-->

رواية عقوق العشاق - بقلم الكاتبة هدى زايد - الفصل الثاني والثلاثون

 


رواية عقوق العشاق

 بقلم الكاتبة هدى زايد




الفصل الثاني و الثلاثون 

رواية 

عقوق العشاق 



تسمر كلًا من بيجاد و تيم على  إثر صرخاتهن

و سقط السلاح النا ري،  هرع الأثنان نحو الجد 

حاولوا فحص جسده لكنه أشار بيده و قال بهدوء بعد أن حاول جمع شتات نفسه 

- الحمد لله أنا بخير  مافيش حاجة 


تنهد الجميع بإرتياح شديد،  ثم  اقترب تيم من بيجاد ليتشاجر معه من جديد، لكن منعه الجد و قال بعصبية 

- إيه عاوزني ا تقـ تل المرة دي !!


هدر بصوته و قال 

-  ابوك يا واد أنت و هو سايبنكم تقطـ عوا في  بعض كدا ازاي ؟! 


خرج مالك و قال بعصبية 

- اخويا الكبير بدل ما بيحل يا عمي بيعقد بدل ما بيطبطب بيقسي بدلدما بيقول لابنه 

دول اخواتك و دا عمك بيقول برافو و كمل يا حبيبي و أنا في ضهرك !! هو دا عابد ياعمي 


رد عابد بذات النبرة و قال 

- لأ و أنت اسم الله عليك يا حنين مضربتش اختك و طردتها و لا عاوز تمد ايدك على بنتي و تمسح بيها بلاط الشقة ليـــه عدمت ابوها و لا اخوها ؟! 


رد ريان و قال بإبتسامة ساخرة 

- الله دا إنتوا متفاهمين و كبار اهو لا و أنا اللي مستغرب ازاي الواد ماسك في ابن عمه !! اتاري الاخوات واكلين بعض اصلا  


نظر حوله و قال بتساؤل 

- اومال فين نوح ؟ 


ردت ملك بإبتسامة فشلت في كبحها و قادت 

- اخد رُبى و طلع شقته 


اتسعت أعين عابد و هو يستدار بجسده كله تجاه ابنة أخيه و قال بغضبٍ مكتوم 

- قلتِ راح فين ؟ 


ردت ملك بتوجس من ردة فعل عمها و قالت 

-و الله يا عمو أنا شفتهم طالعين الشقة و... 


رد تيم بغضبٍ لا يزيد عن غضب والده مندفعًا تجاه باب الشقة و قال 

- أنا هاطلع اجيبها من شعرها و اعـ.... 


تيم خلاص نوح خد مراته و طلع يبقى المشكلة خلصت و كأن مافيش حاجة حصلت !! 


اردفت الجدة عبارتها و بداخلها راحة كبيرة بأن تصرف نوح كان الأفضل و السريع على الإطلاق بينما تفاجأت برد تسم الذي رفع صوته عليها دون قصد، صفعه والده صفعة مدوية و هو يرفع إصبع الشهادة و قال 

- حسك عينك ترفع صوتك على ستك كلمة ستك تمشي على الكبير قبل الصغير في البيت دا


رد تيم بغضبٍ مكتوم 

- ايوة بسـ....


هدر عابد بصوته و قال 

- لما تقل لك اسكت تبقى تخرس خالص و صوتك مايطلعش و تقلها حاضر و نعم حتى لو غلط تقلها حاضر.


انتهت المشاجرة و هدأ الوضع قليلًا رغم مشاحنة الجميع تجاه بعضهم البعض،  هبط نوح و جلس جوار جدته بعد أن صافح ريان 

بدأ  يتحدث بهدوء و عقلانية إلى أن هدر عابد بصوته و قال بغضبٍ جم و هو يضرب بكلتا يده على سطح المنضدة الخشبي 

- مش هعيد كلامي تاني يا نوح بنتي ترجع لي بالذوق  انا احترمت ستك و قلت مش هطلع اجيبها نزلها أنت بقى 


رد ريان قبل أن يرد نوح و قال 

- هو أنت عندك عفريت اسمه بنتي ترجع لي ما الواد عاوز البت و البت عاوزاه و أنا و انت عارفين إن دا شغل ستات يبقى الصح بيقول إنهم يقفلوا عليهم بابهم و كل واحد يخلي في حاله 


رد عابد بغضبٍ مكتوم 

- يا عمي البت بتسمع كلام زي السم من مرات عمها و بتعدي و مبتتكلمش عشان معرفش بس النهاردا اتعدت حدودها 


تابع بقهـ ـرٍ   وهو يشير بسبابته تجاه اخيه 

- و اخويا اللي بقول هايحل محلي و يجيب لبنتي حقها من عين ابنه راح يقول لاختي دا امسح بيها بلاط الشقة  


رد مالك مدافعًا عن نفسه و قال 

- هو أنا لما بقولش لبنتي كدا ؟  و لا هي بقت بنتي و بنتك يا عم عابد ؟!  و بعدين هي دي اول مرة اقولها لها و لا أنت اللي مش طايق لي كلمة على العموم انا سايب لك المكان  وماشي عشان ترتاح  و إن على بنتك هاطلع ابوس على راسها و ايدها كمان طالما زعلتك الكلمة كدا 


ختم حديثه قائلًا بقهرٍ من معاملة أخيه 

- دا  رقية الغريبة اللي بقول عليها غريبة و مش من دمي و لا لحمي قلت لها الكلمة دي ضحكت في وشي و قالت ما أنا  بنتك بردو ؟! 

يبقى بنتك اللي هي  بنت اخويا دمي و لحمي و مرات ابني  تزعل من الكلمة دي و أنا مبخليش حد في العيلة مبقولوش الكلمة دي ؟!  ماشي يا عم عابد أنا غلطان و حقك و حق بنتك على راسي  تحب اميل على رجلك و ابوسها عشان تهدأ و نار ك تبرد !!


غادر مالك تاركًا الجميع في حالة من الصمت الشديد  لقد تجاوز عابد حده في بعض الامور و تحديدًا أمام ريان، الوضع تجاوز قدرة التحمل لدى مالك لذلك قرر أن يغادر قبل أن يزداد الأمر سوءً،  ولج شقته و جلس على حافة الفراش في صمتٍ تام إلا ضجيج  افكاره 

على مايبدو أنه قد حان وقت  قرار الرحيل  يا مالك .

                      

❈-❈-❈

 


بعد مرور ساعات 

                      

داخل  شقة نوح 

كان يقف أمامها يحدثها بصوتٍ عالِ،  يعتابها بنبرة قاسية يقسو عليها ثم يصمت قبل أن تفلت منه زمام الأمور،  تنفس بعمق قبل أن يغادر المكان،  بعد مرور ساعتين من العزلة،  طرقت الباب قبل أن تلج جلست جواره وضعت على كتفه قالت بعتذار 

- أنا آسفة يا نوح أنـ....


رد نوح مقاطعًا بنبرة أهدأ من ذي قبل و قال 

- مش أنتِ اللي لازم تعتذري، أنا اللي آسف عشان اللي صدر من ماما بس هي و الله ما تقصد هي عاملة زي الدبة اللي قتـ لـ ت صاحبها، يومين و ها تلاقيها بتقلك مبروك و تنسى اللي حصل هي بس من النوع الموسوس بزيادة و خصوصًا من الأمراض 


تابع نوح قائلا 

- احنا نقفل علينا بابنا و كفاية لحد كدا و لو سمعتِ أي كلمة من أي حد سيبي المكان و امشي .


ردت بحزنٍ قائلة

- طب عمو عمل إيه مع بابا ؟ 

- كالعادة اتخانقوا و كل واحد راح على بيته، سيبك أنتِ من المواضيع دي و خليكِ مع ابنك و بس و أنا هاحل الموضوع بس يومين كدا 

                        

 ❈-❈- ❈

  داخل شقة مالك 

  جلست سيلا صامتة تفكر في ما حدث، تعلم أن كلماتها لاذعة لكن عفويتها الشديدة كانت هي السبب في هذه الأزمة كما قال نوح من قبل، و لكن لماذا عابد دائما يتحكم في العائلة، يتعمد إحراج أخيه أمامها و أمام ابنائه، العجيب في الأمر أنه مازال يحترم أخيه رغم تقليل إحترام ابن أخيه له و لاودلاه، الوضع تأزم بين رُبى  و سيلا، كلما حاولت أن تعيد المياه لمجارها افسدت لها ما فعلته بكلماتها اللاذعة   التي تصدر دون قصد، هي تعاملها كـ ابنتها و لكن ما حدث في الفترة الاخيرة جعلها مشوشة الفكر،  العجيب أنها على قدرٍ عال من التعليم، حتى و إن كانت لا تعرف أن مرض الصرع ليس مرضا نفسيا و لا يعني إصابة المريض بتخلف عقلي. و هو ينتج عن فشل الدماغ في التحكم بإنتاج الطاقة الكهربائية السارية من خلال خلايا الجهاز العصبي التي تحرك العضلات و تتحكم بالأحاسيس، أمَا “نوبة الصرع” فتحدث عندما تخرج من الخلايا العصبية شحنة مفاجئة من الطاقة الكهربائية تؤثر على وعي الإنسان و حركة جسمه و أحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن و من الممكن أن ينتج عن نوبة الصرع حدوث نوبات متكررة من التشنج تسمى التشنجات الصرعية.

