الفصل الرابع - عقوق العشاق
الفصل الرابع
ضغطت على يدها بقوةً حتى إنقطعت الدماء عن اطرافها، لاحظ غضبها المكتوم فبادلها بإبتسامة خفيفة، وقف عن المقعد وقال بجدية
- أنا هطلع اشوف ملك اختي
اشار بيده وقال بتساؤل
- خلصي القهوة وحطي الفنجان هنا مش مهم تغسلي
كادت أن يلج للغرفة لكنه عاد بجسده وقال
- رُبى
التفت له دون أن ترد ولكن ملامح الحزن بادية على وجهها، تابعته بأعين مليئة بالدموع ونبرة متحشرجة لا تخرج حتى لا تكشف إنكسارها أمامه استمع لنصائحه دون التعقيب على حديثه بكلمة واحدة
- أنتِ غالية، غالية في نظر ناس كتير اوي بلاش ترخصي نفسك، اوعي تعيشي حياة مش حياتك لمجرد الخوف من الفشل، لأن دا في حد ذاته فشل، افشلي في علاقة على البر أفضل مليون مرة ما تعضي على ايدك من الندم بعدين
ختم حديثه قائلا
- متناميش السحور على البنات النهاردا
❈-❈-❈
غادرت الشرفة لكن لم يغادر الحجرة، ظل واقفا خلف الباب، يستمع لبكائها، نحيبها، وانسكارها أمامه، استدار بجسده كله وضع يده على المقبض الحديدي، قرر أن يعتذر لها
طحن على أسنانه من فرط غيظه، ترك المقبض والغرفة بل الشقة بأكملها، صعد إلى شقيقته، ولج البيت باحثًا عنها، كانت والدته تصنع لوالده قهوته المسائية، دلف المطبخ طبع قبلة على كتف والدته وقال بحنو
- كل رمضان و أنتِ منورة بيتك ومطبخك يا ست الحبايب
ابتسم دون أن تستدار له وقالت بسعادة
- و أنت بخير يا حبيبي
سكبت " سيلا" القهوة ثم استدارت له وقالت باسمة
- تحب اعمل لك قهوة يا نوح ولا تتسحر ؟
أومأ برأسه قائلا بالنفي
- لا يا ماما ها نتسحر كلنا تحت إن شاء الله
اقتربت منه وقالت بصوتٍ هامس مشيرة برأسها تجاه زوجها " مالك " الذي جلس يقرأ الجريدة المسائية
- مش هيرضي ينزل
تناول من يدها القهوة وقال بذات النبرة
- روحي حضري نفسك وأنا هاظبط الدنيا
سار تجاه والده، جلس وقال بأدبٍ وهو يضع قدح القهوة
- كل سنة وحضرتك طيب يا بوب
رد " مالك " دون أن يرفع بصره عن الجريدة
- وأنت طيب يا نوح
- اتفضل القهوة
- طب يا سيدي تسلم ايدك
- ماما اللي عملتها
- تسلم ايدها وايدك
نظر له وقال بجدية
- هات اللي عندك يا نوح
ابتسم لها وقال
- بص انا عارف إن عمي غلط، بس أنت لو فكرت فيها ها تلاقي عمل الصح، هو ماشي بمبدأ اجرح بنتي ولا غيري يجرحها
رد " مالك " بتهكم قائلا
- وما شغلش دماغه دي مع بنته ليه ؟! فالح بس يجرح بنتي ؟!!
نظر " نوح" لوالده بينما رد " مالك" وقال بتلعثم
- ما تبصش لي كدا يا واد أنت، ايوة أنا اللي حطيته في وش المدفع بس بردو قلت هو ها يعرف يجبها لها بذكاء مش هيبقي مدب زيي
اهو طلع دبش اكتر مني
تنهد " نوح " وقال باسمًا
- بابا يا حبيبي لو جبها بذكاء زي ما بتقول كانت هتاخد وقت وهي تتعلق بي زيادة هو قال كدا افضل، طب اقل لك على حاجة امبارح عمي ما اتسحرش ولا فطر حتى تيتا رفضت تأكل
استدار " مالك " بسده نصف جلسة متسائلا بعتابٍ
- إيه دا ازاي كدا دول بياخدوا دوا وعمك يا زفت أنت ازاي تسيبه يصوم من غير ما يأكل لقمة ؟!!
