-->

الفصل التاسع - عقوق العشاق


الفصل التاسع 


انتقل " عابد " إلى المشفى بعد اكتشاف مافعلته ابنته بهِ، كان الجرح الذي سببته" رُبى" غائر لكنه لم يمس أي عضو حيوي لحُسن حظه،  التف العائلة بأكملها أمام غرفة العمليات علمت عائلة المحمدي بما حدث لها

انتابهم الصدمة والدهشة الشديدة، ولكن حتى الآن لم يتحدثهم أحد عن هذا الأمر،  أتت مسرعة تبحث عن والدها بعد أن حاول " ساجد و تاليا" تهدأتها منعها من الدخول لغرفة العمليات

جسد أخيها الذي حاوطها بقوةً ودموعه تنساب على وجهه،  لم تكن تشعر بشئ لا تعي أنها هي التي فعلت به هكذا، على الرغم من ابتعاد " تاليا" عن " تيم " طيلة هذه المدة إلا إنها ظنت أن قلبها يدق له لتجد العكس تمامًا أخذتها منه وعادت للوراء قليلًا بجوار " ساجد" بينما تمتمت " رُبى" بخفوت وهي تضم اناملها المرتعشة، تناجي ربها بأن يمرر الوقت على خير وينجو أبيها من الموت،  وصل إلى مسامع " تاليا" صوتها وهي تقول

- يارب احفظه لي يارب أنا مليش غيره، يارب خد من عمري وطول في عمره يارب أنا مليش لازمة من غير بابا احفظه لي يارب

 

احتوت " تاليا" كتفها بحنو وحب تطمئنها بنظراتها،  خرج الطبيب وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة  وقال

- اطمنوا الحمد لله عدت على خير،بس لازم نعمل محضر بالواقعة و...

 

رد " ريان" وقال بهدوء شديد وهو يسير بجوار الطبيب

- لوسمحت يا دكتور كلمتين على جنب

- اه طبعًا اتفضل

 

نظر " ريان" لـ ساجد وقال بجدية

- ساجد خد رُبى وتاليا وارجعوا على البيت

 

أومأ برأسه علامة الإيجاب ثم قال

- حاضر يا جدو

 

ترك " ريان" مهمة إقناع " ربى" للعودة لمنزل جدها من جديد، كانت محاولة بائسة لكنها نجحت بالنهاية،  غادر المشفى وترك مهمة تهدأتها لجدته،  نامت على حافة الفراش بعد مرور عدة دقائق،  أما هو كان يسير بهدوء في حديقة المنزل، يتابع خطوات جده أولًا بأول

أتى " سليم" وجلس جواره وقال

جدي مش هيجي دلوقتي، اطلع نام أنت

- طب عمك عابد عامل إيه دلوقت

- فاق وبقى كويس الحمد لله بس لسه تعبان

- طب والمحضر اتعمل ؟

- لا جدك قدر يسيطر على الموقف بطريقته ما أنت عارف

- طب كويس، انا هاطلع انام بقى عشان هلكان وعندي بكرا شغل كتير تصبح على خير

- وأنت من اهله

 

جلس " سليم " لمدة خمس دقائق، ثم وقف عن المقعد وغادر الحديقة،  أما جدته كانت تمسد على جسد حفيدتها بحنو وحب،  حتي راحت في سبات عميق، وقفت من على حافة الفراش تلملم متعلقاتها الملقاه على أرضية الحمام،  مالت بجذعها العلوي لتلتقط الملابس

ليسقط من بنطالها القطني نقود وبطاقة إئتمان

لم تعير الأمر أي اهتمام،  خرجت من المرحاض متجهة نحو الخزانة تضع متعلقاتها الشخصية، لتجد ما يصعقها حقا، حقيبة سفر بها مبلغ مادي تجاوز المئة الف جنيهًا،  وبجواره هاتف محمول القت نظرة سريعة عليها وجدتها نائمة، عادت تلملم كل ما وجدته

ثم خرجت من الغرفة متجهة حيث غرفتها

جلست على حافة الفراش وبدأت في النبش بين الاوراق والمتعلقات لتجدها تحمل هاتف تراسال منه زوجها وحبيبها " نوح" وأن اسمها

" ساندي" ظلت تتنقل بين الرسائل لتجده يحدثها كأنها بالفعل " ساندي " وليست

" رُبى" ابنة عمه،  لطمت بيدها على صدرها ثم وجهها،  بحثت بعيناها عن هاتفها، التقطته بيد مرتعشة. رفعته على أذنها انتظرت الرد الذي أتى على الفور ردت بصوتٍ باكي وقالت:

- تعال يا ريان وهات معاك نوح بسرعة اوعى تتأخر ونوح لازم يجي يعرفنا المصيبة دي حصلت إمتى وازاي، تعال وأنت تعرف

--

بعد مرور  ساعة تقريبًا

 

كان " نوح وريان" في منزله يستمع لخديث زوجته كاد أن يفقد عقله بسبب الإثباتات اللتي وقعت في يد "جميلة" انتظر رأي " نوح" وقال بغضبٍ جم

- ما تنطق اتجوزتها إمتى وازاي ومين ساندي دي ؟!!

 

نظر " نوح" وقال بمرارة في حلقه

- أنا متجوزتش رُبى أنا اتجوزت ساندي

 

رد " ريان" بنبرة مغتاظة وقال

مين ساندي دي وإيه علاقتها بربى ؟!

- ساندي دي واحدة بتكره حد اسم رُبى،  تتمنى تتقتـ لها ومش عاوزة منها حاجة غير إنها تاخد كل حاجة رُبى بتاخدها

 

ردت" جميلة" وقالت بعدم فهم

- يعني إيه وأنت عرفت الموضوع دا ازاي ؟!

- فاكرين طبعًا اليومين اللي غابت فيهم رُبى عن البيت قبل ما تتدخل المصحة  ؟

- اه طبعًا فاكرين

- استني بس يا جميلة عرقت منين إذا كان محدش يعرف الموضوع دا غير...

 

رد " نوح" مقاطعًا بهدوء المعتاد

- أنا مكنتش اعرف حاجة عن تعبها غير لما جت لي الشغل لبسة اللبس العجيب اللي هي بتلبسه دا قلت لها في البداية انها رُبى،  فضلت تزعق وتضربني وتقول كلام غريب

 

سألته " جميلة " باستفهام

- كلام زي إيه ؟!

 

اجابها بهدوء

- أنت بتاعي أنا رُبى دي غبية أنا بحبك وكلام كله بيدل على النرجسية وأنها فرصة متتعوضش وسابتني ومشيت،  هنا حسيت إنها ممكن تمشي في مكان أنا معرفوش، قررت إني اعتدز لها عشان اعرف منها ازاي اتحولت كدا لحد مافهمت إنها مقتنعة مليون في المية

إنها ساندي مش رُبى مبقتش عارف اروح فين واجاي منين، حاولت اخليها تيجي على هنا عشن عمي لو شافها كدا كان ممكن يروح فيها

بس هي رفضت تمشي معايا وقالت مين الناس دول وأنا معرفهمش وأنا غلطانة عشان جيت لك وكلام من النوع دا

فضلنا ماشين مع بعض على الكورنيش ظول الليل لحد ما النهار طلع قالت لي الجو دا جو سفر ويلا نطلع الساحل

 

رد " ريان" مقاطعًا بدهشة

- أنت ودتها الفيلا بتاعتنا اللي هناك ؟

 

أومأ " نوح" رأسه علامة الإيجاب وهو يضغط على قصبة أنفه مغمض العينين،  نظر لـ جميلة ليستمع إلى سؤالها

- طب دا يوم اليوم التاني كان فين ؟ وازاي اتجوزتها قبل المصحة ولا بعدها؟

- احنا قضينا اليومين في الشوارع مرة كنت بحاول اقنعها إنها رُبى ومرات اكدب عليها واقول يا ساندي عشان اطاوعها ومتتهورش

لقيت نفسي بروح للشاليه بتاعكم، ولحسن الحظ إن البواب قدر يعرفني وقبل يدخلها الفيلا بعدها طلبت منه يكلمك ويمنعها من الخروج

 

نظر " ريان" له وقال بعدم فهم

- بردو مش فاهم ليه مجتش أنت وتقولي اللي حصل ؟ وليه فضلت ساكت طول المدة دي كلها !!

