-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 6 - 2

 قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 


العودة للصفحة السابقة



الفصل السادس الجزء الثاني

❈-❈-❈



كانت جالسة على مقعد من مقاعد الطاولة الصغيرة، حيث أنها تتسع لشخصين فقط في مطعم من المطاعم المرموقة، ذات الرونق الرائع والمظهر الخلاب، ابتسمت بصفاء وهدوء وبهذا الوجه البشوش إلى شاب أمامها يجلس مقابلًا لها، خصلاته سوداء وعينيه كذلك، أنفه حاد، شفـ ـتيه رفيعة، لحيته نابته وكذلك شاربه، يبدو وسيم كمثل "عامر" بالضبط..


يعلو ثغرة ابتسامة عريضة يبادلها إياها في وسط الحديث الدائر بينهم ولكن عينيه داخلها شيء يعبر عن آخر غير تلك الابتسامة


سردت بجدية وهي تضع كوب عصير المانجا على الطاولة ناظرة إليه بجدية:


-أخدت الشيك من عمي وصرفته وتم الموضوع الحمدلله


ابتسم إليها بود وترك هو الآخر فنجان القهوة الخاص به على الطاولة وعقب على حديثها:


-كويس وإن شاء الله خير متقلقيش 


تنهدت بهدوء ووضعت يـ ـدها الاثنين على الطاولة تستند عليها وهي تبصره بجدية مُكملة حديثها توضح له كيفية الأمور:


-مش قلقانة بس عايزة الدنيا ترجع تمشي زي الأول إحنا لو مكنش المبلغ ده مكناش هنعرف نمشي أمورنا


ترك ما تتحدث عنه لأنه لا يهمه من الأساس وأتجه بالحديث إلى طريق آخر يريده ويهواه كما يهوى تحقيق مراده معها:


-هتسهري معايا بكرة


لوت شفتـ ـيها المُكتنزة أمام عيناه السوداء البراقة قائلة:


-موعدكش 


ضيق عينيه عليها بجدية يتسائل بجدية:


-ليه؟ إيناس هتكون معانا 


ابتلعت ما وقف بحلقها ثم قالت له بتوتر ما حدث آخر مرة في المنزل بسبب خروجها المُستمر ليلًا بدون داعي، ولم تكن تريد أن يتكرر ذلك مرة أخرى:


-مش القصة يا هشام بس أنت عارف بقالي فترة بخرج بالليل وعامر عمل حوار آخر مرة واتخانق هو وعمي بسببي 


زفر بضيق وعصبية وأعاد ظهره للخلف مُبتعدًا عنها وتغيرت ملامح وجهه مئة وثمانون درجة على ذكر "عامر":


-يادي عامر هو إحنا مش هنخلص منه بقى


ضيقت ما بين حاجبيها وعينيها عليه مستفهمه ما المقصود من حديثه: 


-يعني ايه نخلص منه 


صاح بصوتٍ مُتعصب وغاضب بسبب ما تفعله معه دائمًا، تعطي لـ "عامر" الأهمية الكبرى بحياتها، حتى أنه الأهم منه وإلى الآن لم يفعل ما يريد بسبب وجوده وبسبب غبائها:


-يعني نخلص منه يا سلمى... كل حاجه خايفة من عامر وعامله حساب لعامر.. دا أنتي حتى مأجلة خطوبتنا علشان خاطر عامر 


تفوهت بحدة بعدما تضايقت من حديثه الذي يظهرها ضعيفه وتخاف بشدة منه:


-أنا مش خايفة منه على فكرة أنا بس مش عايزة مشاكل في البيت بسببي 


وقفت عينيه على عينيها بدقة وعمق وقد فعلت ما أراد بحديثها ليحاصرها بذلك السؤال:


-ومال الخطوبة بالمشاكل يا سلمى 


وجدها ارتبكت عندما تحول الحديث إلى نقطة تهرب منها دائمًا رأى كل الارتباك على ملامحها والتوتر قد ظهر بوضوح ولن تستطيع أن تُجيب عليه فأكمل هو مرة أخرى:


-ردي عليا عرفيني! ولا أنتي خايفة على مشاعره؟


تنفست بقوة أمامه مُغمضة عينيها تعتصرهما ثم فتحتهما ونظرت إليه بجدية حادة لتجعله يصمت عن ذلك الحديث الذي يقوم بتفتيح جروحها التي أغلقت عليها قبل أن تُشفى:


-هشام! بلاش الكلام ده لو سمحت أنت عارف اللي كان بيني وبينه انتهى من زمان أوي وإحنا دلوقتي ولاد عم لا أكتر ولا أقل


تسائل مرة أخرى بضيق وانزعاج واضح منها وداخه يسب الساعة التي وقع فيها بذلك المأزق: 


-اومال مأجلة الخطوبة ليه؟ مش قولتي علشان عامر 


حقًا تخاف على مشاعره، ومشاعرها هي الأخرى، إلى الآن تحبه ولا تتقبل وجود أي رجل في حياتها سوى هو وعلى الرغم من ذلك هي أيضًا ترفضه.. ترفضه بكل الطرق والمقاييس ولن توافق على عودتها إليه مهما حدث.. فحتى بعد كل ما حدث مازال على وضعه ولم يتغير.. كل ما تفعله أنها تحاول الخروج عنه إلى غيره، تحاول أن تتقبل "هشام" في كل مرة وتنظر إليه على أنه شريك حياتها..


اختلقت سببًا واقعي وسيحدث حقًا إن تقدم لخطبتها، فهذا "هشام الصاوي" ولد "رفعت الصاوي" وابن عم "إيناس الصاوي"، لن تتم الموافقة بتلك السهولة من عمها ولن تحصل عليها أبدًا من "عامر":


-آه يعني مهو بردو عمي مش هيوافق بسهولة.. انتوا أكبر منافسين ليه وباباك كمان مش هيوافق بسهولة


أقترب للأمام مُمـ ـسكًا بيدها الموضوعة على الطاولة بشغف وعينيه تتحرك على ملامح وجهها: 


-لأ مالكيش دعوة بأبويا أنا.. المهم أنتي، لازم تشوفيلنا حل علشان نخلص إحنا بقالنا سنة مع بعض لو كانت خطوبة كانت خلصت ولسه كمان لما يوافقوا هنضطر نعمل خطوبة قدامهم وأنا بصراحة تعبت ومش مستحمل أكتر من كده 


أطالت النظر عليه واستمعت إلى حديثه ثم قالت:


-مش مستحمل ايه؟


رسم على ملامح وجهه الضيق، ثم الحنان والشغف، الحب والاشتياق، كل ذلك في لحظة واحدة لكي يظهر إليها حديثه يخرج من القلب وما داخله:


-إنك تكوني بعيدة عني يا سلمى.. أنا عايزك مراتي.. عايزك جنبي وليا مش اسيبك تباتي هناك في بيت معرفش بيحصل فيه ايه لأ وكمان اللي اسمه زفت ده معاكي 


جذبت يـ ـدها بقوة من أسفل يـ ـده الموضوعة على الطاولة وعادت للخلف بجـ ـسدها بينما عينيها مُتسعة عليه بقوة ولم تصمت حيث أنها تفوهت بحدة:


-هشام أنت بدأت تقول كلام غلط وهنزعل من بعض، ايه ده اللي بيت معرفش بيحصل فيه ايه؟ يعني ايه كلامك وماله عامر قاعد معايا في نفس البيت فين الأزمة


لقد أخطأ في التعبير، وعليه تصليح الأمر لتسير كما يريد، ارتسم الحزن على ملامحه وأردف بهدوء وحنين شغف يقوده إليها:


-مقصدش بس قدري اللي أنا فيه أنا راجـ ـل بحب ومن حقي اغير عليكي


وجدها كما هي لم تُجيب عليه بل تنظر إليه وتستمع إلى حديثه وكأنها في داخلها تعيد ترتيب الأمور مرة أخرى، ولكنه لن يعطيها هذه الفرصة:


-متزعليش من كلامي أنا آسف.. ده يوضحلك قد ايه بحبك يا حبيبتي


أومأت إليه برأسها وصمتت عن الحديث وقلبها ثائر داخلها، ينعتها بأفظع الكلمات، كيف لها أن تستمر عام كامل في ذلك الضغط الذي وضعت نفسها به، كيف لها أن تكون على علم أنها تحبه ولا تريد غيره وتغصب نفسها على تقبل آخر ليصبح شريك حياتها؟


استمعت إلى صوته الحاني يهتف بابتسامة عريضة على وجهه الوسيم:


-وعلشان متزعليش بجد أنا كنت عاملك مفاجأة هتفرحك أوي


تسائلت بجدية واستفهام:


-مفاجأة! مفاجأة ايه؟


مد قدمه للأمام قليلًا ثم مد يـ ـده اليمنى إلى جيب بنطاله وأخرج منه ورقة صغيرة مطوية، قدمها إليها بنفس تلك الابتسامة:


-دي المفاجأة


أمـ ـسكت بالورقة وفتحتها لتقرأ ما بها وقد كان شيك يحتوي على مبلغ كبير منه، رفعت نظرها إليه وعينيها تتسائل قبل شفتـ ـيها التي تحركت بجدية:


-دا شيك بنص مليون 


أكمل هو على حديثها موضحًا إنه للجمعية الخاصة بها، ليجعلها تسعد وتتناسى ما الذي كان يتحدث به معها إلى مرة أخرى سيخرج كل ما في قلبه وقلبها وسيفعل ما يحلو له:


-للجمعية.. تبرع من شركة الصاوي ياستي 


-بجد؟


أومأ إليها برأسه وأردف مُعقبًا:


-آه والله بجد 


قدمت يـ ـدها إليه وأمـ ـسكت يـ ـده تضغط عليها بقوة تعبر له عن امتنانها إليه بعد ذلك المبلغ الذي قدمه إليها:


-شكرًا بجد يا هشام.. مش عارفه أقولك ايه 


تعمق في النظر إلى عينيها وأخرج صوته بنبرة رخيمة شغفوة مُطالبًا بالمزيد منها:


-متقوليش حاجه غير بحبك... نفسي اسمعها منك


سحبت يـ ـدها مرة أخرى ونظرت إليه بجدية شديدة، ابتلعت ما وقف بجوفها، لو يعرف أنها لو تستطع قولها لفعلت ولكنها لا تستطيع قولها إلا لشخص واحد فقط، ليته يعود عما يفعل:


-كل حاجه في وقتها أحسن 


أومأ إليها مُبتسمًا وأجاب بهدوء تاركًا لها الفرصة لتفعل ما تشاء:


-ماشي وأنا هستنى لوقتها


❈-❈-❈


عادت إلى الفيلا قبل أن تغمر السماء النجوم وقمرها يسطع في مكانه، تجنبًا لأي حديث قد يصدر من "عامر" ناحيتها ثم بعد ذلك يتشاجر مع والده، وهي لا تريد هذا، دلفت بسيارتها إلى الداخل وبقيت بها قليلًا، عقلها يدور معها حول أفكاره عن الذي من المفترض أن يحدث بينها وبين "هشام"


إنه شاب مجتهد للغاية وطموح، يحبها ويريد الزو'اج منها، وسيم ومقبول بالنسبة إليها وله كل المواصفات التي تريدها أي فتاة للزو'اج، تعرفه منذ عام مضى تطورت العلاقة بينهم إلى أنه أراد الزو'اج منها وهي بكامل الغباء لم تمانع بل وافقت ولكنها أجلت الفكرة قليلًا..


بعد كل هذا هي لا تحبه.. لا تريده، إنه من الممكن أن يكون صديق، شقيق، أي شيء غير أنه يأخذ مكان "عامر" في قلبها وحياتها، لا تستطيع النظر إلى رجل على هذا الأساس، لقد ترك "عامر" كل صفاته داخلها، ترك حبه وهوسه بها، ترك جنونه وحنانه عليها، وإلى اليوم لا تستطيع رؤية غيره.. 


ما الذي ستفعله مع "هشام" كيف ستتقبل أن يكون في موضع "عامر" وكيف من الأساس ستجعله يأتي ليطلبها!.. هناك مئة سؤال في رأسها جميعهم يريدون إجابة وهي لا تمتلك ولا إجابة واحدة منهم..


تنهدت بضيق ثم أخذت المفتاح من السيارة وأخذت حقيبتها وهمت بالنزول منها عندما رأته يحاول أن يصف سيارته جوارها هو الآخر، هبطت منها وفتحت الحقيبة لتضع بها المفتاح ولكنها عندما وضعته لم تجد الهاتف بها..


بحثت عنه في تلك الحقيبة الصغيرة لم تجده فأخذت المفتاح مرة أخرى وعادت للسيارة تحت أنظاره داخل سيارته، فتحتها ثم دلفت مرة أخرى ووجدت الهاتف بها، أخذته وعادت مرة أخرى لتغلقها ثم تقدمت تسير إلى الداخل مجاهدة بقوة مع عينيها ألا تنظر إليه..


يالا الألم الذي يشعر به داخل قلبه، يتلوى على جمر مشتعل، يحترق كل لحظة يراها بها، بعد كل ذلك الحب والانتظار تتركه بهذه الطريقة! يكن كالغريب بالنسبة إليها ولا تريد النظر إليه حتى، لا تريد الحديث معه ولا التقدم منه خطوة بعد أن كان لها الحياة وما فيها.. الألم الذي بداخله يكاد أن يقتله كلما رآها هكذا.. يشتهي قربها بشدة.. يشتهي وجودها بحياته كما السابق..


