رواية عقوق العشاق - بقلم هدى زايد - الفصل الثالث والثلاثون
رواية عقوق العشاق
بقلم هدى زايد
رواية عقوق العشاق
الفصل الثالث و الثلاثون
سألها عابد بإبتسامة جانبية
- يعني عاوزة العُقد يتقـ طع ويفرط منك ؟!
أجابته بعدم إكتراث
- كدا و لا كدا لازم يتقـ طع انا مش عايشة لكم العمر كله
- ماشي يا أمي اعملي اللي يريحك بس افتكري إني جيت لحد عندك و سالتك عن اخويـ.....
هدرت الجدة مقاطعة بغضبٍ جم ضاربة بكل من تسول نفسه الدفاع عن عابد عرض الحائط، هرع جميع افراد العائلة على إثر صوت الجدة التي قررت أن تفجـ ـر قُنبلتها الموقوتة قائلة:
- بتسأل عن اخوك بعد إيه ؟! بعد سبته شهرين زعلان منك بعد ما بهدلت بكرامته و كرامة مراته قدام حماك و ولاده، لأ و خليت ابنك يقل منه قصاد عياله و كمان بتقوي ؟! بتسأل على بعد ما كان ها يميل على رجلك يبوسها و يراضيك و يراضي بنتك !! إيه اللي حصل لدا كله رد عليا ساكت ليه ؟! عشان بتنصح بنتك
رد عابد بنبرة غاضبة قائلا:
- و هي كدا بتنصحها ياماما تخليكِ حقانية بقى مرة في حياتك، هي لما تعاير بنتي بحاجة ملهاش دخل فيها يبقى هي كدا بتنصحها و مش قصدها اومال لو قصدها كانت قالت إيه ؟!
تسمرت الجدة في مكانها من حديث ابنها الذي اتهمها بالإنحياز عن الحق، غادر عابد قبل أن يخطئ أكثر من ذلك، بينما واصلت الجدة قراءة وردها اليومي، لم يحدث أحد في هذه الليلة حتى لا تسوء الأمور سوءً.
بعد مرور أسبوع
كانت الجدة جالسة في الردهة تصنع عقدًا جديد من اللون الأزرق القاتم، رغم ضعف بصرها إلا إنها قررت أن تصنعه لحفيدتها، ولج عابد و طبع قبـ ـلته على رأسها، محاولاته العديدة منذ ذلك اليوم لم تشفع له، جلس حذائها و قال بمشاكسة
- هاتفطرينا إيه النهاردا يا لولو ؟!
ردت الجدة و مازالت تصب ناظريها على الخزر و قالت:
- اسأل اخواتك أنا معرفش حاجة عن المطبخ
سكت مليًا ثم قال بجدية مصطنعة
- طب أنا كنت عاوز 500 جنيه
نظرت له و قالت:
- بتوع إيه ؟!
رد بجدية مصطنعة قائلا
- ابنك كان وا خدهم مني
- ابني خد منك أنت 500 جنيه من إمتى ؟!
- مش فاكر بس خدهم و خلاص و أنا عاوزهم لو سمحتي
- لما تبقى تفتكر ابقى خدهم منه و لا من ولاده هو ياخد و أنا ادفع ليه إن شاء الله ؟! أنا أصلا مش عايا خمسة جنيه حتى
كاد أن يتحدث لكن قاطعه دخول بيجاد قائلا
- أنا ماشي يا تيتا عاوزة حاجة؟
ربتت الجدة على مؤخرة رأسه بحنانٍ بالغ ثم قالت :
- سلامتك يا حبيبي سلم لي على ابوك و قل تيتا مستنياك يوم على السحور
- حاضر
سألته بخفوت قائلة
- معاك فلوس ؟!
اجابها بيجاد باسمًا
- اه يا تيتا متقلقيش
دست يدها في جيب جلبابها لتخرج النقود من حافظة النقود و قالت
- خلي دول معاك
رد بيجاد قائلا بإبتسامته العريضة
- و الله يا تيتا معايا
- مش ليك ليونس هات له حاجة حلوة الطريق طويل و الجو حر .