 

نظر له" نوح" طويلا ثم قال بهدوء

انا ماسبتش المكان غير لما أنت وصلت الساحل فعلا كنت بعيد عنكم بس موجود، مجبتش سيرة لأني كنت بسأل دكتور صاحبي

وقالي إن الحالة ممكن تكون خطيرة وعنادك معها اكبر غلط هاتها وتعال نشوف الدنيا فيها

 

رجعت عشان الحقكم قبل ماتمشوا، بس للأسف كان الوقت فات

 

دام الصمت لعدة دقائق بعد أن جاءت الخادمة

تضع القهوة على سطح المنضدة الزجاجي،غادرت وتركته يرتشف رشفات متتالية دس يده في جيب سرواله ليخرج ورقة صغيرة من حافظة نقوده، أعطها لجدها وقال بهدوء

- دي ورقة جواز عرفي كتبتها بعد ما اتعصبت عليا وحكمت إني اتجوزها عان اثبت لها مدى حبي واخلاصي لها وإن رُبى ملهاش أي وجود في حياتي وإنها انتصرت عليها

 

ختم حديثه قائلا

- والباقي إنتوا عارفينه

 

تفاجئ من رد فعل جدها حين طرق بعصبية على سطح المنضدة وراح يقول:

- عارفينه دي تقولها لما ابقى متفق معاك تاخدها رحلة وترجعها لي ولا لما اقل لك تعال نعمل لها مفاجاة تفرحها، كاتب على البت عرفي وبتاخدها وبتغيب باليومين واحنا منعرفش إيه اللي حصل !!

 

ردت " جميلة" محاولة تهدأته لتعرف مالذي يخبئه " نوح" ولا بريد الافصاح عنه،  عادت ببصرها لهزوقالت بهدوء

- قل لي يانوح ليه مجتش تقولنا لما حصل كل دا

 

اجابها بنبرة مغتاظة قائلا بغضبٍ جم

- وهو لما جيت لك وهي في المستشفى وسألتك عنها قلتِ إيه،  قلتِ إنها مسافرة بتتفسح برا وابعد عننا يا نوح وكفاية كذا يا نوح هنروح بعيد ليه بعد خروجها جيت هنا عملتي معايا إيه فاكرة عملتي معايا ايه ؟!

 

لم تنكر " جميلة" ماقاله " نوح" رغم الحدة والتجاوزات التي صدرت منه أثناء حديثه إلا إنه صادق في كلمة قالها،  دام الصمت لدقائق 

ليجمع جميعهما احبال أفكارهم، كان " ريان"

هادئ هدوء مريب بالنسبة للجيمع لايعرف أحدهم كيف يفكر حتى قال بهدوء متناقض مع غضبه الشديد من البداية

- بص يا نوح انا لا هاقلك طلق ولا اتجوز والكلام الفارغ دا، ودا عشان محصلش جواز أصلا عشان نطلب طلاق، نيجي بقى للمهم

هاصدق إنك فعلا خاولت تعرفنا اللي حصل

إيه حكاية ال150الف اللي معاها ولا عقد الشقة دا ؟!

 

لاحت ابتسامة باهتة على ثغره وقال بمرارة في حلقه

- أنا كنت متابع حالتها من بعيد لبعيد وهي في المستشفى، ولما عرفت إنها خرجت فرحت وقلت الحمد لله خفت، لحد ماجت لي رسالة

من ساندي  بقيت هتجنن ازاي ساندي رجعت تكلمني تاني كدا في حاجة غلط، في حاجة مش مفهومة ازاي الدكتور يقول إنها خفت وازاي ساندي رجعت تكلمني، فضلت اتكلم معاها وقالت لي إنها كانت مسافرة .

