رواية عقوق العشاق - بقلم هدى زايد - الفصل الثلاثون
رواية عقوق العشاق بقلم هدى زايد
تعريف الرواية
أنا المتمرد الذي سقط في جوف الظلام، ظن أن عشقك هو ومضة الأمل، لكن وجدته بداية الآم
الجزء الرابع من سلسلة العشق الأسود
التصنيف
رومانسية اجتماعية، قصص رومانسية، عاطفية
سرد الرواية
لغة عربية فصحى
حوار الرواية
عامية مصرية، عاميه
❈-❈-❈
الفصل الثلاثون
ابتلعت دلال غصتها بمرارة و قالت
- أنا صحيح ما خلفتش بس عندي قلب و رحمة نزعهم منك أنا اعرف يعني إيه أم و أنت أم و ما تعرفيش يعني إيه حنية
تابعت بنبرة حانية و قالت
- تعال يا ابني معلش نصيبك تبقى أمك قاسية
زكريا
قالتها نجاة بنبرة محذرة ذاك المغلوب على أمره وضعت يد فوق يد و نظراتها لا تخلو من التحذيرات المباشرة و غير المباشرة، ترك زكريا على الفور يد خالته، دون أي مناقشة أو اعتراض لم تعتابه دلال تعلم جيدًا إن لم يفعل غير ذلك سيقع عليه أقصى عقوبة لك أن تتخيلها .
غادرت الغرفة تاركة شقيقتها تفعل ما يحلو لها داعية الله عز وجل أن يخلص ذاك الصغير من بين براثن و الدته .
بعد انتهاء مراسم عقد القران، خرجت نجاة من بيت أبيها لـ بيت زوجها، كانت لها شقة جديدة غير التي كانت تقطن فيها مع رضا كان هذا شرطها، لم تكن هذه ليلتهم الأولى بل عاشا ليالٍ كثيرة لكن دون في الخفاء، أما الآن هي زوجته يدخل و يخرج وقتما يشاء و لا أحدًا له أن يعارضه، حتى زكريا نفسه الذي شاهدهما أكثر من مرة و هم يمارسـان الرذيلة معًا شاهدهما هذه المرة رغمًا عنه حين هرع لـ غرفة والدته و طلب منها أن تأخذه بحـ ضـنها كل ما يريده أن يشعر بحنـانها، ألهذه الدرجة قاسية ألهذه الدرجة لا يفرق أي شئ معها سوى الرجال و من يدفع أكثر تكن له .
تأفف زوجها الجديد الذي كان يحسبه عمه و سيحنو عليه كما يفعل نوح مع ابن أخيه الذي أتى للدنيا منذ أشهر قليلة، تأفف لانه قطع عليه متعته و انسجامه التام مع والدته.
القته أمه في غرفته الجديد و اوصدت بابها، حتى وقع هو بين براثن عتمة الليل و خوفه من أمه، بكي حتى غلبه النعاس، و في الصباح استيقظ لشعوره بابتلال أسفله، تحسس بنطاله و علم أنه تبول لا أراديًا إن علمت أمه لن تتركه اليوم إلا و أخذت روحه كما حذرته في الليل.
نهض سريعًا من الفراش، متجهًا لـ خزانة
ملا بسه و بدل ثيابه دون أن يغتسل، و لجت
أمه وجدته نز ع بنطاله، وضعت يد ها في
خا صر ها متسائلة بحاجب مرفوع
- أنت عملتها تاوي يا زكريا ؟!
- لا لا لا أنا أنا بس بس كنت عـ ا وز
لم تستمع لمبرراته بعد أن نادها زوجها، هرعت نحوها مسرعة، كانت في حالة من الإنسجام التام معه عكس أبيه، أمره عمه بأن يتناول وجبة الإفطار في منزل جدته و قال
- روح يا زيزو افطر عند ستك و قضي اليوم هناك ما تجيش غير لما اقل لك
ردت نجاة و قالت
- ما تسيبه يا محمد انا مش عاوزة الواد يتعلق بأمك
رد محمد و قال بضجر
- مش واخد راحتي في البيت الله
تابع بغمزة من عينه و قال
- عاوز اعيش حياتي في يومين الإجازة و لا أنتِ عندك إعتراض ؟!
