رواية عقوق العشاق - بقلم الكاتبة هدى زايد - الفصل الأخير الجزء الأول
رواية عقوق العشاق
بقلم الكاتبة هدى زايد
الفصل الأخير
" الجزء الأول"
رواية
عقوق العشاق
جلس على المقعد مقابل مقعد جده ريان الذي كان يقرأ بعض الاخبار الرياضية، وضع الجريدة و قال بهدوء
- عرفت إن شاهي طلبت من أبوها ترجع اليونان ؟
كاد أن يبصق القهوة من فمه لكنه اعتدل و هو يحاول السيطرة على الأمر، طالعه جده بنظرة يحفظها عن ظهر قلب، تنحنح و قال بنبرة تغلفها الحزن
- في إيه يا جدو مالك بتبص لي كدا ليه ؟
رد ريان و قال
- مافيش أصل كنت فاهم إن أنت ها تتحرك لما تعرف إن العرسان بيتقدموا لها و لا حتى لما قررت تسافر و تسيب لك البلد !!
- و حضرتك ماخدتش بالك العرسان اللي بتتقدم لك دول عندهم كام سنة و أنا عندي كام سنة !!
- أنت عندك تلاتين سنة و هي اتنين و عشرين فين المشكلة ؟!
- أنت مش شايفة إن دي مشكلة ؟
- هو أنت عارف الفرق بيني و بين جدتك قد إيه ؟
- عارف بس في فرق بين تيتا و بين شاهي
- و إيه هو الفرق بقى يا فليسوف عصرك و أوانك ؟!
- مش فلسفة يا جدو بس تيتا كانت بتحبك و قابلة إنما شاهي لسه صغيرة و متنساش إنها شافت برا بنات في سنها عايشين مع اللي بيحبوهم من نفس عمرهم يا جدو دا أنا أكبر واحد في كل اللي تعرفهم
رد ريان ساخرًا و قال
- لا في أكبر أنا كمان من ضمن اللي تعرفهم
تنهد سليم و قال بيضق
- يا جدو أنا مش بهزر أنا بتكلم جد
رد ريان و قال بنبرة صادقة
- و الله يا ابني أنا كمان بتكلم جد الجد كمان، احنا ملناش دعوة بصحابها احنا لينا دعوة بيها هي، و هي موافقة تتجوزك امبارح و سيبك بقى من شغل انا كبير عليها و ببقى وسط اصحابها زي اخوها الكبير و لا أبوها
ختم ريان حديثه قائلا بنبرة جادة
- لآخر مرة هسألك و على أساسها هاتصرف معاها أنت بتحب شاهي و عاوز تتجوزها و لالأ ؟!
صمت سليم قليلًا ثم قال بهدوء
- ايوة يا جدو بحبها و عاوز اتجوزها
رد الجد بسعادة غامرة
- يبقى على بركة الله النهاردا نتكلم مع أبوها و نظبط كل حاجة و بالمرة نحدد معاد الخطوبة
- و خطوبة ليه ما تخليها جواز على طول أنا جاهز و عندي شقتي مش ناقصها حاجة
رد الجد بجدية مصطنعة و قال
- عاوز تبعد نفسك عن مشاكل العيلة و بتمنع الاختلاط يعني ؟ ماشي دي نقطة تخصك أنت و هي حددوها مع بعض
ولجت الجدة حاملة القهوة و على ثغرها إبتسامة واسعة و قالت:
- ها نقول مبروك ؟
رد ريان و قال بجدية مصطنعة
- آل يعني مش عارفة إنه عاوزها
- ملكش دعوة بيا وبعلاقتي مع الغيال المهم ترحم الواد من طلباتك اللي ملهاش لازمة أنا شايفة إن الخطوبة ملهاش لازمة هو جواز بعد شهرين مثلا يكون جهزنا نفسنا إيه رأيك يا سليم
رد سليم و قال
- المهم العروسة
ردت الجدة بثقة قائلة
- اعتبر الموافقة حصلت خلاص ظبط مع عمك ادهم و شوفوا المعاد اللي يعجبكم
في مساء نفس اليو م
كانت شاهيناز جالسة حذاء سليم تقرأ الفاتحة
بيـ ـد مرتعشة إثر فرحتها و سعادتها الغامرة، لقد وفت جدتها بإنتهاء هذا الأمر، كم تمنت أن تحظى بهذه السعادة، انتهوا جميعًا من قراءة الفاتحة تعالت الزغاريد و دوت المكان، بارك لهما الجميع
وقفت الجدة عن المقعد و قالت:
- اتفضلوا يا ولاد السفرة جاهزة
رد ريان و قال بفضول
- و هما دول مش هايتفضلوا معانا ؟
ردت جميلة و قالت
- لأ دول عرسان
- ايوة ما أنا كنت عريس و كنت بقعد على السفرة بتاعتكم عادي إيه المشكلة ؟
- يلا يا حبيبي عشان الأكل هايبرد
- قوم يا ابني أنت و هي يلا عشان القعدة مش هتكمل من غيركم
وقف الأثنان في آنٍ واحد اغلق سليم أزرار حلته و هو يقول
- اتفضل أنت يا جدو انا بعد أذنك أنت عمي هاخد شاهي نتعشى برا النهاردا بالمناسبة الحلوة دي
رد ريان بنبرة مغتاظة
- أذن هو فين الأذن دا ما أنت خططت و رسمت و نفذت كمان و أنا آخر من يعلم ! !