أما العوامل التي تؤدي إلى حدوث حالة الصرع

قد يصيب الصرع الإنسان في أي مرحلة من مراحل العمر من الولادة وحتى الشيخوخة، وتشير الدراسات إلى أن نسبة انتشار الصرع في المجتمع تتراوح ما بين (5-7) حالات لكل 1000 فرد.

وفي الحقيقة فإنه في معظم حالات الصرع لا يمكن معرفة السبب الأساسي الذي يؤدي إلى إصابة المريض بنوبات الصرع، إلا أنه يمكنا القول بأن هنالك عوامل ذاتية وأخرى مكتسبة تؤدي إلى حدوث نوبات الصرع عند المرضى                     

تختلف نوبات الصرع التي تحدث لمرضى الصرع باختلاف المناطق التي تصيبها من الدماغ؛ فإذا أصابت الدماغ بشكل كامل سُميت بالنوبات العامة وتتسم هذه النوبات بانتشار النشاط الصرعي ليشمل المخ كله، و فيها يفقد المصاب وعيه بالكامل و قد يصاحبها حدوث تبول لا إرادي مع زيادة إفرازات اللعاب (رغوة الفم). 

معظم الاعراض التي ذكرت سابقًا هي الاعراض المترسخة في ذهن سيلا، لا تعلم أن مريض الصرع 

مثله كمثل مريض السُكري و ضغط الدم و غيره من الأمراض المزمنة    


من فرط هوسها من هذا المرض قامت بعمل بحث شامل متكامل كادت أن تجزم أنها طبيبة و تخصصت في المخ و الأعصاب، و لكن بما أفاد بالنهاية  ترجمة العائلة خوفها و قلقها بطريقة غير صحيحة و تتطاول عابد و ابنه على زوجها، نظرت لهاتفها الذي يضئ شاشته بإسم رُبى لم تتحرك قيد أنملة تركت هاتفها يصدح في المكان، قامت تبدل ثيابها  بأخرى بيتية مُريحة للنوم،  عادت لتجد المتصل هذه المرة ابنها نوح و لكنه يهاتف والده 

وقفت تستمع لحديثه الذي أيدته حين قال 

- خلاص يا نوح الموضوع انتهى،  أنا و عمك قفبنا الكلام في الموضوع دا سيبك مننا و احنا مش زعلانين و لا حاجة يا ابني و مبروك لمراتك و ربنا يقومها بالسلامة أمك ؟ 


أشارت سيلا بيدها علامة النفي ليرد مالك بهدوء 

- أنا طلعت لقتها نامت لما تبقى تصحى ابقى اقلها  سلام بقى عشان تعبان أنا كمان 


وضع الهاتف دون أن يضغط على زر القفل ليصل إلى مسامع نوح حديث والدته و هي تخبر زوجها 

- لو سمحت يا مالك أنا مش عاوزة اتكلم مع حد 

و كفاية لحد كدا و لا أنت لسه محتاج تتهزأ من اخوك و ابنه أكتر من كدا ؟! 

-أنا تعبان و محتاج ارتاح ممكن تفصلي بقى شوية ؟! 


ضغط نوح على زر القفل قبل أن يعرف والده بأنه استمع لحديث والدته،  أتت رُبى و سألته بهدوء 

- هي طنط لسه ما بتردش ؟ 


هز نوح رأسه و قال بكذب 

- طلعت نايمة و بابا بيقلك مبروك 

- أنا بفكر انزل اراضيها  عشان اللي حصل 


رد نوح بهدوء قائلا 

- ن فضلك يا روبي كفاية كدا و ياريت كل واحد يفضل في حاله احسن عشان لا يبقى أمي قالت ولا ابوكِ عمل 


استشعرت رُبى حزن نوح على والديه و تحديدًا، عندما تجاوز عابد و تيم حدودهما مع عمها و زوجته لم تتحدث بعد رجائه و احترمت رغبته بينما هو حاول أن يرسم بسمة خفيفة على ثغره لكنه فشل كلمات والدته  تتردد على مسامعه،  كل ما حدث ازعجه كثيرًا،  وقف عن الأريكة لينفث لفافة التبغ في الشرفة،  كان يرَ عمه جالسًا على المقعد يحدث عمته فيروز في الهاتف يحاول أن يربت على قلبها بكلماته، لكن تجاوز حده حين وصف زوجة أخيه بالحية التي تبصق سمها، ولج  و بداخله نيران من الغضب الشديد، من يعنتها بالحية والدته مهما فعلت فهي والدته ألهذه الدرجة لا يرَ أخيه و اولاده ؟! 