ابتسمت نجاة ملء شدقيها و قالت
- و هو أنا بردو يا سيدي و تاج راسي
غادر زكريا من البيت على أن يعود بعد يوم أو عدة أيام إلا إنه اكتشف أن هذه هي جملة ذهاب بلا عودة التي تنطبق عليه، غادر البيت و بداخله كرهًا لكل شئ، اصبح يعاني من العنـ ف الأسري لم تستطع جدته أن تتدافع عنه أمام جبروت و الدته و ابنها الطاغي، تشكلا على هيئة عصابة من آكلي لحوم البشر، يتعرض للضرب بسبب و بدون سبب، حتى علمت أن رضا كان يدخر من ماله ثم قام بعمل وديعة لا بأس بها تأمن له حياته و لكن ليس هذا الذي آثار غضبهم بل الذي آثار غضبهم هو أنه جعل جدته واصية عليه في حالة وفاته، و بعد محالات عديدة في سحب هذا المبلغ لجأت
والدة رضا لـ بيجاد حتى يساعدها كما اوصاها ابنها قبل رحيله، سردت له ماحدث من البداية و حتى هذه اللحظة ثم قالت
- دبرني يا ابني أنا لو عايشة النهاردا مش هاعيش لبكرا
ردت بيجاد و قال بنبرة حائرة
- مش عارف والله اقل لك إيه بس كل اللي اقدر اساعدك في إنك تعملي محضر بعدم التعرض للولد و تقولي إن الولد بيتعرض للعنف الأسري و تحطي اسبابك في المحضر
- طب و الوديعة ؟
رد نوح و قال بهدوء و هو يحاول أن يهدأ من بكاء يونس ابن أخيه
- من الناحية دي ما تقلقيش هما مش هايقدروا يعملوا حاجة لأن أنتِ الواصية عليه و في حالة إنك لاقدر الله حصل لك حاجة المجلس الحزبي بيبقى الواصي و بيحاسب الأم على كل قرش صرفته و مستحيل يخلوها تسحب جنية من غير أي سبب و لا حتى هاتعرف تكـ ـسر الوديعة غير لما زكريا يعدي السن القانوني
سألتها الجدة ولاء قائلة
- هي بكام الوديعة دي ؟
أجابتها بحزنٍ دفين
- 100 الف جنيه كان عامل جمعية يا حبيبي و قال يأمن مستقبل اليتيم دا عشان لو جرا له حاجة ابنه مايتبهدلش و لما المشاكل زادت بينه و بين مراته في الفترة الأخيرة كتبهم خلاني واصية عليه و حملني أمانة مش قدها
سكتت الجدة مليًا ثم قالت بإقتراح
- اكسـ ـري الوديعة دي
قاطعتها جدة زكريا و قالت
- ازاي بس يا حاجة دول يبهدلوني و مش بعيد يسرقوها
ردت الجدة و قالت
- اسمعي مني عجبك كلامي اعملي بي ماعجبكيش يبقى كأنك نا عملتيش بي
- قولي يا حاجة
- اكسـ ـري الوديعة و اشتري حتة أرض و اكتبيها بإسمه وسجليها في الشهر العقري بيع و شرا ء و الأرض لا بتأكل و لا بتشرب لو جم يبعوها مش هيعرفوا و هو لما يكبر يبقى يتصرف فيها زي ما يعجبه
رد بيجاد مؤيدًا لحديث جدته و قال
- أنا مع تيتا في الفكرة دي
- ما خبيش عليك يا ابني أوا بصرف منهم على الواد بقالي شوية الارباح يادوب بتكفي مدرسته و دروسه و اكل و لبسه
رد نوح بإقتراح و قال
- خلاص أجري الأرض لحد و يدفع لك كل شهر و هاتبقى زيها زي الفلوس اللي في البنك بل بالعكس الارض كل يوم سعرها بيعلى و إيجار يوم ورا يوم هيزيد
سكتت والدة رضا مليًا تفكر في حديثهم، الذي بدا نوعا ما منطقيًا، تنهدت بعمق ثم قالت
- فكرة بردو خلاص أنا ها توكل على الله و هاعمل زي ما قلته لي و يارب يقدم اللي في الخير
وقفت عن المقعد ثم أمرت حفيدها قائلة بنبرة حانية
- يلا يا زكريا عشان اتأخرنا
لوح زكريا بيده لـ نوح و بالأخرى يرفعها داخل حامل طبي إثر الكـ ـسر الذي تسبب له فيه عمه الذي حل محل أبيه في كل شئ عدا حنيته الذي عاهدها من و الده، ابتسم له نوح و قال بحنو
- سلام يا زيزو خلينا نشوفك على طول بقى أنت بقالك أخ صغير اهو
- حاضر
❈-❈-❈
خُدي ابنك احسن طلع عيني و عين نوح، شكله كدا جعان و لا زهقان بقى مش عارف له حاجة .
