-->

رواية رومانسية جديدة كاملة بين دروب قسو ته بقلم ندا حسن - الفصل 4 - 1

رواية رومانسية جديدة بين دروب قسو ته 
من روايات و قصص الكاتبة ندا حسن  



رواية رومانسية جديدة 

بين دروب قسو ته


الفصل الرابع

❈-❈-❈

"دام الألم، للمُنتهى"


ورد إلى الجميع ما حدث مع بقية العائلة، عائلة بها شقيق وزو'ج وحبيبة وأم لولدين.. كان خبر صادم مفـ ـزع هلعت له القلوب خوفًا ورهبةً من فقدان أحدهم.. السماء تمطر دمًا والقلوب تدمع من الداخل جاعلة بقية الأعضاء تحزن عليها، والعيون وما بها إلا النزيف كشلال لا يرى مستقر له..


فور أن استمع "رؤوف" هذا الخبر القـ ـاتل لقلبه ولبقية عائلته وقع على الأريكة التي كانت خلفه بعد أن ألقى الهاتف من يـ ـده التي فقدت أعصابها ولم يستطع أن يفعل أي شيء، فقط ينظر إلى الأمام بصدمة تامة وعيون زائغة مذهولة تود البكاء، لم يتفوه بأي شيء، غير قادر على الحركة أو النطق، لقد شعر بأنه عاجز عن فعل أي شيء ولم يسعفه جـ ـسده على ذلك..


مكالمة قاسـ ـية للغاية لم تكن بالحسبان، لقد كانت العائلة بالكامل حزينة لما حدث بها ولكن لم تكن تريد هذا الحزن! ومن يهتف من الناحية الأخرى كان يحمل قسـ ـاوة أكثر من المكالمة نفسها ناطقًا بفقدان شخصين!.. شخصين يا الله من عائلته!.. تُرى من؟.


شقيقه ورفيق دربه!.. ابن أمه وأبيه، والد ابنه وحامله وقت ضعفه وجواره وقت قوته، أم زو'جته المرأة طيبة الأصل والروح، كريمة القلب وجميلة اللسان.. أم فقد ابنة شقيقه، "سلمى"! ابنته الثانية وروحه الضائعة حبيبة ولده المتهور، ويالا القهرة إن كان سنده وقوته "ياسين" ابنه الآخر وزوج ابنته.. 


ومن بعده ابنته الوحيدة تلقت الصدمة بقهر لم تصادفه بحياتها، صدمة! هذه ليست صدمة إنه كابوس وعليها أن تستفيق منه هي ووالدها ولكن فور استيعابها لما حدث أخذت الصراخ السبيل الوحيد لها للتعبير عما تشعر به..


زو'جها كان معهم؟. "ياسين"!. حبيبها! من فُقد في هذا الحادث! عمها وزو'جته؟ أم ابنة عمها وحبيبتها والنصف الآخر لشقيقها!.. أم نصفها هي! وملاذها وكل ما تملكه في الحياة!.


كل منهم كان يحمل قلبه على يده ويسير به في رواق المشفى مُتقدمًا للاستماع إلى أي حديث غير متوقع بعد الذي استمعوا إليه والقلب خارج مكانه ليتلقى الصدمة ويلقى حتفه..


لم يبقى سواه الذي لم يكن يعلم بشيء، أخبرته والدته بعد أن فقدت السيطرة على زو'جها وابنتها وكأنه هو الذي يستطيع أن يسيطر عليهم..


وقع قلبه بين قدميه بعد أن بدأ بالخفق بقوة، ولأول مرة بحياته يشعر بالخوف الشديد، لأول مرة حقًا والرغبة الحارقة لقلبه وجـ ـسده في الوصول إليهم ليعرف ما الذي أصابهم.. ليته تركها تذهب!.. ليته تركها تفعل ما يحلوا لها..


ما الذي من الممكن أن يحدث! من الذي تركهم ورحل إلى الأبد لن تكون هي!. مؤكد لن تكون هي حبيبته! روحه وعمره، كيانه وكل ما به، إن حدث لها شيء لن يسامح نفسه إلى الممات..


عند وصوله إلى المشفى ولحظة إدراكه أن عمه وزو'جته قد فقدوا من وسط العائلة، اشتد البكاء على عينيه ولم يستطع أن يمنع نفسه من فعلها، لقد كان عمه بمثابة والده.. لا لقد كان والده حقًا ودون أي مقابل.. لقد أخذ دور والده وأعتبره ابنه أكثر من "ياسين" نفسه، لقد كان يقف جواره وفي كل طريق يبدأ السير به يشجعه على التكملة.. لم يكن يستمع لحديث أي شخص سواه.. عمه!..


أبتعد عن الجميع في تلك اللحظات ودلف إلى مرحاض في المشفى بعد أن علم أنها في غرفة العمليات ولكن حالتها على ما استمع إليه ستكون مستقرة ليست كما الجميع، وشقيقها في غرفة العمليات أيضًا ولكن في حالة حرجة، دلف إلى المرحاض وبدأ في البكاء الحاد وكان يلوم نفسه على ما حدث وبقوة.. 


لما قد يفعل هذا؟ لما لم يتركها ترحل من البداية ويبتعد عن طريقها هو المخطئ الوحيد.. هو من فعل كل هذا وهو من جعل البيت يخرب عليهم مثلما قال ابن عمه..


انحنى على نفسه كجبل أصابه زلزال بقوة كبيرة واشتد البكاء عليه وبصوت نحيب عالي يخبئ وجهه بيده الاثنين متذكرًا عمه الحنون وزو'جته.. 


ماذا سيقول لها عندما تستفيق؟ ماذا سيقول لابن عمه؟ الجميع الآن سيراه المخطئ وهو كذلك.. قلبه لن يرحمه وضميره يقاتله الآن بقوة معترضًا على كل ما حدث من قِبله.. لقد كان قمة في الحقـ ـارة والدنـ ـائة..


وقف أمام حوض الغسيل بالمرحاض ورفع أكتافه للأعلى ونظر إلى وجهه بالمرآة، حاول أن يتماسك في تلك اللحظات والساعات القادمة فهو سيكون يـ ـد العون الوحيدة للجميع.. 


فتح صنبور المياة وأخذها بين يـ ـده الاثنين يلقيها على وجهه بقوة وعنـ ـف عله يستفيق مما حدث، ولكن ذلك لن يحدث.. لن يستفيق أحد مما حدث ولن تعود الأمور كما كانت.. الآن ومن هنا بدأ التحول الحتمي في عائلة "القصاص" ستكون الليالي القادمة أسوأ من أسوأ ليالي مرت على دولة كاملة تمـ ـوت جوعًا وعطشًا في ظل حروب ضارية..


❈-❈-❈


"اليوم التالي"


فتحت عينيها ببطء شديد، وجدت نفسها تنظر إلى سقف غرفة لونه أبيض لحظات تحرك عينيها على السقف ولا ترى أي شيء سوى أنه أبيض، لم تستطع تحريك رقبتها جيدًا، شعرت بألم بها، وصداع داهم رأسها فور أن فتحت عينيها.. 


رفعت يـ ـدها إلى أعلى رأسها بعد أن كرمشت ملامح وجهها بألم شديد يداهمها، هناك شيء على رأسها، خصلاتها ليست أسفل كف يـ ـدها بل كان هذا قطن وشاش!.. أدوات طبية!.. رأسها ملتفة بأدوات طبية، حركت كف يـ ـدها لأبعد قليلًا لتجد خصلات شعرها أخيرًا..


يدها لا تستطيع تحركها جيدًا أيضًا، أبعدت كف يـ ـدها من أعلى رأسها ونظرت بدقة إلى ذراعها لتجده به كدمات كبيرة وبعد المعصم ملتف هو الآخر!..


الذراع الآخر كان حر ربما ولكنه يؤلمها أيضًا، إنه مجبر ليس حر!، جـ ـسدها بالكامل يؤلمها وقدمها اليسرى لا تستطيع تحريكها جيدًا!..


أغمضت عينيها لحظة وعادت إلى وضعها التي كانت عليه ثم بدأت الذكريات تأتي إلى عقلها واحدة تلو الأخرى، واحدة من بعدهم ثم تتلوها الأخرى، خانها "عامر"!.. كانت ذاهبة إلى بلد خالها الذي يستقر بها، كان معها والديها وشقيقها ثم حدث ما لم يكن متوقع ولم تراهم من بعدها وها هي هنا!.. أين هم؟..


فتحت عينيها على وسعيهما وفي تلك اللحظة كان الباب يُفتح ودلفت منه "هدى" لتطمئن عليها، نظرت إليها بقوة وهي تراها تتقدم منها ثم دون سابق إنذار أردفت بتساؤل مُتلهف على عائلتها:


-فين بابا وماما.. وياسين؟


أقتربت منها "هدى" ووجها يعبر عن كل شيء حزين، عينيها كما لو أنها وردة دبلت بسبب عدم شربها للماء، ووجها شاحب كشحوب الأموات، وقفت جوار الفراش تبتسم بتصنع يظهر في كل حركة قائلة:


-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي


مرة أخرى تفوهت بنفس السؤال السابق التي لم تحصل على إجابة له من ابنة عمها:


-فين بابا وماما وياسين يا هدى 


ربتت عليها بهدوء ويدها ترتعش فوق جـ ـسدها ثم أردفت بنبرة مترددة خائفة من الحديث التي ستقوله وكم كان الحزن ظاهر عليها:


-موجودين يا حبيبتي متقلقيش


نظرت إليها "سلمى" بعينين تشكك بذلك الحديث، عينيها وشفتـ ـيها ولغة جـ ـسدها بالكامل تقول غير ذلك:


-هما فين؟


ابتلعت تلك الغصة التي كان بحلقها ثم قالت جزء صغير جدًا من الحقيقة المُدمرة لعائلة بالكامل:


-ياسين في العناية.. محتاج إنه يكون فيها لكن هو كويس وهيقوم بالسلامة إن شاء الله متقلقيش 


وكانت هي عقلها منشغل بالجميع، رغم أنها لا تصدق تلك الكلمات وقلبها يتحدث بشيء آخر داخلها ولكنها استكملت متسائلة:


-وبابا وماما؟


كذبت الكذبة الأكبر على الإطلاق، كان من المفترض أن تقول بأنهم الآن أجساد ليس إلا وقد صعدت الأرواح إلى خالقها ولكنها قالت:


-في اوض تانية


لن تنتظر أكثر من هذا، تتسائل وهي تُجيب بحديث كاذب، قالت بجدية وهي تستدير لتذهب حتى أنها لم ترى وجهها:


-أنا هخرج أقول للدكتور إنك فوقتي 


لم تعاملها جيدًا، لم تظهر اللهفة عليها لكونها استفاقت من حادث مروع كهذا!. ما بها؟ أهناك شيء حدث وهي لا تعلم! قلبها يقول ذلك ولكنها ستحاول أن تكذبه لا تريد أن تستمع له.. ومن بعدها إلى أخباره الحزينة الموجعة..


وجدت "عامر" يدلف الغرفة بلهفة وشوق كبير يرتسم على وجهه كأنها كانت مع الموتى!.. أليست تلك نفس الملابس الذي كان يرتديها منذ أن كانت ترحل!.. ترى هي هنا منذ متى! اليوم فقط؟ لما وجهه هكذا؟..


عينيه مُنتفخة بشدة، فاقدة بريقها، وجهه منحوت وظاهر عليه الإرهاق التام، ملابسه ليست مهندمة ومظهره بالكامل ليس على ما يرام.. لو الجميع بخير لما هو هكذا! لما عينيه منتفخة 


جلس جوارها على الفراش وأمسك بيدها رافعًا إياها إلى فمه بخفه مقبلًا إياها قبلة مطولة للغاية، يبث بها كامل خوفه الذي شعر به منذ أن استمع إلى ما حدث إليهم:


-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي


أبصرته بقوة وعينيها تتحرك عليه بغرابة، لن تشعر بالاستغراب بسبب خوفه ولهفته الظاهرة تلك ولكن هناك شيء آخر يربكها..


استمعت إلى صوته الخافت المرهق، الخائف من كل شيء ولأول مرة تستشعر ذلك به:


-سلمى.. أرجوكي متبعديش عني أنا كنت هموت.. والله العظيم كنت حاسس إني هموت.. أنتي روحي 


أجابته بضعف شديد والألم برأسها يزداد:


-بعد الشر عليك 


تسائل بجدية وعينيه عليها ليطمئن من أنها أصبحت بخير فيكفي من رحلوا:


-أنتي كويسه؟ حاسه بتعب


أردفت لما تشعر به بجـ ـسدها وتذكرت أنها من وضعت حزام الأمان بالسيارة وقالت لشقيقها أن يفعل ولكنه لم يعطي للأمر أهمية:


-صداع جامد أوي وجـ ـسمي كله بيوجعني... اومال لما أنا حصلي كل ده هما حصلهم ايه.. دا أنا الوحيدة اللي كنت حاطة الحزام 


أخفض رأسه إلى أرضية الفراش ومازالت يدها بين كفه العريض، نظرت إليه بغرابة، لما صمت الآن! لما لم يُجيب عليها!.. تسائلت هي:


-بابا فين وماما وياسين


أحمرت عينيه الفاقدة للحياة بسبب ضغطه على نفسه ألا ينصاع خلف رغبة البكاء التي تلح عليه، تفوه بالكلمات بتوتر وارتعشت شفتـ ـيه:


-في العناية.. الحمدلله عدت على خير 


وجدها تتحرك بألم في الفـ ـراش وعينيها عليه بدقة كبيرة لا تصدق الذي يقوله، وجهه وعينيه، جـ ـسده هو وشقيقته يقول غير ذلك وقلبها الأحمق هو الآخر يخفق بقوة كبيرة تجعلها تخاف أكثر..


-استني أساعدك


وقف على قدميه وأقترب منها، وضع يـ ـده أسفل ذراعيها وعدل من الوسادة خلفها ثم رفعها ببطء لتجلس نصف جلسة على الفراش..


في لحظة وجدوا الباب يفتح بقوة وعلى مصراعيه ووالده يدخل بلهفة شديدة والبكاء يغرق وجهه بالكامل وخلفه شقيقته تنادي عليه أن يعود لغرفته..


لقد انتكس في الأمس ليلًا واضطر أن يكون هو الآخر في غرفة مرضى مثلهم ليعتنوا به، لم يتخطى ما حدث وعند الاستماع إلى أن ابنة شقيقه قد استفاقت أتى ركضًا إليها ليتشبع منها ومن رائحة شقيقه بها..


هتف باسمها بلهفة وحزن وهو يدلف إليها:


-سلمى


نظرت إليه باستغراب شديد، رأته وهو يتقدم منها ركضًا ورأت "عامر" يفسح له الطريق ليقترب منها وقد كان.. أتى إليها وجلس أمامها على الفـ ـراش والدموع لا تتوقف عن الخروج من عينيه..


نظرت إليه مطولًا وفعل المثل، لم يتحدث ولم يقترب منها! وزعت بصرها على من معها بالغرفة غيره لترى "هدى" في الخلف تحاول مداراة دموع عينيها وحزن قلبها المرسوم على ملامحها، زو'جة عمها التي استدارت وأعطت إليها ظهرها.. و "عامر" الذي وضع يده الاثنين أمام وجهه وأبتعد للخلف لاعنًا لحظة دخول والده.. لم يستطع أن ينتظر قليلًا حتى يهيئ لها الأمر..


نظرت إلى عمها مرة أخرى خرجت الدموع من عينيها بصمت رهيب وبدأ رأسها في تجميع خيوط الفكرة التي تُحكى أمامها!.. أين عائلتها!؟


حركت شفتـ ـيها المكتنزة بارتعاش واضح ورهبة ظاهرة بقوة في نبرتها:


-بابا وماما فين يا عمي 


لم تجد منه ردًا إلا إنه بدأ في البكاء بصوت مرتفع! لما؟ نظرت إلى "عامر"وتسائلت بنفس تلك النبرة السابقة والخوف الذي يرافقها:


-ياسين فين يا عامر 


لم تجد ردًا من أحد منهم والجميع على وضعه، ازداد بكائها المُمزق للقلوب المتجمعة حولها وهتفت مرة أخرى بانين: 


-هما فين 


أقترب منها "عامر" سريعًا بعد الاستماع إلى نبرتها الباكية ويعلم أن قلبها لن يتحمل هذا أبدًا، وقف جوارها وصاح قائلًا بنبرة محاولًا أن يجعلها جادة:


-ياسين في العناية متقلقيش عليه إن شاء الله هيبقى كويس 


رفعت ذراعها بألم ولكنها تريد أن تتعلق بأي شيء يشعرها بالأمان، أمـ ـسكت يـ ـده ونظرت إليه بعمق متسائلة مرة أخرى: 


