-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 5 -2

 

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بين دروب قسو ته رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 
الكاتبة ندا حسن 

الفصل الخامس 

الجزء الثاني 


عودة للصفحة السابقة



حضرت إليها صديقتها "إيناس" في المنزل كالعادة في الآونة الأخيرة، كانت تتردد عليها كثيرًا بعد ما تعرضت إليه وبقيت وحدها، لم تكن تفعلها سابقًا بل كانت تتقابل معها خارج المنزل في المطاعم والمقاهي لأنها تعلم أن "عامر" لا يطيق النظر إليها وهي تبادله نفس الشيء.. كما يقولون من القلب للقلب..


جلست معها خارج الفيلا في الحديقة بعيدة عن أعينه بعد أن علمت أنه بالداخل، تُرى لما الأسد داخله بقيٰ صامتًا بعد فعلتها!..


على كل حال هذا لا يهم، الآن هي توجد لأجل صديقتها، لأجل أن تقف جوارها في محنتها الصعبة، وتحاول معها أن تتجاوزها وتمر إلى منطقة أخرى غير تلك الحزينة التي وقعت بها وهذا ما كان أمام الجميع.. وما بالداخل سواد لأ حياة بعده..


لا تعلم أن الحزن بقلبها قد حفر مكانه وإن كانت تبتسم وتتظاهر بأن الأمر مضى، لم ولن يمضي فهي لم تخسر شيء ليس له قيمة، ولم تخسر فرد من عائلتها الحبيبة، بل خسرت الجميع كقائد دلف حرب بجيشه كله وخرج هو وحيدًا..


وضعت كف يـ ـدها على يـ ـد الأخرى تضغط عليها وكأنها تمدها بالدعم راسمة أمامها شعور القلق والأمان بذات الوقت:


-المهم تكوني كويسة يا سلمى


حركت الأخرى رأسها من الأعلى إلى الأسفل باستهزاء هاكمة وهي تقول:


-كويسة آه


ضغطت الأخرى على يـ ـدها أكثر مضيقة عينيها عليها ثم أعادت كل الحديث الذي قالته سابقًا كثيرًا من المرات:


-دا قضاء ربنا وقدره أنتي مش محتاجه أننا نفضل نقولك كده، أنتي عارفه كل حاجه وفاهمه ربنا بس بيسبب الأسباب


الإستماع إلى هذا الحديث سهل وقوله سهل، لكن الشعور به أصعب ما يكون، الجميع يكرر هذه الكلمات على مسامعها يظنون أنها لا تدري بالأمر!.. الشعور بالوحدة والألم كثيرًا عليها وتتحمله بصعوبة بالغة والألم داخل قلبها وليس مكان آخر:


-ونعم بالله، أنا راضية.. راضية بقضاء ربنا 


ابتسمت إليها "إيناس" بهدوء قائلة بنبرة متعقلة:


-أيوه كده يا حبيبتي


سحبت يـ ـدها من عليها ثم نظرت إليها بدقة كبيرة قبل النطق بهذا السؤال الهام لها وبشدة:


-هو محاولش معاكي تاني؟


عادت "سلمى" للخلف تستند على ظهر المقعد، رفعت يدها تزيح خصلات شعرها للخلف صائحة بضيق وانزعاج:


-شيلينا من سيرته بالله عليكي يا إيناس مش ناقصة وجع قلب 


تعلم أن الحديث في هذا الأمر يزعج صديقتها ولكنها لن تصمت، تصر على معرفة كل شيء كما كانت معها في السابق، تصر على معرفة ما يدور بينها وبينه، ذلك الأحمق الغبي:


-معلش أنا مقدره اللي أنتي فيه بس أنتي بردو لازم تاخدي قرار في حكايتك معاه.. وبصراحة كده أنا مش فاهمه أنتي إزاي مش هتكملي وتفضلي معاه في نفس البيت 


أجابتها الأخرى بقوة موضحة موقفها وقرارها الذي اتخذته أمام الجميع:


-أنا أخدت القرار ومش هكمل معاه وده شيء مفروغ منه أما إني أقعد هنا فأنتي عارفة عمي رفض سفري هروح فين يعني وبعدين ده بيتي بردو 


