-->

رواية روضتني -الجزء الثالث من احببت طريدتي -للكاتبة أسماء المصري -الفصل العاشر ج٢

رواية روضتني الجزء الثالث من احببت طريدتي
 للكاتبة أسماء المصري



رواية روضتني

الفصل العاشر ( الجزء الثاني) 


تحركوا جميعاً بسيراتهم ولقرب بيوتهم من بعضها البعض توقفوا بجوار أسوار بيت والدهم ونزل مراد ودينا ينظرون لأبنائهم وقالت اﻷخيرة برجاء:

-ما تيجوا يا ولاد تباتوا معانا بدل ما افضل قلقانه عليكم، الحكاية فيها إن وأنا خايفه.


أبتسم مازن وربت على ظهرها ناظرا لسيارته وتلك النائمة بداخلها قائلا:

-حبيبتي يا ماما متخافيش، ربنا هو الحافظ ما انتي شايقة چنى نايمه خالص على نفسها ازاي.


عقبت هاتفة:

-الحمل جايلها بالنوم يا حبيبتي، ربنا يحفظها هي وشيرين يارب.


نظرت لساجد ففهم نظرتها وكأنها تسأله وماذا عنك ولكنه رد:

-مش هينفع عشان محتاج أرتاح في بيتي يا ماما معلش.


ضحكت ساخرة وقالت بتذمر:

-خلاص كلكم مبقتوش ترتاحوا إﻻ في بيوتكم، ما انتو عيشتوا هنا سنين طويله.


رد مازن وهو يقبلها من أعلى رأسها:

-الكلام ده مينطبقش عليا، أنا طول عمري عايش بره.


دفعته بحزن وهي تنظر لهما وقالت:

-البيت فضي عليا يا ولاد.


سحب مازن أخته الصغرى واوقفها أمامها وقال:

-بيري اهي يا ماما معاكي وكفايه دوشتها تملى عليكي البيت.


دفعته بغلظة وهي تنظر له بحدة فابتسم لها غامزا بطرف عينه وانحنى يهمس لها بمشاكسة:

-موضوعك وصلني، افوق من اللي حصل ولينا قاعدة مع بعض.


نظرت له بتوتر فغمز لها بطرف عينه فاطمئنت قليلا لبشاشة وجهه وربما قبوله الأمر، غادروا كلٍ بسارته حتى وصل مازن إلى أعتاب باب منزله فنزل والتف لبابها وحملها برقة، فأحكمت ذراعيها حول عنقه ودفنت رأسها بتجويفها؛ فأغلق باب سيارته بقدمه ودلف للداخل.


صعد الدرج ووضعها على الفراش فأخرجت أصوات خمولها وكسلها وهي تتمطع بجـ سدها بنعومة وهمهمت بنعاس:

-مازن.


اقترب منها بعد أن تحرر من سترته وربطة عنقه

-نعم يا حبيبتي.


ارتفعت بجـ سدها واحتضنته وهمست بخفوت:

-قلب واجعني أوي على ميار.


مسح هلى ظهرها بيده وابعدها لينظر لوجهها وابتسم بهدوء:

-قضاء ربنا يا حبيبتي، المهم متزعليش نفسك عشان النونو بيحس بيكي.


استطاع جعلها تبتسم بالرغم من حزنها؛ فسألته بحب:

-يعني فرحان اني حامل بجد؟


أومأ وهو يقبل راحتها مؤكداً على حديثها؛ فنظرت له بوله وعشق فبادلها هو نظرات الحب والاشتياق، وطالت النظرات بينهما حتى اقتربت هي تقبله قبلة عاصفة أخرجته من حالة الحزن وجعلتله يحلق معها بسماء حبها الغض، ولكنه أبتعد فور أن وجد نفسه سينساق لما تريد فعله وقال وهو يتوجه للمرحاض:

-ريحتي كلها دخان وشياط، استنيني آخد شاور بسرعه واجيلك.


غمز لها وهو يتحرك فعقبت هي عليه:

-وانا هنزل اجهز لنا أي عشا أحسن جعانه اوي.


اتسعت بسمته وهو يعقب على حديثها بمزاح:

-ايوووه، شكلي هعاني من كل حاجه كنت بألس عليها مع فارس وياسمين، ربنا يستر

❈-❈-❈

وصلا للمنزل وصعدا لجناحهما فلم يتحدث معها ودخل ليغتسل من رائحة الدخان التي علقت به، وعندما خرج وجدها ترتدي ملابس نوم مثيرة وتجلس على الفراش بانتظاره فرفع حاجبه متعجبا مما ترتديه وتسائل بمزاح:

-بكره العيد ولا ايه؟


تضايقت من مزحته فقالت بحدة:

-لا كده عاجب ولا كده عاجب!


اقترب وجلس بجوارها وامسك خصلاتها المجعدة والطويلة ورد عليها بنبرة حنونة:

-انتي عجباني في كل اﻻحوال يا حبيتي، وانتي رفضاني و وانتي عيزاني مع اني اشك يعني.


قوست فمها بضيق فابتسم لها وقال بهدوء حاول أن يضيفة لنبرته الحادة:

-من بين كل اﻻيام شوفتي إن انهارده يوم مناسب للبس ده وللتلميح ده! أنا بجد مش فاهمك!


ابتلعت غصتها بداخلها فماذا عليها أن تفعل أو تقول له، هل تقول أنها تحاول جاهدة حتى تنقذ حياتها المهددة بالفشل؟ أم تقول أنها شعرت بالغيرة تجتاحها عندما رأت ابنة عمها وهي بين أحضان زوجها العاشق يتبادلان القبلات بحميمية أذابتها وجعلتها تريد أن تعيش وتشعر بما شعرت به لمجرد مراقبتها لهما.


اطرقت رأسها لأسفل بحرج فاقترب منها وهمس لها بهدوء ورزانة:

-آسف لو كلامي جرحك، بس أنا فعلا دونا عن كل اﻷيام اللي فاتت وكنت هموت عليكي فيها، فأنا انهارده بالذات مش مستعد.


رفعت وجهها تنظر له بضيق وردت:

-براحتك يا ساجد، بس متجيش بعد كده وتقولي إن المشكله فيا.. اديني أهو بحاول وأنت اللي مش مستعد.


رفع حاجبه ينظر لها بحيرة ولكنه ضحك ساخراً وقال وهو يقترب منها بخطوات بطيئة:

-لا وانتي الصادقة، انتي اللي عامله ذكيه ومختاره انهارده مخصوص عشان عارفه ومتاكده أنه مش هيحصل، وتبقي عملتيها بجميله وكأنك تمام وأنا اللي عندي مشكلة.


رمقته بنظرة حادة فقال بحدة:

-متبصليش كده، أنا عارف أنا بقول ايه يا شيرين إحنا مش متجوزين انهارده.


ادارت وجهها عنه وزفرت أنفاسها باختناق واستمعت له يتذمر قائلا:

-ده حتى لو كان فعلاً وبجد عيزاني فأنتي اختارتي الوقت الغلط لده، عيلة الفهد كلها واقعه في مصيبه غير الناس اللي ماتت وسامي اللي عزاه الصبح وبجد مشوفتش أغبى من كده تصرف.


تركها ودلف غرفة الملابس ليرتدي ملابسه فشعرت بنفسها تحترق وتمتمت بداخلها:

-هو ده رده لما عرضتي نفسك عليه، بجد مش قادره استوعب.

❈-❈-❈


استيقظ من نومه ليجدها جالسة بجواره تداعب شعره بأناملها فنظر لها متسائلا:

-صحيتي أمتى؟


أجابته بوجه بشوش:

-من شويه، روحت بصيت على الولاد ورجعت.


اعتدل على الفراش وتعجب من نفسه فهو معروف بخفة نومه واستيقاظه لأقل حركة بجواره، ومعروف عنها هي بثقل نومها فهتف متعجبا:

-معقول محستش بيكي! أول مره أنام كده!


ردت موضحة:

-عشان كنت مجهد أوي امبارح فطبيعي تنام كده.


سحب نفسا عميقا ووقف من مكانه وتوجه لغرفة ملابسه وخرج بعد ارتداءه لبدلته السوداء اﻻنيقة ذات القميص اﻻسود، وعاد ليرتدي ساعته الباهظة ونظر لها مشيرا إليها لتأتي له بسبابته؛ فابتسمت وهرعت صوبه فسحبها داخل حضنه مقبلا اياها قبلة عميقة وابتعد ليقول:

-طبعا مش محتاج انبه عليكي انهارده على اليوم هيمشي ازاي!


نفت برأسها لتؤكد له مطنبة:

-هجهز نفسي واتمم على البيت ومش هخرج من غير حراسه، وهكون موجوده في العزا من أوله وهستحمل فريده هانم مهما قالت وحاولت تستفزني، وهأكد على الناني تسمع كلام داده حنان وتاخد بالها من الولاد لحد ما آجي وهستناك تأكد عليا أخرج امتى وارجع امتى... في حاجه تانيه نسيتها؟


ابتسم ووضع راحته على وجنتها وخلف اذنها ونفى برأسه مبتسما لها بحب، وانحنى يقبلها من تجويف عنقها وهمس باذنها:

-براڤو عليكي، بحبك يا سلطانه.


احتضنته مرددة:

-وأنا بحبك يا فارس، خد بالك من نفسك عشان خاطري.


تأهب ونزل الدرج برفقتها فوجد ساهر وحنان بانتظاره على مائدة اﻻفطار فجلس وبدأ تناول افطاره بدون شهية؛ فاصرت هي على اطاعمه بيدها فابتسم لها وتناوله منها وسألها بحيرة:

-أومال فين الناني؟


أجابته فورا وهي تنظر لأعلى:

-فوق مع الولاد، تحب اناديها عشان تتعرف عليها؟


نفى بحركة من رأسه وهو يعقب:

-مش وقته، بالليل عرفيها اني هقعد اتكلم معاها بعد العزا.


أومأت له فنظر لأخيه وتحدث بجدية:

-ساهر.


رفع اﻵخر وجهه منتظرا أن يكمل حديثه فقال:

-خلص فطارك وتعالى معايا علشان عايزك.


أومأ له ووقف فوراً قائلا بهمة:

-انا جاهز يا فارس، يلا بينا.


تحركا للخارج ودلفا لسيارة فارس وتبعتهما سيارات الحراسة فنظر فارس لأخيه اﻻصغر وتحدث بجدية:

-أظن انت كبير كفايه عشان تقدر تعرف حجم الكارثه اللي العيلة فيها.


أومأ له وعقب فوراً:

-أنا معاك في أي حاجه عايزني اعملها، وهساعدك بكل طاقتي.


ابتسم له وربت على كتفه ولكنه عاد لتجهم وجهه وقال بحزن:

-أختك محتجاك دلوقتي أكتر من اي وقت فات، ميار بقت محتاجه راجل يعيش معاها وياخد باله منها من بعد سامي الله يرحمه.


نظر له بمعنى ماذا تعني فوضح فارس فوراً دون انتظار أو مماطلة:

-انهارده ترجع من العزا على البيت عند ميار وفريده هانم، ومن بكره تجهزوا نفسكم علشان ترجعوا للڤيلا بتاعتكم تاني.


رمقه بنظره متعجبة وقال بفضول:

-قصدك الڤيلا بتاعتك، هي مش الڤيلا اللي كنا عايشين فيها دي بتاعتك برده يا فارس؟


رد موضحا:

-ايوه، ومع ذلك سبتكم تعيشوا فيها طول السنين اللي فاتت، وعمري ما طلبت من أبوك انه يطلع منها.


أوما معقبا:

-عارف.


مسد لحيته الكثيفة وقال موضحا:

-لما مدحت بيه دخل السجن أنا جبت مامتك تعيش معانا عشان متبقاش لوحدها وأنا حسيت إن تصرفاتها مش سويه ومن ساعتها وفعلا شايف انها متتسابش لوحدها، وزاد عليهم موت سامي ومعتقدش ميار تقدر تعيش لوحدها، وغير كده انت الوحدي اللي يقدر يملى الفراغ ده، لأن انا منفعش.


رمقه بنظره متفهمة وهو يكمل:

-لا فريده هانم تنفع تعيش معايا تاني بعد اللي عملته أول مره، ولا ميار هتقبل تعيش معايا حتى لو انا اجبرت ياسمين انها تقبل بالوضع ده.


أوما مجددا ببتفهم ورد:

-مش محتاج تفسرلي اي حاجه يا فارس، انا فاهم ومقدر اللي انت بتقوله.


عقب على حديثة موضحا:

-أنا بس حبيت اوضح لك الموضوع عشان متفتكرش اني بتخلى عنك او مش عيزك تعيش معايا، ولو كانت چنى لسه متجوزتش كنت برده هعمل نفس اللي بقوله دلوقتي.


وافقه الرأي واضاف:

-مش محتاج تتبرللي يا فارس، أنا بس اتعودت على العيشه معاك وهتوحشني والله انت وجاسر العسل ده.


ربت على ظهره باستحسان:

-بيت اخوك تيجي في أي وقت يا ساهر، بس الظروف حكمت عليا وعليك بكده لأن احنا رجاله واخواتك مسؤليتنا.


وصلا لمنزل ميار ودلفا فوجداها جالسة على اﻻرض بغرفتها تمسك ملابس زوجها الراحل وتحتضنها؛ فحاول فارس أن يتمالك نفسه وجلس بجوارها هامسا:

-ميار...


صمت وانتظرها أن تجيبه فرفعت وجهها الباكي واسندت رأسها على كتفه فحاوطها بذراعه وتحدث بحنان:

-حبيبتي، حاولي تتماسكي عشان ابنك، لأنه اكيد مش هيستوعب اللي حصل.


سحبت شهقاتها بداخلها وقالت بصوت متحشرج من اثر البكاء:

-أنا لسه مقولتلوش حاجه يا فارس، مش قادره اروح له.


سألها بحيرة:

-هو فين؟


ردت باكيه:

-في اوضته، جالي من شوية يسألني ليه مراحش المدرسة وانا معرفتش ارد عليه.


زفر انفاسه الحارقة وابتلع ريقه وأومأ لها:

-خلاص، أنا هتكلم معاه بس اومي البسي دلوقتي.


تركها ونظر لساهر وهمس له:

-روح شوف فريده هانم ناويه تحضر العزا ولا لأ؟


دلف غرفة الصغير فوجده جالسا يلعب بجهازه اللوحي فابتسم له وجلس بجواره، وقال بصوت طفولي مداعبا الصغير:

-ايه اللعبه دي؟


نظر له الصغير بعدم اكتراث ورد:

-باب چي.


رفع حاجبه وسأله بحيرة:

-مش كبيره عليك اللعبه دي يا سامر؟


رفع كتفيه ورد:

-ﻷ عادي مامي بتسبني العبها، وبابي كمان بيلعبها معايا.


شرد فارس قليلا بماضيه وهو يتذكر كيف تم اخباره بوفاة والده؟ وكيف تقبل هو الخبر بمساعدة عمه مراد؟ وكم تألم لفراق والده؟ وهو اﻵن على وشك أن يعاصر اﻷمر مجدداً ومن البداية مع هذا الصغير؛ فسحب منه الجهاز اللوحي فغضب الصغير صارخا:

-هخسر كده هات التابلت.


مسك ساعده واجلسه بالقوة أمامه قال بجدية:

-اسمعني طيب وبعدها هسيبك تلعب زي ما أنت عايز.


نظر له الصغير بضيق ولكنه رضخ له بالنهاية فسأله فارس بهدوء:

-أنت بتحب مين أكتر، بابي ولا مامي؟


رد الصغير دون تفكير:

-بابي طبعاً.


تعجب فارس وسأله بفضول:

-وليه بابي طبعا؟ مامي مالها يعني؟


نفخ هواء فروغ صبره، ورد بتجهم غير مناسب لصغر سنه:

-عشان بابي بيلعب معايا وبيجيبلي كل اللي بقول عليه، لكن مامي طول الوقت بتزعق معايا ومع بابي وعامله شبه تيته كده.


ضحك وسأله مجددا:

-مالها تيته كمان؟


اجابها وعينه مرتكزة على جهازه اللوحي:

-يعني على طول مكشره ومضايقة من كل الناس وبتكره كل الناس.


ربت على ظهره وقال مؤازرا:

-بس مامي بتحبك أوي يا سامر، أهم واحده في الدنيا هي اﻷم وربنا حط الجنه تحت رجليها.


