-->

الفصل السادس- عقوق العشاق





الفصل السادس 



السلام عليكم كل سنة وإنتوا طيبين ورمضان كريم علينا وعليكم يارب، وحشتوني ياعيااال 


أردفت " فيروز" عباراتها وهي تقف على اعتاب باب شقة والدتها، خلفها ابنها وابناء اشقائها،  هرولت نحوها " صبا" محضتنة إياها 

بقوةً وكأنها وجدت ضالتها، بئر أسرارها صديقتها المقربة،  وأمها الثانية أتت أخيرًا، خرجت من حضنها متسائلة في دهشة 

- فين عمو سلطان دا واحشني قوي يا عمتو 


ردت " فيروز" بإبتسامة هادئة قائلة بكذب 

- جاي بس كمان يومين تلاتة كدا أصل عنده شغل كتير وقال كفاية عليكم تأخير لحد كدا 


ولجت " صبا" محضتنة عمتها هامسة بجانب أذنها وقالت

- عندي كلام كتيير قوي وعازة اتكلم معاكِ 

- وأنا عاوزة اسمعك قووي 


ولج " صهيب"  بوجه مبتسم صافح الجميع،  ثم مال بجذعه العلوي على يد جدته، طبع قبلته وقال بحنو وحب 

- كل سنة وأنتِ طيبة ياتيتا 


مسدت على مؤخرة رأسه وقالت بسعادة غامرة لرؤيته أخيرًا 

- وأنت طيب ياقلب تيتا. والسنة الجاية كدا تبقى مع مراتك في بيتك 


ضحك " صهيب " وقال ممازحا جدته 

- ياتيتا كل سنة تتدعي لي نفس الدعوة مش هتغيريها  ؟ 


ضمته لحضنه بحنانٍ مربتة على كتفه وقالت بجدية مصطعنة 

- هفضل ادعي لك بيها لحد كا اموت ولحد ما ربنا يهديك يا ابن بنتي وتتجوز 


رفع بصره وقال باسما 

- وأنا موافق بس هاتي لي نسخة فيروز وأنا هتجوزها حالا

- فيروز !! طب نقي حد عدل 


ضحك الجميع على مزاح الجدة وسخريتها من ابنتها الذي يحدث سنويًا، نظر " صهيب" لوالدته ثم عاد ببصره لجدته وقال بعتابٍ ولوم 

- ليه بس ياتيتا دي مامي قمر كدا ازعل منك 


تشارك الجميع هذا المزاح ثم تبدل الحديث لجدية وانتهى بهم، وهم يلتفوا حول مائدة الطعام، كانت الجدة تجلس على رأس المائدة، تضع الطعام لهذا وذاك، تنظر نظرة عابرة لتطمئن أن الجميع يتناولون وجبة السحور، رغم ضعف نظرها إلا أنها علمت أن تلك المسكينة التي لا تعرف مالذي فعلته ليفعل مافعله " بيجاد" بها،مضطربة عن الطعامجالسة بجسدها وعقلها بمكانًا آخر، هتفت بصوتها قائلة بحنو 

- مالك يا صبا مش بتأكلي ليه ؟ 


ردت " صبا " بإبتسامة باهتة 

- لأ يا تيتا بأكل بس أنا مش بحب أكب كتير عشان متعبش في الصيام 


وقفت الجدة عن مقعدها، سارت تجاهها ثم وضعت الطعام وقالت بحنو وحب 

- كُلي يا بت قربتي تختفي  


رد " صهيب " بعفوية شديدة 

- تيتا الأكل بليل مش صحي بلاش تديها عيش كفاية زبادي خفيفة ومش هتتعبها 


قاطعه " بيجاد" قائلا بغيظٍ مكتوم 

- وأنت بقى دكتور حضرتك عشان تعرف إيه بيتعبها وإيه اللي بيريحها ؟! 


رفع " صهيب " منكبيه قائلا بتلقائية 

- عادي يا بيجاد مش محتاجة دكتوراه، وبعدين هي اصلا بتشتكي من معدتها بقالها فترة عشان كدا بقولها تأكل حاجة خفيفة 


توترت الاجواء قليلًا بسبب حدة " بيجاد" وتلقائية " صهيب" لم يشعر الآباء بما حدث لإنعزالهم في شقة " عابد" بعد أن رفضوا تناول وجبة السحور مع الأحفاد تاركين الجدة تنعم بهذه الجلسة بمفردها،  عادت الجدة لمكانها دون أن تعلق على هذا الموقف ظنًا منها أن الأمر سوف ينتهي خلال دقائق، لكنها صُدمت ما إن وجدت " صهيب" يصف بتلقائيته كيفية التعرف على كلامن " صبا ورُبى" بعد أن طلبت " تولين" منه كنوع من تخفيف الاجواء،لم تكن تعلم أنها بهذه الحركة ازدادت الأمر سوءً، بدء يصف " صبا"  عيناها وطريقة التي حتى الآن لايعرف لونهما الحقيقي فهي تتبدل على حسب حالتها المزجية،  لم يستطع " بيجاد" كل هذا وقف عن المقعد وقال بغضبٍ مكتوم 

- ما تحترم نفسك بقى أنا ساكت لك من الصبح  


هرعت " رُبى" تجاه باب الشقة، كان " نوح" يظن أنها سوف تستدعي والدها لكنهزتفاجئ بها توصد الباب حتى لا يصل إليهم صوت شاجراهم، عاد ببصره لأخيه محاولًا تهدأت الوضع لكن " بيجاد" كان نفذ صبره تمامًا، وقف " تيم " مدافعًا عن اخته وقال 

- ما تتلم يا بيجاد في إيه ؟ صهيب مغلطش ما كلنا عارفين موضوع عينها  دا 


رد " بيجاد" وقال بعصبية 

- لا راجل ياض تصدق عجبتني 


كاد أن يصل إليه " تيم " لكن منعه من ذلك احتضان " مراد" له  وقال بهدوء 

- يا جماعة عيب كدا تيتا قعدة وطلبت من ماما وخالتي واخوالي يسبونا عشان نقعد قعدة حلوة بعيد عنهم وعن كلامهم نقوم نزعلها كدا !! 


أشار " بيجاد" برأسه قائلا بغضب 

- مش شايف قلة أدب ابن خالتك، قاعد يتغزل فيها قدامي ولا عامل لي اعتبار 


رد" نوح" بجدية قائلا

- مش قصده حاجة يا بيجاد هو بس خانه التعبير وبعدين أنت عارف صهيب عايش طول عمره في المانيا والحاجات دي هناك عادي فاكيد قـ


قاطعه " بيجاد" قائلا بحدة وصوتٍ مرتفع 

- الحاجات دي عنده في المانيا مش هنا يا حبيبي إنما هنا يتربى ويتعلم الأدب بدل اظبطه و اعلمه الادب 


وثب " صهيب" عن المقعد متجهًا نحو

" بيجاد"   قام بضربه فـ لن يتحمل غلاظة ذاك المجذوب أكثر من ذلك،  سدد له الآخر اللكمات بأخرى مماثلة لها في  السرعة والقوة،

انقسمت الأحفاد لفريقين،  وتحول الوضع لمعركة كبيرة،  أتى على إثرها ابناء ولاء،  وقف " عابد"  يتسائل عن السبب فـ لم يجيب أحدًا،  ليتفاجئ الجميع برد " صبا " وهي توجه حديثها لخطيبها امام الجميع 

- بعد أذنك يا بابا وحضرتك طبعًا يا عمي الحياة بيني وبين بيجاد اتقطعت لحد كدا خلاص 


قامت بنزع خاتم الخطبة من بنصرها ووضعته نصب عيناه،  ثم قالت بنبرة لا تقبل النقاش 

- اللي مايعملش لي احترام وسط الناس ويقلل مني يبقى مش باقي عليا فبالتالي مش هابقى عليه 


رد" نوح" محاولا لملمت الوضع قائلا بمرح 

- في  ايه يابت أنتِ غاوية نكد البسي دبلتك ماعندش بنات تقلعها، سوء تفاهم وراح لحاله خلاص 


سألها والدها قائلا

- في إيه يا صبا وإيه اللي وصل بيجاد للحالة دي ؟ 


أجابه هو بدلًا عنها ليدكر آخر ما تبقى بينهما دون قصد 

- الهانم زعلانة اني بقول لصهيب الزم حدودك وأنت بتتكلم معها، بنتك عجبها المرقعة اللي  عملها معلش أصل متربتش في المانيا يا صبا هانم عشان اعجبك 


بيجاااااد احفظ ادبك وأنت بتكلم عمك 


أردف" مالك" جملته بصوتٍ مرتفع، بينما أشار " عابد" بيده تجاه أبنائه الثلاصة وقال 

- على جوا وماشفش كلب منكم برا الشقة 


دون مناقشة منهما أو اعتراض على امر ابيهم كانوا ثلاثتهما خارج شقة الجدة،  نظر " عابد" 

وقال بإبتسامة واسعة كان شيئا لم يكن 

- بنتي وسابت خطيبها عادي وبتحصل في أحسن العائلات احنا هنفضل زي ما احنا اخوات وحبايب 


تابع بصوتٍ مرتفع قليلًا 

- ملوكة اعملي القهوة بسرعة الفجر قرب يا بابا 


ردت" ملك"  باسمة 

- حاضر يا حبيبي 


جلس " عابد" جوار والدته مربتًا على كفها بحنو وحب ثم قال بهدوء:

- اخبارك إيه ياست الكل 

- الحمد لله يا حبيبي 


داخل غرفة فيروز بمنزل والدتها 


هوى " صهيب" على حافة الفراش إثر دفعة والدته القوية له، اتكأء بمرفقه عليه وعيناه تتطاير منها الغضب الشديد،  بينما هي هدرت بصوتها وقالت:

- عمال تتغزل في البت قدام خطيبها وأنت عارف إن بيتنيل على دماغه يغيير عليها تقوم تزودها بكلامك وتخليها ترمي الدبلة في وشه !! 


رد بصوته العال قائلا 

- هو اللي متخلف انا بتكلم عادي هو اللي مش طايق نفسه أصلًا !


كزت" فيروز" على اسنانها وقالت بنبرة مغتاظة:

- اخرس خالص كفاية لحد كدا، لم نفسك شوية احنا في مصر م المانيا ومش اي حد هيتقبل كلامك دا وقلت لك مليون مرة اعمل حدود مع بنات العيلة مثر غير المانيا يا صهيب المجاملات اللي بتعملها هناك م هتمشي هنا 


نهض " صهيب " من على الفراش بعنف قابصًا على معطفه بقوةً متجهًا نحو باب الغرفة وهو يقول بغضبٍ 

- أنا اللي هامشي من البيت المتخلف دا، وم هرجع هنا تاني سلام 


صهيب أنت يا واد ياصهيب خد هنا 


أردفت " فيروز" عبارتها بصوتٍ جاهدت في ألا يرتفع حتى لا يصل إلى مسامع الجميع، خرجت خلفه بخطواتها الواسعة والسريعة، لم تلحق به كادت أن تسقط ولكن لحق بها "نوح" 

ربتت على كفه وقالت بخفوت 

- الحق صهيب يانوح انا مش عارفة ممكن يروح فين دلوقتي 


في إيه يا فيروز ؟ 


سألها " عابد" وعيناه معلقتان على باب الشقة 

التفتت له وقالت بإبتسامة متكلفة

- مافيش يا حبيبي !ا أنا كنت بسأل نوح على حاجه كدا 


تركها قبل أن يسأله عمه ويبتعد " صهيب " اكثر من ذلك، سار اكثر من خمس دقائق حتى عثر عليه استوقفه قبل أن يستقل سيارته وقال 

- اهدأ يا ابني مش كدا، عمتي مش قصدها حاجة 

- سبني من فضلك يا نوح أنا مش طايق نفسي 

- طب بس اهدأ وتعال معايا نتمشى شوية مش هنروح 

- نوح أنا مخنوق ارجوك سبني 

- طب هتروح فين ؟ 

- هروح لـ تيتا مريم هقعد هناك 

- طب سيب عربيتك وتعال انا هوصلك 


رد " صهيب " بنفاذ صبر قائلا:

- وهتفرق في إيه يعني !!


ابتسم"نوح" له وقال 

- عشان اضمن إنك هترجع لما تهدأ يلا بقى خليني اروح اشوف عيالي 


سأله " صهيب " بدهشة قائلا:

- أنت متجوز ومخلف يا نوح !!


ابتسم له" نوح" مربتًا على كتفه وراح يقول 

- تعال وأنت تشوف 


❈-❈-❈



سار جنبا إلى جنب بهدوء تبادلوا أطراف الحديث حتى وصلا إلى أرض فضاء، اكتشف " صهيب" من معاملة " نوح" له أن صفاته تختلف تماما عن صفات أخيه " بيجاد" كما لمس فيه الإنسانية والرحمة بالحيوانات، جلس على صخرة صغيرة ثم بدأ في فرد الأكياس البلاستيكة على الارض بطريقة مهندمة، اطلق صافيرًا عاليًا لتركض مجموعة من الجرو، جلسوا أسفل قدميه يملسون على جسده بحنو يعبرون عن اشتياقهم له، ردد بهدوء وإبتسامة واسعة 

- إنتوا كمان وحشتوني قوي، يلا يلا كلوا على ما اروح اجيب لكم مياه، آسف اتأخرت عليكم النهاردا.


ظل " صهيب " يتابع تحركات " نوح" حتى فجأه بذهابه إلى أحد الأركان وعاد حاملا جرو صغير بين يده محدثًا إياه قائلا

- عامل إيه دلوقت يا صغنن، الصبح مرضت تأكل ودلوقتي مش هتأكل بردو ؟! يلا يلا أنت بتاخد علاج ماينفعش الدلع بتاعك دا 


جلس " نوح" متربعًا على الأرض، بدا يطعم الجرو وهو يخبر ابن عمته قائلا بإبتسامته العريضة 

- الحمد لله بدا يأكل اهو، كنت قلقان عليه قوي، الدكتور قالي إن المضادات الحيوية اللي بياخدها هتخلي يفقد شهيته يومين وبعدها هيرجع زي الاول واحسن 


رفع بصره له وقال 

- مستغرب ليه ياصهيب ؟ 

- بصراحة أول مرة اشوف حيوانات بالعدد دا وكمان بيحبوك كدا لأ وأمها سايبك تمسكه عادي في العادي الكلاب والحيوانات عمومًا بتخاف على عيالها 

- أمه دي أنا اللي مربيها زيه كدا يعني مطمنة على ابنها معايا، وبعدين الحيوانات وخصوصًا الكلاب من اوفى خلق الله 


رد بإبتسامة ساخرة 

- يمكن أحسن من الإنسان نفسه، لو جبت كلب واديته أكل لمدة 3 ايام اليوم الرابع هيجي هو ويسأل عنك مش عشان اكل لأ عشان حبك وامان ليك 


ختم حديثه قائلا 

- امه اول ماشوفتها في الشارع كانت مضروبة والناس أذيتها جامد اوي، كانت بتخاف تأكل ولا تشرب بقيت اسيب الاكل والمياه وامشي بعيد اطمن إنه بتاكل برجع تاني الصبح قبل ما اروح شغلي اجيب لها الفطار والمياه وفي يوم من الايام كنت راجع متأخر من شغلي جبت لها الاكل وقعدت جنبها فجاة نمت مش عارف ازاي  قمت بعدها بساعتين لاقيتها قعدة جنبي وتحت رجلي تعبان ميت 


اتسعت أعين " صهيب" عن آخرها قائلا بدهشه 

- كان في تعبان عاوز يأذيك ؟ 

- اه بس الحمد لله ربنا سترها وهي قتـ لته من الآخر ياصهيب الخير عمره مابيروح، والزرعة اللي بتزرعها بتحصدها زرعت خير، هتحصده زرعت شر هتحصده وانا الحمد لله بحاول اعمل كدا مع الإنسان والحيوان وكل اللي الخير اللي عملته مع الحيوان بيرجع لي 


ختم حديثه قائلا بحزنٍ 

- أما الإنسان فـ مابشوفش منه غير الحقـ د والكره وبس !! 


سأله "صهيب" بعدم فهم قائلا 

- قصدك إيه ؟ 


أجابه بجدية مصطنعه 

- مش قصدي حاجة سيبك مني ويلا نرجع بقى عشان اتأخرنا والنهار قرب يطلع 


في عصر اليوم التالي 


جلس " مالك" على حافة الفراش محاولا أن يوقظ ابنه وقال بخفوت 

- نوح، نوح قوم أنا عاوزك 


فتح " نوح" عيناه بأعجوبة وقال بنعاس 

- خير يابابا في إيه ؟! هي المغرب أذنت ؟! 

-لا قوم كدا واتعدل لي وقل لي ازاي خالك عاكف يطردك وأنا معرفش ؟ لأ وكمان متحول للتحقيق ! 


سأله بضيق قائلا 

- هو مين اللي قالك يا بابا ؟ ملك ولا رُبى!


رد " مالك بسؤالاآخر على سؤاله قائلا 

- يعني أختك وبنت عمك عارفين وأنا آخر من يعلم، اللي قالي خالك بنفسه يابيه وزعلان جدًا من اهمالك الشديد وقالي كسفني وسط الناس .

- بابا من فضلك مش عاوز افتح في الموضوع دا عشان لا هيقدم ولا هيأخر في حاجة أنا مطرود واللي كان كان خلاص 

- لأ مش خلاص  كلمني وقل لي  إيه اللي حصل عاوز افهم مامتك قالبة الدنيا ومش عارف اديها بإيه ومش عاوزها تقع مع خالك في مشاكل .


نظر " نوح" لوالده ولم ينبث ببنت شفه، ربت على ظهر يد ابنه وقال بحنو وحب 

- قول يا نوح متقلقش انا ابوك مش حد غريب 

يعني سترك وغطاك لو في حاجة مش عاوز تقولها لحد قولها لي أنا وأنا اوعدك اتعامل مع الموضوع بهدوء 


مازال " نوح" على وضعه محتفظًا بما حدث له بداخله، تنهد والده بعمق وقال 

- طب أنت معاك فلوس ؟ 


رد " نوح" بكذب وقال:

-اه يا بابا معايا الحمد لله 


وقف والده عن حافة الفراش وقال بجدية 

- طب أنا مش عاوز اضغط عليك أكتر من كدا حسابك في البنك زي ما هو بقاله 4 سنين لو محتاج منه حاجة اسحب وخد انا مش عارف ليه مش عاوز تقرب له هي فلوس يعني ماهي فلوسك !! 

- يا بابا أنا بحب اعتمد على نفسي ومش محتاج حاجة للفلوس الحمد لله على العموم لو احتاجت ابقى اسحب منه حاضر 

- كل مرة بتقول كدا وفي الآخر بتعمل اللي في دماغك عموما براحتك .


خرج " مالك" تاركًا ابنه يحاول أن يحصل على النوم من جديد لكنه لم يستطع فعلها بعد أن تذكر ذاك اليوم اللعين، رمى الدثار عن جسده وغادر الغرفة متجهًا نحو المطبخ بدا يمازح عماته بحديثه الساخر، حتى جاءت ابنة عمته وقالت بإبتسامتها الواسعة التي يعرفها جيدًا 

- نوح ابن خالي الغالي اللي مافيش منه في الدنيا دي 

- ادخلي في الموضوع على طول يا تولين 

- بيعجبني فيك ذكائك الخارق، عموما في حاجة كدا عاوزة اعرضها عليك ولورضيت بيها  هنفذها معاك وحالًا 

- قولي 

- إيه رأيك نعمل إعادة تدوير للعفش القديم يعني نخلي قديم اه بس بلمسة عصرية بما إن تيتا مش راضية تغير اوضتها 

- موافق جدًا قولي لي ازاي وفين ؟! 


ردت"تولين"  ضاحكة  وراحت تقول 

- براحة يا نوح تعال نطلع السطح اوريك عملت إيه من الصبح واخليك تكمل اللي معرفتش اعمله 


خرجا سويًا من شقة الجدة، القت التحبة على " رُبى" ظنًا منها أنها " صبا" لتردد مصححة بتأفف 

-أنا رُبى مش صبا 

- عموما صباح الخير 

- قصدك مساء الخير فاضل علـ ....


كادت تكمل حديثها لكنها لم تعيرها أي اهتمام 

تابعت صعودها حتى سطح المنزل، وقف 

" نوح" يشاهد التغير المفاجئ بأعين ذاهلة 

ظل يتفقد كل قطعة موجودة على سطح المنزل وقال بسعادة 

- أنتِ كنز بجد يا تولين تسلم افكارك الأوضة احلى من الأول مليون مرة دي تيتا هتفرح اوي 

- اي خدمة ياعم ولسه لما تكمل وكملن لما الشقة تتدهن بالدهانات اللي في دماغي هتخلي الشقة في ختة تانية خاااالص 


تابعت بجدية قائلة 

- المهم دلوقتي لسه فاضل ساعتين على الآذان تعال نستغلهم ونلخص اللي فاضل من الاوضة ولا أنت مشغول 

- لا أنا فاضي ماعنديش حاجة تعالي نخلصهم 


 ❈-❈-❈


داخل شقة الجدة وتحديدًا الردهة كانت 

" فيروز" جالسة تسرد بعض الخلافات البسيطة بينها وبين زوجها.وعن طريقة الصُلح الذي كا يبتكر فيها في كل مرة، كانت تُعد السلطة الخضراء وقالت: 


في يوم بقى سلطان قالي بلاش يافيروز تنزلي مصر لوحدك عشان انا قلبي مش بيطمن غير لما اكون معاكِ اتخنقت معاه وقلت له ليه هو أنا عيلة صغيرة قالي لا بس انتِ كل ما تنزلي لوحدك بتعملي مشاكل بسبب الوزن الزيادة اللي بتاخدي معاكِ وبفضل اقل لك نشحن اي حاجة عاوزة تنزيلها مصر وانتِ تقولي لا 

المهم كلمة مني على كلمة منه عملنا خناقة وانا زعلت منه وجيت على هنا وهو راح عنده أمه 

طبعا أمي عرفت ووقفت في صفه وامه وقفت في صفي وكل واحدة منهم قالت لو عند كرامة روح قول حقك عليا طبعا كنت بسمع كلامه امه وبتسقوى عليه الصراحة صراحة ربنا أنا مرمطته كتير المهم بعد يومين مين فين يروح للتاني جت أمه تتخانق مع امي عشان جاية في صفه 


وبعدين يا عمتو ايه اللي حصل ؟ 

 غمز لي بعينه عشان اروح له في البلكونة 

ورحتي ؟ 

لأ طبعا هو انا معدومة الكرامة ولا ايه 

جدعة يا عمتو 

نزلت وركبت العربية 

وبعدين ايه اللي حصل 

قالي تعالي نغير جو في الغردقة ولا شرم ونبعد عن المشاكل دي ايه رأيك ؟ 

قلت له اطلع على العين السخنة وربنا يبعد عننا يا ابني المشاكل 


وتيتا ولاء عملت ايه  لما عرفت 

في الريحة والجاية تلقح عليه بالكلام وتقول المهزأ راح المهزأ جه 


طب تيتا مريم عملت لك ايه ؟ 

قالت لي يا معدومة الكرامة ضحك عليكِ بفسحة في العين السخنة 

قلت لها الواد قدم فروض الولاء والطاعة وابنك الصراحة يتحب يا مريم وانا وهو ملناش إلا بعض صراحة ربنا ابنك غلبان ومايستهلش مني كدا ابدا 

ردت وقالت لي قولي لي يا فيروز هياخدك على الغردقة المرة الجاية ولا ايه 

قلت لها قالي هنروح اسوان عشان كدا بتقي شر المشاكل وبقول الطيب احسن لحد مانروح ونرجع هو انا هستحمله بشعره الطويل دا لله وللوطن  قالت امشي يا مهزأة أنتِ واللي اتجوزك وعلمك البرود ولحد دلوقتي بتقولي يا مهزأة وبتقول لصهيب اوعي تطلع لامك 

قالها لا متقلقيش انا طالع لبابا قالت له معدوم الكرامة زيه والواد لحد دلوقتي مايعرفش الحوار علي ايه وهايموت ويعرف بس انا مبحبش اطلع الاسرار العسكرية دي لحد 


انغمز ثلاثتهن في ضحكاتهن، ما إن ختمت 

" فيروز"  عباراته الطويلة، كانت الجدة تقرأ وردها اليومي، ختمته ما إن انتهت ابنتها من سرد تفاصيل خلافات مع زوجها، اغلقت الكتاب وقالت مدافعة عن زوج ابنتها 

- أنا اللي غلطانة إني جوزتك واحد زيه، والله دا واد زي حتة السكرة، خسارة فيكِ 


ردت" فيروز" بدهشة وذهول قائلة

- بقى سلطان خسارة فيا يا ماما 

- اه خسارة فيكِ والله لاجوزه ست ستك 


الله أكبر تيتا حنت عليا وهتجوزني، يلا تيتا انا جاهزة اهو وديني بقى على بيت حبيبي


أردفت " صبا" عبارتها وهي تصفق بيدها ثم جلست على المقعد جوار جدتها تقبلها لترضى عنها وتزوجها " سلطان البغدادي" 


ردت فيروز بعتابٍ قائلة

- مكنش العشم يا امي بدل ما تقفي مع بنتك عاوزة تجوزي جوزي عليا 

- اه اجوزه وارقص في فرحه كمان دا غلبان يجي في جبروتك وقوتك إيه هو يا مفترية عليكِ ربنا 

- جوزيه يا تيتا جوزيه وأنا هعوضه عن أيام الشقى دي 

- شايفة بنتك يا وتين عاوزة تبقى ضُرتي !! 

- دي بتهزر يا فيروز بقى معقول تعملها يعني 

- يا ماما دا سلطان البغدادي فاهمين يا ناس يا إيه سلطان البغدادي 


ردت " فيروز" وهي تلوح بيدها المقبضةعلى السكيـ ن وقالت بجدية مصطنعة

- يعني جوزي وكمان مرة جوزي ومرة تالتة نأكد عليها جوزي وابو ابني واللي يفكر يدخل بنا هخلي أيامه شبه البيچامة السودا اللي لبساها دي يا بنت اخويا فهمتي ولا ....


السلام عليكم وكل سنة وإنتوا طيبين 


قاطع حديثه وتهديداتها الصارمة من وجهة نظرها صوت زوجها، وهو يلج بهيبته وكامل أناقته انقبض قلبها لرؤيته بسلام اخيرًا، مازال يسيطر على قلبها على الرغم من خصامهم، تتدافعتا الفتيات لاحتضانه واستقباله بحفوة وحب، صافحهن ثم ولج متجهًا حيث تجلس " "ولاء" مال بجذعه قليلا ليطبع قبلته على ظهر يدها وقال بإشتياق 

- وحشتيني يا أحلى حاجة في مصر 


ربتت على ظهره بحنانٍ بالغ ثم قالت بسعادة 

- اهو كدا بجد رمضان جانا فعلا .


وقف " سلطان" عن الأريكة مصافحًا باقِ أفراد العائلة حتي توقف عند زوجته، نظر لها طويلًا وقبل أن يحدثها تبادل العناق في آنٍ واحد، ضمها بقوةً تكاد تجزم أنه كاد أن يضعه بين أضلعه، همس بجانب أذنها وقال بإشتياقٍ جارف 

- وحشتيني 


ترد له بذات النبرة قائلة

- أنت أكتر 


في الطابق الأعلى وتحديدًا سطح المنزل  كانت هناك مشاجرة بين " رُبى وتولين " 

توسطهما "نوح " ليبعد كلاهما عن بعضهما نزعت " رُبى" يد نوح الممتدة عن آخرها لتحجبها عن تلك البغيضة بالنسبة لها، اغتاظت من هدوئها لفت حول نفسها ثم اتجهت نحو الأثاث الذي كاد أن يتنهي لتتدمره بيدها وقالت 

- اهوووو 


نظر " نوح" للاثاث وقال بعتذار 


خلاص يا تولين متزعليش حقك عليا رُبى ماتقصدش 


لا اقصد  وحسك عينك أبقى بتكلم مع نوح وتتكلمي معاه


أنتِ مجنونة يا بنتي هو جوزك وأنا معرفش !! 

 

تولين انزلي دلوقتي معلش عشان خاطري 


حاضر يا نوح عشان خاطرك 


 اقسم بالله يا نوح لو كلمتها وانا واقفة مرة تانية لا قتـ لك 


بطلي جنانك بقى في ايه مالك ؟ 

متكلمهاش وانا واقفة فااااهم 

لا مش فاهم و بطلي تحكماتك دي روحي اتحكمي في خطيبك هو اولي بالغيرة المجنونة بتاعتك دي 


هددته قائلة بغضبٍ جم 

- متتكلمش معاها قدامي لما ابقى بتكلم معاك تسيب الدنيا كلها وتكلمني فااااهم 


رد غاضبًا بذات النبرة وقال

- لا مش فاهم ولا عاوز افهم، في إيه ؟ مالك بيا بيركبك عفريت ليه لما بتكلم مع اي بنت بتدمري لي شغلي وحطيت جزمة في بؤقي وسكت عشان عمي ميقلبش خناقة معاكِ. وبتضربي البنت وهي معملتش اي حاجة تضايقك ولا تتضايق اي حد حد في البيت بتدوسي على عليا وعلى كرامتي وبقول عدي ياواد صغيرة وبكرا تعقل، لا بتكبري ولا بتعقلي  ولا بكرا بتاعك بيجي سبيني في حالي يا رٌبى 

سبيني بدل ما اقسم بالله ما افضـ حك وماتعرفي ترفعي وشك في وش الناس بالجبروت اللي أنتِ في دا دلوقتي، أنا نوح يا رُبى نوح مش رامي أنا راجل مبقلش على نفسه يكون عبد لوحدة زيك لو كنت بسكت وبعدي مش زي ما أنتِ فاهمة إني واقع في هواكِ ومش عارف ارفض طلب انا بعمل كل اللي بعمله دا كرامة ليعون عمي أما أنتِ فـ ملكيش أي حق عندي أنتِ لا مراتي ولا خطيبتي ولا حتى حبيبتي عشان تغيري عليا 


هدرت بصوت عالِ قائلة

- كداااب ايوة كداب يانوح كداب وعيناك فضحاك كداب ولازم تقول الحقيقة 


سألها بغضبٍ 

- حقيقة إيه ؟ 

- انك بتحبني اعررف يا نوح إنك بتحبني 

- بردو يا رُبى مش هتكسريني وانا مبحبكيش واعترفي  لنفسك بقى إنك دخلتي معركة خسرانة وقتها بس هترتاحي من حاجات كتيرة اولها أنا 


تركها تحدثه بصراخ قائلة 

- هترجع لي يا نوح هترجع وهتندم وتبكِ بدل الدموع د م وساعتها أنا اللي مش هرضى بيك 

خليك فاكر دا كويس يا نـــوووح مش رُبى اللي تخسر ابدًا وبكرا هفكرك كويس مين هي رُبى عابد المحمدي 


يتبع