غط في نومًا عميق حتى لا يتحدث مع رُبى في أشياء لا علاقة لها بها،  أما هي كانت تفكر كيف تُصلح الأمور لأجله. 


في صباح اليوم التالي 


هبط سلالم الدرج بهدوء وجد والده يقف على باب الشقة سأله بهدوء قائلا بفضول:

-صباح الخير  بابا،  خير في حاجة ؟! 


رد مالك بعصبية مكتومة قائلا:

- هو أنا لازم يبقى في حاجة عشان اخرج من شقتي ؟! 

- لا خالص أنا بس بسأل حضرتك مش اكتر 

- سألت ؟ خلاص تؤكل على الله روح شوف رايح فين 

- طب تحب اوصلك طب في حتة معينة ؟! 

- شكرًا التاكسيات أكتر من الهم على القلب اتفضل بقى 

- مالك بسـ....


قاطعه مالك و هو يهبط سلالم الدرج بدلًا منه،  دون أن يرد على سؤاله، تقابل مع اخيه تجاهله أيضًا و تابع سيره،  لم يسأله عابد و لم يتحدث معه من الأساس،  خرجا من البوابة الحديدية معًا  استقل عابد سيارته بينما استوقف مالك سيارة أجرة استقلها و أمر سائقها بالذهاب لأحد الأماكن العامة و تحديد مقهى مُطل على النيل،  جلس على المقعد في انتظار أحدهم، وضع يده أسفل ذقنه و هو ينظر للنيل يشعر براحة شديدة  في هذا الوقت تحديدًا .


أنا آسف يا مالك باشا اتأخرت على حضرتك بس اعذرني الطريق زحمة جدًا .


أردف أحدهم عبارته و هو يجلس على المقعد المقابل لمقعده،  هز رأسه و قال بهدوء

- و لا يهمك أنا كمان لسه واصل قل لي عملت إيه في اللي قلت لك عليه ؟ 

- انا لقيت مشتري للعربية و الشقة اللي في الزمالك و طالب فيهم سعر حلو جدًا و كمان لو حابب تبيع شقة حضرتك اللي قاعد فيها أنـ....

- لأ دي مش ملكي خليني في اللي قلت لك عليه بس المشتري جاهز إمتى ؟ 

- في أي وقت حضرتك تحبه ؟ 

- طب كلمه و لو ينفع دلوقت أنا جاهز بس بشرط 

- خير يا فندم ؟ 

- الشقة اللي طلبتها منه تكون جاهزة خلال يومين بالكتير 

- في الحقيقة دا هايكون صعب جدًا بس هحاول معاه 

- مافيش حاجة اسمها هحاول انا مش هابيع و اسجل غير لما استلم شقتي 

- حاضر يا مالك باشا هابلغه و إن شاء الله نتفق 


وقف مالك عن المقعد تاركًا الوسيط بينه و بين المشتري يخبره بالجديد،  عاد لبيته من جديد بعد أن ظن أنه سينهي كل شئ اليوم،  وصل الحارة و سار فيها هنا قضى عمره كله طفولته مراهقته و شبابه و الآن شيخوخته، التقى بحبه الاول هنا 

كاد أن يتجه لبيته لكنه قرر أن يجلس مع مجموعة من العجائز يقضون معظم وقتهم هنا،  كان يشعر بالحرج و الغربة في بادئ الأمر و لكن بعد مرور أكثر من خمس ساعات على هذا الحال، تعرف على هذا و ذاك و جدد الذكريات التي كانت مشوشة في ذهنه كان يشعر بالجوع و قبل أن يعتذر من هذه الجلسة وجد أحدهم يجمع النقود من المجموعة قائلا:

- يلا يا رجالة هنأكل إيه النهاردا ؟ 

- تعالوا نجيب مِش و بصل اخضر و فول و طعمية و طـ....


قاطعه الرجل و قال 

- جاي النهاردا بالذات و تطلب الاكل دا طب الطلبه و مالك باشا مش موجود 


رد مالك و قال 

- و فيها إيه يعني هو أنا غريب ؟ و بعدين الراجل نفسه فيها تحرمه ليه و الله ما هنأكل غيرها يلا يارجالة 


بعد مرور نصف ساعة 


أتى العامل بالمقهى و معه كل ما لذ و طاب،  بدأ ترتيب الطعام و ساعده على ذلك مالك و رجلين آخرين  بدأ في تناول وجبته،  لكنه لم ينعم بها حين جاء نوح و قال بخفوت بجانب أذنه 

- إيه دا يا بابا أنت هنا و أنا قالب عليك الدنيا 

- عاوز إيه ؟ 

- تيتا فوق مستنياك على الغدا  


رد مالك و قال بعدم إكتراث 

- قل لها بأكل خلاص امشي بقى خليني أكل اللقمة بمزاج 

- يا بابا ؟ 

- قلت اطلع 


محاولات عديدة في أن يصعد معه والده لكنه أبى

عاد هو يجر خيبات الأمل خلفه، تجمعت العائلة باكملها عدا فيروز و مالك،  كانت الجلسة في شقة الجدة رغم كثرتها لكنها كانت تفقد اكثر أثنان يجعلون الجلسة لها طعمًا آخر حس الفكاهة و المرح الذي كان دائما يسود المكان اختفى دون سابق إنذار،  حاولت الجدة أن تمر اليوم بشكلٍ طبيعي حتى لا يحدث ما حدث مرةً أخرى .

                     

❈-❈- ❈


مر يوم ثم يومان حتى مر أكثر من شهرين و الحال هو الحال لم يتغير شئ مازالت فيروز منعزلة عن العائلة و مالك يخرج كل يوم في الصباح و يأتي مساءً يرأه عابد و لا يحدثه، اليوم قررت الجدة أن تذهب بنفسها لابنتها لمصالحتها،  اليوم هو المتمم لشهر شعبان و غدًا أول أيام الشهر الفضيل،  كانت فيروز جالسة في غرفتها حزينة تبكي من فرط حزنها والدتها طردتها دون أن تفعل شئ و حتى الآن لم تهاتفها حتى ألهذه الدرجة ترَ أنها تحتاج لتقويم سلوك ؟!  كان سلطان يمسد بيـ ـده على كتفها و قال بنبرة حانية 

- خلاص بقى يا روزي عينك ورمت من كتر العياط 

- مش قادرة اصدق إن ماما يهون عليها بنتها 

- مين قال كدا بس يا روحي 

- شهرين بحالهم يا سلطان شهرين مرفعتش سماعة التليفون فيهم عليا 


حك سلطان لحيته و قال بهدوء 

- هو مش المفروض لما الصغير يغلط يروح يعتذر للكبير ؟ 

- بس أنا مغلتطش في حد ما أنا حكيت لك دا حتى سيلا اللي هي ضربتني عشانها جت لي هي و مالك بعدها بيومين و باست على راسي و قالت لي حقك عليا !! 

- عارفة هي عملت معاكِ كدا ليه؟  

- ليه ؟! 

- مشيت بمبدأ اضرب بنتي و اقسى عليها و لا ازعل مرات ابني هي عارفة إنك هتفهميها لو مكنتش عملت كدا كانت الدنيا ها تـو لـ ع اكتر بس هي كانت ذكية جدًا لمت الموضوع و خلصت الحكاية في قعدة عارفة لولا إنها كبيرة و مش بتخرج كنت قلت إنها هتيجي لك و تصالحك بس الصح بيقول إنك تلبسي و تروحي تقولي لها حقك عليا 

- و افرض طردتني تاني 

- مستحيل تعمل كدا دي روحها فيكِ و....


قاطعه دخول صهيب المفاجئ بعد أن طرق الباب و -قال بسعادة غامرة تيتا برا يا ماما 


نظرت فيروز لزوجها الذي ابتسم ما أن ختم ابنه الخبر و عاد لجدته،  خرجت من الغرفة متجهة نحو الردهة. وجدتها تشير بعكازها قائلا لحفيدتها 

- بسرعة يا بنتي الحاجة فكت مني في الطريق حطيها في التلاجة و عمتك هتعرف تظبط كل حاجة 


احتضـ نتها بقوةً  عناق طويل ثم عتاب و عادت تحتـ ضنها  نظرت لابنتها و قالت 

- كنت فاكرة إنك ماعندكيش دم و مش هتزعلي مني بس طلع عندك دم و اتكبرتي على امك و

قطـ عتي  رجلك من عندها شهرين 

- ما عشت و لا كنت أنا بس صعبان عليا إنك طردتيني من بيتك و أنا مليش ذنب في حاجة 


سألتها بهدوء و حكمة قائلة

- ازعلك و اراضيكِ بمعرفتي و لا مرات اخوكِ تزعل و البيت يفضى من حولينا و يتقسم ؟ 


ردت فيروز باسمة من بين دموعها 

- سلطان كان لسه بيقل لي نفس الكلمة 

- يعني سلطان طلع بيفهم عنك هو أنا بحبه من شوية ما هو من عقبه اللي يوزن بلد 


طال الحديث و جلست الجدة ما يقارب الثلاث ساعات كاملة مع اينتها سردت فيهما ما يعتمل في صدرها حدثتها عن مالك الذي بدأ في إنهاء شقته بخارج البيت و هو مازال لا يحدث احد سوى والدته  ما دام عابد في منزله، أما سيلا لم يتد أحد يرأها منذ اكثر من شهرين،  وضعت صبا العصائر و قالت بعتذار عن ما بدر من أبيها 

- انا عارفة إن بابا غلطان بس و الله يا تيتا هو ما كان يقصد اللي حصل و اكيد هو لو عرف إن عمو هاسيب البيت مشـ....


قاطعتها الجدة قائلا بهدوء 

- خلاص يا صبا الموضوع أنتهى و ابوكِ غلط جامد في حق مرات عمك و مش مرة و لا اتنين بنقول وقت غضبه يقول عنها حية و بترش سمها في البيت يبقى عيب و عيب كبير انا مرضاش لمرات ابني بي 


سألتها صبا بعقلانية 

- تيتا هو مين قالك الكلام دا ؟ ما يمكن يكون حد بيوقع بينهم 


أجابتها بنبرة جادة 

- اللي قال عمره ما كدب و صعبان عليه إنه اتثال عليها كدا ! 

- قصدك مين 

- قصدي نوح جوز اختك 

- ماما 

- بس يا فيروز طالما سألت يبقى تعرف وكل واحد يعرف اللي و اللي عليه اختك لما كان ليها حق كبنا وقفنا و جبناه لكن لما يغلط في أم نوح و الموضوع انتهى يبقى دا عيب طب على الاقل يراعي الواد اللي شايل بنته في عينه بلاش اخوه اللي مسح بكر امته الارض قدام الراجل الغريب 

- دلوقت بقى جدو ريان غريب يا تيتا ؟! 

- ايوة غريب لما يوصل الأمر إنه يتكلم عن مرات اخو قدام حماه من غير ما يراعي أخو ولا حتى ولاده يبقى غريب و الموضوع خد اكبر من حجمه 


ختمت حديثها قائلة بهدوء

- صبا يا بنتي متجبيش سيرة لحد أنا بفضفض بالكلام معاكِ عشان اللي ابوكِ عمله كان كبير و أنا مش عاوزة اتكلم في عشان منرجعش لنفس النقطة 


قبل مغادرة الجدة بعد إصرار كبير من فيروز  و سلطان لكنها انتصرت اخيرًا و غادرت المكان على وعد بلقاء في صباح الغد لتبدأ ابنتها في اعداد وجبات الأفطار مع العائلة عدا مالك و زوجته 

                      

❈-❈-❈


في عصر اليوم التالي 

و بعد إنهاء جميع وجبات الإفطار، جلست ولاء 

في غرفتها تقرأ وردها اليومي، و قبل أن تبدأ صورة جديدة قررت أن تهاتف ابنها للمرة الخامسة عله يجيب عليها هذه المرة،  طال انتظارها و لم يرد أيضًا وضعت الهاتف جنبا 

ثم عادت من جديد للقرآن الكريم،  طرقات خفيفة و ولج  ابنها عابد جلس مقابلتها و حدثها في عدة آحاديث جانبية، ثم غادر المكان كان يظن أنها ستظلب منه أن يحدث أخيه أو يصالحه شيئًا من هذا القبيل،  لكنها التزمت الصمت لحين إشعار آخر،  عاد لشقته 

على أمل أن يهبط مالك و يحدث والدته لكنه 

خيب ظنه.

                    

 ❈-❈-❈


في شقة مالك 


كان يتابع التلفاز بمللٍ بينما كانت زوجته تُحضر طعام وجبة الإفطار، لقد قاربت ساعة الإفطار وقف عن مقعده  متجهًا حيث المطبخ وجدها تحضر أصناف عديدة سألها بنبرة متعجبة و قال 

- لمين دا كله ؟! 

- للينا و لاولادنا يا مالك في إيه أنت نسيت إن هم هيفطروا معانا ؟! 


رد ساخرًا و قال 

- الظاهر أنتِ اللي نسيتي إن كل سنة بيفطورا تحت 

- ايوة بس هما عارفين. إننا مش تحت فأكيد هايجيوا يفطروا معانا 

- بلاش العشم ياخدك اوي كدا و اعملي أكل يكفي نفرين بس 


ردت سيلا بعناد قائلة

- لا هعمل الاكل و إن شاء الله يجيوا و يلموا البيت 


حرك مالك رأسه حركة بلا معنى  ثم خرج من المطبخ هوى بجسده على الأريكة مرة أخرى 

يتابع التلفاز الساعة المتبقية قبل آذان المغرب 

بعد مرور ساعة و عشر دقائق تقريبًا، كانت سيلا جالسة في انتظار ابنائها،  هتف مالك أكثر من مرة قائلا بهدوء 

- قومي كُلي بقى المغرب اذنت من عشر دقايق 

- طب اصبر كمان خمس دقايق 


هدر بصوته قائلا بغضبٍ 

- اصبر إيه تاني قلت لك محدش هايجي و أنتِ اللي في دماغك في دماغك قومي بقى خليني نأكل اللقمة  قبل العشا ما تأذن هي كمان  و لا نستنا السحور !!

- حاضر هاقوم اهو 


بعد مرور ساعتين تقريبًا 


هبط مالك على سلالم الدرج بهدوء وصل لمسامعه صوت ضحكاتهم،  تقابل مع تيم عند اعتاب شقة الجدة ابتسم له و هو يقول 

- ازيك يا عمي كل سنة و أنت طيب 


تجاوزه مالك دون أن يرد على كلماته،  تابع هبوط سلالم الدرج ليتفاجئ بأخيه يصعد في ذات الوقت تجاهله أيضًا محاولًا عدم الاحتكاك بجسده حتى لا يحدثه،  خرج من البوابة الحديدية و اتجه حيث المقهى التي أصبحت ملاذه الوحيد هذه الفترة، جلس علي أحد المقاعد و بدأ يتحدث مع أصدقائه الجُدد 

حتى ساعات الليل الاولى.


عاد ليتناول وجبة السحور ما إن هاتفته زوجته بأن الطعام اصبح جاهزًا،  صعد الدرج و قبل أن يتابع صعوده تقابل مع والدته حدثته قليلًا و عندم خرج عابد من شقته سألها قبل أن يغادر بهدوء 

- أنا طالع عان اتسخر عاوزة حاجة ؟ 


ردت بذات النبرة قائلة

- سلامتك يا حبيبي 


غادر المكان قبل أن يحدثه احد الوضع بالنسبة له اصبح شبيه بالإنسان الآلي الذي يسير حسب التعليمات، كان عقله هذه الفترة هو المسيطر و قلبه خاضع له،  ولج شقته و بدأ في تناول وجبته مع سيلا التي مازال بداخلها أمل بأن يوما ما سيأتي ابنائها يتنالون معها وجبة الإفطار أو السحور، كان مالك يلوك لقيماته بهدوء و هو يخبر زوجته بآخر المستجدات قائلا بتذكر 

- مرعي البواب كلمني و قالي إن الشقة خلصت خلاص و كمان كلمت كام واحد كدا هاييوا بكرا الصبح ياخدوا الشنط و الكام حاجة اللي حضرتيهم هاتعوزي حاجة تاني ؟ 


ردت بهدوء 

- لأ خلاص كدا حلو اوي المهم يخلصوا نقل بدري بدل التأجيل اللي مبقاش له لازمة دا أنا خايفة العيد يجي و أنا لسه في الكركبة دي 


رد مالك مطمئنًا إياها قائلا:

- لا متقلقيش الدنيا دي ها تتلم في يومين و لو حسيتي مش هتعرفي لوحدك هابقى اجيب لك حد يساعدك 

                   

❈-❈-❈


بعد مرور يومين 


خرجت سيلا مع زوجها قبل آذان العصر،  كانت تؤكد على كل شئ بنفسها،  هبطت معه 

على سلالم الدرج حيث شقة الجدة،  كانت العائلة باكملها عدا عابد الذي كان في شقته يقرأ ورده اليومي، جلس مالك جوار والدته داخل غرفتها حدثها قليلًا ثم قرر أن يغادر ليتمم كل شئ مع رجال الشاحنة المتجهة لشقته الجديدة،  نظر لزوجته و قال 

- أنا هرن عليكِ و ابقي انزلي عشان مش هاطلع تاني بقى 

-ماشي 


كانت بنات العائلة و نسائها في الغرفة مع الجدة نظرت الجدة لزوجة ابنها و قالت بإبتسامة واسعة 

- خلاص ماشية ؟ 


ردت سيلا بهدوء دون التطرق لآحاديث جانبية 

- كدا افضل بكتير صدقيني و ....


قاطعها رنين هاتفها المحمول، نظرت له ثم عادت ببصرها للجدة و قالت:

- دا مالك أنا لازم انزل عشان لسه عندي يوم طويل سلام عليكم 


غادرت سيلا الغرفة بل المكان بأكمله دون أن تصافح أحد أو تحدث إحداهن،  كان خروجها من المكان بمثابة خروج روحها من جسدها، تشعر بالضيق و الحزن لكنها تحاول رسم البسمة تقابلت مع عابد و لأول منرة منذ اكثر من شهرين،  لم تحدثه أو حاول هو افسح لها الطريق لتتجاوزه بهدوءٍ تام،  لو كانت امرأة غريبة على الأقل القى عليها التحية، ولج الشقة لـ يعرف بما هو أسوء و أن أخيه غادر دون أن يخبر أحد الوحيدة التي اخبرها والدته قبل يومين و باركت له خروجه من البيت لم يعد عابد  يعرف لماذا وافقت على خروج اخيه آخر ما كان يخطر على باله هو هذا الحل الذي وصل إليه مالك !


مر الوقت و جاء موعد الإفطار، علما نوح و بيجاد بخروج والديهم من البيت التزموا الصمت حتى لا تتأثر الجدة بأي تعب مفاجئ 

و التفوا حول المائدة لتناول وجبة الأفطار، العجيب في الامر أنها تتعامل و كأن ابنها جالس بينهما و ليس تاركًا بيته و عائلته من أجل زوجته،  سألتها مليكة من بين دموعها حزنًا على أخيها 

- ليه يا ماما ماقلتيش لـ مالك يفضل في بيته و ازاي تبقي عارفة و متعرفنيش عشان اكلمه !!

- يا بنتي كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه هو شايف راحته في إنه ياخد مراته و يخرج يبقى خلاص نسيبه براحته و احنا براحتنا 


ردت فيروز بتساؤل 

- و هي راحتك يا ماما في بُعدنا عن بعض دا لما ببقى مسافرة بتفضلي تقولي القعدة وحشك من غيرك ما بالك واحد عايش معاكِ ليل نهار و عياله و عيال عياله في حضنك و هو لأ هاتبقي مرتاحة طب ازاي ؟ 

- يا فيروز يا بنتي الدنيا تلاهي و كل واحد عنده اللي مكفي لو قعدتي جنبي النهاردا بكرا مش هاتقعدي و بعدين ما كل واحد على راحته هو أنا هاغصب الناس تقعد و لا متقعدش يلا بقى كلوا و كفاية كلام العشا هتأذن و احنا لسه مفطرناش 


لم يحدثها أحد أو يعترض احد الوضع اصبح مريبًا ماهذا الهدوء الذي تتحلى به الجدة،  تناولت وجبتها ثم ولجت غرفتها، جلست على حافة فراشها التقطت هاتفها ضغطت على زر الإجابة ما إن وجدت اسم مالك ابنها يضئ شاشة هاتفها، اطمنئت عليه في كلمات بسيطة ثم انهت مكالمتها ما إن ولج عابد الذس جلس مقابلتها متسائلا بهدوء 

- ليه سبتي يمشي يا ماما 

- هو مين ؟ 

- مالك اخويا يا ماما 

- احنا مش هنخلص من الكلام في الموضوع دا بقى !! ما قلت مليون مرة كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه و لو أنت كمان عاوز تاخد مراتك و تمشي بالسلامة يلا أنا م هامسك في حد البيت مفتوح و اللي حابب يقعد في يقعد و اللي مش عاوز الباب يفوت جمل مش حمـ ير زيكم 


سألها عابد بإبتسامة جانبية 

- يعني عاوزة العُقد يتقـ طع ويفرط منك ؟! 


أجابته بعدم إكتراث 

- كدا و لا كدا لازم يتقـ طع انا مش عايشة لكم العمر كله 

- ماشي يا أمي اعملي اللي يريحك بس افتكري إني جيت لحد عندك و سالتك عن اخويـ.....


هدرت الجدة مقاطعة بغبٍ جم ضاربة بكل من تسول نفسه الدفاع عن عابد عرض الحائط، هرع جميع افراد العائلة على إثر صوت الجدة التي قررت أن تفجـ ـر قُنبلتها الموقوتة قائلة:



يتبع