-->

الفصل السابع - عقوق العشاق





الفصل السابع



جلست " شوقية" تقطع الخضروات لاعداد وجبة الغداء بينما كانت " مهدية" جالسة خلف 

ماكينة الحياكة، الوضع أصبح غاية في الصعوبة صديقتها اصبحت زوجة أبيها، هي من فعلت ذلك بنفسها، جعلت الأفعى بجوار ثعلب ماكر، لم تكن تعلم أنها خبيثة هكذا، تحاول الضغط عليها تارة والكلام المعسول تارة أخرى، لم تستطع " شوقية " تغيير وجهة نظر صديقتها والزواج من" مهدي" بن خالها، تحاول تجنبها بشتى الطرق، تحاول منع أي مشاجرة بينها وبين والدها من تحت رأسها، ليتها وافقت على عرض " بلال" وتزوجت به 

ولكن مالفائدة بعد أن تركها وحيدة، كانت شاردة في أيامها القادمة، انتشلتها من بئر ذكرياتها وقالت:

- اعملي حسابك يا مهدية إني في الشهر التاسع وأنا على وش ولادة 


ردت " مهدية " دون أن ترفع ناظريها وقالت:

- ربنا يقومك بالسلامة يا شوقية 

- يارب يا حبيبتي، بس مبقولش كدا عشان اسمع منك الدعوة دي أنا بقولك كدا ياعنيا عشان تشوفي لك مكان غير هنا تباتي في لما اولد 


تركت " مهدية" ما بين يدها وقالت 

- ايوة اروح فين يعني ؟! 

- مطرح مايعجبك يا حبيبتي المهم خلقتك الكريمة ماتبقاش في البيت انا مش ناقصة نحس يا عينا 

- نحس !! 

- اها يا حبيبتي نحس ليه وهو أنا مش شايفة عينك وهي طالعة عليا وبتحسدني عشان اتجوزت قبلك والله اكبر عليا هخلف وأنتِ قعدة جنبك ابوكِ لما فاتك قطر الجواز 

- أنا مافتنيش حاجة شوقية ربنا محوش لي الحلو كله وكل واحد ورزقه 

- الكلام دا يا حبيبتي كان زمان إنما أنتِ خلاص بايرة عندك 35 سنة لا حد راضي يبص في خلقتك ولو حصل مش هتخلفي يا عينا


ابتلعت " مهدية " لعابها بغصة ثم قالت بمرارة وهي تلملم حاجاتها بهدوء 

- الخلفة دي رزق بتاع ربنا، اختي ماتت وهو حامل وكانت عندها 25 سنة يعني مش بالسـ ...


كادت تكمل حديثها لتتفاجئ بيد من حديد قبض على خصلات شعرها والأخرى توزع ضرباتها بالحذاء على انحاء جسدها، هرول والدها على إثر صوت صرخات ابنته التي حاولت الدفاع عن نفسها، توقف بينهما وقال 

- في إيه يا مهدية ؟ في إيه يا شوقية هو كل يوم والتاني خناق كدا !!

- في يا حبيبي إن الهانم اللي لا شافت الجواز ولا عمرها هتشوفه إن شاء الله بتخسدني انا وابنك لأ وبتفول عليا وتقول إن بنتك ماتت بعد الشر عليا في نفس سني 

- ليه كدا يا مهدية يا بنتي مش شوقية صاحبتك ومرات ابوكِ بردو ؟! 

- في أيه يا مهدية هو دا اللي قدرك عليه ربنا يابابا طب اسألها انا قلت ليه كدا ؟! 


كادت تكمل " مهدية" عتابها لكنها لم تترك لها هذه الفرصة لتضع حدًا لهذه المهزلة قائلة:

- بص بقى يا حبيبي كل اللي حصل كوم واللي عملته بنتك دلوقتي كوم تاني، ومن الآخر كدا البت دي متقعدش هنا .


فرغ فاها لتتحدث تلك المسكينة مدافعة عن حقها بهذا البيت لكن والدها أمرها بنبرة لا تقبل النقاش وقال:

- اطلعي برا يا مهدية ولما تبقى تحترمي مرات ابوكِ ابقي ادخلي البيت 

- متدخلوش يا حبيبي طول ما أنا عايشة تدور لها على مكان تاني غير هنا 


قبض والدها على ذراعها بقوةً دافعًا إياها للخارج، والدها الذي فقد أحد ساقيه وحملته هي على ظهرها، وقفت جواره حتى وفرت له ساق اصطناعية جعلته يقف من جديد، القها خارج الشقة دون رحمةً ولا شفقة، اوصد الباب 

في وجهها تاركًا إياها تحاول جمع شتات نفسها 

مالذي فعله والدها لو كان حلم فهو حلم مزعج 

وإن كانت حقيقة فهي حقيقة مُرة .


❈-❈-❈


بعد مرور ساعتين من هذه المشاجرة 

كانت " مهدية" جالسة في منزل جدها، تسرد ما حدث لها للمرة المئة بعد الالف، رفعت بصرها لعمتها وقالت من بين دموعها 

-قولي لي يا عمتي أوا عملت إيه وحش لأبويا !!

- معلش يا بنتي تقولي إيه بس، دا طبع وهو مش قادر يغير جلده كتير أكتر من كدا، معلش احتسبي تعبك عند ربنا 

- ربنا طب وهو ربنا يرضى بالظلم !!

- لأ طبعًا ربنا اسمه العدل، معلش بكرا يرجع يقولك سامحيني، بس والله ما هاسيبه وهعرفه إن الله حق.


ردت " مهدية" باسمة بسخرية قائلة

- ملوش لازمة ياعمتي، ابويا خلاص عاش حياته ونسيني 


لم تعود " صدفة" لبيتها اعتذرت لزوجها وطلبت منه أن يسمح لها بالمبيت في بيت

"بلال" بالطبع لم يعترض رغم ضيق صدره من تركها له باستمرار إلا إنه لا يُظهر هذا بشكلٍ واضح جلست مع ابنة اخيها تستمع لشكوها للمرة المئة بعد الالف، ربتت بكلماتها على قلبها


❈-❈-❈


في عصر اليوم التالي 


كانت " صدفة" جالسة في ردهة بيت اخيه تعاتبه تارة و تتشاجر معه تارة أخرى، إلى أن أمرته بأن تبقى " مهدية "في البيت ولم يعترض على حكمها بعد أن رسمت "شوقية " دور المسكينة التي تُعاني من اضطرابات بهرمونات الحمل.


كادت أن تجن تلك المسكينة من معاملة صديقتها تلك، غادرت عمتها بعد أن اطمئنت عليها وما هي إلا عدة ساعات وقامت مشاجرة جديدة بدايتها " شوقية" ونهايتها الطرد من البيت، وقف الأب في ابنته وقال 

- لمي هدومك وامشي من هنا يامهدية 

- أنت بتقول إيه يابا أنت عاوزني امشي واسيب البيت ؟!!

- معلش يامهدية شوقية راسها والف سيف إنك تمشي لو موافقتش على مهدي 

ايوة وأنت إيه رأيك اتجوز مهدي اللي أنت خربت الدنيا عشان توقف الجوازة، ولا اسيب البيت طب لو سبت البيت اروح فين ؟ 

روحي لعمتك هي أولي بيكِ إنما الواد اللي بطن شوقية دا مين هيربي أنا ماصدقت إن ربنا عوض عليا عن اللي راح مني 


اروح لعمتي ازاي وهي مسافرة مع جوزها ولما أنت ناوي تطردني تاني قلت لها تسافر وتطمن اروح فين واجاي منين رد عليا !! 

معرفش بقى يامهدية روحي مطرح ماتروحي المهم مايطلعش عليكِ صبح في البيت 

كمان عاوز تنزلني الساعة اربعة الفجر !!


لم تُجدي محاولات " مهدية" أي نفعًا، غادرت البيت بعد أن ثامت بطردها زوجة أبيها، وسيلة جديدة للضغط عليها، انتظرت مجيئ عمتها التي كادت أن تسافر ولكن لحُسن حظها تأخرت في بعض التحضيرات، هرعت إليها وعادت إلى بيت اخيها تتشاجر معه ليفاجئها برده قائلا 

اللي عندي قلته يا صدفة مهدية متقعدش في البيت يعني متقعدش 

اخس عليك راجل نا قص هي كلمة شكرًا اللي المفروض تقولها لبنتك يا راجل دا شالتك ع ضهرها لحد ماجالها الغضروف البت عنست وقعدت جنبك ورفضت عرسان اشكال والوان عشانك أنت أب أنت روح منك لله البت دي هتروح فين ؟ 

تروح مطرح ماتروح المهم متقعدش هنا 

أنت إيه اللي جرا لك يا مسعود ايه جرالك ؟! 


بقلك إيه أنتِ كمان امشي اطلعي برا أنا مش عاوز اشوف وش حد منكم هنا 

روخي يامهدية لمي هدومك أنا هاخدك معايا 


لأ ملهاش هدوم هنا تنزل بالترنج اللي عليها 

يا راجل اعمل حاجة لاخرتك هتنزل بنتك بالترنج 


اه ولو سمعت منكم كلمة كمان هخلي شوقية تقلعها الترنج امشوا من هنا بالذوق بدل ما ارميكم برا البيت 


ردت " صدفة" بنبرة مغتاظة قائلة 

- لا وعليه يا اخويا يا ابن امي وابويا، انا اولي بلحمك قومي يابت اللي معاه ربنا مابيغلبش أبدًا 


عادت " صدفة" مع عمتها إلى بيت " بلال" كل الظروف المحيطة بها ضدها، مالذي عليه فعله لا تعرف حقا لا تعرف، ظلت تستمع لكلمة هذا وعتاب تلك وقلب فاض به الكيل، كفى كل ما حدث الآن، نظرت بأعين دامعة متسائلة بنبرة مختنقة 

- أنا ليه ابويا عمل فيا كدا ليه رماني أنا عمري ما كليت ولا مليت منه ومستعدة اخدمه برموش عنيا 


سيبك منه يامهدية أنا هنا كل حاجة جدك الله يرحمه كان عارف ابوكِ واسلوبه وعارف إن عمره ماهيتغير عشان كدا كتب الشقة باسمك بتاعتنا باسمك اوعي يامهدية تتنازلي عنها لحد الشقة دي هي اللي هتحميكِ من بهدلة الشوارع أوعي تخلي ابوكِ يضحك عليكِ بكلمتين ويخليكِ تكتبيها باسمه او تبيعيها 


طب وبلال هيروح فين ؟ 


 متقلقيش يامهدية أنا خلاص هتجوز يعني مش محتاج للشقة أنا بس محتاج منك أسبوع واحد افضي في الشقة من كراكيبي وبعدها الشقة تبقى تحت أمرك 


أنت خلاص هتتجوز ؟ 


اه خلاص أسبوع بالظبط وابقى عريس ادعي ربنا يوفقني مع عروستي 


ربنا يسعدكم ويرزقك الذرية الصالحة منها 


عقبالك يامهدية أنتِ كمان اهي هتبقى فرحتي كملت خلصت من بلال ووصال ناقص أنتِ اطمن عليكِ في بيت العدل مع ابن الحلال اللي يصونك ويطمن قلبك 


لأ ياعمتي مش هتجوز 

ليه بس كدا يا مهدية 

مين مجنون هيتجوز واحدة عانس زيي 


مهدية أنتِ زعلتي والله ماقصدي أنا بس 


من غير ماتقولي ياعمتي أنا فاهمة قصدك بعدين هزعل ليه ماهي دي الحقيقة وبعدين قال إن الجواز اهم انجاز في حياة البني ادم في انجازات تاني مهمة لازم الواحد يسعى لتحقيقها الاول    


زي إيه يابنت عمي ؟ 

زي ازاي متبنيش احلامك كلها ع شخص واحد عشان ميجيش في يوم يهد كل احلامك وتحس ان الدنيا ملهاش طعم من غيره أو تفتكر انك غالي وأنت مجرد محطة في حياته


لم تتحمل "صدفة" مشاكسة ابن أخيها أكثر من ذلك ضربته على ظهر يده وقالت بجدية مصطنعة

- بس يا واد أنت بطل كدبك دا 


التفت لابنة أخيها وقالت بجدية

- بصي بقى ما مهدية بصراحة ومن غير لف ودوران الواد بلال دا بيرتب الشقة للجواز أنتِ وهو وكان يعمل لها مفاجاة 


ردت " مهدية" بنبرة ساخرة وقالت 

- ويا ترى كان هايقول إمتى قبل الفرح بساعة مثلا ولـ ...


قاطعها بنبرة مغتاظة قائلا:

- لأ يا خفيفة كنت ناوي اقل لك من يومين بس مشاكلك مع عمي شغلتني 


لاحت إبتسامة ساخرة وراحت تقول 

- ويا ترى بقى يا بلال هتتجوزني ليه عشان ترحمني من رمية الشوارع ولا ترحمني من تحكمات شوقية 


رد " بلال" ردًا غير متوقعًا وقال 

- أنتِ يابت جايبة النكد والكآبة دي كلها منين يابت أنا لو مُت مش هتزعلي عليا بالشكل 


ردت عمته قائلة بفزع وهي تربت على كتفه وقالت 

- بعد الشر عنك يا حبيبي 


أشار بسبابته وقال بغيظ 

- هاتجيب لي جلطة يا عمتي 

- معلش مش قصدها خدها واحدة واحدة 

- واحدة واحدة إيه يا عمتي هي هتتعلم المشي !! 

- ماخلاص يا بلال قلنا البت مش قصدها، هتعملها شغلانة ولا إيه ؟!!

- عمتي هو أنا مش ابن اخوكِ ؟ 

- اه يا حبيبي وابني وربنا يعلم 

- طب ما تحنني قلبها عليا 


نظرت " صدفة" لـ مهدية وقالت بعقلانية 

- بصي يا حبيبتي أنا عارفة بلال قال لك إيه وإيه سبب زعلكم 


ردت مقاطعة بنبرة مختنقة

- وعشان كدا موافقة إني اتجوزه يا عمتي 


تنهدت بنفاذ صبر وهي تقول 

- يا بت وجعتي قلبي اسمعيني بقى، هو غلطان وأنا بهدلته ويشهد ربنا عليا عملت في إيه بس متزعليش مني يا مهدية، هو معذور أنا نفسي بعد ماشفت الرسايل والكلام من اللي الله لايسامحها عملته فيكِ، قلت ازاي مهدية بنتي اللي ربتها تعمل كدا.


ردت " مهدية" بعتاب 

- اومال ازاي هو ظابط يا عمتي ازاي صدق وشغله بيبقى اساسه التحريات والدقة 


وافقتها عمتها قائلة 

- صراحة معاكِ حق أنا لو مكانك معبروش 


تابعت بصوتٍ مرتفع 

- بس نرجع ونقول ياخد فرصة أخيرة نختبر فيها اخلاقه والله عجبنا كان بها معجبناش يبقى مع السلامة والقلب داعي له 


بالسلامة أنتِ يا عمتي كفاية عليكِ كدا ولادك عاوزينك 


أردف "بلال" عبارته وهو يحث عمته على الوقوف ثم دفعها برفق تجاه غرفة شقيقته 

سارت بهدوء وهي تسبه مرة وتلعنه الف مرة

جلس مرة أخرى وقال 

- احنا ناخد نص الكلام اللي عمتي قالت له 


فرغ فاها لتتحدث لكنه قاطعها قائلا 

- اسمعيني بس يا مهدية، أنا كل اللي طلبته منك فرصة تانية بس اثبت لك فيها إني فعلا كنت مظلوم ووعد مني ارد لك حقك قدام الناس كلها واعتبري مهرك يا بنت عمي 


سألته بنبرة حزينة قائلة

- أنت بتستغل إن عمك طردني من البيت ومش لاقية مكان اروحه ؟! 


رد على سؤالها بسؤالا آخر وقال 

- تعرفي عني إني كدا ؟! طب بلاش السؤال دا أنتِ تعرفي عني إني ممكن استغلك لأي سبب على العموم لو في حد مستغل حد فهو أنا فعلا عشان قاعد عندك الشقة دي باسمك 


وقف عن مقعده وقال بجدية 

- على العموم يا بنت عمي أنا هاسيبك براحتك عشان ما تقوليش إني بضغط عليكِ خُدي وقتك خالص وردي عليا وخليكِ فاكرة 

أنا مش عاوز حاجة من الدنيا دي غيرك ولو وافقتي هبقى اسعد إنسان في الدنيا .


هتروح فين هو أنت عندك مكان تاني تبات في غير هنا ؟ 


لاحت إبتسامة عريضة على ثعره كشفت عن نواجزه جلس مرة أخرى ما إن استشعر نبرتها الحانية تظهر في صوتها من جديد، بدأ يحدثها و يتعهد لها بأنه سوف يتغير وأن ما حدث في الماضِ لن يتكرر ما دامت هي معه.

وبعد محاولات عديدة في إقناعها نجح في إحداها لتضع شرطًا واحدًا قبل الموافقة على الخطبة ألا وهو عامًا كامل يرتب نفسه فيه ويبني معها ذكريات جديدة سعيدة وبعدها يتمم الزواج، تعالت الزغاريد وعمت الفرحة في المكان وتم تحديدًا موعد رسميًا لارتداء خاتم الخطبة .

 

❈-❈-❈


بعد مرور أسبوعا كاملًا 


في منزل الجدة ولاء 

ولج "نوح" الشقة متجهًا إلى المطبخ وجدها تقف أمام حوض المطبخ تجلي الصحون، حك مؤخرة رأسه وراح يقول بتساؤل

- هو عمي راح فين يا صبا بدورعليه مش لاقي ؟ 


التفت له وقالت بإبتسامة واسعة 

- أنا رُبى يا نوح مش عارفة هتفرقوا بنا إمتى ؟! 


تحجرت رشفات المياه في حلقه، بصقها وظل يسعُل حتى كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، هرعت نحوه وقالت بلهفة وهي تناوله كأسًا جديدًا  

- مالك يا نوح بسم الله الرحمن الرحيم اشرب 


طالعها بنظراتٍ حائرة كيف هذا، تتبدل في ثوانٍ هل هي مزاجية أم هذه لعبة جديدة، تلعبها لم يظل على حاله هذا طويلًا، قادته حيث مقعد صغير وضع في أحد الأركان، اجلسته وقالت بهدوء 

- هعملك عصير حلو بعمله لبابا دايمًا 


استدارت بجسدها وقدمته له والإبتسامة لا تفارق شفتاها 

- اتفضل 


تسمر مكانه من تصرفاتها تلك، حثته على أن يتناول العصير الطازج وقالت 

- اتفضل هيعجبك واللهِ 


تناوله ومازال على دهشته من تحولها العجيب 

عادت تتابع ما تفعله من جلي الصحون وقالت بامتنان 

- هي تولين زعلانة مني ليه يا نوح ؟ 

- أنتِ مش عارفة يعني ؟ 

- لأ أنا كل اللي فاكراه إننا قعدنا نتكلم ونهزر وفجأة اتقلب حالها ومش بتكلمني ؟! 


نظر لها بتفحص وقال بتساؤل 

- رُبى أنتِ كويسة ؟! 


ردت بسعادة قائلة

- جدًا أنت مش متخيل أنا مبسوطة قد إيه، رامي جاي يتفق مع بابا على معاد الفرح 


فرح !! فرح مين ؟! 


قاطعها " نوح" قائلا بدهشة وذهول شديدان 

استدارت وراخت تقول بسعادة

- فرحي أنا ورامي يا نوح ركز معايا مالك !!

- رُبى أنتِ كويسة !! 

- مالك يا نوح كل شوية تسألني كويسة ولالأ في إيه !!

- مافيش بطمن عليكِ بس ؟! 

- نوح اوعى تكون زعلان من رامي عشان المشكلة اللي حصلت آخر مرة بينكم يعني وكدا 

- مشكلة إيه ؟! 


سحبت نفسًا عميقًا وهي تنظر لسقف المطبخ ثم عادت تقول

- متقولش إنك مش فاكر ولا قاصد إنك تنسى 

عموما احسن بردو هي مشكلة مش لطيفة بس أنت عارف هو بيغير عليا جامد وأنت عارف بقى 


قفزت للأعلى قليلا وراحت تقول بسعادة قبل أن تغادر المطبخ وسط دهشة وذهول شديدان 

- رامي جه عن أذنك بقى 


استوقفها لكنها لن تستمع لأي شئ اليوم، حتى ذاكرته الضعيفة تلك لن تكترث لها، هرولت تجاه باب البيت وجدت والدها يتشاجر معه قبل أن يجلس على أقرب مقعد حتى، قام والدها بطرده احتقنت الدماء بعروقها، وقفت أمام أبيها مع زوجها المستقبلي، تعالت الأصوات ليبتر صراخها بصفعة مدوية،على إثر لجمت الصدمة لسان الجميع.


عابد عشان خاطري امسك نفسك الولد في بيتنا وضربته وطردته خلاص اهدأ بقى 


أردف" مالك" عبارته محاولًا تهدأت أخيه 

كي لا يرتفع ضغط الدم، بينما نظر" عابد" 

إلى أخيه وقال بغضبٍ جم 


يعني إيه في بيتنا يعني يدوس هلى بنتي وعلى كرامتها عشان في بيتي يا عم مالك ماترد ياسلطان ساكت ليه غلطان أنا 


رد " سلطان" بهدوءٍ وقال: 

- مش غلطان طبعا بس القرارات مبتتاخدش كدا دي حياتهم وهما لسه صغيرين وبيحصل بين الخطاب مشاكل كتير 


رد" عابد" قائلا بحدة 

- مشاكل دي عدت مرحلتها خلاص يا عم سلطان البيه طلقها والحمد لله انه عمل كدا هي بقى ماعندهاش كرامة دا شئ يرجع لها بس رجوع للواد دا تاني على جثتي وصلت ولا لسه !!


تنهد " مالك " وقال بعقلانية 


طب اهدأ مش كدا رُبى اكيد قالت كدا يعني من زعلها بصراحة هو كسفها قدمنا كلنا وهي كانت بتحاول تجمل في قدمنا يعني بنتك رهنت على حصان خسران 

- الله ينور عليك يا عم مالك حصان خسران نعيط ونضيع عمرنا عليه بقى ولا نفوق كدا ونبقى جامدين ونعيش حياتنا عادي كأنه مدخلش حياتنا ؟! 


طرقات خفيفة ولجت بعدها "رُبى" وعيناها ممتلئة بالدموع، جلس حذاء عمها حاوطها بذراعه وقال بحنو وحب 


تعالي يا رُبى تعالي يا قلب عمك 


قولي لي يا رُبى عاوزة إيه وأنا هنفذه لك حالًا 


عاوزة اتجوز نوح ابنك ياعمي

 


انتبه والدها لحديثيها الغير متوقع، لف لها وجهه وقال بغيظٍ مكتوم قائلا:

- أنتِ بتقولي يا بنت أنتِ عارفة أنتِ بتقولي إيه 


كاد أن يصل إلى رقبتها لكن منعه "سلطان "

محتضن إياه من ذلك، ولجت الجدة وبدأت تستمع إلى حديث حفيدتها دون أن تعقب على حديثها بكلمة واحدة، انسابت دموع "رُبى" 

بغزارة وراحت تقول 

نوح يا عمي هو مش سايبني في حالي 

هو السبب إن رامي طلقني وهو بردو السبب إني طلبت منك دلوقتي ايده قدمكم 

نوح ياعمي قالي لو ماعملتيش كدا هفضـ حك قدمهم أنا مش عارفة هو ماسك عليا إيه أصلا بس هو مش سايبني في حالي، أنا مش عاوزة اقل لك إيه عمله معايا فوق السطح لما قلت له لو سمحت يا نوح ابعد عني 


قال لك إيه يارُبى


كلام سوقي جدًا يا تيتا كلام أنا نفسي أول مرة اسمعه حاولت ابعد عنه قام مسكني بالعافية وكسر كل الاوضة بتاعت حضرتك وقالي أنتِ ليا أنا وبس ومحدش هياخدك مني حتى لو كان رامي قلت له عيب يا نوح أنا بنت عمكمن لحمك ودمك عمك لو عرف دا هيزعل منك 

قام شتمني وشتم بابا وقالي أنا مافيش حاجة في حياتي غيركم وعمي هافضـ حه وروني بقى هتتجوزي غيري ازاي قمت عملت خناقة مع رامي عشان كدا طلقني نوح مش شخص كويس زي ما إنتوا فاهمين اوقات المظاهر خداعة يا تيتا 


عندك حق يا رُبى المظاهر فعلا خداعة 

نــــوووووح 


خير يا بابا في إيه ؟! 


سأله بغضبٍ مكتوم قائلا

- الكلام اللي بنت عمك قالته دا صح ؟ 


رد على سؤاله بسؤالا آخر قائلا بإستفهام 

- كلام إيه ؟! 


اجابه بتصريحاتها الصادمة كل ما قاله هو عكسته صرخ به مدفعًا عن حاله، لم تهدأ إلا عندما ضغطت على زر التشغيل ليصدح صوت التسجيل الذي قامت به بأنه يهدد بفضـ حها بالفعل ثم ضغطت على زر القفل، جن جنون والده قام بضربه أمام الجميع، اشتعل البيت من جديد والقى اللوم والعتاب عليه، خرجت من الغرفة وعلى ثغرها إبتسامة واسعة 

كاد أن يطرده والده إلا أن وقفت الجدة في وجه ابنها مدافعة عن حفيدها، منعها " نوح"

من الافصاح عن ما تعرفه لكنها لا توافقه الرأي 

سردت ماحدث وأمرت "عابد" بإبعاد ابنته عن حفيدها بدلًا من إشعال الفتنة أكثر من ذلك فهي السبب في حذف جميع الملفات الخاصة بعمله وهي السبب في طرده من العمل، أسرار لأول مرة يعرفها الجميع، عاد " عابد" إلى شقته يجر خيبات الأمل خلفه لا يعرف لماذا ابنته تتعامل بهذه الطريقة، جلس في غرفته 

يسرد لزوجته ما آلت إليه ابنتهما، كاد أن يفقد عقله، حاولت تهدأته لكن دون جدوى، وثب عن المقعد وأمر " رُبى" بتحضير حاجاتها في غضون ساعة على الأكثر .


امتثلت لأمر أبيها وهي تسأل حالها عن السبب 

الوضع بات مريب بالنسبة لها، دائما الخلافات 

تحدث قبل سفرهم تحديدًا، تفاجئت به يخبرها بجدية قائلا

- من النهاردا ملكيش علاقة بالعيلة دي، أنتِ هتروحي تقعد عند جدك ولما نسافر ابقى اخدك 


سألته بهدوء بعدم فهم 

- بابا أنا عملت إيـ 


كانت إجابته صفعة مدوية على وجهها، جحظت أعينها من هول الصدمة، نظرت له بأعين دامعة، سألته بصراخ قائلة

- أنا عاوزة اعرف أنا عملت إيــه ؟!!


لم ينتبه لها ولا لسؤالها قبض على رسغها ومجبرًا إياها للخروج من الشقة، خرجت من البيت أمام الجميع بطريقة غير لائقة، كانت الأحفاد تقف على سلالم الدرج، اشقائه أمام باب الشقة في محاولة منهم لتهدأت الوضع بين " عابدو رُبى" لكن دون جدوى، استقلت السيارة رغمًا عنها جلس هو جوارها وقاد سيارته متجهًا إلى بيت الأنصاري 


❈-❈-❈


بعد مرور ساعتين 


كان " ريان وجميلة" على علم بكافة التفاصيل 

التي حدثت خلال الفترة الماضية، استمع له حتى قال بغيظٍ مكتوم 

- البنت دي فرع خبيث يا عمي وللأسف هدمر عيلتي 


رد " ريان" بعقلانية وقال 

- يا ابني براحة مش كدا يمكن اللي حصل دا 

من زعلها على فركشة الخطوبة

- وإيه يعني لما خطوبة واتفركشت في داهية لكن تخلي نوح يطرد من شغله وتضرب وتبهدل بنت اختي وتدمر وتكسر في البيت كل دا عشان البيه خطيبها اهو اللي مش هاسمح بي أبدًا 


ردت "جميلة" وقالت بهدوء وحكمة 

- يا عابد يا حبيبي هي لسه صغيرة ومندفعة شوية و 


قاطعها " عابد" بإنفعال قائلا

- صغيرة مين يا بس يا أمي دي عندها واحد وعشرين سنة يعني اللي زيها فاتح بيت ومعاه عيال أنتِ نفسك اتجوزتي عندك عشرين سنة وكنتِ شايلة مسؤولية بيت وعيلة وبتدرسي 


رد " ريان" بعقلانية وقال 

- يا ابني مش كل البنات زي بعضها ما وتين امها فضلت مدلعة ومش عارفة تشيل مسؤولية حتى بعد ما اتجوزت 

- امها هي تروح فين لأمها ياريتها طلعت مدلعة زيها مكنتش اتكسرت وسط أهلي ما ما أنا مكسور دلوقت 


تابع بمرارة وقال 

- والله يا عمي ما عارف ارفع عيني في عين اخويا بسببها ضرب ابنه الراجل قدمنا عشان يراضي بنتي وطلع في الآخر بنتي الغلطانة 


دام الصمت لثوانٍ معدودة، تنحنح " ريان" وقال بهدوء 

- خلاص يا عابد سبها يومين ترتاح فيهم وأنـ 


رد " عابد" مقاطعًا بنبرة لا تقبل النقاش بطريقة استفزت مشاعر " ريان" تجاه حفيدته حين قال 

- البت دي مش هتدخل بيتنا تاني، اللي زي دي مستحيل تتجمع تاني معانا، حد الله بينهم وبينها لا تقابلهم ولا تكلمهم واللي يتعامل معاها يقاطعني ليوم الدين، البت دي مستحيل تتدخل البيت تاني 


رد " ريان" بغضب جم فشل في السيطرة عليه 

- ما خلاص يا عابد هي يعني كانت هتتدخل بيت الأمة مالك مش طايق للبت كلمة ليه، عمال اطيب وادلع وأنت نازل سلخ في البت وبتطردها من البيت كأنك طاردها من الجنة يا أخي أنت مش عاوزاها حضني مفتوح لها واللي بيرزقها ربنا يا عم 


وقف " عابد" وقال بنبرة ساخرة 

- يبقى اشرب بقى يا عمي ومترجعش تشتكي 

عن أذنكم 


عابد استنى يا عابد 


 ناداته " جميلة" مرارًا محاولة أن تستوقفه لكنه لم يُلبى ندائها، لكزها " ريان" وقال بغيطٍ شديد

- سيبك منه طول عمره غبي و متسرع 

- زودتها معاه يا ريان بردو بعد اللي حكاه دا كله ولسه بتدافع عنها، بنته غلطانة 

- أنا بنتي مبتغلطش وهما اللي مستفزين 

- خلاص بقى نقفل على الموضوع وياريتك تبطل عصبية شوية وخلينا نشوف هنعمل إيه مع البنت 

- هي راحت فين ؟ 

- طلعت تنام 


نظرت " جميلة" لزوجها وقالت بنبرة متعجبة 

- أنا مستغربة من رد فعلها 


بادلها ذات النظرة وراح يقول بعدم فهم 

- يعني إيه ؟ 

- البت طلعت فوق كأنها جاية مشوار سفر تعبانة وهلكانة 

- يمكن عشان اللي حصل عندهم ؟ 

- جايز !


❈-❈-❈


بعد عيد الفطر بأسبوع


كانت تسير في حديقة المنزل حافية القدمين 

تنظر حولها بمللٍ ثم تعود ببصرها إلى المغطس 

جلست على الارض الخضراء، التقطت هاتفها تراقصت أناملها على لوحة المفاتيح، رفعت هاتفها على أذنها في انتظار الرد من الجهة الأخرى .


قام " ريان" بفتح سماعة الأذن ليصدح صوتها في المكان وقال بلهفة 

- أنتِ يا رُبى ؟! 

- أنا في الشالية في الساحل يا جدو أنت فين اتأخرت اوي 


أشار " سلطان" بأن يتابع حديثه كأن شيئًا لم يكن تنحنح وقال 

- معلش يا روحي اصل طلع لي مشوار مهم 

- اهم مني ؟!

- لأ ياقلبي مافيش أهم منك قولي لي أنتِ هناك من امتى ؟ 

- لسه واصلة من ساعة 

- خلاص يا رُبى خليكِ هناك انا جاية حالًا اوعي تتحركِ  

- حاضر يلا باي بقى 


نظر " ريان" لـ " سلطان" وراح يقول بنبرة حائرة ممزوجة قهرٍ لما آلت إليه 

- ها تجنن يا سلطان، بقالها يومين معرفش عنها حاجة ودلوقتي فتحت تليفونها وبتقول إنها لسه واصلة الساحل 


حرك رأسه وقال بضيقٍ 

- قلت من زمان إن رُبى فيها حاجة مش طبيعة، احنا لازم نتحرك بسرعة رُبى ممكن تأذي نفسها 


مال " ريان" بجذعه قليلًا للأمام وحدث حفيده قائلا برجاء 

- بسرعة يا ساجد بسرعة الله يرضي عليك 


نظر " ساجد " لصورة جده المنعكسة في المرآة وراح يقول بهدوء

- اهدأ يا جدو اهدأ و إن شاء الله نلحقها احنا خلاص قربنا نوصل الشاليه 


بعد مرور عشر دقائق 


وصلا إلى منزله بالساحل، ولج وخلفه " سلطان" الذي طلب منه التحلي بالهدوء والصبر والتعامل بشكلٍ طبيعي، هرولت نحوه ما أن رأته احتضنته بقوةً ثم قالت 

- جدو وحشتني قوي 


ضمها لصدره بقوةً كاد أن يع بين أضلعه، خرجت من حضنه وصافحة "سلطان " عاتبته ثم تسائلت عن عائلتها رد بهدوء قائلا 

- كلهم بخير ياروحي تعالي ندخل جوا بقى احسن الطريق كان طويل قوي 


استوقفته قائلة بتذكر 

- استنى بس قل لي هو نوح ومراد وتيم والشباب كلهم حتى البنات قافلين حساباتهم ليه ؟ 

- مين قال لك إنهم قافلين حساباتهم ؟! 

- كل ما بحاول اكلم صبا مش راضي يجمع معايا ونفس الموضوع في ولاد عمي وعماتي ؟! 


احتوى خدها قائلا بحزنٍ دفين 

- رُبى أنتِ جيتي هنا ازاي ؟ 


رفعت كتفيها وقالت بنبرة صادقة 

- مش عارفة ولا فاكرة أنا فجأة لقيت نفسي هنا بعد ما اتفقت مع جدو إننا هنقضي العيد 

قال لي هنروح قبل العيد بأسبوع يكون خلص هو كل شغله 


نظر " سلطان" لـ جدها الذي أومأ برأسه علامة النفي لينفي ما قالته حفيدته، عاد ببصره وقال 

- صحيح بتكلمي عابد اصله مش بيرد عليا 

- تصدق كنت لسه هسألك عنه أنا كمان هو وماما والعيلة كلها مش عارفة اوصلها نهائي 


تابعت بتذكر قائلة 

- تعالوا بقى نذخل نحضر الفطار احسن المغرب قربت تأذن وبعدها نخرج 


بلع " ساجد" لعابه وقال بحزنٍ لما آلت إليه 

تلك المسكينة 

- رُبى الظهر لسه مأذن من ساعة تقريبا 


وقف " ريان" مقابلتها احتضن كفيها بين راحتيه وراح يقول بصوتٍ مختنق 

- رُبى حبيبة قلب جدو بتثق في صح ؟


نظرت له لتعرف ما سبب تلك ال موع المتكومة في عيناه، أومأت برأسها علامة الإيجاب دون أدنى تفكير، نظر لها وقال 

- تعالي معايا يا رُبى 

- هنروح فين ؟ 

- مكان هادي وجميل ترتاحي في 

- بس أنا مش تعبان 

- بس أنا تعبان يا رُبى عشان خاطري اسمعي كلامي وصدقيني هاروزك ومش هاسيبك 


نظر " ساجد" إلى" سلطان" وقال بنبرة حزينة 

- هي حالتها متأخرة ؟ 

- للاسف يا ساجد مش انا اللي اقدر احدد دا 

بس الاهم دلوقتي إنها تكون تحت رعاية لأن حالتها ممكن تتدهور وتقتـ ل روحها أو تأذي نفسها 

- طبعًا مش محتاج يا عمي اعرفك إن اللي حصل دا يكون سر و 

- عيب يا ساجد لو مكنتش قد الثقة مكنش جدك كلمني أول واحد.


تم وضعها داخل مصحة نفسية وعصبية، بدأت الإجراءت بشكلٍ سري، كان " سلطان" معهم خطوةً بخطوة ظل يتابع مراحل علاجها حتى 

أتى موعد سفره، كانت الحياة في بادئ الأمر 

غاية الصعوبة على عائلة الانصاري أما عائلة المحمدي فهي لا تعرف عن ابنتهم شيئا منذ ذاك اليوم الذي خرجت فيه من المنزل.


❈-❈-❈


عودة إلى الوقت الحاضر 


كان " ريان" جالسًا في غرفة مكتب مدير المصحة يستمع جيدًا لتعليماته، حتى أتى الطبيب المعالج وقال بهدوء 

- رُبى كانت مريضة بحالة انفصام في الشخصية، ستر ربنا إنكم ثدرتوا تكتشفوا دا بدري صحيح مكنش بدري قوي بس خلينا نقول إن لو كنا اتاخرنا عن كدا كان ممكن 

تقتـ ل حد فعلًا، رُبى قدرت تنسج احداث في عقلها الباطن من خلال الجلسات لاقيتها شخصية متناقضة كانت مرة تكلمني بطريقة هادية وناعمة ومرة تانية شرسة متمردة قوية 

رُبى للأسف الشديد كانت بتعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ودا تقريبا حصل لها بسبب صدمة عاطفية مرت بيها في حياتها، بدا معاها بإكتئاب بعدها الموضوع تدهور بدون ما تشعر وبدأت تعيش حياتها بشخصية متناقضة تمام مع الشخصية الحقيقة.


نظر له " ريان " وقال بهدوء 

- طب هي دلوقت إيه اخبارها يعني هي بقالها سنة في المصحة مش شايف حضرتك إن دا كتير قوي عليها 


رد الطبيب المعالج وقال 

- في الحقيقة أنا شايف إن دا بيرجع لحسب الحالة وسرعة استجابتها للعلاج، رُبى دلوقتي 

هتظهر للناس بشكل تاني خالص اللي اتعامل معاها مش هيصدق اساسًا إن دي هي كانت نفس البنت من سنة تقريبا 


تنهد الطبيب وقال 

- رُبى تقريبا خلصت علاجها بس هتفضل مستمرة على الجلسات لفترة بردو لحد ما نتأكد إن كل حاجة تمام 


رفع سبابته وقال 

- نصيحة مني بلاش نفتح اي ملفات قديمة لأنها مش فاكرة نهائي إنها عملت دا 


أضاف بتذكر 

- طول فترة علاجها حاجة وبس اللي فاكرها 

وهي أهلها وعيلتها هي مش عارفة إيه السبب اللي خلاهم بعدوا عنها، ولا قادرة تفتكر ياريت يا ريان باشا تحاول تمنع أي حد يفتح أي حاجة قديمة ممكن يخليها تنتكس تاني 


وقف " ريان" عن مقعده وقال بهدوء 

- متقلقش يا دكتور عيلتها مسافرة ومش ناوين يرجعوا تاني تقريبًا كدا هاجروا 


ختم " ريان " وقال بإمتنان 

- أنا متشكر جدًا لحضرتك، أنا تعبتك معايا 

- دا واجبي يا ريان باشا، ربنا يحفظها لك انا اتشرفت بمعرفتك .


داخل سيارة " ريان الأنصاري " 

كانت شاردة الذهن، تستند بظهر يدها أسفل ذقنها تشاهد البنايات، وأخيرًا غادرت منزلها الكئيب الذي مكثت به أشهر طويلة، كانت وحيدة لا يأتي إليها أحدًا سوى جدها، جدتها، وساجد بن خالها ادهم، على الرغم أنهم لم يتحدثوا أمامها بأنها كانت مصابة بمرض نفسي لا دخل لها فيه، لكنها علمت بكل شئ 

كانت حزينة على حالها الذي آلت إليه، مالذي فعلته بحالها لماذا تتقمص دورًا غير دورها وحياً غير حياتها، تشتاق لوالدها والدتها عائلتها، ولكن يجب عليها غلق بابهم للأبد فهي تتحمل أن يعرفون عنها أنها قاسية لكن لا تتحمل نظرة عطفٍ وشفقة من أحدهم .


وصلت إلى بيت جدها أخيرًا وسط احتفالًا صغير مقتصرًا على جدتها فقط، ضمتها لحضنها اخرجتها احتوت خديها بين كفيها وقالت بحنو وحب 

- نورتي بيتك ياعمري نورتي الدنيا كلها يا روبي 


رد " ريان" وقال بجدية مصطنعة 

- خلاص بقى إنتوا بتحبوا النكد كدا ليه، ولا أنتِ عاوزة تهربي من الغدا يا جيجي.


ردت " جميلة" ضاحكة وقالت 

- احلى غدا لعيون روبي قلب تيتا 

- طب وجدها ينفع يتغدا ولا مهمته خلصت على كدا ؟! 


انحاذت محتضنة جسد حفيدتها وقالت بإبتسامة خفيفة 

- إيه رأيك يا روبي نخلي يتغدا ويغسل المواعين 


تركتها " رُبى" وسارت تجاه سلالم الدرج، صعدته بهدوءٍ وحذر وكأنها عجوز لا تستطيع الحراك، ولجت غرفتها مدد جسدها على حافة الفراش وتركت لعيناها العنان، تعال صوت نحيبها هرعت إليها جدتها جذبتها لحضنها مسدت على جسدها بحنو وحب ثم قالت 

- والله ما حد هيعرف حتى أمك، أنا امك وابوكِ وعيلتك سيبك منهم كلهم 


رفعت ذقنها لتتقابل عيناها بخاصتها الممتلئ بالدموع وقالت 

- أنتِ قوية وهتعديها احنا ياما جت علينا مواقف صعبة والحمد لله عدينها، امسحي دموعك وعيشي حياتك كأن اللي دا محصلش 


لاحت إبتسامة ساخرة وهي ترد عليها بمرارة قائلة 

- حاضر هدوس على زرار النسيان وانسى اللي حصل لي حاضر ....


يتبع