رد بنبرة حزينة و قال
- اعمل إيه بس يا بابا، ماهو بعد ما اتجمعنا كلنا وفضل منتظرك قال مش هتسحر لما الكل يتجمع، بعتنا لك وأنت قلت مش هتنزل قال أنا مليش نفس وطبعا ولاده ومراته نفس الكلام وتيتا لما شافت كدا قالت شيل الأكل يا نوح مليش نفس و اول يوم رمضان اللي كنا بنتجمع فيه بفرحة وسعادة بقى حزن وكأبة
ختم " نوح "حديثه قائلا
- لو يرضيك بقى عمي يتعب و
لكزه والده قائلا بغضبٍ مكتوم
- اخرس قطع لسانك
تابع بجدية قائلا
- قوم نادي على امك واخواتك وخليهم ينزلوا أنا كمان نازل
وقف " نوح" وهو يغمر والده بقبلاته قائلا بسعادة
- حبيبي حبيبي، كنت واثق إنك مش ها تكسفني
تابع بتذكر قائلا
- صحيح خبط على عم عابد الاول و
رد " مالك" و قال بغضبٍ مكتوم
- امشي يالا من هنا مش ها تعلمني الأصول
خرجت " سيلا" تبعها " بيجاد" ليشاهدو
مشاجرة الأب وابنه التي لن تنتهي إلا بذهاب
" نوح" غادرا ثلاثتهما، وولج هو لاخته المنعزلة منذ معرفتها بخبر خطبة " غفران"
كانت شاردة الذهن لم يصل إلى مسامعها ماحدث بالخارج، أو وصل فهي لم تكترث لهما بل لم تكترث لأي شئ من الأساس .
جلس مقابلتها على حافة الفراش، يستمع لها، حسرتها على فرحتها التي لم تكتمل، على ذاك الحبيب الذي لم يشعر بها من الأساس، نظرت له وقالت بمرارة
- أنا مزعلتش من كلام عمي يا نوح، أنا زعلت على فرحتي اللي اتكسرت، فستاني اللي ملحقتش افرح بي، على واحد حبيته وهو قلبه مع غيري
- حاسس بيكِ يا ملك
ردت " ملك "ببكاء مرير
- لأ مش حاسس بيا، أنت عمرك ما جربت يبقى إيه بتحب حد ويفضل قصادك ليل نهار وفي الآخر يبقى نصيب حد تاني، قمة القهر اللي في الدنيا يا نوح لما اللي بتحبه مش بيبادلك نفس الشعور
ابتسم بإنكسار وقال بمرارة في حدقه حاول التغلب عليها
- جربت يا ملك، جربت كل اللي بتقولي عليه دا عشان كدا بقل لك حاسس بيكِ
نظرت له وقالت بتساؤل
- رُبى مش كدا ؟!
تنحنح وقال بجدية مصطنعة
- انا جاي اتكلم معاكِ ولا تحققي معايا
سألته " ملك" مجددًا
- ليه بتهرب يا نوح ؟
أجابها رافعًا كتفيه قائلا بإبتسامة ممزوجة بخيبة أمل
- وهو أنا قدامي غيره يا ملوكة !!
ربت على ظهر يدها وقال بمزاح
- يلا السحور عليكم وبابا تحت واحنا امبارح لا فطار ولا سحور، و لا عاوزة تهربي من عمايل الأكل !!