غادر بيجاد تاركًا عمه يتوعد لوالدته بحديثه قائلا بجدية مصطنعة
- بقى مش معاكِ فلوس ها ؟ روحي اشربي مية يا ولاء صايمك مش نافع
- ايوة مش معايا فلوس ليك إنما غيرك ايوة معايا
كاد أن يتحدث لكنها استدارت بجسدها نصف جلسة و قالت بهدوء
- قوم من هنا عاوزة اخلص العُقد قبل الكغرب ما تأذن
وقف عن مقعده متجهًا حيث الشرفة يتابع المارة في الحارة و هم يجوبون المكان ذهابًا إيابًا تذكر أيامه مع اخيه، هنا ركض سويًا يلعبون كرة القدم و هناك كانت أحد الورش الخشب و التي كان يقف فيها عابد ليصنع لوحات خشبيه يحفر عليها لو حاته الخاصة
هل هو مخطئ في حق أخيه سؤالًا يراوده مرارًا و تكرارًا، و لكن لمتى سيظل يعتذر هو ؟
لمتى سيظل يبتلع إهانته و إهانة أولاده بهذه الطريقة هل صمت والدته هو اتباع حيلة جديدة لجمع الشمل و لكن بطريقة مُبتكرة ؟
لا يعرف رُبما لِمَ لا !!
❈-❈-❈
في مساء نفس اليوم
التفت العائلة باكملها حول المائدة لتناول وجبة السحور بين الضحكات و الآحاديث الطريفة
كان عابد يستمع لتعليقات نوح الفكاهية، يرد على البعض و ينكر البعض الآخر، حتى تتدخل مالك في الحديث و هو يسرد لهم حكاية غفل عنها الجميع و ذكرتهم بيها الجدة
الجلسة كانت جميلة دافئة لا ينقصها شئ سوى موافقة مالك بأن يعود لبيته و عائلته، لكن لم يستطع أحد فتح هذا الأمر خوفًا من ردة فعله.
اشتاق حقًا لعائلته لا يعرف كيف طاوعه قلبه و ترك عائلة كـ هذه، على كلٍ حدث ما حدث و أنتهى الأمر، قارب أذان الفجر و يريد أن يرتشف قهوته نظر في ساعة معصمه ثم همس لزوجته بأن تُعد له واحدة قبل المغادرة، وقفت لتتجه نحو المطبخ لكن منتعها رُبى قائلة بإبتسامة واسعة
- خليكِ يا طنط أنا عملتها خلاص
اكتفت سيلا بالإبتسامة ثم عادت محلها، ارتشف رشفات سريعة و متتالية من قدحه، ومع آخر رشفة منها صدح صوت الآذان، رفعت الجدة تردد بخفوت داعية الله أن يُصلح بين الأخوين بعد أن فعلت ما بوسعها لجمع العائلة من جديد، تفرقت العائلة للصلاة بينما هبط مالك ليؤدي صلاة الفجر في المسجد، هرع عابد لـ يلحق بالصف الاول من المصلين، رفع كفيه و قال بخفوت
- الله أكبر
بدأ أمام المسجد قراءة الفاتحة و ما تيسر من القرآن في الركعتين، انتهى من الصلاة ثم القى التحية مالك على الجانبين صافح الجالس على اليمين و هو يقول بهدوء
- تقبل الله
ثم نظر لأخيه و قال بنبرة مقتضبة
- تقبل الله
رد عابد بهدوء قائلا:
- كان نفسي اقول منا و منك بس ازاي ها يتقبل منك ربنا و أنت مخاصم اخوك يلا معلش أنا خدت ثواب الرد عليك بردو
لم يفشل عابد مرة واحدة أن يزيد من غضب اخيه بأي طريقةً إن كانت، خرجا من المسجد و سار جنبًا إلى جنب في صمتٍ تام، كاد أن يلج عابد البيت لكنه تفاجأ بأخيه يلج المقهى و يحدث أصدقائه بعد غياب دام لأسبوعًا كامل قاده فضوله يعرف ما يدور في هذه الجلسة جلس جواره و بدأ تبادل أطراف الحديث معه حتى نسَ كلاهما سبب غضبهِ من الآخر، بدأت خيوط الشمس تُعلن عن وجودها و تخترق السماء، جلسوا حتى تجاوزت الساعة الثامنة صباحًا، ثم بعد ذلك تفرق الجميع على وعد بلقاءٍ في المساء لتناول وجبة الإفطار معًا، هاتف زوجته و قال بنبرة متعجبة
- أنتِ نايمة و لا إيه ؟ ازاي بس قومي يلا انزلي مش قادرة مش قادرة اللي مسكاها و قعدة يلا يا أم نوح هنروح بيتنا نرتاح، ما هو أنا الصراحة مش قادر اطلع سلالم طب خلاص اقفلي .
