رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الثاني والخمسون
رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة
حصريًا على مدونة رواية وحكاية
بقلم بتول طه
الفصل الثاني والخمسون
-
كانت كنسخة طبق الأصل من يمنى، ولكن كان بعينيها
نظرات الكبرياء والتحكم، كانت مسيطرة بكل خطوة تأخذها، وكأن خوفها معدوم، شجاعة،
لا تخـ ـضع للر جال... أتعرفين أنها أتت لي كي أترافع لها عن رجل أراد يتزوجها
فرفضته فقام بتزوير بيع شركاتها له... الكثير من النساء كانت ستصمت وتخضع لأي رجل يفعل
بهن ذلك... ولكنها تمردت ولم تخف... عادةً لا يستهويني هذا النوع من النساء، لا
أكترث لهن مطلقاً ولكن لا أعلم ما الذي حدث معها... كان هذا في بداية عامنا هذا، دخلت
مكتبي وأطاحت بكل شيء أمامي أرضاً حتى أتفرغ لها وأعطيها اهتمامي وأتحدث معها... إلى
هنا كنت لا أزال عمر يزيد الجندي الذي يتحكم بغضبه وسيطرته أمام النساء بل والجميع
عموماً... أجريت عنها بحثاً وكأنني أريد أن أعرف كل شيء عنها، لم تكن لها علاقات ولا
صداقات كثيرة... ربما أصدقاء أو لنقل زملاء المدرسة والجامعة ليس إلا، وقتها نظرت لنفسي
وقلت لقد توقفت منذ ثلاث سنوات وأنا أريدها، ولكن كيف وهي من تتمنع عن الرجال... لذا
ساومتها بمنتهى الخبث شركاتها مقابل أن تتزوجني وأفعل ما يحلو لي بها...
لوهلة احتقر نفسه لتتحول ملامحه للانزعاج الهائل
من أفعاله الحقيرة الخبيثة معها وتحامل على نفسه كي ينتهي من إفراغ الأمر بداخله:
-
لا أعلم ما الذي حدث لي بعد أن تزوجتها... ربما
أول ثلاثة أسابيع كنت أنا المسيطر عليها حتى جعلتها تخضع لي ولكن بعد أول مرة عاقبتها
شعرت بالندم، أو لأصيغها بشكل أفضل، شعرت بالإحباط، أو مشاعر ليست بإيجابية لأنني التمست
منها أنها ليست مثل النوع الذي أبتغيه من النساء، وبعد حُزنها شعرت أنها تكرهني ربما،
وبعد أول ممــ ــارسة التي كنت أظن أنني سأشعر بالملل منها أو أنني وصلت لما
أريده... ولكن ما فاجأني أنني لم أكن أريد أن أبتعد عنها... كلما اقتربت كلما ازداد
شوقي لها، أخبرتها أنني أعشقها، أنني أحبها، أول امرأة أما رس معها الحب... كلما ما
رست عليها ساديتي أندم كثيراً وأشعر بالوجع يهشمني ... ضميري يلح علي أنني خاطئ بحقها،
كل مرة تقع عليها عيني أود أن أبدأ معها من جديد وكأنها تنقي تلك الزوبعة بداخلي...
لم أعد أكترث من منا المسيطر... من منا الذي يتحكم... كنت دائماً أريد أن أمارس أنا
العنف الذي لا تتقبله المرأة أمامي ولكن معها هي لم أكترث إذا كنت أنا أشعر
بالإشباع من هذا العنف، بل قد طلبت مني أن أكون عنيفاً معها ذات يوم ولكن فعلتها بطريقة
تجعلها تود أن تفعلها مجدداً، أردت إثارتها وإشباع شبقها وشهوتها وليس فقط أن أعذبها
أسفلي... أصبحت لا أطيق أن أبتعد عنها ولو للحظة، لا أريد أن أؤذيها بما داخلي
وبعدما رأيت بها يمنى وهي أكثر امرأة تشبهها ولكني وقعت بحبها، هي مختلفة عنها كثيراً،
يمنى كانت خاضعة بكل شيء بينما روان عكسها ولكنني أحببتها وأقسم أن هذا ليس للشبه بين
كلتيهما!!
همس بوهن وألم جملته الأخيرة ونظر لمريم حتى شعرت
أنه يود أن يقول شيئاً ولكنه لا يريد الاعتراف لتسأله:
-
والآن سيد عمر... ماذا تريد أن تفعل؟
عقد حاجبيه لسؤالها ببعض الاستهجان ليتنهد وهو
يعلم أنها تريد أن تعرف لماذا يرغب بالعلاج وفهمها تمامًا ليتحدث بوهن مجيبًا:
-
أريد أن أستعيدها، دون سادية وألم، لا أكترث حقاً
فقط أريدها بجانبي... ولو كان هذا هو المرض، فأنا أريد العلاج... التخلص من كل ما أنا
عليه كي لا أسبب الألم بعد الآن والتخلص من تلك الأصوات بداخلي، وساديتي المفرطة!!