تركه قبل أن يعترض خرجا من البوابة الداخلية ثم اتجه لباب سيارته فتح لها و قال
- اتفضلي يا أحلى عروسة
استقلت السيارة ثم لف هو تجاه مقعد القيادة استقل و هو ينظر لها و قال بإبتسامة واسعة
- عروستي تحب تروح فين النهاردا ؟
ردت شاهيناز إبتسامة واسعة و قالت
- عروستك سايبة لك حرية الإختيار زي ما طول عمرها بتعمل و عمرها ما ندمت على اختيارتك ليها
التزم الصمت بعد سماع تلك الكلمات الجميلة الساحرة التي رفضت أذنه أن تستمع لكلام بعد هذه الجملة .
❈-❈-❈
في شقة نوح
كانت سيدرا جالسة تلون لوحتها الجديدة، نست تمامًا أمر واجباتها المدرسية، كانت والدتها تستذكر معها دروسها ثم تكتب لها عدة تدريبات لتؤكد لها المعلومة، كان من المفترض أن تُنهي واجباتها المدرسية التي أمرتها بها والدتها أن تقوم حلها بمفردها لكنها انشغلت في رسم لوحاتها التي لن تنتهي منها ماحيت، تنبأ لها الجميع بمستقبل باهرًا في الرسم، هرع مسرعة نحو حقيبة المدرسة و بدأت تكتب دروسها لكن ولجت والدتها و لملمت أدواتها المدرسية قائلة بنبرة حانية:
- يلا يا ديدا كفاية مذاكرة لحد كدا يا روحي الساعة عشرة عندنا مدرسة بكرا الصبح بدري
- مامي أنا لسه بذاكر
- لا يا روحي كفاية عشان متتعبيش يلا بقى نامي
دثرتها جيدًا و هي تملس على خصلات شعرها و قالت
- تصبحي على خير يا عمري
- و أنتِ من أهله، مامي
- نعم ياروحي
- هو بابي جاي إمتى ؟
- لا يا حبيبتي بابي هيتأخر النهاردا في شغله لكن الصبح هيكون بيصحكِ بنفسه زي كل يوم
في السادسة صباحًا
طرق نوح باب غرفة ابنته ثم ولج بهدوء وجدها في سباتٍ عميق، تشوبه والدتها كثيرًا تملك شقاوة و مرح لا يمكله غيرها ربما لأنها أتت بعد أربعة أبناء من الذكور و ربما لأنها الوحيدة لذلك يدللها كثيرًا لا يعرف لماذا تملك بقلبه هذا الكم من العشق، على ما يبدو أن آخر طفل في العائلة دائمًا يدلله باقي أفراد العائلة، ملس على خصلات شعرها، ثم طبع قبلته على جبهتها و همس بخفوت قائلا:
- ديدا، ديدا حبيبة قلب بابي أنا جيــت
ردت سيدرا و صوتها مازال به إثر النوم
- بابي حمد لله على السلامة
- الله يسلمك يا عمري، عارفة جبت لك إيه معايا النهاردا ؟
- تشوكلت ؟
- صح و إيه كمان
- اممم آيس كريم ؟!
- برافو يا روح قلبي يلا يا روحي البسي و تعالي عشان نفطر
كاد أن يقف عن حافة الفراش لكنها تشبثت بـ رقبته و قالت بغنج كـ عادتها
- أنت هاتسرح لي النهاردا و تعملي لي شعري ضفيرة زي اللي ناناه سيلا بتعملها لي
وضع نوح يده خلف ظهرها و قال باستلام و الإبتسامة لا تفارق شفتاه
- أمري لله اعملها لك هو أنا عندي كام ديدا ؟!
ردت سيدرا بسعادة و هي تهتف خارج الغرفة
- يعيش بابي يعيش
ردد اخواتها قائلين في آنٍ واحد
- يعيش يعيش
توقفت عن الهتاف و قالت بتساؤل بنبرة هامسة
- هاخد معايا تشوكلت في المدرسة
- مش الدكتور قال بلاش عشان سنانك ؟
- واحدة بس ؟
- اوك طالما واحدة بس مافيش مشكلة
عادت ترفع يدها و تقول بسعادة
- يعيش نوح المحمدي
ردد اخواتها بنفس الحماس دون معرفتهم لِمَ كل هذا الهتاف قائلين
-يعيش نوح المحمدي يعيش يعيش
وضعها على المقعد الخاص بها و جلس هو الآخر على مقعد و قال
-ياريت تخلصوا أكل بسرعة عشان الباص قرب يجي
تابع بفضول و قال
- فين صفوان ؟
رد طلال و قال
- تقريبا كدا في الحمام أو نايم و احتمال يكون بيلس و جايز يكونـ....
قاطعه نوح قائلا
- بس بس إيه كل دا يلا خلص أكلك يا بيه عشان نشوف موضوع الاستدعاء اللي جالك دا ؟!