صعد الدرج بعد أن حدث أخيه بنبرة مقتضبة مانعًا إياه الاحتكاك معه في الحديث، يعلم جيدًا أن هذه هي بداية المصالحة لكن يرفض أن يقولها صراحةً.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أشهر
كان نوح يقف أمام غرفة العمليات في انتظار مولده الثاني، القلق و الذعر ينتابان قلبه، طمئنه و الده و عمه لكنه لن يطمئن إلا بعد يرَ زوجته بأم أعينه، خرجت الممرضة و على وجهها إبتسامة عريضة و قالت:
- مبروك ولد زي القمر
- طب و أمه عاملة إيه ؟
- ما تقلقوش هي كويسة ساعتين و هتتنقل لأوضة عادية
حمله نوح و قال بإبتسامة واسعة
- حمد لله على السلامة يا صفوان باشا
رد تيم و قال بإبتسامة واسعة
- بقى الكائن دا تعب اختي أنا و في الآخر جاي بدري عن معاده بشهرين ؟! مش طالع حلو زي تيتو
ابتسم عابد و قال
- حلو و لا وحش دي نعمة غيرك يتمنى ضفرها
قول الحمد لله
خرج مالك من باب المصعد و قبل أن يصل لمنتصف الرواق وجد ابنه يُقبل عليه و هو يحمل حفيده الثاني و قال
- صفوان نوح مالك المحمدي نور يا باشا
نظر له و قال بإبتسامة واسعة
- حمد لله على سلامتك يا صفوان باشا نورت الدنيا
دس يده في جيبه حلته ثم وضع ظرف صغير و قال بهدوء
- دي حاجة بسيطة من تيتا معلش مقدرتش تيجي
- هي مجتش ليه ؟
- أنت عارف امك بتتعب من المستشفيات و مبتتحملش تقعد فيها من ساعة اختك ملك و اللي حصلها ساعة الولادة
- بس يا بابا الموضوع دا عدا عليه كتير
- امك عندها وسوس و بصراحة مرضتش اخليها تيجي كانت هاتعمل مليون مصيبة عشان حطيت الظرف على البطانية من غير ما اعقم ايدي وووو لا و عليه إيه كدا احسن كتير
ضحك نوح و قال
- نفسي تبطل الوسوس دا بقى بجد كدا غلط عليها
أتى عابد و صافح أخيه ثم بارك له على قدوم حفيده بادله مالك ذات المباركات و التهنئة
عادت الحياة بينهما كما في السابق و لكن مازال مالك يقطن في شقته بعيدًا عن العائلة احيانًا يعود لشقته بمسكن العائلة و يقضي فيها عدة أيام ثم يعود من حيث أتى .
❈-❈-❈
في منزل نجاة
كان زكريا جالسًا يستذكر دروسه على ضوء أحد الكشافات رفع رأسه عن الدفتر و هو يمسح حبات العرق المتكونة على جبينه، على ما يبدو أن إنقطاع الكهرباء هذه الفترة سيكون مرافق له، الأيام تمر عليه بشق الأنفس، الوضع بالنسبة له غاية في الصعوبة، والدته تعامله معاملة غير آدمية من أجل زوجها الذي يحسبه عمه، تأفف بيضق من فرط تعبه من حرارة الجو الذي لم يرأف به كـ والدته ليت يعود الشتاء و يرحمه، لملم الكتب و الدفاتر خاصته ا تجه نحو باب الشقة و قال بصوته الرقيق
- أنا ها روح عند خالتـ.....
