداخل،  حاول أن يفلت من احتضانه له لكنه لم يفلح،  وبعد مرور لحظات من المحاولة نجح في إحدهما  صفع أخيه صفعة مدوية ثم قال بغضبٍ جم


- اللي هايقرب لي والله لاقتـ له


 


وجه فوهة سلاحه الناري في وجه الجميع،  كي يفسحوا له الطريق،  نظرت له رُبى  وقالت بمرارة في حلقها والدموع تنهمر من عيناها


- نوح عشان خاطري سيب المسدس دا


 


وجه نوح سلاحه الناري تجاهها وقال بمرارة في حلقه


- أنتِ بالذات تخرسي خالص أنا أصلًا مش طايق  اسمع صوتك


 


 


منذ ذلك اليوم و هو لا يستطيع التواجد معها في نفس المكان،  وقف عابد على أعتاب باب شقة والدته  أشار برأسه لـ شاهين الذي كان يقف بالقرب من نوح استغل إنشغاله مع ربى وانقض عليه لـ يقيد حركته،  هذا أكثر ما يزعج نوح هذه الحركة تحديدًا تذكره بما حدث، قام بسحبه للشقة الموجودة بالطابق الأرضية،  هبط عابد سريعًا و قال بنبرة آمرة للجميع


- من هنا لحد الخميس ما يشوفش الشمس شكلها إيه و لو خرج يبقى حسابكم معايا،  بدلوا مع بعض وقسموا مع بعض الوقت عشان متتعبوش  علاجه وأكلكم وشربكم و كل حاجة عاوزنها هاتيجي لحد عندكم غير كدا ممنوع الخروج .


 


❈-❈-❈


 


في مساء يوم الخميس


 


كانت ملك تهبط سلالم الدرج بخطوات هادئة و بجوارها رُبى توقفت أمام باب الشقة بالطابق الأرضي فتح لها شاهين و هو يتناول منها الطعام بعادته عنه قليلًا وقالت


- عاوزة اطمن على اخويا


- ملك عشان خاطري بلاش هو أصلًا من الصبح خارب الدنيا


ردت رُبى وقالت برجاء




يُتبع..