أردف بيجاد عبارته و يضع ابنه بين ذراعي رقية التي ابتسمت له ما إن اخذته منه، بدأت تطعمه و هي تخبر زوجها قائلة بحزنٍ دفين
- الجو حر يا بيجو و احنا محتاجين تكييف عشان كدا يونس مابيحبش يطلع من تحت او يمشي من عند نوح
رد بيجاد مؤيدًا لر أيها و قال
- أنا أخدت بالي فعلا من الحكاية دي، ربنا يسهل و ابقى اشتري واحد بدل اللي اتحرق دا
حركت رقية رأسها و قالت
- و الله من ساعة اللي اسمها نجاة ما جت هنا و ما في جهاز واحد اتهنيت بي و آخرهم التكييف لأ و جاي يبوظ إمتى بعد ما ولدت على طول
- خلاص بقى يا روكتي سبينا منها و خلينا في حالنا و نشوف هنعمل إيه فـي التكييف أنا شايل قرشين على جنـ.....
رد مقاطعًا بقلق و هو ينظر في ساعة معصمه
- خير اللهم أجعله خير الساعة تلاتة الفجر مين اللي جاي دلوقت
هرع بسرعة نحو باب شقته، كاد أن يصطدم
بأحد المقاعد لكنه حافظ على توازنه، فتح الباب و جد نوح يحتـ ضنه بقوةً ثم ينظر له وقال بسعادة غامرة
- هاجيب لـ ابنك عروسة يا أبو يونس هاجيب له عروسة
استدار بجسده تجاه باب شقة والده الذي سال بفزع
- في إيه يا ولاد خير
احتضـ ـنه بقوةً و قال بصوت مرتفع يملؤه السعادة
- ربى حامل يا بابا هاجيب لابنك عروسة يا ابو نوح
رد مالك بإبتسامة واسعة ممزوجة بالسعادة
- مبرو....
لم يكمل حديثها تجاوزه نوح ما أن رَ ولدته واقفة وسط الردهة، احتـ ضن ذراعيـ ها و قال بسعادة و هم يدوران معًا
- هاجيب لك اجمل حفيدة في الدنيا كلها هتبقى قمر زيك هتاخد لون عيونك العسل دول لالأ خفة دمك لالأ طيبة قلبك ابنك هايبقى أب يا أم نوح
ولج مالك وقال بتساؤل بنبرة مرحة
- يعني هتاخد من امك عيناها وجمالها و طيبة قلبها و انا هتاخد مني إيه يا آخرة صبري
- هتاخدك أنت كلك على بعضك يا حاج يا عسل أنت اسمها هايبقى مرتبط باسمك
وقف نوح و هو يردد بسعادة و الإبتسامة تكاد تصل لأذنيه
- سيدرا نوح مالك المحمدي
نظر لأبيه وقال
- في احلى من كدا حاجة ممكن تاخدها منك
ربتت والده على كتفه و قال بنبرة حانية
- ربنا يقومهالك بالسلامة يا نوح
تابع بتذكر
- هو جدتك و عمك عرفوا ؟
طبع نوح قبلة عميقة على خده و قال بسرعة قبل أن يغادر
- لا لسه ها نزلهم حالا سلام
في الطابق الاول
طرق نوح بطريقة حرافية و كأنه دُف بالتزامن مع قرع الناقوس، إلى أن خرج عابد وقال بغضبٍ حركته الإستفزازية تلك
- خير يا آخرة صبر العيلة ايد على الجرس و ايد على الباب ليه قاعدين ورا الباب احنا ؟
خرجت الجدة من شقتها في ذات اللحظة و قالت بقلق
- خير يا ولاد في إيه ؟ إيه الهيصة دي كلها ؟
رد نوح بسعادة
- بنتك حامل يا عمي
ردت الجدة بسعادة
- ربنا نصرك يا واد والله و اتنصفت يا نوح
تبدلت الإبتسامة العريضة لأخرى صفرا بالكاد ترتسم لى ثغره و قال بإحباط
- ما بتفشليش يا ستي تكـ ـسري فرحتي و تكسفيني
ضربته على كتفه و قالت بحزنٍ
- أنا يا واد بـكـ ـسر لك فرحتك ؟!!
رد نوح موضحًا
- مش قدام ابوها ياستي دا أنا ما صدقت العيلة تنسى اللي حصل
- ماخلاص محدش اتكلمت من ساعة ما زعقت لهم الخميس اللي فات
كادت أن تقوم المشاجرة بين نوح وجدته كالمعتاد لكنها قررت أن تصفع الباب في وجهه و قالت
- انا هاروح اصلي قيام الليل اهو اخد ثواب بدل واقفتي جنبك و أنت قليل الأدب
- ادعي لها يا ستي تقوم بالسلامة
فرك نوح يده في بعضهما البعض و هو ينظر لعمه و الإبتسامة لا تفارق شفتاه، حرك عابد
رأسه و قال بنبرة مغتاظة
- مالك يا متخلف بتبص لي كدا ليه ؟
- أنا و بنتك اللي هي مراتي بالمناسبة السعيدة القمر زي رُبى حبيبتي هنخرج مع بعض دلوقت
رد عابد و قال بجدية
- تخرج فين يا متخلف أنت عارف الساعة كام الساعة 3 الفجر !! و هي لسه حامل في شهرها الأول يعني الخروجات و التنطيط دا مش حلو
احتضـ نه نوح و قال بسعادة قبل أن يصعد لـ شقته
- ما هي بقت مراتي يا عمي يعني نخرج ندخل محدش هايقلنا حاجة سلام يا عمي
ولج عابد شقته و نير ان الغيظ و الغضب تكاد تخرج من أذنيه، وجد زوجته لم تستطع كبح ضحكاتها وراحت تقول
- داين تتدان لأ و الساعة تلاتة الفجر بردو يعني حقك يا بابا رجع و بالقوي كمان
- تيا أنا مكنتش غلس كدا و دي يا دوب عارفة إنها حامل ازاي المتخلفة دي توافقه إنهم يخرجوا دلوقت
ردت وتين بجدية مصطنعة وهي تقوم بتقليده لتذكره ما فعله بأبيها
- انا بكلمك يا عمي الساعة اتنين بليل يوم فرحنا عشان اقل لك إن أنا و بنتك خارجين لأ و هنسافر
- أنتِ بتغظيني مش بتفكريني صح ؟!
- صدقني يا بودي يا حبيبي هو كاس و داير على الكل بس حظك بقى إنك تقع في نوح و مقالبه معاك
- لأ نوح مزودها معايا يا تيا دا بقاله أربع شهور بيخرجوا بليل مخصوص عشان يذلني
- هايذلك ليه بس يا حبيبي هو بيخرج في الوقت اللي شايفه مناسب لي هو و مراته و بعدين سيبهم يدلعوا بكرا ما يعرفوش لا يروحوا و لا يجيوا بسبب العيال
تابعت حديثها مشددة على حروفها و كأنها تقصده
- و بكرا يعجزوا و يقعدوا قعدتنا دي
- اه بدأنا بقى شغل الكلام اللي من تحت لتحت
- مين أنا خالص على فكرة أنا بس بفكرك باللي أنت وعدتني بي و نسيته
رد عابد بإقتراح و قال
- طب إيه رأيك في فسحة أنا و أنتِ يومين تلاتة كدا اسكندرية نجدد بيها طاقتنا
- أنا عن نفسي موافقة المهم تكون صادق أنت و ترضى المرة دي
- لا متقلقيش خلاص بقينا فاضيين لا عيل و لا غيره حضري نفسك بسرعة قبل ما اغير رأيي
❈-❈-❈
داخل شقة بيجاد
جلس على حافة الفراش يحرك سرير ابنه الهزاز و قال بعتذار
- معلش بقى يا يونس استحمل الحر معانا شوية على ما نحوش من تاني
ولجت رقية وقفت بـ جانبه و قالت بإبتسامة واسعة
- و لا تشيل أي هم
رفع بصره و قال
- ازاي بس ما القرشين اللي كنت شايلهم للتكييف هيريحوا لهدية نوح و المولود الجديد
أنتِ ناسية إن من اول ما عرف بحملك و هو مبطلش مجايب و لحد اللحظة دي دا حتى اللي هاجيبه مايجيش نقطة في بحر اللي جابه
ردت رقية و هي تتجاه نحو الخزانة و قالت
- خلاص بقى يا ابو يونس ربنا هيكرمنا و كل مولود و لي رزقه
عادت ثم وضعت في يده مبلغ نقدي و قالت
- خد دول خليهم معاك هات التكييف و الباقي اشتري بي هدية محترمة لأخوك و ظبط لنا طلبات البيت
سألها بنبرة متعجبة و قال
- منين الفلوس دي ؟
كادت أن ترد لكنه قاطعها بتحذير
- اياكِ تقولي بعتي حاجة من الدهب ؟
ردت بمرح لتخفف الضيق الذي بدا على وجهه
- اديك أنت اللي قلت مش أنا
- رقية مبهزرش بعتي الدهب ؟!
- اومال عاوزني البسه و ابني بعد الشر عليه هايموت من الحر ؟!
- طب ما أنا قلت لك هاتصرف
- ماهي فلوسك بردو و ابقى عوضني بي بعدين
- اللي بيروح يا رقية ما بيتعوضش
- طول ما أنت معانا هاتعوضنا و بعدين انا مابلبسش الدهب بقالي فترة طويلة مش مشكلة يعني، فك التكشيرة دي بقى يا بيجو
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أشهر
لم يحدث شيئًا جديدًا يذكر سوى تقدم رُبى في حملها الذي يمر بشكلٍ طبيعي، كانت العائلة في انتظار المولود الأول له هو نفسه يدعو الله ليلًا نهارًا بأن يمر الوقت لـ يعرف نوع المولود و عندما مر الوقت علم أنه ذكر حزن في بادئ الأمر لأنه كان يريد أنثى إلا أن جدته فرحت له كثيرًا.
أما زكريا ذاك المسكين الذي يُعاني من مشاكل نفسية و جسدية بسبب والدته، و كلمات جدته عن والدته كانت كافية أن تبدل قلبه و برائته
بشخصية أخرى لا احد يعرفها، كانت جدته تحدث عن والدته بكلمات لاذعة تصفها
بالعا هرة التي تركت ولدها من أجل حياتها
قررت أن تحفظ له ماله كما هو بدلا من أن تبتاع قطعة الأرض، خشيت أن يأخذ عمه الأرض عنوة، توفت جدته بعد وفاة والده بأشهر قليلة، ماتت من فرط حزنها عليه، تبكي ليلًا نهارًا، عاد لـ والدته التي اهملته أكثر من ذي قبل لكنها لم تقصر في ضر به لحظةً واحدة و كأنها تنتـ قم من والده فيه .
كان يلعب مع الأطفال من نفس عمره يقضي معظم الوقت في الحارة صيفًا شتاءًا لا يعرف للبيت طريقًا إلا عند النوم
وفي مساء أحد الأيام كانت خالته في زيارة لـ والدته و في طريق عودتها لـ بيتها استوقفته متسائلة بدهشة عن حاله الذي تبدل
- أنت يا واد يا زيزو مالك مبهدل كدا ليه ؟ أنا مش عارفة امك سيباك كدا ليه ؟!
رد زكريا بتأفف قائلا
- عاوزة إيه سيبيني العب
- اسمها عاوزة إيه يا قليل الأدب دا أنا خالتك
رد زكريا بنبرة اهدأ من ذي قبل و قال
- طب هاتي عشرة جنية اجيب بيها أكل عشان جعان
حركت رأسها على ذاك المسكين الذي تبدل كثيرًا منذ وفاة والده دست يدها في حقيبتها و قبل أن تعطيه المال قالت
- تعال معايا أنا هاجيب لك كل اللي نفسك بس تعال معايا
سحبته من يده و عادت لـ بيتها طلبت منه أن يغتسل أولًا ثم يبدل ملابسه بأخرى نظيفة
فعل كل ما أمرته به و جلس على مقعد المائدة
تناول شطيرة الجُبن بنهم كأنه لم يأكل منذ أشهر طويلة، ساعدته في تناول وجبته، ظلت
تنظر له بأعين مليئة بالشفقة، سألته بنبرة حانية
- عجبك الأكل يا زيزو ؟
هز زكريا رأسه علامة الموافقة دون أن يترك الطعام وكأن احدهم في انتظار انشغاله ليأخذ منه الطعام، ولج زوجها و هو يحمل أشياء كثيرة كـ الفاكهة و المعلبات، وضع الحقائب البلاستيكية علي سطح المائدة الزجاجي و قال
- زكريا باشا هنا بنفسه
نظرت له دالال وقالت بنبرة متوسلة
- خلي يا هنا يومين يا وحيد دا الواد غلبان و طول النهار و الليل في الشارع
تابعت بنبرة تملؤها الإنكسار
- و احنا ماعندناش لا عيل و لاغيره اهو يملى علينا البيت
رد وحيد زوج دالال و قال
- خلي اهو ياخد بحسك و أنا في الشغل