همس بصعوبة وتلعثم بعد أن شق عليه الاعتراف بالأمر
لتتفقده بتفحص وسألته بجدية:
-
أنت تحبها أليس كذلك؟
ابتسم بسخرية لها ومقلتيه فاضت بالحزن ثم
أجاب:
-
أنا متيم بها
نظرت له بجدية ثم تحلت بالحزم الشديد وهي
تخبره:
-
حسناً... قد يكون هناك العديد من الأشياء التي
تستطيع فعلها ولكن حتى أكون واضحة وصريحة، عليك مواجهة العديد من الأمور التي قد تؤلمك
حَقًّا وعليك الاستجابة للكثير من الأشياء التي لم تعتد عليها من قبل... هذا
بالطبع إذا كنت تريد أن تستعيدها... كل تَغَيُّرك هذا وكل الاختلاف الذي جعلك
تتصرف ببعض ما لم تعتد عليه هو من تأثير الصدمة ليس إلا! لذا عليك الالتزام بما هو
قادم وعليك أن تأخذ أمر العلاج على محمل الجد بالفترة القادمة حتى ولو حدث وتعرضت لبعض
الرفض منها هي شَخْصِيًّا... سيبقى السؤال في النهاية هل أنت تفعلها من أجل نفسك أم
من أجل شخص آخر؟!
أومأ لها بالتفهم وتكلم بمشقة اندلعت بنبرته:
-
أعلم
هذا، أعلم أن أي خطوة علاجية بما يتعلق بهذا الأمر لابد أن تأتي مني أنا
أولًا ولابد أن تكون بكامل الوعي والإدراك بأن هذا لنفسي في المقام الأول ولكن
سأفعل كل شيء من أجلها.. من أجل أن أكون كذلك زوجا وأبا وأخا
أفضل، وأنتِ ستساعدينني بهذا، أليس كذلك؟
هزت رأسها ونظراتها جادة له وأضافت لتوضح:
-
عفواً سيد عمر ولكن عليك فعل هذا من أجل نفسك أولاً، من أجل أن تُصبح أفضل
وتحيا بشكل طبيعي دون رغبة الانتقام ومن ثم الشعور بالندم والتخبط والزوبعات
الداخلية، ثم من أجل الجميع، روان أم غيرها، عليك لأول مرة أن تذعن أمام نفسك أن كل
هذا لم يكن طبيعيا، ستتقبل تلك الأعراض التي سأفسرها لك، بعد كل حديثنا وما بحت لي
به هناك العديد من المواقف في حياتك برهنت لك الفرق بين المتعة المُرضية وبين الممارسات
المريضة... أنت بالطبع مختلف عن روان، أنت رجل ذكي... مثقف... لذا أظن أنك تستطيع أن
تتفهم تلك اللغة المعقدة التي لم أتبعها مع روان، أنا عاملتها كفتاة صغيرة حتى لا تخاف
من كل تلك التعقيدات ولكن أنت تدرك ما أقول... أليس كذلك؟ أنت تُقر بأن هذا يحتاج لعلاج
وحتى لو طال الأمد به عليك أن تستجيب له... ستثق بي ولن تجعل بيننا أي حواجز حتى نستطيع
أن نواجه هذا
ضيقت عينيها بعد أن حاولت أن تخطو أولى خطوات العلاج معه ألا وهي الاعتراف
بأنه يحتاج المساعدة لمرضه...
ابتلع بمرارة وتألم ليحاول البحث بداخل نفسه عن مدى تقبله لما تقوله...
هل يريد هذا لنفسه، فهو إن لم يتغير مع الجميع وقتها سيكون هذا من أجل روان فقط!!
-
نعم... أقر... أنا أحتاج هذا وبشدة!!
اعترف لها منكساً رأسه كالطفل الصغير لتتنهد مريم ويوصد هو عينيه وهو يُفكر
بذلك الطريق الذي سيبدأ أن يخطو به منذ البداية على الرغم من تأخره به، ولكنه
سيفعلها الآن...
-
أعرف أن تلك الهيئة التي رأيتها عليها وظني الخاطئ بخيانتها لي هو من جعلني
أُصدم بحقيقة ما فعلته وإلى أين قد تؤدي بي أفعالي ولكن ثقي بي... لم يعد هناك المزيد
من الإنكار بداخلي تجاه الأمر، قد أودي بحياة شخص بالفعل إن لم امتثل للعلاج!
سيطر على نبرته غصة متألمة وهو لا يستطيع نسيان كل ما مر عليه وحقيقة أنه
كاد أن يقتلها هي وطفله الجنين الذي لم يولد بعد جعله يقتنع بما يلم به من
اضطراب!! حتى ولو كان يومًا ضد عدم تقبل أن كل ما هو عليه مجرد أسلوب للحياة وميول
فطرية يتحلى بها!
هو يعلم بقرارة نفسه دون أن يخدع أحد بكلماته المنمقة، أن ما فعله وقتها
وهي تتألم أسفله وتناشده أن يتوقف كان هذا أفضل ما انتشى به في حياته!
❈-❈-❈
-
أشكرك على كل شيء، أنا لا أصدق كل ما فعلته من أجلي حقاً عدي...
أغلقت بعض التقارير أمامها وشكرته بابتسامة في امتنانٍ له على الرغم من
تلك التعاسة التي تأبى أن تتركها ليبادلها وتحدث بنبرته المرحة الحماسية دائمًا:
-
لا شكر على واجب، لكن الآن أنتِ تخلصتِ من الجبس، أشعر بتحسنك الملحوظ،
عليكِ العودة ولن أقول من أجل عمر الذي لم أره بهذا الشكل من قبل ولكن دعينا نقول من
أجل نفسك وعائلتك... ولا تقلقي سأبقى بجانبك وإذا حتى أردت أن تبتعدي عنه حت ...
-
لن أبتعد عدي!
قاطعته بحزم حتى توقفه عن محاولات تجميله للكلمات التي تشعر بمدى ثقلها
عليه، ورمقته متنهدة بعمق بعد أن اتخذت قرارها بالأسبوع المنصرم الذي حاولت أن
تقوم بحساب كل الأمور خلاله وحدثته قائلة:
-
أنا أثق أنك ستبقى بجانبي ولهذا سأعرض عليك شيئاً ولن أُقبل رفضك
بخصوصه...
تناولت نفسًا مطولًا وهي تتفحصه بدقة بينما تلجم لسانه وكست ملامحه الدهشة
من قرارها الذي لم يكن يظن أنها ستتخذه، فأخوه نفسه لا يظن أنها ستعود له يومًا ما
وانتظر مترقبًا كلماتها ليأتي صوتها الموضح في النهاية:
-
شراكة جديدة بيننا، ستنضم شركتك لشركاتي بالباطن بنسبة خمسة وعشرين
بالمائة وسأدعمها عن طريق الصفقات الجيدة بمساعدة قسم المبيعات لدي... أمام الجميع
لا زال عدي الجندي مالك الشركة ولا أمانع أن تتوسع شركاتك وتبني اسماً
تجارياً ولكن عند كل توسعة سأمتلك خمسة وعشرون بالمائة في كل شركة... ولكن بيننا بعيداً
عن الأعين نحن شركاء ولتعلم أمام تلك الشراكة وهذا الانضمام سأبيع لك بعضاً من أسهمي،
ولتعلم أن أسهم الشركات بأكملها مقسمة بيني وبين أخي، حتى والدتي قد قسمت ما ورثته
من أبي بيننا بالتساوي، لذا ستملك خمسة بالمائة كبداية من أسهمي لأنني لا أستطيع إجبار
أخي أن يبيع أسهمه أو أن يتنازل عنها الآن وهو لم يبلغ السن القانونية بعد... ما
قولك؟!
نظر لها بطريقة غريبة ناهضاً ليحدق بوجه تلك المرأة التي كانت منذ أقل
من شهر تختبئ بوهنٍ بعيدا عن أعين الجميع وهي تبكي من شدة الألم والحُزن وترتجف خوفاً
والآن هي سيدة الأعمال التي تفكر بكل شيء وتدرسه بل وتجعل من أمامها بطريقتها يذعن
لها بسهولة!!
تردد ببعض التلعثم وهو يحدقها متعجبًا:
-
هل أنتِ متأكدة أن...
-
اجلس عدي ودعنا نتحدث بهدوء واتركني أوضح لك المزيد...
قاطعته ليجلس أمامها وهو لا يتوقف عن تفقدها باستغراب لتنظف حلقها ثم
أردفت بجدية:
-
أعلم أنك تتابع كل شيء منذ ما يقل عن شهر ولكن رأيت مدى براعتك، ربما أنت
بدأت كل هذا بعد انتهاء دراستك ولكنني منذ أن كنت صغيرة وأنا أتابع كل شيء مع
والدي، لذا لن أقيس مجهودك وحجم شركتك بشركات والدي، فشركتك نشأت منذ أربع سنوات بينما
ما أملكه أنا وأخي قد أسسه والدي منذ أكثر من عشرين سنة... ولتعلم أنني أثقلت كاهلك
بالعديد من الأعباء والمواقف المفاجئة بل والمزيفة أساساً حتى أختبر كيفية مواجهتك
لتلك المواقف الصعبة، لكنك حقاً أدهشتني وكسبت ثقتي... كما أن تلك الشراكة بيننا
لن تكون لبراعتك بالعمل فقط ولكن منذ الكثير من الوقت وأنا أتمنى لو أن لدي من
أعتمد عليه، كصديق موثوق، ولكني وجدت أخا بدلاً منه... أنت ذكي وطموح وأصبحت أثق بك...
سأبدأ في أن أمر بوقت صعب، سأواجه عمر، سأحاول أن أبحث عن حل معه، سألد، سيأخذ طفلي
من وقتي الكثير لذا سأعتمد عليك، وأيضاً لا أريدك أن تفعل هذا بدافع أنني أعتبرك
أخي، أريدك أن تستثمر أيضاً وألا تضيع وقتك بالمساعدة في شيء ليس ملكك بالأساس، وقبل
أن تتوطد علاقتنا وأنت حدثتني من قبل وتواعدنا بأن يكون بيننا بعض الأعمال يومًا ما
ولقد رحبت بهذا الاقتراح بالسابق، لذا!! ما قولك؟