ابتسمت رغمًا عنها وقالت بحنو وحب
- رغم إن رُبى بنت عمي بس انا بتمنى لك حد غيرها أنت تستاهل تتحب يا نوح وهي أنانية
رفع" نوح " منكبيه وقال
- حبيبك على عيبه بقى ياملوكة
ختم حديثه قائلا
- يلا ربنا يسعدها ويوفقها في حياتها اللي اختارتها
نهض قبل أن يستمع للمزيد من كلمات أخته المؤلمة لقلبه، خرج من غرفتها هاربًا للمرحاض وضع رأسه أسفل المياة، عله توقظه من غفلته تلك، رفع رأسه ونظر لصورته المنعكسة في المرآة، مالذي فعله بحاله وقع في عشقها دون إرادة منه، لا بل كان السبب في ذلك هو عمه حين وعده بها، تردد على مسامعه جملة عمه وهو يقول
( رُبى ليك يا نوح، مش هلاقي لبنتي راجل يشيلها في عينه زيك، خلص جامعتك ونعمل خطوبة وبعدها نفرح بيكم، أنا بشتري راجل )
كانت جميلة هادئة مدللة أبيها، حتى جاء ذاك المحتال والتف حولها كالأفعى، لن ينسى تلك الجملة التي اعتذر بها " عابد " وهو يخبره
( معلش يا نوح الظاهر إنها مش نصيبك، كنت فاهم إنها هعرف اختار لبنتي بس هي اختارت ومصممة على رأيها، بس صدقني هي الخسرانة)
❈-❈-❈
كان هذا اليوم هو يوم تخرجه كان في الثاني والعشرون من عمره، أما الآن بلغ الخامس والعشرون ثلاث سنوات كاملة، مرت عليه يحاول تجاوزها، دعس عمه على قلبه دون قصد لن يخبر أحد بتلك الالام، ظل حبيس هذه الذكريات ولن يخرج منها ما دامت هي أمامه يحاول تجنبها لكنها لم ترحمه حتى يركع أسفل قدماها طالبا العفو والرضا، يا لها من متعجرفة، قاسية القلب، وسليطة اللسان
يود أن يصرخ في وجهها لكنه يقابلها بالبرود
فيزداد جنونها، تعمل على الغيرة لديه فيبتسم
هبط الدرج وهو يقفز بين سلالم الدرج بعد أن بدل ملابسه المبللة بأخرى جافة، خرجت في ذات الوقت ابتسم لها وقال بجدية مصطنعة
- صبا نادي للجماعة
ابتسمت وقالت بهدوء
- أنا رُبى مش صبا وكنت طالعة انادي لكم عشان بابا قال إن هنتسحر عندنا
عقد ما بين حاجبيه متسائلا بنبرة متعجبة
- هو بابا مادخلش عندكم ؟
- لا دخل بس مش بيتكلم مع بابا
وقف أمام الباب مباشرةً وقال
- طب دخليني
أشارت له بالدخول تجاوزها عابرًا باب شقتها، القى التحية وهو ينظر للجميع، كان " عابد"
يتحدث بمرارة في حلقه، يعاتبهم علي سوء معاملتهم له وكأنه السبب في ذلك، كانت
" ملك " تشعر بالذنب لما آل إليه عمها، جلست جواره محتضنة ذراعه وتوسدته ثم قالت بنبرة حزينة
- معلش يا عبودي متزعلش أنا آسفة أنا السبب
رد "عابد " بصوتٍ مختنق
- ابوكِ فاكر بعاملك غير ولادي ربنا يعلم أنتِ زيك زي بناتي ويمكن اكتر كمان
تابع بحزنٍ دفين وهو يشير بيده قائلا
- عيال البيت كله مولدين على ايدي أنا آخر حد دلعته وشيلته على ايدي هما عيالي دلوقتي بتقولوا عني إني جاحد ومبخافش على كرامة ملك بنتك اللي هي اساسا بنتي أنا
وجه سؤاله لأخيه مشيرًا برأسه قائلا
- مين اللي كان بيودي الحضانة ويجبها مين كان بيدلع ويسرح شعرها ويغني لها مين لما كانت تغلط يداري على غلاطها ويقول محصلش كانت بتجري على حضن مين وتعيط عشان أنت بس زعقت لها
ثم نظر لها وقال بتساؤل
- مين اللي كان بجيب لك حقك من عينه مين اللي لو فكر يضربك على ايدك كان يرد له الضربة بالحزام على جسمه لما ينزف
يتبع