- ما خلاص بقى يا بوب أنا مش عاوز اتعبك معايا
- لا ياحبيبي أنا رايح رايح عشان أشوف اخوك عمل هو كمان في المدرسة، هاخلص اللي ورايا و هاجي على طول
انتهى الابناء من تناول وجبة الإفطار، ثم توقفوا صفًا واحد أمام والدهم، ليأخذون المصروف اليومي كانت سيدرا آخرهم كادت أن تقبل يده كما يفعلون أخواتها لكنه قال بحنو وحب
- أنا اللي ابـ و سك يا قلب بابي
تابع بنبرة هادئة
- خلي بالك من نفسك و بلاش شقاوة و ر كزي مع المدرسين في المدرسة
- حاضر يا بابي
- عاوزك شطورة و كل ما تبقي شطورة ها يكون ليكِ هدية
فتحت ذراعيها بالتزامن مع اتساع حدقتها و قالت:
- هدايا كتيــــر
- كل اللي نفسك في يا عمري أنا، يلا بقى عشان الباص واقف تحت من بدري
ركضت خلف اخواتها الأربعة اللذين كانوا يقفون في انتظارها على سلالم الدرج، مال قليلًا طلال ثم حملها على ظهره، و تسلم حقيبتها صفوان و هو يقول بتساؤل
- عملتي واجبك و لالا؟
- لا
رد طلال بنبرة معاتبة قائلا:
- ليه يا ديدا مش انا عملت لك واجب العربي
- اه بس في واجب تاني في ال math نسيته خالص
رد آدم وقال
- دي مهمتك يا صفوان النهاردا أنا عملته امبارح
-ماشي مافيش مشكلة بس أنا خطي الميس هتعرفه هحاول على قد ما اقدر اخلي وحش زي خطك
وصلوا إلى الحافلة جلسوا على الأريكة الخلفية كعادتهم كانت تستند برأسها على صـ ـ ـدر طلال تتئثاب بين الفنية و الأخرى حتى غلبها النعاس، نظرت له و قالت:
- تيتو
- نعم يا ديدا ؟
- عاوزة انام
رد باسل و قال
- لا مش ها ينفع دا احنا خلاص قربنا نوصل المدرسة
رد طلال و قال
- سيبها تنام لسه قدمنا ساعة على ما نوصل تكون ارتاحت فيها تعال أنت مكانها و خليها هي تنام في الضل
وقف صفوان ليفسح المكان حتى تمدد جسـ ـدها بأريحية ثم خلع طلال و آدم معطفيهما ليغطي جسـ ـدها، أشار باسل لأخيه الاكبر و قال
- صفوان في كرسي في فاضي روح و اكتب هناك
- لا كدا احسن عشان خطي يبقى وحش و يبان إن هي اللي كتبته .
بعد مرور ساعة تقريبًا
وصلت الحافلة إلى المدرسة، بدأت الطلاب في النزول و انتظر طلال و اشقائه، حتى يأتي دورهم
ايقظها قائلا
- يلا يا ديدا وصلنا
بدأت تهندم ملابسها و شعرها نظرت لأخيها و قالت بحزن
- شعري باظ يا تيتو !
وضع صفوان الدفتر داخل حقيبتها و قال بإبتسامة واسعة
-كدا كل الواجب اتكتب خلاص
تابع بهدوء و هو يصفف شعرها من الجهة الأخرى ليساعد أخيه و قال
- و ادي كمان شعرك اهو يلا بقى سُكرتي الحلوة
كاد أن يقف لكنها تشبثت بـ رقبته و قالت بغنج
- شيلني لحد باب المدرسة يا نانو
رد باسل و قال بهدوء
- بلاش يا ديدا عشان المدير زعق المرة اللي فاتت خليها لحد ما ننزل من الباص بس
ردت بضجر وقالت بتأفف
- اوف ماشي يلا بينا
❈-❈-❈
في الساعة التاسعة صباحًا
خرج عابد من الشرفة وجد يزن بن صهيب جالسًا على الاريكة صامتًا، جلس جواره و قال بهدوء
قاعد كدا ليه يا يزن مش المفروض تروج الحضانة
قالها عابد وهو يجلس جوار حفيده، بينما نظر يزن تجاه باب غرفة والدته ثم عاد ببصره وقال بهمس
- خالتو قالت لي ادي دي لبابا
تناول عابد الورق من يزن قام بفتح وبدأ في قرأتها طوها سريعًا وراح يقول بصوتٍ هامس
- أمك لو عرفت هترجعك المانيا وتقول معرفوش يا ابني أنا شايلة من بين اسنانها امبارح هتعمل في إيه تاني فهمني !!
رفع يزن كتفيه وقال بنبرة حائرة
- مش عارف أنا خايف اقول لمامي إني م هعرف ادخل الحضانة
- اطمن ربى بنتي وم هتكسفني أنا هروح معاك واكيد مش هتقول لامك
بعد نصف ساعة
بابا خير في حاجة ؟
هو لازم يكون في حاجة عشان اجاي اشوف بنتي ؟!
لأ طبعا اتفضل، تشرب إيـ
توقفت وهي تشير بسبابتها تجاه ابن اختها وقالت بنبرة مغتاظة قائلة
- إيه اللي جاب المنحل دا هنا ؟ دا واخد طرد لمدة أسبوع واستدعاء لولي الأمر
- ماهو أنا ولي أمره قولي لي بس عمل إيه واحنا نلمها بينا وبين بعيضنا الواد جاي زيارة 3 شهور وقلت ادخله عندك يتأسس في العربي
- يا بابا دا من يوم ما دخل وهو عامل 300 مشكلة وكلهم مشاكل قليلة الادب
- لأ يا ربى ماتقوليش كدا على يزن طب دا حتى شطور مايغركيش بس الشعر الاصفر و العيون العسلية دي بس هو طيب ملوش في قلة الأدب
نظرت ربى ليزن وقالت بتساؤل
- ها تقول أنت ولا اقول أنا
نظر عابد لحفيده وقال
- هببت إيه يا منيل !!
عاد ببصره لابنته وقال
- خلاص يا روبي احنا نجيب اللي زعله ونقوله حقك علينا و الواد يرجع عادي
- بابا من فضلك بلاش تتدخل للمنحل دا في حاجة البيه المحترم لقيته واخد البنت و واقف بيها ورا الشجرة وبيبوسها ولما ضربته تخيل رد عليا وقال إيه ؟!
