-->

الفصل الثامن - عقوق العشاق






الفصل الثامن 


ولج من باب شقته حاملًا كل ما لذ وطاب، اطعمة شهية، عصائر طازجة، والفاكهة المفضل لديها، وضع الاكياس على سطح المائدة داخل المطبخ، نظر حوله وجد المكان غير منظم، حرك رأسه يمينًا ويسارًا من تلك المستهترة التي لا تفعل شئ في حياتها أبدًا.


خرج من المطبخ مناديًا عليها بصوتٍ عالِ نسبيًا 

- ساندي أنتِ فين ؟ 


خرجت " ساندي" من الغرفة مرتدية منامة حريرية قصيرة من اللون الأحمر القاتم، ذات حمالات رفيعة، اتجهت نحو وقالت بسعادة 

- حمد الله على سلامتك يا روحي 

- احنا مش قلنا نحاول ننظم المكان شوية ؟ 


لوت ثغرها يمينًا ويسارًا وهي تتجه نحو المطبخ وقالت:

- نوح وحياة ابوك مش ناقصة صداع على الصبح هابقى اروق البيت، قل لي جبت إيه معاك؟ 

-كل اللي طلبتي 


تناولت ثمرة من التفاح الأحمر، قضمت منها قطعة صغيرة ثم قالت 

- بقالك يومين غايب مش بعادتك يعني ؟ 

- مافيش رُبى بنت عمي عملت شوية مشاكل كدا في البيت وانشغلت فيها 


تركت "ساندي" التفاح بغضبٍ جم، ثم وضعت المشتريات في البراد حسب ترتيبها وهي تقول 

- وهو دا اللي خلاك تغيب عن مراتك يومين يا سي نوح ؟! 


استند "نوح" بظهره على حافة المائدة الرخامية وراح يقول 

- معلش يا ساندي بس أنتِ عارفة الدنيا لما بتتكهرب كدا عمي بيتعب فجأة و أنا بحب اكون جنبه 


نظرت له وقالت بعصبية شديدة 

- جنب عمك ولا بنت عمك يا نوح ؟! 


ابتسم لها وقال بغمزة من عينه 

- الله احنا بنغير اهو ؟

- اغيير من مين يا حبيبي من دي ملقتش إلا دي واغير منها طب حتى نقي حد عدل اغير منه 

- رُبى طيبة وغلبانة يا ساندي واحنا متعودين على الخناقات دي من زمان بس المرة دي زادت شويتين  

- احسن تستاهل عشان تبقى تعمل فيها بنت الحسب والنسب 

- بقلك إيه قفلي ع الموضوع دا ويلا عشان نأكل أنا جبت أكل جاهز النهاردا 


تناول بعض الأ كياس الصغيرة، جلس على المقعد وجلست هي مقابلته، بدأ في تناول الطعام بشراهة، نظرت له وقالت 

- أنا هموت من الجوع وأنت جيت في وقتك 


ترك الطعام وقال باسما 

- الف هنا على قلبك يا حبيبتي 


تابعت بغنج وهي تملس على لحيته النامية قليلا 

- بحبك يا نوح متتصورش أنا بحبك ازاي، أنا عارفة إن قلبك لسه معاها، بس هي غبية متستاهلكش أنا وبس يانوح اللي استاهل واحد زيك رُبى كا فرة بنعمة ربنا، سيبك منها وخليك معايا أنا، أنا هدلعك وها خليك تعيش اسعد أيام حياتك أنت بس سيب لي نفسك خالص وشوفي ساندي ها تعمل لك 


اكتفى بالإبتسامة الواسعة، وتابع تناول طعامه 

بينما هي نظرت له وقالت بهدوء 

- أنا عارفة إنك ممكن تزعل بس أنا ناوية اخلف منك، خلاص مش حبوب منع الحمل 

- ساندي أنا قلت لك قبل كدا الموضوع دا أنا مش معارض في وإن أنا سايب الخلفة دي تيجي وقت ما ربنا كاتبها 

- لو جه ولد هاسمي طلال ولو هتسميها إيه يا نوح ؟

- أنتِ يا حبيبتي اللي تختاري مش أنا 


ردت " ساندي" بعصبية وقالت وهي تقف عن المقعد

- ليه بقى إن شاء الله مش بنتك ولا مش بنتك ولا تكون ناوي تسميها على اسم حبيبة القلب !! 

- تاني يا ساندي تاني مش هانخلص من الحوار بقى ؟! وبعدين مالك حاطة رُبى في دماغك ليه هي خلاص هتتجوز وبتحب جوزها 


ردت بنبرة مغتاظة وقالت 

- وأنا ازعل ليه يا حبيبي، وبعدين هي دي حد يحبها دي حتة بت هبلة لا ليها كلمة ولا شخصية خطيبها عامل من كرامتها سجادة كل شوية يدوس عليها انما أنا متجوزة راجل وسيدي الرجالة وإن كان على اهلها الدكاترة 

وايه يعني ابوها مدلعها ومخليها ملهاش لازمة في الحياة انما أنا ابويا علمني وكبرني وخلاني ليا حياتي الخاصة اعمل اللي يعجبني وقت ما يعجبني يعني من الاخر متقارنهاش بيا أنا وبس اللي تتكلم عني انا اللي فزت بيك وهي زي الخايبة راحت للي مبتعرفش تقول له لأ 


سار تجاهها ووقف مقابلتها وراح يقول 

- طب معلش حقك عليا متزعليش، يلا نكمل أكلنا 

- بعد إيه بعد ما سديت نفسي بكلامك عن الست البرنسيسة بنت الحسب والنسب 

- قلت لك خلاص حقك عليا 

- بردو لأ 


دس يده في جيب حلته السوداء وقال بإبتسامة واسعة 

- اعتقد بعد الهدية دي مستحيل تزعلي مني 


التقطتها منه والسعادة تكاد تقفز من عيناها 

نظرت له وقالت 

- الله يا نوح حلوة اوي السلسلة، دهب دي يا نوح 


تناولها منها ليساعدها في ارتدائها وقال 

- طبعا يا قلب نوح يلا بقى عاوزين نأكل الاكل هيبرد وكمان عاوز انزل الحق شغلي 


تعلقت برقبته وقالت برجاء 

- خليك معايا يا نوح وحياتي يا نوح خليك معايا 

- حبيبتي معلش بلاش النهاردا، تيتا لوحدها واكيد هتكون زعلانة بسبب اللي حصل وأنا خايف تتعب وهي لوحدها 


تركت رقبته وقالت بغضب

- أنا عاوزة اعرف بالظبط أنت هاتعلن جوزانا امتى ؟! 

 

أومأ برأسه علامة الإيجاب وراح يقول 

- حاضر قريب بس، الدنيا ترجع تهدى تاني وأنا هعلن جوزانا 

- أنا مش فاهمة يا نوح أنت خايف من مين ؟ 

- مش من حد بس جوازنا جه فجأة وكل حاجة جت بسرعة وطبيعي ابقى محتاج امهد لهم إني اتجوزت 


ابتسمت " ساندي" بانتصار وراحت تقول بشماتة واضحة 

- قول للدنيا كلها إنك بتحبني و اعترف لهم أني أنا اللي انتصرت على رُبى واخدتك منها لأنها مستاهلكش، أنا يا نوح وبس اللي استاهلك رُبى واحدة غبية وعمرها ما كانت هتعرف تبسطك وتسعدك زيي، اوعى تفكر فيها تاني أنا هانسيك رُبى بنت الحسب والنسب اللي معرفتش تختار صح في حياتها، خليها هي تتعذب مع واحد زي رامي وخليك أنت معايا في الجنة .


❈-❈-❈


في مساء اليوم التالي 

جلست " رُبى" على ركبتيها أمام جدها تسأله ويجيب عليها بكلمات غاية في البساطة مازال يتمتع بخفة الظل، تظهر لمن يريد أن يظهرها له حاول تعويضها عن أبيها، سئمت من السؤال عنه و فشل في وجود اكذوبة جديدة، قررت أن تتعايش مع الأمر، يشفق عليها ولن ينكر اظهار تعاطفه مع " عابد" الذي سقط أرضًا بعد مجيئها هنا انتقل للمشفى وعلم أنه يُعاني من ازمة قلبية، وكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، قرر ان يُخفي عنه مرض ابنته، لحين إشعار آخر

الوضع بينه وبين ابنته تأزم بشكلٍ كبير، بعد أن علم بسفرها ورفضها للعودة إليه من جديد 

لم توافق " جميلة" على هذا الإقتراح و تنبأت بالنتائج الوخيمة له، لم يكترث ريان لهذا ليحصد ما زرعه طيلة العام الماضي ندمًا وحزنًا لاما نفسه كثيرًا ولكن الندم واللوم لا يُجدي نفعًا، خرجت " رُبى" من المشفى شخصية أخرى غير التي يعرفها الجميع، قررت " جميلة" التصرف على طريقتها الخاصة، اخبرت ابنتها بكل شئ حدث خلال العام الماضي بعد أن امتنع " ريان" الإخلال بعهده لحفيدته، كانت" وتين" على علاقة قوية بوالدتها علمت منها كل شئ وتصرفت كما أرشدتها، واخفت هذا السر عن زوجها حتى لا يحدث له مضاعفات قبل دخوله إلى عملية القلب المفتوح التي سوف يخضع لها خلال أيام قليلة، كتمت آلمها في قلبها، تكاد تموت كمدًا من فرط حزنها على ابنتها وزوحها وحالهم الذي آل إليه الجميع خلال العام الماضي، تجنبت رؤية ابنتها لفترة ليست بالطويلة بعد تعليمات الطبيب النفسي، انهارت والبكاء اصبح حاليفها الوحيد، ظلت تحت رحمة الاطباء وتعليماتهم لرؤية ابنتها، ينعقد لسانها عندما ترَ زوجها يحدث نفسه يرميًا معاتبًا ابنته وكأنه يرأها، تريد أن ترفع الظلم عنها ولكن إن رفعت الظلم عنها سقط زوجها من إثر الصدمة، ماذا تفعل طلبت من أبنائها المكوث مع والدهم بعد أن تحججت بمرض أبيها حاولت أن تقترب من ابنتها كسابق عهدها لكن هذا الإقتراب كان سببه ردة فعل الغير متوقعة من ابنتها، قرر " ريان" ابعاد ابنته عن حفيدته فترة طويلة حتى لا يحدث لها انتكاسة جديدة لا يعرف كيف تعيد تلك المسكينة، ربت على خدها الأيسر تذكره بوالدتها كانت عاشقة لآحاديث والدها عن جميلته الذي لا يخلو من المشاكسات، تنحنح وراح يقول بجدية مصطنعة 

-جدو أنت اتعرفت على تيتا ازاي ؟ 

-بصي يا ستي جدتك كانت صاحبة اختي وشافتني ووقعت في غرامي من النظرة الأولى 

انا طبعا مكنتش معبرها لحد ما جت في يوم وقالت لي ازيك يا ريان عاملة إيه ممكن نتجوز 

لسه هاتكلم واقول أنتِ مين اصلا لقيتها بتقولي 


هو انت لسه فيك عادة الكدب دي ياريان مش هتبطلها ابدًا 


أردفت " جميلة" عباراتها وهي تلج حاملة بين يدها الحلوى وبجوار صحن " رُبى" عقاقير طبية تواظب عليها تحت إشرافها شخصيًا بعد أن أكد الطبيب الاهتمام بالدواء هذه الفترة الحرجة بالنسبة لها، كتمت " رُبى" ضحكاتها بكفيها ما رأته يعتدل بجسده وعلامات القلق بادية على وجهه حين قال 

-ها جميلة !! 

- بصي يابنتي أنا كنت طالبة وهو المعيد بتاعي وهو اصلا شريكِ في الورشة بتاعت ابويا الله يرحمه قالي تعالي نوسع الشركاه وتبقي شريكتي في البيت والورشة 

المهم جه وطلبني من ماما وماما حطت كام شرط كدا 

وطبعا وافق 

لا يا اختي رفض وقال لأ 

وبعدين حصل إيه ؟ 

ابدًا ماما قالت له براحتك فهو بقى كان يطمن عليا لما كنت تعبانة بس امي طلعت عينه ومرضتش تريحه 

ياحرام ليه بس يا تيتا دا جدو طيب 

قولي لها يارُبى احسن مش مصدقاني اني طيب وفي حالي 

وبعدين ياتيتا رجعتوا لبعض ازاي واتجوزتوا 

 فضل يلاحقني في كل مكان ويقولي ارجعي لي يا جميلة ويقولي انا بحبك بس انا كنت قوية وقلت ابدا مش ممكن ارجع 


بس الكلام دا محصلش 

ليه بكدب مثلا 

لا بس مخصلش انا انجوزتك عشان صعبتي عليا 

اسكت أنت أنت عندك الزهايمر ومش فاكر حاجة 

يعني أنا اتحايلت عليكِ 

يعني هكدب عليك ؟ 

استنى بقى ياجدو كملي ياتيتا اتجوزك ازاي 

 

قالي تتجوزيني يا جميلة قلت له أنت بتقول ايه طب والشروط والكلام اللي رفضته قالي كنت غبي انا بحبك 


اهي بقى الكلمة الوحيد ة اللي فاكرها كويس 

هي إيه كلمة بحبك ؟ 

لا كنت غبي 


صدحت ضحكاتها الرنانة في المكان، مشاكسة جديدة استمتعت بها من هذا الثنائي العظيم الذي لن يتكرار من وجهة نظرها، عفوا هو يتكرر بالفعل والديها ذات الأمر، كانت تستمع لمشاكستهم وتستمتع بها كثيرًا، اشتاقت لوالدها أين هو ومالذي حدث ليبتعد عنها هكذا هي ابنتها مهما فعلت، قاسِ نعم قاسِ لكنه حنون تتوق شوقًا لضمة حانية منه، أن يربت على كتفها ويخبرها بأنه هنا، لاحت ابتسامة ساخرة على جانب ثارها سرعان ما تبدلت لدهشة ما أن ولج " ساجد " ونيران الغضب والغيظ تتطاير من عيناه 

- يا برودك يا شيخة 


وثبت من مكانها محتضنة كتف جدها قائلة

- الحقني يا جدو 


نظر " ريان " لحفيده وقال 

- مالك ومالها ياواد أنت 


جلس "ساجد" بينما وقفت جدته لتأتي بصحن من الحلوى التي صنعتها، أشار بسبابته وقال 

- ياجدو بعد أذن حضرتك رُبى مكانها المطبخ 

يا جميلة هاتي المكرونة بالبشاميل لـ ساجد عشان يدوقها 


لكزته " رُبى" في كتفه بعفوية ليصحح هو سريعًا 


-قصدي البسبوسة اللي عملتها رُبى 

ياجدو بسبوسة ومكرونة إيه أنا بكلمك في ملايين والبيوت اللي اتفقلتها رُبى وأنت بتكلمني عن الأكل ؟!!

مش أنت بتقولي ان مكانها المطبخ وأنا بقولمك حتى المطبخ مش نافعة في 

جدو ركز معايا انا يا حبيبي وسيبك منه دا عاوز يوقع بنا 

حاضر اتفضلي قولي 

بص أنا عملت زي ما قلت لي وبدأت امشي على الخطوات بتاعتك قام هو زعل 

جدو ركز معايا الله يبارك لك سيبك منها 


حاضر اتفضل معاك اهو 


الهانم قالت أنا هنزل اخد لفة في المصنع واشوف الشغل قمت قلت ايه واد الحماس دا ماشي روحي قامت بقى الهانم سيدة الأعمال 

زعقت ووقفت الشغل ودا تسيب ودا استهتار 

ولما سألتها عن السبب قالت لي ازاي يلبسوا 

لبس الشغل لونه ازرق مش روز 


وأمرت المواظفين كلهم يمشوا ويجيوا يوم السبت أنت عارف حركة زي دي تكلفنا خساير قد إيه ؟! 


يا ابني براحة على نفسك هتتجلط كدا 

هو أنا لسه هتجلط يا تيتا انا واخد خمسة مهدأ ولسه مش عارف اسيطر على اعصابي 


مالك يا ماما أنتِ وهو بالبت جاين عليها خلاص يا استاذ ساجد براحة نقدر نعمل الشغل في المصنع التاني عادي يعني 

أنت ليه محسسني إنها ملاك وان اللي حصل دا كأنه محصلش 


ايوة يا حبيبي محصلش وبنتي مبتغلطش وحساب بقى ايدك كدا خلي بنتي تحط جناحها 

براحتها حطي ربى جناحك ياروحي 


لا يا جدو أنا هقوم اجيب لك بسبوسة يا حبيبي 


خلاص ارتاحت أنت دلوقت أنت وستك اهي هتقوم تجيب لي مكرونة بالعسل 


تابع بتذكر قائلا 

- سليم فين ؟ 


رد " ساجد" رافعًا كتفيه وقال 

- جدو متسألنيش عن سليم عشان تكة واحدة وهو لع في منه البيت دا 


ربتت " جميلة " كتفه وقالت بحنو وحب 

- بعد الشر عليك ياحبيبي 


اغتاظ " ريان " تدليله وراح يقول 

- دلعي في يا اختي دلعي 


تابع بجدية وقال 

- هو ابوك يا ابني مجاش ليه لحد دلوقت قال هسافر يومين وراجع بقاله شهرين 

- معرفش يا جدو بس أنت عارف بابا محدش بيعرف عنه حاجة ودايما غامض 

- لا وأنت اسم الله عليك يا واد مش طالع له 

- الغموض حلو بردو يا دوك

- طب يا اخويا كلم لي عمك عدنان واعرف لي إن كان سليم معاه ولا لأ 


ختم حديثه قائلا 

- عمك عدنان وابنه ناوين يجلطوني مافيش حد غيرك اللي عاقل 


ربتت " جميلة" على كتفه قائلة بغرور 

- طب دا تربيتي دا قلب سته دا 


أنا جبت لكم بسبوسة واكيد ها تعجبكم 


قالتها " رُبى" عباراتها وهي تخرج من المطبخ

تبدلت ملامح وجه جدها وقال 

- أنا عن نفسي عندي السكر والدكتور قالي مافيش سكريات نهائي وحافظ على اليومين اللي فاضلين لك في الدنيا .


انقلبت  حزنًا من ردة فعل جدها الذي جعل " ساجد" يضحك من نابع قلبه رغم حزنه الذي كساه كثيرًا، جلست " رُبى" وقالت بغضبٍ شديد 

- عجبك كدا يا جدو اهو بيضحك عليا 


رد " ريان" وهو يجذبها لحضنه وقال 

- لا ياقلب جدو مايقدرش يعملها ولو عملها اطلع لك روحه وإيه رأيك بقى هيأكل منها 

- إيه يا جدو هو عشان أنت مش قادر تأكلها هتأكلهاني !! 

- كُل يا واد وبطل وجع قلب واشكر فيها كمان 

- لا أنا هقوم قبل ما يتعمل لي غسيل معدة سلام 


قبض " ريان" على ساعده وقال هامسا 

- يتعمل لك غسيل معدة ولا جدك يموت قبل اوانه كلها وأنا واخليها تقعد في البيت، كلها وحياة أبوك يا ساجد


ردت " رُبى" بحزنٍ مصطنع وقالت 

- أنت بتكدب عليا وبتقول إنها وطلعت وحشة !! 

- لأ يا روحي دي تحفة دا من كتر ما هي جميلة أنا مش قادر أكل منها اكتر من كدا 


❈-❈-❈


بعد مرور يومين 

لم يترك فيهم " نوح" بابًا إلا وطرقه لينقع جدها بالعودة من جديد، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل الذريع، والدها سوف يخضع لعملية خطيرة لسانه يردد اسمها ليلًا نهارًا لم يترك لحظة إلا وذكرها الاف المرات، دموعه سقطت وبغزارة اعتزال العالم اجمع وجلس في غرفته لم يترك " ريان" دائمًا يسأل عنه 

لم يُعطيه الفرصة ليرأها إن رأها بحالتها تلك سيموت في أرضه، اليوم زيارته الأسبوعية 

له ولج وهو يتحامل على نفسه بعد التقط أنفاسه من صعوده لسلالم الدرج، طلب من ابنته أن تتركه قليلًا، دام الصمت قليلًا نظر له وقال بمرارة 

- بنتي يا عمي بنتي ترميني سنة ومتسألش عني !! دا أنا لو ربيت كلب كان عني ؟ 


رد " ريان " كاذبًا وقال 

- يا ابني البنت حاولت كتير إنها ترجع بس بصراحة أنا اللي منعتها خفت تكسفها وتطردها تاني 


رد" عابد" بصراخ قائلا 

- توجع غصب عني وعن أي حد ، دا بيتها وأنا حضنها ازاي تسافر وتقفل تليفوناتها وتقفل حساباتها خلاص باعتني بالرخيص كدا !! أنا جبتها عندك قلت يومين وارجع اخدها بس اعلمها الأدب، اقوم الاقيها سافرت وطلعتنا كلنا من حياتها طب بلاش أنا، أنا زعلانة مني عشان اللي حصل إنما اخواتها ذنبهم ايه ؟! 

حتى توأمها اللي حته منها مدتهاش الفرصة تسمعها 

- خلاص يا عابد متزعلش هي بس كانت واخدة على خاطرها منكم شوية وبكرا كل حاجة ترجع عادي 


سكت مليًا ثم حرك رأسه بالنفي وقال بجنون 

- لأ مستحيل اللي رباتها وكبرت في حضني تكون هي دي القاسية ام قلب حجر انا بنتي فيها حاجة مش طبيعية 


وقف عن حافة الفراش كالمجذوب متجهًا نحو الخزانة ليبدل ملابسه، لم يعد يسيطر عليه

 " ريان" كسابق عهده، الوضع يزداد سوءً، لم يكن أمامه سوى الإعتراف بالحقيقة عله يغفر لها، تناول منه قميصه الأبيض وقال بهدوء 

- تعال يا عابد واقعد وأنا هافهمك كل حاجة بس عاوزك تتمالك اعصابك عشان الموضوع مش سهل زي ما أنت فاهم 


جلس على المقعد مقابلته استمع له بهدوء عكس العاصفة التي تجتاح قلبه، تنحنح

 " ريان" و قال 

- رُبى طول السن اللي في فاتت كانت مصحة نفسية 


جحظت عيناه وانسابت دموعه من كل حرف يتفوه به " ريان" كيف حدث كل هذا دون علمه، انتهى من سرد حكايتها الحزينة، وقف عن المقعد وقال بغضبٍ جم

- لالالا بنتي مستحيل تبقى كدا لا الحكاية فيها إن 

- للأسف يا عادب كلنا مصدومين زيك بالظبط بس هي دي الحقيقة 

- لا مش الحقيقة بنتي مستحيل تبقي كدا من حالها أكيد حد ساعدها على كدا مستحيل تبقي كدا انا دكتور وعارف بقولك إيه ، اضطراب ايه اللي مابعد الصدمة أنت بتصدق في التشخيصات دي 

- يا ابني والدكتور مصلحته إيه في إنه يكدب ؟! 

- مش كدب يا عمي مش كدب أنت مش فاهمني بنتي مكنتش كدا ورُبى اقوى من حتة واد زي دا يدمرها نفسيًا الموضوع في حاجة لسه مش مفهومة 

- والله يا عابد أنا مبقتش فاهمك في إيه بالظبط متلغبطيش دماغي وخدني على قد عقلي وفهمني واحدة واحدة 


انتهى من تبديل ثيابه داخل المرحاض، خرج على عجل غير مكتراث تعبه والراحة التي طلبها منه الطبيب، جلس على حافة الفراش ليرتدي نعليه وقال 

-عمي ما تجبش سرة لوتين مش هتتحمل صدمة زي دي و...


رد" ريان" مقاطعًا حديثه وقال 

- وتين عملت نفس اللي أنت عملته ومرضتش تجيب لك سيرة وشالت هم بنتها في قلبها وسكتت 


تابع بتساؤل قائلا

- فهمني بقى رايح فين كدا ؟ 


بلع لعابه وقال 

- رايح لبنتي عشان اتأكد من اللي في دماغي 

- وإيه هو اللي في دماغك ؟! 

- بعدين يا عمي هاتعرف 


بعد مرور ساعتين من اختفاء " عابد" كما قالت زوجته، وصل إلى بيت الأنصاري، صعد سلالم الدرج متجهًا حيث غرفة ابنته، طرقها وولج جدها تتزين بمساحيق التجميل، بينما هي إبتسمت له، وقفت عن المقعد واتجه نحوه وقفت على مسافة قريبة منه وقالت 

- اهلًا يا دكتور عابد، بقالي زمن نفسي اشوفك 


كان يطالعها من رأسها لأخمص قدميها، تغيرت تمامًا لم تكن هي تلك الفتاة التي تربت في كنفه، اغتاظت من نظرته تلك، سألته بحدة

- جاي هنا تعمل إيه ؟ 


رد بهدوء حد البساطة 

- جاي اشوف بنتي اللي رمتني بقالها سنة، جاي اشوفك يا رُبى 


صدحت ضحكاتها الرنانة في المكان ثم عادت ببصرها له وقالت بغرورٍ 

- وأخيرًا عابد المحمدي ركع، كنت واثقة إنك هاتيجي لي 

- عندك شك في كدا يا بنتي ؟!

- أنا مش بنتك و أنا بتتكلم معايا اتكلم بحدود 

أنا مش رُبى ولاعمري هكون رُبى اللي تعرفها 

انسى إنها ترجع لك اساسا لأنها ماتت 


وأنتِ بقى فاهمة إني هصدق كلامك دا يا رُبى ؟ 


لازم تصدقه عشان دي الحقيقة يا دكتور عابد 

ولما هي الحقيقة مجتيش ليه من سنة وقلتِ الكلام دا ليه جاية تقولي دلوقت مش شايفة انها متاخرة شوية ؟


أنا وبس اللي اشوف امتى وفين اقول كلامي مش أنت اللي هاتمشيني يا دكتور عابد 


ماشي يا رُبى هحاول اصدقك رغم إني اشك في كدا اصلا

مبقاش مهم عندي تصدق دا أو لا


أنت فاهم إن رُبى البنت المسكينة هتفضل زي ماهي اوعى تصدق نفسك كتير يا دكتور أنا اتغيرت اتغيرت كتير جدا أنا مش رُبى اللي أنت تعرفها أنا ممكن ادوس عليك بكل برود زي ما أنت عملت يا عابد بس مش هعمل كدا عارف ليه عشان الموت راحة ليك وأنا عاوزك تتعذب زيهم كلهم امشي اطلع برا وحسك عينك تفكر تقرب مني لأني ها قتـ لك يا عابد والله هعمل ماهغمض لي جفن 


ابتسم ملء شدقيه على تهديداتها، اقترب منها قليلًا وراح يقول 

- هترجعي يا رُبى وصدقيني محدش هيقدر ياخدك مني 


سقطت دموعها بغزارة ارتمت في حضنه وقال بحزنٍ 

- وحشتني قوي يا بابا ليه سبتني 


بادلها العناق وقال بنبرةً متحشرجة 

- حقك عليـ 


قاطعته وهي تغرس نصل سكـ ين مخصص لتقطيع الفاكهة، وضعته في منتصف باطنه 

تناثرت الدماء على قمصيه بينما هي ابتسمت وقالت 

- أنا لما بوعد بنفذ وعدي يا دكتور عابد 


نظرت له هو راكعًا أسفل قدماها وقالت بتشفي 

- هو دا اللي كنت عاوزاه من الأول يا عابد زي مبقاش وجود لربى الضعيفة الجبانة أنت كمان لازم ميبقاش ليك وجود 


يتبع