كانت هذه الجملة كافية بأن تجعل دالال شخصًا آخر تمام غير التي هي امامه الآن، ابتاعت له الكثير من الملابس و الالعاب اهتمت بدروسه تفوق في دراسته، تركته والدته تمام و نست أمره، و في أحد الأيام و عكس ما توقعت دالال قامت بعمل بالإختبار المنزلي و عرفت أنها قريبا ستكون أمًا بعد سنواتٍ عجاف، سبع سنوات لم تحمل في احشائها سوى القـ هر و الحزن بسبب كلمات أخته و حماتها و كل من رأها و سألها لِمَ لم تنجب حتى الآن و كأن هذا بيد ها، انتشر الخبر سريعًا و لأنها تعلم جيدًا أن فرحتها دائما ناقصة شئ فـ كانت هذه المرة أمام خيارين الأول إما أن يذهب زكريا من بيتها أو ترحل هي معه هذه انت شروط زوج خالته، يا له من قاسٍ تغير فجأة و بدون أي سابق إنذار
و كأن كُتبَ على ذاك الصغير الترحال من مكانًا لآخر عاد لأمه و بقى معها بعد أن انقطـ ع آخر أمل له في الحياة البشرية، لأن أمه تعامله بطريقة غير آدمية .
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أشهر
أتى طلال نوح المحمدي للدنيا و يا ليته ما أتى حمل نفس المرض الذي كانت تُعاني منه أمه في الصغر اصابه الصرع كما أصابها لكن حالته كانت حرجة عكس حالة ربى، حالة رُبى سمح الاطباء بالتداخل الجراحي و إزالة البؤرة الصرعية عكس حالة طلال حذر هم من التدخل الجراحي، و أنه يجب عليهم الإهتمام بالعلاج، كما اشار لهم طبيب المخ والأعصاب إلى أن الجراحة تكون حلا أخيرا في حال عدم استجابة جسم المريض للعلاج الدوائي والنظام الغذائي، حيث يتم تحديد مكان البؤرة الصرعية، واستئصالها، مؤكدا أن هذا الخيار لايتم اللجوء إليه سوى في 5 % من الحالات.
كانت حالة رُبى يرثى لها، رغم كل الحيطة و الحذر في أن لا تنجب اطفال حتى لا يرثون مرضها لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل أمام إرادة الله عز و جل، بينما نوح في حالة من الصدمة و الذهول الشديدان، لأول مرة يعرف أنها مُصابة بهذا المرض أو كانت مصابة به، العائلة بأكملها لا تعرف تاريخها المرضي هذا إلا بعد ولادة طلال مباشرةً بعد أن حدثت له تشنجات صرعية شخصها الطبيب إما هي
الوراثة عن الأبويين ، أو تعرض الطفل بعد الولادة لنقص في الكالسيوم، أو الأكسجين، أو فيتامين «د»، أو السكر، أو الماغنسيوم، أو الإصابة بالتهابات في المخ، أو جلطة في المخ، أو إصابة مخية أو صدمة في الرأس، أو نزيف في المخ، و هنا اعترفت رُبى بين دموعها أن ابنها حمل نفس مرضها حين استنكر نوح أنه و زوجته مُصابين بهذا المرض، التزم الصمت حتى انتهى الطبيب من حديثه، ظل يستمع له دون أن يعقب على كلماته و التي كانت من اهمها أن الطفل يستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي، بشرط الالتزام بتناول جرعات الدواء في مواعيدها، و عدم التعرض لأي من الأشياء التي تهيج تلك التشنجات، مطالبا الأسرة بمعاملته بشكل طبيعي، وترك مساحة له للعب مع أصدقائه، و لمشاركته في الأنشطة الاجتماعية، و الترفيهية، حتى لا يسببوا ضغطا نفسيا عليه.