 

رد " ريان" مقاطعًا بغضب من ثرثرة ذاك المعتوه ازاح بيده قدح القهوة من أمامه لتنفض على إثره زوجته وذاك المغلوب على أمره في كل شئ،  نظر له وقال بتحذير واضح

- بص بقى لما اقل لك شغل حزر فزر دا تعمله مع حد تاني إنما أنا تيجي معايا دُغري، كتبت على البت عرفي والبت قعدت يومين برا البيت معاك وكمان بينكم رسايل بتقول إنها حامل ودلوقتي بتقول إنك ملاك بجناحات ومعملتش حاجة معاها ساحر أنا عشان احلها مثلا!!

 

ظل " نوح " يستمع له حتى انتهى من حديثه

الغاضب والذي تخلله بعض السباب اللاذع والذي يصدر منه لأول مرة،  حاولت " جميلة"

تهدأت الامور بينهما،  رد " نوح" بهدوء غير مكترث لهذا الغضب الشديد

- يا جدي دي بنت عمي اللي من لحمي ودمي

لحم كتافي دا من خير أبوها،  مابيقولش غير يا ابني بيعاملني كبيره وابنه البكري، بعد كل دا اطعنه في ضهر !!

 

ختم حديثه قائلًا بنبرة صادقة استشعرها جديها حين قال بنبرة مختنقة

- ويشهد الله على إني حافظت عليها وكنت زي المجنون ماشي بدور عليها في الشوارع قبل ما تضيع نفسها ولا أبوها يشوفها بالمنظر دا ويروح فيها، وإني سبت حالي ومالي واتفرغت ليها طول السنة اللي فاتت  وإن نفذت لها كل رغباتها عشان مترحش لغيري  وهي مش واعية بتعمل إيه ولا فين ؟!

 

شدد " ريان" على قبضة " نوح" وراح يقول بجدية معتذرًا

- متزعلش مني يا نوح بس اللي سمعته منك واللي شفته فوق قدر استيعابي واظن أنت نفسك مش مستوعب اللي بيحصل لحد دلوقتي

 

زفر "نوح" زفرة قوية تعبر عن مايجيش في صدره،  لم يعقب على حديثه إلا عند ذكر سؤاله المتكرر

- وحكاية ال150 الف دول إيه ؟

- كانت دايما تطلب مني فلوس وإن قصرت معاها تزعل وتتهمني بالبخل،  مبقاش ولا مليم

فـ اضطريت اسحب المبلغ من حسابي،  وتفضل معايا،  كنت دايما تحت ضغط مش عارف اقول إيه ولا مين يساعدني، إنتوا نفسكم رفضتوا تسمعوني فاكرين إني بحاول ارجعها للبيت تاني لحد ما جيت في يوم طردتني وكملتِ على دا حضرتك ياتيتا

 

تنهدت " جميلة" وراحت تقول بندم

- معلش يا نوح كنت بمشي على حسب تعليمات جدك، كنا خايفين يحصل لها انتكاسة تاني

 

فرغ فاه ليتحدث لكن قاطعه " ريان" قائلا بهدوء

- خلينا نقفل على الموضوع دا دلوقت،  كدا رُبى لازم ترجع تاني المصحة بس لسه في سؤال محيرني

- سؤال إيه يا ريان ؟

- ازاي طول المدة اللي فاتت دي كانت بتتعالج وازاي لسه زي ماهي بل بالعكس اسوء من قبل ؟

- في حد ياجدي كان عاوز رُبى حالتها تسوء أنا الدكتور قالي إن حالات الإكتئاب بتوصل احيانًا للانتحـ ار

 

ردت " جميلة" بفزع وهي تتحامل على نفسها

لتقف بعد حديث " نوح"  اندفعت بخطواتها السريعة من وجهة نظرها ذاهبة لتتطمئن على حفيدتها، استوقفها زوجها لكنها لم تعيره أي اهتمام،  صعدت على الدرج بصعوبة بالغة، تلعن ذاك العمر الذي جعلها تفقد خفتها ورشاقتها كسابق عهدها،  ولجت غرفتها تبحث عنها في كل مكان، لم تجدها ولجت المرحاض