ردت والدته دون أن تعرف من الإساس إلى أين يريد أن يذهب في هذا الوقت المتأخر
- روح روح
غادر أخيرًا من كان يـقـ طع عليها لحظات الرومانسية مع زوجها، نهضت عن المقعد تاركًا ما كانت تفعله متجهة نحو غرفتها بدلت ثيابها
بـ منامنة أخرى حريرية، تعطرت و وضعت بعض مساحيق التجميل خاصتها، بينما ابنها خرج من بيتها و لا تعرف إلى أين ذهب هو، كان يسير في الحارة يردد الكلمة و معناها حتى بات يحفظهم عن ظهر قلب، وصل لـ منزل خالته طرقه بخفة فـ فتح له زوجها تردد في بادئ الأمر بأن يخبره لِمَ أتى إلى هنا، لكن فجأهُ زوج خالته و هو يحدثه بترحاب قائلًا
- تعال يا زيزو ادخل
تابع و هو يحاوط كتفه بذراعه و قال
- الظاهر إن حماتك بتحبك تعال كُل معانا
ما هذه المفاجآت التي لا حصر لها في وجهة نظره زوج خالته يرحب به من جديد بعد أن قالها علنًا بأنه لايريده هنا !! حتى دالال ذات تعجبت من هذا الأمر، لكنها لم تظهرهُ حتى لا يتغير من جديد.
مر الوقت و انتهى زكريا من تناول وجبته اللذيدة الشهية التي لم يأكلها منذ فترة طويلة
رغم محايلاته لوالدته بأن تصنعها له، جلست خالته تستذكر له دروسه رغم أنه مُهمل من قِبل والدته إلا إنه يتابع دراسته و يجتهد حتى ينجح كان يجيب على اسئلة الدرس و هو يتثئاب نظرة له بشفقة و حزنٍ دفين، قادته حيث فراش ابنها وضعته فيه و دثرته جيدًا
ثم غادرت الغرفة، مددت جسدها على حاغة الفراش بعد أن اخبرت زوجها بأنه غلبه النعاس و أن في الصباح الباكر سيذهب رفض مغادرته
و طلب منها أن يبقى هنا تصرفاته منذ دخول ذاك الصغير عجيبة و مُدهشة لم تكن إن كان هذا هو ما يُسمى بتأنيب الضمير أم مجرد يوم يمر و أنتهى الأمر.
في الساعة الثانية بعد منتصف الليل
رفع زوجها رأسه عن الوسادة بهدوءٍ و حذر تأكد بأنها في سباتٍ عميق، خرج من الغرفة على أطرافه حتى لا يوقظها، سار بخطوات هادئة التفت حوله أكثر من خمس مرات خلال دقيقتين، وصل أخيرًا لغرفة ابنه التي أعدتها زوجته قبل ولادة الصغير و عندما يتم العامين يتم نقله فيها، اقترب من زكريا و هو يمرر لسانه على شفتيه، وقف أمامه و قال بخفوت
- زيزو زيزو
استيقظ زكريا بعد أن ايقظه زوج خالته، مد نظر له و قال بهدوء و هو يحاول إزاحة
بنطـ ا له كان زكريا يقف متخشبًا كالتمثال لا يعرف يقول أو بمن يستنجد، سأله زوج خالته بنبرة هامسة تكاد أن تكون مسموعة و هو يضع نصب عيناه قطعة من الشوكولاتة قائلا:
- بتحب يا زيزو الشوكولاته
تناولها الصغير و قال
- اوي يا عمو وحيد
لفه وحيد جعلًا ظهر زكريا مقابلًا لوجهه و قال
- إيه رأيك اجيبها لك كل يوم ؟
كاد أن يسأله عن سبب استدارته و لماذا يسقط عنه بنـ طـا له لكنه تفاجأ به يقـ يـده
مثبتًا وجهه على الفراش، و قال بنبرة تحذيرية تبدلت في ثوانٍ كما تتبدل السماء الصافية لسماء متبلدة بالغيوم قائلا:
- لو سمعت صوتك و لا قلت لـ خالتك دالال
ها قـ طـع رقبـ ـتك بالسـ كـينة دي.