❈-❈-❈
سكت نوح عن الكلام تاركًا لـ عمه دفة الحوار
كان عابد يحاول أن يعثر على كلمات يُلطف بها الأجواء لكنه وجد نفسه يقول بهدوء لا يعرف من أين أتى به
- عارف إنك مصدوم و إن كان المفروض تعرف بس زي ما شرحت للدكتور قصادك بنتي مرضها كان لي علاج جر احي عكس طلال تمامًا لما عملت العملية كنا في الكويت و بعدها
عاشت حياتها بصورة طبيعية جدًا لدرجة إني نسيت إنها كانت مريضة صرع اساسًا، لو حابب تعرف أكتر عن المرض أنا اقدر اجيب لك حاجات اعتقد هاتفيدك عشان طلال
تنهد عابد بعمقٍ و هو ينظر لـ باب حجرة ابنته بالمشفى وقال
- القرار يرجع لك عاوز تكمل مع بنتي براحتك مش عاوز يبقى أنت ابني بردو و كأن مافيش حاجة حصلت بس حابب اطمنك بأمر الله مظنش حد من ولادك هايتصابوا بنفس المرض لأن من المرض بيصيب بنسبة 25% يعني من كل أربع عيال من عيالك هيتصاب واحد دا في حالة لو كملت مع رُبى مكملتش يبقى ولادك من اي واحدة خلقها ربنا بنسبة 90 % مش هيتصابوا بالمرض و لا طلال ينقلهم نفس المرض لأنه مش مُعدي .
مازال نوح كالتمثال في جميع تعبيرات وجهه
لم ينبث ببنبت شفة، تركه عابد يأخذ قراره بمفرده بدون أي ضغط عليه، ولج لابنته وجدها في سباتٍ عميق إثر المهدئات، تنفس الصعداء حمد لله على أنها في عالمًا آخر جلس على المقعد المجاور لمقعد زوجته نظرت له و قالت بتوجس
- نوح هايعمل إيه ؟
رد عابد بنبرة حزينة وقال
- مش عارف بس جهزي نفسك لخبر مش حلو
- قصدك إنه ممكن يطلقها !!
- من حقه و مش هنقدر نلومه
- ايوة بس هي ذنبها إيه ؟
رد عابد بإنكسار وقال
- ذنبنا إننا ضعفنا ووافقنا لرغبة بنتنا ونسينا خالص مرضها أو عملنا نفسنا ناسين .
تنهدت وتين بحرقة و هي تنظر لابنتها، بينما وضع عابد يد ه على كفها، نظرت له ابتسم وقال
- بنتي و ابنها هايفضلوا في عيني لحد ما اموت و ربنا يقدرني و اعوضه عن ابوه
- أنت بتتكلم كدا زي ما يكون فعلا نوح اتخلى عنهم
- قلت لك إنه من حقه، ثم ماتنسيش نوح لسه صغير ومن يتجوز واحدة تخلف له عيال معافيين من أي مرض
ختم حديثه قائلا
- مش هنسبق الأحداث سيبها على الله، احنا معانا يومين و نخرج من هنا لو نوح مجاش فيهم أو قال لمراته حمد لله على السلامة يبقى نحترم رغبته و ننفصل بهدوء
- بس يا عابد
- من غير بس مش هنبقى حِمل على حد ولا هخلي بنتي يبقى لها ضُرة تقـ هرها وهي لسه عروسة بقالها سنة .
ردت وتين بتساؤل و قالت
- تفتكر مالك أخوك هايقول إيه ؟
- مش عارف بس أيًا كان اللي هايقوله من حقه احنا خبينا عن الكل وهما عرفوا بالصدفة ولولا تعب طلال مكناش اتكلمنا اساسًا
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
قبل مغادرة رُبى من المشفى بعد تحسن حالة رضيعها أتى إليها جدها ريان بصفته و شخصه
ولكن قبل أن يلج غرفتها تحدث قليلًا مع عابد هو و جميلة قائلا
-أنا من رأيي تدي له فرصة كمان يا عابد نوح بيحب رُبى و جايز يكون مصدوم
- عمي مش هكدب عليك و اقول إني عاوز اطلقها أنا القرار دا بالذات بدعي ربنا ما امشيش في نهائي بس اديك شايف بنفسك يومين من بعد اللي لا هو ولا اي حد من العيلة دخل على بنتي وقالها حمد لله على سلامتك
ردت جميلة وقالت
- مش جايز يكون مشغولين في تحضيرات السبوع و كدا
نظر عابد لها نظرة ذات مغزى، هربت من نظراته تلك قائلة بتلعثم
- ماتبصليش كدا انا بقول جايز
- يا مرات عمي العيلة كلها مرة واحدة انشغلت في تحضيرات سبوع وهما حتى ماجوش يقولوا لأمه المولود مبروك ولا حمد لله على سلامتك حتى !!