ضحك الصغير على الفور وقال ساخرا:

-وليه أنت مش بتعمل كده مع تيته؟ مش هي مامتك برده؟


حك فارس لحيته بضيق ورمقه بنظره حادة وقال بصوت خشن:

-ده كلام كبار انت متفهموش، المهم دلوقتي أنا عايز اسألك سؤال.


وافق الصغير بفروغ صبر فاستطرد اﻷول:

-أنت عارف إن ساعات في ناس بتروح عند ربنا عشان تدخل الجنه ولا متعرفش الحكايه دي؟


أومأ له موضحا:

-ايوه عارف، بيموتوا ويروحوا عند ربنا.


حرك رأسه واضاف:

-وطبعا الحياه عند ربنا احسن بكتير من الحياه هنا، عارف ليه؟


أومأ الصغير واجاب:

-عشان الناس بتعيش من غير شغل ولا تعب.


انبهر برده فابتسم فورا وصفق بيده:

-برافو عليك، أنت شاطر أوي.


ابتلع ريقه وتباطئ قليلا وقال بتردد:

-طيب دلوقتي في حد من عيلتنا راح عند ربنا، واحنا عازين نروح نسلم عليه ونودعه.


نظر له الطفل بحزن وعلقت العبرات بعينه وهو يقول:

-بابي مش كده؟


أومأ له فارس وهو يجاهد ليتمالك أمام الطفل وسأله بحيرة:

-عرفت ازاي؟


رد وهو يبكي:

-عشان مامي كانت بتعيط جامد اوي وهي ماسكه هدومه وصورته، وعشان مروحتش المدرسه وسولي صاحبي لما غاب كان باباه هو كمان راح عند ربنا، ولما رجع قال لنا إن باباه عنده قصر في الجنه.


بكى وسأله بشهقات طفولية بريئة:

-هو بابي كمان عنده قصر في الجنه؟


أومأ له واكد:

-أيوه طبعا، وهيستناكم فيه، ولو عايز يبقى عنده قصور كتير اوي افضل طول الوقت ادعيله ربنا يرحمه ويسامحه.


رفع الصغير يديه للسماء وقال ببكاء:

-ربنا يرحمك يا بابي ويسامحك.


احتضنه فارس بقوة وظل يربت عليه وهو يخفي عبراته فابتعد عنه الصغير وسأله بتردد:

-هي مامي ليه مش بتحبك؟


ابتسم له وداعب وجهه قائلا بتوضيح:

-مفيش اخوات بيكرهوا بعض، هي بس كنت بتغلس عليا عشان احبها اكتر من چنى وساهر.


سأله بطفولة:

-وانت ليه بتحبهم اكتر من مامي؟


اجابه وهو يقف ويحمله معه:

-عشان كانت شقيه وبتكسر لي اللعب بتاعتي واحنا صغيرين، بس خلاص كبرت وبطلت تكسر اللعب.


رد الصغير بضيق:

-آه .. بقت بترميهم خالص.


زغره بنظره غير مفهومه؛ فحرك فارس رأسه بحيرة فأضاف الصغير:

-كل ما تلاقي معايا لعبه تاخدها ترميها وتقولي نام ولا ذاكر ولا كل.


ضحك وتحرك به صوب خزانة ملابسه وسأله:

-وبترمي اللعب ليه؟


رد متجهما:

-عشان بلعب بيها ومش بسمع الكلام.


انزله ارضا وسحب ملابس وجدها تناسب العزاء قليلا ونزل على ركبيته لمستوى طوله وعقب عليه:

-ما كده يبقى عندها حق، بس خلاص من انهارده اي حاجه تعملهالك كلمني وأنا اجي اقرصلك ودانها.


ضحك الصغير وعقب:

-ولا حد يقدر عليها دي مفترية.


ضحك فارس رغما عنه وسأله بحيرة:

-أنت قولت لي عندك كام سنه؟


رد فورا:

-6 وهكمل 7 كمان شهرين.


بدأ بمساعدته لارتداء ملابسه وهو يردد:

-6 وداخل على 7 وغلباوي اوي كده؟ اومال لو بقيت 10 هتعمل فينا ايه؟


البسه ملابسه وتحرك معه للخارج فوجدهم بانتظاره وميار تستند على ساهر وفريده تقف بمفردها كأنها بعالم آخر فحرك رأسه ممتعضا منها وقال بصوت جاد:

-يلا عشان نلحق.

❈-❈-❈


لم يكن اليوم عاديا ومر مرور الكرام مثل سابقيه، ولكن كان اليوم محملا بالكثير من مشاعر الحزن واﻻسى والكثير والكثير من البكاء والصرخ ايضا، ومر فارس بأصعب يوم بحياته كله بعد أن وقف مؤازرا لأخته الصغرى بفاجعتها؛ حتى انتهى من دفن زوجها وتحرك بعدها لمؤازرة عائلات الضحايا من عماله الذين فقدوا حياتهم أيضاً، ولاقي ما لاقاه من هجوم من بعض العائلات المنكوبه ولم يستقبله جيدا إﻻ القلة القليلة التي رحبت به لأداء واجب العزاء.


غادر عزاء سامي مساءاً واصطحب زوجته لمنزلهما ودلف باجهاد واضح للعيان فأسندته زوجته حتى صعد لجناحهما وتمدد على الفراش بكامل ملابسه؛ فحاولت هي أن تتحدث معه فهو لم ينطق ببنت شفه منذ أن غادر العزاء:

-فارس.. مش هتغير هدومك؟


رد بايجاز:

-مش قادر اتحرك.


دلفت غرفة ملابسه واحضرت منامته واقتربت منه هاتفه برجاء:

-طيب خليني اساعدك عشان تنام.


رفض معقبا:

-سبيني يا ياسمين مش قادر.


حزنت لحالته فقالت وصوت البكاء عالقا بحلقها:

-طيب ارتاح وأنا هعمل لك ساندوتش عشان..


قاطعها رافضا:

-بقولك مش قادر، سبيني أنام.


مسحت عبراتها وجلست بجواره قائلة بمؤازرة:

-ربنا يقويك ويصبرك، أنت طول عمرك قوي وهتقدر تعدي اللي حصل إن شاء الله.


لمعت عينه بالغضب واعتدل بجـ سده هاتفا بحدة:

-اعوض ايه؟ اعوض الفلوس ولا اﻻرواح اللي ماتت وبقت ذنبها في رقبتي، ولا اعوض الاهالي اللي اتشردوا ومبقاش لهم رب أسره يصرف عليهم؟


صرخ بنهاية حديثة وهو يسألها:

-اعوض ايه فهميني؟


شعرت به على وشك اﻻنهيار، ولأنها تعلمه جيدا فهي الآن تعلم أنه ليس بحالته الطبيعيه؛ فعملت على امتصاص غضبه وثورته وردت بتماسك زائف:

-كل حاجه بايد ربنا ومفيش حاجه من اللي حصلت كانت بايدك توقفها وأنت معملتش، دة قضاء....


قاطعها صارخا بغضب جحيمي:

-اهتميت أئمن اللي مني وسبت الناس الغلابه للوحوش دول، كنت اقدر ائمنهم بس أنا حطيت اولويات ومكانوش هم في اولوياتي، استهتاري بارواحهم هو السبب في اللي حصل، عرفتي بقى ذنبهم متعلق في رقبتي ليه؟


لأول مره تجده على هذه الحالة فلم تعرف كيف تتعامل معها؛ لذلك آثرت الصمت واطرقت رأسها لأسفل ولكن صمتها لم يثنيه عن ثورة غضبة فأضاف بحدة:

-كنت المفروض اتصرف بذكاء عن كده، بس غروري خلاني فكرت انهم ميقدروش يعملوها، ذكائي خاني والتمن دفعه سامي هو والعمال الغلابة اللي شغالين عندي.


فضولها لمعرفة مجريات الأمور زاد بسبب تحدثه عن اﻷمر بهذا الشكل، ولكنها حقا خائفة من سؤاله فبللت شفتيها بطرف لسانها وسألته بالنهاية بتردد:

-هم مين دول اللي بتتكلم عنهم؟ مين الوحوش اللي عملوا كده يا فارس ومهددينك بالشكل ده؟


رد فورا ودون تفكير وكانه تخلى عن حذره:

-تجار السلاح والمخدرات اللي كان شغال معاهم مروان الفهد.


يتبع.....