وجدتها غارقة في دمائها بعد أن قطعت رسغها

بآلة حادة، صرخت ودوت صرخاتها المكان، هرع إليها احفادها لمعرفة مالذي حدث،  حملها "ساجد"  بعد أن وجد نبضها ضعيف،  وضعها في سيارته متجهًا إلى المشفى وخلفه الصحافة والاعلام فهي حفيدة اكبر رجال الأعمال وابنة أشهر طبيب للنساء والتوليد،  ولكن مهلا من أخبرهم بما يحدث،  قاد سيارته

وهو يراقب الطريق جيدًا،  هدر جده بصوتٍ جهوري وقال:

- أنا هاتصرف معاهم كمل طريقك أنت ملكش دعو بيهم البت بموت مننا يا ابني ابوس ايدك

 

وفي أقل من ساعة وصلا إلى المشفى،  ولجها وهدر بصوتٍ جهوري وهو حاملًا إياها بين ذراعيه، تم أخذها منه وعمل كل الإجراءت اللازمة لها داخل غرفة العمليات،  أما خارجها وقفت عائلتها بأكملها بعد أن علموا ما حدث،  تعجبت " سيلا" من وجود ابنها في الوقت المتأخر في بيت الأنصاري لكنها لم تتحدث لحين إشعار آخر.

 

بعد مرور عدة ساعات وبعد الإطمئنان عليها، ذهب " ريان" لزوج ابنته، لم يخبره ما حدث لها لكنه علم من الممرضات حين اخبرته احداهن بأنها تجاوزت مرحلة الخطر،  طلب " عابد" خروج كل من في الغرفة عدا حماهُ

بلع لعابه وقال بصوتٍ كاد أن يكون مسموع

- بنتي اتغدر بيها يا عمي

 

ضاق " ريان" حدقتيه وراح يقول بتساؤل

- قصدك إيه ؟!

 

مرر" عابد" لسانه على شفتاه ثم قال بهدوء

- في حد عاوز يدمرها في حد عاوزها تعمل جريمة عشان يخلص منها

- مين الحد دا ؟!

- لسه مش عارف بس دا مش هتبقى بعيدة عن رامي

- كنت شاكك في كدا بردو، والله ما هاسيبه و

- اسمعني ارجوك

- قول

 

على الجانب الآخر من نفس المكان كان " ساجد"  يأمر مدير المشفى بالحفاظ على القواعد التي وضعها جده للحفاظ على حفيدته،  نفذ أمن المشفى أومراه بهدوء وتم اخراج جميع وسائل الصحافة والاعلام،  هناك حلقة مفقودة لا يعرفها أحد من المتسبب في كل هذا من يحركهم بهذه الطريقة، و الإفادة التي تعود عليه من فعل ذلك.

 

هدأت الأمور بشكل تدريجي إلى أن عم الهدوء

المكان من جديد،  خرج " ريان" من غرفة

" عابد" يتحامل على نفسه كان يجر قدماه

ما سمعه جعله لايقو على الحركة حتى،  نظر

لحفيده وقال بهدوء

- امشي في إجراءت سفر رُبى وعمك عابد واتواصل مع أفضل مصحة نفسية في فرنسا

 

نفذ "ساجد" أوامر الجد دون أدنى مناقشة

غادر المشفى ليبدأ رحلته،  بينما جلس الجد على أقرب مقعد ليلتقط أنفاسه،  ربتت على فخذه زوجته وهي تقول

- شد حيلك يا ريان مشوارك لسه طويل والعيال مهما كانت صغيرة مش هيعرفوا يروحوا ولا يجيوا

--

بعد مرور عدة ساعات عاد الجميع لبيته عدا

" وتين"  التي كانت تتابع حالة زوجها ابنتها

تظاهرت بالقوة لتقف على قدماها، الوضع غاية في الخطورة، لكنها مجبرة على المواجهة،   عادت لزوجها بعد أن اطمئنت على ابنتها،  جلست مقابلته تستمع له وهو يقول بهدوء

- أنا هاسيبك لك مهمة ولادنا يا تيا، لازم تبقي قوية عشانهم

 

لم تستطع الصمود أكثر من ذلك،  تركت لدموعها العنان، انسابت بغزارة على وجنتها، عاتبها بصوته المتعب وقال

- ليه الدموع دي أنتِ اقوى من كدا

- كل اللي حصل دا وعاوزني ابقى قوية طب ازاي !!

 

نظر لها نظرة طويلة تكن لها كل الحُب والحنان

لاح شبح إبتسامة على جانب ثغره وقال

- لازم تبقي قوية مش دايما بتقولي إنك عاوزة فرصة تثبتي لي فيها عن مهاراتك في التعامل مع الحياة اهي جت لك الفرصة اهي

دي هتبقى مهمة صعبة قوي يا عابد،  خليني اسافر معاك عشان خاطري خليني جنب بنتي هي محتاجة لي

- وبعدين معاكِ بقى يا تيا مش هاتعقلي ابدا، تيم وصبا محتاجين لك أكتر

- هما مش صغيرين يا عابد و

 

رد " عابد"  مقاطعًا وقال

- ماهي دي المشكلة يا تيا إن ولادنا كبروا وخوفنا عليهم كبر أكتر، خصوصًا بعد اللي حصل لـ رُبى ارجوكِ خليكِ معاهم، كوني الأب والأم خليكِ حنينة وقاسية متخليش حد منهم يبعد عن عينك خلي بالك منهم دول اللي طلعنا بيهم من الدنيا، هما كنزنا الحقيقي وعوض ربنا لينا متاخلنيش اسافر وأنا قلقان عليكم

 

كفكفت " وتين" دموعها وهي تنحنحت ثم نطرت له وقالت بهدوء

- سافر يا عابد وطمن قلبك وإن شاء الله ترجعوا لي بالسلامة خلي بالك منها يا عابد

- اللي حصل لبنتنا دا قلم جامد قوي نزل على وشنا فوقنا عشان نعيد حساباتنا، كنا غافلين عنهم رغم إننا مقصرناش في تربيتهم لكن مكناش نعرف إننا  نختار لهم صحابهم لأن كل تربية بتفرق عن التانية .

 

بعد مرور أسبوع

 

تحسنت حالة " عابد"  بشكلٍ كبير قرر أن يسافر بمفرده مع ابنته رغم إصرار افراد عائلته كانت أيام عصيبة ثقال، تمر بصعوبة

سافر إلى فرنسا أخيرًا  وتم حجز ابنته داخل مصحة نفسية،  كان يتابع حالتها ويطمئن عائلتها بمصر، عانت كثيرًا تدهورت حالتها وبدأت في التحسن شيئًا فشيئًا، كان " نوح" يراسله يوميًا ليطمئنه عليها،  كانت إجابة " عابد" مقتبضة ولـ نوح مفصلة، اعتبرها فضفضة من القلب، هون عليه كثيرًا بكلماته طلب منه أن يسمح له أن يأتي ليقف معه في محنته لكنه رفض وطلب عابد بدوره أن يقف جوار زوجته وابنائه فهم بحاجة له أكثر .

 

وهو لما عمك يبعت لي الساعة اتنين بليل يقل لي خلي رُبى تحضر نفسها بكرا عشان هتيجي تفطر معانا بكرا وترجع تاني وأنا اوفق وفي الآخر الاقي اخوها جاي قبل المغرب بساعة ياخدها والبت تتصل بيا والآذان بيأذن تقل لي يا جدي بابا بعت لي صنية الأكل وقالي افطري لوحدك وامشي مع اخوكِ بعد الفطار كان في رحمة لبنت عمك يا نوح ؟!