ختم حديثه وقال بجدية
- عمومًا هما معاهم آخر فرصة النهاردا الساعة ستة بنتي هاتخرج من المستشفى لو محدش جه يبقى الرؤية وضحت
رد ريان بجدية وقال
- طب يا عابد أنا هاخد ربى عندي و من هنا لحد ما توصلوا لـ حل هي موجودة في بيتي أنا مضمنش إيه اللي ممكن يحصل هناك و لا إيه ممكن تسمعه من أي حد فيهم في الفترة دي و لو لقدر الله حصل طلاق يبقى تسبني انا اجبهالها بطريقتي
سأله عابد بحزنٍ دفين
- طب لو سألتك هتروح معاك ليه ها تقل لها إيه ؟
أجابه ريان بهدوء
- ما تقلقش انا هاتصرف المهم محدش يجيب لها سيرة حاجة تتضايقها كفاية حزنها على ابنها انا هحاول ابعدها عن اي توتر في الوقت دا و بعدها ربنا يقدرني و احل الامور أو تتحل لوحدها
❈-❈-❈
داخل حجرة ربى بالمشفى
مال ريان بجذعه قليلًا لـ يطبع قبـ لة خفيفة على جبينها كانت شاردة، انتبهت لوجوده نظرت له وقالت بإبتسامة باهتة
- جدو أنت جيت بنفسك ؟
مـ لـس على خصلات شعرها و قال بحنو وحب
- هو أنا عندي اغلى منك عشان اجاي له بنفسي
سألته بنبرة هامسة قائلة
- هو نوح كلمك ؟! اصله مابيردش عليا !!
اجابها بكذب
- لا كلمني بس اتخانقت معه عشان معرفنيش من اول ما ولدتي
- أنا يا جدو اللي مرضتش اقل لك عشان عارفك تعبان
- يبقى هتخانق معاكِ بس لما تقومي بالسلامة
نظر لابنته الشاردة في اللاشئ، علامات الهم و الحزن ارتسمت و بقوة على وجهها، تقـ طع نياط قلبه عليها، عاد ببصره لحفيدته التي سألته بنبرة هادئة و دموعها تنساب على وجنتها
- ابني جاله الصرع يا جدو ابني حالته اصعب مني و مش هايعيـ ...
رد ريان بإبتسامة واسعة و قال
- طب ما أنا مريض قلب و كنت مضطرب عن الجواز لحد امي الله يرحمها بقى و يسامحها على اللي عملته فيا
سألته جميلة قائلة بمشاكسة
- بتقول حاجة يا ابو عدنان ؟!
أجابها ريان بجدية مصطنعة
- إيه بتكلم مع بنت بنتي حرام ولا غلط بفضفض معاها شوية خليكِ مع بنتك
نظر لحفيدته التي ابتسمت رغم احزانها الدفينة حرك رأسه و قال بنبرة مغتاظة
- مرتاحة كدا وقعتيني معها و بتضحكِ ؟!!
تابع بجدية وقال بحنو
- قلت مش هتجوز و أنا هظلم اللي ها تجوزها ليه اتجوزها النهاردا و اموت بكرا و لما النصيب جه اتجوزت وخلفت و جوزت عيالي وشيلت عيالهم ودلوقتي بشيل عيالهم كمان
ردت رُبى بنبرة واهنة وقالت
- ربنا يخليك لينا يا حبيبي ويبارك لنا في عمرك يارب
تنهد ريان وهو يختم حديثه قائلا
- العمر يابنتي بتاع ربنا ومش عشان ابنك اتولد مريض بمرض مرض معين يبقى نعامله معاملة خاصة لدرجة تخنقه و لا نحرمه من متع الدنيا بكرا يكبر و يحب و يتحب و يعيش حياته بشكل طبيعي جايز يطفل سليم ومعافي يتولد و يموت دا لأن ربنا عاوز كدا سيبها على الله وهو هايتولى امره احسن منك أنتِ شخصيًا هو زرقه و عارف قدرته على التحمل هتوصل لحد فين متقلقيش .
❈-❈-❈
بعد مرور نصف ساعة
وقف عابد عن مقعده وقال بهدوء معتذرًا من الجميع
- معلش يا جماعة أنا هروح اشوف الحسابات قبل ما امشي
رد ريان وقال بجدية
- مافيش مشكلة احنا هناخد ربى معانا يعني او رجعت و ملقتهاش متقلقش
ردت رُبى مقاطعة بنبرة متعجبة
- هو إنتوا مش هتستنوا نوح لما يجي ؟
يتبع...