رواية روضتني -الجزء الثالث من احببت طريدتي -للكاتبة أسماء المصري -الفصل الخامس عشر
رواية روضتني الجزء الثالث من احببت طريدتي
للكاتبة أسماء المصري
رواية روضتني
الفصل الخامس عشر
يا بن آدم .. عف عن محارم الله تكن عبداً، وأرض بما قسمه الله سبحانه وتعالى تكون غنياً.
الحسن بن على رضي الله عنه.
❈-❈-❈
جلست أمام مرآة الزينة وكلا اختيها تقومان بتصفيف شعرها الطويل وتجميلها وهي شاردة بالنظر لانعاكس صورتها، تذكرت ليلة خطبتها اﻷولى وكم كانت سعيدة وتشعر بالفرح بالرغم من تخوفها من خوض التجربة مع شخص مثله، أما اﻵن وبالرغم من ثقتها ليس فقط بمشاعره بل بأخلاقه أيضاً إﻻ أنها لا تشعر بنفس السعادة التي شعرت بها من قبل.
انحنت تؤأمها الروحي تهمس بأذنها بفرحة:
-قمر 14.
ابتسمت إبتسامة باهتة؛ فتعجبت ياسمين من حالها فسألتها:
-مالك يا نرمو؟
حركت رأسها تنفي وجود شيئ وردت فوراً:
-مفيش.
بدأت شيرين بوضع أحمر الشفاة على شفتي أختها وهي تقول:
-أخيرا النحس فك ووافقتي؟
بللت شفـ تيها بعد أن انتهت أختها وقالت وهي تقف لتهندم فستانها:
-أنا حاسه اني اتسرعت.
التفتت ياسمين بلهفة ورفعت حاجبها قائلة:
-اتسرعتي ازاي؟ نرمو أوعي تكوني مش عايزه تتجوزي مالك!
نفت برأسها وأكدت بصوتها:
-بالعكس، مالك إنسان كويس أوي وبيحبني، بس حاسه اني كنت محتاجه وقت اطول شوية اتعرف عليه و...
قاطعتها شيرين تضحك ساخرة:
-آه وبعدها تسيبو بعض، لا يا ختي خير البر عاجله وكويس اننا دبسناكي وإلا كان زمانه لسه بيشحت منك الكلمه.
زفرت زفرة يأس وإحباط وجلست مطرقة رأسها؛ فشعرت بها ياسمين التي اقتربت منها على الفور وسألتها باهتمام:
-نرمو! لو حاسه انك مش عايزه تتسرعي قوليلي وأنا أخلي فارس يفضلك الليله دي في ثانيه واحده، وميهمكيش من حد.
ندمت على تدخلها بذلك اﻷمر وعقبت:
-أنا لما غلست عليكي مكانش قصدي استعجلك أو ادبسك، ولو شايفه نفسك متردده يبقى بلاش تدخلي في علاقة انتي مش مش مرتاحه فيها.
ربتت نرمين على فخـ ـذها وقالت وهي تبتسم ابتسامة مصطنعة:
-لا مش للدرجه دي، أنا بس قلقانه يحصل مشاكل وهو مستعجل على الجواز وعايزة يكون في فترة خطوبه نعرف فيها بعض أكتر.
أومأت لها اﻷخرى مؤكدة على حديثها:
-حقك طبعا، لازم خطوبه هو مش سلق بيض.
دلفت هدى تطلق زغاريد الفرح وهي تهلل بصوتها:
-يلا يا عروسة عشان تقدمي الشربات لحماتك والمعازيم.
تحركت صوب المطبخ وأخذت المشوربات وتحركت صوبهم، وفور دلوفها وتقديمها المشوربات لأهله وذويه توجهت ناحية جدها لتقدم له المشروبات؛ فهتف جدها على الفور:
_قدمي لفارس باشا اﻷول يا بنتي.
وسط تعجب عائلة مالك مما ألقاه الجد على مسامعهم إﻻ أن الوحيد الذي يفهم ما يدور بتلك العائلة هو مالك نفسه الذي رفع حاجبه الأيسر رفضا على هذا التصرف ولكنه آثر الصمت، انتهت نرمين من تقديم المشروبات وجلست بجوار والدتها التي احتضـ ـنتها وقبلـ تـها بفرحة فاستهل أنس الحديث بصفته كبيرهم:
-طيب يا جماعه إحنا جايين انهاردة نخطب بنتكم نرمين ﻷخويا مالك.
ابتسم الجد ورد:
-ده شيئ يشرفنا والله يا بني.
أومأ له برأسه وأضاف متسائلا:
-طيب يا حاج إيه طلباتكم؟
عاد الجد ليجيب:
-مش عايزين غير اﻷصول وانه يراعي ربنا فيها وبس.
انتفضت هدى فوراً تنظر له بامتعاض فسحبتها نرمين قبل أن تتفوه بأي كلمه وهمست لها:
-يا ماما اقعدي بلاش تصغري الرجاله.
أجبرت نفسها على الصمت عندما وجدت فارس يتدخل بالحديث هاتفاً:
-بعد إذنك يا حاج، أنا دايما بحب الوضوح في كل حاجه والجواز بالذات مينفعش فيه الكلام بتاع احنا بنشتري راجل واللي عندكم يزيد والكلام ده، في أصول وشرع لازم الكل يمشي عليه.
رفع أنس رأسه ناحيته وسأله بشكل غاضب:
-معلش متعرفناش بيك يا استاذ!
لمعت عين الجميع وقبل أن يجيبه فارس كان السيد هو من أجاب:
-ده يبقى فارس الفهد جوز حفيدتي، وأحنا بناخد رأيه في كل حاجه تخص العيلة دي يا بني.
ضحك أنس وسأل بسخرية:
-كبير العيلة يعني ولا ايه؟
انهى كلمته بضحكة عالية فرد فارس وهو يحاول إخفاء امتعاضه:
-اعتبرني كده يا أستاذ انس، إﻻ لو كنت مش مالي عينك.
ابتلع مالك ريقه وأمسك راحة أخاه وهمس له:
-بلاش تناطح معاه انت متعرفش ده مين! العيلة هنا نافخينه جامد والكل بيزعل على زعله.
أومأ له وهو يصر على أسنانه وسأله بصوت جهوري حتى يستمع له كل الحاضرون:
-طيب يا أستاذ فارس أنا مستعد أسمع طلباتكم.
اتكئ فارس على مقعده واضعا قدم فوق اﻷخرى بنفس الغرور والعجرفة التي لم يستطع التخلص منها، ونظر للجد متسائلا:
-ظروفه الماديه زي ياسين؟
أومأ له مؤكدا:
-ايوه يا بني، شاب لسه بيكون نفسه.
زم شفتيه وأومأ عدة مرات ونظر ﻷنس هاتفا بجدية:
-طيب بما أنه لسه بيكون نفسه فأنا هكون متساهل معه ومش هطلب غير اللي يقدر عليه.
سأله أنس وهو صارا على أسنانه:
-اللي هو ايه؟
اجابه ممتعضا:
-شقه وشبكه ومهر قد استطاعته، أما المؤخر فده اللي هيكون فوق استطاعته طبعا في الوقت الحالي، بس ده بيكون وسيلة تعلم الشباب ميتسرعوش في الطلاق، ولازم يعرف انه هيكون مسئول قدام ربنا انه يدفعه حتى من غير طلاق؛ لأن ده اعتقاد خاطئ إن المؤخر يستحق الدفع عند الطلاق وبس، لو الراجل مات ومراته على ذمته ومعطهاش مؤخرها بيكون دين في رقبته قدام ربنا.
تهكم أنس وهو يعقب:
-ولما أنت عارف كده، ناوي تحط له مؤخر فوق طاقته ليه؟
استمع الجميع لصوت همهمة بعضهم البعض وصوت الجد وهو يرد بضيق:
-عيب يا بني لما تقول لفارس باشا أنت كده من غير حضرتك، الإحترام واجب برده.
نظر أنس للجد وسأله بحيرة:
-معلش يا حاج هو عنده كام سنه للهيصه دي؟ ماأعتقدش انه أكبر مني يعني!
ضحك محمود وتحدث أخيراً بعد طول صمته:
-الإحترام إحترام مقام يا ابني، ده فارس باشا الفهد برده حتى لو كان جوز بنتي.
شعر فارس بسخرية محمود فنظر لها بنظرة جامدة؛ فأطرق اﻷخير رأسه ناظرا في اﻷرض متحاشيا النظر له بعد أن أخرج تلك الكلمات؛ فتكلم السيد مهدئا الوضع:
-فارس ده في مقام ابني بعيداً عن مركزه طبعا، وأنا بحترم رأيه لأنه دايما بيكون صح.
نظر لأنس وتكلم بمغذى:
-وبعدين يا بني ما أنت أهو قاعد بتتكلم بالنيابه عن اخوك مع أن والدتك واخوالك موجودين أهو.
رد موضحا:
-ده لأني اعتبر ابوه مش أخوه وأنا اللي مربيه حتى في حياة بابا الله يرحمه لأنه كان مشغول دايماً بسبب مركزه في الداخليه.
شعر فارس بالضجر فهتف بصوت عالٍ حتى يستمع له الجميع:
-طيب يا جماعه خلينا في المهم دلوقتي علشان نقرا الفاتحه لو في نصيب.
نظر الجميع إليه فأكمل:
-الشبكه والشقه والمهر حسب إمكانيات العريس وقد ظروفه، لكن المؤخر أنا مش هتنازل عن مؤخر كبير علشان الطلاق اللي بقى لبانه في بوق الشباب بتوع دلوقتي.
وافق أنس وهو يضيف:
-ماشي يا أستاذ فارس، الشبكه هديتي ﻷخويا والعروسه هتنزل تختار براحتها.
ابتسم مالك واحتضن أخاه قائلاً بامتنان وحب:
-ربنا يخليك ليا يا أخويا.
هتفت اﻷم بدورها:
-ربنا يخليك ليهم يا ابني.
أكمل أنس حديثه:
-والمهر بيدفع لما تكون العروسه هتشارك في الفرش، بس الشقه مفروشه ومش ناقصها أي حاجه غير انها تنورها.
رفع فارس حاجبه متعجبا وقبل أن يتحدث هتف محمود بحيرة:
-شقة ايه اللي مفروشه يا بني أنا مش فاهم حاجه!
رد فوراً ودون انتظار:
-شقتي في بيت العيله، أنا كنت وضبطها وفرشتها من اﻻبره للصاروخ بس جوازتي اتفركشت على آخر لحظه للأسف وأنا هديها لأخويا ولما ابقى أنوي اتجوز يبقى يحلها ربنا.
نظر محمود لمالك وسأله:
-يعني الشقه في بيت عيله؟
رد اﻷخير:
-هو مش بيت عيلة بالمعنى المعروف هو....
قاطعه أنس هاتفا:
-هي عماره لينا فيها النص ولعمي النص وكلنا تقريبا ساكنين فيها، حتى عيادتي فيها في الدور الأرضي.
سخر فارس بشكل واضح:
-وكده يبقى مش بيت عيله؟
عقب مالك على الفور عليه وهو ينظر له داخل حدقتيه:
-حتى لو بيت عيله بس كل واحد في شقته، غير كده يا فارس باشا اللي أعرفه من نرمين أنك عايش ومعاك أهلك في نفس الڤيلا مش منفصل عنهم، أنا على اﻷقل منفصل في شقه لوحدي.
رمقه بنظرة غاضبه وهم بالرد، ولكن كانت ياسمين الأسبق بإمساكه من راحته وهى تقول:
-اظن الموضوع ده القرار فيه لنرمين، بالنسبة لي أنا موافقه على وجود عيلة فارس معايا ولو هي موافقه تسكن في بيت عيله محدش فينا هيتدخل.
نظرت للجميع وأولهم مالك الذي ترك مقعده وتحرك ليجلس بجوارها؛ فتركت هدى المقعد له وذهبت لتجلس بجوار قرينتها؛ فهمس بعد أن نظر لها بحب:
-نرمو، اخواتي كلهم كويسيين وهتحبيهم أوي وغير كده أنس كتر خيره هيوفر عليا وقت ومجهود وفلوس أد كده.
ابتلعت ريقها بحرج وسألته:
-بس انا كنت عايزه شقه لوحدنا وأختار توضيب وفرش على ذوقي....
قاطعها هو فورا:
-ما هي شقه لوحدنا، ولو على الفرش والتوضيب فاستني بس لما تتفرجي عليها وقولي رأيك، دي تجنن وكل أخواتي بيحسدوني عليها.
رمقته بنظرة محتارة فابتسم لها وهو يضيف:
-عارفه أخويا يزيد اللي قاعد هناك ده.
نظرت مكان إشارته وأومأت فقال:
-كان عمال يساوم أنس يبدل معاه عشان التوضيب بتاعها بس أنس بقى صمم أنا اللي آخدها، ما أنا آخر العنقود.
ضحكت عليه وهو يشاكسها بطفولة فسألها والدها:
-ها يا بنتي؟ موافقه؟
أومأت وهي تنظر للأرض؛ فابتسم مالك ونظر لأخيه فعقب اﻷخير بصوته الخشن:
-طيب يا جماعه على بركة الله، نقرا الفاتحة.
وقف فارس ناظرا للجميع وتكلم وهو ينظر لنرمين:
-نرمين، تعالي أنا عايزك.
وقفت وتبعته للداخل؛ فأغلق الباب وراءه ونظر لها بتدقيق وتكلم بعد أن أخذ نفسا عميقا وطرده بضيق:
-بصي يا نرمين، أنا مش عايز اتكلم من لحظة ما عرفت انك هتتخطبي بالسرعة دي بس جه الوقت اللي لازم أنصحك فيه.
رفعت كتفيها وهي تنظر له نظرات متهربه:
-سرعة ايه؟ انا أعرفه من وقت فرح ياسين و...
قاطعها قائلا:
-علاقتكم بدأت بعد ما فسختي خطوبتك بمازن بوقت قصير، واللي أنا متأكد منه أنك لا لحقتي تنسي مازن ولا حبيتي مالك و......
قاطعته بحدة:
-لأ لحقت، ما مازن لحق ينساني ويتجوز كمان.
حاول التحدث معها بهدوء؛ فهو يعلم ما قد تعانيه بتلك اللحظة فقال:
-الراجل غير الست .. يقدر ينسى ويحب ويتجوز كمان في وقت أقل بكتير من البنت.
سألته من جديد سؤال جعله يتوتر:
-بس أنت مقدرتش لا تنسى ولا تحب غير ياسمين.
عض شفـ ـته السفلى بحرج وأكد:
-يمكن مشاعري ناحية ياسمين أقوى شوية من مشاعر مازن ناحيتك، بس أنا مش عايزك تغلطي الغلطه دي ولمجرد أنك تنسيه تروحي تتجوزي واحد مبتحبيهوش و...
قاطعته فوراً تنفي حديثه:
-أنا بحبه يا فارس، ومش وخداه عشان انسى بيه حد زي ما انت فاكر.
أصر على حديثه مؤكدا:
-أنا لآخر مره هقولك يا نرمو، بلاش تتجوزي واحد مبتحبيهوش خصوصا لو اللي بتحبيه ده هيفضل غصب عنك قدامك طول الوقت صدقيني أنا، انتي كده هتتحطي في إختبار صعب جدا ستات كتير أوي معرفوش ينجحوا فيه.
تحدثه بهذا الألم والمرار الذي شعرت به جعلها تفهم أن اﻷمر يمسه شخصيا؛ فتذكرت مقتطفات من خطابه الذي كتبه لزوجته وقت طلاقهما وما مر به مع أمه، فصمتت فربت على كتفها وهو يقول:
-حتى لو قريتوا الفاتحه دلوقتي، لازم تاخدي وقتك في التفكير.
رفع وجهها الباكي وأضاف:
-فكري بقلبك وشوفي هتقدري تشوفي مازن قدامك وانتي متجوزه مالك ومش بتحبيه ولا لأ، هتقدري كل ما تشوفي مازن تفتكري وجعك قد ايه ولا هتفتكري اللحظات الحلوة معاه، هتقدري تبصي لمالك وانه بيحبك وبتحبيه لدرجه تنسي كل ذكرياتك مع مازن حتى الوحشه، لو قدرتي تحسي بده وافقي على الجواز يا نرمين لكن لو للحظه واحده اترددتي يبقى بلاش احسن.
❈-❈-❈
أحيانا يشعر المرء بعدم ارتياح تجاه شخص آخر دون سبب معلوم، وفي بعض اﻷحيان يتضح خطأ هذا الحدس عندما تحتك بهذا الشخص، ولكن عندما يَصدق حدسك بعدم اﻻرتياح تتأكد وقتها أنه عليك الوثوق بحدسك أكثر بعد.
استقبله كما يليق بصاحب البيت وليس كمقامه هو؛ فسأله بلباقة:
-تشرب إيه يا مالك؟
رفض اﻵخر بصوت محتد:
-مش عايز حاجه، أنا جاي آخد مراتي و...
قاطعه فارس بهدوء غير معهود:
-اقعد بس.
رفض اﻵخر وهو ينظر له بضيق وهتف بحدة:
-مش قاعد، أنا مش طرطور عشان الهانم تيجي هنا من نفسها ولا حتى تقول لأهلها على مكانها و...
أمره فارس بصوت غليظ وقوي:
-قولت أقعد.
ارتجف مالك لسبب لا يعلمه، هل فعلا يشعر الجميع تجاهه بتلك الرهبة التي شعر بها لتوه عندما صاح به؟ فجلس فورا وتكلم بتلعثم قليلا:
-أديني قعدت، مع إن مفيش حاجه هتقولها هتخليني أوافق على اللي بيحصل.
حاول من حديثه الأخير أن يحفظ ماء وجهه ولو قليلاً؛ فابتسم فارس وجلس هو اﻵخر على مقعده الجلدي خلف مكتبه واستند بذراعيه على ذراعي المقعد الوثير ورمقه بنظرة متفحصة لمدة من الصمت انتهت بحديثه المتعاقب والجاد والمطنب:
-اسمع يا مالك عشان تفهم كويس أنت بتتعامل مع مين كويس، انا هنا أعتبر كبير العيله حتى لو انت عندك مشكلة في ده، وأكبر دليل أنك قاعد قدامي اهو وأبوها بنفسه سايب الموضوع معايا وتحت قراري، لكن فكرة بقى إنها جت على هنا من غير ما تقولك فمعاك، حق هي غلطانه وكان لازم تعرفك خط سيرها من قبل ما تتحرك من البيت.
صمت ونظر لابتسامته بعد أن القى له بكلمة واحدة جعلته يجلس بارتياح فأضاف:
-لكن بالوضح اللي عرفته منها فهمت هي ليه عملت كده؟
ترك مقعده والتف حول مكتبه ليجلس أمامه مباشرة واضعا قدم فوق الأخرى وقال:
-كنت هتقول لها استأذني أنس اﻷول.
تجهم وجهه وحاول الرد؛ فرفع فارس يده أمام وجهه ليسكته وهو يضيف:
-طبعا أنا بهزر، أو بسخر بمعنى أدق وده بعد ما عرفت إن أخوك هو اللي متجوزها مش أنت.
سأله مالك بامتعاض:
-آه فهمت، هو ده بقى اللي هي قالتهولك؟
ابتسم فارس بزاويه فمه ورد:
-هي قالت حاجات كتير أوي ممكن اقولهالك كلها لو أنت عايز تسمعها، ولو هتتصرف بعد ما تسمعها، بس أنا ليا نظرة في اللي قدامي ومتأكد أنك مش هتهتم.
رفض حديثه وقال:
-ليه يعني مش ههتهم؟ مش دي مراتي برده ولازم أعرف إيه اللي مضايقها؟
أوما له ضاحكاً:
-مع اني مش مصدقك بس تمام يا مالك، هقولك إيه المشكلة كلها يمكن تخيب ظني.
صمت قليلاً وابتلع ريقه هو ينتظر من فارس أن يهم بالحديث؛ فلم يتركه اﻵخر يجلس على جمرات النار كثيراً فتفوه أولاً بحديثه المبطن:
-بعيداً عن أي كلام ممكن يتقال في مشاكل السكن في بيت العيله خصوصا لو الزوج مش موجود معظم الوقت زيك كده.
قال مفسراً هذا اﻷمر من وجهه نظره:
-أظن في حالات زي حالتي بيت العيله بيكون أمان وحمايه وونس للست، بدل ما تفضل طول النهار وساعات كمان طول الليل لوحدها.
تهكم وهو يعقب عليه:
-ده لما يكون اهل البيت ده أهل للثقه دي وقدها.
لمعت عين مالك وامتلئ جوفه بالغضب وهو يصيح متسائلا:
-ايه الكلام ده؟ أنا أهلي مفيش زيهم و...
وقف فارس وهو يسكته بصوته القوي:
-ابلع ريقك واسمع متبقاش متسرع وغبي.
صاح به معترضاً:
-أنا مسمحلكش تكلمني بالشكل ده.
أمسكه فارس من تلابيبه وصر على أسنانه وقال بجمود:
-أنا لولا عامل حساب إنك في بيتي كنت وريتك شغلك على صوتك العالي ده.
في نفس اللحظة سمع طرقات على الباب؛ فهدر بصوت عالٍ:
-مش عايز حد يدخل عليا.
ابتلعت ياسمين ريقها وتكملت بصوت ضعيف:
-القهوة يا فارس.
صاح رافضاً:
-مش عايز.
تحركت من أمام باب مكتبه؛ فوجدت نرمين تنظر لها بغصة فابتسمت لها اﻷخرى وهمست لها تطمأنها:
-متقلقيش.
أما في الداخل فظل فارس يمسكه من تلابيبه ويهدر به، ومالك يقف لا حول له ولا قوة، وفشلت كل محاولاته فك حصار يده عن رقبته:
-أنت لو راجل بجد كنت خوفت على حرمة بيتك ومفتحتوش ع البحري كده حتى لو لأخوك، وخصوصا لو مراتك مضايقة، ولا انت مسمعتش عن حديث الرسول علية الصلاة والسلام ”الحمو الموت“؟
تركه بدفعه منه فارتد جسـ ـده للوراء وهو يعقب:
-أخويا ده لو لقاها عريانه هيغطيها، أنت بتقول ايه؟
رمقه فارس بنظرات متقززة وسحب نفسا عميقا وطرده على مهل وقال بهدوء مصطنع:
-حتى لو أخوك ملاك نازل من السما، فشرع ربنا بيقول كده، بيقول ”إياكم والدخول على النساء“ يعني مينفعش يكون مفتاح بيتك مع أهلك ويفتحوا على مراتك من غير استئذان و...
قاطعه متسائلا بحدة:
-معلش يا فارس باشا متآخذنيش في السؤال، هو انت مش عايش هنا مع أهلك برده، أخواتك فيهم ولد و...
ضحك فارس عاليا بصوت جهوري وؤفع حاجبه الأيسر وهو يجيبه:
-أولاً اسمها حضرتك، ولو قولتلي أنت دي تاني مش هتلحق تكملها، لحد عندي وتنسى أنك ظابط والهري ده عشان أنا ساكتلك بالعافيه.
صر على أسنانه وهو يضيف:
-ولو بتقارن نفسك بيا؛ فالبيت هنا مش شقه اوضتين وصاله متقدرش مراتي تاخد فيهم راحتها، ده جناحنا بس قد شقتك، ومع ذلك خلينا نتكلم بوضوح أكتر.
اقترب منه ونظر له بجمود أضاف:
-أخويا ده لسه شاب صغير ومع ذلك أنا مشيته من هنا مع إن مش من حقك تسألني لأن أنا هنا اللي بسأل.
امسكه من عنقه بغلظه وختم كلامه بغضب عتي:
-وفي ظروف زي ظروفك أنت مش من حقك تفتح بوقك بكلمه خصوصا بعد ما كشفت مراتك على أخوك بدياثه وقلة نخوه؛ فانا متأكد دلوقتي إن لو قولتلك أن الموقر أخوك بيتحرش بمراتك هلاقي رد فعل....
لم يكمل حديثه بعد صراخ اﻵخر:
-اييييه؟ هي حصلت كمان تتهموا أخويا بالكلام الفاضي ده؟
ابتسم فارس بزاوية فمه وهو يعقب:
-والله أنا كنت متأكد.
نهج بأنفاسه وسأله:
-نرمين اللي قالت لك الكلام ده ولا انت...
صمت وابتلع ريقه وصحح:
-أقصد حضرتك اللي جبت الكلام ده من دماغك؟
أجابه فارس بعد أن فقد صبره:
-يا بني اسمع، أخوك بيتحرش بيها فعلا مش كلام بقوله عشان اخليك تسيب بيت العيلة، ﻷن أنا اقدر أئمرك تجيب لها شقه بره ومش هتقدر تعاندني، بس أنا عايزك تعرف حقيقته لأنه مش أمين عليكم و...
خرجت من مالك سبة نابية وهو يدافع عن اخية بضراوة:
-ده اللي يقول عن أنس كده يبقى هو اللي *****
بلحظة واحدة تحول النقاش الحاد لتعدي بالأيدي من قبل فارس الذي هجم عليه وكيل له الضربات حتى نزفت انفه؛ فهرعت كلا من نرمين وياسمين عندما استمعتا لأصوات الهرج والمشاجرة الدائرة، وحاولت اﻷولى أن تسحب زوجها من فوق مالك وهي تهدأة:
-اهدى يا فارس مش كده.
انتهز الفرصة وابتعد عنه متجها ناحية الباب وهو يصيح بعنف:
-أنت عارف يعني إيه تتعدي على ظابط بالضرب؟ أنت فاهم أنت هيحصل فيك إيه؟
هجم عليه فارس من جديد ليكيل له لكمات اقوى واسرش وهو يرد بثقة وغرور:
-اعلى ما في خيلك اركبه، ودول كمان فوق البيعة يا ***.
خالت ياسمين بينهما وهي ترجوه:
-براحه عشان خاطري.
حاول تمالك نفسه والتحكم بغضبه فقال هادراً:
-اطلع بره بيتي يا كلب قبل ما اخلى الحرس يرموك بره زي أي كيس زباله ملوش تسعيره.
تحرك مالك وهو ينظر لزوجته وتكلم بتوعد:
-انا هوريكي يا نرمين على اللي قولتيه واتهمتي بيه أنس، انا هربيكي.
صرخ به فارس يطرده:
-امشي يا حيوان أطلع بره بدل ما أموتك في أيدي.
خرج متوعداً؛ فنظر فارس في إثره بغل واستمع لنرمين وهي تنتحب بحزن:
-مش قولتلكم إن ده اللي هيحصل لو قولناله على عمايل اخوه؟!
صرخ بها ووبخها:
-ما الغلط من الأول عليكي انتي انك قبلتي بالوضع ده، كان فين عقلك وانتي بتفتحى رجليكي لأخوه؟
تفاجئت ياسمين من حديثه الهادر والغير مراعٍ فاقتربت منه وهي تبتلع بوجل وهمست:
-براحه شويه يا فارس، دي مش أنا هستحمل كلامك.
اقترب منها، ونظر بعينها الدامعتين وقال بمعاتبة:
-فاكره لما قولتلك بلاش تغلطي الغلط ده؟ فاكرة لما حذرتك تكملي في الجوازه دي؟ مسمعتيش كلامي وروحتي اتسرعتي ودي النتيجه.
أطرقت رأسها وبكت، فهمست ياسمين تؤازرها:
-معلش يا نرمو، اللي حصل حصل و....
رفض حديث زوجته فقاطعها يقول:
-لا طبعا مينفعش أبداً تقولي كده وتسخفي باللي حصل، هي عشان تنسى مازن راحت اتجوزت جوازه مش مناسبة بغض النظر عن أخوه، لأن رد فعله طبيعي جدا أنه ميصدقش الكلام ده عن اخوه اللي عارفه عمره كله وتقريبا مربيه، لكن هو اصلا مش راجل عشان يكشف مراته على راجل تاني حتى لو دكتور وخصوصاً لو أخوه.
اقتربت منه عندما وجدت عروقه النافره بعنقه؛ فهداته بحب:
-طيب أهدى يا حبيبي، أهو الموضوع بقى تحت ايدك وأنت اتصرف فيه زي ما أنت شايف و...
قاطعها فورا:
-بعد ايه؟
بكاءها جعله يقترب منها ويتحدث بهدوء قليلا:
-نرمين، أنا عارف أنك قويه ومش متعود أشوفك بالضعف ده، عشان كده عارف أنك شويه وهتفوقي وتقدري تحكمي على الموضوع بشكل سليم، المهم دلوقتي أعرف منك حاجه واحده على أساسها هتصرف في الحل المناسب.
انتظرت أن تسمعه وهي تنظر له باهتمام فسألها:
-بتحبيه؟
صمتت قليلاً وظلت تفكر؛ فقوس فمه وهو يضيف:
-لو بتحبيه مكنتيش اخدتي كل الوقت ده علشان تردي.
همهمت بحزن:
-مش قادره أقولها وأنا قلبي شايل منه بالشكل ده وحاسه معاه بعدم أمان.
مسحت ياسمين على رأسها وهي تنظر لفارس وقالت بهدوء:
-سيبها يا فارس شويه تحاول تهدى وتفكر صح، مش أنت دايما بتقول بلاش قرارات باستعجال او وقت الغضب؟
سحب هواءاً قوياً داخله وزفره بحدة وقال:
-تمام أنا هكلم الأستاذ محمود علشان أعرفه الموضوع، وهبلغه إنك هتفضلي هنا شويه علشان تهدي وبعدها هبقى أقعد وأتكلم معاكي لما تاخدي قرارك.
تذمرت ياسمين هاتفة:
-قرار ايه بس يا فارس؟ هو محتاج قرصة ودن منك عشان يحافظ على بيته و...
قاطعها رافعا حاجبه لأعلى ونظر لها بغيظ وتحدث وهو صاراً على اسنانه:
-قرارها يخصها، لكن أنا لو عليا مكنتش سبته يخرج من هنا إﻻ وهو مطلقها.
أطبق فمه بقوة حتى اختفت شفتيه وهدر بعد أن سحب نفسا عميقا بداخله:
-شوفي انتي عايزه إيه يا نرمين، عشان لو هتكملي ليا تصرف تاني معاه خالص هيعلمه اﻷدب بصحيح، إنما لو قررتي تسبيه يبقى مش هوجع قلبي مع أمثاله ونخلص من العيلة الهوزء دي.
قلبت ياسمين عينيها بضيق وسحبت غالية قلبها للأعلى حتى تستريح فدلف هو مكتبه وأمسك جواله وهاتفه منتظراً إجابته.
❈-❈-❈
ظل يداعب صغيرته وينقض على بطنها يتظاهر بأنه يلتهمها وسط ضحكات الرضيعة وسعادة زوجته التي ابتسمت لبسمته وفرحت لفرحته؛ فقالت بفروغ صبر بعد أن ظلت تراقبهما وهما على هذا الحال قرابة النصف ساعة:
-طيب العشا جاهز، ناوي تتعشي ولا إيه؟
أجاب وهو يلتهم صغيرته بمزاح:
-أنا هاكل العسل ده من بطنو، هم هم هم.
ضحكت الصغيرة بطفولة فاقتربت خديجة وأخذتها منه عنوة وقالت بضيق:
-مبقاش ليا وجود خالص طول ما دنيتك صاحيه.
غمز لها بطرف عينه مازحاً:
-احنا بتوع الليل وآخره يا جميل، نيميها أنتي بس وشوفي عمر الباشا هيعمل إيه.
استسلمت لمزاحه ولكنها تصنعت الجدية وهي تقول:
-طيب أتفضل يا عمر الباشا عشان العشا برد.
فور أن هم بالتحرك أستمع لرنين هاتفه؛ فرد فور أن وقعت عينه على إسم المتصل:
-فارس باشا! خير يا رب؟
رد اﻻخر بصوت متجهم:
-جالي تهديد جديد، المرة دي التهديد بأختي واخت ياسمين.
سحب مقعده وجلس أمام مائدة الطعام وتكلم فورا:
-متقلقش، إحنا قربنا نمسك كل الخيوط و....
قاطعه هادراً بقلق:
-ولحد ما ده يحصل هتفضل عيلتي في الخطر ده يا عمر وانا حتى مش قادر أبلغ الداخلية عشان يحموهم.
حك عمر رأسه بحيرة وقال معقباً:
-المعلومات اللي قدرت اجمعها مش كافيه إننا نقدر نساومهم على اﻷمان يا فارس باشا، لازم يكون معانا ورقه ربحانه نقدر بيها نتفاوض.
اسند فارس رأسه على ظهر مقعده بإرهاق وقال بتعب:
-خلاص يا عمر، أنا هسيبها على ربنا.
رد الآخر:
-ونعم بالله، أنا هبعتلك طقم حراسه زياده تحطه ﻷخت حضرتك وأخت المدام.
أومأ وكأنه يراه، واغلق معه فنرظت خديجة لعينه الزائغة؛ فتوترت من ملامحه وسألته:
-ايه الحكاية؟
أجابها بضيق:
-الحكاية عمالة تتعقد اكتر يا ديچا، فارس الفهد صعبان عليا بجد.
هتفت بتضرع:
٠ربنا يحميه هو عيلته ويفك كربه يا رب.
ابتسم وقبلها قبلة خاطفة وهو يقول:
-ايوة يا عروستي أدعي كده لأن أنتي دعوتك مستجابه.
❈-❈-❈
ظلت بجوارها حتى غفت فتركتها وتحركت صوب جناحهما، ولكنها لم تجده فاستنتجت على الفور وجوده بغرفة مكتبه يعمل لهذا الوقت؛ فنزلت الدرج ودلفت بخطى بطيئة فوجدته منكباً على بعض اﻷوراق يراجعها فسحبتها من أمامه وجلست على فخـ ـذية هامسة بحب:
-كفايه كده، أنت بتموت نفسك بالبطيئ.
حاول ان يتصنع القوة والجمود أمامها على غير عادته حتى لا يزرع القلق بقلبها أكثر؛ فابتسم لها ود اعب وجهها براحته مبعداً خصلاتها الطويلة عن وجهها وتغزل بها:
-ربنا رزقني بأجمل ست في الكون، جميلة بكل حاجه وأنا محظوظ بيكي.
قبلـ ـته قبـ ـلة مؤ ججة للمشاعر فتفاعل معها على الفور، وبدأ بتمرير يده على منحنيات جسـ ـدها بجر أة؛ فهمست له من بين نشو تها:
-فارس، بلاش هنا.
تعجب منها فسألها:
-ليه؟ مش اول مرة يعني.
أبعدته عنها بدفعة قوية وحاولت النهوض من على قدمه وهي تتذمر:
-أنت بقيت مركب كاميرات في البيت كله حتى هنا، المكان الوحيد اللي فيه خصوصية هو الجناح بتاعنا.
قضم فمه وتحرك صوبها وأدارها في مواجهته وعقب على حديثها:
-مفيش أي حد يقدر يوصل للتسجيلات بتاعة الكاميرات دي غيري أنا وانتي، اطمني.
زفرت بضيق بعد أن أنهى حديثه دافناً رأسه بعنـ ـقها فتذمرت قائلة:
ما احنا مش لوحدنا في البيت برده و...
قاطعها مبتعدا عن ملمس بشر تها وقال بفروغ صبر:
-داده وعارفه كويس انه مينفعش تدخل علينا، واصلا هي من الأوضة لليفنج والعكس، ولا تقصدي نرمين؟ مظنش يعني تدخل علينا من غير ما تخبط!
تركها وتوجه ناحية الباب وقال مازحا:
ولو على كده أهو قفلته بالمفتاح، ولو على صوتك العالي.
غمز لها بنهاية حديث وهو يمسك بجهاز التشغيل عن بُعد الخاص بعدة مكبرات الصوت وشغل مقطع موسيقي، ورفع درجة الصوت وسحبها من خصـ ـرها لتلصق بجـ ـسده ودا عبها هامسا:
-بطلتلك حججك كلها أهو.
ابتلعت ريقها فأ شعلته حركتها عندما قضمت أسفل شفـ تها فحملها على الفور ووضعها على سطح المكتب وبدأ بممار سته معها وهو يهمس باذنها:
-وحشتيني اوي
❈-❈-❈
فتحت عينها على صوت الهاتف الداخلي للڤيلا فأجابت الحرس:
-خير يا بني؟
أجابها الحارس باحترام:
-آسف يا حاجه حنان، بس مازن بيه وچنى هانم واقفين عند البوابة والباشا مش بيرد.
هتفت بلهفة على الفور:
-دخلهم اوام، ربنا يجيب العواقب سليمة.
أجابها على الفور:
-ما انا دخلتهم يا حاجه، هم واقفين عند الباب الداخلي ومفيش حد فتح لهم لدلوقت.
أغلقت معه وهمت بالخروج لتفتح لهما، ولكنها تصادفت بنرمين التي استمعت لصوت طرقات على الباب الحديدي ونظرت لحنان متسائلة:
-هو مفيش حد يفتح؟
أجابتها فوراً:
-فارس أمر الخدم ميباتوش جوه الڤيلا وبيناموا في اوضهم اللي بره.
فتحت نرمين دون حيطة وهي تستمع لحنان؛ فتفاجئت بكل من مازن وچنى أمامها فابتسم مازن وتكلم بعفوية:
-ايه ده؟ انتي لسه هنا يا نرمين؟
اندهشت چنى ونظرت لأعلى لمستوى طوله تشاهد ملامحه العادية وهو يتحدث معها بتلك الأريحية واﻷخرى تجيب:
-ايوه، أصص...
ارتبكت من نظرات چنى لها فتحركت من أمامها وهي تقول:
-اتفضلوا.
خطوا جميعاً للداخل فتسائل مازن:
-البوص نام ولا إيه؟
أجابته حنان عندما شعرت باﻷجواء المشحونة والمتوترة أمامها:
-ايوه يا بني، تعالى على ما ابعت نرمين تصحيه.
بنفس الوقت كان فارس على وشك التعمق أكثر بحمـ ـيمته عندما رفضت مفسرة:
-الوسيلة يا فارس.
ابتعد عنها ناظراً لها بضيق وفروغ صبر وقال بحدة:
-بعد كده متبدئيش حاجه مش ناوية تكمليها عشان ربنا هيحاسبك عليا.
بالطبع لم يستمعا للأصوات بالخارج بسبب الموسيقى الدائرة بغرفة المكتب؛ فاقتربت منه وتعلقت برقبته وقالت بمعاتبة:
-كده برده؟ طيب أنا زعلانه منك.
قبلها فورا ولهث بلهفة:
-بحبك أوي.
حملها غامزا لها وهو يتحرك صوب الباب قائلا:
-تعالي وامري لله نطلع فوق عشان الوسيلة، وابقي فكريني اسيب في كل أوضة علبه ولا حاجه.
ضحكت بصخب تزامنا مع خروجهما؛ فتفاجئا بذلك الحشد بالبهو فأحمرت وجنتا ياسمين على الفور وابعدت راحته التي تحيطها حتى ينزلها على قدميها بحرج، واستمعت لمازن يمزح هاتفا:
-لموأخذة يا بوص، قطعنا عليكم.
اختبئت ياسمين وراء زوجها حتى تغلق سحاب كنزتها الرياضية التى ترتديها، ونظر هو بتعجب ولساعة يده متسائلا بحيرة:
-ايه اللي جايبكم الساعه دي؟
غمز له الآخر بوقاحة:
-عذرا يا كبير، مكنتش أعرف انها ساعة حظ.
صاح به فرس بحدة:
-ما تتلم يا زفت انت وفهمني ، حصل حاجه؟
اقتربت منه أخته الصغرى وقالت بهدوء:
متقلقش يا فارس بس أصل احناا...
ترددت بإخباره ففرغ صبره وهدر بها:
-ما تتكلمي.
أكملت هاتفة بسرعة:
-انا جايه اقعد معاكم كام يوم عشان سو تعلمني الطبيخ.
التفت ناظراً لمازن الذي أشار له بعينه موضحا الأمر؛ ففهم واقترب منه متسائلا بهمس:
-مش اتفقت معاك تروح لساجد؟ ايه اللي جابك هنا يا هادم اللذات انت؟
رد بنفس النبرة المنخفضة:
-جت فرصة حكاية تجارب المطبخ الفاشلة بتاعة اختك، وقولت لها اتعلمي من شيرين بس هي رفضت وقالت اتعلم من ياسمين، فملقتش طريقه اعرف ارفض من غير ما احسسها بحاجه.
تجهم وجهه وقال بتذمر:
-تقوم جاي في نفس اليوم! ما كنت صبرت للصبح.
ابتسم وهو يسخر منه:
-يا سيدي خير البر عاجله، آسفين لو قطعنا عليك مرة تانيه يا كبير.
دفعه من كتفه بغلظة وقال بحيرة:
-هعمل انا ايه في نرمين دلوقتي؟ ده انا قولت لأبوها يخليها هنا الكام يوم الجايين!
قاده فضوله لمعرفة بواطن الأمور فسأله:
-هي متخانقه مع جوزها؟
أومأ له وأكد:
-غالبا مش هيكملوا.