هنا بدأت ملامح وجهها تتغير من الهدوء إلى الضيق ثم في لحظة إلى الشفقة الخالصة، أخفضت وجهها إلى الأرضية ثم بنبرة خافتة وملامح بريئة بدأت بدس السم في حديثها المعسول:


-أنتي عارفه إني مش بعرف اخبي حاجه بس قعدتك هنا مع عامر في نفس البيت غلط.. ده مجنون ومتهور وممكن يعملك أي حاجه علشان توافقي ترجعيله


رفعت عينيها في لحظة خاطفة على ملامح وجه صديقتها، لم تكن تفهم ما الذي تريد أن تتوصل إليه بهذا الحديث، إنها معه منذ زمن بعيد وهي تعرف هذا لما الآن قد يتهور معها؟:


-قصدك ايه؟


رفعت عينيها هي الأخرى تقابلها بقوة وجدية كبيرة ملقية عليها الأكثر من حديثها السابقة الذي ربما يجعلها تبتعد عنه إلى الأبد:


-أنتي فاهمه قصدي عامر مش سهل يا سلمى هو آه ممكن يكون بيحبك بس الحب مش بيضعفه زي بقيت الناس ده قوي طول عمره ومهما كان ايه اللي هو عايزة بيعمله 


نفت "سلمى" حديثها بقوة وضيق كبير ظهر على ملامحها، أنها أكثر من يعرفه، تعرف كيف يفكر وكيف يكون، ربما هو قاسي، عنيف، هددها بذلك سابقًا ولكن قلبه لن يجعله يفعل هذا:


-عامر مش كده أبدًا 


ضحكت الأخرى بسخرية واستهزاء مُجيبة إياها بقوة وهي تُصر على حديثها الذي من المفترض أن هذا ليس ميعاده:


-أنتي بتكدبي عليا ولا على نفسك.. أنتي كنتي كل يوم في خناقة معاه 


تفوت بالكلمات من بين شفتيها بضيق وهي تعود بخصلاتها للخلف مرة أخرى:


-إيناس أقفلي السيرة دي 


لوت شفتيها بتهكم وأردفت قائلة بلا مبالاة:


-براحتك بس أنا صاحبتك وكان لازم أحذرك أنتي دلوقتي لوحدك قصاده


نظرت إلى البوابة الداخلية للفيلا عندما شعرت بوجوده، رأته خرج منها يسير في الحديقة متقدمًا من سيارته شامخ ثابت وكأنه لا يهتز أبدًا..


استدار بوجهه في سيره ونظر إليهم وكل منهن كان لها النظرة الخاصة بها، نظرة لحبيبته خاصة جدًا بينهم تحكي الكثير والكثير وداخلها مشاعر مدفونة تريد التحرير ولو توافق هي على ذلك لكان أسعد رجل في الحياة..


ونظرة أخرى إلى عدوة حبيبته وعدوته قبلها، يعلم أنها لا تكنُ الحب إلى "سلمى" ولو بذرة واحدة، يعلم أنها تبغضها كثيرًا وقد حذرها ولكنها توفي إليها بكل الحب القابع داخلها تجاه رابط الصداقة بينهم..


نظرته إليها كانت كريهة بغيضة، عينين حادة قاسـ ـية تُلقي عليها السلام من خلال الصمت القابع داخله، ولم يكن سلام عادي بل كان سلام بالشر..


وزعت "سلمى" نظراتها عليهم هم الاثنين، وجدته يبادلها نظرات الكره والغضب وهي الأخرى مثله تمامًا، عينيها قاسـ ـية عليه تنظر إليه بحدة ولم تخفضهما كما كانت تفعل دائمًا..


لما يتبادلون هذه النظرات القاسية؟.. لما هي لا تحبه وهو يبادلها نفس الشعور؟..