- إيه ؟
- قالي كنت بشوفها بطعم إيه ؟
رد عابد ببلاهة
- هي إيه دي بيشوف طعمها ؟!
- بابا مش وقت تفاصيل خالص انا رضيت اخده عندي رغم إنه مش صغير وعنده عشر سنين و قلت اهو 3 شهور و هو بيتعلم لغة واحدة مش مشكلة لكن يصدر منه قلة الأدب دي و في الآخر اقبل و اسكت ابقى كدا اخليت بالنظام اسفة يا بابا مش ها يجي الحضانة دي تاني غير لما أمه تعرف الحكاية وتربي
- يا بنتي أنا لسه امبارح جايب الواد من تحت سنانها بلاش أمه عشان خاطري
- خلاص خلي اونكل سلطان يربي طالما أبوه مش فاضي اهو على الأقل هايعرف يربي
يا بنتي ما هو دي التربية دي كدا تربية سلطان
تنهد عابد و قال بهدوء حتى يمتص غضب ابنته
- خلاص يا روبي شوفي أنتِ العقاب اللي يستحقه لكن طرد لأ عشان خاطر بابا حبيبك الواد بيجي لنا كل سنة مرة دا أنا اتحايلت على جوز اختك يسيب البت تهدي اعصابها شوية اخد الواد و ارجع لها اقل لها ابنك مطرود ؟!
صمتت برهة ثم قالت بجدية مصطنعة
- خلاص عشلن خاطرك أنت يا بابا انا هاخلي يتبرع للحضانة عشر تلاف جنيه
رد عابد بصراخ قائلا
- الفين جنيه ليه إن شاء الله دا أنا طول مسيرتي التعليمية مصرفتش المبلغ دا اقوم ادفعه لابن صهيب في حضانة عشان يتعلم نلغي التعليم خالص احسن
ردت رُبى بإبتسامة واسعة و قالت
- متزعلش يا بابا خمسة تلاف عشان خاطرك
- هما متين جنيه مافيش غيرهم عجبك عجبك مش عجبك الواد هايفضل في الحضانة غصب عنك و بقرار مني أنا شخصيًا إيه رأيك
لم تعترض رُبى أبيها كيف لها أن تعترض، تقبلت الأمر، لا تعرف ماذا فعلته بحالها الجميع يطمع في مشروعها على مايبدو أنها فتحته لعائلتها فقط، أين المكسب الذي تجنيه من خلف هذا المشروع لا تعرف .
❈-❈-❈
بعد مرور عدة سنوات
كانت سيدرا جالسة في فصلها انتظرت أخواتها، ضاق صدرها من الإنتظار لاول مرة يحدث هذا، تنهدت بعمق و هي تضع يدها أسفل ذقنها، هرع صفوان نحوها و قال
- معلش يا ديدا اتأخرنا عليكِ
ردت بنبرة متحشرجة إثر البكاء و قالت
- كل دا يا نانو انا خُفت من القعدة لوحدي و صحابي كلهم مشيوا
طبع قبلة خفيفة على ظهر يدها و قال
- آسف يا قلب نانو يلا عشان الباص هايطلع
حملها على كتفه و هو يكتم آلامه إثر حمله لـ طلال بعد أن أتته النوبة الصرعية، سار بخطوات واسعة و سريعة، سألته سيدرا بنبرة متعجبة قائلة
- هو فين تيتو آدم و باسل ؟
رد صفوان كاذبًا
- قلت لهم يركبوا عشان الباص ما يمشيش و يسبنا
وصل اخيرًا للحافلة دخلها بهدوء، نظر لأخيه ثم عاد ببصره و لـ باسل قائلا
- هو عامل إيه دلوقت ؟
رد باسل و قال
- فاق بس نايم شوية
جلست سيدرا جوار اخيها و قالت بقلق
- ماله تيتو
- ملوش يا ديدا هو بس كان عاوز ينام ابعدي بس عنه عشان يرتاح لحد ما نوصل
ما إن وصلت الحافلة كان نوح يصف سيارته
لحسن حظ صفوان الذي ظل يتسأل عن كيفية حمله و الصعود به ثلاثة طوابق، حمله والده بين ذراعيه رغم اعتراض طلال الذي بدأ أن يستعيد وعيه بشكلٍ كامل، لكنه لم يصغى إليه
صعد بهدوء حتى وصل لغرفته، مدد جسدها على حافة الفراش ثم سأل صفوان
- اخوك ماله ؟
رد صفوان و قال
- جت له النوبة و احنا في الفسحة
سأله نوح بهدوء قائلا
- ليه و هو بياخد علاجه و ماشي كويس مافيش حاجة ؟
رد صفوان بكذب قائلا
- مش عارف بس هو شكله تعب عشان ضغط الامتحانات
استشعر نوح الكذب في نبرة صفوان، امر ابنائه الثلاثة بمغادرة المكان ثم طلب من ابنه بعقلانية قائلا
- عارف إنه سره معاك و إنك صاحبه و عارف كل حاجة عنه و لآخر مرة بسألك إيه اللي زعل اخوك ؟
رد صفوان و قال بكذب
- مش عارف صدقني يا بابا أنا كنت بلعب مع صحابي و لقيت واحد صاحبه بيقولي اخوك وقع في المسرح و بيترعش جامد، فـ عرفت إن النوبة جت له بعد كدا قلت للدكتورة و هي اتصرفت لما اديتها لها العلاج بتاعه
أومأ نوح بهدوء قائلا
- ماشي يا صفوان هعمل نفسي مصدقك، بس لو عرفت السبب صدقني مش هرحمك
كانت آخر محاولات نوح هي التهديد لكن صفوان كان على مبدأهُ ثابتًا، غادر نوح تاركًا ابنه يعاتب أخيه قائلا
- قلت مليون مرة يا طلال بلاش البت دي و أنت مسمعتش كلامي، عجبك كدا !! اهي ضحكت عليك الشلة كلها
بلع طلال لعابه و قال بهدوء
-خلاص يا صفوان مش قادر اتكلم كفاية ارجوك
رد صفوان بوعيد
- و الله العظيم ما هاسيبك يا سالي الزفت أنتِ و لا أنت كمان يا سراج ماشي مبقاش صفوان لو ما ضحكتش عليكم المدرسة كلها
حرك نوح رأسه بعد أن علم ما حدث لابنه
كان على يقين أن ابنه دخل علاقة غرامية و هو بالصف الثالث الأعدادي تأثر بفراق حبيته أم خدعته لا يعرف على وجه الدقة لكن الأمر بات واضحًا وضوح الشمس، التزم الصمت حتى يعود لابنه كامل صحته ثم يحدثه بعقلانية .
في صباح اليوم التالي
كان طلال جالسًا في غرفته يستذكر دروسه، يشعر بتعبٍ بسيط لكنه لا يريد أن يذهب إلى المدرسة خوفًا من المواجهة، الوضع بالنسبة له بات مقززًا طرق نوح باب غرفته قبل أن يلج، أمر طلال بالدخول ابتسم والده و قال:
- بطلنا الهُمام بيعمل إيه دلوقتي ؟
بادله طلال ذات الإبتسامة و قال
- بذاكر يا بابا
جلس نوح على حافة الفراش و قال بجدية
- هو أنا مش معارض إنك تذاكر بس اللي معارض في هو إنك تهرب و تعمل زي اللي عامل عاملة !!
- مكسوف يا بابا
- من إيه ؟!
- من اللي حصل امبارح حضرتك متعرفش شكلي كان عامل ازاي و لا....
رد والده مقاطعًا بنبرة مغتاظة حاول أن لا يظهرها حتى لا يزعج ابنه
- مكسوف من إيه معلش ؟! هو أنت عاوز تفهمني إن اللي عمل فيك كدا ناس سوية و أنت يا عيني المريض ؟!
وضع نوح قدح القهوة على سطح الكومود و قال بجدية
- هو انا المفروض اخدك في حضني و اطبطب عليك و اقول يا ابني يا حبيبي المريض اللي الناس اتريقت و ضحكت عليه و لا انقلك من المدرسة خالص عشان مترجعش تشوف وشوش الناس دي تاني
ختم حديثه قائلا بحدة
- و تسترجل كدا و تقف على حيلك و تنتبه لدروسك و ما تبصش وراك و تعرف اللي ضحك عليك دا إن هو اللي مريض و إن هو اللي عنده نقص و بيحاول يوصل لغيره إن زيه
وقف عن حافة الفراش و تكلم بنبرة أهدأ من ذي قبل قائلًا
- من بكرا ترجع مدرستك و تشوف حياتك طبيعي لأن ما فيش حاجة فيك أصلًا تقول غير كدا، أوت ربنا مديك نعم لو قعدت تعد فيها من هنا للصبح مش هنعرف نخلصهم أنا مش هاقل لك إنك كامل لأن الكامل لله وحده بس هاقل لك إن واخد كل حاجة ربما كتبها لك و لو حاسس إنك أقل من غيرك يبقى العيب فيك مش حد تاني، القناعة كنز لا يفنى و لو فضلت تبص للناقصك عمرك ما ها تتقدم خطوة واحدة في حياتك .
كان نوح يدعم ولده بطريقته الخاصة، رغم الحزن الذي يعتري قلبه لكنه يحاول التظاهر بالعكس شعوره ابنه بأن هناك شيئًا كبير ينقصه يؤلمه رغم كل هذا الدعم الذي يتلقاهُ طلال إلا إنه يحاول التأقلم مع حياته.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة سنوات
تغير فيها الكثير و الكثير، تخرج طلال من جامعته و بدأ العمل كـ مُعلم في إحدى المدارس الحكومية
أما آسر و آدم عملا في هندسة الديكور كونهم توأمان و احلامهم مشتركة كـ ملامحهم، أما سيدرا تخرجت من كلية الفنون الجميلة كم تمنت في صغرها، حاولت أن تعمل أي شئ يُشغلها وقت فراغها لكنها دائمًا تقابل هذا بالرفض التام من الجميع .
العمر يمضي و لا احد كيف مضى لكنه مضى منه الكثير الكثير جدًا لدرجة أن تلك المدللة الشقية الصغيرة أمس أصبحت عروس اليوم، تبقى أقل من شهر تقريبًا و تذهب سيدرا لبيت حبيبها زميلها في الجامعة طيلة الأربعة أعوام، اما الجدة ولاء
فهي كما هي لم يتغير فيها شيئًا سوى تقدم العمر
يشاكسها الأحفاد و احفاد الأحفاد، مازالت تجمع العائلة و مازالت توصي عابد بإحتواء العائلة و عدم تفرقتهم حتى لا ينـفرط حبات العقد .
اليوم يوم الخميس اجتمعت العائلة في شقة الجدة لقضاء اليوم معها، بدأ صفوان مشاكستها غامزًا الجالسين بطرف عينه قائلا بجدية مصطنعة
-متزعلش نفسك يا طلال احنا نقسم البلد نصين
-ازاي يعني ؟
- أنا اقل لك أنت تاخد الشقة اللي بتدي فيها دورس و مبتفصلش و ماشي زي الساعة كدا انا ما بنقش و لا عيني مدورة عشان ماتقلش دا حسد انا بفهمك بس
-صفوان اخلص عاوز إيه بالظبط
-أنا هاخد الشقة دي
-شقة دي ازاي يا واد و أنا فين ؟
- متقلقيش يا لولو هاتقعدي معايا أنتِ هتاخدي الاوضة دي على قدك و انا مراتي نجري ورا بعض في باقي الشقة
شقة مين اللي تاخدها مني و اوضة إية اللي تقعدني فيها إن كان ابوك مش فاضي يربي أنا فاضية إلا شقتي محدش يجي جنبها عشان منزعلش من بعض يا ولاد المحمدي هتعملوا لي فيها رجالة هابعت اجيب أهلي من البلد و تبقى عركة و عليا و على اعدائي
ضحك الجميع على مشاكسة صفوان الذي لم يكل و لن يمل من مزاحه معها، ضحك من نابع قلبه على وعيدها مستندًا على كتفها حين تحدثت بجرأتها المعهودة و وصفه بالوقح، ختمت حديثها بقلة حيلة قائلة:
- هو أنا موعودة يا ربي بالواد و ابنه و ابن ابنه كمان طمعانين في شقتي !!
❈-❈-❈
في صباح أحد الأيام
استيقظت فتاة تجاوزة السابعة عشر من عمرها، مفعمة بالحيوية و النشاط، نظرت لللمنله الموضوع على الكومود و جدتها السادسة و النصف صباحًا
نهضت من الفراش متجه حيث خزانة دولابها، اخرجت ملا بس مدرستها المنمقة، ثم جذبت المنشفة و وضعتها على كتفها، كادت أن تلج المرحاض لكن منعها أخيها الصغير، هرعت والدته خلفه قائلة بعتذار
- معلش يا ورد أصل الواد هيتأخر على المدرسة
ردت ورد بتأفف قائلة
- لأ و أنا اللي ورايا حفلة يعني !!
داعبت خدها و قالت بإبتسامة واسعة
- صباح الخير يا وردتي دقيقتين و اطلعه لك
ابتسمت ورد إبتسامة مزيفة لزوجة أبيها، التي تعاملها بلطف تارة و تارة أخرى تنقلب عليها، لكنها تقدر ذلك بسبب حملها تبرر دائمًا لها تعبها، ولجت
المطبخ لتتناول أي وجبة سريعة، ظلت تبحث عن الطعام لم تجد شيئًا، تأففت و قالت بضجر
- يعني إيه يعني مش هافطر يعني و لا إيه ؟!
ردت زوجة أبيها قائلة بيأس
- ها نعمل إيه بس يا ورد اصبري أبوكِ زمانه جاي من تحت بيجيب العيش
تركت ورد العلبة الفارغة و قالت بضيق
- أنا مش عارفة أنتِ اتجوزتي ابويا دا على إيه ؟!
خرجت من المطبخ عائدة لحجرتها، بدلت ثيا بها في ضيقٍ، استيقظت شقيقتها إثر الفوضى التي عمت المكان، وضعت يدها على وجهها و قالت
- إيه الدوشة دي !!
استدارت ورد قائلة بنبرتها الساخرة قائلة كـ عادتها
- صباح الخير أناهيد هانم تحبي الفطار النهاردا يكون في الترايس و لا الجنينه و آسفين لإعازج حضرتك بس الخدامين بيشيلوا الورد بتاع امبارح
نهضت أناهيد و على ثغرها إبتسامة ساخرة و هي تقول
- يار يت تحضروا لي الحمام
دفعتها ورد في كتفها لتسقط على الفراش مرةً أخرى خرجت من الغرفة وو لجت المرحاض أخيرًا
بدأت تمشط شعرها الطويل ثم تقعصه على هيئة كعكة وضعت حجابها نظرت لوجهها نظرة أخيرة قبل أن تغادر المرحاض، سألتها اناهيد قائلة
- كل دا في الحمام
- حطوا مراية في الأوضة و أنا ارحمكم من الحمام بدل الطابور اللي بنعمله كل يوم دا ؟!
- استني أنتِ هاتنزلي ؟
- اه في حاجة ؟!
- استني هانزل معاكِ
- لأ عندي درس النهاردا الساعة تمانية مع نفسك أنتِ بقى سلام
عادت لها و قالت بتذكر
- صحيح أنا ليا عندك عشرة جنيه حق أكل امبارح ابقي اديها لـ صفاء مرات ابوكِ سلام
خرجت ورد من بيت والدها و هي تحمل الكتب بين ذراعيها شاردة الذهن، دائمًا شاردة، هادئة، و حزينة منذ وفاة والدتها و قلبها انشطر لنصفين، أما
والدها علاقتها بهِ مجرد علاقة بين عادية أقل من العادية والدها يبدل بين النساء كمن يبدل بين ثيابه آخرهما صفاء تلك المرأة التي تجاوزت الخامسة و العشرين من عمرها، تزوجت برجل في عمر أبيها تزوجت لتهرب من سجن أهلها لـ تلج بسجن أشد قسوة منه، و قعت في رجل بينه و بين كلمة اصرف ما جيب نيران مشتعلة، توقفت ورد أمام بيت الأستاذ طلال المحمدي مُعلم اللغة العربية رشحته لها إحدى صديقاتها، يتقاضى أجرًا عاليًا بالنسبة لها لكن ماذا تفعل هذا يُعد أقل المعلمين أجرًا، تعد الأيام و الليالي لتنتهي من السنة الأولى من الثانوية العامة، تعمل و تتدرس بآنٍ واحد حتى تستطيع دفع ثمن الدورس التي تحضرها، جلست على رصيف حجري في إنتظار زميلاتها في المجموعة، نظرت في ساعة معصمها وجدتها السابعة و النصف صاحبًا مازال متبقي نصف ساعة تقريبًا حسنًا سوف تبدأ مراجعتها قبل الأختبار.