في الناحية اﻷخرى شاكستهما حنان بطيبة:
-چنى دي عامله زي الجنيه البراني، تلف تلف وترجع هنا.
ضحكن جميعا فلم تهتم وقالت بنهم:
-أنا جعانه أوي، واﻷكل باظ كله.
التفتت تسأل ياسمين:
-هو الحمل بيجوع كده؟
ضحكت وهي تجيبها:
-بس مش في الشهور اﻷولى، واضح انك حامل في دراكولا.
ضحكن مجدداً وهي تبلل شفتيها وتسألها:
-انتو طابخين ايه انهاردة؟
أجابتها فورا:
-فراخ ومكرونه.
صرخت معترضة:
-بس!
أجابتها وهي منهارة من الضحك:
-معلش بقى محدش عنده دماغ للمطبخ، أنتي جعانه يا چوچو اسخنلك؟
أومأت وهي تبتلع ريقها وتحركت معها لداخل المطبخ؛ فنظرت نرمين في إثرهما وعادت تستأذن حنان بأدب:
-عن إذنك يا داده هطلع أرتاح.. الوقت اتأخر أوي.
وقفت چنى تشاهد زوجة أخيها وهي تقوم بتسخين اﻷكل؛ فشعرت بالفضول يقتلها فسألتها أخيراً:
-هي نرمين قاعده هنا من امتى؟
أجابت بعفوية:
-لسه انهاردة.
توترت وقضمت شفتيها وسألت وهي تطقطق أصابع يدها:
-أومال مازن شافها فين على كده؟
أجابتها وهي تسكب الطعام باﻷطباق:
-هنا برده، بعد ما خلص شغل مع فارس.
أمسكت باﻷطباق وأشارت للبقية:
-هاتي دول معاكي.
وضعتا الطعام على المائدة فسألتها:
-مش هتتعشوا معانا؟
رد فارس وهو يتحرك بجوار مازن:
-احنا سبقناكم، كلوا انتوا وشوفو هتناموا فين ﻷن مظنش أوضتك القديمة تاخد رجلين مازن يا چوچو.
ضحكوا على المزحة التي لم يجدها المعني مضحكة فقال متذمرا:
-انا مش طويل أوي كده يعني.
رفع فارس حاجبه وهو يرفع عنقه لأعلى قائلا:
-أنا 184 وببصلك من تحت.
احتضنت چنى خصـ ـره وقالت بحب:
-ولا يهمك منهم يا حبيبي، هو ده الطول اللي بتحلم بيه أي ست.
حملها بيد واحدة كدمية قطنيه وغمز لها:
-ايوه Hullk وكلكم جنبي عرايس ورق.
شعر فارس بالضيق بعد أن قطع خلو ته مع زوجته فتحرك صوب الدرج وهو يسحب ياسمين معه:
-انا تعبان وعايز انام ودول دماغهم فاضيه، يلا بينا احنا وهم يتصرفوا بقى براحتهم.
التفت يرمقهما بنظرات مغتاظة وقال أخيراً:
-البيت بيتكم، تصبحوا على خير.
ابتسم مازن مجيباً:
- طبعاً، Enjoy يا بوص
❈-❈-❈
وصل منزل عائلته دالفاً بحدة وغضب؛ فاستقبلته والدته بفزع من منظرة المبعثر ودماءة المنسابة من انفه وفمه، فصرخت متفاجئة:
-ايه اللي حصل؟
اقترب أنس منه وتجهم وجهه وقال:
-اتكاتروا عليك وانت لوحدك طبعا.
أومأ له وقال:
-الحيوان اللي أسمه فارس، جته بغل ... عبارة عن تور هايج متقدرش تزقه حتى.
لمعت عين أنس بالضيق وسأله:
-ايه اللي خلاه يتخانق معاك بس؟
أطبق على أسنانه بغل ورد:
-الهانم راحت عليهم وأهلها ميعرفوش حاجه أصلا.
ربت أنس على ظهره ومسح بيده وهو يواسيه:
-متقلقش، هي بتحاول تضغط عليك عشان تنفذ لها طلبها وتبعد عن هنا .. وهتستخدم كل أسلحتها عشان تفوز، لكن اللي هيكسب هو صاحب النفس الطويل؛ لأنها مستحيل تخرب بيتها بعد كام شهر جواز عشان حاجه تافهه زي دي.
صر مالك على أسنانه ونظر للأرض بضيق محاولاً كتم غيظة الذي تأجج بداخله ولا يعلم ما عليه فعله، فهل يخبر أخاه بما اتهموه به باطلاً؟ أم يصمت حتى لا تتأزم العلاقة بين زوجته وأهله أكثر من ذلك؟ فجلس على اﻷريكة وقال بصوت مختنق:
-انا هوريها شغلها، بس أتكلم مع ياسين بكره عشان ميزعلش مني بعد كده من اللي هعمله في أخته وفي الحيوان اللي متجوز بنت عمهم.
جلس أنس وتحاور معه بخبث متسائلا:
-انت مش كنت قولتلي إن ياسين ده كان طول عمرة بيحب بنت عمه، وجه فارس الفهد اخدها منه!
أومأ له وهو يرمقه بنظرات فضولية فأستمع له يضيف:
-يبقى ياسين آخر واحد ينفع يتدخل في الحكاية دي، سيبني أنا اتكلم معاها و...
قاطعه بتوتر ولهفة:
-ﻷ، أنت ﻷ.
فطن أنس لمنظر أخاه المرتعد، ولكنه أراد التاكد من حدسه ومن جرأتها على إتهامه حقا كما هددته؛ فسأله بريبة:
-أنا لأ ليه؟ أنا أخوك الكبير واللي كنت قاعد في خطوبتك وجوازك وأظن محدش غيري ينفع يتدخل و...
قاطعه مالك بضيق:
-مش هينفع يا أنس متضغطش عليا.
سأله باصرار:
-ليه طيب فهمني؟
رد بصوت هادر وعيون جاحظة:
-لأن الهانم بتتهمك أنك بتتحر ش بيها.
يتبع...