انتابت زكريا رعشة و تسارعت دقات قلبه بقوةً
كاد أن يصرخ لكنه فجاة و بدون أي مقدمات
أتت من نجدته من بين براثن والدته و الآن زوجها. انتفض زوجها و قال بتلعثم و هو يشير بيده تجاه الصغير
- دا دا دا واد قليل الأدب بسأله عملت حمام على نفسك ليه قالي أنت مالك
جذبت دالال ابن أختها لحضـ نها ساعدته في ستر جسـ ـده من جديد ثم نظرت لزوجها و قالت من بين أسنانه
- أنا عارفة إنك فيك حاجة مش مظبوطة بس عمري ما جه في بالي النجـ ا سة دي
- أنتِ دماغك راحت فين بس أنا أنا
- أنت إيه و زفت إيه، حتى الواد اليتيم مسلمش منك !! و أنا بسأل نفسي إيه اللي قالبك كدا و طقم الحنية دا نزل عليك ازاي ؟!!
ختمت حديثها بنبرة لا تقبل النقاش و قالت
- طلقني يا وحيد بدل ما افضـ حك و الم عليك خلق الله
- طلاق إيه بس يا دودو صلِ على النبي أنا كنت بهزر مع الواد تعالي بس هافهمك
نزعت يده و قالت بتقزز
- ما تملسنيش تاني و لا تقرب لي و إلا اقسم بآيات الله هصوت و هالم عليك الناس
ها تطلقني بالذوق و لا اصو.....
القى وحيد عليها يمين الطلاق بدلًا من
فضيـ حته لكنه لم يت كها تنعم بشقته، أمرها بأن تغادر المكان في الصباح الباكر، سحبت زكريا للمرحاض ثم دلكت جـ سـده لتزيل آثر
لمسات ذاك الملعون، دموعها لم تجف طيلة هذه الفترة، خرجت من المرحاض، ضامة زكريا في حضـ نها دخلت به الغرفة التي كان ينام فيها لكن قدمها أبت أن تتحرك من على أعتابها نظر لخا لته و قال
- لأ يا خالتي مش عاوز ادخل هنا عشان خاطري
ردت بنبرة حانية
- طب اصبر هاجيب لك هدومك اللي غسلتها لك اول ما جيت.
كانت تساعده في ارتداء ملا بسه و هي تخبره بهدوء
- جسـ مك دا غالي عليك زيه زي نور عينك اللي بتشوف بي الدنيا، أوعى تسمح لحد
يلـ مسه
نظر لها و لم يفهم مغزى حديثها، لكنها بدأت تشرح له ببساطة شديدة
- يعني أي حد خلقه ربنا قال لك تعال و هاجيب لك شوكولاته و لا اعمل دا و خد حاجة حلوة تسيبه و تجري و لو لوحدك في مكان مقفول صوت و لم الناس فاهم و لالأ ؟!
رد زكريا و قال
- فاهم يا خالتي
تابع بتساؤل و قال
- هو أنا أنا هرجع عند أمي تاني ؟
أمك !! حسبي الله و نعم الوكيل في دي أم كل اللي عليها تخلف و ترمي !!
أردف دالال عبارتها بقلبٍ مقهور ما إن ختمت حديثها صدح صوت آذان الفجر في المكان
ظلت تردد دعائها على طليقها تارة و أختها تارة أخرى .
حملت صغيرها على ذراعها و في يدها الأخرى
تعانق أنامل زكريا مغادرة البيت الذي عاشت فيه أسوء سنين عمرها و عندما ظنت أن الأمر سوف يتحسن عندما تُنجب لكن تأكدت أنها كانت مخطئة، لكن تتنازل عن فلذة كبدها و لا حتى عن ذاك الصغير الذي ليس له مأوى رغم وجود أمه على وجه الدنيا .
عادت لبيت والدها بعد أن اغلقته منذ أكثر من عام تقريبًا بعد وفاة والدها، وجدته في اسوء حالته وضعت صغيرها على الفراش ثم نظرت لـ زكريا و قالت بإبتسامة واسعة
- لو نضفت معايا الأوضة دي عشان نعرف ننام فيها النهاردا هاجيب شوكولاته بعد الفطار
رد زكريا بهدوء
- أنا هانضف معاكِ بس مش عاوز شوكولاتة
- ليه ؟
- مش ها حب الشوكولاتة تاني خلاص يلا ننضف
لم تريد أن تتحدث كثيرًا في هذا الأمر قررت أن تُنهي الغرفة هذه اليوم و في الغد تبدأ ترتيب دنيتها الجديدة و التي سوف ينضم إليها فردًا جديد يُسمى زكريا .
❈-❈-❈
في ليلة عيد الفطر
داخل منزل ريان الأنصاري كان جالسًا يتابع مع حفيدته مسلسلها المفلض الذي كانت تتابعه طيلة شهر رمضان، كانت تتوقع بعض الأحداث و في اليوم التالي يتحقق توقعها حتىي انتهى المسلسل على نفس النهاية التي رسمتها للعائلة بعد أن سرد تفاصيل المسلسل للجميع و على رأسهم سليم الذي كان يقضي هذا الشهر معه بدلًا من أصدقائه .
الوضع في منزل ريان الأنصاري أكثر حكمة من منزل ولاء من وجهة نظره لكن من وجهة نظر زوجته لا يقل حكمة بل بالعكس هي من وضعت في قلوبهم الحُب و الإحترام لبعضهم البعض تصرفات عابد احيانًا تخرج عن المتوقع لكن سرعان ما يحتوي الأمر و يعود كل ئ كما كان نظر ريان لزوجته و همس بجانب أذنه و عيناه لا تُبرح شاهيناز الصغيرة قائلًا:
- آل و أنا اللي كنت عاوز اجوز سليم لـ شاهي
و بقول دا ابن عمها و هيحافظ عليها !!
ردت جميلة بذات النبرة و قالت
- طب ما هو ساجد واخد تولي و عندك اهو زي الفل ماشاء الله و عندك تيم واخد بنت عمته و بردو ماشاء و لا صبا و لا و لاولا لو هفضل اعد لك من هنا للصبح مش هاخلص الموضوع مش في انهم ولاد عم و لالأ الموضوع في اللي بيدخلوا في حياة أي زوجين
رد ريان بعقلانية قائلا
- ايوة بس خلينا نقول الحق سيلا عمرها ماادخلت في حياة حد و كون إنها ست مسوسة بسبب الامراض فـ دا شئ طبيعي كلنا قلقانين بس محدش اتكلم لكن هي من النوع القلوق شوية و بيظهر عليها دا صحيح بتبقى شبه الدبة اللي مو تت صاحبها بس هي معاها حق .
نظرت له و قالت بتساؤل
- و لما هي مش غلطانة ما قلتش الكلام دا هناك ليه
-الدنيا كانت و لعة مكنش ينفع اتكلم كلام يزودها خصوصًا إن عابد حاسس إن أي حد بينصح بنته يبقى بيعايرها
ابتسمت له و قالت بفضول
- هو لو كان أنا في الموقف دا كنت هتعملإيه يا ريان ؟
رد بذات النبرة و قال
- هاسيب مصر كلها تبهدل فيكِ عادي
اختفت الإبتسامة عن ثغر جميلة و قالت بغيظٍ مكتوم
- يه بقى إن شاء الله مسافر مثلا و لا مسافر
- و الله يا چيچي مش عارف بس احتمال من الاتنين الأول أنتِ قلتِ و التاني اكون مغ الاموات و بردو في الحالة دي مش هعرف اجيب لك حقك من اللي طول لسانه عليكِ
تابع بجدية مصطنعة و قال
- بس أنا واثق فيك يا ريس جمعة أسد في مكانك و تقدر تجيب حقك من أي حد أنا متجوز وحش بردو مش أي حد و السلام
لا حت إبتسامة واسعة كادت أن تصل لأذنيها
من كلمات زوجها الذي لم يشفل لمرة واحدة أن يحتوي غضبها، نظرت لاحفادها ثم عادت ببصرها و قالت بجدية
- عاوزك تخف كلام مع شاهي عن سليم
عقد ما بين حاجبيه و قال
- ازاي يعني مش فاهم ؟!
رد جميلة بهمس
- البنت بقت كل شوية تسألني عن سليم و تقل لي سليم اتأخر يا ناناه سليم زعلان يا ناناه هو سليم مش ناوي ياخد إجازة و يفسحني يا ناناه زي زمان و آخرهم سألتني إيه مخلي سليم متغير ناحيتها ؟!
رد ريان بتساؤل و قال
- و أنتِ قلتِ لها إيه ؟
- قلت لها إن سليم بقى بيشتغل و مش فاضي زي زمان البنت بسبب كلامك اللي دايما تقوله شكلها كدا وقعت
- لا لأ يا شيخة مش معقول دي لسه صغيرة اكيد مش هتفكر في كدا دلوقت
- ريان البنت عندها 15 سنة و دا اخطر سن سن المراهقة و سليم بالنسبة لها فارس أحلامها اللي خرجها من دنيا كانت وحشة و دلوقتي هي في الجنة
رد ريان قائلًا
- ايوة بس أنا لما قلت كدا بهزر و احيانا كنت بتكلم بعشم بيني و بين سليم لكن مكنتش بتكلم بجد للدرجة إنها تتعلق !!
- قلت لك مليون مرة الكلام في الموضوع دا نتيجته مش حلوة و اهو البنت اتعلقت بي فعلا
نظر لها ريان و قال باسما
- طب و فيها إيه دا عز الطلب اهو يمـ.....
ردت جميلة بعصبية و قالت
- أنت تاني ريان !!!
❈-❈-❈
داخل شقة مالك
كان يقرأ الجريدة المسائية المكان هادئ لدرجة
لا يتحملها عكس منزل عائلته لكنه فضل أن يمكوث هنا أفضل من عودته، أما زوجته كانت تصنع الحلوى بكميات مهولة ظنًا منها أن عائلتها الصغيرة ستجتمع في منزلها، أتت لزوجها و سألته
- هما العيال مش ناوية تيجي و لا إيه يا مالك ؟
وضع مالك الجريدة على فخذيه و قال بغضبٍ
جم بعد أن نفذ صبره و قال
- خلاص بقى خلاص بقى قلنا مليون مرة الباب مفتوح اللي عاوز يجي و اللي مش عاوز في ستين سلامة .
فرغ فاها لتتحدث لكنه قاطعها و هو يقف عن مقعده بهرجلة سقط على إثره المقعد، اتجه نحو غرفته و مدد جسده على طرف الفراش
ارخى جفنيه ليغط في نومًا عميق، تاركًا زوجته تبكي من فرط حزنها و حساسيتها المفرطة من أقل الأشياء .
❈-❈-❈
زكريا جيت إيه اللي جابك هنا ياض أنت ؟
قالها وحيد طليق خالته دالال و هو يقف على اعتاب باب شقة، تجاوزه و بحث عنها جلس على المقعد و قال
-هي فين خالتك يا زيزو
جلس زكريا مبتعدًا عن ذاك البغيض الذي حذرته خالته رد بصوته الرقيق
- راحت الشغل
رد وحيد بنبرة متعجبة و قال
- هي خالتك بتشتغل !!
- اه بتشتغل عند أم مسعد
- بتشتغل إيه عند أم مسعد شغالة خدامة و لا إيه !!
- مش عارف
- مشعارف إيه و نيلة إيه هي أمك ترميك و هي اللي تشيل همك و تسيب بيتها و جوزها عشان حتة عيل زيك !!
صمت زكريا عن معايرة طليق خالته لا يعرف لماذا يحدث معه كل هذا طفل لم تجاوز العاشرة من عمره بأشهر قليلة يحدث معه كل هذا لماذا؟!
تفاجأ بـ وحيد يقترب منه حد الالتصاق، بدأ يتحسس جـ سـده و هو يتسأله ثم يملس يده على خصلات شعره الطويلة، كان زكريا يحاول التملص منه و هو يتقزز تلك اللمسات، يرفع كتفه ليُبعد يـ ـد ه عن جـ سـده، دس يده وحيد في جيب سرواله ليخرج قطعة من الشوكولاتة محاولًا إغرائه باعد زكريا الشوكولاتة لتسقط أرضًا، كاد أن يقف الصغير
لكن ماذا يفعل جـ سـده و قوته أمام قوة رجل أريعيني من قوم لوط يحاول بشتى الطرق جذب زكريا لذات الطريق .
يتبع...