 

ياجدي أنا قصدي

 

اسمع يا نوح بلا قصدك بلا مش قصدك رُبى غلطانة وأنا معترف بدا عقابها من ابوها لحد دلوقتي متدخلتش في بس عاوز يكسرها قدمكم  عشان نار كم تبرد اقسم بالله امحيكم من على وش الدنيا وفوقيهم عابد ذات نفسه

 

البت قعدة عندي فوق الخمس شهور مبتعملش حاجة لحد وإنتوا بتتجنبوها ودا حقكم إنما اللي حصل النهاردا دا أنا مش هاقبله عليها واللي يجي عليها كأنه جه عليا وأنا اللي يجي عليا امحي من على وش الدنيا

 

عمي أنا

بلا عمك بلا زفت مش عاوز بنتك أنا عاوزها وخلاصة القول يا عابد اقسم بربي بنتك دي ما هتشوفها تاني حتى لو اتقلبت قرد وبنتي عندك وبنتك عندي خلصنا ياعابد عاوز تسافر في ستين سلامة طلع رُبى من حساباتك اقل لك حاجة كمان يمكن دي اول مرة في حياتي اطلع كلمة زي دي بس أنت اللي اضطرتني لكدا

عمكم عابد الدكتور اللي بيعطف على الكبير والصغير قالي بالحرف الواحد أنا هقطع الفرع الخبيث من عيلتي قبل ما يدمرها كلها وطبعا كلكم عارفين مين هو الفرع الخبيث وعشان كدا 

انسوا إن ليكم بنت اسمها رُبى اللي مش مرحب بيها في عيلتكم الكريمة بس قلبي وبيتي وحياتي كلها مرحبين ببنتي رُبى الانصاري اللي عاوز المح حد منكم بيقرب لها حتى لو كنت أنت ياعابد

 

مين يا حبيبتي اللي قال لك إن أنا ممكن أكون قاسي قوي كدا !!

 

سأله " عابد" سؤاله وهو يمسد على ظهر يد ابنته بحنو وحب بعد أن سردت له احداث لم تحدث إلا في عقلها الباطن، جذبها لحضنه ممسدًا على ظهرها وراح يقول بعتاب ولوم

- اخس عليكِ يا رُبى فاكرني قاسي قوي كدا صحيح بعدتك عن العيلة بس كانوا يومين بس ورجعت لك بعدها بيومين ولقيتك سافرتي زي ما جدك قالي زعلت وقلت للدرجة هنت عليكِ

 

خرجت من حضنه وقالت بغضبٍ جم

- ازاي يعني محصلش طب ونوح لما جه لجدو  تاني يوم فرح ملك و...

- رُبى ياحبيبتي  ملك بنت عمك متجوزتش اصلا هو اتقدم لها واحد فعلا بس لسه كله مجرد كلام ومحصلش اي خطوة رسمي

 

 

زفرت " رُبى"  بحنق ثم قالت بضيق

- بابا أنا مش مجنونة والكلام دا حصل فعلا

 

تنهد " عابد" بعمق ثم قال بهدوء

- مين إنك مجنونة أنتِ ست العاقلين يا روحي بس اللي بتحكي دا محصلش ولا عمره ها يحصل و...

 

ردت بغضبٍ جم وقالت

- كل دا ما محصلش وكمان تيتا معملتش عملية وعمتو فيروز جت لي وباست ايدي عشان اتبرع لها بفص من الكبد

 

نظر " عابد" لابنته ولم يجيب على تساؤلاتها

مالذي حدث لابنته الوضع يزداد سوءً، ماكل هذه الأحداث التي تتحدث عنها وكأنها حقيقة واضحة وضوح الشمس، ماذا يفعل يخبرها أنها مُصابة بهلاوس سمعية وبصرية، أم يلتزم

الصمت وقع في مأزق إن اعترف لها بحقيقة مرضها سيتأزم الوضع وإن التزم الصمت سوف تكون صورة سيئة داخل عقلها الباطن

 

أتت الممرضة ونجته من إجابته التي لم تتكون لتقنعها بحديثها المتناقض مع حقيقة الأمر، ذهب والدها إلى الطبيب تاركًا إياها مع ذاك الملعون الذي قرر تدميرها للمرة المئة بعد الالف وهو يقول

- عاملة إيه يا رُبى ؟ ولا اقل لك يا ساندي ؟

تفتكري دكتور عابد يعرف موضوع ساندي دا !!

 

يتبع..