في الطابق الثالث
كان صفوان خلف الستار يراقبها، و هي جالسة
راجعت المذكرة خمس مرات حتى الآن، أتت إحدى صديقتها بدأت تتحدث معها ابتسمت حتى كشفت الإبتسامة عن غمزتها التي تزين خديها ابتسم هو الآخر تلقائيًا، جميلة ، هادئة
ناعمة، و غير مصطنعة، لفتت إنتباهُ من الوهلة الأولى، في حين تسابقت الكثيرات من زميلاتها لفت النظر له، حثه قلبه في أول لقاءٍ بينهما أن يلج شقة أخيه ينظم له المكان و يوزع المذكرات للمجموعة، نظرًا لتعبه وضع لكل واحدة منهن مذكرتها الخاصة، تسلم من الجميع المصروفات عدا هي لأنها فازت بالمركز الأول رغم أن هذا اللقاء يعد الثالث لها آنذاك
إلا إنه الأول بينهما، لم يرأها يومًا تضع مساحيق التجميل، و لم تتبع الموضة في حجابها كما يرَ الكثيرات تفعلن ذلك، كانت بسيطة، بسيطة لدرجة أنها لفتت إنتباهُ من النظرة الأولى، علم اسمها و في أي سنة تحديدًا و من أي مدرسة هي، تبقى شيئًا واحد لا يعرفه لماذا يرَ نظرة الحزن في عيناها.
انتشلته أخته سيدرا و هي تضع يدها على كتفه قائلة بإبتسامة واسعة:
- مزهقتش من الوقفة كدا و لا هي منسياك الوقت ؟
استدار صفوان لها و قال باسمًا
- ها تصدقيني لو قلت لك إن لما بشوفها بنسى نفسي و أنسى اللي حوليا كلهم !!
أومأت برأسها علامة الإيجاب ثم قالت
- طب تفتكر هي تعرف دا ؟!
شاح بوجهه تجاه النافذة وجدها تقف عن الرصيف الحجري و تنهد تنهيدة عاشق يذوبُ عشقًا في معشوقته و قال:
- خايف تعرف تسيب درسها مع طلال و معرفش اشوفها تاني، و خايف اسكت أكتر من كدا تروح مني لحد غيري و افضل طول عمري ندمان فـ بفضل عاشق صامت أفضل من عاشق حزين إن حبه راح منه
ردت سيدرا بإبتسامة قائلة
- للدرجة دي بتحبها ؟!
- و أكتر يا ديدا
ردت بإقتراح قائلة
- تحب اسأل لها لكـ...
قاطعها صفوان و قال بتوسل
- ارجوكِ يا ديدا خليها كدا احسن أنا مش ضامن كلامك هي ها ترجمه ازاي ؟!
نظر ساعة صفوان في ساعته المثبتة على معصمه وجدها تبقى خمس دقائق تقريبًا و تأتي من يعشقها و يذوبُ بها عشقًا، ابتسمت سيدرا و قالت:
- بس دا مش حل ها تفضل لحد إمتى بتحب على نفسك كدا و هي مش حاسة بيك على الأقل لمح و شوف رد فعلها
- مش دلوقت خليها قدام شوية
- أنت بقالك سنة بتقول الكلام دا !!
- قصدك سنة و شهرين و عشرين
نظر في لآخر مرة ثم قال بإبتسامة واسعة
- و دقيقتين بالظبط
غادر الحجرة متجهًا حيث شقة أخيه المقابلة لشقة والده، ولجها و بدأ يوزع المذراكرت على المجموعة حتى يأتي أخيه وقفت ورد و قالت له بصوتٍ يكاد أن يكون مسموعًا
- أنا استأذن حضرتك إنك تقول لمستر طلال الفلوس الحصة
رفع بصره لها وجدها تحدثه بنبرة مختنقة إثر الدموع الحبيسة في ملقها و قالت
- و الله الفلوس كانت معايا بس ضاعت تقريبًا كدا وقعت مني و أنا أول مرة اعمل كدا و آخـ...
رفع كفه و قال بذات النبرة و الإبتسامة البشوشة تزين ثغره
- مافيش مشكلة اقعدي و متشغليش بالك
- شكرًا ربنا يكرمك يارب
لو كانت شحاذة لما كانت تدعو بهذه الطريقة التي مزقت نياط قلبها، اللعنة على المال الذي
يجعل صاحبه ذليلًا، كادت أن تتوسله على الرغم من إنه لم يمانع أو يطردها كما يفعل بعض المعلمين الماديين التي وقعت تحت رحمتهما خطت بالقلم الجاف اسمهاعلى المذكرة و بداخلها سعادة غامرة، انتظرت مع زملاتها ما يقرب العشر دقائق، أتى طلال اعتذر عن التأخير غير المقصود، بدأ شرح الدرس بهدوئه المعتاد و لكن قبلها اسئلة عن
الدرس السابق، توقف لحظة و قال بغضبٍ مكتوم
- مشمعقول محدش مركز غير ورد !! لا مذاكرين اللي فات و لا مركزين في الجديد اومال جاين الدرس تعملوا إيه ؟!! لآخر مرة هاسمح بالإستهتار دا !! اللي مش هاتيجي مذاكرة و مركزة ما تجيش أفضل و توفر تمن الحصة
حركة فعلها ليُسيطر على الأمر من جديد، ما أن شعر بتسيب من الطالبات، اعتدلت كل واحدة منهن في جلستها و بدات تنتبه لشرحه
سيطر على الأمر كالعادة، اكثر من ساعتين و نصف تقريبًا يقف و يجلس يدور حول اللوح الخشبي ليكتب و يسأل، إرهاق شديد يشعر بهِ
و هذا يعرضهُ لنوبة جديدة هو في غنى عنها
جلس أخيرًا و قال بنبرة منهكة
- و بكدا نكون خلصنا درس النهاردا و رجعنا على اللي فات بأمر الله في امتحان الحصة الجاية و اللي هاياخد المركز الأول لي جايزة و هتعجبه أكيد .
ردت إحداهن قائلة
- قصدك ها تعجب ورد يا مستر هي في غيرها بياخد الأول دايما
ردت ورد قائلة بهدوء
- ذاكري و خديها يا ستي أنا مش عاوزها
- اخد فضلتك يعني ؟!
- فضلتي !!
قطـ ـع طلال حديثهن قائلا:
- بس كفاية الحصة خلاص انتهت و زي ما قلت الامتحان جايزته حلوة و مش فضلة حد
يا تيسير !!
لملمت ورد متعلقاتها سريعًا قبل أن تحتك بصديقاتها خرجت من الشقة في ذات الوقت الذي خرج فيه صفوان، ظل يراقبها من العين السحرية و عند خروجها تظاهر بأنه وجدها تهبط معه الدرج في ذات الوقت، تراجعت احترامًا له لكنه أشار لها بأن تهبط أولًا، وافقت
و اخذت تقفز بين سلالم الدرج بخفة و سرعة
وصلت للبوابة الحديدية، انتظرت حتى تلج المجموعة التي حان موعدها، و عند دخول آخر فتاة خرجت هي، سارت يمينًا تجاه بيت جدتها يبعد عن بيت أستاذها بعدة امتار، دفعت البوابة الحديدية و ولجت، هتفت عدة مرات كانت الجدة تأكل شطائر ساخنة بالجبن و العسل دفعتهم أسفل الأريكة حتى لا تشاركها فيهما، جلست ورد على المقعدة بعد أن نزعت عنها حجابها ثم لوحت بيدها على وجهها قائلة:
- الجو صعب اوي النهاردا
سألتها جدتها بنبرة مقتضبة قائلة:
- جاية ليه يا ورد ؟
اجابتها ورد بذات النبرة قائلة:
- مش جاية اتأمل في جمالك يا ستي جاية و عاوزة المتين جنيه اللي استلفتيهم مني الأسبوع اللي فات
لوت الجدة فاها و قالت بحسرة:
- منين يا حسرة ؟ دا أنا على يدك لسه باعتة اشتري داو ضغط و قلب...
قاطعتها ورد قائلة بغضبٍ مكتوم قائلة:
- و الله ما أنا ناقصة وجع قلب، هاتي الفلوس خليني اسد الديون اللي عليا كفاية الفلوس اللي ضاعت مني
- ضاع منك كتير يا بت ؟
- ضاع اللي ضاع اخلصي و هاتي الفلوس أنا تعبانة و مش حِمل مناهدة
ولج بن خالها و بيده عقاقير طبية و باقي نقود الدواء الناقص، كاد أن يتحدث لكنها التقتطهم منه بدأت في العد أخذت حقها و تركت الباقي و قفت عن المقعد وصعت النوقد في يد جدتها و قالت:
- أنا مش حرامية يا ستي، أنا خدت حقي و الباقي اهو، و بعد كدا مش قد السلف ما تستلفيش سلام
ردت الجدة بنبرة مغتاظة قائلة:
- طبعًا ما أنتِ ها تطلعي لمين غير لأبوكِ واطـ... و قلبك جاحد زيه
عادت ورد و نظرت لجدتها ذات النظرات التي تحدقها بها إبتسمت بجانب ثغرها و قالت:
- أنا لو طالعة لحد فأنا طالعة ليكِ يا ستي و ايوة أنا جاحدة و البركة فيكِ و في تربيتك ليا
- اخس عليكِ يا ورد و هي دي حق التربية و بتعملي بيها يا بت دا أنا ستك أم امك يعني في مقام امـ....
ردت ورد مقاطعة إياها قائلة
- أنا محدش في مقام أمي الله يرحمها و لو أنتِ امها كنتِ بصحيح كنتِ علمتيها إن الدنيا دي زي ما بتدي بتاخد و إن لما بتاخد بتاخد اوي كمان مش تطلعيها ضعيفة كلمة تجبها و كلمة توديها
نظرت أسفل الاريكة و قالت بإبتسامة ساخرة
- ابقي خبي الفطير و الجبنة حلو المرة الجاية
و لا بلاش أنا أصلا مابحبش الفطير ، سلام يا جدتي العزيزة
- ماشي يا بنت نادية بكرا تحتاجيني و مش هاتلاقيني
ابتسمت ورد إبتسامة جانبية ساخرة ثم صفعة باب الشقة خلفها دون أن تستدار، بينما ردت الجدة قائلة
- اتقفل في وشك باب الرحمة، ها قول إيه ما هي دي خلفة كرم و اللي بيجي منها.
يتبع