الآن يتركها تفعل ما تريد ولكن في النهاية لن تكون لغيره، لن تكن إلا زوجته وفي مرقده..


خرج من السيارة هو الآخر وسار خلفها للداخل، في طريقة لفت نظرة ورقة بيضاء نظيفة على الأرضية على غير العادة، ربما وقعت منها.. انخفض إلى الأسفل أخذها بين يـ ـده ثم وقف شامخًا مرة أخرى وفتحها بفضول ليرى ما محتواها وقد كان صادمًا للغاية بالنسبة إليه..


اشتعل قلبه أكثر وسارت النيران به تتدفق في الأوردة، احتدت مسكته على الورقة ونظرة عينيه تحولت مئة وثمانون درجة، أخذ صدره يرتفع وينخفض بعنـ ـف وقوة كبيرة نتيجة لغضبه العارم الذي وُجد بعد نظرته ورؤيته لمحتوى هذه الورقة الصغيرة..


من أين تعرف "هشام الصاوي"؟ وما الذي أخذه منها مقابل هذا المبلغ؟..


نظر إلى البعيد ليراها تقف أمام بوابة الفيلا وتهم بالدخول لتختفي من أمامه وتحتمي في من بالداخل ولكنه لم يتركها تفعل ذلك وصرخ بكل صوته مناديًا باسمها بعصبية وغضب..


انتفضت عندما استمعت إلى صوته على حين غرة وشعرت بالخوف للحظة، ثم تذكرت أنها لم تفعل شيء فأخذت نفس عميق واستدارت تنظر إليه بجدية.. رأته يتقدم منها بعصبية وطريقة همجية وأتت عينيها على الورقة بيده ولكنها لم تكن تعلم أنه الشيك الذي أخذته من "هشام"..


وقف أمامها وهتف بنبرة حادة قاسـ ـية وملامح جادة مُخيفة وعينيه عليها بدقة عالية:


-تعرفي هشام الصاوي منين؟


أنهى تلك الجملة الصغيرة رافعًا الشيك أمام عينيها، اتسعت عينيها أكثر مما هي عليه، شعرت بالذعر الشديد والتوتر انتهابها خوفًا من أن يعلم بعلاقتها معه، إن علم بذلك لن يمر الأمر مرور الكرام عليها أبدًا مهما كان يحدث بينهم ومهما كانت تظهر إليه القوة والا مبالاة فسيبقى هو "عامر" الذي تعرفه وستبقى هي "سلمى" خاصته التي لن يجعل أي شخص مهما كان من هو يقترب منها..


❈-❈-❈


دلف "هشام" إلى مكتب والده في فيلا "الصاوي"، التي لم تكن تقل أبدًا في الجمال والروعة أي شيء عن فيلا "القصاص"، ألقى عليه التحية وجلس بهدوء على المقعد المقابل له.. 


نظر إليه والده بجدية، ولم تكن تلك الحدة المرتسمة على ملامحه سوى الخوف الشديد لأي أحد آخر ينظر إليه.. عينيه حادة سوداء كابنه وأكثر، تجاعيد وجهه تحمل القسـ ـوة والغضب وكأنه غاضب من نفسه قبل أي أحد.. شفتـ ـيه مزمومة بطريقة غريبة وكل هذا ما هو إلا وصف بسيط يعبر عن جديته..


تسائل بجدية شديدة وقوة ونبرته حادة:


-ها عملت ايه 


أجابه ابنه بجدية هو الآخر مثله وتحولت ملامحه إلى الضيق الشديد وربما أن يكون عندما دلف إلى هنا ظهرت ملامح وجهه الحقيقية كوالده:


-لسه يا بابا 


وقف والده على قدميه بعد أن نفذ صبره ووصل إلى حافة الهاوية، لقد انتظر الكثير وما حدث معه لم يكن إلا تدبير القدر وعليه هو أن يغير ذلك.. ولم يكن إلا عن طريق ابنه المعتوه الذي لم يفعل أي شيء إلى الآن معها، صرخ بقوة بصوت حاد وقد ثار عليه بعد الاستماع إلى حديثه المُهلك للأعصاب:


-كل شوية لسه يا بابا لسه يا بابا.. البت دي لازم تموت وتحصل اللي قبلها 

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة