-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 5

 

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 
الكاتبة ندا حسن 

الفصل الخامس



"في إنتظار فصل الخريف"


تفوهت بكلماتٍ بسيطة أمام أي أحد تبدو طبيعية ولكن هنا وعند عمها بالأخص لم تكن طبيعية بالمرة، وقف على قدميه وترك مقعدة وأخذت قدميه في الإقتراب منها ببطء وهدوء ووجهه حزين للغاية وكان هذا يظهر بوضوح..


الاستماع إلى كلماته كهذه بالنسبة إليه مـ ـوت آخر غير الذي تعايش معه، آخر فرد بقيٰ من رائحة شقيقه لن يتركه بهذه السهولة مهما حدث..


وقف أمامها مباشرة ونظر إليها بتلك العينين الباكية دومًا على كل شيء وهتف قائلًا بنبرة ضعيفة مُنهكة:


-ليه يا سلمى 


أبصرت مظهره جيدًا ورأت كل ما يجب أن تراه ولكنها كانت مُقررة منذ دخولها إلى هنا لذا عليها التحلي بالقوة إلى النهاية:


-أنا من الأول كنت هسافر يا عمي ويمكن دا السبب اللي قلب حياتنا بالشكل ده


تسائل بعينين ضيقة عليها وحاجبيه معقودان بشدة:


-ولما أنتي عارفه كده لسه بردو عايزة تسافري 


ضغطت على يـ ـدها التي بقيت خلف ظهرها وتحلت بالصبر والقوة تاركة كل ما كان يُبكيها خلف ظهرها وأردفت:


-أنا ماليش حد هنا.. أهلي ماتوا 


أقترب منها باستنكار لحديثها الغريب عنه والذي لأول مرة يستمع إليه منها وهي الابنة المطيعة للجميع في المنزل من بداية قدومها، عنيدة ولكن ليس معهم:


-وإحنا يا سلمى؟ إحنا مش أهلك يا بنتي؟ أنا مش في مكان أبوكي اللي يرحمه 


تداركت ما تفوهت به وعلمت أنه كان خاطئ عمها دومًا بمثابة والدها يحبها كابنته ولم يكن يريدها لـ "عامر" لأنه يخاف عليها منه:


-انتوا أهلي وكل حاجه لكن أنا عايزة أمشي.. مش قادرة أقعد هنا 


أقترب وأمسك ذراعها وجذبه ناحيته ليبقى كف يـ ـدها بين يـ ـده يضغط عليه بدعم وراحة قائلًا بنبرة واثقة ولكن مُتسائلة:


-علشان عامر؟


أخفضت عينيها إلى الأرضية وتغيرت نبرتها وأصبحت مهزوزة بعد أن ترقرقت الدموع بعينيها:


-علشان كل حاجه يا عمي 


ضغط على يـ ـدها أكثر وأعتدل يقف بشموخ ليظهر حديثه جادًا واثقًا وليكن قادر حقًا على فعل ما يتفوه به وهو كذلك ولكن ما وقع عليهم كان صعب للغاية:


-مش هخلي عامر يتعرضلك وهعرف أوقفه عند حده يا سلمى وطالما أنتي مش عايزاه محدش يقدر يغصبك على حاجه لكن بلاش تمشي..


رفعت عينيها المُتجمعة بها الدموع عليه وأردفت بخفوت:


-بس أنا....


قاطعها يذكرها بما لها:


-مابسش يا سلمى.. أنتي ناسية إن ليكي زينا هنا بالظبط في الشركات والبيت وكل حاجه نملكها


عارضت حديثه بهدوء:


-دي مش القصة يا عمي 


انتقلت إليه عدوى البكاء ولكنه كان مُختلف عنها، جاهز تمامًا للبكاء وبقوة وقد فعلها تحت أنظارها بعد أن أصبح غير قادر على المواجهة وحده:


-عارف.. بس أنا مش عايزك تمشي.. مبقاش غيرك من ريحتهم بلاش تمشي يابنتي... كده كلكم عايزين تسيبوني لوحدي 


ربتت على كتفه بيدها الأخرى ونظرت إليه بملامح حزينة مُعاتبة إياه:


-أنت مش لوحدك، طنط عزة معاك وهدى وعامر


سخر منها عند نطقها باسم ولده، استنكر وجوده من الأساس وقال بجدية يوضح لها ما تعرفه:


-عامر!.. أنتي عارفه إن عامر عمره ما كان قريب مني كان إبن ابوكي وهو الوحيد اللي كان بيقدر عليه من بعدك.. دلوقتي مافيش حد هيقدر عليه 


تعرف ذلك وهو كان لا يريد الإقتراب من والده بسب نزاعاتهم الدائمة وكانت هي تحاول معه بكل الطرق ليكون جواره ويستمع إليه، لقد كان الأحب إلى والدها هي:


-قرب منه أنت يا عمي يمكن ربنا يصلح حاله


نظر إليها وهو يمسح بيده دموعه المُنهمره على وجنتيه وأقترب منها مُحتضن إياها باشتياق وحنين لأرواح من فارقوه الذي بها:


-يارب يا بنتي.. مش هتمشي مش كده؟.. خليكي معايا يا سلمى، بلاش تبقي معاهم خليكي معايا أنا


خرجت دمعة حزينة من عينيها بعد أقتراب عمها منها بهذه الطريقة والاستماع إلى صوته المتلهف الراغب لوجودها بكل الطرق، وما كان منها ألا أن توافق على طلبه:


-حاضر يا عمي.. حاضر مش همشي 


كانت ستذهب لا محال ولم يكن هنا أي شيء لتبقى له ولكن عمها الطرف الأضعف بين الجميع رغم قوته وجبروته، رغم كل شيء يفعله ويحدث بينهم هو الأضعف الآن بين الجميع.. هو من هزمت عائلته في لمح البصر وأُخذ منه اثنين كانوا له العون والعائلة..


ستبقى لأجله فقط، لأجل أن تسعده برؤية شقيقه بها، ولأجل أن ترى والدها به..


❈-❈-❈


أمسكت بكتاب الله وجلست على الفراش في غرفتها بعيد عن كل شيء وفرغت بعض الوقت لقراءة القرآن الكريم لكي تجد راحتها به، لكي يربط الله على قلبها وتبقى على هذا الوضع صامدة إلى النهاية،..


فهي كلما مرت عليها لحظة وتذكرت بها والديها وشقيقها تبدأ وصلة بكاء مريرة تعكر صفو اليوم والأيام التالية له.. 


والأمر صعب تقبله، وثقيل نسيانه، ستبقى قوية بأمر الله إن بقيت هكذا، ستحاول دائمًا وأبدًا أن تكون الأقوى بين الجميع لتستقبل العاصفة التالية بحياتها القادمة..


مرة أخرى وفي منتصف النهار وجدت باب غرفتها يُفتح على مصراعيه وبكل عنـ ـف قد حدث ذلك ليظهر هو بجـ ـسده المتشنج الضخم يدلف إلى الغرفة وأغلق الباب بقوة اهتزت لها الجدران المجاورة له..


دلف يتقدم منها بهمجية وتشنج تحت أنظارها المصدومة من دخوله هذا، وقف على قدميه ثابتًا وحرك يـ ـده بتصميم وصوته حاد:


-اسمعي بقى سفر مافيش.. على جثتي يا سلمى فاهمه؟


تركت الكتاب من يـ ـدها على الفـ ـراش وأعتدلت في جلستها تنظر إليه بعينين ثابتة قوية لم يهزها حديثه بالمرة ولم يحرك بها شعرة واحدة:


-أطلع بره


استفزه أسلوبها البارد الذي يظهر بثقة وكأنها لا تبالي بحديثه وتقول له أفعل ما شئت، أقترب منها بغيظ مُمـ ـسكًا بذراعها جاذبًا إياها لتقف أمامه:


-سامعة؟. مافيش سفر حتى لو قلبتي قرد هنا 


وضعت يـ ـدها الأخرى على كف يـ ـده المُمسك بها وازاحته عنها بقوة وحدة عنيـ ـفة، ناظرة إلى عينيه مباشرة بعينيها المختفي بريقها وأردفت بعناد وتأكيد على حديثها:


-أنا لو عايزة أمشي حالًا همشي يا عامر وأنت مش هتقدر تعمل حاجه صدقني فبلاش بقى الجو ده 


حك جانب لحيته بأظافر يده اليمنى وهو يلوي شفتيه ناظرًا إليها بقوة يردف بنبرة قاسـ ـية:


-بلاش الأسلوب الوسـ* ده معايا قولتلك مليون مرة 


بقيت على وضعها وهي تنظر إليه وكم كان يروق لها ما تفعله به، ليشعر بأقل من قليل الذي يفعله بها وأكملت بنفس العناد والبرود:


-أنا أتكلم زي ما أنا عايزة وأسلوبي بردو هيبقى زي ما أنا عايزة 


أشار إليها بيده وحاول صدقًا أن يكون هادئ ويكمل ما بدأه معها وليكن جوارها في كل وقت ولكنها تغضبه وتخرج أسوأ ما به:


-أنا مقدر اللي أنتي فيه ومش عايز ازعلك


ابتسمت بسخرية واستهزاء ناظرة إليه من الأسفل إلى الأعلى بتقليل منه وأردفت:


-لأ زعلني، بس أنت متقدرش 


عاد للخلف خطوة وقال بجدية ونبرة ثابتة محاولة البقاء كما هي أمام حديثها المستفز البارد:


-احترمي نفسك يا سلمى وبلاش عِند.. أنتي عارفه آخرته وحشه 


رفعت كتفها للأعلى وأخفضته بلا مبالاة تامة وبعينين بريئة للغاية أظهرت مدى القوة التي بها وهي تُجيب:


-عليك مش عليا


ومرة أخرى توضح له بعد أن جلست على الفـ ـراش في مكانها ناظرة إليه بقوة وثبات، وقد حسمت كلماتها التي ستلقيها عليه وليفهمها كما يريد:


-وعايزة أفهمك حاجه بالمناسبة، أنت مالكش حكم عليا لا في لبس ولا في خروج ولا في كلام ولا سفر ولا أي حاجه.. ومحدش هنا ليه حكم عليا حتى عمي أنا بس هستأذنه في كل حاجه ذوقيًا مني لأنه في مقام بابا الله يرحمه 


رفع حاجبيه للأعلى وأردف بلفظ بذيء في وسط حديثه:


-دا أنتي فُجـ ـرتي بقى.. طب استني يعدي على موتهم شوية وقت 


وهي التي لم تشجع قول الكلمات الدنيئة من قبل أبدًا كررتها كما قالها تحرك رأسها بالايجاب تؤكد أن ما قاله صحيح غير مبالية به:


-فُجـ ـرت آه ولسه كمان دي البداية بس


ضيق عينيه وأقترب الخطوة التي ابتعدتها عنه مُتسائلًا بنبرة مستفهمة وعينيه عليها بدقة لتأخذ ردود فعلها وحركات وجهها:


-يعني ايه دي البداية؟


بادلته نظرته المحدقة بها قائلة بابتسامة خبيثة:


-يعني اللي فهمته أيًا كان هو ايه بقى 


مسح على وجهه وداخله كان يحاول أن يبقى على ذلك الثبات الذي هو به بعد كل هذا الحديث الذي تفوهت به والذي لو كان في وقت آخر لكان فعل كثير لا يستطيع فعله الآن:


-نقي كلامك 


-مش شغلك 


ضغط على نفسه كثيرًا وإلى هنا ولم يستطع التكملة بعد نظرتها المرهقة له والتي تدل على أنه أضعف وأبعد من أن يلقي عليها أوامر، لذا عليه أن يوضح لها بعض الأمور..


أقترب في لحظة خاطفة مُمسكًا بذراعها جاذبًا إياها إليه مرة أخرى ولكن هذه المرة ثنى ذراعها خلف ظهرها وأدارها بيـ ـده لتواجهه بظهرها مقتربًا من جانب وجهها يهتف بقوة:


-لأ شغلي.. أنتي مفكرة نفسك ايه؟. أنتي ضعيفة أضعف ما يكون واخده بالك 


تألمت بقوة بسبب قبضته عليها، إلى اليوم وبعد أسبوعين وأكثر تبقى آثار الحادث عليها، صاحت بقوة متألمة:


-سيب دراعي 


لم يبالي بما تقوله مثلها يرد إليها أفعالها التي تلقيها عليه وهتف في أذنها وهو على مقربة كبيرة منها بجدية وثبات:


-أنتي مهما روحتي ولا جيتي بتاعتي، مراتي غصب عنك.. فاهمة 


تركت ألام يـ ـدها القابض عليها وعادت رأسها للخلف لتقترب منه أكثر وعقبت على حديثه بتأكيد واثق حاد وكأنه تحول من أمير وفتى أحلام إلى جني يود خنقها:


-لو آخر راجل على وش الأرض مش هتجوزك يا عامر


أكمل على حديثها الغير مُهتم به بالمرة ولا يعطي له أي أساس وكأنه لم يستمع إليه، وقال بفحيح بأذنها وهو يضغط على ذراعها ليؤلمها أكثر: 


-الكلام ده مش هياكل معايا، أنا هسيبك بمزاجي، سنة، اتنين، انشلا حتى عشرة المهم في الآخر خليكي عارفه مش هتروحي غير ليا


عاندته مرة أخرى وصرخت بقوة قائلة:


-مش هيحصل 


وكأن حبه إليها توصل إلى مرحلة الجنون حقًا، منذ الصغر يحبها وهي تبادلة وكلما قال نتزوج وأقترب ميعاد الزواج تختلق شيء ليؤجل، بعد كل ما حدث بحياته وبعد أن تركت أثرها على أنها زوجته وله لن يتركها مهما حدث:


-أنا بحبك ومجنون بحبك ومش هسيبك إلا بموتي، مش بموتك لأ بموتي أنا في الحالة دي بس تقدري تكوني حرة وتشوفي غيري 


أغمضت عينيها للحظة بعد كلماته التي تجعلها تشعر بالخوف والرهبة منه، وما يستطيع فعله كثير ولكنها تكذب على نفسها وعليه وتظهر القوة الهشة بداخلها:


-أنت بتكرهني فيك أكتر 


ضغط على كلماته هذه المرة موضحًا إياها وهو يدرك جيدًا أنها مازالت تحبه:


-كدابة، بتحبيني وهتفضلي تحبيني لآخر يوم في عمرك.. اللي بينا مش قليل علشان يتنسي بالسرعة دي 


عقبت على كلماته الغبية التي توقعها دائمًا مُردفة بقوة وكأن ما تقوله حدث بالفعل وقد تناست كل شيء كان بينهم بيوم من الأيام:


-اللي بينا نسيته في لحظة زي ما أهلي راحوا في لحظة بسببك 


ضغط على ذراعها بيـ ـده بقوة كبيرة مُتعمدًا ليؤلمها أكثر من السابق وصاح في أذنها بقوة نافيًا ما تقول:


-مش بسببي.. مش بسببي أفهمي 


أغمضت عينيها بقوة تعتصرهما بسبب الألم الذي يعصف بذراعها وصاحت تاركة كل ما تحدثوا به:


-سيب دراعي 


لم يستمع إليها ولم يعطي لحديثها أهمية وضغط على ذراعها أكثر كما يضغط على حديثه الآن الذي يخرج من داخله بغضب جُلي بسبب عنادها:


-أفهمي إن عمك مش هيقدر يعمل حاجه معايا أنتي أكتر واحدة عارفه كده وأكتر واحدة عرفاني، أنتي ليا مهما حصل وأنا وأنتي والزمن طويل مافيش طرف تالت بينا يا سلمى 


أردفت بنبرة خافتة مُرهقة، ظهر عليها الألم حقًا وتركت ما قاله ولم تعلق عليه كما كانت تفعل:


-دراعي واجعني 


تركها دافعًا إياها للأمام بعـ ـنف، تقدمت لأ إراديًا بجـ ـسدها من الحائط فاستندت بيدها الاثنين عليه حتى لا تصطدم به واستدارت تنظر إليه بذهول وصدمة حقيقة، تمسكت بذراعها الذي ألمها كثيرًا ومازالت عينيها عليه لا تصدق أنه هتف بكل هذا الحديث وفعل معها هكذا!..


تركها في صدمتها تلك ولم يعطي إليها أي ردة فعل على ما تشعر به، بل أبتعد ليخرج من الغرفة ولكنه وقف في منتصف الطريق واستدار إليها قائلًا بجدية:


-أنا عملت كل اللي عليا، قربت منك بكل الطرق ووقفت جنبك في الفترة اللي فاتت مع إني أخدت كلام يسم البدن بس قولت معلش كمل للآخر


احتدت نظرت عينيه عليها وتحولت للون الأسود وأكمل بجدية قاسـ ـية عليها مُهددة بذلك الحديث:


-لكن أكتر من كده مافيش ولو فضلتي على وضعك أنا مش هفضل على وضعي لأ أنا هتحول للأسوا ومظنش إنك هتقدري تستحملي ده 


ومرة أخرى بنبرة أخرى تمامًا خافتة هادئة معاتبة إياها:


-مكنتش متخيل أن أقرب حد ليا يعمل معايا كده..


فتحت عينيها الواسعة بقوة أكبر مما هي عليه وأبتعدت مقتربة منه خطوة تتحدث بثبات وتأكيد مُشيرة إلى نفسها بقوة:


-أنت هتعيش دور الضحية؟ لأ يا عامر مش هسمحلك أنا اللي اتخانت وأنا اللي اتغفلت واتغدر بيا منك وبسببك خسرت كل حاجه 


أجاب بقوة هو الآخر موضحًا لها ما قاله سابقًا ولكنه هذه المرة أضاف شيئًا لم يكن يجب عليه قوله:


-أنا مغدرتش بيكي ولا خونتك أنا كنت شارب وزي زي كل الناس قاعد مع واحدة... مجبتنيش من السرير أنتي علشان تعملي هوليلة ولو جيتي للحق بقى أهلك ماتوا بسبب عنادك أنتي مش بسببي أنا


أشارت إلى نفسها مرة أخرى بذهول وصدمة احتلت كيانها فحديثه يجعلها تفقد كامل عقلها ولا تستطيع التفكير بعده:


-بسببي أنا؟


أكد سؤالها وهو يحرك يـ ـده بقوة أمامها يقف شامخًا يهتف بنبرة حادة قاسـ ـية عليها:


-آه بسببك أنتي.. أنتي اللي اصريتي تسافري وتبعدي عن الكل مع إني حاولت معاكي كتير مرة في الخفا وعشرين في العلن وأنتي مصممة زي ما تكوني صدقتي


تسائلت بنبرة أصبحت مذهولة غير مُدركة ما الذي يحدث وما الذي يجب أن تقوله وعلى الرغم من أنها تعرف إجابة سؤالها ولكنها تسائلت:


-أفضل معاك بعد كل ده؟


مسح على رأسه بكف يـ ـده وأشار بيـ ـده بعد أن اخفضها من على رأسه يتسائل بسخرية واستنكار مُتهكم عليها ويُجيب في نفس الوقت على نفسه غير مقدر لما تمر به الآن وسابقًا:


-كل ده اللي هو ايه؟.. علشان كلمت واحدة ولا اتنين؟ كل ده كلام وفي الوقت ده أنتي بتبقى مانعة أي قرب بينا حصل ولا محصلش؟ ولا قصدك إني عصبي حبتين؟ قولي متتكسفيش كل ده اللي هو ايه؟ ماهو مافيش واحد ولا واحدة كاملين 


أكملت جملته بنفس الإصرار الذي عليه ولم يحرك حديثه أي عضو بها:


-ولا في واحدة تكمل مع واحد خاين 


ابتسم بسخرية وأردف مُجيبًا باستهزاء:


-مع إني مش معتبر دي خيانة بس فيه.. فيه كتير بيكملوا مع خاينين


نظر إليها للحظات دون الحديث، وفي تلك اللحظات تذكر أنها الوحيدة التي كانت تفهمه من نظرة عين، تعلم ما الذي يريده قبل أن يتحدث، تعلم ما الذي يريد الاستماع إليه في كل وقت مُختلف عن الآخر، وعلى الرغم من أنهم الاثنين يتمتعون بصفات لا تطابق مع بعضها إلا أن رابط الحب كان بينهم أقوى من أي شيء..


تفوه بصوت خافت ناظرًا إليها بعينين باهتة حزينة على كل شيء معاتبًا إياها لفراقها له على الرغم من أنها تعلم أنه ليس له غيرها:


-الغريب في الموضوع إنك الوحيدة اللي ليا.. إنك الجزء الحلو وأكتر حد يعرفني وأول حد بجري عليه.. الغريب إنك ببساطة عايزة تسيبيني 


لم تصدق حديثه بالمرة، لم تصدق أنه يرى نفسه بريء إلى هذه الدرجة، كيف له أن يكون هكذا؟. كيف له حقًا أن يسلب حقها في الإبتعاد والحزن على ما فعله وينسبه إليه؟..


ابتسمت بسخرية واستنكار قائلة:


-الغريب بجد إنك بجح.. أطلع بره 


نظر إليها للحظة فقط ثم فعل ما أرادت وخرج من الغرفة دون التفوه بحرف واحدًا تاركًا إياها وحدها في الداخل تعيد ترتيب كلماته جميعها من جديد..


لتحاول فهم كيف له أن يأخذ دورها ويحزن هو من أفعالها التي لا تعلم ما هي من الأساس، هي كل ما تعمله أنه فعل شيء وهي قابلته برد الفعل له والمناسب لها..


تابع قراءة الفصل