دلف السيارة وأبعد نظره عنهم ثم خرج من الفيلا بأكملها، عادت هي بنظراتها المُستفهمة إلى "إيناس" وكأنها تتسائل بعينيها عما يدور بينهم ولكن الأخرى قابلتها بسؤال بعيد عن كل شيء وللحق كانت على علم بتساؤلات "سلمى" المرتسمة بعينيها:


-هي فين هدى؟ لسه بردو حابسة نفسها؟


فعلت المثل وتركت كل ما كانت تفكر به على جانب وأجابتها: 


-لأ بقت كويسة دلوقتي هي فوق 


وقفت على قدميها مقترحة:


-طب تعالي نطلعلها


اومات إليها ووقفت من بعدها هي الأخرى ثم بدأت في السير متجهة إلى داخل الفيلا، السير واحد والإتجاه واحد، العقل هنا به الكثير من البراءة والآخر به الكثير من الخبث


❈-❈-❈


بعد كل ما مر عليهم، وبعد ذلك الوقت الذي حاول الجميع فيه الشفاء مما حدث، لم يتغاضى والده عن حديثه الذي ألقاه عليهم في يوم الحادث، يوم أن وقعت تلك المصيبة الكبيرة على رؤوسهم، قبل خروجه من المنزل قد هدد أنه لن يتركها ترحل مهما كلفه الأمر، لن يتركها تعبر الحدود وتمر إلى بلد أخرى وبدى واثقًا من حديثه للغاية وكأنه مُرتبًا له سابقًا..


لم يتغاضى عن نظرة عينيه ولغة جـ ـسده الواضحة المُحددة لموقفها والثابتة على رأيها، لقد ظهر جيدًا في ذلك الوقت كالنمر الهائج الذي خرج عن صمته في غابة الظلم..


والآن قبع الشك داخل قلب والده وهو يتذكر كل حركة صدرت عنه في تلك اللحظات التي مر عليها أيام وليالي، كلما تذكره في ناحية قابلته الناحية الأخرى بشك مميت يود لو يقتله، فلن يرحب بفكرة أن ابنه الوحيد هو من قام بتدبير ذلك الحادث لعمه وعائلته.. فقط لأجل ابنته!..


وقف أمام عيني والده شامخًا، واضعًا يـ ـده الاثنين في جيوب بنطاله الكلاسيكي الأنيق الذي يعلوه قميص أبيض يختفي داخل البنطال، رافعًا أكمامه إلى منتصف ذراعيه لتظهر عروق يـ ـده البارزة بقوة..


جـ ـسده ثابت شامخ أمام نظرات والده وعينيه البُنية تلمع في تلك الإضاءة العالية مثبت أبصاره عليه ولم يتزحزح عنه..


استدعاه والده وقد أتى إلى هنا في مكتبه ليقف أمامه مُنتظر أن يقول ما الذي يريده منه!.. بقيٰ الآخر جالسًا على مقعده خلف مكتبه واحتدت نظراته فقط عند ولوج ابنه عليه غرفة المكتب وقد لاحظ "عامر" ذلك الشيء ولكنه لم يعطيه أدنى إهتمام لانه يعرف طباع والده وصفاته معه..


مسح والده على وجهه بكفي يـ ـده الاثنين ثم زفر بقوة ورفع رأسه إلى ابنه ينظر عليه بثبات ليرى تعابير وجهه:


-أنت هددت قبل ما تمشي في اليوم إياه إن سلمى مش هتطلع من البلد مش كده؟


بقيٰ الآخر على وضعه ولم يحاول فهم ما الذي يريده والده من سؤال كهذا قد مر ومضى وأخلف من بعده كثير من النتائج الموجعة للقلوب:


-حصل 


أتى سؤال والده هذه المرة حاد قوي واثق، عينيه احتدت أكثر وأكثر عليه وهو يلقي بتلك الكلمات:


-أنت اللي دبرت الحادثة؟


ألمه ضميره لما حدث حقًا، وشعر للحظات أنه كان السبب في ذلك ولكن ليس بهذه الطريقة المُرة!.. أخرج يـ ـده من جيوب بنطاله واعتدل في وقفته متقدمًا يسير على قدميه إلى ناحية والده وقد ظهرت ملامح الصدمة والذهول على وجهه:


-أنت بتقول ايه؟


وقف والده على قدميه وأبعد المقعد من خلفه، أبصر ولده بعينين حادة وقاسـ ـية ضاغطًا على نفسه أكثر لكي يكمل ما بدأه وليعرف هل لشكه مكان بينهم؟:


-بقول اللي سمعته.. أنت هددت أنها مش هتطلع من البلد وكنت واثق أوي ومشيت وسبتنا، كنت هتوقفها إزاي؟ قولي كنت هتوقفها إزاي إلا بالطريقة دي! الحادثة دي مكنتش صدفة ولا قضاء وقدر الحادثة دي كانت متدبرة راح فيها أخويا ومراته وابنه اللي هو جوز بنتي.. راح فيها عيلتي وأنت السبب 


لم يأخد "عامر" الوقت الكافي ليفكر في هذا الحديث القاسي المُعذب لقلبه، بل صرخ بصوتٍ عالٍ في وجهه وهو يتقدم أكثر ليقف أمام المكتب مباشرة وليكن هو الفاصل بينهم:


-أنا مش مستغرب إنك تفكر فيا بالشكل ده، وآه أنا أعمل أي حاجه تخطر على بالك مش هكدب ولا هبرر حتى لو كنت معملتهاش.. لكن تيجي عند عمي اللي هو كان أب ليا قبل منك فده مستحيل، ياسين كان أخويا وعمي أحمد كان أبويا قبلك ومتنساش إن سلمى كانت معاهم في العربية يعني لو عايز أموتهم مش هعمل كده وهي معاهم..


عاد للخلف قليلًا ومازال ناظرًا إليه ولكن بعينين أصبحت ضعيفة مُنكسرة، مهزومة في واقعها، لمعتها أصبحت باهتة للغاية وهزم جـ ـسده ومال للأمام منحنيًا عليه، وبصوت أصبح خافتًا أردف:


-كنت متوقع أي حاجه منك... إلا دي 


استدار بجـ ـسد متشنج ووجه عابس للغاية ليذهب من هنا، لم يكن مُتوقع أبدًا أن والده يفكر به بهذه الطريقة وبهذا الشكل المُغزي، لقد فعل كثير من الأشياء الخاطئة وأزداد في المعصية وأبتعد عن الله وأصبح لا حاكم له من هذه العائلة ولكن أن يقتلهم!.. يقتل عائلته! يقتل عمه الذي كان له الأب الأول! يقتل زوجته وأمه الثانية أم يقتل شقيقه وزوج شقيقته!.. من يقتل منهم! والمضحك حقًا ومثير للسخرية أن حبيبته ومن فعل لأجلها كل هذا كانت معهم!..


ربما كان يريد قتلها هي!.. كيف له أن يكون هكذا؟ كيف له أن يفكر به بهذه الطريقة وكيف استطاع أن يواجهه بهذا الحديث القاسي الذي هشم قلبه..


إلى هذه الدرجة يراه بشع ودنيء! يراه مُجرم! لقد كانت هذه العائلة هي صاحبة السعادة في فيلا مسكونة بالأشباح كوالده، يدفن السعادة بيـ ـده!؟..


خرج من الغرفة وهو غاضب وبشدة، قلبه وعقله وكل ما به كان على حافة الهاوية بسبب حديث ليس له أي أساس من الصحة ويالا حظه الرائع في كل مرة..


كانت هناك من تقف خلف الباب بعد أن جذبها الحديث الدائر في الداخل، أخفت نفسها عندما شعرت بخروجه من الغرفة وبقيت صامتة تهبط الدموع من عينيها بغزارة والصمت على ملامحها بينما داخلها براكين ثائرة تنوح بالداخل عن ما فعله..


أيعقل أن يكون هو من قتل عائلتهم! هو من قتل "ياسين"!. لم يشعر بالشفقة لأجل شقيقته!.. لم يشعر بالشفقة لأجلها أبدًا!.. أخذها من زوجها وجعلها أرملة في سن صغير كهذا!..


كل هذا لأجل حبيبته!.. هو المخطئ، هي لم تفعل شيء إلا ما كان عليها فعله منذ الكثير ولكنها كانت تغفر له في كل مرة وتعظم الحب الذي بينهم على حساب نفسها وسعادتها..


هو من كان السبب الرئيسي في كل ذلك!.. هل قتلهم حقًا!.. شك والده به لم يأتي من فراغ مؤكد هناك شيء يعلمه لذا قبع الشك داخله عن أنه من فعلها..


وضعت يـ ـدها على شفتـ ـيها تكتم بكائها الحاد وآلامها الذي خرجت مرة أخرى بعد أن قاربت على البدء في مرحلة الشفاء من مغادرة الحبيب والمحبوب لها..




يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة