الفصل السادس - اسكن انت وزو جـك
الفصل السادس
انعم الله علينا بنعم لا تعد ولا تحصى
فجميع النعم تبدأ بأقوى حالتها وتضعف مع مرور الزمن
الا النسيان ،،،
يبدأ ضعيفاً فيكبر بداخلنا شيئاً فيشئاً .
❈-❈-❈
بعد يومان
يقف سكان البلدة جميعهم لاستقبال جثـ ـــمان الشهيد عبد الرحمن الجابري .
وصل جثـ ــمان الشهيد وسط حشد عسكرى ضخم ... نزل زين من السيارة الحاملة لتابوت جثـ ــمان شقيقه .
ترجل وسط زحام وتكدس بشري رهيب ... يخطى كالورقة في مهب الرياح دون اي ذرة حياة ... لو رآهُ صخراً لبكى وتفتت من اجله ... اتجه بعض الرجال لحمل التابوت ومعهم زين يحمل جهة اليمين ويخطى وسط هذا الجمع الرهيب وعقله لا يرى ولا يسمع سوى صوت شقيقه وصورته ...
وصل امام مقابر العائلة حيث تنتظره رابحة وخلفها جميع نساء البلد ... رفعت نظرها اليه ونظرت للتابوت نظرة مودعة معذبة صامتة وحارقة لروحها التى وبرغم احتراقها تقف كالمتمثال ... بينما تعالت من خلفها اصوات الصراخ والعويل فأردفت بنبرة قوية برغم انشقاق روحها واحتراق قلبها _ اكتمى يا حرمة منك ليهاااا ... الليلة زفة ولدى .
صمتن لثوانى ثم انقلب الصراخ الى اصوات زغاريط وكأنه فرح الا من شهد التى تساندنها سيدتان ... منهارة هي رأسها متدلية تبكى بحرقة وصمت ... اما زين فتقدم مع الرجال حتى دلف فناء القبر ... نظر في فتحة المقبرة وقد ظهرت دموعه ( ليتنى استطيع الرقود هنا مكانك وتعود انت معهم مكانى يا ابن اخيك ) ...
تقدم ودلف فيها وبدأوا الرجال يخرجون جثمان الشهيد من تابوته ويناولونه فسحبه اليه وانحنى يدنو منه وينام عليه بصمت تام الا من عيناه الباكية ... حاولت الرجال سحبه ولكنه اصبح جماد وهو يعانق شقيقه ويعلم انها آخر مرة سيعانقه .
همس في اذن شقيقه بقلبٍ ممزق وصــ ــدرٍ مكتوم مقهور _ عتوحشنى جوووي يا عبد الرحمن ..
قبل جبهته وابتعدت مجبراً بعدما زاد سحب الرجال له بينما تقف رابحة تتابع بجسد يدعى الصلابة وعيون جاحظة مثبتة على جثمان فقيدها .
اما في ذلك الركن المنزوى فتقف تلك التى تنظر حولها بذهول وكأنها داخل احدى الكوابيس المزعجة ... تحتمى بجسد والدها الذى يعانقها بحماية ويبكى حزناً على زوج ابنته التى لم يتزوجها بعد ... تقف تبكى بصمتٍ تام من خلف نقابها وهى تراهم يبدأون باغلاق باب المقبرة عليه ... لحظات بين الحقيقة والذهول ... اصبح الكابوس واقع مرير ... استشهد عبد الرحمن مدافعاً عن ارضه وصامداً امام خسة وخيانة عدوٍ غادر كان جزاؤه القتل وجهنم خالداً فيها اما ذلك الشهيد فجزاؤه الجنة ونعم ذلك مصيراً حيث الحور العين والؤلؤ المكنون والنعيم دون حزن او تعب .
بعد عدة دقائق انتهى الدفن وبدأ الجميع ينسحب بهدوء ... اما زين فيجلس على ركبتيه امام قبر شقيقه رأسه متدلية للاسفل ... دُفن للتو ظهره الذى يستند عليه ... لا طاقة له ولا حيل للوقوف ... كان يقف حوله رجال العائلة واعمامه واولاد العم وعلى الجهو الاخرى تقف رابحة وخلفها النساء ..
اتجه اليه عمه احمد الذى يبكى وهو يربت على كتفه بحنو مردفاً _ قوم يا زين !.
سكون لثوانى قبل ان يهتز كتفه بقوة دليل على بكاؤه وانهياره ... حاول عمه ايقافه ولكن لم ينجح ... كانت عيون الجميع مسلطة عليه ... اتجهت اليه رابحة التى هزته بقوة واردفت بصلابة معهودة وجمود _ جوم يا ولد الجابري واسند طولك واوعاك تبكى كيف الحريم ... وجف أكدة وافرح لاخوك يا زين الرجال ... الليلة زفة ولدى وفرحته ... ولزماً نعمله ليلة كبيرة ... جولت جوم عاااااد .
كانت تهز جسده بقوة وهو يهتز معها كالورقة بينما تقف مهرة تتابع من بعيد بذهول وتعجب وبكاء لم يتوقف ..
توقف زين بصعوبة ورفع نظره لوالدته التى طالعته بعيون قوية تردف بثبات امام عيون الجميع _ اوعاك مرة تانية تبكى يا ولد الجابري ... مد جدامى .
تحركت واجبرت الجميع على التحرك خلفها بينما وقف احمد ينتظر زين ليستعيد بعضٍ من قوته .
خلا المكان من الجميع عادا احمد وزين وابراهيم ومهرة التى اخبرته ان ينتظر ..
اردف احمد بهمس _ يالا يا زين .... يالا يا بنى مالوش لزوم القعدة هنا دلوقتى .
رفع زين نظره ببطء وكاد ان يتحرك ولكن التقت عيناه بعيناها التى تطالعه بترقب ... طالعها لثوانى بعمق قبل ان يزيح انظاره ويغادر مع عمه تاركاً خلفه جرحٍ غائر صعب التئامه .
اما هى فتقدمت بخطى بطيئة تقف امام المقبرة ووالدها معها يساندها ... نظرت للقبر بعمق وزاد بكاؤها الصامت فربت والدها على كتفيها يردف بحزن وهدوء _ تعى مهرة ... ما بيصير نضل هون .
اومأت برأسٍ ثقيلة واردفت بعمق ودموع مودعة _ مع السلامة عبد الرحمن ... نام بسلام بجنتك ... مع السلامة يا اطيب حدا عرفته .
تحركت بخطى بطيئة مع والدها وغادرا المكان هما ايضاً كالجميع .
❈-❈-❈
في منزل عزيز بعدما عاد هو زوجته من الجنازة .
دلفا منزلهما فجاءت اليهما عليا تردف بحزن وترقب _ عملتوا ايه يا بابا !!
اردف عزيز بهدوء وهو يجلس _ عملنا ايه في ايه !!! ... حضرنا الجنازة زينا زى الاغراب ومحدش عبِرنا ..
تنهدت تتسائل بترقب _ طب وزين ! ... كيفو !
رفع نظره يطالعها ويردف بترقب _ عيكون كيفو يعنى يا مخبولة انتِ !! ... وعتسألي عليه ليه !! ... ابعدى عن نفوخى السعادى انى مش ناجصك .
زفرت بضجر بينما تسائلت والدتها بترقب _ خيتك عاملة ايه دلوك !!
تنهد تردف بهدوء _ عتجوم مفزوعة وتنام تانى ... لولا المهدأ اللى الدكتور كتبهولها يوم الخبر الشوم ده كان زمانها جالبة البيت نويح .
نظرت لها بغضب واردفت _ اكتمى يابت متجوليش على اختك اكدة ... انتِ خابرة زين انها كانت عتحبه جوي .
لوت فمها تردف بتهكم _ عتحبه كيف بعد ما راح كتب كتابه على واحدة غيرها !! ... مش يمكن لو كان اتجوز اختى مكانِش حصله اكدة ... دى وشها شوم عليه .
نظرت لها والدتها بضيق واردفت بقلة حيلة _ استغفر الله العظيم ... عتخالفي الجدر يا بت عزيز !! .
لفت نظرها للجهة الاخرى بضيق تفكر في طريقة تستعيد بها زين اليها فعادل اغلق عليها جميع الطرق منذ ذلك اليوم ولم تستطع الوصول اليه بعدها لذلك ستحاول استرجاع زين بأي طريقة .
اما في الاعلى فتنام اسماء على فراشها لا حول لها ولا قوة ... فمذ ان وصلها الخبر وقد سقطت فاقدة للوعى وبعد محاولات من اهلها استعادت وعيها ولكنها دلفت في نوبة بكاء وصدمة فاضطر والدها لاحضار طبيب لها وبعد فحصه تبين انها تعانى من صدمة عصبية ودوّن لها مهدئ وبعض الادوية وها هى تعيش عليها مع القليل من السوائل .
❈-❈-❈
مساءاً في قصر الجابرى
تجمع اهل البلدة جميعهم داخل القصر ولم يقتصر على ذلك بل جاء ايضاً غرباء واقارب من البلاد المجاورة والغير مجاورة .
جاء ايضاً عادل المنصورى يجلس مطأطأً الرأس بخجل وحزن .
كانت الاضواء لافتة فمن يراها يظنه فرح وليس عزاء وهذا بناءاً على رغبة رابحة .
بينما تقفن النساء في مطبخ القصر تعدن مائدة العزاء .
اما في الاعلى فتجلس في غرفتها شهد التى لم تتوقف لحظة عن البكاء وهى تعانق صورة شقيقها وتتكور على فراشها بوجع اصاب روحها ... ألم رأسها لا يحتمل من شدة البكاء ولكنها لم تتوقف .
في الغرفة المجاورة او بمعنى ادق في الجناح الخاص بعبد الرحمن يجلس زين في ظلام دامس على ارضية المكان ويستند على الفراش من خلفه ويحتضن رأسه بين قدميه بصمتٍ تام وكأنه طفلٍ صغير ضل طريقه وجلس يبكى .
انفتح باب الجناح وظهرت رابحة بهيأتها ثم اندفعت للداخل بعدما اشعلت ضوء الغرفة وتوقفت امام زين ثم انحنت تمد يدها وتوقفه بقوة فتوقف معها يطالعها بعيون حمراء فنظرت له بجمود وغضب مردفة بقوة _ الكَبير كبير حتى في حزنه ... أكدة الضباع هتكتر حواليك وتنهش لحمك حي ... جاعد تبكى كيف الحريم والجصر مليان خلج ربعهم جاي يعزى والباجى جاي شمتان ... عايزهم يجولوا كبير عيلة الجابري جاعد فوج يولول وسايب الرجالة ! .
نظر لها بحزن وقهر يردف بضعف _ مجادرش ياماي ... مجادرش اجعد وسطهم من غير اخوووي .
اردفت بحدة وجمود برغم احتراقها _ لزما تجدر ... اخوك ما ماتِش ... اخوك استشهد وهو عيدافع عن عرضه وارضه ... عاش راجل ومات راجل وانت لازم ترفع راسك ومتحنيهاش واصل ... يالاااا غسل وشك وامشي جدامى .
تحرك معها بالفعل واتجه لجناحه ليبدل ثيابه وبعد دقائق نزل الدرج يدعى الثبات مثلما اخبرته هى واتجه خارجاً ليستقبل الرجال مع عمه احمد الذى يجلس حزين الملامح بجواز ابنه معتز .
لمح من وسط الجموع هذا الخائن فتحرك باتجاهُ مسرعاً بجمود وغضب واردف بصوت مكتوب يضغط على فكيه بقوة _ غور من أهنة ومتلوثش عزا اخوي بوجودك فيه .
توقف عادل يطالعه بخزى وحزن واردف بهدوء _ البقاء لله يا زين .
باغته بنظرة قوية كارهة يردف بغضب وفحيح _ جولت غور من أهنة ومتختبرش صبري عليك وسط الخلج .
تنهد عادل واومأ بصمت وبالفعل غادر تحت انظار عزيز المتفصحة وبعد المتصيدين لافعال زين الجابري .
في الداخل تجلس رابحة وسط النساء الذين يطالعونها بترقب ويتناجون بخبث بينهن على قوتها وتماسكها مدعيين عدم حزنها ...
بينما تجلس زوجة احمد وتجاورها ابنتها بملامح حزينة لاثنانهما وامامها تجلس زوجة عزيزة مطأطأة الراسِ ايضاً وحولهما الكثيرات من نساء البلد .
وقفت رابحة بصلابة وخطت تتجه لغرفتها ... دلفت واغلقت خلفها وتوقفت عند باب غرفتها تنظر للامام بعمق ... اغمضت عيناها لدقيقة ثم تحركت الى المرحاض الملحق وتوقفت امام المرآة العلوية لحوض المياة ... فتحت احدى الادراج المعلقة جانباً وتناولت منه مقص ثم كشفت حجابها حالك السواد والايشارب من تحته ونظرت للمرآة بقوة ثم حررت شعرها الاسود الطويل والغزير من ربطته ونظرت مجدداً لهيأتها ثم مسكت خصلاتها وقامت بقصها بطريقة عشوائية .
قصت وقصت الا ان تناثر الشعر وملأ ارضية المكان ... نظرت لنفسها مجدداً وقد اختلف شكلها تماماً ... رفعت كفها وكورت قبضتها تلكم يسارها بقوة مردفة بقهر ظهر في عيناها وكأنها تتحدث مع النار التى في صـ ــدرها _ انطفى بجى ... انطفى ولدك مات شهيد ..
تنفست بعمق وقوة تحاول استعادة ثباتها ثم عادت تربط الايشارب والحجاب الاسود ودنت تلملم خصلاتها ووضعتها في كيس بلاستيكي ثم دثرتهم مع المقص في نفس الدرج ..
بللت وجهها بالقليل من الماء وجففته وولجت عائدة للخارج بصلابة ظاهرية .
❈-❈-❈
بعد مرور ثلاثة اشهر
سعت رابحة جاهدة ان تدفن حزن زين في قلبه وان لا يظهر ضعفه امام احد بعدما رأت انكساره وحزنه على شقيقه ونحجت في ذلك وقد اصبح اشد قسوة وصلابة امام الجميع حتى ان عمه عزيز اصبح يخشى غضبه لذلك ترك امر ابنته الذى انهاه زين بالطلاق دون رجعة بعدها بعدة ايام وبسبب استشهاد عبد الرحمن لم يتحدث عن امره الكثير .
اما هى فليست بحاجة اكتساب جمود او تجبر اكثر من ذلك فهى رابحة الجابري المعهودة بجبروتها وقسوتها مع الجميع ..
في شركة زين الجابرى
❈-❈-❈
يجلس خلف مكتبه يتطلع على حاسوبه بترقب وتمعن ويجلس امامه المحاسب والمحامى الخاص بالشركة .
اردف زين بجمود وابتسامة خبيثة فأخيراً تحقق مخططه منذ أشهر _ يعنى اكدة الموظفين في فرع الشركة اللى في القاهرة مشايفينش شغلهم زين !! ... يبجى نفضها خالص الشراكة دي ونشوف مستثمر يشترى اسهم عادل المنصورى ... ولا انتوا رأيكوا أيه !!.
اومأ الرجال مؤيدان لقراره يردفان _ اللى تشوفه يا زين بيه .
تنهد بارتياح بينما رن هاتف مكتبه فرفع السماعة يجيب بترقب _ خير !
اردفت السكرتيرة بترقب _ زين به ... الاستاذ نبيل العشري محامى والدك الله يرحمه ع الخط وعايز يكلم حضرتك .
تعجب زين وشرد لثوانى ثم اشار بيده للرجلين ان يغادرا وبالفعل خرجا فاردف هو _ حولهولي .
اردف المحامى بعد ثانية عبر الخط _ مساء الخير يا زين بيه .
اومأ زين يردف بثبات _ اهلا يا استاذ نبيل ... خير حُصل حاجة ولا ايه !!
تنهد المحامى واردف _ بصراحة ايوة ... فيه موضوع مهم بخصوص الشهيد عبد الرحمن رحمة الله عليه .
نغزة اصابت قلبه لثوانى ثم تنهد بعمق واردف بنبرة مؤثرة وتعجب _ خير يا استاذ نبيل ... اني سامعك جول اللى عندك !.
زفر نبيل يردف بترقب _ اني أسف بس لازماً اللى هجوله يكون جدام الست الوالدة ... انا جولت اكلمك اعرف من حضرتك موعد مناسب اكون فيه عنديكوا ف الجصر .
ضيق زين عيناه واردف بترقب _ تمام يا استاذ نبيل ... على الساعة سابعة هنكون في انتظارك .
اردف المحامى بقبول _ تمام ... هكون موجود ف المعاد .
اغلق معه وجلس ينظر للامام بشرود ... ماذا يمكن ان يكون ... يعلم ان شقيقه له ميراث خاص به من والده كان قد سجله باسمه ومنذ استشهاده وهو لم يهتم بأمر الميراث ولا يفكر به ... هل هذا هو الامر !! ... ام هناك شيئاً آخر !.
زفر بقوة والتفت يكمل ما امامه ليعود سريعاً الى البيت ويعلم ما الامر ...تذكر شيئاً فتناول هاتفه وهاتف والدته يخبرها بأمر المحامى .
❈-❈-❈
فى منزل عزيز
تجلس زوجته امامه تحاول اقناعه بأمر ما مردفة _ وفيها ايه يعنى يا عزيز ! ... ما ربنا خلج الطب والدوا ... وبتك محتاجة مساعدة والا حالتها هتسوج عن اكدة ... خلينا نوديها لدكتور نفسي يساعدها ومعنجولِش لحد واصل ... جولت ايه !!
نظر لها بجمود واردف بضيق _ عايزة الخلج يجولوا عنينا بت عزيز اتجننت !! ... عشق ايه وكلام فارغ ايه اللى يعمل فيها أكدة !! ..
اردفت بتروى _ مش بيدها يا عزيز ... كانت عتحبه وانجهرت على موته ... حلفتك بالله ما تجول لع ... وافج وانى هاخدها من غير ما حد يعرف .
تنهد بعمق وطالعها لثوانى ثم التفت للجهة الاخرى يفكر ثم توقف واردف قبل ان يغادر _ اعملوا اللى انتوا رايدينه ... انى ماليش صالح .
غادر وتركها تزفر براحة بينما نزلت عليا تردف بترقب _ اجنعتيه ياماما !! ... انى كنت متأكدة انك هتجنعيه ... أكدة صُح لان اسماء بجت حالتها واعرة جوى ... لازم دكتور يساعدها جبل ما تتجنن .
نظرت لها والدتها بغضب واردفت بتحذير _ اسمعى يابت انتِ ... لسانك ده لو ما اتعدلش انى هجتعهولك ... انتِ سامعة انى جولت ايه !! ... بطلي ف الطالعة والنازلة تجولي حديت يسم البدن على خيتك .
وقفت تغادر الى مطبخها بينما جلست عليا تلوى فمها بحنق وتخرج هاتفها تتفحصه بترقب لترى هل جاءتها رسائل جديدة من هذه المحادثة الجماعية التى تضم شباب وبنات من مختلف البلدان .
❈-❈-❈
في منزل مهرة
تجلس بملامح ذابلة وجسد هذيل ... منذ وفاة عبد الرحمن وهى لم تأكل الا قليلاً ودلفت في حالة اكتئاب ولولا ايمانها بالله وثقتها في رحمته لكانت الان تعانى من امورٍ سيئة .
تعترف انها لم تعشقه ولكن يكفي ان وجوده كان يشعرها بالامان والحنو ...
كان وجوده مرهم لجروحها التى عانتها في الماضي ... تفتقده بشده وتفتقد كل ما عاشته معه .
حتى عائشة ووالدها عانوا من فقدانه ...
تجلس تتابع الجريدة بعينان متفحصتان تبحث عن عمل مناسب .
جاء ابراهيم من الخارج ودلف يلقى السلام فرحبت به ووقفت تستقبله بحنو فبادلها بعناق واردف بترقب _ شو كنتِ عم تعملي !!
تنهدت بعمق واردفت وهى تشير على الجريدة _ ولا شى ... كنت عم ادور عن شغل ... بس كالعادة مافي شى مناسب .
تنهد وطالعها بشرود ثم اتجه يجلس على الاريكة بجوارها مردفاً _ انا كان بدى اسألك عن شى مهرة !
ترقبت واردرفت متسائلة بهدوء _ شو بابا ... اتفضل !!
زفر واردف بهدوء _ الارض يللي كتبهالك عبدالرحمن ... شو رح تساوى فيها .
تنهدت ونظرت للامام تردف بثبات _ رح ارجعها لاهله بابا ... مافيني اقبل بهيك شي ... بعرف من وقت موته ما حدا سأل ولا اتكلم معنا بس انا مافيني اقبلها ... رح فوت ع الشركة تبع زين اخوه بكرة الصبح ورح اعيد اوراقها يللي معى ... انا ما بدى اي شي من هالعيلة
طالعها بترقب قليلاً ثم اردف _ مو يمكن تركوها ألك بنتى !! ... بلكى عبد الرحمن قالهن قبل ما يستشهد انه هالارض الك ... لهيك ما سالوا !
هزت رأسها واردفت بشك وتمعن _لا بابا ... ما بعتئد ... وحتى لو هيك انا مافيني اقبلها ... انا حتى ما صرت مرته ... لا ما بقبل بنوب ... رح اردها بس كنت عم انتظر لحتى يمرء شوية وئت لانوا بعرف ان الوضع صعب عليهن كتير .
اومأ بتفهم يردف مؤيداً _ خلص حبيبتى ... ساوى يللي بيريحك .
اومأت تفكر بشرود قليلاً ثم توقفت واردفت وهى تخطى _ رح فوت احضر الغدا .
اومأ ابراهيم ونادا على ابنته عائشة التى تجلس تتابع دروسها في غرفتها .
❈-❈-❈
مساءاً يجلس زين وتجاوره رابحة في ضيافة المحامى الذى جاء لتوه .
اردفت رابحة بقوة وصلابة _ خير يا استاذ نبيل !!
تنهد بتوتر واردف بهدوء _ طبعا حضرتك عارفة ان عبد الرحمن بيه كان ليه اراضي من والده الله يرحمه كتبهم في وصيته زى ما عمل مع زين وشهد ده غير ميراثهم الشرعي ... والمرحوم عبد الرحمن كان كاتب كتابه زي ما حضراتكم عارفين واكيد ليها ميراث شرعي !
اردفت رابحة بحدة وجمود وكره _ ملهاش عندينا مليم واحد ... معتاخدش جنيه واحد من عيلة الجابري ... دي كت جوازة شوم ملعونة ... واعلى ماخيلها تركبه ... بعد استشهاد عبد الرحمن ولدى املاكه عتتحول لاخواته وليا .
طالعها المحامى بقلق ثم اردف بترقب _ تمام يا حاجة رابحة بس عبد الرحمن بيه جبل موته بحوالي اسبوع جه عندى المكتب هو والانسة مهرة ... واهداها جطعة ارض كبيرة في الجزء الغربي من اراضي العيلة ... وطبعا هو طلب منى الموضوع يبجى بيني وبينه ... بس للاسف معينفعش يبجى سرى اكتر من كدة خصوصاً بعد وفاته لان طبيعي عتعرفوا ... انا حاولت انتظر الوجت المناسب لاجل ما ابلغكوا ..
تصنم جسد زين بصدمة بينما انتفضت رابحة تقف وتردف بغضب وجمود _ انت عتجول ايه يا راجل انت !! ... اتجننت ولا ايه !! ... ارض ايه اللى ابنى اتنازل عنيها !!! ... ده حديت واعر وعتتحاسب عليه .
وقف زين يردف بحدة مماثلة _ عتجول ان اخوي اهداها ارض !!! ... اخوي ميعملش اكدة ولو عمل كان جالّي ... ده ملعوب بينك وبينها .
وقف المحامى على حاله وترك ملفاً على الطاولة يردف بنبرة عملية _ انى كنت متأكد ان الحوار هيكون أكدة ... علشان أكدة جبت معايا نسخة من العجد اللى عليه توجيع عبد الرحمن وطبعا مسجل في الشهر العجارى والاوراق كلها جانونية تجدروا بكل بساطة تتاكدوا منيها ... عن اذنكوا .
غادر المحامى وتركهما في صدمتهما وغضبهما الحاد .
اردفت رابحة بغضب وتوعد _ لاه ... ولدى معيعملش اكدة واصل ... ليه هيتنازلها عن ارضنا !!! ... اكيد الحرباية دى سحرتله .... انى هعرفها مجامها صُح اللى لا ليها اهل ولا ليها بلد دي .
كادت تتحرك فاوقفها زين يردف بجمود _ وجفي يا اماااي .
توقفت تطالعه بغضب فاتجه يتناول الملف ويفحصه بعيون ثاقبة لثوانى ثم نظر لوالدته واردف بغضب _ الاوراج صحيحة والتوجيع لاخوي صُح ..
ثارت تدور وتردف بغضب _ جصدك ايييه !! ... انه اتنازلها عن ارضنا !! ... ارض الجابري ! ... على جثتى لو ده حُصل ... البت دى اكيد لعبت عليه ولا سحرتله لحد ما اتنازلها عن ارضه ... بس انى معسمحلهاش تاخد شبر واحد من اراضي الجابري .
تحركت فاوقفها زين بيده يردف بجمود وغضب وتوعد _ وجفي ياما انتِ ... انى اللى عرجع ارضنا ... محدش هيرجعها غيري .
رفعت كفها تضعه على كتف زين وتطالعه بقوة مردفة بغضب _ صُح يا ولدى ... انت اللى عترجع ارضنا اللى اخوك فرط فيها ... روح يا زين الرجال وطفى نارى ... روح عرف الغريبة وجه البوم دى مجامها صُح .
تنفس بقوة وتوعد وخطى للخارج يستقل سيارته ويقود متوعداً .
❈-❈-❈
قاد بسرعة وغضب الى منزلها ... يفكر كيف التفتت حول شقيقه كالافعى لتنفذ مخططها ... سوف يستعمل معها اسلوباً جديداً عليه ليخيفها ... سيهددها ومؤكد انها لا تعلم القوانين جيداً وستخاف وتتنازل ... ستتنازل بكل تأكيد فلن يسمح لتلك الساحرة الخبيثة بأخد شبر واحد من اراضي عائلته .
طرقات عنيفة على باب منزلها جعلتها تنتفض ونظرت لوالدها بتعجب مردفة _ مين يللي عم يدق هيك !
تعجب والدها واردف وهو يتجه للباب _ فوتى انتِ لغرفتك وانا بفتح .
دلفت هى غرفتها بينما اتجه والدها يفتح الباب فوجد زين يقف امامه بهيبته ويطالعه بنظرات قوية مردفاً بصوت غاضب حاد _ بنتك فين !!
تعجب ابراهيم من طريقته واردف بقلق _ خير شو بدك ! ... ليه عم تسأل ع مهرة شو ساوت بنتى !.
كانت عيناه ثاقبة داخل المنزل تبحث عنها حينما خرجت اليه ترتدى نقابها الذى يظهر عيناها الرمادية فقط .
توقفت امامه ونظرت له بقوة مردفة _ خير شو بدك منى زين باشا !
نظر لها بعيون حادة ثم اردف بقوة _ بدى الارض اللى نصبتى على اخوي وخليتيه يكتبهالك بيع وشرا ... لفيتي عليه كيف الحية وعرفتى كيف تخليه يكتبهالك جبل ما يستشهد ... بس اللى معتعرفهوش واصل ان زين الجابري غير عبد الرحمن الجابري ... اخوي كان طيب وعيصدج اي حديت خبيث عيتحكاله ... انما انى لع ... انى فاهم زين نوايا اللى حواليا ... ف انتِ جدامك حل من الاتنين ... يا اما تتنازلي عن الارض من سكات يا اما عتتنازلي عنيها غصب عنيكي لما تنجرى ع السجن كيف الحرامية .
كانت تستمع له بعيون ثاقبة وتربع ذراعيها بصمت ... عيناها الرمادية مثبته على عيونه السوداء الحاد تطالعه بقوة وشموخ ... اردف والدها بطيبة وهدوء محاولاً امتصاص غضبه خوفاً على صغيرته _ بس يا ابنى عبد الرحمن الله يرحمه هو يللي اعطاها اياه عن طيب خاطر مو متل ما انت مفكر ... بالاساس بنتى ما طلبت لا ورث ولا مصارى من حدا .
اردف دون تفكير يطالع ابراهيم بغضب _ انى اللى عندى جولته ... يا اما ترجع الارض يا اما معتشوفهاش واصل لما تترمي ف السجن والبلد كلها عليها نصابة وحرامية .
كاد ان يتحدث ابراهيم مجدداً بنبرة لينة ولكنها اوقفته مردفة بقوة وغضب _ بتعرف انه معك حق ... عبد الرحمن الجابري ما بيشبهكن بنوب ... عبد الرحمن ما كان ظالم ... كان خايف علي منكن وكان معه حق ... انتوا عالم ما بتعرفوا رحمة ولا عدل ... انا ما بدى لا ارض ولا شى وقلتله انى مو قبلانة فيها بس ما بعرف ليه اهدانى بيها ... انا مابدى شى منكن بنوب ... بالاساس الشى الوحيد اللى كان منيح عندكن راح لعند الله لهيك انا ما عاد بدى منكن اي شى ورح اتنازل عن هالارض مو خوف منكن ... لااااا بنوب .
تقدمت خطوة ونظرت داخل عينه بقوة تردف بكبرياء _ انا ما باخد شى مو من حقي ... تركنا اراضينا وديارنا وجينا لهون لحتى نعيش بكرامة وما ننذل ... بتعتئد انه رح يفرق معنا ارضكن هاي !! ... بتكون غلطان يا زين باشا لانه نحن بنخسر اموال الدني كلها مقابل كرامتنا .
تطلع عليها بقوة وشرد قليلاً في عيناها القوية وحديثها وجرأتها امامه ...عاد لوعيه ثم اردف بحدة _ طالما أكدة يبجى الصبح نطلع كلياتنا ع الشهر العجارى وتتنازلي عنيها وتشوفى حالك بعيد عنينا .
اردفت بقوة وكبرياء تعجب هو له _ وفرت عليا مشوار لشركتك لانى كنت رح اعمل هيك الصبح ... ووقت بدك تيجي على هالبيت بدك تحكى مع اهله باحترام وما تحكى حكى عاطل ... هون لا في حرامية ولا نصابين استاذ زين لهيك اخوك الله يرحمه دخل هالبيت واختار بنته لتكون زوجة لاله .
طالعها بعيون متفحصة وانعقد لسانه لثوانى ولم يعد يجد حديث امام قوتها التى لامست اعماقه فغادر مندفعاً ينزل الدرج ويستقل سيارته الفارهة بينما هى تتبعت حركته ثم صفعت الباب بقوة ودلفت هى ووالدها الذى طالعها بفخر يردف بحنو _ روقي حبيبتى ... بعرف انه معك حق بس هدول العالم قوايا كتير وانا عم خاف عليكي منهن .
تنهدت تزفر بقوة ونظرت لوالدها مردفة _ لا تعتل هم بابا ... نحن ما خسرنا شئ اصلا هاي الارض ما كانت النا وانا حكيت مع عبد الرحمن الله يرحمه وقلتله بلاها بس هو كان اله رأي تانى ... الله ما اراد يتممها لهالجوازة والا كنت كيف رح اتعامل مع هيك عالم ! ... الله يرحمه كان مفكر انو هيك عم يحميني منهن ... ما بيعرف انه ما بيفرق معاهن غير المصاري .
يتبع