-بابا وماما فين؟


أخفض رأسه إلى الأرضية ولم يستطع أن يقول شيء، نظرت إليه بقوة مُنتظرة أن يُجيب، مُنتظرة أن يُمحي كل ما خطر على بالها من مظاهرهم، ولكنه أزاد العذاب على قلبها عندما رأت دمعة تفر من عينيه أزالها سريعًا:


-أنت بتعيط؟.. بتعيط يا عامر 


"عامر" والبكاء معًا، هذا مُستحيل؟ كيف لعامر أن يبكي ولما ولأي سبب قد يفعل ذلك؟.. حدث شيء لوالديها!.. حتمًا حدث شيء لهم، تسائلت بحدة هذه المرة متحاملة على نفسها:


-هما فين


أقترب منها عمها يجهش بالبكاء المر على قلبه وأحتضنها بخفه مراعيًا ما الذي تمر به ثم هتف في أذنها:


-تعيشي أنتي يا بنتي.. تعيشي أنتي


لم تتحرك!.. لم تبدي أي ردة فعل!.. بقيٰ عمها مُحتضن إياها وهي تنظر إلى الأمام في الفراغ تكرر ما قاله داخل عقلها تحاول أن تستوعبه!.. لن تستوعبه لقد قال أن!... هل يقصد أن والديها توفيا!..


لحظات وأخرى تمر عليهم وعمها محتضن إياها وهي صامتة! لم تفعل أي شيء ولم تبكي حتى بل توقفت عن البكاء.. أقترب منهم "عامر" وجعل والده يبتعد عنها ليرى ما الذي أصابها..


نظرت إليه محركة شفتـ ـيها المكتنزة بصوت خافت للغاية غير مصدق قائلة:


-بابا 


جلس هو جوارها مُحاولًا أن يخفف عنها الذي تمر به، فنظرت إليه أكثر وقالت بحزن طاغي وقهره حقيقية تمر بها مع مرارة أيامها:


-بابا وماما 


حاول مرة أخرى وهو من الأساس عينيه تهدده بفرار الدموع منها، لكنه استمر وهو يربت على كتفيها:


-سلمى ممكن تهدي.. دا أمر ربنا وقضاءه 


نظرت إليه مطولًا ودقتت به وهو يحاول أن يجعلها تهدأ، أليس هو من جعلها تذهب وتأخذهم معها إلى المطار؟ أليس هو من كان السبب في كل ذلك:


-أنت السبب 


لم تستمع منه إلى أي إجابة وجدت نظرته كما لو أنها تقول أنه يعلم أنه سيوضع في هذا الموقف وسيكون سبب من الأسباب، أكدت حديثها بقوة وهي تنظر إليه:


-لو مكنتش خونتني مكنتش أصريت إني أمشي ومكناش هنا دلوقتي.. مكانوش سابوني


لم تكن تشعر بأي شيء غريب، ما الذي من المفترض أن تشعر به، ألم؟ هو معاها دائمًا ليس جديد، حزن؟ وجد وبكثرة:


-سلمى اهدي 


صرخت على حين غرة وفي لحظة طلبه منها الهدوء، صرخة استمعت إليها المشفى بأكملها ومن بها، صرخات تتلوها صرخات أخرى تعبر عن كم القهر والحزن الذي تمر به، تعبر عن كم الألم الذي يرافقها حتى في أسوأ لحظاتها..


تسرد بصرخاتها وحركاتها الهوجاء المسببة لها الألم مرارة الأيام عليها.. تسرد بالبكاء الحاد كم أن القسو'ة سهل الشعور بها..


صرخات وبكاء، تتلوى أسفل يـ ـده الذي تحاول تثبيتها، يحاول أن يقيدها! ألا يكفيه ذلك؟ ألا يكفيه كل هذه المعاناة التي تمر بها!..


لم تهدأ صرخاتها والنداء بإسم والدها ووالدتها، لم يهدأ ذلك العويل إلا عندما سكنت فجأة أسفل يـ ـده ولم تعد شاعره بأي شيء من حولها، سحبتها غمامة كان من المفترض أن تدلف بها مُبكرًا ولكنها تأخرت عليها.. والآن هي في مكان آخر..


تابع قراءة الفصل